إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلةحقوق الأمهات في النصوص الشرعية والأعياد البدعية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلةحقوق الأمهات في النصوص الشرعية والأعياد البدعية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    سلسلة حقوق الأمهات في النصوص الشرعية والأعياد البدعية


    وافق يوم الاثنين 21 مارس المقبل ما تُعورف على تسميته بـ"عيد الأم"، هذا اليوم الذ
    ي غزا مجتمعاتنا الإسلامية بعدما غزا العالمَ الغربيَّ كله إثر ضياع حقوق الأمهات، وانتشار حالات العقوق والإهمال التي لحقت بأبناء المجتمع الغربي، ذلك المجتمع الذي لم يعد يعرف للأم حقًّا ولا فضلاً، ولا يبذل لأجل إرضائها غاليًا ولا رخيصًا، بل تصدرت أنباء العقوق صفحات صحافته، وأصبحت قصص الإساءة وإهمال الأمهات أكثر من أن تستوعبها الكتب والمؤلفات.
    وكعادة المجتمعات الإسلامية في عقودها الأخيرة، فقد دخلت وراء الغرب في جحر الضب، وقلدته في الاحتفال بذلك العيد المبتدع، الذي كانت سلبياته أضعاف أضعاف ما كان يرتجى منه من إيجابيات، فازداد العقوق، وانتشر إهمال الأبناء للأمهات، وعجّت دور المسنين بالعجائز وكبيرات السن، ينهش في قلوبهن الإهمال، ويصوب لهن العقوق سهامه المسمومة.



    وهذا العيد بدأ وللأسف يغزو مجتمعاتنا، وتعلقت به نفوس بعض ضعاف الإيمان من أبنائنا، انشغلوا به، وتهيؤوا له، واتخذ بعضهم مناسبته -في بعض البلدان- عطلةً وعيدًا؛ وما ذلك إلا بسبب الانبهار والإعجاب بحضارة الغرب المادية الزائفة، والانخداع ببريقها المخدر، وبسبب الغزو الفكري والثقافي والترويج الإعلامي المسموع والمرئي والمقروء الذي يحرض على هذه الضلالات، ويلفت إليها أنظارَ الناس وأسماعَهم، ويحرك قلوبهم لها.
    لقد كان رسولكم -صلى الله عليه وسلم- يحرصُ كلَّ الحرصِ على أن تخالف أمتُه اليهود والنصارى في كلِ شيء، حتى قال عنه اليهودُ أنفسهم كما يرويه أنسٌ رضي الله عنه عند مسلمٍ: "ما يريدُ هذا الرجلُ أن يدعَ من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه".

    وإذا كان اليهود والنصارى يتجاهلون أعيادنا ولا يحتفلون بها، بل يستهزئون ويسخرون منا، فما بالُ البعضِ يحتفل بمناسباتهم ويحييها على سنتهم ابتغاءً وطلبًا لرضاهم؟! وتناسى أولئكَ قوله سبحانه: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120].
    لقد أكثر أهل العلم في نقل التحذير من أعياد الكفار والمشاركة فيها، جاء عن مجاهد وغيره من السلف في قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)[الفرقان: 72].
    قال رحمه الله: "الزور هي أعياد المشركين".

    وقد صرّح الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة باتفاق أهلِ العلمِ على عدم جوازِ حضور المسلمين أعيادَ المشركين، وجاءَ عن عمرَ رضي الله عنه أنه قال: "لا تدخلوا على المشركين في كنائسِهم يومَ عيدهمِ؛ فإن السخطة تنزل عليهم".
    وإذا كان هذا الاحتفال -عيد الأم- يناسب الأوروبيين الذين لا يعرفون أمهاتهم إلا في هذا اليوم من السنة، فما لَنا ولهم، ونحن نتقرب إلى الله بصلة الرحم، وبر الوالدين عموماً، وببر الوالدة على وجه الخصوص، وفي كل وقت.

    قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23-24]. فقد أمر الله عز وجل بعبادته وتوحيده وجعل بر الوالدين مقروناً بذلك، كما قرن شكرهما بشكره، فقال عز وجل: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)[لقمان: 14].

    وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".



