إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة بعنوان : روائع البيان لـ د/ رقية العلواني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    ولذلك جاءت الآيات التي تلي آية الكرسة بعد (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)
    وبعد أن تعرّف الله سبحانه وتعالى وعرّف ذاته العليّة لخلقه بصفاته جاءت الآيات (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ)
    ماذا عليك حين يكون الله مولاك يتولى شؤونك يصرّف حياتك يدبر لك المستقبل كما دبر لك الماضي والحاضر يطعمك ويسقيك ويشفيك، يعطيك ويدافع عنك ويمنع عنك ويحفظك ويتولاك، ماذا عليك؟! أتخاف البشر؟! أيستقيم الخوف من البشر بالسحر بالحسد بالعين بالرزق بالمال بالوظيفة باي شيء،
    ايستقيم الخوف من البشر مع وجود هذه الصفات الإيمانية في قلب المؤمن؟!
    لا يستقيم.

    نعم المخاوف موجودة، نعم المخاطر موجودة لا أحد ينكر وجود هذه الأشياء لا أحد ينكروجود الشر لكن ما عليك أن تحرر قلبك منه هو الخوف من الشر، الشر موجود ولكن حرّر قلبك من الخوف ولا يمكن للقلب أن يتحرر إلا حين يخضع لخالقه عز وجل ويعبد الله سبحانه وتعالى حق عبادته وينكسر بين يديه ويستشعر بضعفه وفاقته وحاجته لخالقه وأنه في حمى مولاه وأنه في حفظ الله عز وجل وأن ما من شيء في الكون يحدث ولا حتى ورقة تسقط من شجرة إلا بعلمه، ربك عليم، ربك عليّ، ربك عظيم، لا تخاف، لا تخشى شيئًا، لا عليك، تخلص من المخاوف والأحزان.

    ويأتي السؤال الواضح هنا:
    لماذا التركيز في سورة البقرة على التخلص من هذه المخاوف والأحزان ولا يقربك شيطان
    والبيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة يفر منه الشيطان، لم هذا الحديث؟

    الإنسان الذي تريد سورة البقرة أن تصنعه على آياتها إنسان حر، إنسان قوي، إنسان قادر على أن يلتزم المنهج الرباني في واقع الحياة ولا يمكن لإنسان خائف جبان متردد مليئة رأسه بالأوهام والوساوس والقلق والأرق لا يمكن لمثل هذا الإنسان أن يلتزم بالمنهج في الواقع، لا يمكن أن يأخذ هذا الكتاب بقوة، اليد الضعيفة المرتعشة من الخوف لا يمكن أن تأخذ الكتاب بقوة، الكتاب الذي يؤخذ بقوة لا بد أن تمسك به أيادٍ قوية أياد لا ترتعش من الخوف لا ترتعد من الشر، لا تخشى شيئًا، لا تخشى إلا الله الواحد القهار.
    من أين جاءت كل هذه الشحنة من القوة والدافعية؟
    من إيمانها بخالقها، الرب الذي أنا أؤمن به يسيّر العالم بأسره، العالم كله بين يديه سبحانه، كل شيء خاضع لعظمته، شهود هذه المعاني في قلبي واضح المعنى تمامًا بتأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على قرآءة آية الكرسي صباحًا مساءً بعد كل صلاة لتتركز تلك المعاني في قلبي لأستشعر هذه المعاني، لأطمئن، لأشعر بالأمان، الأمان العملة المفقودة في عالمنا!

    يتبع

    تعليق


    • #17
      رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

      تفنن الإنسان المعاصر في صنع الأقفال، في صنع أجهزة الحماية في صنع أشياء متعددة
      ولكن لا يزال أكثر المخلوقات خوفًا في الوقت الذي نعيش فيه،
      من أين يأتي الخوف؟
      يأتي الخوف مع ضعف التوحيد في قلوب الناس، ضعف شعلة التوحيد، خفت وخبت تلك الشعلة العظيمة التي أضاءت العالم أمنًا وأمانًا ورحمة وعدلًا وسلامًا، المؤمن لا يخاف.
      صحيح هناك المخاوف العادية البشرية الطبيعية هذه لا تُلغى لكنه ليس بالجبان، ليس بالمتردد ليس بالخائف على حياته وأهله وماله، يعيش في قلق ولا ينام في بعض الأحيان ولا يسكن إلا بالمهدّئات، المؤمن ليس هكذا، المؤمن الذي سكن قلبه الإيمان الذي شهد قلبه معاني التعظيم والإجلال لله سبحانه وتعالى الذي تبنيه سورة البقرة و
      آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله. ولذا ما أجمل الربط في آيات السورة العظيمة، كل آيات السورة مترابطة، بعد الحديث عن آية الكرسي وما صنعته في قلب المؤمن جاء الحديث عن الإنفاق دستور الإنفاق في سبيل الله لأن المؤمن الذي يخاف على المستقبل وعلى أمواله من النفاد وعلى ثروته من أن تبدد أو تضيع لا يمكن أن يبذل لا يمكن أن يضحّي لا يمكن أن يُعطي والمؤمن الذي تصنعه سورة البقرة إنسان معطاء يبذل الغالي والنفيس.

      يا ترى لماذا يبذل المؤمن الذي تصنعه سورة البقرة الغالي والنفيس؟

      لأن السورة بآياتها تعلمه أن ما تنفقه الله يخلفه، أنا ما عندكم ينفد مهما زاد وما عند الله باق، ما عندكم ينفد وما عند الله باق وأن الإنفاق لا يمكن أن يقلل من المال وإنما الذي يقلل من المال حقيقة مخالفة المنهج الرباني الرب الذي أمرك بالإنفاق ضمِنَ لك أن لا يقلّ ذلك المال بل يزداد ويتضاعف أضعافًا مضاعفة ولذلك جاءت الآية بالمقابل (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276))
      الربا مخالفة للمنهج الرباني مخالفة صريحة، الربا استغلال لحقوق الضعفاء، الربا عدم إنسانية، الربا عدم شعور بأني أنا إنسان عليّ أن أمد يد الخير والعون البذل والعطاء لمن هو أضعف مني وأقل مني قدرة فجاءت سورة البقرة وبددت تلك المخاوف والأوهام التي عانى منها ويعاني عالمنا المعاصر الذي اكتوى بنار الربا والفوائد في البنوك وأعلن إفلاسه أكثر من مرة والإفلاس ما كان إفلاس بنوك فقط بل كان إفلاسًا في النفوس وإفلاس قلوب ضيعت المنهج الرباني الذي أمر بالإنفاق وحرّم الربا


      ولذلك يقول (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) يمحقها بالفعل، الخير كل الخير في اتباعك للمنهج الرباني والشر كل الشر في مخالفتك للمنهج الرباني ولذلك ربي قال وعقّب في ختام الحديث عن آيات الربا بتحذير البشر (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ (279)) فإن لم تفعلوا بترك الربا فاذنوا بحرب من الله ورسوله، حرب وهي حرب وما يعيشه عالمنا المعاصر اليوم حرب بكل المقاييس، لِمَ الحرب؟ مخالفة المنهج!. سورة البقرة تجيب عن أسئلتي، تجيب عن المعضلات التي دوخت رؤوس العالم اليوم، رؤوس العلماء والمفكرين والنقاد والمحللين سياسيين واقتصاديين واجتماعيين، لِمَ كل المعاناة في العالم المعاصر رغم كل التقدم التقني الذي نحن فيه والعلمي؟ لِمَ المعاناة؟ لِمَ زادت الحروب؟ لِمَ زاد الفقر؟ لِمَ زاد الشقاء؟ لِمَ زادت التعاسة؟ لم زاد الضنك؟ لم زاد التعب؟ لم زاد المرض رغم التقدم في وسائل الطب؟
      هذه الأسئلة تجيب عنها سورة البقرة بطريقة واضحة لمن يتدبر في آياتها ويقف عند معانيها
      (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) إذن هي الحرب!
      الحرب حين أنت يا إنسان تعلن الحرب على المنهج الذي أنزله الخالق إليك ليهديك وينقذك ليسعدك لا ليشقيك، ليعذيك لا ليمنعك ليهديك ليأحذ بيديك نحو الراحة التي تنشد نحو السعادة التي تروم، نحو النعيم الذي تتأمله ولكنك لا تدري كيف تصل إليه






