إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

    يقول الشيخ الطاهر بن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة :
    قال رحمه الله: "وقد عرض لي الآن أن أعد من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يصدر عنها قول منه أو فعل اثني عشر حالا، منها ما وقع في كلام القرافي ومنها ما لم يذكره،
    وهي:
    التشريع والفتوى والقضاء والإمارة، والهدي، والصلح، والإشارة على المستشير،
    والنصيحة وتكميل النفوس، وتعليم الحقائق العالية، والتأديب، والتجرد عن الإرشاد"


    وسيكون هذا الموضوع مخصص إن شاء الله لشرح هذه الوظائف الإثنا عشر
    نقلاً من كلام الشيخ بن عاشور رحمه الله

    المصدر :
    http://shamela.ws/browse.php/book-17...1368#page-1366

    التعديل الأخير تم بواسطة أبوسلمى المصري; الساعة 14-12-2016, 04:30 PM.
    اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

  • #2
    رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

    1- حال التشريع

    فأما حال التشريع فهو أغلب الأحوال على الرسول عليه الصلاة والسلام إذ لأجله بعثه الله، كما أشار إليه قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} (1).
    وقرائن الانتصاب للتشريع ظاهرة، مثل خطبة حجة الوداع (2)
    وكيف أقام مسمِّعين يُسمِّعون الناس ما يقوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( 3)
    ومثل قوله عليه الصلاة والسلام في حجّة الوداع: "خذوا عني مناسككم" (4)، وقوله عقب الخطاب: "ليبلغ الشاهدُ منكم الغائب" (5).




    (1) آل عمران: 144.
    (2) انظر 15 كتاب الحج، 19 باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ح 147 مَ: 1/ 889 - 890.
    (3) وهم المعبّرون الذين يعبّرون عنه - صلى الله عليه وسلم -. فمن ذلك اتخاذه - صلى الله عليه وسلم - علياً ليعبّر عنه. روى ذلك مسدّد برجال ثقات عن هلال بن عامر المزني عن أبيه. وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس قال: لما وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة أمر ربيع بن أمية بن خلف فقام تحت يدي الناقة وكان رجلاً صيتاً، فقال: "اصرخ أيها الناس أتدرون أيّ شهر هذا؟ " فصرخ.
    انظر عبد الحي الكتاني. التراتيب الإدارية: (1): 1/ 70؛ انظر 5 كتاب المناسك، 73 باب في أي وقت يخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، ح 1956: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس في منى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي رضي الله عنه يعبّر عنه، والناس بين قاعد وقائم" دَ: 2/ 489؛ 26 كتاب اللباس، 21 باب الرخصة في الحمرة، ح 4073. دَ: 4/ 338؛ وأورده حَم: 3/ 477.
    وحديث عامر المزني، وهو رجل من أهل بدر - بين يديه - يعبّر عنه: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس على بغلة شهباء، وعلي يعبّر عنه". وربما دعي المعبّر بالمنادي، كالذي أمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي ألا إن الخمر قد حرمت خَ، وكالذي نادى يوم خيبر إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهاكم عن لحوم الحمر خَ، أو كالذي بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - ينادي في الناس: "إن من ضيّق منزلاً أو قطع طريقاً فلا جهاد له". انظر الخزاعي. تخريج الدلالات السمعية: 301. وسمّى ابن هشام المعبّر الصارخ. ابن هشام، حجة الوداع، اسم الصارخ بكلام الرسول وما كان يردّده. السيرة: 4/ 605.
    (4) ورد الحديث بلفظ: "خذوا مناسككم"، وبلفظ: "لتأخذوا مناسككم". انظر 15 كتاب الحج، 51 باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً وبيان قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لتأخذوا مناسككم"، ح 310. مَ: 1/ 943. وانظر: 5 كتاب المناسك، 78 باب في رمي الجمار، ح 1970. دَ: 2/ 495 - 496 وانظر 24 كتاب المناسك، باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم. نَ: 5/ 269 - 270؛ حَم: 3/ 318، 337، 366، 378. = وفي شرح مسلم: "لتأخذوا مناسككم". اللام لام الأمر، ومعناه: خذوا مناسككم. وهكذا وقع في رواية غير مسلم. وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم فخذوها عنّي واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلّموها الناس. النووي: 9/ 45.
    (5) انظر 3 كتاب العلم، 37 باب ليبلغ العلمَ الشاهدُ الغائب. خَ: 1/ 34 - 35؛ 25 كتاب الحج، 132 باب الخطبة أيام منى، ح 1، 3. خَ: 2/ 213؛ 64 المغازي، 51 باب ثنا سعيد بن شرحبيل، ح 3. خَ: 5/ 94 - 95؛ انظر 15 كتاب الحج، 82 باب تحريم مكة، وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام، ح 446. مَ: 1/ 987 - 988؛ انظر 7 كتاب الحج، 1 باب ما جاء في حرمة مكة، ح 809. تَ: 3/ 173 - 174.
    اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

    تعليق


    • #3
      رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

      جزاكم الله خيرًا
      نتابع معكم بإذن الله

      تعليق


      • #4
        رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

        2- حال الإفتاء

        وأما حال الإفتاء : فله علامات، مثل ما ورد في حديث الموطأ والصحيحين عن عبد الله بن عمرو وعن ابن عباس: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف في حجة الوداع على ناقته بمنى للناس يسألونه، فجاء رجل فقال: لم أشعُرْ فحلقت قبل أن أنْحَر، فقال: "انحر ولا حرج"، ثم جاء آخر فقال: نحرت قبل أن أرمي، قال: "ارم ولا. حرج"، ثم أتاه آخر فقال: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، قال: "ارم ولا حرج". فما سئل عن شيء قُدَّم ولا أخَّر ممّا ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض إلّا قال: "افعل ولا حرج" (1).



        (1) انظر 20 كتاب الحج، 81 باب جامع الحج، ح 242. طَ: 1/ 421؛ انظر 15 كتاب الحج، حديث ابن عباس، 130 باب إذا رمى بعدما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسياً أو جاهلاً، ح 1، 2. خَ: 2/ 190؛ 131 باب الفتيا على الدابة عند الجمرة، ح 1، 2، 3. خَ: 2/ 190؛ انظر 15 كتاب الحج، 57 باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي، أحاديث 327 - 334. مَ: 1/ 948 - 950.

        اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

        تعليق


        • #5
          رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

          3-حال القضاء

          وأما حال القضاء فهو ما يصدر حين الفصل بين المتخاصمين المتشادّين مثل قوله عليه الصلاة والسلام: "أمسك يا زبير حتى يبلغ الماء الجَدْر ثم أرسله" (1).
          ومثل قضائه في خصومة الحضرمي والكندي في أرض بينهما الوارد في صحيح مسلم (2). فكلُ تصرُّفٍ كان بغير حضور خصمين فليس بقضاء، مثل ما في حديث هند بنت عتبة المتقدم (3).
          ومن أمارات ذلك قول الخصم للرسول عليه الصلاة والسلام: اقضِ بيننا، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "لأقضين بينكما". مثاله: ما في حديث الموطأ عن زيد بن خالد الجهني، قال: جاء أعرابي ومعه خصمه، فقال: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله. وقال خصمه [وكان أفقه منه]: صدق، اقضِ بيننا بكتاب الله وأذن لي أن أتكلم. وذكرا قضيتهما. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأقضين بينكما بكتاب الله .. " (4) إلخ.
          وقد استقصى الإمام محمد بن فرج مولى ابن الطلاع القرطبي معظم أقضية رسول الله في كتاب ممتع.
          وقوله: حين شكت إليه حبيبة بنت سهل الأنصاري زوجة ثابت بن قيس، وذكرت أنها لا تحبّه، فقال لها رسول الله عليه الصلاة والسلام: "أتردّين عليه حديقته؟ " قالت: كل ما أعطاني هو عندي، فقال رسول الله لثابت: "خذ منها". فأخذ حديقته وطلقها (5).
          وهذه الأحوال الثلاثة كلُّها شواهد التشريع، وليست التفرقة بينها إلا لمعرفة اندراج أصول الشريعة تحتها.
          والفتوى والقضاء كلاهما تطبيق للتشريع.
          ويكونان في الغالب لأجل المساواة بين الحكم التشريعي والحكم التطبيقي، بحيث تكون المسألة أو القضية جزئياً من القاعدة الشرعية الأصلية، بمنزلة لزوم المقدمة الصغرى للكبرى في القياس. وقد يكونان لأجل عموم وخصوص وجهي بين الحكم التشريعي العام وبين حكم المسألة أو القضية بأن يكون المستفتي قد عرض لفعله عارض أوجب اندراجه تحت قاعدة شرعية، لا لكون الفعل نفسه مندرجاً تحت قاعدة شرعية، بمنزلة لزوم إحدى القضيتين للأخرى في قياس المساواة المنطقي بواسطة مقدمة غريبة (6).

          مثاله في الفتوى: النهي عن الانتباذ في الدُّبَّاء والحَنْتَم والمُزَفَّت والنَّقير (7)، فإن هذا النهي تعيّن كونه لأوصاف عارضة توجب تسرّع الاختمار لهذه الأنبذة في بلاد الحجاز. فلا يؤخذ ذلك النهي أصلاً يُحرّم لأجله وضعُ النبيذ في دباءة أو حنتمة مثلاً لمن هو في قطر بارد. ولو قال بعض أهل العلم بذلك لعرَّض الشريعة للاستخفاف.
          وكذلك القول في الأقضية مثل: قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة للجار (8). فإن ذلك يُحمل على أن الراوي رأى جاراً قُضِي له بالشفعة ولم يعلم أنه شريك



