إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مداخل الشيطان على الانسان

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مداخل الشيطان على الانسان

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري


    تمهيد البحث


    نحمده عزوجل حمد الشاكرين المقرين المعترفين بذنوبهم, الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات, ونشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة حق وصدق وعدل, ونشهد انّ محمداً عبده ورسوله, وصفيّثُ من خلقه وخليله, نشهد والله أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الغمة وجاهد في سبيل الله تعالى حق الجهاد حتى ترك أمته على المجّةِ البيضاء, ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك ولا ينكرها الا جاحدٍ ضال.
    اللهمّ صلّ وسلم وبارك على هذا النبي الأمي الصادق الوعد الأمين, وعلى أزواجه أمهاتنا الطاهرات المطهرات, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستنّ بسنته الى يوم الدين وبعد


    انّ كلمة ابليس وردت في القرآن الكريم 11 مرة, والشيطان تكرر ذكره في القرآن الكريم بمشتقاته المختلفة 88 مرة, وابليس الذي اغوى ابانا آدم وامنا حواء عليهما السلام في الجنة هو زعيم الشياطين كلها, فلعنة الله عليه وعلى ذريته الى يوم يبعثون.


    انّ ابليس بأعوانه وجنوده الذين لا حصر لهم الا بعلم عالم عزيز حكيم, يتلبّسُ على بني آدم بجميع فئاتهم وأماكنهم ومراكزهم, وليس هناك أحدٌ من خلق الله بعيدٌ عن اغواء هذا العدو اللدود الذي أقسم بعزة الله عزة أنه سيغويهم كما في قوله تعالى في سورة الأعراف 16- 18


    قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم * ثمّ لآتينّهُمْ من بينِ أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال فاخرج منها مذموما مدحوراً, لَّمَنْ تبِعَكَ منهُمْ لأملأنّ جهنم منكُمْ أجمعين


    آيات واضحات صريحات لا تحتاج الى شرح مُطوَّلٍ, والغواية التي يتحدث عنها ابليس هي الضلالة والهلاك, ولم يُضللهُ ويُهلكُهُ الا وعصيانه لأمر الله عزوجل بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام, فما كان منه الا نصبّ العداوة لبني آدم طالما في قلوبهم تنبض وطالما تجري في عروقهم الدماء, فتوعدّه الله ومن تبعه هم حطب جهنم, لجل ذلك حذرنا الله عزوجل من ابليس وأعوانه وجنوده وانه عدوٌّ لنا والسعيد من عصى ابليس وأعوانه ونهى النفس عن الهوى, اعتبر وعمل لما بعد الموت ولتكبره, والشقي من أطاع ابليس وأعوانه واتبع سبلههم.


    لماذا قال الله تعالى ولا تجد أكثرهم شاكرين ولم يقل ولن تجد أكثرهم شاكرين؟

    يقول علماء اللغة أن كلمة لا تفيد بمعنى الحاضر والمستقبل الى يوم القيامة, وأنّ أمرها يسري منذ اللحظة التي طُردَ فيها ابليس من الجنة, ولذلك كانت أول وسوسة وغواية من ابليس لآدم وحواء عليهما السلام, أما كلمة لن فمعناها يعني المستقبل فقط, ومن هنا يتضح معنى وسوسات ابليس والتي يهدف من خلالها ان نقدّمَ طاعته على طاعة الله عزوجل, أي الى بني آدم عن كلّ ما هو خير لهم, وعن كل ما فيه من سعادتهم في الدنيا والآخرة, فابليس رأس كل خطيئة, وكل منا وقرينه من الشيطان معه, حتى نبينا صلى الله عليه وسلم, الا أنّ الله عزوجل أعان نبيه صلى الله عليه وسلم على شيطانه فأسلم والحمد لله على هذه المنّة, والمعصوم من عصمه الله عزوجل.


    اذن الشيطان يظهر لبني آدم بصورٍ مختلفة, وأماكن مختلفة, وأحوال مختلفة, فهو يتقمّصُ شخصيات عديدة, وصوراً عدة , ويدخل عليهم من أبوابٍ لا حصر لها الا بعلم علام الغيوب, فمن الناس من يأتيهم بصورته الحقيقية , ومنهم من يأتيهم بصورة جنية, ومنهم من يأتيهم بصورة انسانٍ, أو حيوان الى غير ذلك.


    انّ ابليس وأعوانه وجنوده من شياطين الجن ليسوا وحدهم المسخرين لاغواء البشر وجرّهم الى الفساد والافساد , وترغيبهم بفعل شتى أنواع الرذائل والخطايا والموبقات وتزيينها في أعينهم, بل يستعين بجنوده وأعوانه من شياطين الانس على اختلاف انواعهم.


    وهناك وسواس شيطاني قهري فوق ارادة الانسان , ولا يأتي الانسان الا عند آداءه للطاعة سواءً كانت صلاة او صيام أو وضوء أو طهارة أو غسل, وما يُعرض للمسلم في وضوءه وصلاته


    فلا يدري كم توضأ ولا كم صلى : فمصدره من الشيطان ، فإن استعاذ بالله من الشيطان كفاه الله إياه ، وإن استسلم له واستجاب لأوامره تحكَّم فيه الشيطان ، وتحول من وسوسة عارضة إلى مرضٍ مهلك ، وهو ما يسمى الوسواس القهري.


    وهو علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى ، وهي أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها ، كما يدرك أيضاً بأنها خاطئة ولا معنى لها ، لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً ، ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها ، وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو – لغير المتخصصين – عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماماً ، ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية .



    وفيما يتعلق بالوضوء يشعر أنه لم يغسل العضو بشكل صحيح بعد قضاء الحاجة, أو يشك أن ملابسه أصابها شيء من البلل وأن هناك شيء من النجاسة قد أصاب ثيابه. وعندما يتوضأ، يشعر أنه لم يغسل أعضاء الوضوء بشكل صحيح. ويحاول تجاهل هذه الوساوس، لكنه يخاف إن تجاهلها وكان مخطئا ، فإن صلاته سوف لن تقبل. وقد يصل به الحال إلى أن الصلاة الواحدة قد تستغرق منه الساعة تقريبا أو أكثر من ذلك، وأصبح يؤدي الصلاة وكأنها مجرد شعيرة عادية لا خشوع فيها بسبب تلك الوساوس. وعندما ينتهي من تأدية إحدى الصلوات، يبدأ في التخوف من كيفية إنهائه للصلاة التي تليها.



    المهم في مشاكل من هذا النوع ألا يشعر أحدنا بعقدة الذنب والعقوبة, والوسواس في عدد ركعات يبني على أنه صلى الأقل ويكمل صلاته ثم قبل السلام يسجد سجدتين السهو, وبخصوص شكه في العضو ان كان قد غسله أم لا أن يعتبر أنه غسلهو وهكذا يكون الحل في كل مشكلة وسواسية تعترض أحدنا يتغلب على الشيطان ووساوسه القهرية



    وسأورد بعض الأحاديث النبوية الشريفة والتي تبين مدى حرص الشيطان على إغواء بني آدم ، وصدهم عن عبادة ربهم ، وذلك عن طريق الوساوس التي يلقيها في صدورهم . وبينت طريق النجاة من هذه الوساوس الشيطانية . وقد يصل الحال ببعض الناس أنه يشك في كل عبادة يقوم بها ، هل فعلها أم لا ؟ وما يبعث في النفس الطما،ينة من هذه الوساوس , انّ المبتلى بها يثاب عليها, هذا ما ذكره كل من الآئمة ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله




    روى الامام مسلم رحمه الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ . فقال صلى الله عليه وسلم : وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ:ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ .



    وقد بيّن شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله بأنّ معنى عبارة صريح الإيمان أي كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد , والصريح الخالص كاللبن الصريح وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الإيمان فصار صريحا, وهذه الوسوسة هي مما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان فإذا كرهه العبد و نفاه كانت كراهته صريح الإيمان , وقال كثير من العلماء : فكراهة ذلك وبغضه وفرار القلب منه هو صريح الإيمان والحمد لله الذي كان غاية كيد الشيطان الوسوسة ، فإن شيطان الجن إذا غُلِبَ وسوس ، وشيطان الإنس إذا غُلِبَ كَذَبَ . والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره لابد له من ذلك فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر فانه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا وهذا الوسواس يزول بالاستعاذة وانتهاء العبد وأن يقول إذا قال لم تغسل وجهك : بلى قد غسلت وجهي . وإذا خطر له أنه لم ينو ولم يكبر يقول بقلبه : بلى قد نويت وكبرت . فيثبت على الحق ويدفع ما يعارضه من الوسواس ، فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق فيندفع عنه ، وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات مستجيبا إلى الوساوس والخطرات أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه وصار قلبه موردا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول وانتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة اهـوعلى هذا يمكن أن يقال : يثاب المرء على إعراضه عن هذه الوساوس ومجاهدته للشيطان لأمور عدة منها


    أولا- مدح النبي صلى الله عليه وسلم كراهة هذه الوسوسة المتعلقة بالتشكيك في العقيدة بقوله : ذاك صريح الإيمان


    ثانيا: . ومن لوازم كراهة هذه الوسوسة الإعراض عنا ، وعدم الاسترسال معها


    ثالثا: - امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلمب قوله: ولينته .


    رابعا- قوله صلى الله عليه وسلم في سجدتي السهو : كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ففيه الحث على ترغيم الشيطان وإذلاله ، وترغيمه هنا إنما هو بالإعراض عن هذه الوساوس وعدم الالتفات إليها مع ما أرشد الله ورسوله إليه من الاستعاذة بالله من الشيطان وغير ذلك


    خامسا- ما يصيب المؤمن من ضيقٍ وهمٍّ من هذه الوساوس قد يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.


    وروى الامام مسلم رحمه الله أَنَّ ععثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! انّ الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليّ, فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا . قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.


    ومن أساليب الشيطان في الإضلال إلقاء الشكوك والوساوس في قلوب العباد وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض ما يلقيه فقد جاء في الحديث الذي رواه الامام البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, قال صلى الله عليه وسلم:
    يأتِي الشَطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ.


    فأرشد صلى الله عليه وسلم هنا إلى أمرين هامين: أولهما: اللجوء الى الله عزوجل والاعتصام بحبله المتين وهو القرآن الكريم , وان نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم امتثالا لقوله تعالى في نهاية سورة اللاعراف


    وامَّا يَنزغنَّكَ مِنَ الشيطانِ نَزْغٌ فاستعذْ بالله , انه سميعٌ عليمٌ



    وثانيهما: الانتهاء والإعراض عن هذا الأمر والاشتغال بغيره من الأمور النافعة.



    وعنهما رحمهما الله من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


    إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ الأَذَانَ فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ أَقْبَلَ ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ : اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ .


    وروى الامام مسلم رحمه الله من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدرِي رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّىثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ, فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ, وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ .


    وعلينا أن ندرك جيدا أنّ الشيطان لا يوسوس الا لأهل الايمان, اما الكافر فلا يوسوس الشيطان له لكثرة مداخله اليه يأتيه منها من حيث يشاء دون أن يجد مقاومة أو موانع, فيتلاعب به الشيطان كما يشاء, والاعتقاد الذي لا شك فيه ولا ريب أن الكون كله علويه وسفليه مدبرّ ومربوب لله سبحانه لايملك أحد فيه شيئاً ، لقوله تعالى في سورة سبأ 22- 23


    قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرةفي السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن آذن له



    فلنكن متأهبين على الدوام لهذا العدو الشرس الماكر والحريص كل الحرص على الإضلال والتشكيك , وبقدر استعانتك بالله وعلمك بعدوك واستعدادك له , تنتصر عليه باذن الله, وطالما أنك عرفت عدوك الحقيقي فقيده وسلسله بالأسلحة الفتاكة التاليةالتي وباذن الله عزوجل سوف تعينك على دفع هذه الوساوس ونسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا من همزات الشياطين ونزغاتهم ووساوسهم والحمد لله رب العالمين .




    وأولها: الالتزام بالكتاب والسنة ايمانا واحتسابا وقولا وعملا, والاعتصام بحبل الله المتين كتاب الله الكريم, وتجنب مسالك الشيطان ما أمكنك الى ذلك سبيلا عملا بقوله تعالى: واتقوا الله ما استطعتم.




    وتذكر دوما أنّ من ترك شيئا من الإسلام فقد اتبع بعض خطوات الشيطان, وانّ كثرة السجود لله تعالى تثبط عمل الشيطان وتغيظه , كما في الحديث الذي رواه الامام مسلم رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: :إذا قرأ ابن أدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكييقول يا ويلتي أمر ابن أدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار.



    ثانيها : المداومة على الاستعاذة بالله من جميع الشرور والالتجاء إليه سبحانه وتعالى ، وقد نبه الشرع على مزيد العناية بالاستعاذة بالله تعالى في مواضع وأحوال معينة أهمها : عند قراءة القرآن, وعند دخول الخلاء وعند الغضب, وعند الجماع, وعند نزول المكان, وعند سماع نهيق الحمار, وبعد تكبيرة الاحرام للصلاة وقبل الشروع بالاستفتاح, ولكلّ منها دعاء مخصوص كما جاء في الهدي النبي الشريف.



    فعند قراءة القرآن نقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.



    وعند دخول الخلاء نقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

    وعند الغضب وسماع نهيق الحمار نقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
    وعند الجماع نقول: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا
    وعند نزول المكان نقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق .زبعد تكبيرة الاحرام للصلاة نقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه .




    وخير ما تعوّذ به المتعوذون سورتي الفق والناس لحديث رواه الامام مسلم رحمه الله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألم تر آيات أنزلت عليّ الليلة لم ير مثلهن قط : قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس .



    ثالثها: المداومة على ذكر الله عزوجل, والاشتغال به ما امكننا الى ذلك سبيلا, فالذكر أعظم ما ينجي العبد من وساوس الشيطان, وفي الحديث: أن الله تعالى أمر يحيى عليه الصلاة والسلام أن يأمر بني إسرائيل بخمس خصال منها: وآمركم أن تذكروا الله تعالى ، فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى إلى حصن حصين فأحرز نفسه منهم ، كذلك العبد لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر




    رابعها: لزوم جماعة المسلمين بأن يعيش الإنسان في ديار الإسلام ويختار لنفسه الفئة الصالحة التي تعينه على الخير, لما رواه الامام الترمذي رحمه الله, قال صلى الله عليه وسلم : من أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم جماعةالمسلمين فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد.