      - لعن اللهُ آكلَ الرِّبا ومُوكِلَه وشاهِدَيه وكاتبَه قال : وقال : ما ظهر في قومٍ الرِّبا والزِّنا إلا أحلُّوا بأنفسِهم عقابَ اللهِ عزَّ وجلَّ
      الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : مسند أحمد

      الصفحة أو الرقم: 5/309 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح


      تعليق


      • #18
        رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

        الجزء الأول في سورة البقرة

        (الم ﴿١﴾ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾)
        إجابة الدعاء، الهداية التي تطلب أيها المسلم وتلحّ على الله بالدعاء أن تحصل عليها، الهداية التي لا سعادة ولا نجاة لا في الدنيا ولا في الآخرة بعيدًا عنها هي موجودة في هذه السورة العظيمة
        (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)
        لكي تتحقق تلك الهداية لا بد للقلب الذي يستقبل وينتفع بمعاني الهداية وبأنوارها أن يكون فيه تقوى. والمعنى الواضح الأساس للتقوى أن يسير الإنسان على توقّي، على حذر، ولنا أن نسأل حذر من أي شيء؟ حذر وتنبيه من أن آتي لهذه السورة العظيمة بقلب لا يريد الهداية ولا يطلبها، من قلب مريض، من قلب يأتي إلى القرآن بتراكمات، باشياء مختلفة، بأهواء، لا يطلب الهداية، هذا النوع من القلوب وهذا النوع من التلقي لا تتحقق فيه معاني الهداية،


        (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿٣﴾
        الإيمان بالغيب ليست مجرد حقيقة إيمانية فقط غائبة عن الواقع، لا،
        هذا الإيمان بالغيب يقودني إلى عبادات، يقودني إلى ممارسة شعائر، سلوكيات، أعمال
        (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)
        صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر صلاة تجعل من العبادة ممارسة متواصلة للعمل الصالح الذي يريده الله سبحانه وتعالى في حياتي أصبحت الصلاة هنا في حد ذاتها مصدر للهداية التي أبحث عنها وألحّ في الدعاء بطلبها من الله سبحانه وتعالى وتحولت تلك الصلاة إلى عطاء (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الرزق بكل أشكاله، موهبة، علم، عمل، عطاء، خير، مال، جاه، منزلة، كل ما أنا فيه أنا أنفق منه،

        (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)
        ليس هناك تفرقة بين الرسالات السماوية ولا بين الأديان وهنا تظهر لطيفة أخرى من لطائف هذه السورة العظيمة أن المؤمن بإيمانه واستهدائه بنور ذلك الكتاب يصبح رسالة ومشروع عالمي للسلام للخير للعطاء لا يقف عطاء ذلك المؤمن المستهدي بنور آيات سورة البقرة عند أمته وعند قومه وعند رسالته وإنما يمتد ليشمل كل البشرية
        (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وحين تستقر كل تلك المعاني في نفسي سأصل لمرحلة الهداية (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) وطريق الهداية طريق ممهد ميسر للفلاح والفوز في الدنيا وفي الآخرة ولذا جاء في نهاية الآية (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قطعًا فائزون، فائزون برضى الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة، فائزون بالسكينة والطمأنينة التي يفتقر إليها كل العالم اليوم،


        (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٦﴾
        خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٧﴾)

        صنف من البشر خُتم وأُغلق على قلبه جزاء بما فعل، الذي فعل أنه سدّ كل منافذ الإدراك قلب وسمع وبصر أمام الاستماع والتلقي لآيات ذلك الكتاب العظيم ولذلك هذا الصنف من البشر القرآن عليهم عمى قرأ، استمع إلى القرآن لا يغني عنه ذلك شيئًا لأن المحل قد أُغلق لأن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك قد أُغلق دون تلق آيات القرآن العظيم هذا صنف من الناس لا تنفع معه آيات القرآن العظيم.

        وهناك صنف ثالث تقدمه سورة البقرة
        (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴿٨﴾
        يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٩﴾)

        صنف يعتبر أن قضية الإيمان نفاق يقول شيئًا ويضمر شيئًا آخر
        (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)
        هذا الادعاء ولّد في قلوبهم مرض النفاق مرض البعد عن الله عز وجل مرض جعلهم ينظرون إلى الحقائق الماثلة أمام أعينهم على أنها اشياء مغلوطة مكذوبة
        هو يقوم بالفساد ولكن لا يراه فسادًا ولا إفسادًا يراه صلاحًا يراه خيرًا
        (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
        ﴿١١﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ
        ﴿١٢﴾)

        تعليق


        • #19
          رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

          تتضح فائدة الهداية أن يجعل الله لك نورًا في قلبك، نورًا في بصرك نورًا في حياتك، نورًا تهتدي به نورًا ترى به الحقائق كما هي في الواقع، نورًا لا يجعلك ترى الخير شرًا وترى الشر خيرًا، نورًا لا يجعلك ترى الفساد إصلاحًا وإن أجمع الناس على ذلك، نور يجعلك ترى الحق حقًا وترى الباطل باطلًا، هذا الصنف من الناس في تعامله مع القرآن الكريم يقارب الصنف الثاني الذي جاءت الآيات على ذكره يستمع لدعوات المؤمنين بالإيمان
          (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ)

          ينظرون إلى الأمور بسطحية عجيبة،


          أعظم خسارة للإنسان في الدنيا والآخرة أن يشتري الضلالة بالهدى. والحديث عن الهدى في سورة البقرة حديث متواصل يضرب الله له الأمثال
          (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً) (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ)

          والكلام في كل تلك الأمثال عن الغيث عن النور عن البرق لصلته بقضية الهداية
          ولذلك ربي سبحانه وتعالى في ختام الآيات قال
          (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ) مثل حسي من الواقع
          (وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

          النور موجود في آيات هذا القرآن العظيم لكن لأجل أن تستفيد أنت من ذلك النور عليك أن تفتح ما قد أُغلق من عينيك ما قد أغلق من أبواب في قلبك لكي تفتح المجال لذلك النور أن يدخل في قلبك وفي بصيرتك وفي حياتك أما إن أغلق الإنسان المنافذ أمام ذلك النور فأنّى لنور الهداية أن ينفذ إلى قلب قد سُدّ وقد خُتم عليه؟!