          (1) انظر 42 كتاب المساقاة، 8 باب شرب الأعلى إلى الكعبين. خَ: 3/ 76 - 77؛ 53 كتاب الصلح، 12 باب إذا أشار الإمام بالصلح فأبى؛ حكم عليه بالحكم البين. خَ: 3/ 171؛ انظر 43 كتاب الفضائل، 36 باب وجوب اتباعه - صلى الله عليه وسلم -، 129. مَ: 2/ 1829 - 1830؛ وانظر 28 كتاب الأقضية، 31 أبواب من القضاء، ح 3637. دَ: 4/ 51 - 52؛ انظر 13 كتاب الأحكام، 26 باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء، ح 1363. تَ: 3/ 644 - 645؛ انظر 49 كتاب آداب القضاة، 19 باب الرخصة للحاكم الأمين أن يحكم وهو غضبان. نَ: 8/ 238 - 239، 27 باب إشارة الحاكم بالرفق. نَ: 8/ 245؛ انظر 16 كتاب الرهون، 20 باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء، ح 2480. جَه: 2/ 829. ابن الطلاع: 469.
          (2) التخاصم بين الحضرمي، وهو في رواية الأشعث: جرير بن معدان، ويعرف بالخفشيش والكندي. أورده ابن الطلاع. أقضية الرسول: 454.
          وهو عند مسلم من رواية قتيبة بن سعيد عن أبي الأحوص عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: "جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقال الكندي: هي أرض في يدي أزرعها ليس له فيها حق. فقال رسول الله للحضرمي: "ألك بينة؟ " قال: لا. قال: "فلك يمينه". قال: يا رسول الله. إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورّع من شيء. فقال: "ليس لك منه إلا ذلك". فانطلق ليحلف. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أدبر: "أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلماً ليلقين الله وهو عنه معرض". انظر 1 كتاب الأيمان، 61 باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، ح 223. مَ: 1/ 123 - 124.
          وفي حديث مثله بعده، من رواية زهير بن حرب عن أبي الوليد، تسمية الخصمين: امرئ القيس بن عابس الكندي الشاعر - ويقال: هو خال أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف -، وربيعة بن عبد الله الحضرمي، ح 224. مَ: 1/ 124. الخطيب البغدادي. الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة: 427.
          (3) تقدم: 93/ 1.
          (4) انظر حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني: 41 كتاب الحدود، 1 باب ما جاء في الرجم، ح 6. طَ: 2/ 822. انظر 40 كتاب الوكالة، 13 باب الوكالة في الحدود، ح 1. خَ: 3/ 65؛ 83 كتاب الأيمان والنذور، 3 باب كيف كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم -، ح 5. خَ: 7/ 218؛ 86 كتاب الحدود، 30 باب الاعتراف بالزنى. خَ: 8/ 24 - 25؛ 38 باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنى عند الحاكم. خَ: 8/ 30؛ 46 باب هل يأمر الإمام جلاداً (أو رجلاً) فيضرب الحد غائباً عنه. خَ: 8/ 34؛ انظر 29 كتاب الحدود، 5 باب من اعترف على نفسه بالزنا، ح 25. مَ: 2/ 1324 - 1325. انظر 85 كتاب الحدود، 5 باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع، ح 1429. تَ: 4/ 36 - 37؛ 8 باب ما جاء في الرجم على الثيب، ح 1433. تَ: 4/ 39 - 40؛ انظر 49 كتاب آداب القضاء، 22 باب صون النساء عن مجلس الحكم، ح 5407، 5408. نَ: 8/ 240 - 242؛ ابن الطلاع: 150.
          (5) انظر 68 كتاب الطلاق، 12 باب الخلع وكيف الطلاق فيه. خَ: 6/ 170؛ انظر 7 كتاب الطلاق، 18 باب في الخلع، ح 2227 - 2229. دَ: 2/ 667 - 670. انظر 27 كتاب الطلاق، 34 باب ما جاء في الخلع. نَ: 6/ 168 - 170؛ انظر 10 كتاب الطلاق، 22 باب المختلعة تأخذ ما أعطاها، ح 2056 - 2057. جَه: 1/ 663؛ انظر 29 كتاب الطلاق، 11 باب ما جاء في الخلع، ح 31. طَ: 2/ 564. ولفظه: باختلاف رواياته عند ابن الطلاع. أقضية الرسول في حكمه - صلى الله عليه وسلم - في الخلع: 374.
          (6) المساواة - عند المناطقة: - عبارة عن صدق كل من المفهومين على جميع ما يصدق عليه الآخر. التهانوي. كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم: 3/ 727. وقياس المساواة عند المناطقة: هو ما يتركب من قضيتين، متعلقُ محمولِ أولاهما يكون موضوع الأخرى، كقولنا (أ) مُساوٍ لـ (ب) و (ب) مُساوِ لـ (ج)، فإنه يستلزم أن (أ) يكون مُساوياً لـ (ج) لكن لا لذاته بل بواسطة مقدمة أجنبية - وتكون حدودها مغايرة لحدود مقدمات القياس - وهي أن كل مساوي المساوي مساوٍ. ولهذا لم يتحقق ذلك الاستلزام إلا حيث تصدق هذه المقدمة، وحيث لا فلا؛ كقولنا (أ) نصفُ (ب) و (ب) نصف (ج) لم يلزم منه أن يكون (أ) نصفَ (ج) لأن نصف النصف لا يكون نصفاً. الخبيصي. شرح التهذيب: 223 - 224.
          (7) ورد النهي عن هذه الأربعة في أحاديث كثيرة في الكتب الستة، وعند الدارمي والإمام أحمد. وقد اختلفت صيغها. فمنها: ما جاء بالوجه الذي ذكره المؤلف. وربما ورد النقير أو المقيّر في: 3 كتاب العلم، 25 باب تحريض النبي وفد عبد القيس، ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت. قال شعبة ربما قال: "النَّقير" وربما قال: "المقَيَّر". خَ: 1/ 30؛ وربما ورد "المقَيَّر" بدل "المزفّت" كما في 9 كتاب مواقيت الصلاة، 2 باب {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. خَ: 1/ 133. وربما قصر النهي عن "الدباء والمزفت" كما في 74 كتاب الأشربة، 8 باب ترخيص النبي في الأوعية والظروف بعد النهي. عن إبراهيم. قلت للأسود: هل سألت عائشة أم المؤمنين عما يكره أن ينتبذ فيه؟ قالت: نهانا في ذلك أهل البيت أن ننتبذ في الدباء والمزفت. قلت: أما ذكَرَتْ الجرَّ والحَنتم؟ قال: إنما أحدّثك بما سمعت! أحدّث ما لم أسمع! ح 5. خَ: 6/ 244.
          وفي مسلم بيان وتفصيل من النبي - صلى الله عليه وسلم - للأربع أوعية المنهي عنها جاء فيه: "وأنهاكم عن أربع: عن الدُّبَّاء والحَنتم والمزفّت والنَّقير". قالوا: يا نبي الله ما علمك بالنَّقير؟ قال: "بلى، جذع تنقُرُونه فتقذفون فيه من القُطَيعاء، ثم تصبون فيه من الماء، حتى إذا سكن غليانه شربتموه، حتى إن أحدكم ليضرب ابن عمه بالسيف". وانظر 10 كتاب الإيمان، 6 باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله وشرائعه، ح 26. مَ: 1/ 48 - 49. وورد عند مسلم ما لا يُحتاج معه إلى تأويل أو تعليل لأنه من باب نسخ نصّ بنصّ ففي صحيح مسلم نسخ لهذه الأحاديث كلها بما رواه بريدة عن أبيه: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً"، وفي رواية: "وإن الظروف أو ظرفاً لا يحل شيئاً ولا يحرمه، وكل مسكر حرام"، وفي أخرى: "فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً". 36 كتاب الأشربة، 6 باب النهي على الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم والنقير، وبيان أنه منسوخ، وأنه اليوم حلال ما لم يصر مسكراً، ح 63 - 66. مَ: 2/ 1584 - 1585.
          (8) الشفعة: هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه مِنْ يد مَنْ انتقلت إليه. وعرفها المالكية بأنها: استحقاق شريك في عقار مشاع أخذ ما عاوض شريكه بثمنه أو قيمته بصيغة. والأحاديث فيها كثيرة مختلفة ومتنوعة. منها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أرض بيعت وليس لها شريك ولها جار، فقال: "الجار أحقّ بشفعتها"، وروي: "الجار أحق بسقَبه"، و: "الجار أحق بشفعته".
          انظر 37 كتاب الشفعة، 32 باب عرض الشفعة على صاحبها. خَ: 3/ 47؛ 90 كتاب الحيل، 15 باب احتيال العامل ليهدى له. خَ: 8/ 66؛ انظر 17 كتاب البيوع، 75 باب في الشفعة، ح 3516. دَ: 3/ 786؛ انظر 13 كتاب الأحكام، 32 باب ما جاء في الشفعة للغائب. تَ: 3/ 651؛ انظر 44 كتاب البيوع، 109 باب ذكر الشفعة وأحكامها. نَ: 7/ 320 - 321؛ انظر 17 كتاب الشفعة، 2 باب الشفعة بالجوار، ح 2495، 2496. جَه: 2/ 833 - 834؛ حَم: 3/ 303، 6/ 10، 390.
          ومن ذلك: حديث عمرو بن الشريد أن أبا رافع جاء إلى سعد بن أبي وقاص فقال: يا سعد، ابتع منّي بيتَيَّ في دارك. فقال سعد: والله ما أبتاعهما. فقال المسوّر بن مخرمة: والله لتَبْتَاعنَّهما. فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعَة. قال أبو رافع: لقد أُعطيتُ بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الجار أحق بسقبه" ما أعطيتكها بأربعة آلاف، وأنا أعطى بها خمسمائة دينار، فأعطاها إياه؛ انظر 36 كتاب الشفعة، 2 باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع. خَ: 3/ 47. وحديث جابر: "الجار أحق بشفعته يُنتَظر به، وإن كان غائباً، إذا كان طريقهما واحداً". انظر 22 كتاب البيوع، 73 باب في الشفعة، ح 3518. دَ: 3/ 787 - 789. انظر 13 كتاب الأحكام، 32 باب الشفعة للغائب، ح 1369. تَ: 3/ 651؛ انظر 18 كتاب الشفعة، 2 باب الشفعة بالجوار، ح 2464. جَه: 2/ 833.
          وذكر محمد بن الحسن الشيباني قال: ذكر أبو عبيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "قضى أن لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منفعة ولا ركح ولا زهو". وأهل المدينة لا يقضون بالشفعة إلا للشريك المخالط. وعند الشافعي لا تثبت عنده
          بالخلطة، وكذا بالجوار، وإنما هي حق للشريك فقط. وقصرها المالكية؛ لقضاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل ما لم يقسم، وقوله: "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة". انظر 36 كتاب الشفعة، 1 باب الشفعة فيما لم يقسم خَ: 3/ 46 - 47.
          وأورد الإمام مالك في ذلك حديث عبد الرحمن بن عوف: 35 كتاب الشفعة، 1 باب ما تقع فيه الشفعة، وقال بإثره: وعلى ذلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا. طَ: 2/ 713. وأوّلوا الجار في حديث عمرو بن الشريد بشريك أبي رافع، لأن أبا رافع كان شريكاً لسعد في البيتين. ولهذا دعاه للشراء منه. الشوكاني. نيل الأوطار: كتاب الشفعة 6/ 86 - 87. وأهل العراق يثبتون الشفعة للجار الملاصق وإن لم يكن شريكاً. وفي كتاب أبي عبيد: "أن النبي قضى بالشفعة للجار". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الجار أحق بسقَبه". ابن الطلاع. أقضية الرسول: 475 - 477. وقال أبو حنيفة: يقدم الشريك. فإن لم يكن وكان الطريق مشتركاً كدرب لا ينفذ، تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب، الأقرب فالأقرب. فإن لم يأخذوا؛ تثبت للملاصق من درب آخر خاصة. ابن قدامة. المغني: 7/ 436 - 437.

          اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

          تعليق


          • #6
            رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

            4- حال الإمارة
            وأما حال الإمارة فأكثر تصاريفه لا يكاد يشتبه بأحوال الانتصاب للتشريع إلا فيما يقع في خلال أحوال بعض الحروب مِمَّا يحتمل الخصوصية، مثل: النهي عن أكل لحوم الحُمُر الأهلية في غزوة خيبر(1).
            فقد اختلف الصحابة: هل كان نهيُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الحمر الأهلية وأمرُه بإكفاء القدور التي طبخت فيها نهيَ تشريع، فيقتضي تحريم لحوم الحمر الأهلية في كل الأحوال؟ أو نهيَ إمرة لمصلحة الجيش (2)، لأنهم في تلك الغزوة كانت حمولتهم الحمير.
            وقد تقدم كلام الشهاب القرافي في الإذن بإحياء الموات (3).
            وقد قال رسول الله عليه السلام يوم حنين: "من قتل قتيلاً فله سلَبُه" (4).
            رواه مالك في الموطأ و [رجاله] رجال الصحيح. فجعل مالك ذلك تصرّفاً بالإمارة. فقال: لا يجوز إعطاءُ السَّلَب إلّا بإذن الإمام، وهو من النفل، وهو خارج من الخمس الذي هو موكول لاجتهاد أمير الجيش. وبذلك قال أبو حنيفة أيضاً. وقال الشافعي وأبو ثور وداود: لا يتوقّف ذلك على إذن الإمام، بل هو حق للقاتل (5). فرأوه تصرّفاً بالفتوى والتبليغ.


