إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

"الداء والدواء"(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "الداء والدواء"(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    "الداء والدواء" (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)


    آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (17)
    الدَّاءُ والدَّوَاءُ
    الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

    تأليف
    الإِمَامِ أَبِي عَبْدُ اللهِ مُحَمَّد بنُ أبِي بَكْر بنُ أَيُّوب ابْنُ قَيِّم الجَوْزِيَّة
    (691– 751)

    حقَّقهُ
    محمد أجمل الإصلاحي

    خرَّج أحاديثه
    زائد بن أحمد النشيري

    إشراف
    بَكْر بنُ عَبْدُ اللهِ أبُو زَيْد



    ◄ هذا الكتاب المصور به خاصية البحث والنسخ واللصق ►


    نبذة مختصرة : الداء والدواء [ الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ] : هذا الكتاب من أنفع وأشمل ما صنف في باب التربية وتزكية النفس، وقد جمع فيه الإمام ابن القيم أدواء القلوب وأسبابها وأنجع الأدوية لها وسبل الوقاية منها، في أسلوب ممتع وعبارات جامعة، وقد جاء كتابه عامراً بنصوص الوصية وكلام أهل العلم من سلف هذه الأمة.
    وقد تحدث الكتاب عن آثار المعاصي على الفرد والمجتمع، وبين عقوباتها في الدنيا والآخرة، ثم تحدث عن أهمية الدعاء وعلاقته بالقدر، وأثره في رفع البلاء.
    وخصص الثلث الأخير من الكتاب للكلام على حقيقة التوحيد والشرك وأثر عشق الصور على توحيد الله تعالى، وأنه من أسباب الشرك بالله تعالى.
    - والكتاب عبارة عن إجابة على سؤال ورد لابن القيم نصه: « ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في رجل ابتُلي ببلية وعلم أنها إن استمرت به فسدت عليه دنياه وآخرته، وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق فما يزداد إلا توقدا وشدة، فما الحيلة في دفعها؟ وما الطريق إلى كشفها؟ فرحم الله من أعان مبتلى، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، أفتونا مأجورين رحمكم الله ».

    التحميل

    نسخة مصورة (PDF)
    نسخة مكتوبة (DOC)
    نسخة للشاملة (BOK)


    تابعوووونا
    ومعكم بإذن الله

    زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
    كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
    في
    :

    جباال من الحسنات في انتظارك






  • #2
    رد: "الداء والدواء"(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)



    ص -3- الجواب الكافي لابن قيم الجوزية
    بسم الله الرحمن الرحيم:
    سئل الشيخ الإمام العالم العلامة المتقن الحافظ الناقد شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الصالح أبي بكر عرف بابن قيم الجوزية رضي الله عنه ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في رجل ابتلى ببلية وعلم أنها إن استمرت به أفسدت دنياه وآخرته وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق فما يزداد إلا توقدا وشدة فما الحيلة في دفعها وما الطريق إلى كشفها فرحم الله من أعان مبتلى "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" أفتونا مأجورين رحمكم الله تعالى.
    فكتب الشيخ رضي الله عنه تحت السؤال الجواب الحمد لله أما بعد فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء"
    وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم" لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله".
    في مسند الإمام أحمد من حديث أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله





    ص -4- من جهله" وفي لفظ: "إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا قالوا: يا رسول الله ما هو قال: الهرم" قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
    وهذا يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء.
    فروى أبو داوود في سننه من حديث جابر ابن عبد الله قال: "خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأله أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك فقال: قتلوه قتلهم الله! إلا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه بخرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده" فأخبر أن الجهل داء وأن شفاءه السؤال وقد أخبر سبحانه عن القرآن أنه شفاء فقال الله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} وقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} و"من" هنا لبيان الجنس لا للتبعيض فإن القرآن كله شفاء كما قال في الآية الأخرى فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والريب فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أشجع في إزالة الداء من القرآن.
    وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: "انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب





    ص -5- فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال: بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا: أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم شيء فقال: بعضهم نعم والله إني لأرقى ولكن والله استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم: اقتسموا فقال الذي رقى لا نفعل حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر بما يأمرنا فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك فقال: وما يدريك إنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم اقتسموا واضربوا لى معكم سهما فقد أثر هذا الدواء في هذا الداء وأزاله حتى كأن لم يكن وهو أسهل دواء وأيسره ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرا عجيبا في الشفاء ومكثت بمكة مدة تعتريني أدواء ولا أجد طبيبا ولا دواء فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأري لها تأثيرا عجيبا فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألما وكان كثير منهم يبرأ سريعا.
    ولكن هاهنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن الأذكار والآيات أوالأدعية التي يستشفى بها ويرقابها هي في نفسها نافعة شافية ولكن تستدعى قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة

    زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
    كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
    في
    :

    جباال من الحسنات في انتظارك





    تعليق


    • #3
      رد: "الداء والدواء"(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)




      ص -6- لذلك الدواء وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول فكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام وكان للراقى نفس فعالة وهمة مؤثرة في إزالة الداء.
      وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ولكن قد يتخلف أثره عنه إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا وإما لحصول المانع من الاجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو وغلبتها عليها كما في صحيح الحاكم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدعو الله وأنتم موقنون بالاجابة"
      واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه فهذا دواؤنا نافع مزيل للداء ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيها الناس إن الله طيب لايقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه "أصاب بني إسرائيل بلاء فخرجوا





      ص -7- مخرجا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة وترفعون الي أكفا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بها بيوتكم من الحرام الآن حين اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني الابعدا" وقال ابو ذر: "يكفى من الدعاء البرأ ما يكفى الطعام من الملح"
      فصل:
      والدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلأ يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل وهو سلاح المؤمن كما روى الحاكم في صحيحه من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض"
      وله مع البلاء ثلاث مقامات:
      أحدها: أم يكون أقوي من البلاء فيدفعه
      الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا
      الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه
      وقد روي الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغنى حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة"
      وفيه أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء ينفع بما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء"
      وفيه أيضا من حديث ثوبان رضي الله عنه عن صلى الله عليه وسلم: "لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"