    خامسها: مخالفة الشيطان في كل أحوالك ووسوساته, كما جاء في صحيح الجامع في الحديث الذي رواه أبو نعيم رحمه الله باسناد صحيح : فإنه يأتي في صورة ناصح فالواجب مخالفته فإنه لو كان ناصحاً لنصح نفسه فقد أوقع نفسه في النار ، فإذا جاءك وأنت تصلي فقال لك أنت مُراءٍ , فزدها طولاً , وإذا قال لك: أحدثت , فقل كذبت , وإذا قال لك الموتى يسمعون وينفعون أو يضرون, فقل له كذبت , وإذا أكلت فخالفه فكل بيمينك وأشرب بها وخذ بها بل حتى في القيلولة كما في الحديث قيلوا فإن الشياطين لا تقيل .



    بل حتى في اللقمة التي تقع في الأرض , روى الامام مسلم رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :فليأخذها ولا يدعها للشيطان .


    سادسها: المداومة على التوبة ولزوم الاستغفار, لما رواه الامام أحمد رحمه الله في مسنده صحيح الجامع وصححه الالباني رحمه الله: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الشيطان لرب العزة : وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهمفقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني .


    فحال الإنسان دائماً التوبة والإنابة إلى الله سبحانه ولهم أسوة في أبيهم أدم عليه الصلاة والسلام كما في قوله تعالى في سورة الاعراف 23 : ربناظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .



    ويجب أن لا يغيب عن بالنا أبداً بأنّ الهموم والغموم التي تصيبنا ما هي الا جملة ما يكفّر عنه بها من سيئاتنا ويخفف عنا من ذنوبنا ، فإذا صبرنا واحتسبنا أثابنا الله عزوجل على ذلك, ودواء هذه الأمراض باللجوء الى الأدعية المأثورة في الكتاب والسنة, فمن الكتاب الكريم نذكر على سبيل المثال لا الحصر: دعاء سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام قوله تعالى:لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين .. وقوله تعالى: انا لله وانا اليه راجعون... وقوله تعالى: وأفوض أمري الى الله انّ الله بصير بالعباد.. وقوله تعالى: ربّ أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك ربّ أن يحضرون...وعلى مستوى السنة على سبيل المثال لا الحصر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه حيث قال: أنه ما من مؤمن يصيبه همّ أو غمّ أو حزن فيقول : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيًّ حكمك عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سمَّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور بصري ، وجلاء حزني ، وذهاب همِّي وغمِّي ، إلا فرَّج الله عنه.




    ومنها الرقية الشرعية بأن يرقي الإنسان نفسه كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُرقي نفسه عند نومه بالمعوِّذات وينفث بيديه ، فيمسح بهما وجهه وما استطاع من جسده الشريفين . أو يذهب إلى من يوثق في دينه فيرقيه .




    انّ الوسواس الذي يصيبنا نحن البشرليس كله على درجة واحدة , فالوسواس الذي يدعو
    الإنسان لسماع المحرمات كالأغاني والموسيقى والغيبة والنميمة وما الى ذلك من المحرمات , او اقتراف الفواحش ما ظهر منها وما بطن, أو رؤيتها منبعها من ثلاثة مصادر: النفس الأمَّارة بالسوء ، وشياطين الانس ، وشياطين الجن ., ولعلّ شياطين الانس أشدُّ خطراً على الانسان من شياطين الجن كما ورد في الحديث الصحيح.
    والنفس البشرية ثلاثة أنفس: النفس المطمئنة, والنفس الخبيثة, والنفس الأمارة بالسوء, النفس الأمارة في السوء قال عنها المولى تبارك وتعالى في سورة ق 16




    وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ .


    وشياطين الانس هم الوسواس الخناس الذين أمرنا الله عزوجل أن نتعوذ منهم في سورة الناس


    قل أعوذ بربّ الناس * ملك الناس * اله الناس * من شرِّ الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجِنَّةِ والناس.


    وهذه الوساوس قد تكون من الجن , وقد تكون من بني آدم


    وشياطين الجن , كابليس حين وسوس لآدم عليه الصلاة والسلام وأخرجه من الجنة كما في قوله تعالى في سورة طه 120: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلّكَ عَلَىَ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاّ يَبْلَىَ.



    ان وسوسة الشيطان عادة تزول بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم, ووسوسة النفس


    تحتاج الى جانب الاستعاذة الى تقوية الصلة بين العبد وربه, من خلال المداومة على فعل الطاعات باخلاص النية لله عزوجل بيعيدا عن الرياء, وترك المنكرات.

    وأما الوسواس القهري فهو في أغلب أحواله حالة مرضية.



    والفرق بين وسوسة النفس ووسوة الشيطان فنستطيع تلخيصها بايجاز بما يلي:


    وسوسة الشيطان هي تزيين المعصية في نفس العبد حتى يقع فيها, فان تاب عنها انتقل به الى معصية أخرى, فان عصاه فيها انتقل به الى معصية ثالثة, وهكذا يبقى الشيطان يصارع الانسان في الوسوسة حتى يوقعه فيها حتى وان تمكن منه بترك نافلة, المهم عنده أن يعصي الانسان ربه عزوجل ولو بترك نافلة.



    أما وسوسة النفس فهي التي تحث صاحبهاعلى معصية بعينها وتكررالنفس طلبها.



    ورحم الله شيخ الاسلام ابن تيمية حيث قال في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان:



    ما كرهتْه نفسُك لنفسِك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه ، وما أحبَّته نفسُك لنفسِك فهو من نفسك فانْهَها عنه

    أي أن النفس غالباً توسوس فيما يتعلق بالشهوات التي يرغب فيها الناس عادةً .




    والشيء الذي يبعث في النفس الطمأنينة الى حد ما أننا لا نؤاخذ ان شاء الله تعالى على وساوس النفس والشيطان ، ما لم نتكلم أو نعمل بها, وهذا لا يعني أننا لسنا مأمورون بتجنها ودفعها عن أنفسنا؟ بل اذا استرسلنا بها قد نحاسب عليها, لذا كان وجوباً علينا محاولة دفعها ما أمكن حتى لا نسترسل بها فنقع فيها.




    فقد أُمرنا بعدم الالتفات لوساوس الشياطين ، وأن يبني على الأقل في الصلاة عند الشك فيها ، وأُمر بالاستعاذة من الشيطان والنفث عن يساره ثلاثاً إذا عرضت له وساوس الشيطان في الصلاة ، وأُمر بمصاحبة الأخيار والابتعاد عن الأشرار من الناس ، فمن فرَّط في شيء من هذا فوقع في حبائل نفسه الأمارة بالسوء أو الاستجابة لشياطين الجن والإنس فهو مؤاخذ .




    وأما الوسواس القهري : فلأنه حالة مرضية فأغلب رأي العلماء المبني على ما رواه كل من الامام بخاري ومسلم رحمهما الله في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ




    اننا لا نؤاخذ عليه لخروجه عن ارادتنا, يقول الله عزوجل في سورة التغابن 16: فّاتَّقٍوا اللّهّ مّااسًتّطّعًتٍمً



    ويقول عزوجل في سورة الطلاق 7: لا يٍكّلٌفٍ اللّهٍ نّفًسْا إلاَّ وسعها



    وعلى من ابتلي بمثل هذا الوسواس أن يداوم على قراءة القرآن والأذكار الشرعية صباحا ومساء ، وعليه أن يُقوي إيمانه بالطاعات والبعد عن المنكرات ، كما عليه أن يشتغل بطلب العلم ، فإن الشيطان إن تمكَّن من العابد فلن يتمكَّن من العالم .




    وقد يأتي الشيطان ويوسوس للمسلم أشياء منكرة في حق الله تعالى ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو شريعته ، يكرهها المسلم ولا يرضاها ، فمدافعة هذه الوساوس وكراهيتها دليل على صحة الإيمان ، فينبغي أن يجاهد نفسه ، وألا يستجيب لداعي الشر .




    وكما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى في خواتيم سورة البقرة: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ



    هو وإن حوسب وسُأل , لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخصُ دفعَه ، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها : فهذا لا يكلَّف به الإنسان ، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان



    وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في هذا الأمر ما يشفي الصدر فقال :
    قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه قال : إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم




    وفيما رواه الامام مسلم رحمه الله ن الصحابة رضي الله عنهم حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عما يخطر لهم من هذه الوساوس , فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله : ذاك صريح الإيمان , وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسله


    وفي رواية أخرى في صحيح مسلم : فليستعذ بالله ولينته.


    ومن العلماء والفقهاء من قال أن أصل ابليس من الملائكة, وهذا الاعتقاد ليس صحيحا بدليل قوله تعالى في سورة الكهف على أنّ ابليس كان من الجنّ , فتكبر على آدم عليه الصلاة والسلام , فخرج عن طاعة الله, اقرؤوا قوله تعالى في سورة الكهف 50- 52


    وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓٮِٕكَة� � ٱسۡجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦۤ*ۗ أَفَتَتَّخِذُون َهُ ۥ وَذُرِّيَّتَهُ ۥۤ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢ*ۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلاً۬ * مَّآ أَشۡ?َدتُّ?ُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِ?ِمۡ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلۡمُضِلِّينَ عَضُدً۬ا * وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَڪَآءِىَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَ?ُم مَّوۡبِقً۬ا



    ولعلّ هذه الآيات الكريمات تُبيِّنُ لنا حقيقة ابليس وجنوده وذريته وأعوانه الذين يساعدونه في مهمامه لغواية ابن آدم والوسوسه اليه بأن فعل كل ما يخالف أمر الله عزوجل , وهذا هو معنى تلبُسِ ابليس لابن آدم , أي يبعدُهُ عن طاعة الله عزوجل ما أمكنه الى ذلك سبيلا سواءً بمخالفة أمر الله عزوجل فيما أمرنا به في كتابه الكريم أو بما أوحى به الى نبيه صلى الله عليه وسلم, , أو البدع الضالة والمضلة والتي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم فقال نحوا من هذا: اياكم ومحدثات الأمور, فكلُّ مُحدثةٍ بدعةٍ, وكل بدعةٍ ضلالةٍ, وكلّ ضلالةٍ في النار, وما أكثرها البدع في زماننا هذا, حتى لنكاد نرتاب في أنفسنا وفيمن حولنا ان كنا نافقنا أم لا زلنا ننتهج نهج السلف الصالح في العبادة, ان كنا حدنا عنها أو شطحنا في البعد عنها, لما في مقالة حذيفة بن اليمان لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما حين سأله عمر رضي الله عنه: أسمّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟ يقصد المنافقين الذين نزل فيهم سورة التوبة, فبكى حذيفة رضي الله عنه لقوله, ثمّ قال: لا لست منهم, ولا أُزكِّي بعدّك أحداً... قال هذه العبارة رضي الله عنه علماً بأنّ بعض العشرة المبشرين بالجنة وممّن رضي الله تعالى عنهم لا زالوا على قيد الحياة في ذلك الوقت, فان كان حذيفة رضي الله عنه لم يُزكِّي أحدا بعد عمر رضي الله عنه وقد كانوا ينتهجون النهج السليم الغض الذي نزل به جبريل الأمين على حبيبه محمد الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليهما, فما عسانا أن نقول عن أنفسنا اليوم وقد غرتنا الأماني؟ وقد ابتعدنا عن كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟ وقد هجرنا المساجد فلم نعد ندخلها الا بالمناسبات؟ وقد قطعنا أرحامنا ولم نعد نعطف على اليتامى والمساكين؟ وقد عققنا آباءنا ومن لهم حقٌّ علينا؟ وقد بتنا نرى المنكر فلا ننهى عنه , ولم نعد نأمر بمعروفٍ خشية فقرٍ واملاقٍ؟ وقد نشزت عنا نساءنا وبناتنا ففقدنا السيطرة عليهم لأننا لم نأخذ بكلام الله عزوجل ولا بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم بالتزام الحجاب؟ وقد خرج أبناؤنا وبناتنا عن طوعنا خاصةً في بلاد الغرب فتخلقوا بأخلاق اهل الكتاب ومن ولاهم؟ وقد فقدنا عنصر الللامبالاة فلم نعد نأبه ولا نهتم لأبناءنا ان كانوا يتكلمون العربية أم يقرؤونها؟ فانصبّ كل اهتمامنا الى نطقهم للغة الغرب بطلاقة وهم يعلمون أنذ الله سائلهم عن هذه الأمانة كما قوله تعالى: أحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم الينا لا ترجعون...وقوله تعالى: فوَ ربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون.. وقوله عليه الصلاة والسلام: كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عنْ رعيته.



    ماذا لو عاد فينا حذيفة رضي الله عنه ورأى منا ما رأى من محدثات الأمور التي أحدثناها, ابتداءً من هجرنا لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, وانتهاءً بهجرنا لبيوت الله تبارك وتعالى التي لم نعد ندخلها الا ونحن محمولون على الأكتاف أو في المناسبات النادرة كصلاة الجمعة والعيدين؟ ومرورا بكلّ مخالفات الشرع من استحلالنا للكسب الحرامٍ , وتجارتنا بكلّ ما حرّم الله تعالى علينا, واطلاق الحريات لأبناءنا وبناتنا فلم نعد نأبه ان كانوا يصلون أم يرتدون الحجاب من عدمه, وعدم مبالاتنا بأبناءنا وبناتنا بأيّ لسانٍ يتكلمون أأعجميٌّ أم عربيّ؟ لم نعد نأبه لرعيتنا ان كانوا يحسنون قراءة القرآن الكريم أم لا, فضاع الرعاة ومعهم رعيتهم : ومن لم يربيه دينه ومعه والديه فالشيطان كفيلٌ بتربيته


    لأجل كل ما سبق ولأكثر مما سبق فقد وجد ابليس مناخاُ مناسباً له ولأعوانه كي يتلبّس ابن آدم في كل شئون حياته, حتى غدت الصلاة عند ىبن آدم عادةً لا عبادة


    جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله لقوله تعالى: الا ابليس كان من الجن: أي خانه أصلُهُ, فانه خلق من مارجٍ من نار, وأصل خلق الملائكة من نور, كما ثبت في صحيح الامام مسلم رحمه الله أنذ النبي صلى الله عليه وسلم قال: خُلقت الملائكة من نورٍ , وخُلق ابليسٌ من مارجٍ من نار, وخُلق آدمُ ممّا وُصِفَ لكم (أي من تراب) , كما في حديث آخر: كلكم لآدم, وآدم من تراب.