            (1) ووردت بهذا النهي أحاديث كثيرة مختلفة الصيغ. انظر 57 كتاب الخمس، 20 باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب، ح 3. خَ: 4/ 61 - 62؛ 64 كتاب المغازي، 38 غزوة خيبر، ح 2، 3، 28. خَ 5/ 72 - 73، 79؛ 67 كتاب النكاح، 31 باب نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة آخراً، ح 1. خَ: 6/ 129؛ 72 كتاب الذبائح، 28 باب لحوم الحمر الأنسية خَ: 6/ 229.
            انظر 162 كتاب النكاح، 3 باب نكاح المتعة، ح 30، 31، 32. مَ: 2/ 1027 - 1028؛ 34 كتاب الصيد، 5 باب تحريم لحم الحمر الإنسية.
            مَ: 2/ 1537 - 1540؛ وانظر 9 كتاب النكاح، 29 باب ما جاء في تحريم نكاح المتعة، ح 1121. تَ: 3/ 429 - 430؛ 26 كتاب الأطعمة، 6 باب ما جاء في لحوم الحمر الأهلية. تَ: 4/ 254 - 255؛ انظر 26 كتاب النكاح، 71 باب تحريم المتعة. نَ: 125 - 126؛ 42 كتاب الصيد، 31 باب تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية. نَ: 7/ 202 - 204؛ انظر 27 كتاب الذبائح، 13 باب لحوم الحمر الوحشية. جَه: 2/ 1064 - 1066؛ انظر 6 كتاب الأضاحي، 21 باب في لحوم الحمر الأهلية، ح 1996 - 1997. دَي: 2/ 412؛ 11 كتاب النكاح، 16 باب النهي عن متعة النساء، ح 2201 - 2203. دَي: 2/ 462؛ حم: 3/ 115، 121، 164؛ 4/ 132.
            (2) استخرج العلماء من اختلاف الروايات وما لابسها أسباب النهي، ويظهر ذلك بالرجوع إلى حديث ابن أبي أوفى في ذلك. قال: "أصابتنا مجاعة ليالي خيبر. فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها. فلمّا غلت القدور نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكفِئوا القدور فلا تطعموا من لحوم الحمر شيئاً".
            وقال قوم: حرّمها لعارض مثل: سعيد بن جبير، وقال آخرون: حرّمها لذاتها ...
            والحاصل أن الصحابة اختلفوا في علّة النهي عن لحم الحمر، هل هو لذاتها أو لعارض؟. ابن حجر. الفتح: 57 كتاب فرض الخمس، 20 باب ما يصيب، من الطعام في أرض الحرب، ح 3 ع 3155. خ: 6/ 255 - 257.
            وفي كتاب المغازي أحاديث كثيرة بهذا المعنى عن ابن عمر وعلي بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله وابن أبي أوفى والبراء وابن عباس. وقد وقف ابن حجر عند حديث ابن أبي أوفى: "إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنها لم تخمس". وذيله بقوله: "فتحدثنا أنّه إنّما نهى عنها لأنها لم تخمس؛ وقال بعضهم: نهى عنها البتة، لأنها كانت تأكل العذرة"؛ وعن ابن عباس: لا أدري أنَهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم؟ أو حرّم في يوم خيبر لحم الحمر الأهلية؟. ابن حجر. الفتح: 7/ 481 - 483؛ 9/ 653.
            وفي الصحيح: 72 كتاب الذبائح والصيد، 28 باب لحوم الحمر الإنسية، عن أنس: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه جاءٍ فقال: أكلت الحمر. ثم جاءه جاءٍ فقال: أكلت الحمر. ثم جاءه جاءٍ فقال: أفنيت الحمر. فأمر منادياً فنادى في الناس: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحُوم الحُمر الأهلية فإنها رجس" فأكفئت القدور، وإنها لتفور باللحم". خَ: 6/ 230؛ ابن حجر. الفتح: 9/ 653 - 656.
            (3) راجع 91 - 92.
            (4) تقدم: 94/ 2.
            (5) تقدم: 96/ 1.
            اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

            تعليق


            • #7
              رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

              5- حال الهدي والإرشاد

              وأمّا حالُ الهدي والإرشاد: فالهدي والإرشاد أعمّ من التشريع (1)؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد يأمر وينهى.

              ليس المقصود العزم، ولكن المقصود الإرشاد إلى طرق الخير. فإن المرغّبات، وأوصاف نعيم أهل الجنة، وأكثر المندوبات من قبيل الإرشاد. فأنا أردت بالهدي والإرشاد هنا خصوصَ الإرشاد إلى مكارم الأخلاق وآداب الصحبة، وكذلك الإرشاد إلى الاعتقاد الصحيح.
              وفي الحديث الصحيح عن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عبيدُكم خَوَلُكم جعلهم الله تحت أيديكم. فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليُلْبسْه مما يلبس، ولا يكلَّفه من العمل ما لا يطيق، فإن كلَّفه فليعنه". قال الراوي: "لقيت أبا ذر وغلاماً له، وعلى غلامه حلّة، فقلت لأبي ذر: ما هذا؟ فقال: تعال أحدثْك إني ساببت عبداً لي، فعيّرته بأمه، فشكاني إلى رسول الله فقال رسول الله: أعيّرته بأمه يا أبا ذر؟ قلت: نعم، قال: إنك امرؤ فيك جاهلية، عبيدكم خَوْلُكم ... " (2) الحديث.



              (1) انظر 3 كتاب الإيمان، 22 باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك. خَ: 1/ 13؛ 49 كتاب العتق، 15 باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: العبيد إخوانكم، ح 1. خَ: 3/ 123؛ 78 كتاب الأدب، 44 باب ما ينهى من السباب واللعن، ح 57. خَ: 7/ 85؛ انظر 27 كتاب الأيمان، 10 باب إطعام المملوك مما يأكل، وإلباسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه، 40. مَ: 2/ 1283؛ انظر 28 كتاب البر والصلة، 29 باب ما جاء في الإحسان إلى الخدم، ح 1945. تَ: 4/ 334؛ انظر 33 كتاب الأدب، 10 الإحسان إلى المماليك، ح 3690. جَه: 2/ 1216؛ حَم: 5/ 158: 161.

              (2) أردت من التشريع ما يؤذن به ظاهر الفعل النبوي أو القول من وجوب أو تحريم مع أن المقصود غير ذلك الحكم، وإلا فإن الهدي والإرشاد يدلان على مشروعية مّا، كما تقدم في آخر ديباجة الكتاب. اهـ. تع ابن عاشور.
              اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

              تعليق


              • #8
                رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

                6 - حال المصالحة بين الناس
                وأما حال المصالحة بين الناس فهو حال يخالف حال القضاء. وذلك مثل تصرّف رسول الله عليه الصلاة والسلام حين اختصم إليه الزبير وحميد الأنصاري في شِراج الحَرّة (1) كانا يسقيان به. فقال رسول الله للزبير: "اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك". فلما غضب حميد الأنصاري قال رسول الله للزبير: "اسق ثم احبس حتى يبلغ الماء الجَدْر" (2). قال عروة بن الزبير: وكان رسول الله أشار برأي فيه سعة للزبير وللأنصاري، ثم استوعى رسولُ الله للزبير حقَّه في صريح الحكم (3).
                ومثل قضية كعب بن مالك حين طالب عبد الله بن أبي حدرد بمال كان له عليه، فارتفعت أصواتهما في المسجد، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا كعب وأشار بيده، أي ضع الشطر. فرضي كعب، فأخذ نصف المال الذي له على ابن أبي حدرد (4).

                (1) الشراج - بكسر الشين المعجمة آخره جيم - جمع شَرَج (بالتحريك)، وهو: مسيل الماء. والحَرَّة بفتح الحاء وتشديد الراء أرض متسعة تحيط بالمدينة. اهـ. تع ابن عاشور.
                (2) الجَدّر هو محيط الحوض باصل النخلة. اهـ. تع ابن عاشور.
                (3) تقدم ذكر الحديث: 102/ 1.
                (4) انظر 8 كتاب الصلاة، 83 باب رفع الصوت في المساجد، ح 2. خَ: 1/ 121؛ 44 كتاب في الخصومات، 4 باب كلام الخصوم بعضهم مع بعض، ح 2. خَ: 3/ 90؛ 53 كتاب الصلح، 14 باب الصلح بالدين والعين. خَ: 3/ 172؛ انظر 22 كتاب المساقاة، 4 باب استحباب الوضع من الدين، ح 20. مَ: 2/ 1192؛ انظر 18 كتاب الأقضية، 12 باب الصلح، ح 3595. دَ: 4/ 20 - 21؛ انظر 49 كتاب آداب القضاء، 20 باب حكم الحاكم في داره. نَ: 8/ 239؛ انظر 18 كتاب البيوع، 49 باب إنظار المعسر، ح 2590. ديَ: 2/ 574؛ حم: 6/ 390؛ ابن الطلاع. أقضية الرسول: 489.
                وتستخرج من هذا الحديث فوائد كثيرة. منها: جواز المطالبة بالدَّيْن في المسجد، والشفاعة إلى صاحب الحق، والإصلاح بين الخصوم، وحسن التوسط بينهم، وقبول الشفاعة في غير معصية، وجواز الإشارة واعتمادها. النووي. شرح مسلم: 10/ 220.
                اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