      ص -8- فصل:
      ومن أنفع الأدوية الالحاح فى الدعاء:
      وقد روى ابن ماجة في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه"
      وفي صحيح الحاكم من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "لاتعجزوا فى الدعاء فإنه لايهلك مع الدعاء أحد"
      وذكر الاوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب الملحين فى الدعاء"
      وفى كتاب الزهد للامام أحمد عن قتادة قال: قال مورق: "ما وجدت للمؤمن مثلا إلا رجل في البحر على خشبة فهو يدعو يا رب يا رب لعل الله عز وجل أن ينجيه"
      فصل:
      ومن الآفات التى تمنع ترتب أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد ويستبطي الاجابة فيستحسر ويدع الدعاء وهو بمنزلة من بذر بذرا أو غرس غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله.
      وفى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يستجاب لاحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي".
      وفي صحيح مسلم عنه: "لايزال يستجاب للعبد ما لم يدع بأثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل: يا رسول الله ما الاستعجال قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لى فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء"



      ص -9- وفي مسند أحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل قالوا: يا رسول الله كيف يستعجل قال: يقول قد دعوت لربي فلم يستجيب لي"
      فصل:
      وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة وهي الثلث الأخير من الليل وعند الأذان وبين الأذان والإقامة وأدبار الصلوات المكتوبات وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم وآخر ساعة من بعد العصر وصادف خشوعا في القلب وانكسارا بين يدي الرب وذلاله وتضرعا ورقة واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده صلى الله عليه وسلم ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ثم دخل على الله وألح عليه في المسألة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وقدم بين يدي دعائه صدقة فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للاسم الأعظم.
      فمنها ما في السنن وفي صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: "اللهم إني أسالك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن كفوا أحد فقال: لقد سأل الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعي به أجاب" وفي لفظ "لقد سألت الله باسمه الاعظم"
      وفي السنن وصحيح ابن حبان أيضا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أنه كان


      زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
      كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
      في
      :

      جباال من الحسنات في انتظارك





      تعليق


      • #4
        رد: "الداء والدواء"(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)




        ص -10- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلى ثم دعا فقال: اللهم إني أسالك بأن لك الحمد لا إله أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"
        وأخرج الحديثين الإمام أحمد في مسنده
        وفى جامع الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وفاتحة آل عمران {آلم اللَّهُ لا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
        في مسند الإمام أحمد وصحيح الحاكم من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك وربيعة بن عامر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام" يعنى تعلقوا بها وألزموها وداوموا عليها.
        وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء وإذا اجتهد في الدعاء قال: يا حي يا قيوم".
        وفيه أيضا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث".
        وفى صحيح الحاكم من حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اسم الله الأعظم في ثلاث سور من القرآن البقرة وآل عمران وطه" قال القاسم: فالتمستها فإذا هي آية {الْحَيُّ الْقَيُّومُ}.
        وفي جامع الترمذي وصحيح الحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت"{أَنْ





        ص -11- لا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} إنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له قال الترمذي: حديث صحيح.
        وفى مستدرك الحاكم أيضا من حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم أمر مهم فدعا به يفرج الله عنه؟ دعاء ذي النون"
        وفي صحيحه أيضا عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "هل أدلكم على اسم الله الأعظم؟ دعاء يونس فقال رجل: يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة؟ فقال: إلا تسمع قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} فأيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد وإن بريء بريء مغفور له".
        وفي الصحيحين من حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض رب العرش الكريم".
        وفى مسند الإمام أحمد من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بي كرب أن أقول لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين"
        وفي مسنده أيضا من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك





        ص -12- أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا فقيل: يا رسول الله إلا نتعلمها؟ قال: بل ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها".
        وقال ابن مسعود: "ما كرب نبي من الأنبياء إلا استغاث بالتسبيح"
        وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجانين في الدعاء عن الحسن قال: "كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكني أبا معلق وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق وكان ناسكا ورعا فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له: ضع ما معك فاني قاتلك قال: فما تريد من دمي؟ فشأنك بالمال قال: أما المال فلي ولست أريد إلا دمك قال أما إذا أبيت فذرني أصلى أربع ركعات قال: صلى ما بدا لك فتوضأ ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في آخر سجوده أن قال: يا ودود يا ودود يا ذ العرش المجيد يا فعالا لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام وبملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني ثلاث مرات فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ثم أقبل إليه فقال: قم فقال: بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم فقال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله قال





        ص -13- الحسن: فمن توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب
        فصل:
        وكثيرا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله أو حسنة تقدمت منه جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته أو صادف الدعاء وقت إجابة ونحو ذلك فأجيبت دعوته فيظن الظان أن السر في لفظ ذلك الدعاء فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي وهذا كما إذا استعمل رجل دواء نافعا في الوقت الذي ينبغي استعماله على الوجه الذي ينبغي فانتفع به فظن غيره أن استعمال هذا الدواء بمجرده كاف في حصول المطلوب كان غالطا وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس.
        ومن هذا أنه قد يتفق دعاؤه باضطرار عند قبر فيجاب فيظن الجاهل أن السر للقبر ولم يعلم أن السر للاضطرار وصدق اللجاء إلى الله فإذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله كان أفضل وأحب إلى الله.
        فصل:
        والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح والسلاح بضاربه لا بحده فقط فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به والساعد ساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء أو كان ثمَََّ مانع من الإجابة لم يحصل الأثر.



        زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
        كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
        في
        :

        جباال من الحسنات في انتظارك





        تعليق


        • #5
          رد: "الداء والدواء"(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)




          ص -14- فصل:
          وهاهنا سؤال مشهور وهو أن المدعو به إن كان قد قدر لم يكن بد من وقوعه دعا به العبد أو لم يدع وإن لم يكن قد قدر لم يقع سواء سأله العبد أو لم يسأله.
          فظنت طائفة صحة هذا السؤال فتركت الدعاء وقالت: لا فائدة فيه وهؤلاء مع فرط جهلهم وضلالهم متناقضون فإن طرد مذهبهم يوجب تعطيل جميع الأسباب فيقال لأحدهم: إن كان الشبع والري قد قدرا لك فلا بد من وقوعهما أكلت أو لم تأكل وإن لم يقدرا لم يقعا أكلت أو لم تأكل وإن كان الولد قد قدر لك فلابد منه وطأت الزوجة أو الأمة أو لم تطأ وإن لم يقدر ذلك لم يكن فلا حاجة إلى التزويج والتسري وهلم جرا فهل يقال هذا عاقل أو آدمي بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الأسباب التي بها قوامه وحياته فالحيوانات أعقل وأفهم من هؤلاء الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا.
          وتكايس بعضهم وقال: الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحض يثيب الله عليه الداعي من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما ولا فرق عند هذا المتكيس بين الدعاء والإمساك عنه بالقلب واللسان في التأثير في حصول المطلوب وارتباط الدعاء عندهم به كارتباط السكوت ولا فرق.
          وقالت طائفة أخرى أكيس من هؤلاء بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله سبحانه وتعالى أمارة على قضاء الحاجة فمتى وفق العبد للدعاء كان ذلك علامة له وأمارة على أن حاجته قد انقضت وهذا كما إذا رأيت غيما أسود باردا في





          ص -15- زمن الشتاء فإن ذلك دليل وعلامة على أنه يمطر قالوا: وهكذا حكم الطاعات مع الثواب والكفر والمعاصي مع العقاب هي أمارات محضة لوقوع الثواب والعقاب لا أنها أسباب له وهكذا عندهم الكسر مع الانكسار والحرق مع الإحراق والإزهاق مع القتل ليس شيء من ذلك سببا ألبته ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه إلا مجرد الاقتران العادي لا التأثير السببي وخالفوا بذلك الحس والعقل والشرع والفطرة وسائر طوائف العقلاء بل أضحكوا عليهم العقلاء
          والصواب: أن هاهنا قسما ثالثا غير ما ذكره السائل وهو أن هذا المقدور قدر بأسباب ومن أسبابه الدعاء فلم يقدر مجردا عن سببه ولكن قدر سببه فمتى أتي العبد بالسبب وقع المقدور ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب وقدر الولد بالوطء وقدر حصول الزرع بالبذر وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال ودخول النار بالأعمال وهذا القسم هو الحق وهذا الذي حرمه السائل ولم يوفق له.
          وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال: لا فائدة في الدعاء كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب.
          ولما كان الصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأفقههم في دينه كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يستنصر به على عدوه وكان أعظم جنديه وكان يقول للصحابه: "لستم تنصرون بكثرة وإنما تنصرون من السماء" وكان يقول:



          ص -16- فمن ألهم الدعاء فقد أريد به الإجابة فإن الله سبحانه يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ}
          وفى سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه" وهذا يدل على أن رضاه في سؤاله وطاعته وإذا رضي الرب تبارك وتعالى فكل خير في رضاه كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه
          وقد ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد: أثرا "أنا الله لا إله إلا أنا إذا رضيت باركت وليس لبركتي منتهى وإذا غضبت لعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد"
          وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين وطلب مرضاته والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر فما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمه الله بمثل طاعته والتقرب إليه والإحسان إلى خلقه
          وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة وحصول الشرور في الدنيا والآخرة في كتابه على الأعمال ترتب الجزاء على الشرط والمعلول على العلة والمسبب على السبب وهذا في القرآن يزيد على ألف موضع فتارة يرتب الحكم الخبري الكوني والأمر الشرعي على الوصف المناسب له كقوله تعالى:

          ص -17- {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} وقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وهذا كثير جدا وتارة ترتبه عليه بصيغة الشرط والجزاء كقوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} وقوله: { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} وقوله: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} ونظائره وتارة يأتي بلام التعليل كقوله: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} وقوله: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} وتارة يأتي بأداة كي التي للتعليل كقوله: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} وتارة يأتي بباء السببية كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} وقوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقوله تعالى: {بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ} وتارة يأتي بالمفعول لأجله ظاهرا أو محذوفا كقوله تعالى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} وكقوله تعالى: {أَنْ





          ص -18- تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} وقوله: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} أي كراهة أن تقولوا وتارة يأتي بفاء السببية كقوله تعالى: {فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها} وقوله تعالى: {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً} وقوله: {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} ونظائره وتارة يأتي بأداة لما الدالة على الجزاء كقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} ونظائره وتارة يأتي بإن وما علمت فيه كقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} وقوله في ضد هؤلاء: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} وتارة يأتي بأداة لولا الدالة على ارتباط ما قبلها بما بعدها كقوله: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وتارة يأتي بلو الدالة على الشرط كقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ}
          وبالجملة فالقرآن من أوله إلى آخره صريح في ترتب الجزاء بالخير والشر والأحكام الكونية والأمرية على الأسباب بل ترتب أحكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الأسباب والأعمال
          ومن تفقه هذه المسألة وتأملها حق التأمل انتفع بها غاية النفع ولم يتكل على القدر جهلا منه وعجزا وتفريطا وإضاعة فيكون توكله عجزا وعجزه توكلا بل الفقيه كل الفقيه الذي يرد القدر بالقدر ويدفع القدر بالقدر ويعارض القدر بالقدر بل لا يمكن الإنسان أن يعيش إلا بذلك فإن الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر والخلق كلهم ساعون





          زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
          كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
          في
          :

          جباال من الحسنات في انتظارك





          تعليق


          • #6
            رد: "الداء والدواء"(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)