          (وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
          القرآن يتحدى غرور الإنسان وعناد الإنسان وتكبره حين يسير بعيدًا عن منهج الهداية، يتحدى غرور الإنسان الكافر المكابر الذي يجادل في الله بغير علم يجادل في آيات هذا القرآن بغير علم فتكون النتيجة قطعًا هي الخسارة
          (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)
          وفي ذات الوقت وكطبيعة القرآن العظيم
          تأتي البشارة في المقابل للمؤمنين الذين استطاعوا أن يحولوا آيات الكتاب إلى عمل صالح
          (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)

          تعليق


          • #20
            رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

            (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
            قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)

            تأملوا الصلة الواضحة بين الهداية وبين القصة الأولى في سورة البقرة قصة الخليقة
            الآيات تحدد وتوقظ الإنسان من البداية لك أن تسأل وعليك أن تسأل نفسك: لم أنا هنا"
            لم جئت على هذه الأرض؟ ما هو دوري على هذه الأرض؟ لم خُلقت؟ ما هي الغاية التي لأجلها خُلقت؟
            أسئلة مشروعة لا يمكن لعاقل يمتلك وسائل الإدراك والعقل نصيب إلا ويسأل نفسه هذه الأسئلة لِمَ خُلقت؟ والإجابة واضحة بعيدا عن التوهم والخرافات والتضليل
            (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)
            ما معنى خليفة هنا؟
            أن يقوم بمنهج سينزله ربي سبحانه وتعالى على هذا الإنسان، أعطاه مهمة وسلّمه مفاتيح الأمور وسلّه مع المفاتيح المنهج وهنا تظهر (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) إذن الكتاب والمنهج وسورة البقرة وآيات سورة البقرة وغيرها من السور في كتاب الله عز وجل هو منهجك أيها الإنسان، أيها الخليفة ربي سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان بدون منهج أعطاه المنهج وهو هذا القرآن افعل ولا تفعل، إن فعلت كذا يبحدث كذا وإن فعلت هذا ولم تفعل هذا سيحدث هذا، منهج واضح المعالم ولا يمكن أن يتوصل الإنسان إلى ذلك المنهج بعيدًا عن العلم لا يمكن أن يتوصل إليه عن طريق الخرافة والجهل والتكهن!
            (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
            إذن هذا الحوار الدائر بين الله سبحانه وتعالى وبين الملائكة في قصة خلق آدم عليه السلام حدد مهمتي أنا كإنسان، يحدد المنهج الذي ربي سبحانه وتعالى أعطاه للإنسان قال
            (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)
            وهنا اتضحت معالم القضية أمام الملائكة وأمام الإنسان الذي يقرأ في هذا الكتاب العظيم.


            أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بأن يسجدوا لآدم والسجود هنا ليس سجود عبادة وإنما سجود تشريف وسجود تكليف من قبل الخالق الذي أمر وليس من أجل آدم عليه السلام وهذه النقطة مهم جداً لأن إبليس لم يفهم ولم يدرك هذا المعنى، إبليس نظر إلى آدم وإلى تكوين آدم ولم ينظر إلى قضية الأمر الذي جاء من رب آدم ورب الملائكة أجمعين، لم ينظر إلى المسألة من هذه الزاوية، ضلال!
            إبليس الأصل في منهجه الضلال والإضلال وإبليس بطبيعته يُضلّ لأنه في الأصل ضال وقد ضل الطريق وأول ما ضلّ به إبليس هو هذه الجزئية تمامًا: ربي سبحانه وتعالى قال للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ولكن إبليس لم ينظر إلى الأمر على أنه أمر رباني وبالتالي عليه أن يطيع وإنما نظر إلى جزئيات وتفاصيل، ضلال، فأبى واستكبر وكان من الكافرين. أما آدم عليه السلام فالقصة بالنسبة له بدأت فصولها بطريقة مختلفة، بطريقة تحدد لي أنا الإنسان اليوم من بني آدم المنهج الذي ينبغي أن لا أحيد عنه في تعاملي مع الله عز وجل وإلا كانت النتيجة نتيجة مختلفة تمامًا. ربي سبحانه وتعالى أمر آدم
            (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) اِفعل ولا تفعل، اسكن وكلا منها رغدًا ولا تقربا هذه الشجرة، أمر ونهي تمامًا ككل آيات سورة البقرة والقرآن العظيم افعل ولا تفعل، وأعطاني مثالًا كعادة القرآن العظيم وأسلوبه العظيم ماذا تكون النتيجة حين تخالف أمر الله عز وجل حين يقول لك افعل ولكنك لا تفعل وحين نهاك ويقول لك لا تفعل ولكنك تفعل، النتيجة كارثية تمامًا!
            وهذا ما حدث مع آدم عليه السلام وحواء (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا) تأملوا في دقة اللفظة القرآنية!

            تعليق


            • #21
              رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

              القرآن ليس كغيره من الكتب التي حُرفت من قبل أصحابها كالتوراة والإنجيل
              توقع الخطيئة وتُلحقها بحواء وتقول إن حواء اشتركت مع الشيطان في إضلال آدم! أبدًا!
              (فَأَزَلَّهُمَا) آدم وحواء كلاهما أخطأ كلاهما وقع في الزلل كلاهما لم يقفا عند الأمر الإلهي من الله عز وجل (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ
              وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)

              القصة الأولى، المغزى الأساس من القصة الأولى تعطيني الدرس الأول أن تعاليم القرآن التي وردت في السورة وفي سور أخرى لا تقف منها موقف المتفرج ولا موقف المخالِف وعليك أن تستحضر العواقب والنتائج المترتبة على مخالفة المنهج والأمر الإلهي، من أول سورة، سورة البقرة تربيني وسورة البقرة تعلمني ولنا أن نربط مع واقعنا ومع مجتمعاتنا ومع سلوكياتنا، كل ما يحدث في واقعنا على المستوى الفردي أو المستوى المجتمعي كل ما يحدث من كوارث ومن مشاكل ومن مصائب إنما هي نتيجة واضحة تمامًا لمخالفات من قبلنا مخالفات في المنهج مخالفات لذلك المنهج الذي أنزله الله سبحانه وتعالى كل ما يحدث وبالتالي أنا لا ينبغي أن أوجه اللوم إلى هذا أو إلى ذاك أول من ينبغي أن يوجه إليه اللوم هو نفسي التي خالفت نفسي التي عصت نفسي التي لم تقف عند المنهج وعند الأوامر ولذلك جاءت الآيات تتحدث عن التوبة

              (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
              الطبيعة البشرية طبيعة الإنسان وقابليته لأن يزلّ وقابليته لأن يخالف وقابليته أن يبتعد عن منهج الله ومع تلك القابلية رحمة الله عز وجل أوجدت له الباب العظيم الباب الذي لا يغلق أبدًا باب التوبة (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) والرب الذي تاب على أبينا آدم هو الرب الذي لم يزل ويبقَ قاتح أبواب التوبة لنا جميعًأ يفتح الأبواب لنا جميعًا دعوة مفتوحة كلما أخطأت لا تزدد خطأ بأن تبتعد أكثر عن الله عز وجل ولكن عالج الخطأ بخطوة صح وهي التوبة والتراجع عن الخطأ وهذا بالضبط الفارق الجوهري الذي حدث بين آدم وإبليس، آدم وإبليس كلاهما أخطأ ولكن الفارق أن إبليس أصرّ على خطئه ولم يتراجع ولم يعترف بالذنب ولم يتب فبقي على ضلاله أما آدم أخطأ فاعترف بذنبه وتراجع عن الخطأ وتاب عن ذلك الخطأ.


