إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

معوقات الاعتصام بالقرآن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معوقات الاعتصام بالقرآن





    الحمدُ لله نحمَدُه، ونستَعِينه ونستَهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

    أمَّا بعدُ:
    فيا عباد الله، اتَّقوا الله - تعالى - وتمسَّكوا بكِتابه، وعَضُّوا على سنَّة نبيِّه بالنواجِذ، فقد كثُرت الفِتَن، وظهرت الشُّرور، وتداعَتْ عليكم الأمم من كلِّ حَدب وصَوب، فعليكم بسنَّة نبيِّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - اعمَلُوا بما عَلمتُم، وتعلَّموا منها ما جَهِلتم فإنَّ فيها النَّجاة.


    معوقات الاعتصام بالقرآن وهى :

    أولًا: البعد عن القرآن وفيه:
    - ترك تدبر القرآن والعمل به.
    - ترك التحاكم إليه.
    - ترك الاستشفاء والتداوي به في جميع الأمراض والداء.



    ثانيًا : اتباع الهوى

    ثالثًا :الغلو

    رابعًا : تقديم العقل على النقل




    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 08-04-2016, 07:12 PM.


  • #2
    رد: معوقات الاعتصام بالقرآن


    أولًا: البعد عن القرآن وفيه:



    مما علم أن أفضل القرون في حياة هذه الأمة المسلمة كان في غضون الثلاثة القرون الأولى كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم..إلخ:"[صحيح البخاري (6695)]، حيث تمثلوا الدين الصحيح بصفائه ونقائه، وحملوه للآخرين كما تلقوه؛ وذلك لقرب عهدهم بالوحي وزمن الرسالة السماوية، وإبان انتهاء تلك القرون المفضلة دب الخلل، وحدثت البدع، ووجدت الفرقة والاختلاف نتيجة بعدهم عن الوحي المنزل زمنياً من جهة، والبعد عن التلقي من معينه الصافي مع وجوده بين ظهرانيهم من جهة أخرى، وإن كان الخلاف قبل ذلك موجوداً، وحصلت بعض البدع كالقدرية، والخوارج، إلا أنها كانت تصطدم بالجبال الرواسي من الصحابة وتابعيهم، ولم يكن لها ذلك التأثير البليغ كما حصل لها بعد ذلك، فهذا عامل رئيس لعدم التمسك بالوحي المنزل من رب العالمين، وعاقبة آلت إليها بعد ذلك.


    فالبعد الزمني عن زمن الوحي له دور في التفلت من التمسك به، كذلك بعدهم عن مشربه ومعينه الصافي أثَّر تأثيراً بليغاً، ومثَّل عائقاً للاعتصام بهذا الوحي الكريم، ثم جاءت بعد بدعة القدرية والخوارج بدعت المرجئة ردت فعل للخوارج، تبرر لواقع المسلمين مخالفتهم للوحي، فالخوارج جعلوا كل من يقع في معصية أو مخالفة شرعية خارجاً عن الدين، وحجروا على الناس في دينهم، فكان خطئاً جللاً، ولا يقل عنه خطأ المرجئة، حيث لم يجعلوا للتمسك بأوامر الشريعة مكانة في نفوس الناس وقلوبهم، فهاتان ظاهرتان تمثلان البعد عن منهج الوحي، فكان لهذين الفكرين الغاليين أثر بالغ على واقع الأمة اليوم.



    إننا عندما ندرس مظاهر البعد عن منهج الوحي، الذي يمثل عائقاً عن التمسك به، نجده يتجلى في مظاهر عدة، ولعل من أهمها ما يلي:

    - الإعراض عن سماع القرآن الكريم وعدم الإصغاء له، والاتجاه صوب كلام والحان البشر، وغدا الناس يتسابقون على سماع المطربين، وأصبحت القصائد الشعرية، والأمسيات الثقافية تطغى على المسامع، وتجوب النوادي،ولم يكن للقرآن الكريم نصيب وافر منها، فكان مظهرا بارزا من مظاهر الإعراض، وبعداً ساحقاً لهذا الأمة.

    - إننا عندما نتعرض لشمائل النبي –عليه الصلاة والسلام– لم يكن يصغي بكل مشاعره ووجدانه لغير القرآن الكريم. وقد كان يجعل لسماع القرآن نصيبا من حياته، وقبل ذلك كان جريل –عليه السلام- يدارسه القرآن كل سنة مرة، وفي العام الذي توفي فيه دارسه مرتين.