            ص -19- في دفع هذا القدر بالقدر وهكذا من وفقه الله وألهمه رشده يدفع قدر العقوبة الأخروية بقدر التوبة والإيمان والأعمال الصالحة فهذا وزان القدر المخوف في الدنيا وما يضاده فرب الدارين واحد وحكمته واحدة لا يناقض بعضها بعضا ولا يبطل بعضها بعضا فهذه المسألة من أشرف المسائل لمن عرف قدرها ورعاها حق رعايتها والله المستعان.
            لكن يبقى عليه أمران بهما تتم سعادته وفلاحه:
            أحدهما: أن يعرف تفاصيل أسباب الشر والخير وتكون له بصيرة في ذلك بما يشاهده في العالم وما جربه في نفسه وغيره وما سمعه في أخبار الأمم قديما وحديثا.
            ومن أنفع ما في ذلك تدبر القرآن فإنه كفيل بذلك على أكمل الوجوه وفيه أسباب الخير والشر جميعا مفصلة مبينة ثم السنة فإنها شقيقة القرآن وهي الوحي الثاني ومن صرف إليهما عنايته اكتفى بهما عن غيرهما وهما يريانك الخير والشر وأسبابهما حتى كأنك تعاين ذلك عيانا وبعد ذلك إذا تأملت أخبار الأمم وأيام الله في أهل طاعته وأهل معصيته طابق ذلك ما علمته من القرآن والسنة ورأيته بتفاصيل ما أخبر الله به ووعد به وعلمت من آياته في الآفاق ما يدلك على أن القرآن حق وأن الرسول حق وأن الله ينجز وعده لا محالة فالتاريخ تفصيل لجزئيات ما عرّفنا الله ورسوله من الأسباب الكلية للخير والشر
            فصل:
            الأمر الثاني: أن يحذر مغالطة نفسه على هذه الأسباب وهذا من أهم الأمور فإن العبد يعرف أن المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وآخرته ولا بد ولكن تغالطه نفسه بالاتكال على عفو الله ومغفرته تارة وبالتسويف





            ص -20- بالتوبة والاستغفار باللسان تارة وبفعل المندوبات تارة وبالعلم تارة وبالاحتجاج بالقدر تارة وبالاحتجاج بالأشباه والنظراء تارة وبالاقتداء بالأكابر تارة أخرى
            وكثير من الناس يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال: أستغفر الله زال الذنب وراح هذا بهذا وقال لي رجل من المنتسبين إلى الفقه: أنا أفعل ما أفعل ثم أقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة وقد غفر ذلك أجمعه كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال في يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر" وقال لي آخر من أهل مكة: نحن أحدنا إذا فعل ما فعل ثم اغتسل وطاف بالبيت أسبوعا وقد محي عنه ذلك وقال لي آخر: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أذنب عبد ذنبا فقال: أي رب أصبت ذنبا فاغفر لي فغفر الله ذنبه ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا آخر فقال: أي رب أصبت ذنبا فاغفر لي فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي فليصنع ما شاء" وقال: أنا لا أشك أن لي ربا يغفر الذنب ويأخذ به وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص من الرجاء واتكل عليها وتعلق بكلتا يديه وإذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته ونصوص الرجاء وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب كقول بعضهم:

            وكثر ما استطعت من الخطايا إذا كان القدوم على كريم

            وقول الآخر: التنزه من الذنوب جهل بسعة عفو الله
            وقال الآخر: ترك الذنوب جراءة على مغفرة الله واستصغار

            ص -21- وقال محمد بن حزم: رأيت بعض هؤلاء من يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من العصمة.
            ومن هؤلاء المغرورين من يتعلق بمسألة الجبر وأن العبد لا فعل له البتة ولا اختيار وإنما هو مجبور على فعل المعاصي.
            ومن هؤلاء من يغتر بمسألة الإرجاء وأن الإيمان هو مجرد التصديق والأعمال ليست من الإيمان وأن إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل وميكائيل.
            ومن هؤلاء من يغتر بمحبة الفقراء والمشايخ والصالحين وكثرة التردد إلي قبورهم والتضرع إليهم والاستشفاع بهم والتوسل إلى الله بهم وسؤاله بحقهم عليه وحرمتهم عنده.
            ومنهم من يغتر بآبائه وأسلافه وأن لهم عند الله مكانا وصلاحا فلا يدعوه أن يخلصوه كما يشاهد في حضرة الملوك فإن الملوك تهب لخواصهم ذنوب أبنائهم وأقاربهم وإذا وقع أحد منهم في أمر مفظع خلصه أبوه وجده بجاهه ومنزلته.
            ومنهم من يغتر بإن الله عز وجل غني عن عذابه وعذابه لا يزيد في ملكه شيئا ورحمته له لا تنقص من ملكه شيئا فيقول: أنا مضطر إلى رحمته وهو أغنى الأغنياء ولو أن فقيرا مسكينا مضطرا إلى شربة ماء عند من في داره شط يجري لما منعه منها فالله أكرم وأوسع والمغفرة لا تنقصه شيئا والعقوبة لا تزيد في ملكه شيئا.
            ومنهم من يغتر بفهم فاسد فهمه هو وأضرابه من نصوص القرآن والسنة فاتكلوا كاتكال بعضهم على قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} وهو لا يرضى أن يكون في النار وهذا من أقبح الجهل وأبين الكذب عليه فإنه يرضى بما يرضى به ربه عز وجل والله تعالى يرضيه تعذيب الظلمة