    وكما قال الحسن البصري رحمه الله: ما كان ابليس من الملائكة طرفة عين قط, وانه لأصل الجن, كما أنّ آدم عليه الصلاة والسلام أصل البشر.


    روى الامام مسلم رحمه الله في صحيحه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى:


    اني خلقت عبادي حُنفاء , فاجتالتهُمُ الشياطين, وحرّمت عليهم ما أحللْتُ لهم, وأمرَتْهُمْ أن يُشركوا بي ما لم أُنَزِّلُ به سُلطاناً


    وحول هذا الحديث القدسي الجليل سيدور بحثتا هذا ان شاء الله تعالى


    وهو بحثٌ طويلٌ الى حدٍّ ما, ويناقش معظم الضلالات التي يكيدها الشيطان لأعوانه والتي فيها يُوقعهم في حبائلها وحبائله, فيتناول الفرق الضالة والمضلة مفرقا بين السنة والبدعة


    وسنتحدث من خلاله ان شا الله عزوجل عن مكايد الشيطان ومصائده مُحذِّرينَ مِنْ فِتنهِ، ومُخوِّفين مِنْ مِحَنِهِ، كاشفاً عن مستور ابليس، وفاضحاً لهُ في حفى غروره.


    إذاً فعداوة الشيطان للإنسان ليست محصورة في إغوائه وصرفه عن الصراط المستقيم ، مع أنها أغلى أمانيه , ولكنه الإيذاء بشتى أنواع الأذى النفسي والجسدي ، وخاصة إذا لم يتمكن من صرفه عن الحق .


    وصرفه عن الحق يكون : إما بإيقاعه في الشرك والخروج من الملة والعياذ بالله, أو بإيقاعه في البدع أو الذنوب، فإن لم يستطع فبصده عن طاعة الله وإفساد العبادة عليه . إلى غير ذلك من الصور. أعاذنا الله من شياطين الجن والإنس بمنَّه وكرمه .



    وقبل أن ندخل في بحثنا نودّ أن نذكر الأخوة والأخوات في الله أنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق أو كما قال عليه الصلاة والسلام, وهذا يعني أنه يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الانسان على كافة المستويات التي فيها معصية أو منكر أو خطأ ولو كان من اللمم, ولكن ضعف ايمان الشخص يساعد السيطان على انجاح مهمته, لأجل ذلك علينا جميعا أن نبقي ألسنتنا رطبة بذكر الله تعالى على أي جنب كان عسى أن نكون من اولوا اللالباب الذين قال فيهم المولى تبارك وتعالى في خواتيم سورة آل عمران:


    الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض

    والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    انتظروا ا قريبا ان شاء الله لجزء الأول من البحث وهو تحت عنوان
    الأمر بلزوم السنة والجماعة





  • #2
    رد: مداخل الشيطان على الانسان

    الجزء الأول: الأمر بلزوم اهل السنة والجماعة



    في هذا الجزء ان شاء الله سوف اتناول الى جانب الأمر بلزوم اهل السنة والجماعة , ذم البدع والمبتدعين , والتحذير من فتن ابليس ومكائده, وكيف يتلبس ابليس الانسان ويغرره, وقد وقد استعنت لانجاز هذا البحث القيّم


    (مداخل الشيطان على الانسان) بكتاب تلبس ابليس لابن الجوزي البغدادي رحمه الله والمتوفي قبل حوالي تسعة قرون,




    واني لأنصح كل باحث عن العلم أن يتزود من معين هذا البحث القيّم ولو بصفحة واحدة في اليوم لأهميته في تجنب أبواب الشيطان ومداخله على ابن آدم والتي لم يسلم منها العلماء وحفاظ القرآن الكريم.


    في كتاب تلبيس إبليس تطرق ابن الجوزي رحمه الله إلى قرابة أربعين صنفا من الناسمنهم الفلاسفة واليهود والنصارى والفقهاء والعلماء والعوام والصوفية… وقد أشاراستنادا إلى حكايات وخرافات وظنون كيف لبس إبليس عليهم. وحسب ابن الجوزي رحمه اللهفان إبليس لبس على جميع خلق الله إلا على الأنبياء والرسل والملائكة .


    يقول ابن الجوزي رحمه الله في ذكر تلبيسإبليس على الكاملين من العلماء : إن أقواما علت هممهم وحصلوا علوم الشرع من القرآنوالحديث والفقه والأدب وغير ذلك فأتاهم إبليس فلبس بخفي التلبس فأراهم أنفسهم بعينعظيم لما نالوا وأفادوا غيره.


    ويقول رحمه الله: إن هناك جماعة من الدخلاء على التصوف نسبواأنفسهم إليه شوهوه بما أدخلوا عليه من بدع ضلالة وأفعال منكرة تحرمها الشريعةالإسلامية الشريفة كاستعمال آلات الطرب المحضورة والاجتماع المقصود بالأحداث وحضورالنساء حلقات الذكر والغناء الفاحش… فلم يعد التصوف عملية لتطهير القلب والتحليبالأخلاق الحميدة والتخلي عن الرذائل بل صار سهرات أنس لتسلية النفوس فاللهم إنالتصوف بريء من كل ذلك.


    فكل شخص إدعى التصوف ومال عن السنة النبوية (ولو في لبسنعله) فهو مبتدع ومبتعد عن طريق التصوف , الذي هو مقام الإحسان وعلم السلوك, إلى حضرةملك الملوك. فهذا الشخص مبتدع ومسؤول عن نفسه لذا ينبغي التفريق بين التصوف والصوفيفليس الصوفي المنحرف (وأذكر كلمة صوفي هنا تجاوزا فقط , وإلا فالصوفي لا يمكن أن يكونمنحرفا) ممثلا للتصوف كما أن المسلم بانحرافه لا يمثل الإسلام , ومما يؤسف كذلك أنبعض أدعياء العلم من تلبيس إبليس عليهم تهجموا على التصوف ولم يميزوا بين أصحابالبدع المنحرفين (المتشبهين بالصوفية) وبين الذاكرين السالكين المتبعين لسنة رسولالله صلى الله عليه وسلم أصحاب الحقيقة القلبية. وأشير إلى أنه : لو أن الفقهاءتحققوا بمقاصد فقههم لما احتجنا لمن يتسمى صوفيا , ولكان الفقهاء هم الصوفيةالحقيقيون. وأختم بقول الجنيد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفىأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته.

    والحمدلله ربالعالمين, وأسال الله عزوجل أن ينفعكم بهذا الموضوع المبارك ان شاء الله تعالى.





    أن النفس البشرية هي المسؤولة أمام الله عزوجل عن الطريق الذي تسلكه , وهما طريقان لا ثالث لهما, طريق الخير وطريق الشر, من مطلق قوله تعالى في مستهل سورة الانسان: وهديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا, وكقوله في سورة البلد: وهديناه النجدين, أي طريق الخير وطريق الشر, فمن سلك طريق الهدى فقد فاز وأفلح في الدارين الدنيا والآخرة, ومن سلك طريق الشر وابته شهواته وأهواؤه فقد خاب وخسر الدارين الدنيا والآخرة, وعلى الرغم من أنّ الشيطان يغوي ابن آدم ويزين له الحرام وما يقرب اليه من قول أو عمل ، الا أنّ لابن آدم كفل كبير من المسئولية عن اتباعه , ذلك أنّ اتخاذ القرار في اتباع الشيطان من عصيانه يعود أولا وأخيرا الى ابن آدم نفسه وليس للشيطان دخل فيه أبدا, وهذا معنى قوله تعالى في سورة يس:
    ألم أعهَدْ اليكم يا بني آدمَ ألاَّ تعبدوا الشيطانَ انه لكمْ عدوٌّ مبين * وأنِ اعبدوني , هذا صراطٌ مستقيم * ولقدْ أضلَّ منكمْ جِبِلاًّ كثيراً أفلم تكونوا تعقلون




    وقد بيّن الله عزوجل لنا في كتابه الكريم في مواضع كثيرة أنّ الشيطان ليس له سبيل على ابن آدم , كما في قوله تبارك وتعالى:إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ..وكقوله تعالى في موضع آخر على لسان ابليس نفسه:وما كان لي عليكم من سلطان



    فكيف بعد هذا البيان الالهي الواضح والصريح نأتي ونقول انّ الشيطان يتلبس بالانسان؟ والله سبحانه وتعالى يخبرنا بأنه لا سلطان للشيطان على بني آدم.



    لقد ثبت بالأدلة الصحيحة أن الشيطان قريب من الإنسان ، وأنّ كل انسان ومعه قرين من الجن, بل وأنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فيوسوس له في حال غفلته ، ويخنس له في حال ذكره لله تبارك وتعالى ، ومن خلال هذه الملازمة فإنّ الشيطان يحوم حول الانسان بكل ما يهواه من الشهوات فيزينها له ويغويها به من خلال الوسوسة


    فقد روى الامام البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحهما من حديث ام المؤمنين صفية بِنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها, أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ


    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وهم وإن شموا رائحة طيبة ورائحة خبيثة (أي الملائكة تشم ريحا طيبة حين يهم العبد بالحسنة كما جاء عن سفيان بن عيينة) ، فعلمهم لا يفتقر إلى ذلك ، بل ما في قلب ابن آدم يعلمونه ، بل ويبصرونه ويسمعون وسوسة نفسه ، بل الشيطان يلتقم قلبه ؛ فإذا ذكر الله خنس ، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس ، ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره ، ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغي فيزينها له .




    وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم المؤمنين السيدة صفية بنت حيي رضي الله عنها

    تعليق


    • #3
      رد: مداخل الشيطان على الانسان



      إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم.



      وقرب الملائكة عليهم السلام والشيطان من قلب ابن آدم مما تواترت به الآثار ، سواء كان العبد مؤمنا أو كافرا

      فالشيطان يطلع على وسوسة الإنسان لنفسه ، ويعلم ما يميل اليه ويهواه من الخير ومن الشر, فيوسوس له بحسب ذلك.






      وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : وإذا نويت عمل خير في قلبي هل يعلم به الشيطان ويحاول صرفي عنه؟




      فأجاب رحمه الله: كل إنسان معه شيطان ومعه ملك , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة . قالوا : وأنت يا رسول الله؟ قال : وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير . وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يُملي على الإنسان الشر ويدعوه إليه, وله لَمَّة في قلبه ، وله اطلاع بتقدير الله على ما يريده العبد وينويه من أعمال الخير والشر , والملَك كذلك له لمَّة بقلبه يُملي عليه الخير ويدعوه إلى الخير ، فهذه أشياء مكَّنهما الله منها : أي مكَّن القرينين ، القرين من الجن والقرين من الملائكة عليهم السلام , وحتى النبي صلى الله عليه وسلم معه شيطان وهو القرين من الجن كما تقدم الحديث بذلك .




      والمقصود أن كل إنسان معه قرين من الملائكة عليهم السلام, وقرين من الشياطين , فالمؤمن يقهر شيطانه بطاعة الله عزوجل وبالاستقامة على دينه , ويُذل شيطانه حتى يكون ضعيفا لا يستطيع أن يمنع المؤمن من الخير ولا أن يوقعه في الشر إلا ما شاء الله , والعاصي بمعاصيه وسيئاته يُعين شيطانه حتى يُقوِّى على مساعدته على الباطل وتشجيعه على فعل المنكر, وابعاده عن فعل الخيرات ما أمكنه الى ذلك سبيلا .




      لذا كان وجوبا على المؤمن أن يتقي الله عزوجل في جميع أحواله , وأن يحرص على جهاد شيطانه بطاعة الله عزوجل وطاعة رسوله الكريم صلى اله عليه وسلم, والاستعانة بالتعوّذ بالله عزوجل من الشيطان الرجيم كما أمرنا الله تبارك وتعالى, , وعلى أن يحرص في مساعدة ملَكه على طاعة الله ورسوله والقيام بأوامر الله سبحانه وتعالى.




      نعم أن الشيطان له تسلط عظيم على ابن آدم , لذا فليكن ابن آدم على أهبة الاستعداد لرد مكائده, وينبغي ألا نغفل عن الشيطان أبدا خاصةً ونحن نعلم أنه يتربص بنا محاولا ايقاعنا في شر أعمالنا ما امكنه الى ذلك سبيلا, والسعيد من ترصّد لشيطانه وبقي خائفا من مكائده على الدوام, وان حصل وغفل أحدنا عنه ساعة ووقع في الاثم , عليه أن يلجأ الى الله عزوجل يستغفره من الذنب, فكما ورد في الحديث
      إن الملك ليرفع القلم عن العبد إذا أذنب ست ساعات فإن تاب واستغفر لم يكتبه عليه, والا كتبها سيئة.






      وقبل الخوض في غمار هذا البحث والتي بعض من فقراته مأخوذة ما من كتاب تلبس ابليس لابن الجوزي رحمه الله, وسنجد كثيراً عبارة قال المصنف رحمه الله, والمُصَنّف كما أخبر عنه بعض أهل العلم أنه الامام محمد بن أبي العز الدمشقي رحمه الله, وسبب اخفاء اسمه هو أنّ العلماء في زمنه كانوا يُضطهدون ويُسجنون من قبل علماء السوء والسلاطين في تلك الحقبة من الزمن, الأمر الذي اضطره لاخفاء اسمه.





      ونتيجة لذلك لا تستغرب ان وقع بين يديك كتاب مدوّن فيه العقيدة الصيحية وليس مكتوبا عليه اسم المؤلف, ويكفي طالب العلم الذي حوى هذه العقيدة أن يقرأها وإن كَانَ لا يعرف من هو مؤلفها، والشاهد أنه ينبغي أن لا نغفل الواقع الذي كَانَ يعيشه العالم أثناء كتابته للعلم، والظروف التي كانت تلم به وما يتعرض له من الأذى في كتابته أو في وصول علمه إلينا.






      انّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر يحتاج معه اضاعة العمر كله, ذلك انه أمر الله عزوجل وسنته في خلقه الى أن يرث الله عزوجل الأرض وما عليها



      ولكن البحث عن المذاهب السخيفة والضالة المضلة والتي اتدعها الانسان على مر التاريخ لا يصلُحُ تضييع الوقت ولا الزمان عليها ولا بذكرها, ولكن ومن باب المعرفة والوصول الى القين المطلق في اللجوء الى الله تبارك وتعالى في كل حال, رأينا أن نوغر البحث في قوله تعالى في سورة الانفطار




      يا أبها الانسان ما غرك بربك الكريم* الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك كلا بل تكذبون بالدين * وانّ عليكم لحافظين كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون






      ان الله تبارك وتعالى عندما خلق الانسان خلقه في أحسن هيئة وأحسن شكل, متصفا باكمل وأجمل الصفات, من حسن الصورة وانتصاب القامة وتناسق الأعضاء وتناسبها, مزينا بالعقل والتمييز, والعلم والفهم, والنطق والأدب, وفي ذلك قال تعالى في سورة التين:



      ولقد خلقنا الانسان في أحست تقويم




      وقال المولى عزوجل في سورة الاسراء 70: ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرِ والبحرِ ورزقناهمْ من الطيباتِ وفضّلناهمْ على كثيرٍ ممّنْ خلقنا تفضيلا




      فالله تبارك وتعالى شرّف ذرية آدم عليه الصلاة والسلام على جميع مخلوقاته بالعق والعلم والنطق, وبتسخير جميع ما في هذا الكون لخدمته ابتداء من امتطاء ظهور الدواب وركوب السفن, وانتهاء بتفضيلهم على سائرالمخلوقات من الجن والبهائم والدواب والوحوش والطيور وما الى ذلك من خلق الله عزوجل في البر والبحر, ومرورا برزقه عزوجل اياهم من لذيذ المآكل والمشارب بما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين.





      وكما قلنا بأن الانسان مميز عن سائر المخلوقات بأشياء كثيرة على رأسها العقل, وهو الحد الفيصل بين الانسان وغيره من المخلوقات.





      ان جسم الانسان يحتوي على عدة أجهزة من ابداع الخالق تبارك وتعالى, فهناك جهاز الهضم والتنفس والجلد والتناسل , وجهاز الدوران والبولي والعصبي وما الى ذلك من أجهزة كل جهاز له أهميته الخاصة في حياة الانسان, ويبقى على رأس هذه الأجهزة الجهاز العصبي على اعتبار أنّ العقل يتبع تصنيفا لهذا الجهاز.





      والعقل هو المحرك الرئيس والدينامو الفعال في جسم الانسان, بحيث لو فسد العقل أفسد معه أشياء كثيرة على رأسها الدين الذي هو عصمة الأمر كله.





      لقد أنعم الله عزوجل على الانسان بهذا العقل الذي ميّزه به عن سائر مخلوقاته, لذا ان لم يوجهه الانسان في الخير كان شراً ووبالاً.





      هكذا اقتضت سنة الله عزوجل في خلقه أن يجعل من الادراك كل شيء ينبض في الحياة, ولله في خلقه شئون, سبحانه وتعالى خالق كل شيء, خلق كل عضو بحكمة رائعة , وخصص له واجباته , فلا حياة لمن ليس له قلب , ولا قيمة تذكرولا طعم لها فيما لو حرم الانسان من نعمة العقل والبصيرة.





      انّ من أعظم نعم الله عزوجل على الانسان أن جعل له عقلا يستوعب ويدرك كل ما يدور حوله, ذلك أن العقل هو البوصلة التي توجه الانسان الى معرفة الخالق تبارك وتعالى, عدا عن أنه الدينامو الذي يحرك أعضاء الجسد كلها, ولأّنّ العقل هو مركز الجسد كله فقد استحوذ تفكير الشيطان وأخذ يلعب بعقله ويلهو به , ولا زال يفعل فعله بالانسان حتى جعله يشذ عن الرسالة التي خلق لأجلها, فلعب بعقول البشر وأخرجهم من عبادة الواحد القهار الى عبادة الأحجار والأوثان, واستمر الناس على عبادة الأصنام أزمانا ودهورا مع ارسال الله عزوجل أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام لهداية الناس على مر العصور والدهور, حتى اذا ابتعث الله عزوجل نبي هذه الأمة وخاتمها ليخرج الناس من الظلمات الى النور ومن رفع القبائح الى شرع المصالح مؤيدا بأصحاب مخلصين سار بهم الى شاطىء الأمان, ولأنّ سنة الله خلقه تقتضي أن لا خلود لنفس فيها, فقد انسلخ عصر الصحابة الى عصور متتالية حتى وصل الينا كان لها من الضلال نصيبا لا بأس به لتعود الآهواء تنشيء بدعا لا تنتمي الى دين الله عزوجل بشيء, وينهض ابليس يغوي ويوخرف ويزيّن للناس الدنيا, ويجد له أتباع من كل لون وعرق.





      اعلم أيها الانسان المخلوق من ماء مهين بأنك لست الا مخلوقا من خلق الله تبارك وتعالى مفطور على حب الشهوة والهوى والنزوة, وقد وضع الله عزوجل فيك الغضب ليدفع من خلاله كل ما يؤذيك, وأعطالك الله العقل كي تعهتدي من خلاله الى نور الله تبارك وتعالى, فسخره فيما يرضي الله عزوجل, ولا تتبع خطوات الشيطان فتضل وتشقى.





      يقول المولى تبارك وتعالى في سورة ال عمران 14





      زُيِّنَ للناس حبُّ الشهوات من النساءٍ والبنين والقناطيرالمقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة و الأنعاموالحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا






      مما لا شكّ فيه أن من يغوي الانسان في اتباع الشهوات بانواعها الثلاثة: شهوة الجنس والمال والدم انما عدو الانسان منذ الأزلوسيبقى هذا الشيطان عدو الانسان اللدود الى أن يرث الله الأرض ومن عليها, وقد أخبرنا الله عزوجل أنّ الشيطان عدو لللانسان وأمرنا ان نتخذه عدوا, وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تناولت ابليس وأعوانه في كيفية غواية الانسان , وبيّن لنا المداخل التي يدخل بها علينا, وسأذكر بعضا من هذه الآيات على سبيل المثال لا الحصر, ففي سورة البقرة 169 يقول الله تبارك وتعالى:

      انما يأمرُكُمْ بالسوءِ والفحشاءِ وأنْ تقولوا على اللهِ مالا تعلمون





      وتابعوا الايات الكريمات في هذه السور الكريمة لتقفوا على عداوة ابليس اللعين لاين آدم الذي لا تخفى عداوته على انسان عاقل, البقرة 268 النساء 60 المائدة 91 فاطر 6 لقمان 31- 33 يس 60 الاعراف 12 الكهف 45




      وينبغي علينا جميعاأن نعلم أن شغل ابليس الشاغل هو غواية النسان وابعادة عن جادة الصواب ما أمكنه, لذا فمن سولت له نفسه أمرا ينبغي عليه أن يتعوذ من الشيطان الرجيم, واذا كان الله عزوجل قد أمرنا بالاستعاذة من الشيطان عند قراءة القرآن, وعند الجماع, فلنؤمن اذن كم هو خطر ابليس على الانسان




      روى عياض بن حمار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال





      يا أيها الناس! ان الله تعالى أمرني أن أُعَلِّمُكُمْ ما جهلتم مما علَّمَني في يومي هذا : انّ كلَّ مالٍ نحِلتُهُ عبدي فهو له خلال, واني خلقت عبادي حنفاء كلهم , فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم, وأمرتهم ألا يشركوا بي شيئا ما لم أنزل به سلطاناً, وانّ الله تعالى نظر الى أهل الأرض فمقتهم, عربهم وعجمهم الا بقايا من أهل الكتاب.





      وروى البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: انّ ابليس قد يئس أن يعبده المصلون, ولكن في التحريش بينهم.




      التحريش هنا: السعي بينهم بالخصومات وافساد ذات البين والفتن.






      وعن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:



      انّ الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم, فان ذكر الله خنس, وان نسي الله التقم قلبه.




      وعن قتادة رضي الله عنه قال: انّ ابليس شيطانا يقال له قبقب, يجمُّهُ أربعين سنة, فاذا دخل الغلام في هذا الطريق قال له: دونك ! انما كنت أجمك لمثل هذا أجلب عليه وأفتنه.
      ومعنى يجُمُّهُ: يتركه بلا عمل ليتقوّى.





      تعليق


      • #4
        رد: مداخل الشيطان على الانسان

        وعن ثابت البناني رضي الله عنه قال: بلغنا أنّ ابليس ظهر ليحي بن زكريا عليهما الصلاة والسلام فرأى عليه معاليق من كل شيء, فقال يحي عليه السلام: يا ابليس ! ما هذه المعاليق التي أرى عليك؟ قال: هذه الشهوات التي أصيد بهنّ ابن آدم.. قال يحي عليه السلام: فهل لي فيهما من شيء؟ قال: ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة وثقلناك عن الذكر.. قال يحي عليه السلام: فهل غير ذلك؟ قال: لا والله! فقال يحيي عليه السلام: لله عليّ ألا أملأ بطني من طعام أبدا.. فقال ابليس: ولله عليّ ألا أنصحَ مسلماً أبداً




        وعن عبد الرحمن بن زياد رضي الله عنه قال: بينما موسى عليه الصلاة والسلام جالس في بعض مجالسه, اذ أقبل عليه ابليس وعليه برنس له يتلوّن فيه ألواناً, فلما دنا منه خلع البرنس فوضعه , ثم أتاه وقال له: السلام عليك يا موسى! فقال له: من أنت؟ قال: أنا ابليس, فقال له موسى عليه السلام: فلا حيّاك الله, ما جاء بك؟ قال: جئت لأسلم عليكلمنزلتك عند الله تعالى ةمكانك منه..فقالله موسى عليه السلام: فما الذي رأيته عليك؟ قال: به أختطف قلوب بني آدم..قال موسى عليه السلام: فما الذي اذا صنعه الانسان استحوذت عليه؟ قال: اذا أعجبته نفسه, واستكثر عمله, ونسي ذنوبه, وأحذرك ثلاث:
        * لا تخلُوُنَّ بامرأةٍ لا تحلُّ لك قط, فما خلا رجل بامرأة لا تحلُّ له الا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أفتنه بها.





        * ولا تعاهد الله عهداً الا وفيّت به, فانه من عاهد الله أحد الا كنت صاحبه دون اصحابي حتى أحولُ بينه وبين الوفاء به.






        * ولا تُخرجَنَّ صدَقة الا أمضيتها, فانه من أخرج صدقة فلم يمضها الا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبين اخراجها.



        ثم ولى وهو يقول: يا ويله يا ويله ياويله علم موسى ما يحذر به بني آدم






        مما سبق نستنتج القول أنّ فتن الشيطان ومكايدة من الصعب عليه احصاؤها, ولكثرتها وتشبثها بالقلوب فانه من شأنها أن قد تضعف احتمالات السلامة من الافتتنان.




        هل مع كل انسان شيطان؟




        ان بعض المقبوحين قبحهم اله لينكرون وجود القرين في حياة ابن آدم من غير علمٍ من كتابٍ او فقهٍ اوحتى سُنّةٍ يستندون اليه, وهم يؤولون ويحملون الالفاظ فوق ما تَحتمل من معانٍ بعيدةٍ لا يقتضيها موقفٍ او سياق.



        والحمد لله أنّ هذه الافتراءات الهالكة مردودة على أصحابها, مدحوضة بالحق ولله الحجة البالغة




        انّ لكل منا نحن بنو آدم قرين أو شيطان, بدليل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, فمن منطلق القرآن الكريم في سورة ق 27:




        قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد




        وفي السنة النبوية ما دليله ما رواه الامام مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث عروة بن الزبير عن خالته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنهما حدثته فقالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً , قالت: فغرتُ عليه, فجاء فرأى ما أصنع, فقال: ما لك يا عائشة! أغرْتِ؟ فقلت: ومالي لا يغارُ مثلي على مثلك؟ فقال: أوَ قدْ جاءَكِ شيطانُكِ؟ قالت: يا رسول الله ! أوَ معيَ شيطان؟ قال: نعم.. قلت: ومع كل انسان؟ قال: نعم.. قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم.زولكنّ ربي عزوجل أعانني عليه حتى أسلم, وفي رواية: فأسلم.




        انّ الشيطان يجري من آدم مجرى الدم في العروق, ولأنّ حياة الانسان موصولة بدمه ولا بقاء له بدونه, فانّ الشيطان كذلك موصولٌ بوجود الانسانوبقاءه حتى آخر لحظة على وجه الأرض , كما قال تعالى الاعراف 15-16:

        أنظرني الى يوم يُبعثون * قال انك لمن المنظرين





        فابليس من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم, وسيبقى في الدنيا الى يوم الدين , يوم القيامة, وقد طلب من الله عزوجل تأخير موته الى يوم القيامة, وقد أجابه الله عزوجل الى ما سأل لحكمة جليلة وارادة الله ومشيئة لا يعلمها الا علام الغيوب




        وكما في الصحيحين من حديثأ م المؤمنين السيدة صفية بنت حيي بن أحطب رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً , فأتيتهُ أزورهُ ليلاٍ, فحدثته, ثم قمتُ لأنقلب, فقام معي ليُقلبني (أي ليوصلها البيت) وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما, فمرَّ رجلان من الانصار, فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما! انها صفية بنت حيي.. فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال عليه الصلاة والسلام: انّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم, واني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا, او قال: شيئاً.




        وقال الخطابي رحمه الله: وفي هذا الحديث من العلم أن يحذر الانسان من كل أمر من المكروه مما يجري به الظنون ويخطر بالقلوب, وان يطلب السلامة من الناس باظهار البراءة من الريب أو الشك.




        وقال الامام الشافعي رحمه الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم انما ما قال لهما مثل ذلك الا شفقةً منه عليهما ولخوفه أن يقع في قلوبهما شيء من أمر فيكفرا, لا على نفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم المعصوم المحروس من الله عزوجل.