    وفي مختاراتنا لهذه السلسله انتقينا عدة مواضيع يتم طرحها عليكم

    حول الأم وفضلها ومنزلتها عند الله تعالى
    ومنزلتها التي ينبغي على أبنائها أن ينزلوها إياها، معرجين على ما يسمى بعيد الأم،

    وكيف نشأ في المجتمعات الغربية، ولماذا غزا العالم الإسلامي بهذه الصورة المَرَضية، وبدعية الاحتفال به، والأدلة على ذلك من أقوال أهل العلم

    ونسأل الله التوفيق والسداد والقبول



    يا الله
    علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة


  • #2
    رد: سلسلةحقوق الأمهات في النصوص الشرعية والأعياد البدعية

    وجوب بر الأم وهي أعظم الحقوق بعد حق الله عزوجل



    ايهاالناس: لا حق على الإنسان أعظم وأكبر -بعد حق الله تعالى وحق رسوله صلى الله عليه وسلم- من حقوق الوالدين، تظاهرت بذلك نصوص الكتاب والسنة، وأخذ الله تعالى ميثاق من كانوا قبلنا عليه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [البقرة: 83]، وأوجبه سبحانه في شرعنا بأقوى صيغة، وأبلغ عبارة، وقرنه بتوحيده والنهي عن الشرك به: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [النساء:36]، (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [الإسراء:23]، فعبر عنه بصيغة القضاء التي هي من أقوى صيغ الأمر والإلزام؛ فإن قضاء القاضي نافذ، والله تعالى أحكم الحاكمين وأعدلهم وأقواهم، بل جعل سبحانه بر الوالدين من وصاياه التي وصى بها عباده: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ثم ختمها سبحانه بقوله: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام:151].


    والأم مقدمة على الأب في البر، ولها من الحقوق على الابن أكثر من حقوق أبيه عليه؛ لأن الشرع المطهر جاء بذلك؛ ولأنها أضعف الوالدين؛ ولأنها الحامل والوالدة والمرضع: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) [لقمان:14]، وفي آية أخرى: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف:15]. وفي المحرمية قُدِّمت الأم على سائر محارم الرجل: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...) الآية [النساء:23].


    ولا أحد من الناس أشد رحمةً ولا أكثر خوفًا من الأم على ولدها، وفي قصة إسماعيل وأمه -عليهما السلام- تظهر رحمة الأم وشفقتها حين نفد ماؤها، وجف لبنها، وخشيت على رضيعها، ولم تطق النظر إليه وهو يتألم من الجوع، فهامت في جبال مكة تبحث عن الماء، وكانت في كل صعود وهبوط على الصفا والمروة تعود لرضيعها لتطمئن عليه.


    قال ابن عباس يحكي قصتها: "فجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها، حتى لمَّا فَنِيَ الماءُ قالت: لو ذهبتُ فنظرتُ لعلي أحس أحدًا، فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت هل تحس أحدًا فلم تحس أحدًا، فلما بلغت الوادي سعت وأتت المروة، ففعلت ذلك أشواطًا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل –تعني الصبي-، فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت، فلم تقرها نفسها فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدًا، فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحدًا، حتى أتمت سبعًا...". قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فذلك سعي الناس بينهما". رواه البخاري.


    وتظهر رحمة الأم وشفقتها في قصة أم موسى -عليه السلام- مع ابنها حين وضعته في التابوت وألقته في اليم؛ إذ أمرت أخته بتتبع خبره، والسؤال عنه: (وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ) [القصص:11]، وقد أخبر الله تعالى عن حزن الأم بفقد ولدها فقال سبحانه: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ) [القصص:13]، وذكر الله تعالى موسى -عليه السلام- بهذه النعمة العظيمة حين جمع شمله بأمه وهو رضيع: (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ) [طه:40]، فهذا هو قلب الأم.


    فويل ثم ويل لمن فرَّق بين أم وولدها بسبب خلاف بين الزوجين، وكثير من الأزواج يفعلون ذلك، ويفعله آباء الأزواج وآباء الزوجات وقرابتهم؛ بدعوى حفظ كرامة متوهمة، أو للحصول على مال، أو المطالبة بإسقاط نفقة الأولاد ما داموا عند أمهم، أو نحو ذلك، فتكون الأم وأطفالها ضحايا هذه التصرفات الرعناء، وتحرم الأم منهم ويحرمون منها ولا سيما الأطفال والرضع، ويلتاع قلبها عليهم، فلا تهنأ بنوم، ولا تتلذذ بطعام. نعوذ بالله تعالى من قلوب نزعت منها الرحمة، فاسودت بالأحقاد، وكانت كالحجارة أو أشد قسوةً. ولا رحم الله تعالى أزواجًا لا يرحمون أمهات أولادهم، ولا يرحمون أطفالهم حين فرقوا بينهم وبين أمهاتهم. وقد روى ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرةً معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من فجع هذه بولدها؟! ردوا ولدها إليها". رواه أبو داود.


    وكم فجعت أم مسلمة بأولادها حين حيل بينها وبينهم؛ لأن أباهم طلقها أو هجرها!!