            ص -22- والفسقة والخونة والمصرين على الكبائر فحاشا لرسوله أن لا يرضى بما يرضى به ربه تبارك وتعالى وكاتكال بعضهم على قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} وهذا أيضا من أقبح الجهل فإن الشرك داخل في هذه الآية فإنه رأس الذنوب وأساسها ولا خلاف أن هذه الآية في حق التائبين فإنه يغفر ذنب كل تائب من أي ذنب كان ولو كانت الآية في حق غير التائبين لبطلت نصوص الوعيد كلها وأحاديث إخراج قوم من الموحدين من النار بالشفاعة وهذا إنما أتي صاحبه من قلة علمه وفهمه فإنه سبحانه هاهنا عمم وأطلق فعلم أنه أراد التائبين.
            وفي سورة النساء خصص وقيد فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فأخبر الله سبحانه أنه لا يغفر الشرك وأخبر أنه يغفر ما دونه ولو كان هذا في حق التائب لم يفرق بين الشرك وغيره وكاغترار بعض الجهال بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} فيقول: كرمه وقد يقول بعضهم: إنه لقن المغتر حجته وهذا جهل قبيح وإنما غره به الغرور وهو الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء وجهله وهواه وأتي سبحانه بلفظ {الْكَرِيمِ} وهو السيد العظيم المطاع الذي لا ينبغي الاغترار به ولا إهمال حقه فوضع هذا المغتر الغرور في غير موضعه واغتر بمن لا ينبغي الاغترار به وكاغترار بعضهم بقوله تعالى في النار: {لا يَصْلاهَا إلا الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} وقوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ولم يدر هذا المغتر أن قوله: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} هي نار مخصوصة من جملة دركات جهنم ولو كانت جميع جهنم فهو سبحانه لم يقل لا يدخلها بل قال: {لا يَصْلاهَا إلا الأَشْقَى} ولا يلزم من عدم صليها عدم دخولها فإن الصلى أخص من الدخول ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم



            ص -23- ثم إن هذا المغتر لو تأمل الآية التي بعدها لعلم أنه غير داخل فيها فلا يكون مضمونا له أن يجنبها
            وأما قوله في النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} فقد قال في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ولا ينافى إعداد النار للكافرين أن يدخلها الفساق والظلمة ولا ينافى إعداد الجنة للمتقين أن يدخلها من في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان ولم يعمل خيرا قط.
            وكاغترار بعضهم بالاعتماد على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتى يقول بعضهم صوم يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر ولم يدر هذا المغترأن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر فرمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة لايقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها فيقوي مجموع الأمرين على تكفير الصغائر فكيف يكفر صوم يوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها غير تائب منها؟ هذا محال على أنه لا يمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء يكفر لجميع ذنوب العام على عمومه وتكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير فإذا لم يصر على الكبائر لتساعد الصوم وعدم الإصرار وتعاونهما على عموم التكفير كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر مع أنه سبحانه قد قال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} فعلم أن جعل الشيء سببا للتكفير لا يمنع أن يتساعد هو وسبب آخر على التكفير ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم منه مع انفراد أحدهما وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوى وأتم وأشمل.



            ص -24- وكاتكال بعضهم على قوله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه: "أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء" يعني ما كان في ظنه فإني فاعله به ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ويقبل توبته وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه وهذا موجود في الشاهد فإن العبد الآبق المسي الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبدا فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له كما قال الحسن البصري: "إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل"
            فكيف يكون يحسن الظن بربه من هو شارد عنه حال مرتحل في مساخطه وما يغضبه متعرض للعنته قد هان حقه وأمره عليه فأضاعه وهان نهيه عليه فارتكبه وأصر عليه؟ وكيف يحسن الظن به من بارزه بالمحاربة وعادى أولياءه ووالى أعداءه وجحد صفات له وأساء الظن بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم وظن بجهله أن ظاهر ذلك ضلال وكفر؟ وكيف يحسن الظن بمن يظن أنه لا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يرضى ولا يغضب وقد قال الله في حق من شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات وهو السر من القول: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فهؤلاء لما ظنوا أن الله سبحانه لا يعلم كثيرا مما يعملون كان هذا إساءة لظنهم بربهم فأرداهم ذلك الظن وهذا شأن كل من جحد صفات كماله ونعوت جلاله ووصفه بما لا يليق به فإذا ظن هذا أنه يدخله الجنة كان هذا غرورا وخداعا من نفسه وتسويلا من الشيطان لا إحسان ظن بربه.



            ص -25- فتأمل هذا الموضوع وتأمل شدة الحاجة إليه وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملاق الله وأن الله يسمع ويري مكانه ويعلم سره وعلانيته ولا يخفى عليه خافية من أمره وأنه موقوف بين يديه ومسئول عن كل ما عمل وهو مقيم على مساخطه مضيع لأوامره معطل لحقوقه وهو مع هذا يحسن الظن به وهل هذا إلا من خدع النفوس وغرور الأماني وقد قال أبو أمامة بن سهل بن حليف: "دخلت أنا وعروة بن الزبير على عائشة رضي الله عنها فقالت: لو رأيتما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض له وكانت عنده ستة دنانير أو سبعة فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها قالت: فشغلني وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله ثم سألني عنها فقال: ما فعلتِ؟ أكنت فرقت الستة الدنانير فقلت: لا والله لقد شغلني وجعك فدعا بها فوضعها في كفه فقال: ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده؟ "وفي لفظ "ما ظن محمد بربه لو لقي الله وهذه عنده".
            فيا لله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله إذا لقوه ومظالم العباد عندهم فإن كان ينفعهم قولهم حسنا ظنوننا بك إنك لم تعذب ظالما ولا فاسقا فليصنع العبد ما شاء وليرتكب كل ما نهاه الله عنه وليحسن ظنه بالله فإن النار لا تمسه فسبحان الله؟ ما يبلغ الغرور بالعبد وقد قال إبراهيم لقومه: {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أي إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره.
            ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه فالذي حمله على حسن العمل حسن الظن فكلما حسن ظنه حسن عمله وإلا فحسن الظن مع ابتاع الهوى عجز





            زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
            كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
            في
            :

            جباال من الحسنات في انتظارك





            تعليق


            • #7
              رد: "الداء والدواء"(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)




              ص -26- كما في الترمذي والمسند من حديث شداد ابن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله".
              وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتي إحسان الظن.
              فإن قيل: بل يتأتي ذلك ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده وأن رحمته سبقت غضبه وأنه لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو
              قيل: الأمر هكذا والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به فإنه سبحانه موصوف بالحكمة والعزة والانتقام وشدة البطش وعقوبة من يستحق العقوبة فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر والمؤمن والكافر ووليه وعدوه فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه وتعرض للعنته وواقع في محارمه وانتهك حرماته بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع وبدل السيئة بالحسنة واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ثم أحسن الظن بعدها فهذا حسن ظن والأول غرور والله المستعان.
              ولا تستطل هذا الفصل فإن الحاجة إليه شديدة لكل أحد يفرق بين حسن الظن بالله وبين الغرور به قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} فجعل هؤلاء أهل الرجاء لا الظالمين والفاسقين وقال تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} فأخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها فالعالم يضع الرجاء مواضعه والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه.