        لأجل ذلك أمرنا الله تبارك وتعالى أن نتعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم كما في قوله في سورة الاعراف 200: واما يَنزغنَّكَ مِنَ الشيطانِ نزْغٌ فاستعذْ بالله, انه سميعٌ عليمٌ




        وقد أمرنا الله عزوجل من التعوذ من الشسيطان عند التلاوة كقوله تعالى في سورة النحل 98: فاذا قرأتَ القرآنَ فاستعذْ باللهِ مِنَ الشيطانِ الرجيمِ




        وأن نتعوذ عند السحر بالله تعالى من الشيطان الرجيم كما في قوله في سورة الفلق:




        قل أعوذ بربّ الفلق * من شرّ ما خلق* ومن شرّ غاسقٍ اذا وقَبَ * ومن شرّ الفاثاتِ في العقد* ومن شرّ حاسدٍ اذا حسَد




        فاذا كان أمره عزوجل لنا بالتحز من شر الشيطان الرجيم في مثل هذه الأمور فكيف بنا في غيرها؟




        سأل رجل عبد الرحمن بن حنيش رضي الله عنه: اأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.. قال: كيف صنع ليلة كادته الشياطين؟ فقال: انّ الشياطين تحدّرَتْ ( أي تنزّلتْ) تلك الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية والشِّعابِ (طريق بين جبلين) , فيهم شيطان بيده شعلة , يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهبط اليه جبريل عليه السلام, فقال: يا محمد! قل ما أقول؟ قال: قل أعوذ بكلمات اللله التامات من شرّ ما خلقَ وذرأَ وبرأَ , ومن شرّ ما ينزلُ من السماء, ومن شرّ ما يعرُجُ فيها, ومن شرّ فتن الليل والنهار, ومن شر كل طارقٍ الا طارقاً بخير يا رحمن! قال: فطفشْتُ نارهم, وهزمهم الله تعالى.




        انّ هذا الحديث الشريف يدلنا على دفع أذى الشياطين بكلمات الله التامة , وفي هذا دفع القوة الباطنية بقدرة اللع تعالى العظيمة الأقوى من أي قوة.




        وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قال: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: انّ الشيطان يأتي أحدكم فيقول: مَنْ خلقَكَ؟ فيقول: الله تبارك وتعالى.. فيقول: فمنْ خلق الله؟ فاذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله, فانّ ذلك يذهبُ عنه.




        وأيضا هذا الحديث الشريف يدلنا على أن الشيطان له طرائقه العديدة ليتخذها مطيّةً يغزو من خلالها النفس البشرية, ولا دافع له من طرقه الخبيثة الا بالاعتصام بالقرآن الكريم حبل الله المتين.




        وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا قال: انّ للشيطان لمّة بابن آدم, وللملَكِ لمة, فأما لمة الشيطان فابعاد بالشر وتكذيب بالحق, واما لمة الملَكِ فابعاد بالخير وتصديق بالحق, فمن وجد من ذلك شيئاً فليعلم أنه من الله, فليحمد الله, ومن وجد الأخرى فليتعوّذ من الشيطان..ثم قرأ قوله تعالى في البقرة 268:




        الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء




        معنى: لمّة: اي هِمَّة أو خاطرة من خواطر الشيطان




        وفي الصحيحين من ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذُ الحسن والحسين فيقول:




        أُعيذُكُما بكلمات الله التامة , من كل شيطان وهامّة, ومن كلّ عينٍ لامّة.




        وكان يقول عليه الصلاة والسلام هكذا كان أبي ابراهيم صلى الله هليه وآله وسلم يُعَوِّذُ اسماعيل واسحق.




        العين اللامة: هي العين التي تؤذي بالنظر وهي العين الحاسدة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: العين حق, تُنزِلُ الجمل القِدْرِ, والرجلَ القبْرِ.




        أعاذنا الله واياكم من شرّها ومن شر حاسد اذا حسد




        يا أيها الانسان ما غرّكَ بربك الكريم




        فلعنة الله على الجهل والجهلاء (أهلك وأهلكوا كثيرا من الناس)




        واعلم أخي الكريم أختي الكريمة أنّ غواية الشيطان للانسان انما تكون في اظهار الباطل في صورة الحق, بينما تغرير أو خداع الشيطان بالانسان انما هو تزيين القبيح بالحسن, والحسن بالقبيح, وخداع الشيطان لنا انما هو نوع من أنواع الجهل التي تصور لنا الفاسد صحيحا والرديء جيدا, ولذلك قال تعالى في سورة الانفطار:




        يا أيها الانسان ما غرّك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعلدك* في أيِّ صورةِ ماشاءَ ركبّك




        ومعنى قوله تعالى الكريم يتجلى في: أي ما الذي خدعك بربك الكريم حت عصيته وتجرأت على مخالفة أوامره مع احسانه وتفضله عليك؟ أي كيف تقابل احساني اليك بعصيانك لي؟ وكيف تقابل رأفتي بك بالتمرد والطغيان؟ ألم أوجدك من العدم؟ ألم أجعلك سويّاً سالم الأعضاء؟ ألم أجعلك معتدل القامة منتصبا في أحسن الهيئات والأشكال واخترت لك من الصور الحسنة العجيبة, ولم أجعلك في الشكل كالبهيمة؟




        ورحم الله تعالى امامنا اابن الجوزي البغدادي وهو يُصوّر لنا كيف يقتحم الشيطان القلب, في هذا التصوير الرائع:




        انّ القلب كالحصن المنيع له سور وله أبواب, وفيه ثلم يسكنه العقل, والملائكة تترددُ الى هذا الحصن, والى جانبه ربض فيه الهوى, والشياطين تختلف الى ذلك الربض من غير مانع, والحرب قائم بين أهل الحصن وأهل الربض, والشياطين لا تزال تدور حول الحصن , تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم.




        الثلم: هو موضع الكسر من القدح.. والرّبَضُ: مكان يُلجأ اليه




        فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وُكِّلَ بحفظه وجميع الثلم, وان لا يفتر عن الحراسة لحظة, فانّ العدو ما يفتر أبدا, وهذا الحصن مستنير مشرق الايمان بذكر الله , وفيه مرآة صقلية يتؤاءى فيها صور كل ما يمرّ به, فأول ما يفعل الشيطان في الربض اكثار الدخان , فتسْوَدُّ حيطان الحصن, وتصدأ المرآة وكمال الفكر يردُّ الدخان, وصقل الذكر يجلو المرآة , وللعدو حملات, فتارة يحمل فيدخل الحصن, فيكرُّ عليه الحارس فيخرج, وربما دخل فعاث (افسد) , وربما أقام لغفلة الحارس, وربما ركدت الريح الطاردة للدخان, فتسْوَدُّ حيطان الحصن وتصدأ المرآة, فيمرُّ الشيطان ولا يدري به, وربما جرح الحارس لغفلته وأسر واستخدم وأقيم يستنبط الحبل في موافقة الهوى ومساعدته, وربما صار كالفقيه في الشر.




        وقيل للحسن البصري رحمه الله: أينامُ ابليس؟ فقال: لو نام لوجدنا راحة




        انّ الشيطان يدخل على الناس بقدر ما يمكنوه, ويزداد تمكن الشيطان من الناس عندما تقل يقظتهم وتكثر غفلتهم وجهلهم وعلمهم, وقد قال أحد السلف رحمه الله: رأيت الشيطان فقال لي: قد كنت ألقى الناس فأُعَلِّمَهَم, فصرت ألثاهم فأتعلّمُ منهم..




        وهذا القول الى حد ما صحيح, فهناك بعض من الناس هم بالأساس شياطين, أطلق عليهم القرآن الكريم شياطين الانس اسما, والنبي صلى الله عليه وسلم أمر أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أن يتعوذ من شياطين الانس والجن, ولما سأله رضي الله عنه : أوّ للانس شياطيبن يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام:
        نعم وهم أخطر من شياطين الجن..
        أو كما قال عليه الصلاة والسلام.





        ولو أني سأوردُ لكم وقائع من أعمال شياطين الانس لانتهى بنا العمر ولا زال هناك بقيةً منهم, وكما قال ابليس لعنة الله عليه: كنت أعلم الناس الشر فصرت أتعلم منهم.




        ورحم الله الحسن بن صالح حيث قال: انّ الشيطان ليفتحُ للعبدِ تسعة وتسعين باباً من أبواب الخير, يريد به بابا من الشر




        وهذا معناه أنذ الشيطان قد يدلك على 99 بابا للخير ويفتحهم لك بنفسه في سبيل أن يظفر منك ببابٍ واحدٍ قد يكون فيه هلاكك.




        وهنا تأخذني قدمايّ الى بابٍ مفتوح على مصراعيه وقد كتب على بابه: أهل السنة, وأهل السنة أو متتبعي السنة متحررين من أهل البدع والأهواء والأباطيل الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان, ذلك ان السني قوي بقوة الله عزوجل, ذلك أنه يستمد قوته من قدرته تبارك وتعالى , لأجل ذلك نجد أنّ الشياطين تحوم حومتها حول أهل السنن, لذا فقد غدا الكثير من السنن في عصرنا هذا مهجورا الى حد الترك الكلي, وفي ذلك يروي لنا شعيب بن الأعمش رحمه الله فعل الشياطين بمتتبعي السنة النبوية فيقول:




        حدثنا رجل كان يكلم الجن, فقالوا له:
        ليس علينا أشدُّ ممّن يتبّعُ السنة, وأما أصحاب الأهواء فانا نلعبُ بهم لعباً.





        فترقبوا ان شاء الجزء الثاني : كيف يلعب ابليس بأهل الأهواء مع




        مداخل ابليس على أصحاب العقائد والديانات والملل المختلفة

        تعليق


        • #5
          رد: مداخل الشيطان على الانسان

          الجزء الثالث:


          مداخل ابليس على أصحاب العقائد والديانات والملل المختلفة




          الفصل أو الفرع الأول: المجوس (عبدة النار والشمس والقمر)



          المجوس هي جماعة حسّن لها ابليس عبادة النار, من منطلق أنها الجوهر الذي لا يستغني العالَم عنه, وانشق منهم جماعة زيّن لهم الشيطان عبادة الشمس والقمر.



          وقد أغواهم الشيطان اغواءة عظيمة بأن عبدوا البقر , لدرجة أنهم كانوا يغسلون وجوههم ببول البقر تبركا, وكلما كان البول عتيقا كلما ازدادت بركته, وكانوا يستحلون فروج أمهاتهم من منطلق أنّ الابن أولى بتسكين شهوة أمه بعد موت أبيه, واذا أرادت الحائض أن تغتسل , دفعت دينارا الى أحدهم يحملها الى بيت النار, ويقيمها على أربع ويقوم بتطهير فرجها بسبابته, وأجازوا للرجل أن يتزوج من النساء ما يحلو له منهنّ دون قيد بالعدد.


          ومن أقوالهم لعنة الله عليهم: أنّ الارض لا نهاية لها, وأن السماء انما جلد من جلود الشياطين, والرعد انما هو حركة خرخرة العفاريت المحبوسة في الافلاك, وأنّ الجبال من عظامهم, والبحر من أبوالهم ودماءهم, ومن أطرف اغواء الشيطان لهم ما اغوى به طائفة الثنوية, حيث اعتقدوا أنّ الكون يحكمه الهين, اله الخير لا يأت بشر أبدا, واله الشر لا يأت بخير أبدا, فسبحان الله عما يصفون ويشركون ويلحدون, ولعنهم الله في الدنيا والآخرة.




          وقد قيل أنّ أول من عبد النار هو قابيل بن آدم عليه السلام, وعن هذا فقد ذكر الطبري رحمه الله في تفسيره: أنه لما قتل قابيل هابيل وهرب من أبيه آدم عليه السلام الى اليمن أتاه ابليس فقال له: انّ هابيل انما قبل قربانه وأكلته النار لأنه كان يخدم النار ويعبدها, فانصب أنت نارا تكون لك ولعقبك, فبنى قابيل بيت نار , فهو أول من نصب النار وعبدها.


          ومن بعد قابيل فقد وسوس ابليس لخلق كثير في صرفهم عن عبادة الله عزوجل من خلال تحسينه لأقوام كثر من بعد قابيل عبادة الشمس والقمر ولآخرين عبادة الكواكب ومنها النجوم وغيرها من الضلالات التي ما أنزول الله بها من سلطان.




          الفرع الثاني: طائفة السوفسطائية


          ومن أهل البدع والأهواء تعالوا بنا نستعرض بعضا من هذه الطوائف المنحرفة الضالة والمضلة وأبدؤها بطائفة قلّ من الناس مَنْ سمع عنها, انها طائفة السوفسطائية.


          والسوفسطائية طائفة منحرفة تنتسب الى رجل يدعى سوفسطا, وهم ينقسمون الى ثلاثة ملل: ملة العنادية وهذه الملة تنكر حقائق الأشياء وجوهرها, وملة اللارادية وهذه الملة تنكر العلم بثبوت الشيء لا بعدم ثبوته, وملة العندية وهؤلاء يعتقدون أن الحقائق تابعة للاعتقادات.


          وهذه الاعتقادات كلها باطلة, وقد ورد في كتاب الاراء والديانات للحسن بن موسى رحمه الله حيث قال: رأيت المتكلمين قد غلطوا في أمر هؤلاء غلطاً بيناً, لآنهم ناظروهم وجادلوهم دون أن يثبتوا حقيقة أو يقروا بمساهدة,, اذ كيف تُكلم مَن يرتاب بحقيقة ماثلة أمام عينيه فيقول: لا أدري أيكلمني فلان أم لا وهو لا زالَ يُحدثه؟ وكيف تُناظر مَن يزعُم أنه لا يدري عن نفسه ان كان موجودا أم معدوما ؟ وكيف تُخاطب مَن يدّعي أنَّ المخاطبة بمنزلة السكوت في الابانة وأنذ الصحيح بمنزلة الفاسد؟


          وبدع هؤلاء أنهم مصابون بوسواس ناتج عن انحراف في أمزجتهم, وما مثلنا ومثلهم الا ولدٍ قال لأبوه أعطني درهما, فعندما أبى قال: يا عماه ! قل لأبي أن يُعطيني درهما؟ فتعجبت الأم وهي لا ترى عمّ ابنها الى جانب زوجها, وازداد تعجبها ولم تدرك الحقيقة الا عندما سمعت ردّ زوجها على ابنها بأن: خذ أخوك وانصرف من وجهي, فعلمت أن زوجها وابنها حولاء.