    وحين غضب موسى على هارون -عليهما السلام- لما عبدت بنو إسرائيل العجل، وجره بشعره، ذكَّره هارون بأخوة الأم، مع أن الأصل انتساب الولد لأبيه لا لأمه: (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) [الأعراف:150]، وفي آية أخرى: (قَالَ يَا ابْنَ أُمّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) [طه:94]، وما ذاك إلا استعطافًا له؛ لأن الأم أشد عطفًا، وأكثر رحمةً بالأولاد من الأب.


    وتكلم عيسى في المهد مخبرًا أن الله تعالى أوصاه ببر أمه مع فريضتيْ الصلاة والزكاة؛ فقال -عليه السلام: (‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي) [مريم:31-32].


    والأم أولى من الأب في البر وحسن الصحبة، دلت على ذلك أحاديث عدة؛ فروى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟! قال: "أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك". رواه الشيخان.


    وفي حديث آخر: "إن الله يوصيكم بأمهاتكم"، ثلاثًا، "إن الله يوصيكم بآبائكم...". رواه ابن ماجه.


    وفي حديث ثالث: "أوصي امرأً بأمه، أوصي امرأً بأمه، أوصي امرأً بأمه، أوصي امرأً بأبيه...". رواه أحمد.


    وقال معاوية بن حيدة -رضي الله عنه-: قلت: يا رسول الله: من أبر؟! قال: "أمك"، قلت: ثم من؟! قال: "أمك"، قلت: ثم من؟! قال: "أمك"، قلت: ثم من؟! قال: ثم أباك...". رواه أحمد.


    وبناءً على هذه الأحاديث المثبتة للأم ثلاثة حقوق، وللأب حق واحد؛ فإنه ينبغي للولد أن يصرف ثلاثة أرباع برِّه لأمه، وربعه لأبيه، وكثير من الناس يضعف فقههم عن ذلك.


    وعقوق الأم أشد جرمًا من عقوق الأب، وإن كان كل العقوق جريمةً، وقد نص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن الله تعالى حرم علينا عقوق الأمهات.


    وتجب صلة الأم وبرها وحسن صحبتها ولو كانت كافرةً، مع عدم طاعتها في المعصية: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) [لقمان:15]، وقالت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-: قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستفتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟! قال: "نعم، صلي أمك". رواه الشيخان.


    نسأل الله تعالى أن يعلمنا الفقه في الدين، وأن يرزقنا العمل به، وأن يعيننا على بر والدينا والإحسان إليهم، وقد قال الخليل -عليه السلام-: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) [إبراهيم: 41].



    أيها الناس: من أراد عظيم الأجر والثواب فليعلم أن الأم باب من أبواب الجنة عريض، لا يفرط فيه إلا من حرم نفسه، وبخس من الخير حظه، وقد تردد معاوية بن جاهمة السلمي -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات يسأله الجهاد، وفي كل مرة يقول له: "ويحك! أحية أمك؟!"، قال: نعم يا رسول الله، قال: "ويحك، الزم رجلها فثم الجنة". رواه ابن ماجه، وفي رواية لأحمد قال: "الزمها؛ فإن الجنة عند رجلها".


    وأخذ منه بعض الصالحين تقبيل رجل الأم، فكان يقبل قدم أمه كل يوم، فأبطأ على إخوانه يومًا، فسألوه فقال: "كنت أتمرغ في رياض الجنة، فقد بلغنا أن الجنة تحت أقدام الأمهات".


    ولما ماتت أم القاضي إياس بكى فقيل: "ما يبكيك يا أبا واثلة؟! قال: كان لي بابان مفتوحان من الجنة فأغلق أحدهما".


    وروي عن أنس -رضي الله عنه- قال: أتى رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أشتهي الجهاد وإني لا أقدر عليه، قال: "هل بقي أحد من والديك؟!"، قال: أمي، قال: فأبل الله عذرًا في برها؛ فإنك إذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد إذا رضيت عنك أمك، فاتق الله في برها". رواه الطبراني وحسنه العراقي.


    وكان مذهب ابن عباس -رضي الله عنهما- أن بر الأم أفضل الأعمال، وقال: "إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله -عز وجل- من بر الوالدة". وهو مذهب جماعة من السلف.


    وقال ابن عمر -رضي الله عنهما- لرجل عنده أمه: "والله لو ألفت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر".


    وقال محمد بن المنكدر -رحمه الله تعالى-: "بات أخي عمر يصلي، وبت أغمز رجل أمي، وما أحب أن ليلتي بليلته".




    وقال هشام بن حسان: "قلت للحسن: إني أتعلم القرآن، وإن أمي تنتظرني بالعشاء، قال الحسن: تعشَّ العشاء مع أمك تقر به عينها أحب إليّ من حجة تحجها تطوعًا".