              ومنذ تلك اللحظة بدأ النزول على هذه الأرض
              (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى
              فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)

              قاعدة أساسية حين نزل آدم وبدأت الحياة البشرية على هذه الأرض لم يترك الله عز وجل آدم بدون منهج
              (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
              لديك منهج، سِر على ذلك المنهج فيه هداية ذلك المنهج سيهديك إلى حياة في الدنيا وفي الآخرة خالية من الخوف خالية من الحزن خالية من الاكتئاب والقلق والمتاعب النفسية المتزايدة التي يعاني منها إنسان العصر الذي لم يدرك أبسط جزئيات هذه المعضلة التي يعيشها ويعاني منها البعد عن المنهج البعد عن الهداية، الضلال
              (وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

              تعليق


              • #22
                رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                ثم تبدأ الآيات من الاية 39 إلى نهاية الجزء الأول من سورة البقرة تقريبًا في تقديم نموذج حيّ نموذج بشري نموذج لأمة من الأمم ركزت عليها سورة البقرة العظيمة أوضحت جواني مختلفة ومواقف من حياة تلك الأمة في تعاملها مع المنهج الرباني الذي أنزله الله سبحانه وتعالى إليها وأرسله إليها عبر رسلها وأنبيائها بنو إسرائيل (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) مباشرة بعد قصة آدم وقصة الخليقة على الأرض بدأت قصة بني إسرائيل. سورة البقرة حيت تقدم المواقف المختلفة لبني إسرائيل وكيفية تعاملهم مع المنهج الرباني ومع الميثاق والعهد الذي كان بينهم كبشر وكأمة أُنزل عليها كتاب وأُنزل إليها رسل وبين الله سبحانه وتعالى إنما تقدم نموذجًا لهذه الأمة أمة القرآن لكي تستفيد من المواقف التي وقعت في بني إسرائيل وتأخذ منها الدروس وتتعلم العبر وتحاول ألا تقع في المواقع والزلات والأخطاء والعثرات التي وقع فيها بنو إسرائيل من قبل.

                التاريخ حين تعرضه سورة البقرة ويعرضه القرآن ليس لأنه تاريخ ولكن لأنه درس ومن لا يحسن قرآءة الماضي والتاريخ لا يمكن له أن يتعلم ويعرف كيف يعيش الواقع وكيف يستشرف المستقبل.
                قصة بني إسرائيل حاضرة بوضوح في مواقف متنوعة في سورة البقرة العظيمة مؤكدة على أن كل ما يحدث للأمم وللأقوام إنما هو نتيجة طبيعية تلقائية لكيفية تعاطي تلك الأمم مع المنهج الذي أُنزل من ربها سبحانه وتعالى.


                (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)
                وأعظم نعمة ينعم الله بها على الإنسان ونعمه كثيرة نعمة أن ينزل عليه منهج، أن يعطيه منهجًا يقول له افعل ولا تفعل، اذهب من هذا الطريق ولا تذهب من هذا الطريق لأنه مغلق ولا يؤدي بك إلى نتيجة، المنهج
                (اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)
                ربي سبحانه وتعالى أوفى من أعطى عهدًا سبحانه وتعالى ومن يوفّ بعهد الله ويوفي بالتزاماته أمام خالقه تكون النتيجة الطبيعية أن الله سبحانه وتعالى يوفي له بعهده.
                وتأتي الوصية العظيمة والوصية تحمل الكثير من المعاني لبني إسرائيل أن رسالات الأنبياء من عهد آدم إلى خاتمة الرسالات بالنبي صلى الله عليه وسلم رسالة واحدة تدعو إلى التوحيد وتأمر بالخير والعمل الصالح غير مجزأة رسالة لا تعمل حساب للولاءات ولأقوام وعنصريات لا تعمل حساب لعطاءات الدنيا المختلفة لأنها رسالة إيمانية رسالة التزام مع الله عز وجلت


                (وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ)
                رسالة النبي صلّ الله عليه وسلم، وصية الله عز وجل لتلك الأمة أمة بني إسرائيل أن تؤمن بالرسالة التي جاء بها النبي صلّ الله عليه وسلم لأنها تتمة لرسالة موسى وعيسى عليهما السلام وجميع من سبقهم من الأنبياء الرسالة واحد لا تفرّق لأن ما يفرّق ليس الدين والرسالات وإنما ما يفرّق بين البشر الأهواء والأطماع والحسابات الشخصية المادية. ولذا جاء كثيرًأ في سورة البقرة
                (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)
                البيع والشراء والمتاجرة الكارثة الكبرى حين يتحول الدين إلى متاجرة يتاجر به من يمكن أن يُعرف برجالات الدين كما حدث مع بني إسرائيل، التحذير واضح، ولم يتاجر به هؤلاء؟ لأجل مصالحهم الشخصية
                (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا (174) البقرة)
                ويتكرر ذلك في سورة البقرة كثيرا.

                تعليق


                • #23
                  رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                  (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
                  صورة أخرى من صور المتاجرة بالدين والوصية واضحة كما ذكرنا،
                  الخطاب في سورة البقرة يأتي لبني إسرائيل ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
                  الخطاب موجّه للمسلمين، الخطاب موجّه لكل الأمم
                  (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
                  لا تكتم الحق حين يكون الحق عليك وتُظهره حين يكون لك، لا تُخضِع الحق لحساباتك الشخصية المادية،
                  الحق لا يخضع لأهواء شخصية، الحق لا يخضع لمصالح شخصية، الحق لا يخضع لمصالح.

                  وعلينا اليوم ونحن نرى وننظر إلى العالم لأن الغرض من قرآءة القرآن العظيم أن أنظر إلى هذا القرآن وأن أقرأ به واقعي وأتعلم لكي أصحح وأعدّل وفق المنهج الرباني في كتاب الله.
                  السبب فيما يحدث في عالمنا اليوم وواحد من أعظم أسبابه أن الإنسان المعاصر أصبح يتاجر وبيبع ويشتري بالحق والباطل! يحق الحق حين يكون الحق إلى جانبه حين يكون الحق في تحقيق أغراضه وأطماعه الشخصية وحين يكون الحق مخالفًا لأهواء نفسه ولمصالحه الشخصية يسارع بكتمانه ويسارع بلبس الحق بالباطل وهو ما تحذّر منه هذه الآيات العظيمة.


                  تستمر الآيات في تقديم معالم في طريق الهداية في كيفية عرض وتقديم معالم المنهج الرباني في سياق الحديث عن بني إسرائيل وتستمر الوصايا بـ(وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) وهنا لنا وقفة في هذا المجال: الأمر بالعبادة من صلاة ومن زكاة يأتي في سياق الحديث عن التعامل في عرض وتقديم الدين والمنهج لأن كل العبادات في الأديان السماوية جاءت لترتقي بالنفوس، جاءت لتخلّص النفوس والقلوب من شوائبها، جاءت لتكون عونًا للإنسان على الارتقاء بالإنسان بسلوكياته وطريقة تعامله مع الأحداث
                  (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ)؟

                  ثم في الآية التي تليها مباشرة يعيب باستنكار عن من يأمر بالمعروف وينسى نفسه وينهى عن المنكر ويأتيه الوضية خاصة بمن يمكن أن نطلق عليهم رجالات الدين
                  (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)
                  كان من الأجدر والأحوط والذي ينبغي أن يكون الصورة المثالية التي ينبغي أن نسير عليها في حياتنا أن تكون العبادة التي أمارسها في حياتي مصفاة تصفي الشوائب التي تعلق بسلوكي وأفعالي وتصرفاتي وبالتالي تنعكس تلك العبادة على كيفية التعامل مع المعروف ومع المنكر أنا لا يمكن أن أنهى الناس عن أفعال وتصرفات ولكني في نفس الوقت أمارس نفس التصرفات الازدواجية بمعنى آخر ومرض الازدواجية مرض يصيب الكثير من رجالات الدين وقد أصاب الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى ويصيب الكثيرين.
                  هذا المرض يجعل الإنسان يتصرف بعيدًا عن نفسه لا يرى العيوب المتواجدة في نفسه وفي شخصه وإنما ينظر إلى عيوب الآخرين ينظر إلى تلك العيوب ويحاول أن يتحدث عنها في منأى عن نفسه وكأنه قد أعطى لنفسه حصانة ضد تلك العيوب وبالتالي يأمر بالمعروف ولكنه لا يأتي ذلك المعروف ينهى عن المنكر وقد يكون هو أول المسارعين للقيام بذلك المنكر والقرآن يعتبر ذلك نوعًا من البعد عن العقل
                  (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ).