          وحُكيَ انّ رجلا من السوفسطائية كان يناظر بعض المتكلمين , فجاءه مرة فناظره, فأمر المتكلم بأن يأخذ دابة السوفسطائي, فلما خرج المكتكلم بالدابة لم يره السوفسطائي, فلما افتقدها صاح بأعلى صوته: لقد سرقوا دابتي.. فقال له المتكلم : ويحك! لعلك لم تأتِ راكباً؟ قال: كيف تقول مثل هذا؟ أنا لا أشك أبدا بأني قد جئت راكباً, فهذا أمر أتيقنه تماماً كما أني اراك امامي الان, لقد أتيت راكباً.. فقال له: اذاٍ كيف تدّعون أنه لا حقيقة لشيءٍ , وانّ حال اليقظان كحال النائم؟ فوجم السوفسطائي من اجابته التي كانت سببا في تراجعه عن مذهبه.




          الفرع الثالث: طائفة الدهرية


          اما طائفة الدهرية فهم الذين اجتالتهم الشياطين وجعلتهم يعتقدون أنه لا صانع لهذا الكون ولا خالقا له, وأنّ ما في الكون من مخلوقات وموجودات انما كانت بلا مُكَوِّن, وهؤلاء عندما لم يُدركوا الصانع بالحس ولم يستعملوا عقولهم فيه فقد جحدوه, وهل يشك ذو عقل وبصيرة في وجود صانع لهذا الكون؟ فاذا كان احدنا قد مرّ بقاعٍ ليس فيه بنيان, ثم عاد فرأى حائطا مبنيا لعلم أنه لا بدّ من صانع لهذا الحائط, فكيف بنا اذن أمام كون قائم وفيه من العجائب والصنائع ما فيه؟ فهذه الجبال المنصوبة, وهذه السماء المرفةعة بلا عمد, وهذه الأرض المستوية المسطوحة, وهذه الوديان والأنهار والبحار, أم يدل كل هذا على الخالق المبدع؟ أيعقل أن يكون كل ما في الكون قد خلق عبثا؟ انه الجنون بعينه من يعتقد اعتقادا كهذا, فهيكل علوي بهذه اللطافة , ومركز سفلي بهذه الكثافة أما يدلان على اللطيف الخبير؟


          انظر لنفسك أيها القدري الجاحدوتأملها مليا, تامل كيف خلقك الله في أحسن تقويم؟


          يا أيها الانسان ما غرّك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك


          أبعد كل هذا تشك وترتاب من وجود الخالق سبحانه وتعالى المبدع المصور الذي أبدع في تصويرك وأنت لا زلت نطفة في بطن أمك؟ ولكن للملحدين اعتراض على ما نقول, فويل لمن يلحد بأسماءه عزوجل, وتعالى الله عما يشركون الملك الحق لا اله الا هو العزيز الحكيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من طين.




          الفرع الرابع: طائفة الثنوية




          ومن المذاهب السخيفة الضالة والمضلة طائفة الثنويَّةِ فهم طائفة قالت: أن صانع العالم اثنان : ففاعل الخير نور, وفاعل الشر ظلمة, وهما قديمان لا يزالان قويين حساسين, سميعين بصيرين, الا أنهما يختلفان بالصوت والصورة, ومتضادان في الفعل والتدبير, فجوهر النور فاضل حسن, نيّر صافٍ, نقيٍّ طيّبَ الريح حسن المنظر, ونفسه نفسٌ خيّرة , كريمة وحكيمة نفاعة , منها الخير واللذة والسرور والصلاح, وليس فيها شيء من الضرر ولا من الشر.


          اما فاعل الشر فهو ظلمة فيه من الكدر والنقص ما فيه, وفيه من نتن الريح وقبح المنظر ما فيه , ونفسه نفسٌ شريرة بخيلة سفيهة, حقيرة وذميمة منتنة ضارة , منها الشر ومنها الفساد.


          وزعموا أنّ كل واحدٍ منهما له أجناس خمسة: أربعة منها أبدان والخامس هو الروح, وأبدان النور أربعة: النار والريح, والتراب والماء, وروحه الشبح.


          وأبدان الظلمة أربعة: الحريق والظلمة والسموم والضباب, وروحها الدخان, وأطلقوا على أبدان النور الملائكة, وعلى أبدان الظلمة الشياطين والعفاريت.




          الفرع الخامس: طائفة الديصانية




          ومن المذاهب السخيفة الضالة والمضلة: طائفة الديصانية , وهي طائفة تزعم أنّ طينة العالم أو طبيعته كانت طينة خشنة, وكانت تحاكي جسم الباري الذي هو النور زماناً, فتأذى بها, فلما طال عليه ذلك, قصد تنحيتها عنه , فتوحّل فيها واختلط بها فتركب منها هذا العالم النوري والظلمي, فما كان من جهة الصلاح فمن النور, وما كان من جهة الفساد فمن الظلمة, وهؤلاء يغتالون الناس ويخنقونهم ويزعمون انهم ينتقلون بذلك الى النور من الظلمة.


          تبا للزنادقة والملحدين في اعتقاداتهم التكفيرية الالحادية , كيف ينكرون قدرة الله العظيم في هذا الكون البديع, سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافيةو العليم المحيط بكل مخلوقاته علما, سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة العزيز المتعال, ليس كمثله شيء وهو السميع البصير, هو الأول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.


          وقد التف ابليس على أهل ملتنا التفافا حتى جعلهم ملحدين بقولون في الطبيعة أنها أوجدت نفسها, وقد التقيت أحدهم وحاولت أن أقنعه بأنّ للكون خالقا ومبدعا , ثم سألته ما اسمك؟ فقال: عبد الله.. اذن أنت عبدا لله, الاله المتفرد بالعبودية لا ربا سواه, أو لا زلت ترتاب بوجود الله؟ قال: أنا ولدت واسمي عبد الله, أبواي سموني عبد الله, وجلست معه زهاء الثلاث ساعات أناظره وما خلصت معه بنتيجة أبدا, فهو كالأنعام بل أضلُّ سبيلا


          انّ هؤلاء الفلاسفة والملاحدة قد دخلوا على أهل ملتنا من باب قوة ذكاءهم وفطنتهم, حتى جعلوهم يرون أن الصواب يكون بااتباع هؤلاء الفلاسفة الكفرة الملحدين , فقط لاعتقادهم بأنهم حكماء تصدر منهم أفعال وأقوال تدل على ذكاءهم الشديد, ومن الحكماء الضالين المضلين سقراط وأبقراط وأفلاطون وأرسطا طاليس وجالينوس, وهؤلاء كانت لهم علوم هندسية ومنطقية وطبيعية واستخرجوا بفطنتهم أموراً خفيّة , الا أنهم عندما تكلموا في الالهيات كفروا في معتقداتهم, وقد حكي لهؤلاء المتأخرين في أمتنا انّ اولئك الحكماء كانوا ينكرون الصانع ويدفعون الشرائع ويعتقدونها نواميس وحيلاً, فصدقوها فيما حُكيَ لهم عنهم, ورفضوا شعار الدين وأهملوا الصلوات , ولابسوا المحذورات, واستهانوا بحدود الشرع, وخلعوا ربقة الاسلام, ولا زال اليهود والنصارى أحسن حال منهم كونهم متمسكين بشرائع دلت عليها معجزات, ولعلّ المبتدعين بالدين أيضا أحسن حال منهم لأنهم يتركون النظر في الأدلة , بينما هؤلاء فكفرهم يستند على ايمانهم بانّ الفلاسفة حكماء, وقد غاب عن ذهنهنم أنّ الأنبياء كانوا حكماء وزيادة.





          الفرع السادس: طائفة أصحتب الهياكل


          وأما طائفة أصحاب الهياكل أو عبدة الكواكب فهي طائفة سفيهة ضالة ومضلة تدّعي أن الكواكب السبعة وهي: زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد واالقمر , هي المدبرة أمور وشئون هذا العالم من دون العزيز القهار الذي خلقهنّ, لأجل ذلك نجدهم وقد أقاموا لهم التماثيل ونصبوا لهم الأصنام , واعتبروهم الههم من دون الله عزوجل, ويقربون لكل لصنم من الكواكب السبعة ما يشبهه من الحيوان, فيقربون لصنم زحل حيوانا أعمى من الرصاص الخالص المفطور ولا يفعل خيرا قط ويتقربون اليه بالقول: أيها الاله الأعمى! قربنا لك ما يشبهك, فتقبل منا , واكفنا شرّك وشرّ أرواحك الخبيثة.


          ويقربون لصنم المشتري صبيا طفلا مفطورا على الخير لا يعرف الشر قط, يقتلونه ويتقربون اليه بالقول: أيها الاله الخيّر! قربنا اليك ما يشبهك فتقبّل قرباننا وارزقنا خيرك وخير ارواحك الخيرة.


          ويقربون لصنم المريخ رجلا أشقرا خبيثا منمشا ا, أي ذو شعر ابيض واسود, يصنعونه على شكل المريخ ويتقربون اليه بالقول: أيها الاله الشرير ذو الفتن والحوائج ! قربنا اليك ما يشبهك , فتقبل قرباننا واكفنا شرك وشر أرواحك الخبيثة الشريرة.


          ويقربون لصنم الشمس تلك المرأة التي قتلوا ولدها للمشتري ويتقربون اليها بالقول: أنت أيتها الآلهة النورانية! قربنا اليك ما يشبهك قربانا , فارزقينا من خيرك وأعيذينا من شرك.


          ويقربون لكوكب الزهرة عجوزا شمطاء ماجنة لا تبالي بالقبائح التي تفعلها, يقدمونها بين يدي الزهرة وينادون حولها: أيتها الآلهة الماجنة! أتيناك بقربان بياضه كبياضك, ومجونها كمجونك, فتقبليها منا, ثم يضرمون عليها النار, حتى اذا أصبحت رمادا حثوه في وجه الصنم.


          ويقربون لصنم عطارد شابا أسمرا متادبا ويتقربون اليه بالقول: أيها الرب الظريف! أتيناك بشخص ظريف, وبطبعك اهتدينا, فتقبّل منا , ثم ينشرون الشاب الى أربع قطع مربعة, أويحرقونها وينثرون رمادها في وجه الصنم.


          ويقربون لصنم القمر رجلا كبير الوجه ويتقربون اليه بالقول: يا بريد الآلهة وخفيف الاجرام العلوية.


          فقولوا : الحمد لله الحمد لله الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه على نعمة الاسلام وعبادة الواحد القهار الها واحدا لا شريك له هو الأول لا شيء قبله, والاخر لا شيء بعده, والظاهر والباطن لا شيء دونه, عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال, سبحانه وتعالى عما يشركون, ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.




          قصة عبادة الاصنام




          لو بحثنا عن كل ضالة ومضلة لوجدنا ابليس لعنة الله عليه يقف خلفها, ومن ضلالات ابليس للجهلة من الكثير من الناس كانت عبادة الاصنام, وأول من سنّ عبادة


          انّ عبادة الاصنام عبادة قديمة قِدَمَ الزمان, وكما قيل فانّ اول من عبد الاصنام كانوا قوم شيت بن آدم عليه السلام, فكان ابليس لعنة الله عليه قد زيّن لهم هذه العبادة تقربا الى الله عزوجل الخالق تبارك وتعالى , وهم بذلك لا ينكرون وجود الخالق تبارك وتعالى, ولا ينكرون أنه سبحانه وتعالى خالق كل شيء في هذا الكون, ولكنه الاشراك بالله عزوجل, وعندما قيل لهم: طالما تؤمنون بوجود الله عزوجل, اذن لم تعبدون هذه الأصنام؟ قالوا, قول الله تعالى في مستهل سورة الزمر: ما نعبدهم الا ليُقربونا الى اللهِ زُلفى




          وكي ندرك الى من تعود قصة الاصنام التي كانوا يعبدونها في ذلك الزمان, تعالوا بنا ننصت الى هشام بن محمد السائب الحلبي رحمه الله , وهو يحدثنا برواية رواها عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:.. فكان بنو شيت بن آدم عليهما الصلاة والسلام يأتون جسد آدم في المغارة فيعظمونه ويترحمون عليه, فقال رجل من بني قابيل: يا بني قابيل ! انّ لبني شيت دواراً يدورون حوله ويعظمونه, وليس لكم شيء, فنحت لهم صنماً فكان أول من عملها, قال: وأخبرني أبي أنه كان ود , وسواع ويغوث ويعوق ونسرا, قوما صالحين , فلماماتوا جزع أقاربهم عليهم, فقال رجل من بني قابيل: يا قوم! هل لكم أن أعمل لكم خمسة أصنام على صورهم , غير أنني لا أقدر أن أجعل فيها أرواحا؟ فقالوا: نعم , فنحت لهم خمسة أصنام على صورهم ونصبها لهم, فكان الرجل منهم يأتي أخاه وعمّه وابن عمه فيعظمه ويسعى حوله حتى ذهب ذلك القرن أو الجيل الأول, ثم جاء عهد أنوش بن شيت فعظموهم وهكذا حتى جاء عمرو بن لُحي وكان عمرو لن لحيي كاهناً ويكنى بأبو ثمامة وله أعوانٌ من الجن, وهو أول من أدخل عبادة الاصنام الى تهامة في جزيرة العرب, فأجابه عوف بن عذرة فدفع اليه ودا فحمله الى وادي القرى بدومة الجندل وسمى ابنه عبد ود نسبة له, وهو أول من سمى بهذا الاسم, فلم يزل قومه يتوارثون عبادة الاصنام حتى جاء الله عزوجل بالاسلام.


          وفي ذلك يروي ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفعت لي النار فرأيت عمرو بن لُحَيّْ قصيراً أحمر أزرق يجرُّ قصبة في النار.. قلت: من هذا ؟ قيل: هذا عمرو بن لحي, أول من بحّرَ البحيرة, ووصل الوصيلة, وسيّب السائبة, وحمى الحمام, وغيّر دين اسماعيل , ودعا العرب الى عبادة الأوثان.


          ثم بعد ذلك عبد العرب الهة أسموها مُناة وكانت لقبائل هذيل وخزاعة, وكانت منصوبة على البحر الاحمر بمنطقة تدعى قديد بين مكة والمدينة, حتى أنّ جميع العرب عظمت هذه الالهة من بينهم الأوس والخزرج, ولما جاء الله بالاسلام أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فهدمها يوم فتح مكة.