                تعليق


                • #9
                  رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

                  7 - حال الإشارة على المستشير
                  وأما حال الإشارة على المستشير فمثل: ما في حديث الموطأ: "أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله، فأضاعه الرجل الذي أعطاه عمر إياه ورام بيعه، فرام عمر أن يشتريه، وظنّ أن صاحبه بائعه برُخص، فسأل عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله: "لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم [واحد]، فإن الراجع في صدقته كالكلب يعود في قيئه" (1). فهذه إشارة من رسول الله على عمر. ولم يعلم أحد أن رسول الله نهى عن مثل ذلك نهياً علناً. فمن أجل ذلك اختلف العلماء في محمل النهي. فقال الجمهور: هو نهي تنزيه كي لا يتبع الرجل نفسه ما تصدق به فجعله لله. وحُمل على هذا قول مالك في الموطأ (2) والمدونة (3) لجزمه بأن ذلك البيع لو وقع لم يفسخ. وحمله في الموازية (4) على التحريم. ولم يقل إن البيع يفسخ، مع أنه لو كان نهي تحريم لأوجب فسخَ البيع، لأن أصل المذهب أن النهي يقتضي الفساد إلّا لدليل.
                  وعلى هذا المحمل يُحمل عندي حديثُ بريرة حين رام أهلها بيعها، ورغبت عائشة في شرائها، واشترط أهلُها أن يكون ولاؤها لهم، وأبت عائشة ذلك، وأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك كالمستشيرة. فقال لها: "لا عليك أن تشترطي لهم الولاء" (5). وفي رواية: "خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق" (6). ففعلت عائشة ذلك. ثم خطب، رسول الله في الناس خطبة، قال فيها: "ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟! [ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط. قضاء الله أحق، وشرط الله أحق]. وإنما الولاء لمن أعتق" (7).
                  فلو كان قوله لعائشة تشريعاً أو فتوى لكان الشرط ماضياً، ولَعَارَض قوله في الخطبة: "إنما الولاء لمن أعتق". ولكنه كان إشارة منه على عائشة بحق شرعي حتى تسنَّى لها التحصيل عليه مع حصول رغبتها في شراء بريرة وعتقها. وهذا منزع في فهم هذا الحديث هو من فتوحات الله عليَّ. وبه يندفع كل إشكال حيَّر العلماء في محمل هذا الحديث (8).
                  وعلى مثل هذا المحمل حمل زيد بن ثابت نهي رسول الله عن بيع الثمر قبل بدوِّ صلاحه. ففي صحيح البخاري عن زيد: كان الناس في عهد رسول الله يبتاعون الثمار، فإذا جذّ الناس وحضر تقاضيهم، قال المبتاع: إنه أصاب الثمرَ الدُّمان، أصابه مُراض، أصابه قُشام: عاهات يحتجون بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كثرت عنده الخصومة: "فإمَّا لا فلا تتبايعوا حتى يبدوَ صلاحُ الثمر" (9). قال زيد بن ثابت: كالمشورة يشير بها عليهم لكثرة خصومتهم (10) اهـ.


                  (1) ورد الحديث بصيغ مختلفة. انظر 17 كتاب الزكاة، 26 باب اشتراء الصدقة والعود فيها، ح 49. طَ: 1/ 282؛ وانظر 24 كتاب الزكاة، 59 باب هل يشتري صدقته، ولا بأس أن يشتري صدقته غيره. خَ: 2/ 134؛ وانظر 24 كتاب الهبات، 1 باب كراهة شراء الإنسان ما تصدّق به ممن تصدّق عليه. مَ: 2/ 1239؛ حَم: 1/ 40، 54؛ 2/ 259، 289، 430، 492.
                  (2) قال مالك - وقد سئل عن رجل تصدّق بصدقة، فوجدها مع غير الذي تصدّق بها عليه تباع: أيشتريها؟ فقال -: تركها أحب إليّ. انظر 17 كتاب الزكاة، 26 باب اشتراء الصدقة والعود فيها، ذيل ح 50. طَ: 1/ 282.
                  وعلّة منع النبي - صلى الله عليه وسلم - عُمُر من اشتراء الفرس ... صرف النفس عن اتباع ما جادت به لوجه الله تعالى، ليكون ذلك أعرق في إخلاص العَطِيَّة لله، وسدًا لذريعة الندامة على الخير. ولذلك اختلف في أن هذا النهي نهي تحريم أو نهي تنزيه. ابن عاشور. كشف المغطّى: 159 - 161.
                  (3) قال مالك في المدونة: لا يشتري الرَّجل صدقته لا من الذي تصدق بها عليه ولا من غيره. المدونة: 4/ 349. وقال ابن القاسم: إن من تصدق بصدقة على رجل ثم وجدها بيد غيره فابتياعه إياها مكروه، لأنه كان أزال ملكه عنها لله عز وجل، وهو مضارع للرجوع في الصدقة من هذا الوجه. الباجي. المنتقى: 2/ 181.
                  (4) نقل ابن المواز اختلاف المذهب. فمن قائل بالكراهة كراهة تنزيه، ومن قائل بكراهته كراهة تحريم. فمن ذهب إلى التنزيه لم يفسخ البيع، ومن ذهب إلى التحريم فسخه؛ لأن مقتضى النهي الفساد. وتعقب القول بالفساد بقوله: وفيه نظر، لأن عدم الفسخ قد يحمل عليه حتى على القول بكراهة التحريم. وذلك مراعاة للخلاف. الرهوني. الحاشية: 7/ 236.
                  وفي الموازية: أجاز بعض العلماء شراء الرجل صدقته وكرهه بعضهم. فإن نزل عندنا لن نفسخه. وبهذا قال أبو محمد، وهو قول أبي حنيفة والشافعي. وقال الشيخ أبو إسحاق: يفسخ الشراء؛ لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. وزاد بعد ذلك قوله: ولا يشتريها من المتصدق عليه ولا يدسُّ من يشتريها منه. ووجهه أن المتصدق عليه ربما سامحه في بعض الثمن لما تقدم من صدقته عليه، والأجنبي لا يتوقع ذلك منه غالباً. ولو وجد ذلك منه لما كان في ذلك معنى الرجوع في الصدقة. الباجي. المنتقى: 2/ 181.
                  (5) في رواية ابن عمر عن عائشة: "لا يمنعك ذلك، فإنما الولاء لمن أعتق". انظر 38 كتاب العتق والولاء، 10 باب مصير الولاء لمن أعتق، ح 18. طَ: 2/ 781؛ انظر 34 كتاب البيوع، 73 باب إذا اشترط شروطاً في البيع لا تحل، ح 2. خَ: 3/ 29؛ انظر 20 كتاب العتق، 2 باب الولاء لمن أعتق، ح 5. مَ: 2/ 1141.
                  (6) أخرجه مالك من رواية هشام بن عروة عن أبيه: 38 كتاب العتق والولاء، 10 باب مصير الولاء لمن أعتق، ح 17. طَ: 2/ 780؛ وبلفظ: "اشتريها وأعتقيها" عن عمرة بنت عبد الرحمن: 38، باب 10، ح 19. طَ: 1/ 781؛ ومن حديث عروة: "اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء"؛ كتاب العتق، 2 باب الولاء لمن أعتق، ح 8. مَ: 2/ 1143.
                  (7) انظر 8 كتاب الصلاة، 70 باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، حديث عائشة، وهو بلفظ: "فليس له، وإن اشترط مائة مرة". خَ: 1/ 117؛ 34 كتاب البيوع، 67 باب البيع والشراء مع النساء، وهو بلفظ: "فهو باطل، وإن اشترط مائة شرط، شرط الله أحق وأوثق". خَ: 3/ 27؛ 50 كتاب المكاتَب، 1 باب المكاتب ونجومه في كل سنة نجم، ولفظه: "فهو باطل، شرط الله أحق وأوثق". خَ: 3/ 126؛ 2 باب ما يجوز من شروط المكاتب: "فليس له، وإن شرط مائة مرة. شرط الله أحق وأوثق". خَ: 3/ 127؛ 54 كتاب الشروط، 13 باب الشروط في الولاء، وهو بلفظ: "فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق". خَ: 3/ 177؛ 17 باب المكاتب وما لا يحل من الشروط، ح 1: "فهو باطل وإن شرط مائة مرة"، ح 2: "فليس له وإن اشترط مائة شرط". خَ: 3/ 184.
                  انظر 20 كتاب العتق، 2 باب إنما الولاء لمن أعتق، ح 6: "فليس له وإن اشترط مائة مرة، شرط الله أحق وأوثق"؛ 8: "فهو باطل وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق". مَ: 2/ 1142، 1143؛ انظر 23 كتاب العتق، 2 باب بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة، ح 3929. "فليس له وإن شرط مائة مرة، شرط الله أحق وأوثق". دَ: 4/ 248؛ انظر 31 كتاب الوصايا، 7 باب ما جاء في الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت، 2124: "فليس له وإن اشترط مائة مرة". تَ: 4/ 436؛ انظر 27 كتاب الطلاق، 31 باب خيار الأمة تعتق وزوجها مملوك: "فهو باطل وإن كان مائة شرط". نَ: 6/ 164، 165؛ 44 كتاب البيوع، 85 باب بيع المكاتَب: "فليس له وإن اشترط مائة شرط. وشرط الله أحق وأوثق"، 86 باب المكاتب يباع قبل أن يقضي من كتابته شيئاً. "فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق". نَ: 7/ 305، 306؛ انظر 38 كتاب العتق، 10 باب مصير الولاء لمن أعتق، ح 17: "ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق" ... طَ 2/ 780 - 781؛ حَم: 6/ 82، 213، 272.
                  (8) راجع الإيرادات على الحديث وتأويلات: "اشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق". استشكلوا صدور الإذن منه - صلى الله عليه وسلم - في البيع على شرط فاسد. واختلف العلماء في رواية الحديث ومعناه.
                  ومما ورد من ذلك أن هشام بن عروة روى الحديث عن أبيه بالمعنى. وضعف الشافعي رواية حديث هشام المصرحة بالاشتراط، لانفراده بها دون أصحاب أبيه. وروايات غيره قابلة للتأويل. وحمل بعضهم "اشترطي" على الإباحة على جهة التنبيه على أنه لا ينفعهم؛ فوجوده وعدمه سواء. الزرقاني. شرح الموطأ: 4/ 91 - 93؛ الكاندهلوي. أوجز المسالك: 10/ 38.
                  (9) و (10) حديث أنس: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى تُزْهِي"، قيل: يا رسول الله وما تُزْهي؟ قال: "حتى تحمر". قال البخاري: هذا طرف من الحديث: 24 كتاب الزكاة، 58 باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه؛ والحديث كامل في: 34 كتاب البيوع، 87 باب إذا باع الثمار قبل بدو صلاحها. خَ: 3/ 34؛ وانظر 22 كتاب المساقاة، 3 باب وضح الجوائح، 15. مَ: 2/ 1190؛ وانظر 44 كتاب البيوع، 29 باب شراء الثمار قبل أن يبدو صلاحها على أن يقطعها ولا يتركها إلى أوان إدراكها، 4524. نَ: 7/ 264؛ وانظر 31 كتاب البيوع، 8 باب النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، ح 11. طَ: 2/ 618.
                  وقد اختلف الأئمة في حكم البيع قبل بدو الصلاح على مذاهب. فمنهم من قال ببطلان البيع للنهي مطلقاً، وهم: ابن أبي ليلى، والثوري؛ ومنهم من أجاز البيع مطلقاً، ولو شرط المشتري التبقية، وهو: قول يزيد بن حبيب؛ ومنهم من أجاز البيع بشرط القطع، وهو قول الشافعي وأحمد والجمهور ورواية عن مالك؛ ومنهم من قال بصحة البيع إن لم يشترط التبقية، حاملاً النهي على بيع الثمار قبل أن توجد أصلاً، وهو رأي أكثر الحنفية؛ ومنهم من يحمل الحديث على ظاهره، جاعلاً النهي للتنزيه لا للتحريم. اهـ. ملخص من كلام ابن حجر. الفتح: 4/ 396.