              ص -27- فصل:
              وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه وضيعوا أمره ونهيه ونسوا أنه شديد العقاب وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند.
              قال معروف: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق.
              وقال بعض العلماء: من قطع عضوا منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا.
              وقيل: للحسن: نراك طويل البكاء فقال: أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي وكان يقول: إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة يقول أحدهم: لأني أحسن الظن بربي وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل.وسأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد كيف نصنع بمجالسة أقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال: والله لأن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك أمنا خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف.
              وقد ثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور في النار كما يدور الحمار برحاه فيطوف به أهل النار فيقولون: يا فلان ما أصابك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه"
              وذكر الإمام أحمد من حديث أبي رافع قال: "مر رسول الله صلى الله عليه





              ص -28- وسلم بالبقيع فقال: أف لك أف لك فظننت أنه يريدني فقال: لا ولكن هذا قبر فلان بعثته ساعيا إلى آل فلان فغل نمرة فدُرِّع الآن مثلها من نار".
              وفي مسنده أيضا من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت: من هؤلاء قالوا: خطباء من أمتك من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم"
              وفيه أيضا من حديثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم"
              وفيه أيضا عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: "يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك فقلنا يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال: نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء"
              وفيه أيضا عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: "مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط قال: ما ضحك منذ خلقت النار"
              وفي صحيح مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مربك نعيم قط فيقول: لا والله يا رب ويؤتي بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مربي بؤس قط ولا رأيت شدة قط"



              ص -29- وفي المسند من حديث البراء بن عازب قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان أهل الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أخرجي أيتها النفس المطمئنة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفخة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال: فتعاد روحه إلى الأرض فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك فيقول: ربي الله عز وجل فيقولان له: ما دينك فيقول: ديني الإسلام فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول: هو محمد رسول الله فيقولان له: وما علمك فيقول: قرأت كتاب الله عز وجل فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي فافرشوا له من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره






              ص -30- مد بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: له فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول: أنا عملك الصالح فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبتل فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين وفي الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا ثم قرأ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول: هاه هاه لا أدري فينادى مناد من السماء أن كذب عبدي فافرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الرجل قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي




              زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
              كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
              في
              :

              جباال من الحسنات في انتظارك





              تعليق


              • #8
                رد: "الداء والدواء"(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)




                ص -31- كنت توعد فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث فيقول: رب لا تقم الساعة"
                وفي لفظ لأحمد أيضا: "ثم يقبض له أعمي أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبلا كان ترابا فيضربه ضربة فيصير ترابا ثم يعيده الله عز وجل كما كان فيضربه ضربة أخري فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين" قال البراء: "ثم يفتح له باب إلى النار ويمهد له من فرش النار"
                وفي المسند أيضا عنه قال: "بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة فقال: على ما اجتمع هؤلاء؟ قيل: على قبر يحفرونه ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهي إلى القبر فجثا على ركبتيه فاستقبلته بين يديه لأنظر ما يصنع فبكى حتى بل الثرى من دموعه ثم أقبل علينا فقال: أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا"
                وفي المسند من حديث بريدة قال: "خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فنادى ثلاث مرات يا أيها الناس أتدرون ما مثلي ومثلكم قالوا: الله ورسوله أعلم فقال: إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا يأتيهم فبعثوا رجلا يتراءى لهم فأبصر العدو فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أُتيتم أيها الناس أُتيتم ثلاث مرات"
                وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل ما أسكر حرام وإن على الله عز وجل عهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قيل: وما طينة الخبال قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار"
                وفي المسند أيضا من حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أرى ما لا ترون وأسمع مالا تسمعون أطَّت السماء وحق لها أن تئط





                ص -32- ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك يسبح الله ساجدا لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجاورن إلى الله تعالى" قال أبو ذر: والله لوددت أني شجرة تعضد
                وفي المسند أيضا من حديث حذيفة قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما انتهينا إلى القبر قعد على ساقيه فجعل يردد بصره فيه ثم قال: يضغط المؤمن فيه ضغطة تزول منها حمائله ويملأ على الكافر نارا" والحمائل: عروق الأنثيين.
                وفي المسند أيضا من حديث جابر قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ حين توفى فلما صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع في قبره وسوى عليه سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبحنا طويلا ثم كبر فكبرنا فقيل: يا رسول الله لما سبحت؟ ثم كبرت فقال: لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرج الله عنه"
                وفي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني قدموني وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق"

                وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تدنوا الشمس يوم القيامة على قدر ميل ويزاد في حرها كذا وكذا تغلي منها الرؤوس كما تغلي القدور يغرقون فيها على قدر خطاياهم منهم من يبلغ إلى كعبه ومنهم من يبلغ إلى ساقيه ومنهم من يبلغ إلى وسطه ومنهم من يلجمه العرق"
                وفيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كيف أنعم وصاحب