    - وكان يقول: "إني أحب أن أسمعه من غيري"[تفسير القرآن العظيم (2/481)]، ولذلك أمر ابن مسعود يقرأ عليه آيات من سورة النساء، كذلك الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا إذا اجتمعوا وفيهم أبو موسى يقولون له: يا أبا موسى ذكرنا ربنا، فيقرأ عليهم، وهم يستمعون، ثم جاء من بعد ذلك خلوف ليس لهم من سماع القرآن والإصغاء إليه نصيب، بل آثروا سماع الأبيات عن سماع الآيات، وسماع الألحان عن سماع القرآن، وهذا ظاهر في طرق الصوفية ومن نحا نحوهم ممن تأثروا بهذا الفكر المنحرف عن منهج الله تعالى، فحصل شرخ بين القرآن الكريم وبين سماعه لكثير من جيل المسلمين اليوم، وقد كانت شكوى رسولنا الكريم عن قومه لرب العالمين سابقة لهذا فقال تعالى: "وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا"، حيث قد هجروا سماعه وآثروا غيره عليه.


    - ترك تدبر القرآن والعمل به:


    - القرآن الكريم يثمل دستورًا كاملا لحياة البشرية، في أخلاقها، وتصرفاتها، ومعاملاتها، فهو نزل ليعمل الناسُ به، وأن يتخلقوا بأخلاقه، ويمتثلوه كما امتثله رسول رب العالمين –عليه الصلاة والسلام– كما جاء ذلك عن عائشة رضي الله عنها، عندما سئلت عن أخلاق النبي –عليه الصلاة والسلام– فقالت: كان خلقه القرآن، وكان يتأول القرآن تأولاً-يعني- يعمل به، ثم كان بعده صحابته رضوان الله عليهم – لم يكونوا يتقلون هذا القرآن لتسلية، أو يجمعوا كما من الآيات في صدورهم، لا لم يكونوا كذلك.!، بل إن الواحد منهم لا يتجاوز العشر الآيات حتى يعمل بهنً، فكانوا يتعلمون العلم والعمل معاً.


    جاء ذلك عن ابن مسعود عن من كانوا يقرؤونهم القرآن قال: (إنهم كانوا يقترئون من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل قالوا فعلمنا العلم والعمل)[تفسير الطبري -(5/422)].


    فقد تلقوه توجيها يطبق في واقع الحياة كلما جاءهم منه أمر أو نهي، وكلما تلقوا منه أدبا أو فريضة. ولم يأخذوه متعة عقلية أو نفسية كما كانوا يأخذون الشعر والأدب،ولا تسلية وتلهية كما كانوا يأخذون القصص والأساطير فيتكيفوا به في حياتهم اليومية. تكيفوا به في مشاعرهم وضمائرهم، وفي سلوكهم ونشاطهم. وفي بيوتهم ومعاشهم. فكان منهج حياتهم الذي طرحوا كل ما عداه مما ورثوه، ومما عرفوه، ومما ما رسوه قبل أن يأتيهم هذا القرآن، فأنزل الله هذا القرآن قائما على الحق، "وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ"، ولقد أخبر الرب تعالى أن طريق الإصلاح في هذه الأرض وإعمارها إنما هو بالعمل بهذا الكتاب المنزل، وأن الفساد بجميع صوره يكون بترك التمسك بهذا المنهج القويم، وقد جعل الله تعالى المتمسكين بالكتاب من المصلحين الذين لا يضيع أجرهم، وذلك في سياق ذم الذين أعرضوا عن منهجه، وأصبحوا عقائد ومذاهب شتى من اليهود والنصارى ومن حذا حذوهم من أبناء هذه الأمة المسلمة، فقال في محكم تنزيله: "وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ " [الأعراف:170]، قال ابن جرير عند هذه الآية: (والذين يعملون بما في كتاب الله، وأقاموا الصلاة بحدودها، ولم يضيعوا أوقاتها "إنا لا نضيع أجر المصلحين" يقول تعالى ذكره: فمن فعل ذلك من خلقي، فإني لا أضيع أجر عمله الصالح [تفسير الطبري - (7/70)]. وقد ذكر ابن عثيمين عند قوله تعالى:"إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ" [الأعراف:170]، قال: ولم يقل أنا لا نضيع أجرهم، فأفاد ثلاثة أمور:


    - الحكم بالإصلاح للذين يمسكون الكتاب. ويقيمون الصلاة.