    وقال بشر بن الحارث -رحمه الله تعالى-: "الولد بالقرب من أمه حيث تسمع أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله -عز وجل-، والنظر إليها أفضل من كل شيء".


    فأين الناس في بر أمهاتهم، والعناية بهن، والقيام على خدمتهن من هذه الأحاديث والآثار العظيمة في حق الأم، وفضيلة برها؟!


    إن بينهم وبينها لبونًا شاسعًا، ومفازًا عظيمًا، يستثقلون خدمة أمهاتهم، والقيام عليهن، وتلبية رغباتهن، والأنس بهن، والجلوس معهن، ويملون حديثهن، ويقدمون ترفيه أزواجهم وأولادهم على بر أمهاتهم إلا ما رحم الله تعالى، وقليل ما هم، ترى الواحد منهم يأنس بصحبه ويضاحكهم ويطيل المكث معهم، وإذا كان في مجلس أمه كشَّر وتقبض وثقل كلامه، واشتغل في مجلسها بغير حديثها، كهاتف أو صحيفة أو غير ذلك، وهذا مما يحزنها ويكسر قلبها أن لا يأبه ولدها بها، ولا ينصت لحديثها، ولا يوقر مجلسها.


    ومن فتش في حاله مع أمه وجد كثيرًا من العقوق لا يفطن إليه، وتصرفات لا يلقي لها بالاً وهي من العقوق.


    فحذار حذار -عباد الله-؛ فإن حقوق أمهاتنا علينا كثيرة، وإن برَّهن من أعظم الواجبات، والنصوص فيه كثيرة، يكفي منها وصية الله تعالى للمسيح -عليه السلام- التي نطق بها وهو في المهد: (‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً) [مريم:31-32].





    يا الله
    علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

    تعليق


    • #3
      رد: سلسلةحقوق الأمهات في النصوص الشرعية والأعياد البدعية

      حقوق الأم علي أولادها

      كثر في الناس عقوق الأمهات، والانشغال عنهن بالزوجات والأولاد؛ ولأن الأم أضعف الأبوين فيجترئ الأبناء والبنات عليها ما لا يجترئون على أبيهم؛ ولذا أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- على تحريم ذلك، وخص الأمهات بالذكر فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الله حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ". قال الحافظ ابن حجر: "قيل: خص الأمهات بالذكر لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء

      فاتقوا الله تعالى ربكم، وبروا والديكم، وأحسنوا إلى من أحسن إليكم: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ) [الرَّحمن:60]، ولا أحد أكثر إحسانًا إلى الإنسان بعد إحسان الله تعالى وإحسان رسوله -عليه الصلاة والسلام- من إحسان الأم إلى ولدها: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) [لقمان:14]، فقرن سبحانه شكره بشكر الوالدين؛ لعظيم حقهما على أولادهما، وترجحت الأم على الأب بالحمل والولادة والرضاع والحضانة، ولها من الحقوق على أولادها ما يعجزون عن أدائه مهما فعلوا، ولكن على الأولاد أن يسددوا ويقاربوا، ويجتهدوا في بر أمهاتهم ما استطاعوا؛ ففي ذلك رضا الرحمن سبحانه، ونيل خيري الدنيا والآخرة.


      ومن حقوق الأم على أولادها: إحسانهم إليها، والإحسان كلمة جامعة تجمع إيصال كل نفع إليها، ودفع كل ضر عنها، والمبالغة في ذلك؛ لأمر الله تعالى به: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء:23]، ووصيته سبحانه به: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) [العنكبوت:8]، ومن ذلك حسن المصاحبة؛ لأنها أحق بها من غيرها، وأصل ذلك أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رَسُولَ الله: من أَحَقُّ الناس بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟! قال: "أُمُّكَ"، قال: ثُمَّ من؟! قال: "ثُمَّ أُمُّكَ"، قال: ثُمَّ من؟! قال: "ثُمَّ أُمُّكَ"، قال: ثُمَّ من؟! قال: "ثُمَّ أَبُوكَ". رواه الشيخان.

      وحسن صحبة الولد لأمه عام، فيجب أن يبذله لها في حال قوتها وضعفها، وفي حال عافيتها ومرضها، وفي حال شبابها وهرمها، وفي حال قدرتها وعجزها، وفي حال سفرها وإقامتها، وفي حال كونها مقيمة عنده أو بعيدة عنه، وكل مرحلة من هذه المراحل لها صحبة تناسبها لا بد أن يؤديها الولد.

      وحسن صحبة الولد لأمه يجب أن يستحضرها الولد في حال حضور أمه عنده أو غيبتها عنه، فلا مواجهته الدائمة لها تقلل هيبتها في قلبه فيتبذل في مجلسها، أو يتذمر من كثرة مطالبها، أو يُشغل بغيرها عنها.