                  اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

                  تعليق


                  • #10
                    رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

                    8- حال النصيحة
                    وأما حال النصيحة فمثاله ما في الموطأ والصحيحين عن النعمان بن بشير: أن أباه بشير بن سعد نحَلَ النعمان ابنه غلاماً من ماله دون بقية أبنائه، فقالت له زوجُه عمرة بنت رواحة، وهي
                    أم النعمان: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله. فذهب بشير وأعلم رسول الله بذلك. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
                    "أكلَّ ولدك نحلت مثلَه؟ " قال: لا، قال: "لا تشهدني على جور" (1) وفي رواية: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ " قال: نعم، قال: "فلا إذن" (2).
                    فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: إن رسول الله نهى بشيراً عن ذلك نظراً إلى البر والصلة لأبنائه، ولم يرد تحريمه ولا إبطال العطية. ولذلك قال مالك: يجوز للرجل أن يهب لبعض ولده ماله. وما نظروا إلّا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما لم يشتهر عنه هذا النهي علمنا أنه نهيُ نصيحة لكمال إصلاح أمر العائلة، وليس تحجيراً. ويؤيّد ذلك ما في بعض روايات الحديث أنه قال: "لا، أَشهِدْ غيري" (3).
                    وذهب طاوُس وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وسفيان وداود بن علي إلى تحريم مثل هذه النِّحلة؛ وقوفاً منهم عند ظاهر النهي [من غير غوص إلى المقصد] (4).
                    ومن هذا أيضاً حديث فاطمة بنت قيس في صحيح مسلم: أنها ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباها. فقال لها رسول الله: "أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأمّا معاوية فصعلوك" (5) لا يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تتزوج برجل فقير. ولكنها استشارت رسول الله فأشار عليها بما هو أصلح لها.


                    (1) انظر 36 كتاب الأقضية، 33 باب ما لا يجوز من النحل، ح 39. طَ: 2/ 752؛ انظر ومن رواية ابن شهاب قال: "لا فارجعه": 51 كتاب الهبة، 12 باب الهبة للولد. خَ: 3/ 134؛ انظر الحديث بروايات عديدة: منها رواية الشعبي عن النعمان بن بشير. 24 كتاب الهبات، 3 باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، ح 16 مَ: 2/ 1243؛ قال رسول الله: "فارتجعه"، ح 9؛ ومنها بلفظ: "فاردده"، ح 10. مَ: 2/ 1241 - 1242؛ ومنها قال رسول الله: "فلا تشهدني إذاً فإني لا أشهد على جور"، ح 14 مَ: 2/ 1243؛ وبلفظ: "فلا أشهد على جور"، و"لا تشهدني على جور"، ح 15، 16. مَ: 2/ 1243؛ وورد أيضاً بلفظ "لا، اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"، ح 13. مَ: 2/ 1243؛ وبلفظ "لا، فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حق"، ح 19. مَ: 2/ 1244.
                    (2) ومن طريق إسحاق بن إبراهيم ويعقوب الدورقي، انظر 24 كتاب الهبات، 3 باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، ح 17. مَ: 2/ 1244. وورد بألفاظ كثيرة أخرى عند النسائي وأحمد وابن حبان وغيرهم.
                    (3) حديث النعمان هذا بلفظه، كما هو وارد عند البخاري: 51 كتاب الهبة. 13 باب الإشهاد في الهبة. خَ: 3/ 134. وقد أورده مسلم بألفاظ مختلفة تباينت بها النقول: 24 كتاب الهبات، 3 باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة. مَ: 2/ 1241 - 1244؛ وكذلك أورده النسائي من طرق كثيرة مختلفة: 31 كتاب النحل، 1 باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر النعمان بن بشير في النحل. نَ: 6/ 258 - 262.
                    (4) هذه الزيادة عدل عنها المؤلف وضرب عليها عند مراجعته لـ ط (1). انظر أصلها. ط الاستقامة: 34.
                    ورد تفصيل الأحكام المستنبطة من هذا الحديث معزوة إلى أصحابها مع ذكر الأدلة عليها. فمن الأئمة من أوجب التسوية في العطية بين الأولاد بما دلت عليه هذه الروايات من معنى واحد كطاوس، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، والبخاري، وبعض المالكية. والمشهور عن هؤلاء أنها باطلة.
                    وعن أحمد: تصح، وعنه: يجوز التفاضل لسبب، كأن يحتاج الولد لزمانته أو دينه أو نحو ذلك دون الباقين.
                    وقال أبو يوسف: تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الاضرار. واحتجوا أيضاً بأنها مقدمة لواجب، لأن قطع الرحم والعقوق محرمان. فالمؤدي إليهما حرام. وقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض المالكية والشافعية: العدل أن يعطى الذكر حظين كالميراث لأنه حظ الأنثى لو أبقاه الواهب حتى مات. وقال غيرهم: لا فرق بين الذكر والأنثى. وفارق الإرث بأن الوارث راضٍ بما فرض الله له بخلاف هذا، وبأن الذكر والأنثى إنما يختلفان في الميراث بالعصوبة، أما بالرحم المحددة فهما فيها سواء كالإخوة والأخوات من الأم. والهبة للأولاد أُمر بها صلةً للرحم، وظاهر الأمر بالتسوية يشهد لهذا القول. واستأنسوا له بحديث ابن عباس رفعه: "سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء". وقال الجمهور: التسوية مستحبة، فإن فضل بعضاً صح وكره، وندبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع حملاً للأمر على الندب، والنهي على التنزيه ... ابن عبد البر. التمهيد: 7/ 223 - 243. الزرقاني على الموطأ: 3/ 320. وحديث ابن عباس المذكور ضعيف، في إسناده سعيد بن يوسف اليمامي ضعيف. الطبراني: المعجم الكبير: 11/ 280، ع 11997؛ ابن عدي. الكامل: 3/ 1217؛ البيهقي. الكبرى: 6/ 177.
                    (5) من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة. 18 كتاب الطلاق، 6 باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها، ح 36. مَ: 2/ 1114. وله صلة بحديث: "لا يخطب المسلم على خطبة أخيه"، وما ذكر في ذلك من أحكام. انظر 26 تع 2.

                    اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

                    تعليق


                    • #11
                      رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

                      9- حال طلب حمل النفوس على الأكمل من الأحوال
                      - وأما حال طلب حمل النفوس على الأكمل من الأحوال فذلك كثير من أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونواهيه، الراجعة إلى تكميل نفوس أصحابه، وحملِهم على ما يليق بجلال مرتبتهم في الدين، من الاتصاف بأكمل الأحوال، ممّا لو حُمل عليه جميع الأمة لكان حرجاً عليهم. وقد رأيت ذلك كثيراً في تصرّفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورأيت في غفلة بعض العلماء عن هذا الحال من تصرّفاته وقوعاً في أغلاط فقهية كثيرة، وفي حمل أدلّة كثيرة من السنة على غير محاملها. وبالاهتداء إلى هذا اندفعت عنّي حيرة عظيمة في تلك المسائل.
                      فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه مشرعاً لهم بالخصوص. فكان يحملهم على أكمل الأحوال: من شدّ أواصر الأخوّة الإسلامية بأجلى مظاهرها، والإغضاء عن زخرف هذه الدنيا، وألّا يغال في الإقبال على الدين وفهمه، لأنهم أُعِدُّوا ليكونوا حملة هذا الدين وناشري لوائه. وقد نوّه الله تعالى بهم في آية سورة الفتح: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (1) الآية. ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أصحابي كالنجوم" (2)، وقوله: "لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصِيفَهُ" (3). وقوله في مرض سعد بن أبي وقاص في مكة في عام الفتح: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم لكن البائسُ سَعْدُ بن خولة (4) يرثي له رسول الله أن مات بمكة"؛ لأنه طلب لهم الكمال في حالي الحياة والممات، وإن كان موت المهاجر بمكة لا ينقض هجرته (5).
                      وأمثلة هذا الحال كثيرة. ففي كتاب اللباس من صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال: "أَمَرنا رسول الله بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، وإفشاء السلام، وإجابة الداعي، ونهانا عن خواتيم الذهب، وعن آنية الفضة، وعن المياثر (6) الحمر والقَسِّية والإستبرق والديباج والحرير" (7). فجَمَع مأمورات ومنهيات مختلطة. بعضها مما عُلم وجوبه في مثل نصر المظلوم مع القدرة (8)،
                      وتحريمُه في مثل الشرب في آنية الفضة (9). وبعضها ممّا علم عدم وجوبه في الأمر مثل تشميت العاطس وإبرار المقسم، أو عدم تحريمه في النهي مثل المياثر والقَسِّية.
                      فما تلك المنهيات إلّا لأجل تنزيه أصحابه عن التظاهر بمظاهر البذخ والفخفخة للترفه وللتزين بالألوان الغريبة، وهي الحمرة وبذلك تندفع الحيرة في وجه النهي عن كثير ممّا ذكر في هذا الحديث، ممّا لم يهتد إليه الخائضون في شرحه.
                      ويشهد لهذا ما رواه أبو داود عن علي بن أبي طالب أنه قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس القَسِّي، وعن لبس المُعَصفَر، وعن تختّم الذهب، وعن القراءة في الركوع والسجود، ولا أقول نهاكم" (10) يعني أن بعض هذه المنهيات لم ينهَ عنها جميعَ الأمة بل خصَّ بالنهي علياً.
                      ومن الأمثلة حديث أبي رافع: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجار أحقُّ بِصَقَبه" (11) أي ما يليه، أي: أحق بشرائه إذا باعه جاره. فما هو إلا لحمل أصحابه على المواساة والمؤاخاة، ولذلك جعل الجار منهم أحق بالشفعة لأجل الصَّقَب، أي القرب. ولولا كلمة (أحق) لجعلنا الحديث لمجرد الترغيب. فلمّا وجدنا كلمة أحق علمنا أنه يعني: [أن] الجار من الصحابة أحق بشفعة عقار جاره، فلا تعارض بينه وبين حديث جابر: أن رسول الله قال: "الشفعة في ما لم يقسم، فإذا حُدّدت الحدود وصرِّفت الطرق فلا شفعة" (12).
                      وكذلك حديث الموطأ والصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يمنع أحدُكم جارَه خشبةً يغرزها في جداره" ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم (13). فحمل ذلك أبو هريرة على التشريع، وحمله مالك على معنى الترغيب، فقال في الموطأ: أن لا يقضي على الجار بذلك (14)، أي: لأنه يخالف قاعدة إطلاق تصرّف المالك في ملكه، وأن لا حق لغيره فيه.
                      وعلى هذا النحو يحمل حديث رافع بن خديج عن عمه ظُهير بن رافع أنه قال: "لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمر كان بنا رافقاً". قال رافع: قلت: ما قال رسول الله فهو حق. قال: دعاني رسول الله فقال: "ما تصنعون بمحاقلكم؟ " قلت: نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير؟ فقال: "لا تفعلوا، ازرَعوها أو أزرِعوها أو أمسكوها". قال رافع: قلت سمعاً وطاعة (15).
                      فتأوله معظم العلماء على معنى أن رسول الله أمر أصحابه أن يواسي بعضهم بعضاً. ولذلك ترجم البخاري هذا الحديث بقوله: باب ما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يواسي بعضهم بعضاً في الزراعة والثمرة (16).