                  تعليق


                  • #24
                    رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                    كيف يصبح واقعي وتعاملي وحياتي الخاصة في أسرتي وفي مجتمعي
                    تصبح مرآة لما أدعو الناس إليه، تواصل، وجهان لعملة واحدة،
                    كيف يصبح هذا التساوي بين ما يظهره الإنسان علانية أمام الآخرين وبين ما يسرّه ويبطنه في واقعه وتعامله، كيف يصبح هذا الأمر؟
                    كيف يصبح هناك تناغم وتناسق بين السر والعلن،
                    كيف يصبح العلن انعكاسًا لما يخفيه الإنسان في سرّه من نقاوة وصفاء، المنهج الرباني كيف يصبح ذلك؟

                    الآيات تقدم لي الوصفة
                    (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)
                    الصبر أن أتحلى بالصبر بطول النفس أن أتحلى بالقدرة على مجاهدة النفس، أن أتحلى بالقدرة على أن أرتقي بنفسي الأمر يحتاج إلى صبر والصبر على الطاعة والصبر على التحلي بالصفات الحسنة والأخلاق الطيبة من أعلى درجات الصبر ولذلك جاءت الوصية به.
                    والصبر لا ينفك عن الصلاة وهنا لنا أن نتوقف عند هذه ونستحضر المواقف التي كان يعيش بها النبي صلّ الله عليه وسلم الصلاة بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن مجرد أداء فريضة لم تكن عبئًا على عاتقه يريد أن يتخلص منه، أبدًا، كان صلّ الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة كان ينادي على بلال فيقول أرحنا بها يا بلال، يا ترى كيف تمكن النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة من أن يحوّل الصلاة، العبادة، الفريضة إلى مفزع وملجأ وكهف يأوي إليه حين تأتي عليه المحن؟ كيف؟

                    لكي اصل بصلاتي إلى تلك المرحلة أحتاج أن أستحضر الخشوع في صلاتي ولكي أمارس الخشوع الذي هو روح الصلاة ولب الصلاة وأجعله جزءًا لا يتجزأ من صلاتي، من ركوعي، من سجودي، من قيامي من خضوعي الخشوع، لكي أصل إلى هذه المرحلة علي أن أتيقن تمامًا من لقاء الله سبحانه وتعالى
                    (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
                    الصلاة لقاء بين العبد وربه، أنت تناجي الله عز وجل في صلاتك أنت تخاطبه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
                    إذن هذا النوع من الصلاة الذي يرتقي بأخلاقيات الإنسان ويرتقي بسلوكياته هو هذه الصلاة

                    تعليق


                    • #25
                      رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني




                      من أعظم عطاءات التوحيد أنه يحرر الإنسان من أسر الشهوات المادية يحرره من الوقوع في سلطان النزوات والشهوات من مال من جاه من ركض وراء طعام أو شراب، التوحيد يحرر الإنسان من هذا كله
                      ولكن الإشكالية التي وقع فيها بنو إسرائيل من مواقفهم التي ذكرتها سورة البقرة أنهم ما استطاعوا أن يتخلصوا من الأسر، من العبودية، نفسية العبيد كانت ملازمة لهم على الرغم أنهم تحرروا من فرعون هم كانوا عبيدًا لدى فرعون ولكن الحرية لا تكون فقط بكسر القيود المادية.


                      أعظم أنواع الحرية التي صنعها التوحيد في نفوس أتباعه أنه حرّرهم تحريرًا معنوياً أصبحوا أحرارًا ما باتوا عبيدًا لشهوة من مال أو طعام أو شراب أو منصب أو ما شابه.

                      الآيات تتحدث عن موقف من المواقف التي مر بها بنو إسرائيل، طلبوا من موسى عليه السلام أن يستسقي لهم الله عز وجل وقد فعل موسى عليه السلام وربي سبحانه وتعالى قدّم لهم معجزة مادية عاينوها بأعينهم رأوا الماء وهو يتفجر بين أيديهم وربي سبحانه هنا وجّه لهم الأمر الإلهي

                      (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60))

                      ولكن ماذا كانت النتيجة لم يتوقف بنو إسرائيل عند ذاك الأمر الإلهي، المنهج الرباني، وإنما ولكن وقفوا عند شيء آخر شيء مادي وقعوا في الأسر من جديد، وقعوا في الأسر لأن التوحيد الذي كان في قلوبهم لم يلامس شغاف القلوب، التوحيد الذي كان في قلوبهم كان توحيداً ضعيفاً كان توحيدًا ما استطاع أن يحرّرهم التحرير الحقيقي من سلطة الشهوات المادية فكانت الإجابة مقابل ذاك الأمر الإلهي الرباني على لسان موسى عليه السلام أن يا موسى

                      (لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ
                      مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا)


                      الأشياء والأطعمة وأنواع الأطعمة التي كانوا يأكلونها عند فرعون وهم عبيد، لم ينظروا إلى عطاء الحرية وتنسّم الحرية بكل معانيها وإنما نظروا إلى الفُتات تشوّقت أنفسهم وتطلّعت إلى الأطعمة التي كانوا يأكلونها وهم عبيد، ولم يتشوّقوا ويتطلّعوا إلى الحرية التي يتنعمون بها والتي أنقذهم لله سبحانه وتعالى من خلالها من أسر فرعون.



                      الحرية لها ثمن، الآيات تعلمنا هنا أن الحرية لها ثمن وأن الحرية حين تُعطى وتوهب لأمة من الأمم ينبغي لتلك الأمة أن تكون على مستوى عطاء الحرية على مستوى التضحية على مستوى البذل الآيات تربي المجتمع الأول والمجتمعات المسلمة. الآيات آيات سورة البقرة نزلت كما تكلمنا وذكرنا على مدى سنوات التي عاشها المسلمون في المجتمع المدني الأول بناء الدولة، الآيات تريد أن تربي فيّ معاني التضحية والحرية بأوسع فضاءاتها ونطاقاتها الحرية ليست كلمة الحرية ليست مجرد شعار نطالب به الحرية ليست ادّعاء الحرية أن تتحرر في داخل نفسك من أسر شهواتها أن تنفض عنك قيودها أن تصبح عبداً لله وحده دون سواه، التوحيد، الحرية تساوي التوحيد بأبهى صوره وحلله