    - أن الله آجرهم لإصلاحهم.


    - أن كل مصلح وله أجر غير مضاع عند الله تعالى.




    - ترك التحاكم إليه:


    - ترك التحاكم إلى القرآن يمثل عائقاً وبعداً للتمسك به، فقد ندد الله تعالى في أكثر من آية بالذين يعدلون عن حكمه تعالى ويبتعدون عنه في فضِّ نزاعاتهم واختلافاتهم إلى غيره من أحكام الجاهلية، والقوانين الأرضية -التي هي نتاج بشري-، لا تعدوا أن تكون نابعة من مصلحة شخصية، ولم يكن فيه مراعاة إصلاح البشرية ككل، فقال تبارك وتعالى:"أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" [المائدة:50]، قال ابن كثير عند هذه الآية:
    (ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجاهلات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان، الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فلا يحكم بسواه في قليل ولا كثير[
    تفسير القرطبي - (4/164)].


    لقد كثرت النزعات والاختلافات في واقعنا اليوم، ويتجاذب فئام من الناس الأقوال والآراء في عقائدهم ومسائلهم، حتى غدا كثير الناس متحيرين في أمرهم وشؤون حياتهم، ولو أنهم رجعوا في كل هذا إلى قول الله تعالى: "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" [النساء:59]؛ لسلموا من الخبط العشواء، وظفروا بأحسن الخير والتأويل الحسن.

    نقل ابن كثير عن مجاهد وغير واحد من السلف في قوله تعالى:"فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ" قال أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله، ثم قال:

    وهذا أمر من الله، عز وجل، بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" [الشورى:10] فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى: " إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" أي: ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم " إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ"، فدل على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر، وقوله: (ذَٰلِكَ خَيْرٌ) أي: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله. والرجوع في فصل النزاع إليهما خير (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أي: وأحسن عاقبة ومآلا كما قاله السدي وغير واحد. وقال مجاهد: وأحسن جزاء. وهو قريب[التحرير والتنوير - (17 / 254)].


    وكل تنازع دنيوي كان أو أخروي لابد أن يُرد أمره إلى الوحي المنزل لا إلى آراء الرجال وأقوالهم، فيسلم بذلك دينهم من التغير والتحريف، قال الإمام الشوكاني في قول الله تعالى "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ": (المنازعة المجاذبة، والنزع: الجذب، كأن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويجذبها، والمراد: الاختلاف، والمجادلة، وظاهر قوله: (فِي شَيْءٍ) يتناول أمور الدين والدنيا، ولكنه لما قال: ( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) تبين به أن الشيء المتنازع فيه يختص بأمور الدين دون أمور الدنيا، والرد إلى الله: هو الرد إلى كتابه العزيز، والرد إلى الرسول: هو الرد إلى سنته المطهرة بعد موته، وأما في حياته، فالرد إليه سؤاله، هذا معنى الرد إليهما[صحيح البخاري (4582)، وصحيح مسلم (1903)].


    إن الناس لمَا ابتعدوا عن وحي ربهم، عاقهم ذلك عن التمسك به، وأنَّى لهم أن يتمسكوا به وقد انصاعوا إلى خطاب البشر، وناءوا بأنفسهم عن المنبع والزلال الصافي.!، ولقد تَرَدَتْ الأمة اليوم إلى الحضيض بسبب بعدها كلام عن ربها.




    - ترك الاستشفاء والتداوي به في جميع الأمراض والداء:


    الأمة الإسلامية اليوم تمر بمرحلة حرجة، وحالة صعبة، فقد أنهكتها الأمراض الجسيمة المتوالية عليها، واحتقنت جراحاتها في جسمها، فهي تعاني من أمراض أخلاقية، واجتماعية، وعقلية، وجراحات في عرضها ودينها، وتسرح في تيهٍ وضياع، وفي غضون هذه الآلام ذهبت تخبط خبط عشواء تلتمس دوائها من أعشاب ضارة، وجرع مسمومة، بل واستجارت بالرمضاء من النار، ولم ترَ ما يشفي علتها، أو يخرجها من هذه المفازة المترامية الأطراف، والسبب.؟ إنه البعد عن مهج الله تعالى، والانسلاخ منه، إنه عدم الإدراك لقول الله تعالى: "أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" [العنكبوت:51]، لم يكتفوا أن يعيشوا بما جاءهم من السماء، فيحلوا بذلك أزمتهم الأخلاقية، ويرفعوا الأمراض عن حالتهم الاجتماعية، ولم ويشعروا أنه مَخْرج لهم من كل تيه وضياع، وأنه شفاء لهم من كل داء، فلم يتدبروا قوله تعالى: "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا" [الإسراء:82].
    فتركوا الاستشفاء والتداوي به في جميع الأمراض والداء، قال إمام المفسرين الطبري عند هذه الآية: (يقول تعالى ذكره: وننزل عليك يا محمد من القرآن ما هو شفاء يستشفى به من الجهل من الضلالة، ويبصر به من العمى للمؤمنين ورحمة لهم دون الكافرين به، لأن المؤمنين يعملون بما فيه من فرائض الله، ويحلون حلاله، ويحرمون حرامه فيدخلهم بذلك الجنة، وينجيهم من عذابه، فهو لهم رحمة ونعمة من الله، أنعم بها عليهم "
    وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا" يقول: ولا يزيد هذا الذي ننزل عليك من القرآن الكافرين به إلا خسارا: يقول: إهلاكا، لأنهم كلما نزل فيه أمر من الله بشيء أو نهي عن شيء كفروا به، فلم يأتمروا لأمره، ولم ينتهوا عما نهاهم عنه، فزادهم ذلك خسارا إلى ما كانوا فيه قبل ذلك من الخسار، ورجسا إلى رجسهم...)؛ ونقل عن قتادة، قوله: "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ" إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه "ولا يزيد الظالمين إلا خسارا" أنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه، وإن الله جعل هذا القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين[مسند أحمد -23529-].


    قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: (في القرآن شفاءان القرآن والعسل، القرآن شفاء لما في الصدور...[ تفسير الطبري (10/542)].


    ليس ثمة للأمة ما يعالجها من أسقامها، ويدمل كلومها المقروحة غير القرب من وحي ربها، والتمسك به، فتتخلص من جميع أمراضها، وتسلم لها حيتها، وتظفر بسلامة دينها.



    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 08-04-2016, 07:11 PM.

    تعليق


    • #3
      رد: معوقات الاعتصام بالقرآن




      ثانيًا : اتباع الهوى

      إن دين الإسلام مبناه على الاستسلام والخضوع والانقياد بالطاعة لله رب العالمين، وهذا هو لب الإسلام وروحه وكماله، وهدم الدين وفساده يأتي بالاعتقاد الباطل والعمل بخلاف الحق والصواب واتباع الهوى، وهما أصل كل شر وفتنة وبلاء، بل إن مصدر أول شبهة بين الخليقة بقيادة إبليس: هي كما قال الإمام الشهرستاني: استبداده بالرأي في مقابلة النص، واختياره الهوى في معارضة الأمر، واستكباره بالمادة التي خلق منها وهي النار على مادة آدم عليه السلام وهي الطين[ تفسير ابن كثير- (3/131)].
      فمتى ما ركب الإنسان بحر الهوى، وخاض في أمواجه الملاطمة بئست عاقبته، وخاب مأواه، ومتى ما نهى الإنسان نفسه عن الهوى، وركب سفينة النجاة طاب له مأواه في جنة عدن، قال الله تعالى: " فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى" [النازعات:37-41]، فلم يُهدم الدين بمعول كما هُدم بمعول البدعة، وهوى النفس، وقد أخبر الله تعالى أنهم أخسر الناس أعمالاً، ومع ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، قال الله تعالى: " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا " [الكهف:103-104]، وقد تشعبت السبل بأهل الأهواء والبدع فزلُّوا عن الصراط المستقيم الذي رسمه لهم الوحي، وبينه رسول رب العالمين، مع أن الله تعالى حذر من مغبة اتباع السُبُل، والحياد عن صراطه المستقيم فقال: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "[الأنعام:153].
      جاء عن جابر -رضي الله عنه-، قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فخط خطا، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط، فقال: هذا سبيل الله، ثم تلا هذه الآية: ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [ تفسير ابن كثير - (2 / 346)- (2 / 345)].