                      (1) الفتح: 29.
                      (2) حديث: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". رواه عبد بن حميد عن ابن عمر في مسنده. وابن عدي في الكامل بإسناده عن نافع عن ابن عمر، ورواه البيهقي في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس. ولعل معناه مقتبس من قوله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، ويقويه: "العلماء ورثة الأنبياء". أخرجه الدراقطني في الفضائل، وابن عبد البر من طريقه من حديث جابر. وصرح بأن إسناده لا تقوم به الحجة. وقال البزار: منكر لا يصح. وقال فيه البيهقي: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة. ملا علي قاري. شرح الشفا: 3/ 689 - 690.
                      (3) حديث أبي سعيد الخدري: "لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق ... ". وقد ورد من طرق كثيرة؛ انظر 62 كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، 5 باب حدثنا الحميدي ومحمد بن عبد الله. خَ: 4/ 191؛ وانظر 44 كتاب فضائل الصحابة، 54 باب تحريم سب الصحابة، ح 222. مَ: 2/ 1967؛ حَم: 3/ 61؛ أحمد بن حنبل. فضائل الصحابة، الحديث الخامس: 1/ 50 - 51.
                      (4) هو سعد بن خولة القرشي العامري، من بني مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. قال ابن هشام: هو فارس من اليمن حالف بني عامر. توفي في حجة الوداع. ابن حجر. الإصابة: 2/ 24، ع 3145.
                      (5) انظر حديث شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه: 32 كتاب الجنائز، 37 باب رثى النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن خولة. خَ: 2/ 82 - 83؛ 64 كتاب المغازي، 77 باب حجة الوداع، ح 16 خَ: 5/ 127 - 128؛ 80 كتاب الدعوات، 43 باب الدعاء يرفع الوباء والوجع، ح 2 خَ: 7/ 160؛ انظر 12 كتاب الوصايا، 2 باب ما لا يجوز للوصي في ماله، 2864. دَ: 3/ 284؛ انظر 31 كتاب الوصايا، 1 باب ما جاء في الوصية بالثلث 2116. تَ: 4/ 430؛ 37 كتاب الوصية، 3 باب الوصية في الثلث، لا تتعدى، ح 4. طَ: 2/ 763.
                      (6) المياثر جَمعَ مِيثرة بكسر الميم: فِراش صغير بقدر الطنفسة تحشى بقطن، ويجعلها الراكب على الرحل تحته فوق الرحل لتكون ألين له. والقَسَّية بفتح القاف وتشديد السين المهملة: ثياب، واحدها قَسِّي، ثياب مصرية فيها أضلاع ناتئة كالأترج، من حرير. والإستبرق: ثياب من حرير غليظ. والديباج: ثياب رقيقة من حرير. اهـ. تع ابن عاشور.
                      (7) ورد الحديث بغير هذا الترتيب مع اختلاف قليل في اللفظ. انظر 77 كتاب اللباس، 45 باب خواتيم الذهب: "نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سبع: نهى عن خاتم الذهب - أو قال: حلقة الذهب - وعن الحرير، والإستبرق، والديباج، والميثرة الحمراء، والقَسِّي، وآنية الفضة؛ وأمرنا بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السلام، وإجابة الداعي، وإبرار القسم، ونصر المظلوم". خَ: 7/ 50 - 51.
                      (8) دليله من الكتاب قوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} النساء: 148، قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} الشورى: 39، ومن السنة حديث البراء المتقدم: "أمرنا النبي بسبع ... " وجعل منها: "نصر المظلوم". قال ابن حجر: هو فرض كفاية، وهو عام في المظلومين، وكذلك في الناصرين بناء على أن فرض الكفاية مخاطب به الجميع وهو الراجح. ويتعين أحياناً على من له القدرة عليه وحده، إذا لم يترتب على إنكاره مفسدة أشد من مفسدة المنكر. فلو علم وغلب على ظنه أنه لا يفيد سقط الوجوب وبقي أصل الاستحباب بالشرط المذكور. فلو تساوت المفسدتان تخير. ابن حجر. الفتح: باب نصر المظلوم، ح 2445، 2446: 5/ 99.
                      (9) حديث البراء المتقدم، وحديث حذيفة: أنه استقى فسقاه مجوسي، فلما وضع القدح في يده رماه به، وقال: لولا أنّي نهيته غير مرة ولا مرتين، كأنه يقول لم أفعل هذا. ولكني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة". انظر: 70 كتاب الأطعمة، 29 باب الأكل في إناء مفضض. خَ: 6/ 207؛ وانظر: 37 كتاب اللباس والزينة، 2 باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة، ح 4. مَ: 2/ 1637. وكذلك عند مسلم أيضاً حديث أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم". 37 كتاب اللباس والزينة، 1 باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره، ح 1 مَ: 2/ 1634.
                      (10) انظر 26 كتاب اللباس، 11 باب من كرهه، 4044 - 4046. دَ: 4/ 322 - 323.
                      (11) تقدمت الإشارة إلى الحديث وتخريجه: 106/ 1.
                      (12) تقدم في التعليق نفسه.
                      (13) انظر 36 كتاب الأقضية، 26 باب القضاء في المرفق، ح 32. طَ: 2/
                      745؛ 46 كتاب المظالم، 20 باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في
                      جداره. خَ: 3/ 102؛ 22 كتاب المساقاة، 29 باب غرز الخشب في جدار الجار، ح 136. مَ: 2/ 1230.
                      (14) انظر حديث أبي هريرة، 36 كتاب الأقضية، 26 باب القضاء في المرفق. وفيما رواه ابن نافع عن مالك أن ذلك على وجه المعروف والترغيب في الوصية بالجار، ولا يقضى به. وقال ابن القاسم: لا ينبغي له أن يمنعه ولا يقضى به عليه. وظاهر الأمر عند مالك وأكثر أصحابه أنه على الوجوب، ولكنه يعدل عنه بالدليل. وبذلك قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: هو على الوجوب إذا لم يكن في ذلك مضرة بيِّنة على صاحب الجدار. وبه قال أحمد. الباجى. المنتقى: 6/ 43.
                      (15) تقدم ذكره وتخريجه: 68/ 3.
                      (16) تقدم ذكره: 68/ 2.

                      اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

                      تعليق


                      • #12
                        رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

                        10 - حال تعليم الحقائق العالية
                        وأما حال تعليم الحقائق العاليةفذلك مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاصةِ أصحابه.
                        ومثاله ما روى أبو ذر، قال: قال لي خليلي: "يا أبا ذر أتبصر أُحُدًا؟ " قلت: نعم. قال: "ما أحب أن لي مثل أُحُد ذهباً أنفقه كُلَّهُ إلّا ثلاثة دنانير" (1). فظن أبو ذر أن هذا أمر عام للأمة، فجعل ينهى عن اكتناز المال. وقد أنكر عليه عثمان رضي الله عنه قول ذلك كما سيجيء (2).


                        (1) هذا ما حدث به الأحنف بن قيس، وقد لقي أبا ذر، فقال له: قال لي خليلي. قال: قلت: من خليلك؟ فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: "يا أبا ذر أتبصر أحُداً؟ " قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار وأنا أرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرسلني في حاجة له، قلت: نعم. قال: "ما أحبّ أنَّ لي مثلَ أحُد ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، وإن هؤلاء لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا. لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله". 24 كتاب الزكاة، 4 باب ما أدّي زكاته فليس بكنز، ح 3. خَ: 2/ 112؛ 81 كتاب الرقاق، 14 باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أحب أن لي مثل أحُد ذهباً". خَ: 7/ 178؛ وبمثل الرواية الأولى: 12 كتاب الزكاة، 10 باب في الكنازين للأموال والتغليظ عليهم، ح 34. مَ: 1/ 689 - 690.
                        (2) انظر بعد: 456 - 457.

                        اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

                        تعليق


                        • #13
                          رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

                          11- حال التأديب
                          وأما حال التأديب فينبغي إجادة النظر فيه؛ لأن ذلك حال قد تحف به المبالغة لقصد التهديد. فعلى الفقيه أن يميز ما يناسب أن يكون القصدُ منه بالذات التشريعَ، وما يناسب أن يكون القصد منه بالذات التوبيخَ والتهديدَ، ولكنه تشريع بالنوع أي بنوع أصل التأديب.
                          ومثال ذلك ما في الموطأ والصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمرَ بحطب فيُحطبَ، ثم آمُرَ بالصلاة فيُؤَذّن لها، ثم آمرَ رجلاً فيؤمَّ الناس، ثم أخالف إلى رجال، فأُحرِّقَ عليهم بيوتَهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً أو مِرماتين حسنتين (1) لشهد العِشاء" (2).
                          فلا يُشتَبَهُ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان ليحرَّق بيوت المسلمين لأجل شهود صلاة العشاء في الجماعة، ولكن الكلام سيق مساق التهويل في التأديب، أو أن الله أطلعه على أن أولئك من المنافقين، وأذن له بإتلافهم إن شاء.
                          ومنه أيضاً ما ورد في صحيح البخاري عن أبي شريح قال: قال رسول الله: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، [والله لا يؤمن] ". فقلنا: ومن هو يا رسول الله؟ قال: "من لا يأمَن جارُه بوائقَه" (3)، فخرج الكلامُ مَخرج التهويل لمن يسيء إلى جاره، حتى يخشى أن لا يكون من المؤمنين. والمراد نفي الإيمان الكامل.

                          (1) المرماة، بكسر الميم: ما بين ظلفي الشاة من اللحم من الساقين، ولذلك ثني في الحديث. اهـ. تع ابن عاشور.
                          (2) انظر 8 كتاب صلاة الجماعة، 1 باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، ح 3. طَ: 1/ 129؛ 10 كتاب الأذان، 29 باب وجوب صلاة الجماعة. خَ: 1/ 158؛ وانظر الحديث بلفظ قريب منه. 5 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 42 باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، 251. مَ: 1/ 451.
                          وقد ذكر الإمام ابن عاشور في وجه إخراج مالك الحديث في باب فضل صلاة الجماعة أن الهمَّ بالإحراق معطل أو منسوخ، فلم يبق دليلاً على حكم شرعي، وإنما هو دليل على أهمية ما غضب لأجله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإذا كان قد وقع التعبير بالهم بعقاب المتخلفين عن الجماعة والعدول عنه فلذلك لأن ما صنعوه لا يبلغ أن يستحقوا هذه العقوبة. فيبقى الحديث دالاً على أهمية صلاة الجماعة. انظر مزيداً من التفصيل لحديث تاركي صلاة الجماعة: كشف المغطى: 109 - 111.
                          (3) انظر 78 كتاب الأدب، 29 باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه. خَ: 7/ 78.