                      بنو إسرائيل لم يتحرروا، بنو إسرائيل صحيح خلّصهم ربي سبحانه وتعالى من أسر فرعون ولكنهم ما استطاعوا ولكنهم لم يتخلصوا من أسر الشهوات المادية اشتاقوا لطعم العبودية اشتاقوا للشهوات المادية التي كانت متكرّسة متأصّلة في نفوسهم فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة كانت من جزاء العمل
                      (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (61))
                      نتيجة طبيعية تمامًا نتيجة لكفرهم نتيجة لطريقة تعاملهم مع المنهج الرباني المتمثل في التوراة،
                      ربي سبحانه وتعالى أنزل لهم منهجًا وحين يقابل الإنسان المنهج الرباني بالكفر والجحود والعناد والمعصية تلو المعصية والمخالفة مع التي تليها ومحاولة التحايل على النصوص والتلكؤ في اتباع أوامر الله سبحانه لا يمكن أن تكون النتيجة مغايرة (وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ (61)) الذلّة أن يصبح الإنسان أسيراً سواء كان إنسان كفرد أو كشعوب، أن تقع الشعوب في الأسر من جديد في الذل، في الخضوع، في المسكنة. الشعوب بأسرها

                      ونحن نرقب اليوم ما يحدث في العالم ويدور حولنا الشعوب قد تكون حرة في الشكل في الظاهر ولكنها ربما تكون أسيرة وواقعة في الأسر هذا نوع من أنواع الذلة التي تتحدث عنها سورة البقرة.
                      الحرية لا تعني أن لا تكون هناك قيود في يدي فحسب، الحرية المادية، الحرية تعني أن أكون حرة كفرد أو كمجتمعات وشعوب في اتخاذ القرار، في الرؤية، في النظر، في التصور، في التطلع، في الأهداف، في تنفيذ الأهداف، هذه هي الحرية. الحرية أن تتخلص من سطوة البشر سواء كانوا فرعون أو غير فرعون الحرية أن تكون فعلًا عبداً لله سبحانه ولا تكون عبداً لأحد سواه.

                      هذه المعادلة لم يدركها بنو إسرائيل ووقعوا في مخالفات مخالفات أخرى
                      ولذلك جاءت الآية العظيمة التي بعدها لتقرر
                      (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62))

                      إذا أردت الحرية الحقيقية فهي في الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح الذي يجعل منك إنساناً حراً طليقاً ويضمن لك الأجر والثواب في الآخرة. ولذلك تأملوا معي نهاية الآية (وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)) الخوف والحزن، الخوف والحزن هي ضريبة يدفعها الإنسان الأسير، يدفعها العبد إزاء قابليته للاستعباد لغيره، الخوف والحزن. ولنا أن نتوقف في كل ما يحدث في عالمنا المعاصر اليوم، ما هي السمة الغالبة على مجتمعاتنا المنكوبة؟ خوف وحزن! خوف بأشكاله المتعددة المتنوعة، خوف على الأرزاق، خوف لغياب الأمن، خوف على المستقبل، خوف على الحياة، خوف، خوف، خوف، الخوف بأشكاله وحزن لا يمكن أن ينفك عن منظومة الخوف، عذاب! لِمَ جاء الخوف والحزن؟
                      البعد عن المنهج وبالتالي الآية تقول
                      (مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62))
                      في الدنيا والآخرة.
                      وحتى ما يصيب الإنسان المؤمن في الدنيا من خوف أو من حزن في بعض الأحيان هو خوف وحزن نسبي بسيط لا ينفكّ عن المشاعر الإنسانية، أما أن يصبح الخوف والحزن كما هو واقع في مجتمعاتنا المعاصرة حالة ملازمة للأمم وللشعوب هذه قضية ينبغي أن نتوقف عندها.
                      وبمفهوم المخالفة في الآية أن من لم يؤمن بالله واليوم الآخر سيكون الحزن والخوف عنده حالة ملازمة لا ينفكّ عنها ولا يستطيع التخلص من أسرها وهذا ما حدث ويحدث حين يخالف الإنسان فرداً كان أو شعباً المنهج الإلهي الرباني.

                      وتعود الآية من جديد في سياق الحديث عن بني إسرائيل لتؤكد أن الإشكالية الكبرى في بني إسرائيل ومواقفهم المتعددة التي تتناولها سورة البقرة إنما كانت تكمن في مخالفة المنهج الرباني ((خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ (63)) الوصية ليست لبني إسرائيل فحسب، الوصية لي (خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)) ثم حين لا يحدث هذا الأخذ بقوة تكون النتيجة الطبيعية
                      (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64))
                      التولي والإعراض عن المنهج الرباني، الوقوع في إشكالية التعامل معه التي وقعت في بني إسرائيل

                      تعليق


                      • #26
                        رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                        بني إسرائيل أمرهم ربي عز وجل أن لا يعملوا في السبت كما ورد في سور أخرى وآيات أخر في كتاب الله عز وجل هذا أمر رباني أمر إلهي ولكن ماذا فعلوا؟
                        فئة من بني إسرائيل اعتدوا على الأمر الرباني والمنهج الرباني فماذا كانت النتيجة؟
                        أن الله سبحانه وتعالى مسخ تلك الفئة التي تعدّت المنهج الرباني وسواء كان المسخ حقيقياً
                        (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65))
                        أو مسخًا معنوياً بمعنى أن يتحول الإنسان عن هذا المنهج إلى صورة مغايرة تماماً صورة ممسوخة صورة لا يليق بها أن تتلقى المنهج الرباني. في كِلا الأحوال كانت الخسارة هي الملازمة والملاحقة لهم
                        (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66))
                        آيات، علامات، دلائل ربي سبحانه وتعالى في هذا الكون والمجتمع يُري الإنسان والأمم والشعوب آيات يُري العواقب والنتائج التي تترتب على الإنسان حين يخالف المنهج الرباني

                        الإنسان فرد أو شعب حين يخالف المنهج الرباني هناك عقوبة مترتبة والعقوبة قد تكون فردية وقد تكون جماعية وقد حدثت في أولئك الذين تجاوزوا الأمر الرباني مع بني إسرائيل. تنتقل الآية إلى موقف آخر من مواقف بني إسرائيل لتعرض وتقدم لنا نموذجًأ آخر نموذجًا من الإعراض نموذجًا من التحايل في التعامل مع المنهج الرباني موسى عليه السلام أمرهم بأن يذبحوا بقرة
                        (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67))
                        قصة، حادثة وقعت، قصة قتل حدثت في بني إسرائيل وحين أراد موسى عليه السلام أن يكشف عن هوية القاتل فكِلا الفريقين أراد أن يرمي باللائمة على الفريق الآخر وربي سبحانه وتعالى أراد أن يكشف لهم الحقيقة فأمر موسى عليه السلام أن يأمرهم بذبح بقرة، واضح الأمر، ولكن ما تعودوا عليه في التعامل مع الأوامر الربانية والوحي الإلهي التلكؤ في اتباع الأمر، التحايل، كثرة المماطلة، كثرة السؤال، كثرة القيل والقال، لمَ؟ وماذا؟ وكيف؟ لا لأجل أن يفهموا ولا لأجل أن يتفقهوا في الدين ولكن لأجل أن يتفيقهوا، بمعنى لأجل أن يبرروا لأنفسهم التحايل، لأجل أن يتباطؤا في اتباع المنهج الرباني مدلف خطير جداً سياق الآيات تحدثني وتحذرني من الانجرار فيه والإنسياق نحوه، أن أتعامل مع المنهج الرباني واِفعل ولا تفعل بنيّة التحايل والمماطلة وليس بنيّة المتابعة وعدم المخالفة.