      وليس من حسن الصحبة أن تجلس أمه إليه فرحة به وهو منشغل عنها بصحيفته أو بجواله أو بحاسوبه أو بغير ذلك؛ فإن هذا من سوء المجالسة والمخالطة القادح في حسن الصحبة، وهو مع غير الأم من سوء الأدب، ويخشى أن يكون مع الأم من العقوق؛ لأنه يدل على عدم اهتمامه بمجلسها، ولا إنصاته لحديثها، وكم يقع الأولاد في مثل ذلك وهم لا يشعرون!! دخل رجل على ابن سيرين وعنده أمه، فقال: ما شأن محمد يشتكي؟! قالوا: لا، ولكنه هكذا يكون إذا كان عند أمه". وقيل: كان -رحمه الله تعالى- يكلم أمه كما يكلم الأمير الذي لا ينتصف منه، وما ذاك إلا من توقيرها وتعظيمها وهيبتها.


      ومن حسن صحبتها أن يحتمل غضبها وفظاظتها إن كانت فظة غليظة، ويقابل ذلك بالحلم والصبر والسعي فيما يرضيها ولو أهانته أمام الناس فهي أمه، ولن يكون احتماله لغضبها وخطئها إلا رفعة له في دينه ودنياه، قال بكر بن عباس: "ربما كنت مع منصور بن المعتمر في مجلسه فتصيح به أمه، وكانت فظة غليظة، فتقول: يا منصور: يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى؟! وهو واضع لحيته على صدره، ما يرفع طرفه إليها".

      ومن حسن صحبة الولد لأمه: أن يسعى في مصالحها، ويقوم على خدمتها، خاصة إذا احتاجت إلى ذلك لكبر أو مرض، وفي قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين انحدرت عليهم الصخرة فأغلقته فتوسلوا لله تعالى بصالح أعمالهم، كان من أسباب التفريج عنهم أن أحدهم بالغ في خدمة والديه، فأحضر اللبن لهما وقد ناما، فمكث الليل كله واقفًا به ينتظر استيقاظهما، فسقاهما. واستقت أم ابن مسعود ماءً في بعض الليالي، فذهب فجاءها بشربة، فوجدها قد ذهب بها النوم، فثبت بالشربة عند رأسها حتى أصبح.

      وللسلف الصالح أحوال عجيبة في خدمة أمهاتهم والقيام على حاجاتهن، وتلبية مطالبهن، فكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يلي بنفسه حمل أمه إلى المرفق -أي لقضاء حاجتها- وينزلها عنه، وكانت مكفوفة.

      وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان رجلان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبرّ من كانا في هذه الأمة بأمهما: عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان -رضي الله عنهما-؛ فأما عثمان فإنه قال: ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أسلمت. وأما حارثة فإنه كان يفلي رأس أمه ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلامًا قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج: ما أرادت أمي؟!".

      وعن سفيان الثوري قال: "كان ابن الحنفية يغسل رأس أمه بالخِطْمِي -وهو نبت يغسل به الرأس- ويمشطها ويخضبها".


      وعن الزهري قال: "كان الحسن بن علي لا يأكل مع أمه، وكان أبر الناس بها، فقيل له في ذلك، فقال: أخاف أن آكل معها، فتسبق عينها إلى شيء من الطعام وأنا لا أدري، فآكله، فأكون قد عققتها".


      ومن حسن صحبة الولد لأمه أن يسعى جهده في راحتها، وتخفيف الرهق عليها، سواء أكان ذلك في حال إقامتها أم في حال سفرها، كان ظبيان الثوري من أبر الناس بأمه، "وكان يسافر بها إلى مكة، فإذا كان يوم حار حفر حفرة وجاء بنطع فصب فيه الماء، ثم يقول لها: ادخلي تبردي في هذا الماء".

      ومن حسن صحبة الولد لأمه أن يسترخص الغالي في سبيل إسعادها، ويستلذ بتحقيق كل مطلب لها مهما كان شاقًّا عليه، ولو استدان المال في سبيل ذلك؛ فإنه استدانة في أفضل أنواع البر، ويوشك أن يؤدي الله تعالى عنه وأن يغنيه، قال ابن سيرين: "بلغت النخلة ألف درهم، فنقرت نخلة من جمارها، فقيل لي: عقرت نخلة تبلغ كذا، وجماره بدرهمين؟! قلت: قد سألتني أمي، ولو سألتني أكثر من ذلك لفعلت".