      الإسلام: هو صراط الله وسبيله الذي تنكبت الأمة عنه، وقد نهاهم الرب عن مغبة تركه واتباع الضلالات والبدع والشهوات؛ التي هي سبل الشيطان، حيث آل الأمر إلى التفرق والبعد عنه منهجه، قال ابن جرير: سبيله: الإسلام، وصراطه: الإسلام، نهاهم أن يتبعوا السبل سواه).
      وعن ابن عباس: في قوله تعالى "وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ" [الأنعام:153]، قال لا تتبعوا الضلالات، وجاء عن مجاهد قوله: لا تتبعوا البدع والشبهات[فتح القدير - (2/166)].
      إذن السبل التي نهى الله عنها يمكن القول فيها هي كل طريق تبعدك عن طريق الله تعالى من بدع، وفرق، ومعاصي، وكان للهواء حظٌ لاتباعها، كما ذكر ذلك القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ". بقوله: وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام. هذه كلها عرضة للزلل، ومظنة لسوء المعتقد[انظر تفسير الطبري (15 / 63)].


      ولقد كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين صاحب هوى فتنه هواه، وصاحب دنيا أعجبته دنياه، والله تعالى أرسل رسله وأنزل كتبه وبين أن المتبعين لما أنزل هم أهل الهدى والفلاح والمعرضين عن ذلك هم أهل الشقاء والضلال[سنن البيهقي الكبرى –19350].
      وقد تطرق الإمام ألشاطبي-رحمه الله تعالى-: وهو يذكر علامات أهل البدع، منها: الفرقة التي نبه عليها قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (الأنعام/ 159) وقوله {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا }(آل عمران/105)

      فعزا رحمه الله- إلى بعض المفسرين: أنهم صاروا فرقا لاتباع أهوائهم، وبمفارقة الدين تشتتت أهواؤهم فافترقوا ثم برأ الله نبيه منهم بقوله: لست منهم في شيء. ثم ذكر أن الصحابة اختلفوا ولم يتفرقوا إلى أن قال-رحمه الله تعالى-: فكل مسألة حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام. وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء قال: فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها، فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من اتباع الهوى.

      وذكر منها أيضا: اتباع الهوى: وهي التي نبه عليها قوله تعالى:"
      فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ" [آل عمران:7]، وهو الميل عن الحق اتباعا للهوى، وقوله تعالى:"وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ" [القصص:50]، وقوله:"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ " [الجاثية:23][الملل والنحل - (1 / 15)]. فالهوى مطية إبليس، وبحر يخوض فيه المفاليس، لم يكن يوما منقبةً لصاحبه، ولم يجلب إلا الفرقة والاختلاف، والبعد عن منهج الله تعالى، وأضحى صنماً يُعبد من دون الله تعالى يتألهه أهل البدع والشهوات، وأصحاب المجون والفسوق، " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " الجاثية.






      التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 26-04-2016, 06:05 PM.

      تعليق


      • #4
        رد: معوقات الاعتصام بالقرآن


        ثالثًا :الغلو




        إن الله تبارك وتعالى أنزل هذا الدين لهذه الأمة المحمدية، وأراد منها أن تفهمه كما أراده هو بلا إفراط ولا تفريط، فإن الإفراط ينتهي بصاحبه إلى الغلو، والتفريط ينتهي بصاحبه إلى الانحلال من الشريعة الغراء، وهما يخرجان هذا الدين عن طبيعته وسمته.

        إذ الطبيعة والسمة التي جعلها الله –تعالى- لأمة محمد –عليه الصلاة والسلام- الوسطية، فهي صفة تلازمها، والغاية منها فهم الدين فهماً يتناسق ويتماشى مع العصر الذي تعيشه الأمة دون إخلال في الأصول، أو الفروع، فالعبد مأمور بأن يستقيم كما أمره خالقه وأن لا يطغى، ومع أن هذا الأمر فيه مشقة وجهد إلا أنه يجب أن يراعيه العبد حينئذ، فمن السهل أن يتجاوز الإنسان الحد، ومن السهل كذلك أن ينخلع من بعض التكاليف، إلا أن من الصعوبة بمكان أن يلزم المرء الطريق السوي ولا يحيد عنها، ولذلك يقول النبي –عليه الصلاة والسلام-: "شيبتني هود وأخواتها"[ صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم: 3720 ]، لأن الله توجه إليه بالأمر بأن يستقيم كما أمره وأن لا يطغى ولا يزيد، وأن يحسن، ويمضي في هذا المنهج بدون انحراف، فقال تعالى: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"[هود:112]، فكان سبباً لأن يشتعل شيباً من جراء سماعه لهذا التوجيه الرباني القويم.