                ص -33- القرن قد التقم القرن وحتى جبهته يسمع متى يؤمر فينفخ فقال أصحابه: كيف نقول؟ قال: "قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا"
                وفي المسند أيضا عن ابن عمر يرفعه: "من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقى الله تبارك وتعالى وهو عليه غضبان"
                وفي الصححين عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المصورين يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: احيوا ما خلقتم"
                وفيه أيضا عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل يوم القيامة"
                وفيهما أيضا عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار جيء بالموت حتى يوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادى مناد يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم"
                وفي المسند عنه قال: "من اشترى ثوبا بعشرة دراهم فيها درهم حرام لم يقبل الله له صلاة مادام عليه" ثم أدخل أصبعيه في أذنيه ثم قال: صمتا إن لم أكن سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوله
                وفيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الصلاة سكرا مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها ومن ترك الصلاة سكرا أربع مرات كان حقا على الله أن يسقيه طينة الخبال قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله: قال: عصارة أهل جهنم"
                وفيه أيضا عنه مرفوعا: "من شرب الخمر شربة لم تقبل له صلاة أربعين





                ص -34- صباحا فإن تاب تاب الله عليه فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة"
                وفي المسند أيضا من حديث أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات مدمنا للخمر سقاه الله من نهر الغوطة قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهن"
                وفيه أيضا عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان: فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله"
                وفي المسند أيضا من حديث بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه وضرب لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سوادا وأججوا نارا فأنضجوا ما قذفوا فيها"
                وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يضرب الجسر على جهنم فأكون أول من يجوز ودعوى الرسول يومئذ اللهم سلم سلم و على حافتيه كلاليب مثل شوك السعدان تخطف الناس بأعمالهم فمنهم الموثق بعمله ومنهم المخردل ثم ينجوا حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يرحم ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوهم فيعرفونه بعلامة آثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود فيخرجونهم وقد امتحشوا فيصب عليهم من ماء يقال له: ماء الحياة فينبتون نبات الحبة في حميل المسيل"



                ص -35- وفي صحيح مسلم عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمة فعرفها فقال: ما عملت فيها قال: قاتلت فيك حتى قتلت قال: كذبت ولكن قاتلت ليقال: هو جريء فقد قيل: ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها قال: تعلمت فيك العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن فقال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال: هو عالم فقد قيل: وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه رزقه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها فقال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار وفي لفظ فهؤلاء أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة"
                وسمعت شيخ الإسلام يقول: كما أن خير الناس الأنبياء فشر الناس من تشبه بهم يوهم أنه منهم وليس منهم فخير الناس بعدهم العلماء والشهداء والصديقون والمخلصون وشر الناس من تشبه بهم يوهم أنه منهم وليس منهم"
                وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت عنده لأخيه مظلمة في مال أو عرض فليأته فليستحلها منه قبل أن يؤخذ وليس عنده دينار ولا درهم فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته فأعطيها هذا وإلا أخذ من سيئات هذا فطرحت عليه ثم طرح في النار"

                وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن صلى الله عليه وسلم


                زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
                كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
                في
                :

                جباال من الحسنات في انتظارك





                تعليق


                • #9
                  رد: "الداء والدواء"(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)





                  ص -36- قال: "من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين"
                  وفي الصحيحين عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ناركم هذه التي يوقد بنوا آدم جزء واحد من سبعين جزءا من نار جهنم قالوا: والله إن كانت لكافية قال: فإنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها"
                  وفي المسند عن معاذ قال: "أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت أو حرقت ولا تعقنَّ والديك وان أمراك أن تخرج من أهلك ومالك ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ولا تشربن خمرا فإنه رأس كل فاحشة وإياك والمعصية فإن المعصية تحل سخط الله" والأحاديث في هذا الباب أضعاف أضعاف ماذكرنا فلا ينبغي لمن تصح نفسه أن يتعامى عنها ويرسل نفسه في المعاصي ويتعلق بحسن الرجاء وحسن الظن.
                  قال أبو الوفاء بن عقيل احذره ولا تغتر به فإنه قطع اليد في ثلاثة دراهم وجلد الحد في مثل رأس الإبرة من الخمر وقد دخلت المرأة النار في هرّة واشتعلت الشملة نارا على من غلها وقد قتل شهيدا"
                  وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب يرفعه قال: "دخل رجل الجنة في ذباب ودخل رجل النار في ذباب قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرّب له شيئا فقالوا لأحدهما: قرب قال: ليس عندي شيء قالوا: قرّب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلو سبيله فدخل النار وقالوا للآخر:





                  ص -37- قرب قال: ما كنت لأقرب شيئا من دون الله عز وجل فضربوا عنقه فدخل الجنة" وهذه الكلمة الواحدة يتكلم بها العبد يهوى بها في النار أبعد مابين المشرق والمغرب.
                  وربما اتكل بعض المغترين على ما يرى من نعم الله عليه في الدنيا وأنه لا يغير به ويظن أن ذلك من محبة الله له وأنه يعطيه في الآخرة أفضل من ذلك وهذا من الغرور.
                  قال الإمام أحمد: حدثنا يحي بن غيلان حدثنا رشدين بن سعد عن حرملة بن عمران النحبيبي عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج "ثم تلى قوله عز وجل: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إذا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}
                  وقال بعض السلف: إذا رأيت الله عز وجل يتابع عليك نعمة وأنت مقيم على معاصيه فاحذره فإنما هو استدراج منه يستدرجك به وقد قال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} وقد رد سبحانه على من يظن هذا الظن بقوله: {فَأَمَّا الأِنْسَانُ إذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كُلاً} أي ليس كل من نعَّمتَه ووسعت عليه رزقه أكون قد أكرمته وليس كل من ابتليته وضيقت عليه رزقه أكون قد أهنته بل أبتلى هذا بالنعم وأكرم هذا بالابتلاء.