      وغيبة الولد عن أمه لبعد سكن، أو سفر عمل، أو غير ذلك يجب أن لا تكون سببًا في نسيانها، وإهمال حقوقها، بحجة أنها عند أبيه أو عند إخوانه؛ إذ إن من حسن صحبته لها -ولو كان بعيدًا عنها- دوام صلتها بالزيارة والمكالمة والهدية والمال وغير ذلك، مع كثرة الدعاء لها في شهودها وغيبتها؛ فإن الله تعالى ما عبر عن حقها في القرآن بالإحسان إليها، ولا عبر رسوله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك بحسن صحبتها إلا ليكون عامًّا في إيصال كل إحسان إليها، في كل أحوالها، وفي حياتها وبعد مماتها، فلا ينقطع الإحسان إليها أبدًا. وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه، فقال: "السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته. فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرًا. فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرًا، وإذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك".

      نسأل الله تعالى أن يرزقنا بر آبائنا وأمهاتنا، وأداء الحقوق التي علينا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، ويرزقنا العمل بما علمنا، إنه سميع مجيب.


      يا الله
      علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

      تعليق


      • #4
        رد: سلسلةحقوق الأمهات في النصوص الشرعية والأعياد البدعية

        وقفه معك يامن لك أم

        أتدري ما هى أمك؟!!!!



        الأمُّ صاحبةُ النفسِ الكبيرة التي وسِعَتْ ما لم تسعه آلاف النفوس، خُلِق قلبُها يوم خُلِق فرُكّبت فيه الرحمة فخالطت ذراته، وسرت في جسدها سريان الدم في أدق شعيراته، يحِبّ قلبُها وإن لم يُحَبّ، ويحنو وإن أُغلِظ عليه، لا تُجَازي بالسيئةِ السيئة، بل يَغْشَى المسيءُ منها برّاً وإحسانًا، لكأنما حيزَت معاني الحبِّ في قلبها حتى استأثَر بها عمّن سواه، وجُمعت خصال الرقة والشفقة فظفِر بها عن سائر الخلق.

        الأم؛ ذلكم المخلوق الذي قدّم وضحّى ولم يزل، كم حزن لتفرح، وجاع لتشبع، وبكى لتضحك، وسهر لتنام، وتحمّل الصعاب في سبيل راحتك! إذا فرحت فرح، وإن حزنتَ حزن؛ إذا دَاهمك الهمّ فحياته في غمّ، أمله أن تحيى سعيدًا رضيًّا راضيا مرضيًا، مُناه أن يرفرف السرور في سماء حياتك، ويسكن الحبور ربوعَ قلبك.

        نعم؛ إنها الأم التي تعطي ولا تطلب أجرًا، وتبذل ولا تأمل شكرًا.

        : تأمّل -يا رعاك ربيّ- بداية نشأتك، تذكّر ضعف طفولتك، فقد حملتك أمك في بطنها تسعةَ أشهر وهنًا على وهن، حملتك كرهًا ووضعتك كرهًا، تزيدها بنموّك ضعفًا، وتُحَمِّلُها فوق طاقتها عناءً، وهي ضعيفة الجسم واهنة القوى.


        وعند الوضع رأت الموتَ بعينها، زفراتٌ وأنين، غُصص وآلام، ولكنها تصبّرت؛ وعندما أبصرتك بجانبها وضمتك إلى صدرها واستنشقت ريحك وتحسست أنفاسك تتردّد وقد خلقك الله بأحسن صورة نسيت آلامها، وهانت عليها أوجاعها، وعلّقت فيك بعد الله آمالها، ورأت فيك بهجةَ الحياة وزينتَها.

        ثم انصرفت إلى خدمتك ليلها ونهارها، تغذيك بصحتها، وتنميك بِهُزَالها، وتقوّيك بضعفها، فطعامك درّها، وبيتك حجرها، ومركبك يداها تحيطك وترعاك.

        كم أماطت تلك اليدان الأذى عنك بكل أريحية، وأزالت عنك القذى بنفس رضية، ولم تمنعها المناظر المقززة ولا الروائح الكريهة من ذلك! فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة.

        إن غابت عنك دعوتَها، وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثتَ بها، تحسب الخير كلَّه عندها، وتظنّ الشرّ لا يصل إليك إذا ضمّتك إلى صدرها أو لاحظتك بعينها، تخاف عليك رقّة النسيم، وطنين الذباب، وتؤثرك على نفسها بالغذاء والراحَة.

        فلما تم فصالك في عامين وبدأت بالمشي، أخذت تحيطك بعنايتها، وتتبعك نظراتها، وتسعى وراءك خوفًا عليك.

        ولما كبرت وأخذت منك السنون، أخذ منها الشوق والحنين، صورتك أبهى عندها من البدر إذا استتمّ، صوتك أجمل في مسمعها من تغريد البلابل وغناء الأطيار، ريحك أروع عندها من الأطياب والأزهار، سعادتك أغلى من الدنيا لو سيقت إليها بحذافيرها، تؤثر الموت لتعيش أنت سالمًا معافى.