                          اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

                          تعليق


                          • #14
                            رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

                            12 - حال التجرد عن الإرشاد
                            وأما حال التجرد عن الإرشاد فذلك ما يتعلق بغير ما فيه التشريع والتدين وتهذيب النفوس وانتظام الجماعة. ولكنه أمر يرجع إلى العمل في الجبلة وفي دواعي الحياة المادية. وأمره لا يشتبه. فإن رسول الله يعمل في شؤونه البيتية ومعاشه الحيوي أعمالاً لا قصد منها إلى تشريع ولا طلب متابعة.
                            وقد تقرّر في أصول الفقه أنّ ما كان جبلِّياً من أفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكون موضوعاً لمطالبة الأمة بفعل مثله، بل لكل أحد أن يسلك ما يليق بحاله (1). وهذا كصفات الطعام واللباس والاضطجاع والمشي والركوب ونحو ذلك، سواء كان ذلك خارجاً عن الأعمال الشرعية كالمشي في الطريق والركوب في السفر، أم كان داخلاً في الأمور الدينية كالركوب على الناقة في الحج (2). ومثل الهُوِيّ باليدين قبلَ الرجلين في السجود عند من رأى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهوى بيديه قبل رجليه حين أسَنَّ وبدَن، وهو قول أبي حنيفة (3). وكذلك ما يروى: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل في حجّة الوداع بالمحصّب، الذي هو خَيف بني كنانة ويقال له: الأبطح (4)، فصلّى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم هجع هجعة، ثم انصرف بمن معه إلى مكة لطواف الوداع" (5). فكان ابن عمر يلتزم النزول به في الحج، ويراه من السنة، ويفعل كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (6).
                            وفي البخاري عن عائشة أنها قالت: "ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليكون أسمح لخروجه إلى المدينة". تعني: لأنه مكان متسع يجتمع فيه الناس. وبقولها قال ابن عباس (7) ومالك بن أنس (8).
                            وكذلك حديث الاضطجاع على الشق الأيمن بعد صلاة الفجر (9).

                            وفي حديث يوم بدر: أن رسول الله سبق قريشاً إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر، فنزل به بالجيش. فقال له الحُباب بن المنذر: يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا أن نتأخر عنه أم هو الرأيُ والحربُ والمكيدةُ؟ قال رسول الله: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة". قال: يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فإني أعرف غزارة مائه وكثرتَه، فننزله، ثم نغوِّر ما عداها من القُلُب؛ فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله: "لقد أشرت بالرأي" (10).
                            وفي جامع العتبية في سماع ابن القاسم قال مالك: مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض الحوائط وهم يؤبّرون النخل ويلقّحونها. فقال لهم: "ما عليكم ألّا تفعلوا". فترك الناس الإبار في ذلك العام، فلم تطعم النخل، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنما أنا بشر فاعملوا بما يُصلِحُكم".

                            قال أبو الوليد ابن رشد في البيان والتحصيل: روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة. منها أنه قال: "ما أظن هذا يغني شيئاً، ولو تركوه لصلح -[أو لا لقاح] أو - ما أرى اللقاح شيئاً"، فتركوه فقُشِم (12)، فأُخبر بذلك رسول الله، فقال: "ما أنا بزارع ولا بصاحب نخل، لقِّحوا" (11). وبعد، فلا بد للفقيه من استقراء الأحوال وتوسُّم القرائن الحافَّة بالتصرّفات النبوية. فمن قرائن التشريع: الاهتمام بإبلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العامة، والحرص على العمل به، والإعلام بالحكم وإبرازه في صورة القضايا الكليّة مثل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألَا لا وصية لوارث" (13) وقوله: "إنما الولاء لمن أعتق" (14).

                            ومن علامات عدم قصد التشريع عدم الحرص على تنفيذ الفعل، مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرض الوفاة: "آتوني أكتبْ لكم كتاباً لن تضلوا بعده".
                            قال ابن عباس: فاختلفوا. فقال بعضهم: حسبنا كتاب الله؛ وقال بعضهم: قدّموا له يكتب لكم، ولا ينبغي عند نبيِّ تنازع. فلما رأى اختلافهم قال: "دعوني فما أنا فيه خير" (15).
                            واعلم أن أشد الأحوال التي ذكرناها اختصاصاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي حالة التشريع، لأن التشريع هو المراد الأول لله تعالى من بعثته، حتى حصر أحواله فيه في قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} (16). فلذلك يجب المصير إلى اعتبار ما صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأقوال والأفعال فيما هو من عوارض أحوال الأمة صادراً مصدر التشريع ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك.
                            وقد أجمع العلماء على الأخذ بخبر سعد بن أبي وقاص، حيث سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوصي في ماله. قال له: "الثلث والثلث كثير". فجعلوا الوصية بالزائد على الثلث مردودة إلا أن يجيزها الورثة. ولم يحملوه محمل الإشارة والنصيحة، مع ما قارنه مما يسمح بذلك، وهو قوله: "إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" (17). فإنه مؤذن بالنظر إلى حالة خاصة بسعد وورثته وشدة فقرهم، ومع كونه جرى بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سعد خاصة، ولم يفعل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا رواه عنه غير سعد. فكان للفقيه أن يجيز الوصية بأكثر من الثلث لمن كان ورثته أغنياء - ولم يقل به أحد من أهل العلم - أو لمن لم يكن له وارث. وقد قال بذلك بعض أهل العلم فيما نقل ابن حزم في المُحلّى عن ابن مسعود وعبَيدة السلماني وطائفة (18)، وهو قول شاذ.

                            (1) تقدمت الإشارة إلى ذلك: 98/ 1.
                            (2) تقدمت الإشارة إلى ذلك: 98/ 2.
                            (3) المذاهب في الهوي باليدين قبل الركبتين في السجود مختلفة. ودليل تقديم الركبتين حديث وائل بن حُجر. قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه". وفي الباب مثله عن أنس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه". وإلى هذا ذهب الجمهور. وحكاه القاضي أبو الطيب عن عامة الفقهاء، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب والنخعي ومسلم بن يسار وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، وبه قال الشافعي. الشوكاني. نيل الأوطار، باب هيئات السجود وكيف الهوي إليه: 2/ 281. وحجة التقديم لليدين على الركبتين حديث أبي هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سجد أحدكم فلا يَبْرُك كما يَبْرُك البعير، وليضع يديه ثم ركبتيه". رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وله شاهد من حديث ابن عمر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه". الحطاب. مواهب الجليل: 1/ 541؛ وهو رواية عن أحمد. ابن قدامة. المغني: 2/ 193 ف 161، وهو قول أكثر المحدثين.
                            وقد قارن بين هذه المذاهب الطحاوي في شرح معاني الآثار، باب ما يبدأ بوضعه في السجود: اليدين أو الركبتين: 2/ 254، وفصّل القول ابن القيم في صفة السجود. زاد المعاد: 1/ 222 وما بعدها.
                            (4) المُحَصَّب - بالضم ثم الفتح والصاد المشددة - هو بطحاء مكة. وقيل: سمي االأبطح لانبطاحه، وهو خيف بني كنانة، يقع بين مكة ومنى، وهو إلى منى أقرب. وحده من الحجون ذاهباً إلى منى، وقيل: حده ما بين شعب عمرو إلى شعب بني كنانة التي في أرضه، سمي بذلك للحصباء التي في أرضه. ويقال: أيضاً لموضع رمي الجمار من منى: المحصَّب، لرمي الحصباء فيه. البغدادي. مراصد الإطلاع: 3/ 1235.
                            وقال المواق: الأبطح حيث المقبرة بأعلى مكة تحت عقبة كَداء، وهو من المحصّب. والمحصّب ما بين الجبلين إلى المقبرة، وسمي المحصب لكثرة الحصباء فيه من المسيل. التاج والإكليل: 3/ 136؛ القرافي. الذخيرة: 3/ 282. والخَيْفُ: ما انحدر من غِلظ الجبل وارتفع عن سيل الماء.
                            (5) يشهد لهذا حديث أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ورقد رقدة بالمحصّب، ثم ركب إلى البيت فطاف به. انظر 25 كتاب الحج، 146 باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح، ح 2. خَ: 2/ 196.

                            (6) وللتأسي كان الخلفاء يحصّبون بعد رسول الله. قال نافع: وقد حصّب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده. وقال ابن عمر: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر ينزلون بالأبطح. وأخرج الإسماعيلي وأبو داود أن ابن عمر كان يفعل ما فعله رسول الله، يصلي بالأبطح الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع هجعة. ابن حجر. الفتح: 3/ 590 - 592.
                            (7) إشارة لحديثي باب المحصّب عند البخاري، الأول: حديث عائشة قالت: إنما كان منزلاً ينزله النبي - صلى الله عليه وسلم - ليكون أسمح لخروجه تعني (الأبطح)، والثاني: حديث ابن عباس قال: ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر 25 كتاب الحج، 147 باب المحصب. خَ: 2/ 196. وعلى هذا فليس بسنة ولا هو من المناسك فلا يلزم بتركه شيء. وقد دل على ذلك ما رواه مسلم وأبو داود من حديث أبي رافع قال: "لم يأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنزل الأبطح حين خرج من منى، ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل". وبذلك كان النزول به مستحباً. ابن حجر. الفتح: 3/ 591.
                            (8) قال مالك: وإذا رجع الناس من منى نزلوا بالأبطح فصلوا به الظهر والعصر والمغرب والعشاء. القرافي. الذخيرة: 3/ 282. ثم يدخلون مكة بعد العشاء أول الليل، واستحب مالك لمن يُقتدى به أن لا يدع النزول بالأبطح. المواق. التاج والإكليل: 3/ 136.
                            (9) حديث عائشة قالت: "كان النبي إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقّه الأيمن. انظر 19 كتاب التهجد، 23 باب الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر. خَ: 2/ 50؛ وأخرجه مسلم، ونصّه: "إذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة". 6 كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 17 باب صلاة الليل، ح 122. مَ 1/ 508.
                            وفي الباب حديث أبي هريرة وهو بلفظ: "إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جانبه الأيمن". انظر 2 كتاب الصلاة، 311 باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر. تَ: 2/ 281؛ انظر 2 كتاب الصلاة، 293 باب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر 1261. دَ: 2/ 47؛ انظر 5 كتاب إقامة الصلاة، 126 باب ما جاء في الضجعة بعد الوتر وبعد ركعتي الفجر، ح 1199. جَه: 1/ 378.
                            وبجانب هذه الأحاديث روي أن ابن عمر نهى عن ذلك، واعتبره بدعة، وكان يحصب الناس إذا رآهم يضطجعون على أيمانهم.
                            والخلاف في العمل بهذه الأحاديث على أربعة مذاهب: مذهب جماعة أهل الظاهر أوجبوا الاضطجاع وأبطلوا الصلاة بتركها كابن حزم ومن وافقه. ومذهب جماعة من العلماء يكرهون هذه الضجعة ويعتبرونها بدعة. وتوسط مالك وغيره فلم يروا بها بأساً لمن فعلها راحة، وكرهوها لمن فعلها استناناً. واستحبها آخرون على الإطلاق سواء استراح بها أم لا. فصَّل القول في ذلك ابن القيم. زاد المعاد: 1/ 318 - 320.
                            (10) ابن هشام: 1/ 620؛ عبد السلام هارون. تهذيب سيرة ابن هشام: 143. وذكر الحاكم مناقب الحباب بن المنذر، وأورد الخبر ولم يصححه، وأنكره الذهبي. الحاكم. المستدرك: 3/ 426.
                            ووصله ابن حجر من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن رومان عن عروة. والسند إلى عروة صحيح، لكن عروة لم يدرك ابن المنذر. فالحديث مرسل. وقد ذكر ابن حجر له شاهداً بإسناد ضعيف عند ابن شاهين. الإصابة: 1/ 427. وتلقته الأمة بالقبول كما يظهر ذلك من إيراد كتب السيرة له. ابن القيم. زاد المعاد: 3/ 175.
                            (11) ابن رشد. البيان والتحصيل: 17/ 236.
                            قشم: لم يضبط، فيحتمل أن يكون بضم القاف وكسر الشين، أي: أصابه القُشام، بضم القاف. وهو تساقط التمر قبل أن يصير بسراً. ولم أقف على صيغة الفعل الماضي والمضارع في اللسان ولا القاموس ولا التاج ولا النهاية ولا المشارق ولا الفائق. اهـ. تع ابن عاشور. [قشم: أكل؛ وقشام المائدة: ما نفض منها، وقشم بمعنى شُق، وكل ما شق منه فهو قشام. ابن فارس. معجم مقاييس اللغة: 5/ 91].