        يقول ابن جرير في تأويل هذه الآية –بأن الله يأمر نبيه بقوله-: (فاستقم أنت يا محمد على أمر ربك والدين الذي ابتعتك به والدعاء إليه...وقوله تعالى: "وَلَا تَطْغَوْا"، ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه) ونقل عن سفيان، في قوله تعالى: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ"، قال: استقم على القرآن، وعن ابن زيد، في قوله تعالى:"وَلَا تَطْغَوْا" قال: الطغيان: خلاف الله وركوب معصيته ذلك الطغيان[سنن ابن ماجه (11)].

        وأمر الغلو ترجع بذوره إلى الأمم السابقة من اليهود والنصارى، وقد نهاهم الرب تعالى عن ذلك،، وأمر نبيه بأن يعلمهم بما نهوا عنه، وحذر هذه الأمة من أن تتبع سبيل أهوائهم، كالغلو، وما وقعوا فيه من الانحراف، فقال تعالى: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ" [المائدة:77]، قال الإمام القرطبي في هذه الآية: (أي لا تفرطوا كما أفرطت اليهود والنصارى في عيسى، غلو اليهود قولهم في عيسى، ليس ولد رشدة، وغلو النصارى قولهم: إنه إله..)[ انظر تفسير الطبري (9/670-671)].
        وقال ابن كثير عند هذه الآية: (نهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزوا حد التصديق بعيسى، حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه، بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه ممن زعموا أنه على دينه، فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه، سواء كان حقا أو باطلا أو ضلالا أو رشادا، أو صحيحا أو كذبا)[تفسير القرطبي - (7/138)].
        ولابن عاشور كلام نفيس في حديثه عند هذه الآية، وهو يتكلم عن مفهوم الغلو، واستشرائه في اليهود والنصارى، فقال: "والغلو: تجاوز الحد المألوف، مشتق من غلوة السهم، وهي منتهى اندفاعه، واستعير للزيادة على المطلوب من المعقول، أو المشروع في المعتقدات، والإدراكات، والأفعال. والغلو في الدين أن يظهر المتدين ما يفوت الحد الذي حدد له الدين. ونهاهم عن الغلو لأنه أصل لكثير من ضلالهم وتكذيبهم للرسل الصادقين. وغلو أهل الكتاب تجاوزهم الحد الذي طلبه دينهم منهم: فاليهود طولبوا باتباع التوراة ومحبة رسولهم، فتجاوزوه إلى بغضة الرسل كعيسى ومحمد عليهما السلام، والنصارى طولبوا باتباع المسيح فتجاوزوا فيه الحد إلى دعوى إلهيته أو كونه ابن الله ، مع الكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم-[إغاثة اللهفان - (2/166)].


        وداء الغلو لم يقتصر على اليهود والنصارى فحسب، بل تعدى إلى هذه الأمة، وأصبتها اللوثة الفكرية، ونبتت نابتته في زمن النبي –عليه الصلاة والسلام– في أولئك النفر الذين تقالُّو عبادة النبي–عليه الصلاة والسلام– كما جاء عن أنس –رضي الله عنه– قال:"جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر أنا أصوم الدهر، ولا أفطر، وقال آخر، أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"[ الاعتصام (2/232)].
        وعن ابن عباس قال: بينا النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم، ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه"[تفسير الطبري - (12/598)].
        بل إن النبي –عليه الصلاة والسلام– أخبر عن قوم لهم من العبادة الشيء العظيم، حتى إنه ليحقر أحدنا صلاته بصلاتهم، إلا أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وما ذاك إلا لمجاوزتهم الحد المشروع في عبادتهم. جاء ذلك عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يرى شيئا وينظر في القدح فلا يرى شيئا وينظر في الريش فلا يرى شيئا ويتمارى في الفوق)[ صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 8053][تفسير القرطبي - (6 / 252].