        وقد صور الشاعر إبراهيم المنذر ذلك القلب الحاني بقوله:

        أغرى امرؤٌ يوماً غلاماً جاهلاً *** بِنُقُودِهِ كيْ ما ينال به الوطرْ
        قال ائتني بفؤادِ أمِّك يا فتى *** ولك الدراهمُ والجواهرُ والدُّرَر
        فمضى وأغْرَزَ خنْجَراً في صدرها *** والقلبَ أخرجه وعاد على الأثَر

        لكنَّهُ مِن فرْطِ سُرعته هوى *** فتدحرج القلبُ المقطَّع إذ عثر
        ناداه
        يا الله
        علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

        تعليق


        • #5
          رد: سلسلةحقوق الأمهات في النصوص الشرعية والأعياد البدعية

          بدعية عيد الأم
          والنصوص الشرعية لتحريمه

          كثر في الغرب تخصيص أيام بعينها في السنة للاحتفال بشيء يرغبون في تذكير المجتمع به؛ لأنهم يشعرون بأهميته، أو لأنهم يشعرون بإهمال في حقّ جانب أو شخص أو فئة اجتماعية، فيبحثون عن مناسبة لتذكير المجتمع بها، وهذا هو المنطلق والأساس لفكرة الأعياد والأيام التي كثر تخصيصها في الغرب، مثل: يوم المرأة، ويوم الطفل، ويوم الأم، ويوم العمال... إلخ.


          وهم في هذا لا ينطلقون فيما يبتدعونه من دين أو شرع، وإنما يخترعون هذه الأعياد بمحض أهوائهم ونظرتهم وحاجاتهم الاجتماعية، فعيد العمال نابع من رغبتهم في مراعاة حقوق العمال وإنصافهم، وعيد المرأة لأنهم يرون المرأة مسلوبة الحقوق مظلومة في مجتمعاتهم، ويوم الطفل لأن الطفل يتعرض في الغرب لأمراض اجتماعية كثيرة، وعيد الأم نبع من علل وأمراض في مجتمعات ليس لديها شرع صحيح تقوم عليه، ففي المجتمعات الغربية قصور كبير في علاقاتهم الاجتماعية، ولا سيما علاقة الأبناء بالأمهات، ولعلاج هذا القصور ابتدعوا عيدًا يعالجون به تقصيرهم وإهمالهم وعقوقهم في يوم واحد في السنة، وهكذا ظهرت هذه البدعة لتلبي تلك الرغبة المحدودة.


          وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن وقوع متابعة أمته للأمم السابقة من اليهود والنصارى والفرس، وليس هذا من المدح لفعلهم هذا، بل هو من الذم والوعيد، فعن أبي سعيد –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعن سَنن من قبلكم، شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ، حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه"، قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟! قال: "فمن؟!". رواه البخاري ومسلم.

          وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ"، فقيل: يا رسول الله: كفارس والروم؟! فقال: "ومن الناس إلا أولئك؟!". رواه البخاري. وأخذ القرون هو: المشي على سيرتهم.

          وقد تحقق ما قاله -صلى الله عليه وسلم-، وتابع جهلة هذه الأمة ومبتدعتها الأمم السابقة من اليهود والنصارى والفرس في عقائدهم ومناهجهم وأخلاقهم وهيئاتهم، ومما يهمّنا الآن أن ننبّه عليه هو اتباعهم ومشابهتهم في ابتداع "عيد الأم"، وهو اليوم الذي ابتدعه النصارى تكريمًا -في زعمهم- للأم، فصار يومًا يصل فيه الناس أمهاتهم ويبعثون لهن الهدايا والرسائل، فإذا انتهى اليوم عادت الأمور لما كانت عليه من القطيعة والعقوق.

          أيها المسلمون: تنبع مشكلة كثير من الأعياد المبتدعة المخترعة لدى بعض الناس من أنها تحمل معنى جميلاً، لكنها في الوقت نفسه أعياد تخالف الشرع وتتعارض مع هدي الكتاب والسنّة، فالناس متفقون على وجوب البر بالأم ووجوب تكريمها ورعاية حقوقها؛ لأنه أمر فطري وإن قصّر فيه بعضهم، وهذا هو المعنى الجميل الذي من أجله يتبع كثير من الناس الغرب في الاحتفال بما يُسمى عيد الأم، لكن تخصيص يوم محدد في العام للاحتفال بالأم يتعارض مع تحديد الشرع لأعياد المسلمين بعيدين لا ثالث لهما، عَنْ أَنَسٍ –رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ وَلأَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: "قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ وَلَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ". رواه أحمد.