                            (12) ورد بلفظ: "فتركوه فشيص" بدل "فقشم". مخط. البيان والتحصيل للشيخ ابن عاشور.
                            وفي حديث رافع بن خديج: "فتركوه فنفضت" أو "فنقصت". وتمامه: "إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر". انظر 43 كتاب الفضائل، 38 باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً، ح 140. مَ: 2/ 1835. وفي ح 141 بعده من حديث عائشة وأنس: "فخرج شيصاً". وفي آخره: "أنتم أعلم بأمر دنياكم". مَ: 2/ 1836.
                            وورد أيضاً بصيغة أخرى في رواية طلحة 139 من الباب: "ما يصنع هؤلاء (أي بالنخل)؟ " فقالوا: يلقّحونه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أظن يغني ذلك شيئاً". قال: فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً. فلا تؤاخذوني بالظن. ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به فإني لن أكذب على الله".
                            وهذه الأحاديث الثلاثة تدل على أن إشارته بترك التأبير لم تكن سوى مجرد ظن منه. فهو ليس خبيراً بالزراعة وأحوالها، لأنه نشأ بمكة بواد غير ذي زرع. وقد جاء هذا التأويل صريحاً في الرواية الثانية التي أثبتها المؤلف هنا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنا بزارع ولا بصاحب نخل، لقّحوا". انظر ابن رشد. البيان والتحصيل: 17/ 236 - 237.
                            وإن وجوب امتثال أمره كما ذكره النووي لا يكون إلا فيما قاله شرعاً، دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي. شرح مسلم: 15/ 116 - 118. وقد اتخذ كثير من أصحاب الأهواء والضلال هذه الأحاديث، وبخاصة ما ورد في حديث عائشة وأنس من قوله: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" تكأة لإقصاء السنة عن مجالات الحياة الدنيا، وإبطال ما ثبت عن طريقها من تشاريع اقتصادية وأحكام معاملات ونظم ومناهج اجتماعية أو سياسية، مما استوجب تعليق أحمد محمد شاكر على هذا بقوله: هذا الحديث مما طنطن به ملحدو مصر وصنائع أوروبة فيها من عبيد المستشرقين وتلامذة المبشرين، فجعلوه أصلاً يحاجون به أهل السنة وأنصارَها وخدام الشريعة وحماتها، إذا أرادوا أن ينفوا شيئاً من السنة، وأن ينكروا شريعة من شرائع الإسلام في المعاملات وشؤون الاجتماع وغيرها، يزعمون أن هذه من شؤون الدنيا يتمسكون برواية أنس. والله يعلم أنهم لا يؤمنون بأصل الدين ولا بالألوهية ولا بالرسالة ولا يصدقون القرآن في قرارة نفوسهم. ومن آمن منهم فإنما يؤمن لسانه ظاهراً، ويؤمن قلبه فيما يخيل إليه، لا عن ثقة وطمأنينة ولكن تقليداً وخشية ... والحديث واضح صريح لا يعارض نصاً، ولا يدل على عدم الاحتجاج بالسنة في كل شأن. وإنما كان في قصة تلقيح النخل أن قال لهم: "ما أظن ذلك يغني شيئاً". فهو لم يأمر ولم ينه ولم يخبر عن الله ولم يسن في ذلك سنة حتى يتوسع في هذا المعنى إلى ما يهدم به أصل التشريع، بل ظن ثم اعتذر عن ظنه، قال: "فلا تؤاخذوني بالظن". فأين هذا مما يرمي إليه أولئك؟ هدانا الله وإياهم سواء السبيل. انظر تعليق الشيخ شاكر على الحديث رقم 1395. الإمام أحمد. المسند: 2/ 1396 - 1397.
                            (13) الحديث: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث". روي الخبر من حديث أبي أمامة، وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه؛ ومن حديث عمرو بن خارجة، أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه؛ ومن حديث أنس، وأخرجه ابن ماجه؛ ومن حديث ابن عباس، وأخرجه الدارقطني؛ ومن حديث عمرو بن شعيب، وأخرجه الدارقطني أيضاً؛ ومن حديث جابر، وأخرجه ابن عدي؛ ومن حديث زيد والبراء، وأخرجه ابن عدي أيضاً؛ وكذا من حديث علي بن أبي طالب؛ ومن حديث خارجة بن عمرو، وأخرجه الطبراني؛ ومن حديث ابن عمر أورده أبو أسامة في مسنده. الزيلعي. نصب الراية: 4/ 403 - 405. انظر 12 كتاب الوصايا، 6 باب ما جاء في الوصية للوارث. قال أبو أمامة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث"، ح 2670. دَ: 3/ 290 - 291؛ وانظر 31 كتاب الوصايا، 5 باب ما جاء "لا وصية لوارث" حديث أبي أمامة الباهلي 2120. تَ: 4/ 433؛ وحديث عمرو بن خارجة 2121. تَ: 4/ 434؛ 20 كتاب الوصايا، 5 باب إبطال الوصية للوارث، حديث عمرو بن خارجة نَ: 4/ 247؛ انظر 22 كتاب الوصايا، 6 باب لا وصية لوارث، حديث عمرو بن خارجة 2712، حديث أبي أمامة الباهلي 2713. جَه: 2/ 905؛ حديث أنس 2714. جَه: 2/ 906؛ انظر 22 كتاب الوصايا، 28 باب الوصية للوارث، ح 3263. دَي: 2/ 699 - 700؛ حَم: 4/ 186، 187، 238، 239؛ 5/ 267.
                            وهذه الروايات جميعها تمنَع الوصية للوارث، فإذا وقعت وقعت باطلة. وعلى هذا عمل أهل المدينة. قال مالك: السنة الثابتة عندنا التي لا اختلاف فيها أنه لا تجوز وصية لوارث إلا أن يجيز له ذلك ورثة الميت، وأنه إن أجاز له بعضهم وأبى بعض جاز له حق من أجاز منهم، ومن أبى أخذ حقه من ذلك. طَ: 2/ 765. ابن حجر. بلوغ المرام: 243، ع 988.
                            (14) تقدم: 115/ 1 - 2. وقال الزيلعي: أخرجه الستة عن عائشة. أخرجه البخاري في المكاتب، ومسلم وأبو داود في العتق، والترمذي في الولاء، والنسائي وابن ماجه في الأحكام. نصب الراية. كتاب الولاء. الحديث الثاني: 4/ 149.
                            (15) الخبر في هذا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشتد به مرضه ووجعه، فقال: "ائتوني بدواة وبيضاء أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي أبداً" فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: إن رسول الله يهجر، فجعلوا يُعيدون عليه. فقال: "دعوني فما أنا فيه خير مما تدعوني إليه" ابن الأثير. الكامل: 2/ 217؛ انظر 56 كتاب الجهاد، 176 باب هل يستشفع إلى أهل الذمة. خَ: 4/ 31؛ 58 كتاب الجزية، 6 باب إخراج اليهود. خَ: 4/ 65؛ 96 كتاب الاعتصام، 26 باب كراهة الخلاف. خَ: 8/ 160 - 161؛ انظر 250 كتاب الوصية، 5 باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، ح 20، 21، 22. مَ: 2/ 1257 - 1259.
                            (16) آل عمران: 144.
                            (17) الحديث طويل. وقد ورد بدواوين السنة مطولاً ومختصراً. فمنها: انظر 23 كتاب الجنائز، 37 باب رثى النبي سعد بن خولة. خَ: 2/ 82؛55 كتاب الوصايا، 2 باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس؛ 3 باب الوصية بالثلث، ح 2. خَ: 3/ 186 - 187؛ 63 كتاب مناقب الأنصار، 49 باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم". خَ: 4/ 267؛ 69 كتاب النفقات، 1 باب فضل النفقة على الأهل، ح 4. خَ: 6/ 189؛ 76 كتاب المرضى، 13 باب وضع اليد على المريض. خَ: 7/ 6؛ 16 باب قول المريض: إني وجع، ح 4. خَ: 7/ 9؛ 80 كتاب الدعوات، 43 باب الدعاء برفع الوباء والوجع، ح 2. خَ: 7/ 160؛ 85 كتاب الفرائض، 6 باب ميراث البنات. خَ: 8/ 5.
                            ومنها 25 كتاب الوصية، 1 باب الوصية بالثلث، ح 5. مَ: 2/ 1250؛ ح 8. مَ: 2/ 1253؛ انظر 12 كتاب الوصايا، 2 باب ما جاء فيما لا يجوز للموصي في ماله، ح 2864. دَ: 3/ 284 - 287؛ وانظر 8 كتاب الجنائز، 6 باب ما جاء في الوصية بالثلث والربع، ح 975. تَ: 3/ 305؛ 31 كتاب الوصايا، 1 باب ما جاء في الوصية بالثلث، ح 4116. تَ: 4/ 430؛ 30 كتاب الوصايا، 3 باب الوصية بالثلث. نَ: 6/ 241؛ 22 كتاب الوصايا، 5 باب الوصية بالثلث، ح 2708. جَه: 2/ 903 - 904؛ 22 كتاب الوصايا، 7 باب الوصية بالثلث، ح 3198، 3199. دَي: 2/ 691؛ انظر 37 كتاب الوصية، 3 باب الوصية في الثلث لا تتعدى. طَ: 2/ 763؛ حَم: 1/ 168، 172، 176، 179, 183؛ ابن دقيق العيد. إحكام الأحكام: 4/ 6 وما بعدها.
                            (18) قال ابن حزم وقالت طائفة: من لا وارث له فله أن يُوصي بماله كله.
                            صح ذلك عن ابن مسعود وغيره. وقول ابن مسعود يرويه ابن حزم من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، قال: قال لي عبد الله بن مسعود: إنكم من أحرى حي بالكوفة أن يموت أحدكم فلا يدع عصبة ولا رحمًا، فلا يمنعه إذا كان ذلك أن يضع ماله في الفقراء والمساكين. ومن طريق سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق أنه قال فيمن ليس له مولى عتاقة: أنه يضع ماله حيث يشاء، فإن لم يفعل فهو في بيت المال. وقول عبيدة السلماني برواية صاحب المحلى من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عنه أنه قال: إذا مات وليس عليه عقد لأحد ولا عصبة يرثونه فإنه يوصي بماله كله حيث شاء. عبد الرزاق. المصنف: 9/ 68 - 69. ابن حزم. المحلّى: 9/ 317، 1753.

                            اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

                            تعليق


                            • #15
                              رد: أحوال الرسول صلى الله عليه وسم التي يصدر عنه منها قول أو فعل

                              وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                              جزاكم الله خيرًا وتقبل منكم

                              اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X