                        السؤال عن الحكمة والقصد وراء التشريع الإلهي لا شك أنه قد يكون في بعض الأحيان أمر مشروع ولكن بشرط ألا يكون بنيّة التهرّب من ذلك الأمر وإنما بنيّة الفهم بنيّة الوعي بنيّة الخضوع والإنسياق للأمر الرباني. العبادة، أصل العبادة أن أكون عبداً خاضعاً لله سبحانه منقاداً لأمره، في بعض الأحيان قد أفهم الحكمة وفي بعض الأحيان قد لا أفهم وفي كلتا الحالتين فهمت الحكمة من وراء الأمر الرباني أم لم أفهم عليّ الاتباع والانقياد والخضوع.

                        هذا لم يحدث في قصة البقرة مع بني إسرائيل أول كلمة ردّوها على موسى عليه السلام (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا (67)) الكلام مع نبي! وتأملوا معي في سوء الأدب في التعامل مع المبلِّغ عن المنهج، النبي، الأنبياء (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا)! ثم المماطلة
                        (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ (68))
                        (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا
                        (69))
                        (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ (70))
                        كل هذه الطلبات ما كانت لأجل الإنقياد والخضوع وتنفيذ الأمر الإلهي
                        وإنما عملية مماطلة فماذا كانت النتيجة وكيف كانت العاقبة وراء تلك المماطلات؟
                        أن الله سبحانه وتعالى كشف التزوير والكذب والاحتيال الذي وقعوا فيه

                        تعليق


                        • #27
                          رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني




                          (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
                          فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى (73))
                          الغرض من سياق البقرة وقضية ذبح البقرة أن يُضرَب بها هذا القتيل ليعيده الله سبحانه وتعالى بقدرته إلى الحياة من جديد فيشهد على من قتله، على القاتل،
                          هذا كان الغرض وذلك لعدة أمور
                          منها إعطاء صورة حية حسية لبني إسرائيل الذين كانوا مولعين بالحس وعدم الإيمان بالغيب، بقدرة الله سبحانه وتعالى على الإحياء وعلى الإماتة وعلى البعث، اختبار لإيمانهم وابتلاء لمسارعتهم في اتباع المنهج الرباني وهذا لم يحدث ولم يحدث شيء من ذلك!
                          فكانت النتيجة الطبيعية لهذه القصة ولذاك الموقف مع بني إسرائيل أن أحدث الله في قلوبهم قسوة



                          (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ (74))
                          القسوة في القلب عقوبة، وهي مرض يجعل القلب متصلبًا متلبدَ الحسّ لا يشعر بالآيات ولا بالمواعظ حين تمر أمام عينيه، العين تتصلّب فيها الدموع، تجف فيها المآقي، لا تعد قادرة على أن تدمع
                          ونحن نعلم جميعاً أن البكاء من خشية الله عز وجل من النعم العظيمة التي ينعم الله عز وجل بها على الإنسان وأن جزاءها أن تُحرّم النار على تلك العين التي بكت من خشيته سبحانه. ولكن الحال في بني إسرائيل كان العكس تماماً كان عقوبة والعقوبة لا تأتي إلا على مخالفة ومعصية. المماطلة في اتباع المنهج الرباني الذي أتى به موسى عليه السلام التراجع، التخاذل، التحايل، كل ذلك في التعامل مع المنهج الرباني كانت العقوبة من جنس العمل، قسوة!

                          (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَة (74)) في صلابتها
                          (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (74)) من الحجارة (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)) الحجارة كما يقول ربي عز وجل في سورة أخرى (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21) الحشر)



                          ولكن الإنسان حين يقسو قلبه كما حدث في بني إسرائيل نتيجة لمخالفة المنهج الرباني يصبح ذلك القلب أقسى من الحجارة فتمرّ عليه المواعظ في كتاب الله ويسمع الآيات بأذنيه ويراها في واقعه بعينيه ولكن لا تحرك فيه قلباً، لا تحرك فيه ساكناً، لا تجعل القلب يتحرك باتجاه تلك الآيات العظيمة فيخرّ مؤمناً خاضعاً لها، لا تحرّك فيه بواعث الخشية من الله عز وجل التي هي من أعظم أعمال القلوب.
                          وكل الآيات وهي تتحدث عن بني إسرائيل إنما هي تحذّرنا نحن اليوم من أن نتعامل مع منهج ربنا وكتاب ربنا بهذا الشكل وبهذه الصورة لأن النتيجة لن تكون مغايرة لما حدث مع بني إسرائيل

                          تعليق


                          • #28
                            رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                            ثم تنتقل الآيات إلى موقف آخر من مواقف التعاطي مع المنهج والكتاب أيضاً من بني إسرائيل،
                            التحريف، التحريف بكل أشكاله وصوره، تحريف معنوي وتحريف حسّي.

                            أما المعنوي فهو ما أخبر عنه الله عز وجل حين قال
                            (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ (76))
                            الازدواجية، النفاق، التحريف، جعل الدين بضاعة وتجارة، أُظهِر من الآيات ما يتناسب مع مصالحي الشخصية، أستشهد بالآيات التي تخدم وتحقق أغراضي وأطماعي ولكني أغضّ الطرف وأنسى الآيات التي لا تأتي في مصالحي الشخصية ولا في إطار تحقيق أهوائي وأطماعي وأغراضي، موقف خطير جداً يحقق النفاق يجسد الإزدواجية في التعامل مع كتاب الله عز وجل ومع المنهج! أعرف شيئاً ولكني أعمل شيئاً آخر، أعرف أن الحق ليس في ما أفعله ولكني أفعل الباطل وأمارسه، إزدواجية! ولا بأس أن أدّعي أنني من أنصار الحق كما فعل هؤلاء القوم من بني إسرائيل
                            (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (76)) إزدواجية، ادِّعاء. ولكن هل يغني ذلك الادّعاء في التعامل مع الله عز وجل؟!





                            تأملوا معي الآية
                            (أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77))
                            السرّ عنده علانية، إياك أن تتعامل مع الله عز وجل دون أن تحقق هدف النقاوة في باطنك وفي سرّك،
                            إياك من الإزدواجية في التعامل مع الله عز وجل لأني أنا لا أستطيع أن أخفي شيئًا عنه سبحانه إن نجحت في إضمار الباطل وإخفاء الحق على الناس لن أنجح في ذلك مع الله عز وجل لأنه ببساطة شديدة لأن
                            (أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)).


                            أما النوع الآخر أو الشكل الآخر الذي يحذّرني منه القرآن في التعامل مع المنهج والكتاب تحريف من نوع آخر، التحريف بمعنى أن أعلم الكتاب قراءة أو تلاوة فقط بالألفاظ أما بالعمل فالأمر مختلف وتأملوا معي الآية
                            (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78))
                            ولذا قال جمعٌ من المفسرين في هذه الآية لا يعلمون من الكتاب إلا التلاوة والقراءة أما التدبر أما التفقّه أما التفهم أما التنفيذ أما التطبيق فهذا شيء بعيد تماماً عن اهتمامهم. هذا النوع الأعوج من التعال مع المنهج الرباني ومع الكتاب هو نوع من التحريف وقد حدث كذلك في بني إسرائيل

                            تعليق


                            • #29
                              رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني





                              أما النوع الحسّي فأن يكتب ويحرّف آيات الكتاب تحريفاً بيديه
                              (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (79))
                              وتأملوا نهاية الآية
                              ( لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا (79))
                              متاجرة بالدين!
                              يحرّف على هواه يتّبع الهوى يُخضِع الدين والمنهج الرباني لأطماعه الشخصية مدلف خطير جداً جدًا.
                              وغالب ما يحدث اليوم في المجتمعات في المتاجرة بالدين النتائج الوخيمة
                              التي تترتب على ذلك لا يعلم مداها إلا الله!
                              حين يتحول الدين إلى قضية تجارية،
                              إلى هوى نفس حين أشتري وأبيع،