          عباد الله: المعاني الجميلة والأشياء التي تحتاج إلى تقديرٍ كثيرةٌ، ولا يختلف أحد في أنها تستدعي الذكر والإشادة والاحتفال، ولكن هل يعني ذلك أن نقوم بعمل احتفال خاص لها دون اهتمام بمراعاة حدود الإسلام وضوابطه في الاحتفال والأعياد؟! الجواب: لا؛ لأن في ديننا ضوابط وأحكامًا يجب أن نسير عليها، والشر كل الشر في مخالفتها، قال -عز وجل-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)، فمهما كان في هذا الاحتفال من معان جميلة فإنها لا تُخرجه عن كونه بدعة؛ لأنه أولاً ليس من أمر الإسلام، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". أخرجه مسلم.

          ثانيًا: ليس هناك دليل على تخصيص الأم باحتفال؛ لأنها قامت بتربية أولادها وتعبت في تنشئتهم، ولو كان هذا حقًا لما تركه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولبيّنه للناس، كيف وهو الذي عرّفنا قدر الأم ومنزلتها وحقوقها؟!

          ثالثًا: ليس هناك دليل على تخصيص يوم محدد بعينه لهذا الاحتفال، فالإسلام وصى بتكريم الأم، ورفع من قدرها ومكانتها، ونبّه على حقوقها، ومع ذلك لم يأمر بتخصيص يوم معين لتكريمها والاحتفال بها.

          رابعًا: ليس هناك دليل على تخصيص يوم 21 مارس أو غيره من الأيام من كل عام للاحتفال بهذا اليوم، إنما هي أهواء لا أساس لها في الشرع.


          خامسًا: أن الاحتفال بهذا اليوم موافق لاحتفال المجوس وغيرهم بعيد وثني هو النيروز، وهو بدء فصل الربيع.



          سادسًا: أن تعظيم هذا اليوم تحوّل إلى عقيدة تربّت عليها أجيال، حتى رأوها من واجبات البر بالأم، وهذا من النتائج التي يُنهى عن البدع من أجلها.



          سابعًا: أن في الاحتفال به موافقة لليهود والنصارى في أعيادهم، وهذا ما يخالف مقصود الشرع، حيث شرعت لنا في الإسلام كثير من العبادات على وجه وكيفية قُصد بها من ضمن ما قُصد مخالفة الكفار، والبُعد عن التشبه بهم وموافقتهم؛ سواء في الوقت، أم في المكان، أم في المناسبة، أم في الكيفية، أم في الجهة.



          ثامنًا: أنه عيد ليس له أصل في شرعنا ولا في شرعهم، ولا نزل به أمر في كتاب من كتب الأنبياء -عليهم السلام-، بل لم يؤثر عن أحد في كتاب لا في الصحيح ولا في الضعيف من الأحاديث والروايات، قال شيخ الإسلام: "فليس النهي عن خصوص أعيادهم، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك".








          الإسلام ينشئ المجتمعات ابتداءً على مراعاة الحقوق؛ ما يمنع ظهور الأمراض الاجتماعية، وانظروا إلى الأم كيف كرّمها الإسلام أحسن تكريم فجعل البر بها والتذكير بحقوقها حقًا مشروعًا طوال السنة كلها، بل إن حقها أعظم وأجل من أن يدرك في العمر كله وليس في يوم في السنة.



          ومن عدل الإسلام أنه لم يهدر حق الأب أو يهمله، لكنه سبحانه وزع الحقوق بالعدل بينهما، قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)، فهنا ذكر الله تعالى حق الوالدين معًا.



          أما نسبة حق الأم إلى حق الأب فقد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟! قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟! قَالَ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟! قَالَ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟! قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ". رواه البخاري. ومقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَاَمَيْنِ)، فسوَّى بينهما في الوصاية، وخص الأم بالأمور الثلاثة.








          يا الله
          علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

          تعليق


          • #6
            رد: سلسلةحقوق الأمهات في النصوص الشرعية والأعياد البدعية

            جزاك الله خيرا اختي الفاضلة

            اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

            تعليق


            • #7
              رد: سلسلةحقوق الأمهات في النصوص الشرعية والأعياد البدعية

              جزاكم الله خيرًا ونفع بكم
              اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

              تعليق


              • #8
                رد: سلسلةحقوق الأمهات في النصوص الشرعية والأعياد البدعية

                عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم

                اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

                تعليق


                • #9
                  رد: سلسلةحقوق الأمهات في النصوص الشرعية والأعياد البدعية

                  ​للرفع
                  اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

                  تعليق

                  يعمل...
                  X