        وروى ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي –عليه الصلاة والسلام– قال: "...و إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين"[ صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 2680 ][تفسير ابن كثير - (2/477)]. وثمة نصوص كثيرة تحذر من خطر هذا المفهوم السقيم، والداء العضال، وهذا هو طبيعة المنهج الإسلامي، الذي يدعو إلى تصحيح التصور الاعتقادي، وإقامته على التوحيد الخالص من الشوائب والخرافات، ونزع نزغات الشيطان منه.
        قال بعض السلف: ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير وإما إلى مجاوزة وغلو ولا يبالي بأيهما ظفر.
        قال ابن القيم: وقد اقتطع أكثر الناس إلا أقل القليل في هذين الواديين: وادي التقصير ووادي المجاوزة والتعدي ،والقليل منهم جداً الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله وأصحابه... - إلى أن قال: فقصر بقوم حتى قالوا: إيمان أفسق الناس وأظلمهم كإيمان جبريل وميكائيل فضلا عن أبي بكر وعمر، وتجاوز بآخرين حتى أخرجوا من الإسلام بالكبيرة الواحدة[التحرير والتنوير - (4/330)].
        إذن فالغلو ليس خاصاً بالزيادة والتنطع كما هو مذهب الخواج الذين كفروا كل من ارتكب معصية، بلا ضابط ولا قيد، بل يكون بالنقص والانحلال كما هو مذهب الصوفية، الذين جعلوا كل ما في الوجود من معبودات هي عين الله تعالى، وكذلك المرجئة القائلين:بأنه لا يضر مع الإيمان معصية، والحق خلاف هذي النقيضين، وهو لزوم الوحي والتمسك به، والاقتراب من مشكاة النبوة، والسير على خطى سلف هذه الأمة.



        التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 26-04-2016, 07:24 PM.

        تعليق


        • #5
          رد: معوقات الاعتصام بالقرآن


          رابعًا : تقديم العقل على النقل




          العقل جعله الله تعالى مناطاً للتكليف، ومصدراً للمعرفة والفهم، وإليه وُجِه خطاب التفكر والتدبر في الإله والكون والنفس، فالله تعالى حينما يُبين كثيراً من الآيات، ويفصِل في الخلق والصنع، يستشهد بالعقل على ذلك بقوله:"إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" [الروم:24]، وقوله: "كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" [الروم:28].
          إذ يمثل العقل أحد الضروريات الخمس التي جاء الإسلام بالحفاظ عليها، وأبرز أهميته إلى حانب الدين، والمال، والنفس، والنسل، بل إن الله بعث الرسل تخاطب الأمم بما يعقلونه و بما لا تستحيله عقولهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (... ولهذا الأنبياء لم يأتوا بما تحيله العقول، لكن ربما تحار فيه العقول، لكن –ما- يستحيل عقلا فلا)[صحيح البخاري (5063)]، وذلك حتى لا يتعطل إعمال العقل، وهو-سبحانه- قد دعا في وحيه المنزل إلى إعمال العقل، حينما دعا إلى التأمل والنظر في آيات الكون بقوله:"قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ" [يونس:101]، "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الجاثية:13]، إلى غير ذلك من الآيات. ومن خلال التطواف في نصوص الوحي التي نزل بها؛يتبن لنا منزلة العقل ومكانته في الشريعة الإسلامية، ومدى الدعوة إلى إعماله وعدم تحجيمه وتقزيمه، ومع أن إعمال العقل مطلب شرعيٌ لتسير حياة صاحبه، إلا أن له حدوداً ليس بوسعه تجاوزها، إذ الإقدام على ذلك يَعْتَوِرُه كثيرٌ من الشبهات تحول دونه الوصول إلى معرفة الحق. وليس له الاطلاع إلى ما حُظِر عنه علمه وقصر به فهمه، بل إن العقل عاجزٌ عن إدراك مصالحه ومضارِّه مستقلا بدون الوحي الرباني، وهذا هو الذي تقرر في مفهوم الجيل الأول حينما تمسكوا بمنبعهم الصافي من الوحي في طور تلقيهم، ثم حدث بعد ذلك أن اصطفت إلى جانب هذا الوحي ثقافات تعتمد على العقل المجرد، من الفلسفة الإغريقية، وذلك في عهد العباسيين، فنشأت فرق كثيرة، وتخبطات كثيرة في فكر المسلمين، أصابتها اللوثة الإغريقية الفلسفية، فجعلوا العقل حاكما، ومتقدما بين يدي الله ورسوله، ويذكر الناس المعتزلة نموذجا للغزو الفكري الإغريقي في فكر المسلمين، حيث جعلوا العقل هو المحكم في الوحي، وجعلوه هو المرجع الأخير في كل أمر من الأمور حتى العقيدة، ولئن اختفت هذه المدرسة بصورتها العتيقة، إلا أنها برزت بثوب جديد، أكثر انتشاراً، وأوسع تأثيراً على الساحة الإسلامية اليوم، فلم تجنِ الأمة منها سوى التشكيك في النصوص، وبث الشبهات المتناقضة مع الإيمان، وهذا واضح في قواعدهم ومناهجهم، وصرح بها علماؤهم، ويستوي بذلك متقدموهم ومتأخر وهم، وهم في ذلك مابين مستقلٍ ومستكثر، من اعتمادهم العقل على النقل، وتقديمه عليه، بل جعلوه قانوناً كلياً فيما يستدلون به من كتب، فقالوا: إذا تعارض العقل والنقل قدم النقل، إلى غير ذلك مما قالوه[صحيح البخاري ( 6704)].
          بل جعلوا العقل هو مصدر التحسين والتقبح في الأشياء، وقد نقل الشهرستاني اتفاقهم على ذلك بقوله: (واتفقوا على أن العقل يحسن ويقبح قبل الشرع وتجب معرفة الله تعالى بالعقل)، - وهذا خلاف ما قرره أهل السنة، حيث قالوا -: إن الواجبات كلها بالسمع والمعارف كلها بالعقل. فالعقل لا يحسن ولا يقبح ولا يقتضي ولا يوجب والسمع لا يعرف أي لا يوجد المعرفة بل يوجب[صحيح البخاري واللفظ له (5058)، صحيح مسلم ( 2499)].
          فهؤلاء العقلانيون قالوا: إذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل!، وقال أصحاب الذوق: إذا تعارض الذوق والكشف، وظاهر الشرع قدمنا الذوق والكشف، وكل يدعي وصلا بليلى، وهذا يدل دلالة لا لبس فيها على بعدهم من القرآن الكريم.
          إذ ما تقدم ذكره يبين مدى تأثير المدرسة العقلانية الدخيلة وغيرهم من أهل الزيغ على المنهج الرباني، وما اخترعوه من بدع ومحدثات في دين الله تعالى، وفهم غريب لمنهج الوحي، بل إن العقلانية خلقت صراعاً، وأوجدت نزاعاً بين نصوص الوحي والعقل، وانفرطت من عقد التمسك بكتاب ربها، وإننا نقذف هذه الأفهام العقيمة، والأفكار المضللة، بالتمسك بوحي ربنا، وما تقرر في منهج الحق: أن النقل الصحيح موافقٌ للعقل الصريح، ولا تعارض بينهما البتة.
          و أن مبنى العقيدة الإسلامية على القبول والتسليم في نصوص الوحي، قال الله تعالى:"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا"[الأحزاب:36]، قال ابن جرير في تأويل هذه الآية (يقول تعالى ذكره: لم يكن لمؤمن بالله ورسوله، ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم، ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما فيعصوهما، ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا أو نهيا "فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا يقول: فقد جار عن قصد السبيل، وسلك غير سبيل الهدي والرشاد[ابن ماجه (3029)، والنسائي برقم (3057)]، وقوله تعالى:"فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" [النساء:65]، قال ابن كثير (يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا؛ ولهذا قال: "ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة)[مدارج السالكين - (2/108)].
          وأروع بيان لمكانة العقل وحدوده: أن العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، بل هو دون ذلك بكثير[شرح الفتوى الحموية/ التويجري - (1/190)]....


          وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.

          التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 26-04-2016, 06:37 PM.

          تعليق


          • #6
            رد: معوقات الاعتصام بالقرآن


            عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيرًا، موضوع قيم

            "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
            وتولني فيمن توليت"

            "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

            تعليق


            • #7
              رد: معوقات الاعتصام بالقرآن

              عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              طرح طيب وقيم ،
              جعله الله في موازين حسناتكم

              تعليق


              • #8
                رد: معوقات الاعتصام بالقرآن

                جزاكم الله خيرا







                تعليق


                • #9
                  رد: معوقات الاعتصام بالقرآن

                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                  موضوع رائع وطرح قيم جدا
                  أسأل الله أن يبارك فيكم ويسدد خطاكم ويجلعكم
                  من سعداء الدارين وأن يجعلكم من أهل القرآن


                  تعليق


                  • #10
                    رد: معوقات الاعتصام بالقرآن

                    و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                    جزاكم الله خيرًا، موضوع قيم
                    اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.

                    الداعية مهمته الأساسية أن يربح نفسه أولا.. ويحسن إلى نفسه أولا
                    بقية المقال هنا

                    تعليق


                    • #11
                      رد: معوقات الاعتصام بالقرآن

                      جزاكم الله خيرا


                      تعليق

                      يعمل...
                      X