          ثم اتخذ العرب اللات وهي أحدث من مناة, وهي عبارة عن صخرة مرتفعة , وكانت سدنتها من ثقيف, وكانت قريش وجميع العرب تعظم اللات, لدرجة أنهم أطلقوا اسمها على ابناءهم فصاروا يسمون زيد اللات, وتيم اللات, وكانت في موضع منارة مسجد الطائف , ولما جاء الله عزوجل بالاسلام أرسل النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه الى الطائف فهدمها وأضرم فيها النار.


          ثم اتخت العرب العُزّى, وهي أحدث من الآلهة, وقد اتخذها ظالم بن أسعد في بوادي نخلة الشامية, وبنوا عليها بيتاً وكانوا يسمعون منه الصوت.


          فعن هشام الحلبي رحمه الله برواية ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت العُزّى شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة, فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال: ائت بطن نخلة فانك تجد ثلاث سمرات, فاعتضد الاولى, فأتاها خالد رضي الله عنه فعضدها, فلما جاء رضي الله عنه اليه صلى الله عليه وسلم قال: هل رأيت شيئا؟ فقال رضي الله عنه: لا.. فقال عليه الصلاة والسلام: فاعضدد الثانية , فأتاها رضي الله عنه فعضدها, ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل رأيت شيئا؟ فقال رضي الله عنه: لا.. فقال عليه الصلاة والسلام: فاعضض الثالثة , فاتاها رضي الله عنه فاذا هو بجنيّة نافشة شعرها, واضعة يديها على عاتقها, تصرّ بأسنانها, وخلفها ديبة السلمى, وكان سادنها, فقال خالد رضي الله عنه:


          يا عزّ كفرانك لا سبحانك...اني رأيت الله قد أهانك


          ثم ضربها ففلق رأسها فاذا هي حُمَمَة, ثم عضد الشجرة وقتل ديبة السادن, ثم أتى خالد رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال عليه الصلاة والسلام: تلك العزى ولا عزى بعدها للعرب.


          ثم عبدت العرب هُبل, وهذا الصنم كان في جوف الكعبة وكان مصنوعا من عقيق أحمر على صورة انسان مكسورة يده اليمنى , وعندما أدركته قريشا جعلت له يداً من ذهب , وكان أول من نصبه في جوف الكعبة خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر, وجعل أمامه سبعة أقداح مكتوب في أحدها صريح وفي الاخر ملصقو فاذاارتابوا في مولود ما أهدوا له هدية ثم ضربوا بالقدح, فان خرج صريح ألحقوه, وان خرج ملصقا دفعوه, وكانوا اذا اختصموا في أمر ما أو أرادوا سفرا أو عملا أتوه فاستقسموا بالأقداح عنده, وهو الذي قال له أبو سفيان رضي الله عنه يوم أحد قبل أن يمنّ الله عليه بنعمى الاسلام: أعل هُبل! أي أعلي دينك.فقال يومها رسول الله صلى اله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم: ألا تجيبونه؟ قالوا: وما نقول؟ قال عليه الصلاة والسلام: قولوا الله أعلى وأجلَّ.


          ثم عبدت العرب أساف ونائلة, فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنّ أساف رجل من جرهم يقال له أساف بن يعلى ونائلة بنت زيد من جرهم, وكان يتعشقها في أرض اليمن, فأقبلا حجاجاً فدخلا البيت, فوجدا غفلة من الناس, وخلوة من البيت, ففجر بها في البيت فمُسخا , فأصبحوا وجدوهما ممسوخين, فأخرجوهما فوضعوهما موضعهما, فعبدته خزاعة وقريش, ومن حجّ البيت بعد من العرب.


          وقد قيل أنهما قد مسخا الى حجرين وقد وضعا عند البيت ليقظ بهما الناس, فلما عبدت الاصنام عبدا معها, وكان أحدهما ملصقا بالكعبة والآخر مكان زمزم, ثم نقلت قريش الذي كان ملصقا بالكعبة الى جوارالآخر, وباتوا ينحرون ويذبحون لهما.


          وكانت لقبيلة دوس (القبيلة التي منها أبو هريرة رضي الله عنه) صنم يقال له ذو الكفين , فلما أسلمت القبيلة بعث النبي صلى الله عليه وسلم الطفيل بن عمرو رضي الله عنه فحرقه.


          وكانت لقبيلة بني الحارث بن يشكر صنما يقال له ذو الثرى, وكان لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان صنم في مشارف الشام يقال له: الأُقيصر.


          وكانت لقبيلة مزينة صنم يقال له: فهم, ونسبة اليه كانت تسمى عبد فهم.


          وكانت لقبيلة عنزة صنم يقال له سعير.


          وكانت لقبيلة طيء (التي اليها ينتسب أكرم العرب حاتم الطائي) صنم يقال له الفلس


          وهكذا فقد كان لأهل كل واد في مكة صنم في بيته يعبدونه, فاذا أراد أحدهم السفر كانوا آخر شيء يفعلونه قبل مغادرة البيت التمسح بالصنم, وأول شيء يفعلونه عند دخولهم البيت قادمين من السفر التمسح به, ومن لم يكن له صنم ولا بيت, كان ينصب حجرا ثم يطوف به وسموها الآنصاب.


          ولما منّ الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والانصار وفتحوا مكة , كان أول شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم أن دخل الكعبة المشرفة وأخذ يطعن بطرفي قوسه في عيونها ووجوهها مردا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: جاء الحق وزهق الباطل انّ الباطل كان زَهوقاً


          ثم أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بها فكفئت على وجوهها ثم أخرجت من الكعبة وأحرقت.




          عبادة النجوم


          ويتابع ابليس غوايته لبني آدم الجهلة الذين لم يسخروا عقولهم وتفكيرهم في تدبير ما يفعلون, لأجل ذلك فقد وجد ابليس ضالته عند أقوام كثيرة وسوس لها فاستابت له, فوسوس لأقوام بعبادة القمر ولأقوام آخرين بعبادة النجوم, ولآخرين بعبدة البقر والخيل ولآخرين بعبادة الملائكة وهكذا.


          وقال ابن قتيبة رحمه الله: كان قوم في الجاهلية قد عبدوا الشعرى وفتنوا بها, وكان أبو كبشة أول من عبدها, وقد خالف مشركي قريش في عبادتهم, فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ودعا الى عبادة الله الواحد القهار الها واحدا لا شريك له, وترك كل ما يُعبدُ من دون الله قالوا: هذا ابن أبي كبشة, أي شبهه ومثيله في خلافه صلى الله عليه وسلم لهم على اعتبار أنّ أبي كبشة عابد الشعرى كان أول من خالف عبادتهم للأوثان, تماما كما قالت بتو اسرائيل لمريم عليها السلام: يا أخت هارون, أي يا شبيهة هارون في الصلاح والتقوى.


          وزيّن ابليس لعنة الله عليه لآخرين عبادة الملائكة عليهم السلام, وقالوا عنهم أنهم بنات الله عزوجل وجل, تعالى الله عن هذا علوا كبيرا, وقد ورد هذا في قوله تعالى:


          وزيّن ابليس لآخرين عبادة الخيل والبقر, وكان السامري من قوم يعبدون البقر, وهذا فقد صاغ لهم عجلا, وجاء في بعض الكتب أنّ فرعون كان يعبد تيساً


          الجاهلية وعبادة الأوثان


          يقول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة 170: واذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله, قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباؤنا, أولوا كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون


          ولعلّ أقبح وسوسة يوسوس بها ابليس لبني آدم الجهلة تقليد الآباء في كل شيء وعلى رأسها طقوس العبادة من غير نظر ولا تفكير كما في قوله تعالى الكريم.


          اقسمت الجاهلية في عبادتها لأقسام عدة: منها ما سلك طريق الدهرية الذين انكروا وجود خالق لهذا الكون وأنكروا البعث بعد الموت وفيهم قال الله تعالى في سورة الجاثية 24: ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيي وما يُهلكُنا الا الدهر,


          ومنهم من أقروا وجود الله سبحانه وتعالى ولكنهم عبدوا معه عزوجل الأوثان, فجحدوا الرسل وأنكروا البعث وهؤلاء هم المشركون.


          ومال قوم آخرون الى عبادة الملائكة فزعموا أنها بنات الله عزوجل تعالى الله عما يصفون.


          وما آخرون الى مذهب اليهود ومذهب المجوس.

          تعليق


          • #6
            رد: مداخل الشيطان على الانسان

            الجاهلية وعبادة الأوثان


            يقول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة 170: واذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله, قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباؤنا, أولوا كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون


            ولعلّ أقبح وسوسة يوسوس بها ابليس لبني آدم الجهلة تقليد الآباء في كل شيء وعلى رأسها طقوس العبادة من غير نظر ولا تفكير كما في قوله تعالى الكريم.


            اقسمت الجاهلية في عبادتها لأقسام عدة: منها ما سلك طريق الدهرية الذين انكروا وجود خالق لهذا الكون وأنكروا البعث بعد الموت وفيهم قال الله تعالى في سورة الجاثية 24: ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيي وما يُهلكُنا الا الدهر,


            ومنهم من أقروا وجود الله سبحانه وتعالى ولكنهم عبدوا معه عزوجل الأوثان, فجحدوا الرسل وأنكروا البعث وهؤلاء هم المشركون.


            ومال قوم آخرون الى عبادة الملائكة فزعموا أنها بنات الله عزوجل تعالى الله عما يصفون.


            وما آخرون الى مذهب اليهود ومذهب المجوس.


            وكان ممّن يُقرُّ بالخالق تبارك وتعالى وأنّ لكل حياة بداية ونهاية, وثواب وعقاب عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم, وكان عبد المطلب كلما رأى ظالما لم تصبه عقوبة أبدا وكان يقول: تالله انّ وراء هذه الدار لدار يجزى فيها المحسن والمسيء.


            وأيضا كان هناك ممن يوافق عبد المطلب في اعتقاده هذا كل من:


            زيد بن عمرو بن نفيل, وقس بن ساعدة, وعامر بن الظرب, وزيد الفوارس بن حصن , وزهير بن أبي سلمى حيث كان يقول:


            يُؤخِرُ فيُوضعُ في كتابٍ فيُدَّخرُ....ليوم ِ الحسابِ أو يُعجِّلُ فينتقمُ


            وقد أسلم فيما بعد.


            ومنهم أيضا القلمس بن أمية الكناني , حتى أنه ذات يوم كان يخطب بفناء الكعبة وكانت العرب لا تغادر الكعبة حتى تسمع موعظته ووصاياه لهم, فقال يوما: يا معشر العرب1 أطيعوني ترشدوا.. قالوا: وماذاك؟ قال: انكم تفردتم بآلهة شتى , واني لأعلم ما الله بكل هذا, وأن الله ربّ هذه الالهة, وانه ليُحبُّ أن يُعبدَ وحده.


            وما سمعت العرب ذلك حتى تفرقت عنه وعن سماع مواعظه.


            وأكثر هؤلاء ركنوا الى الشرك الا قليلا منهم تمسكوا بالتوحيد ورفض عبادة الاصنام من هؤلاء: قس بن ساعدة, وزيد بن عمر بن نفيل.


            ولا زالت الجاهلية تبتدع وتبتدع البدع الكثيرة ومنها النسيء: وهو تحريم الشهر الحرام وتحليل الشهر الحرام, حيث كانت العرب في الجاهلية تحرمه عاما وتحلله عاما آخر, وكانت قد تمسكت بدين ابراهيم عليه السلام بتحريم الأشهر الاربعة, فاذا احتاجوا الى تحليل شهر الله المحرم لأجل شن الحرب, نجدهم أخروا تحريمه الى صفر ومن صفغر الى ما يليه وهكذا حتى تتدافع السنة كلها, واذا حجوا قالوا: لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك, تملكه وما ملك.


            ومن البدع التي ابتدعوها في الجاهلية: توريث الذكر دون الأنثى, ومنها توريث زوجة الميت لأقرب الناس اليه, فكان اذا مات أحدهم ورث نكاح زوجته أقرب الناس اليه, ومنها البحيرة وهي الناقة التي تلد خمس أبطن فان جاء الخامس أنثى شقوا اذنها وحرّم أكلها على النساء, والسائبة من الانعام كانوا يسيبونها أي يتركوها هكذا معلقة, فلا يركبون لها ظهرا ولا يحلبون لها لبنا, والوصيلة: وهي الشاة التي تلد سبعة ابطن , وأيا كان السابع ذكرا أو انثى حرّموا ذبحها بقولهم: هذه وصلت أخاها فلا تذبح, وتكون منافعها للرجال دون النساء , فاذا ماتت اشترك فيها (انتفع منها) الرجال والنساء.


            وهناك الحام, وهو الفحل الذي ينتج من ظهره عشرة أبطن, فاذا كان كذلك قالوا: قد حمى ظهره, فيسيبونه ويتركونه لأصنامهم ولا يستخدمونه في شيء ولا يحملون عليه شيئا, واذا سئلوا عن فعلهم هذا كانوا يفترون على الله الكذب ويقولون: ان الله عزوجل أمرنا بهذا, فجاء القرآن الكريم ليكذب ادعاءهم كما في قوله تعالى في مستهل سورة المائدة:


            ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام , ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب


            فردّ الله عزوجل عليهم فيما حرموه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام, وفيما أحلوه بقولهم قوله تعالى قي سورة الانعام 139: خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا,


            قل آالذكرين حرّمَ أمْ الأنثثين


            والمعنى هنا ان كان الله تعالى قد حرّم الذكرين, فتكون كل الذكور حرام, وان كان الله عزوجل قد حرم الانثيين, فتكون كل الاناث محرمة, وان كان الله تعالى قد حرّم ما اشتملت عليه أرحام الانثيين, فهذا يعني أنّ التحريم يشمل الذكور والاناث على حد سواء, فيكون كل مولود منها حراما


            ثم زيّن لهم ابليس أبناءهم وبناتهم, وباتوا يقتلون البنات ويطعمونها لكلابهم, ومن أفرى الفري على الله عزوجل أنهم قالوا: لولا أنّ الله يريد لنا هذا الاشراك لمنعنا عنه, ولحال بيننا وبينه, فعلقوا اشراكهم بالمشيئة وتركوا الأمر والعمل بهذه المشيئة التي تعم الكائنات كلها




            جاحدي النبوات والرسالات السماوية



            الفرع السابع:


            الهندوس والسيخ والبراهمة



            وقد عبدت هاتين الطائفتين النار والبقر: فالهندوس عبدوا النار, والسيخ عبدوا البقر.


            وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه تلبس ابليس أنّ ابليس قد زيّن لهم جحد النبوات ليسد طريق ما يصل من الاله, وقد اختلف أهل الهند, فمنهم دهرية ومنهم ثنوية, ومنهم على مذهب البراهمةو ومنهم من يعتقد نبوة آدم وابراهميم عليهما الصلاة والسلام فقط, وقد حكى أبو محمد النويختي رحمه الله في كتاب الاراء والديانات أنّ قوما من الهند من البراهمة أثبتوا وجود الخالق والرسل والجنة والنار, وزعموا أنّ رسولهم ملك أتاهم في صورة البشر من غير كتاب له, , وأنّ له أربعة أيدي واثنتا عشر رأسا كلها رؤوس حيوانات, وأنه أمرهم بتعظيم النار, ونهاهم عن القتل والذبائح الا ما كان للنار, ونهاهم عن الكذب وشرب الخمر وأباح لهم الزنا وعبادة البقر, ومن ارتد منهم ورجع حلقوا رأسه ولحيته وحاجبيه ورموشه, ثم يذهب فيسجد للبقر.


            فالبراهمة قبيلة هندية قديمة وفيها أشراف الهند قبيلة بالهند فيهم أشراف أهل الهند , ويقولون أنهم من ولد برهمي ملك من ملوكهم قديم ولهم علامة ينفردون بها وهي خيوط ملونة بحمرة وصفرة يتقلدونها تقلد السيوف , وقد أنكروا النبوات وتفرقوا أصنافا فمنهم أصحاب البددة , ومنهم أصحاب الفكرة ومنهم أصحاب التناسخ, وهذه الطائفة كما ذكر ابن الجوزي رحمه اللهفي كتابه تلبس ابليس قدألقي عليها ابليس ست شبهات:


            الأولى: أنهم انكروا الأنبياء والرسل, وقالوا فيهم قوله تعالى: ما هذا الا بشر مثلكم, فأنكروا امداد الله عزوجل بعض الناس برسائل ومصالح ووصايا يصلح بها العالم ويحسّن أخلاقهم ويقيم بها سياستهم, وقد أشار الله سبحانه وتعالى الى ذلك بقوله في مستهل سورة يونس:


            أكان الناس عجباً أن أوحينا الى رجلٍ منهم أن أنذر الناس


            والجواب على هذه الشبهة: أنهم لو ناطقوا العقول لأجازت اختيار شخص بشخص لخصائص يعلو بها جنسه, فيصلح بتلك الخصائص لتلقف الوحي, اذ ليس أحد يصلح لذلك وقد علم الكل أن الله سبحانه وتعالى ركّب الامزجة متفاوتة وأخرج الى الوجود أدوية تقاوم ما يعرض من الفساد البدني, فاذا كان الله تعالى قد أمدّ النبات والأحجار بخواص لاصلاح ابدان خلقت للفناء في الدنيا والبقاء في الاخرة لم يعجزه الله عزوجل ان يخصّ شخصا من خلقه بالحكمة البالغة والدعاية اليه اصلاحا لمن يفسد العالم بسوء الاخلاق والافعال, ومعلوم أن المخالفين لا يستنكرون أن يختص أقوام بالحكمة ليسكنوا فورات الطباع الشريرة بالموعظة, فكيف ينكرون امداد الباري سبحانه بعض الناس برسائل ومصالح ووصايا يصلح بها العالم ويحسّن أخلاقهم ويقيم بها سياستهم, وقد أشار الله سبحانه وتعالى الى ذلك بقوله في مستهل سورة يونس:


            أكان الناس عجباً أن أوحينا الى رجلٍ منهم أن أنذر الناس




            الثانية: أنهم قالوا هلا أرسل الله ملكا من الملائكة , فانها اليه أقرب ومن الشك فيهم أبعد, وقد نزل قوله تعالى في سورة الفرقان:


            وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا


            وان كانت هذه الآية نزلت في كفار قريش , فهي تنطبق عليهم في معتقدهم.


            والجواب على هذه الشبهة: أنه ليس في قوى البشر رؤية الملَك, وانما الله تعالى يقوي الانبياء بما يرزقهم من ادراك الملائكة , ولهذا قال الله جلّ وعلا في سورة الانعام 9: ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا, اي لينظروا اليه ويأنسوا به ويفهموا عنه, ثم قال عزوجل: وللبسنا عليهم ما كانوا يلبسون, أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكوا فلا يدرون أملَكٌ هو أم آدمي.


            الثالثة: أنهم قالوا: نرى ما تدّعيه الأنبياء من علم الغيب والمعجزات, وما يلقى اليهم من الوحي يُظهر جنسه على الكهنة والسحرة, فلم يبق لنا دليل نفرق به بين الصحيح والفاسد.


            والجواب على هذه الشبهة: ان الله تبارك وتعالى بيّن الحجج ثمّ بثّ الشبهة وكلّف العقول الفرق, فلا يقدر ساحر أن يُحْيي ميتا, ولا أن يُخرج من عصا حيا, وأما الكاهن فقد يُصيبُ ويُخطىءُ بخلاف النبوة التي لا خطأ فيها بوجه.


            الرابعة: قالوا: لا يخلو ما أن تجىء به الأنبياء بما يوافق العقل, أو بما يخالفه, فان جاؤوا بما يخالفه لم يقبل, وان جاؤوا بما يوافقه فالعقل يغني عنه.


            والجواب على هذه الشبهة: قد ثبت أنّ كثيراً من النس يعجزون عن سياسات الدنيا حتى يحتاجون الى متمم , كلحكماء والسلاطين, اذا كان الأمر كذلك عند بني البشر فكيف بأمور الالهية؟


            الخامسة:قالوا قد جاءت الشرائع بأشياء ينفر منها العقل, فكيف يجوز أن تكون صحيحة من ذلك ايلام الحيوان؟


            والجواب على هذه الشبهة: أنّ العقل ينكر ايلام الحيوان بعضه لبعض, وان حكم الخالق عزوجل بالايلام لم يبق للعقل اعتراض, وبيان ذلك: انّ العقل قد استوعب حكمة الخالق عزوجل, ولأنّ هذا أمر مسلم به, فقد اوجبت عليه هذه المعرفة التسليم لما خفي عنه.


            ولقد خلق الله عزوجل الاحيوان البهيم للحيوان الكريم, فلو لم يذبح لكثر وضاق به المرعى ولمات فيتأذى من جيفته الحيوان الكريم, واما ألم الذبح فانه يُستر, ومن رحمة الله عزوجل بخلقه أنه لم يُشعر الحيوان بألم الذبح, واذا قطعت الأوداج سريعا, فانّ ألم الجسم لا يصل الى محل الاحساس وهو أغشية الدماغ, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: اذا ذبح أحدكم فليُحدّ شفرته وليُرِحْ ذبيحته.


            السادسة: أنهم قالوا: ربما يكون اهل الشرائع قد ظفروا بخواص من حجارة وخشب.


            والجواب على هذه الشبهة: أنّ هذا كلام ينبغي أن يُستحى من ايراده, ذلك ان المعجزات الالهية ليست نوعا واحدا, بل هي بين صخرة خرجت منها ناقة, وعصا انقلبت حيّة , وحجر تفجر عيونا, وهذا القرآن الذي نزل, فالأسماع تدركه والأفكار تتدبره, والتحدي به على الدوام, ولم يقدر أحد على مداناة منه, فأين هذا والخاصة والسحر والشعوذة؟


            أفعال البراهمة الضالة والمضلة


            البراهمة كما سبق وقلنا أنهم أقوام من الهند قد حسّن لهم ابليس أن يتقربوا باحراق أنفسهم فيحفر للانسان منهم أخدوداً وتجتمع الناس , فيأتي مضمخاً بالخلوق والطيب, وتضرب المعزف زالطبول والصنوج ويقولون: طوبى لهذه النفس التي تذهب الى الجنة, ويقول هو: ليكن هذا القربان مقبولا ويكون ثوابه الجنة, ثم يُلقي نفسه في الاخدود, فيحترق, فاذا هرب نابذوه وتبرؤوا منه حتى يعود.


            ومنهم من يُحمى له الصخرفلا يزال يلزم صخرة صخرة حتى يثقب جوفه وتندلق أمعاءه فيموت.


            ومنهم من يقف قريبا من النار الى أن يسيل ودكه فيقط ميتا,


            ومنهم من يقطع من ساقه وفخذه قطعا ويلقيها الى النار والناس يزكونه ويمتدحونه ويسألون مثل مرتبته حتى يموت.


            ومنهم من يقف في اخثاء البقر الى ساقه ويشعل النار فيحترق.


            ومنهم من يعبد الماء من منطلق قوله تعالى: وخلقنا من الماء كل شيء حي, فيقول: الماء حياة كل شيء فيسجد له


            ومنهم من يجهز له أخدودا قريبا من الماء فيقع في الاخدود حتى اذا التهب قام فانغمس في الماء ثم رجع الى الاخدود حتى يموت, فان مات وهو بين الماء والاخدود حزن أهله وقالوا: حُرم الجنة, وان مات في أحدهما شهدوا له بالجنة.


            ومنهم من يُزهقُ نفسه بالجوع والعطش فغيضرب الطعام والشراب حتى يموت


            ومنهم من يهيم في الارض حتى يموت


            ومنهم من يغرق نفسه بالنهر


            ومنهم من يمتنع عن النساء ولا يواري العورة, فيصعد الى جبل شاهق تحته رجل بيده كتاب يقرأ فيه يقول: طوبى لمن ارتقى هذا الجبل ويعجُّ بطنه ويخرج أمعاءه بيده.


            ومنهم من يأخذ الصخور فيرضُّ بها جسده حتى يموت: والناس تقول: طوبى لك وعندهم تهران فيخرج أقوام من عبادهم يوم عيدهمو وهناك رجال فيأخذون ما على العباد من الثياب ويبطحونهم فيقطعونهم نصفين ثم يلقون كل نصف في نهر, وهم يزعمون أنهما يجريان في الجنة.


            ومنهم من يخرج الى براح ومعه جماعة يدعون له ويهنئونه بنيته, فاذا أضجر , جلس وجمع له سباع من كل جهة, فيتجرد من ثابه ثم يتمدد على الارض والناس ينظرون اليه كيف تأكله الطير, فاذا تفرقت الطير, تأتي جماعة فتجمع عظامه وتحرقها ليتركوا بها.


            ومنهخم من زعم أن الجنة اثنتان وثلاثون مرتبة, وأن النار اثنتان وثلاثون مرتبة.


            فسبحان من أعمى قلوبهم حتى قادهم ابليس هذا المقادم.






            تعليق


            • #7
              رد: مداخل الشيطان على الانسان

              وفي الختام نتعرف على مداخل ابليس على جميع الناس بطول الامل


              قال المصنف رحمه الله ( ابن الجوزي ) : كم قد خطر على قلب يهودي ونصراني حب الاسلامفلا يزال ابليس يثبطه ويقول له لا تعجل وتمهل في النظر فيسوّفه حتى يموت على كفره , وكذلك يسوّف العاصي بالتوبه فبجعل له غرضه من الشهوان ويمنيّه الإنابة كما قالالشاعر :
              لا تعجل الذنب لما تشتهي ****** وتأمل التوبة من قابل
              وكم من عازمعلى الجد سوفه , وكم ساع الى فضيلة ثبطه .
              فلربما عزم الفقيه على اعادة درسهفقال : استرح ساعة , او انتبه العابد في الليل يصلي فقال له عليك وقت , ولا يزاليحبب الكسل ويسوف العمل ويسند الامر الى طول الامل .
              فينبغي للحازم ان يعمل علىالحزم , والحزم تدارك الوقت وترك التسويف والاعراض عن الامل , فإن المخوف لا يؤمنوالفوات لا يبعث , وسبب كل تقصير في خير , او ميل الى شر طول الأمل و فإن الانسانلا يزال يحدث نفسه بالنزوع عن الشر والاقبال على الخير الا انه يعد نفسه بذلك , ولاريب انه من امل ان يمشي بالنهار سار سيرا فاترا , ومن امل ان يصبح عمل في الليل عملعملاً ضعيفاً , ومن صور الموت عاجلاً جدّ وقد قال عليه الصلاة والسلام : " صل صلاةمودع " .
              وقال بعض السلف : انذركم سوف , فإنها اكبر جنود ابليس .
              ومثل العاملعلى الحزم والساكن لطول الامل كمثل قوم في سفر فدخلوا في قرية فمضى الحازم فاشترىما يصلح لتمام سفره وجلس متأهباً للرحيل , وقال المفرط سأتأهب فربما اقمنا شهراً . فضرب بوق الرحيل في الحال فأغتبط المحترز واعتبط الآسف المفرط .
              فهذا مثل الناسفي الدنيا منهم المستعد المستيقظ , فإذا جاء ملك الموت لم يندم , ومنهم المغرورالمسوف يتجرع مرير الندم وقت الرحلة , فإذا كان الطبع حب التواني وطول الامل , ثمجاء ابليس يحث على العمل بمقتضى ما في الطبع صعبت المجاهدة , الا اذا انتبه لنفسهعلم انه في صف حرب وان عدوه لا يفتر عنه , فإن فتر في الظاهر ابطن له مكيدة واقامله كميناً .
              ونحن نسأل الله عز وجل السلامة من كيد العدو وفتن الشيطان وشرالنفوس والدنيا انه قريب مجيب . جعلنا الله من اوائك المؤمنين


              سبحان ربك ربّ العزةِ عمَّا يصفون * وسلامٌ على المرسلينَ * والحمدُ للهِ ربّ العالمين

              تعليق

              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
              حفظ-تلقائي
              x
              إدراج: مصغرة صغير متوسط كبير الحجم الكامل إزالة  
              x
              أو نوع الملف مسموح به: jpg, jpeg, png, gif
              x
              x
              يعمل...
              X