                              ولذلك كلمة (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا (79)) جاء ذكرها في سورة البقرة كثيرًا جداً، لماذا؟
                              للتحذير من هذا المنهج الخطير.
                              الدين لا ينبغي أن يخضع للبيع ولا للشراء، الدين جاء ليحكم حياتي وحياتك، الدين جاء لكي يُخضع قلبي ومصالحي له ولأحكامه وأوامره وليس لأجل أن أُخضعه أنا لنقاط ضعفي ونزواتي وأطماعي وشهواتي!
                              ماذا كانت النتيجة؟

                              (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79))


                              المال الحرام الذي يُكتسب وإن كان كثيراً من جرّاء المتاجرة بالدين والمصالح الشخصية سيكون وبالاً على صاحبه، وهذا بالفعل ما حدث في بني إسرائيل. ومن جديد تنتقل بي الآيات إلى ذلك الميثاق إلى المنهج الرباني المنهج الواحد الذي جاءت به لكل الشرائع السماوية، التوراة جاءت بشرائع عظيمة لأنها من الله عز وجل والإنجيل جاء بتعاليم ربانية عظيمة والقرآن جاء بتعاليم ومبادئ في غاية العظمة
                              (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ (83))
                              التوحيد الأساس
                              (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
                              برّ الوادين
                              (وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا
                              وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
                              )
                              الشرائع السماوية واحدة، كل الرسالات السماوية جاءت بالتوحيد، جاءت بالقيم العظيمة، جاءت بالأمر بالإحسان للوالدين والأقارب وقول الخير وعمل الخير والصلاح والبرّ والمعروف، جاءت بعبادات ترتقي بصاحبها في مرحلة السلوك والتطبيق والتعامل مع الآخرين هذه الشرائع التي لا يختلف عليها اثنان كيف كان الموقف منها؟!
                              (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83))

                              . وتنتقل بي الآيات إلى نوع آخر من الأزدواجية في التعامل مع الآيات والمنهج الرباني أن يؤمن الإنسان ببعض الكتاب ويكفر ببعض، من جديد إخضاع المنهج الرباني للمصالح، للأهواء الشخصية، للأطماع (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85))
                              المنهج الرباني عليك أن تأخذه جملة وتفصيلاً، عليك أن تأخذ كل ما فيه لكي يحقق الثمار المرجوة في الواقع وفي المجتمع أما أن تطبّق جزئية منه وتترك الجزء الآخر هذا اعوجاج في الأخذ به، هذا لا يمكن أن يؤدي الغرض أبداً. الكتاب عليك أن تأخذه بكلّه، بكل أوامره ونواهيه وأن تخضع بقلبك وقالبك ومجتمعك لذلك المنهج الرباني،

                              ولذلك من جديد تأملوا معي كم مرة يأتي الكلام عن البيع والشراء
                              (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ (86))
                              باع واشترى باع آخرته واشترى دنياه بثمن بخس
                              (فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)).
                              والقضية لأنها قضية خطيرة جداً وتحدث ليس فقط مع بني إسرائيل، تحدث في المسلمين، تحدث في النصارى، تحدث في أقوام متعددة لذلك القرآن وقف عندها في سورة البقرة طويلاً:
                              لا تبع وتشتري بالدين، المتاجرة

                              تعليق


                              • #30
                                رد: سلسلة بعنوان : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني



                                تعود الآيات من جديد لتتحدث عن موسى عليه السلام والكتاب
                                (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ (87))
                                الرسالات واحدة ولكن الإشكالية في تعاملكم مع تلك الرسالات
                                (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87))
                                (بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ)
                                وتأملوا معي هذا هو السبب، ليس السبب أنك غير مقتنع بالمنهج الرباني، ليس السبب في مخالفة بني إسرائيل للمنهج الرباني الذي جاء به موسى عليه السلام أنهم لم يكونوا على قناعة أو دراية بذلك المنهج، أبداً.
                                السبب أنه قد جاء بما لا تهوى أنفسكم!


                                هوى النفس، أخطر الأمراض في التعامل مع المنهج الرباني هوى النفس ولذلك القرآن يحدثني في آيات عديدة فيقول (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ (23) الجاثية) الهوى قد يصبح إلهًا يُعبَد من دون الله!
                                والمطلوب من الدين أن تتحرر من هواك، أن تتحرر من أي سلطان إلا الخضوع والانقياد لأمر الله عز وجل،
                                هذا مطلب رئيسي.


                                (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88))
                                لعن، بدأ الجزاء على ذلك العناد والجحود والإنكار والتعامل السيء مع المنهج الرباني.
                                فيا ترى كيف كان استقبال بنو إسرائيل للمنهج الرباني الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؟
                                كيف كان استقبال بني إسرائيل للمنهج الذي لم يكن يختلف في أساسه عن ما جاء به موسى عليه السلام؟ منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء في القرآن

                                (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ (89))
                                وهم في الأصل كانوا يستفتحون على الناس في المدينة، على العرب ويتباهون ويتفاخرون أنه قد أظلّنا زمان سيظهر فيه لنا نبي جديد من أنبياء بني إسرائيل، كيف كان موقفهم؟ .
                                عرفوا بأنه هذا هو الكتاب الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم حقاً
                                عرفوا بذلك ولكنهم تجاهلوا تلك المعرفة، لماذا؟
                                لأن تلك المعرفة قد تناقض ما تهواه أنفسهم وتتشوف إليه ولذا القرآن قال

                                (بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ
                                فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90))
                                هذه هي الحقيقة، هذه هي النتائج التي ترتبت على ذلك التعامل الأعوج مع المنهج الرباني من قِبَل بني إسرائيل، المتاجرة بالدين لا يمكن أن تكون لها نتيجة أخرى ولذلك عادت الآيات من جديد في الآية 92 تقول (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ) تذكّرهم (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ﴿٩٢﴾) إن كنتم لا تريدون اتباع النبي صلّ الله عليه وسلم لأنه ليس من بني إسرائيل فما تقولون على النبي موسى عليه السلام الذي أرسله الله إليكم؟ وعلى الرغم من ذلك اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون! كيف تفسّرون ذلك؟! وكيف تفسّرون أن الله قد أخذ الميثاق عليكم (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ) ولكن لم تكن النتيجة هي الاتّباع بل كانت النتيجة (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)).


                                إن كان الإيمان لا يولّد لديك قوة دافعة للاتباع والطاعة والأخذ بقوة بذلك المنهج فما قيمة ذلك الإيمان؟!
                                ما قيمة أن تقول أنا مؤمن باللسان ولكن الفعل في الواقع يخالف ذلك القول؟! ما قيمة ذلك كله؟
                                (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ).
                                إن كان ذلك النوع من الإيمان الذي تدّعون يأمركم بقتل الأنبياء ومخالفة المنهج الرباني فبئس به من إيمان، هذا ادّعاء، هذا ليس إيمانًا، الإيمان التزام، الإيمان لا يمكن أن يبرر تلك الازدواجية بين الفعل والقول، الإيمان لا يبرر ذلك، الإيمان لا يجعلك تعيش في تناقض مميت بين ما تؤمن به في قلبك وبين ما تمارسه في حياتك وسلوكك.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X