                  ص -38- وفي جامع الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب"
                  وقال بعض السلف: رُبَّ مستدرج بنعم الله عليه وهو لا يعلم ورُبَّ مغرور بستر الله عليه وهو لا يعلم ورُبَّ مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم.
                  فصل:
                  وأعظم الخلق غرورا من اغتر بالدنيا وعاجلها، فآثرها على الآخرة ورضي بها من الآخرة، حتى يقول بعض هؤلاء: الدنيا نقد، والآخرة نسيئة، والنقد أحسن من النسيئة. ويقول بعضهم: ذرة منقودة، ولا ذرة موعودة، ويقول آخر منهم: لذات الدنيا متيقنة، ولذات الآخرة مشكوك فيها، ولا أدع اليقين بالشك.
                  وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله. والبهائم العجم أعقل من هؤلاء فإن البهيمة إذا خافت مضرة شيء لم تقدم عليه ولو ضربت، وهؤلاء يقدم أحدهم على عطبه وهو بين مصدق ومكذب
                  فهذا الضرب إن آمن أحدهم بالله ورسوله ولقائه والجزاء فهو من أعظم الناس حسرة لأنه أقدم على علم وإن لم يؤمن بالله ورسوله فأبعد له.
                  وقول القائل: النقد خير من النسيئة، جوابه: إذا تساوى النقد والنسيئة فالنقد خير. وإن تفاوتا وكانت النسيئة أكثر وأفضل فهي خير. فكيف والدنيا كلها من أولها إلى آخرها كنفس واحد من أنفاس الآخرة؟ كما في مسند الإمام أحمد والترمذي من حديث المستورد بن شداد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع؟ " فإيثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح





                  ص -39- الجهل وإذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها إلى الآخرة، فما مقدار عمر الإنسان بالنسبة إلى الآخرة؟ فأيما أولى بالعاقل؟ إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة، وحرمان الخير الدائم في الآخرة، أم ترك شيء صغير حقير منقطع عن قرب، ليأخذ ما لا قيمة له ولا خطر له ولا نهاية لعدده ولا غاية لأمده.
                  فأما قول الآخر: لا أترك متيقنا لمشكوك فيه فيقال له: إما أن تكون على شك من وعد الله ووعيده وصدق رسله، أو تكون على يقين من ذلك، فإن كنت على يقين من ذلك فما تركت إلا ذرة عاجلة منقطعة فانية عن قرب لأمر متيقن لا شك فيه ولا انقطاع له وإن كنت على شك فراجع آيات الرب تعالى الدالة على وجوده وقدرته ومشيئته ووحدانيته وصدق رسله فيما أخبروه به عن الله وتجرَّد وقُم لله ناظرا أو مناظرا حتى يتبين لك ان ما جاءت به الرسل عن الله فهو الحق الذي لا شك فيه وأن خالق هذا العالم ورب السموات والأرض يتعالى ويتقدس ويتنزه عن خلاف ما أخبرت به رسله عنه ومن نسبه إلى غير ذلك فقد شتمه وكذبه وأنكر ربوبيته وملكه إذ من المحال الممتنع عند كل ذي فطرة سليمة أن يكون الملك الحق عاجزا أو جاهلا لا يعلم شيئا ولا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يثيب ولا يعاقب ولا يعز من يشاء ولا يذل من يشاء ولا يرسل رسله إلى أطراف مملكته ونواحيها ولا يعتني بأحوال رعيته بل يتركهم سدى ويخليهم هملا وهذا يقدح في ملك آحاد ملوك البشر ولا يليق به فكيف يجوز نسبة الملك الحق المبين إليه؟
                  وإذا تأمل الإنسان حاله من مبدأ كونه نطفة إلى كماله واستوائه تبين له أن من عنى به هذه العناية ونقله في هذه الأحوال وصرَّفه في هذه الأطوار لا يليق به أن يهمله ويتركه سدًى لا يأمره ولا ينهاه ولا يعرّفه حقوقه عليه ولا يثيبه ولا يعاقبه ولو تأمل العبد حق التأمل لكان كل ما يبصره وما لا





                  ص -40- يبصره دليلا على التوحيد والنبوة والمعاد وأن القرآن كلامه وقد ذكرنا وجه الاستدلال بذاك في كتاب أيمان القرآن عند قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} وذكرنا طرفا من ذلك عند قوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} وأن الإنسان دليل على وجود خالقه وتوحيده وصدق رسله وإثبات صفات كماله
                  فقد بان أن المضيع مغرور على التقديرين: تقدير تصديقه ويقينه وتقدير تكذيبه وشكه
                  فإن قلت: كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل؟ وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غدا إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبة أو يكرمه أتم كرامة ويبيت ساهيا غافلا لا يتذكر موقفه بين يدي الملك ولا يستعيد له ولا يأخذ له أهبته
                  قيل: لعمر الله سؤال صحيح وارد على أكثر الخلق فاجتماع هذين الأمرين من أعجب الأشياء وهذا التخلف له عدة أسباب
                  أحدها: ضعف العلم ونقصان اليقين ومن ظن أن العلم لا يتفاوت فقوله من أفسد الأقوال وأبطلها
                  وقد سأل إبراهيم الخليل ربه أن يريه إحياء الموتى عيانا بعد علمه بقدرة الرب على ذلك ليزداد طمأنينة ويصير المعلوم غيبا شهادة
                  وقد روى أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس المخبر كالمعاين "


                  زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
                  كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
                  في
                  :

                  جباال من الحسنات في انتظارك





                  تعليق


                  • #10
                    رد: "الداء والدواء"(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن قيم الجوزية [pdf, doc, bok] (كتاب به خاصية البحث)





                    ص -41- فإذا اجتمع إلى ضعف العلم عدم استحضاره أو غيبته عن القلب في كثير من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده وانضم إلى ذلك تقاضي الطبع وغلبات الهوى واستيلاء الشهوة وتسويل النفس وغرور الشيطان واستبطاء الوعد وطول الأمل ورقدة الغفلة وحب العاجلة ورخص التأويل وإلف العوائد فهناك لا يمسك الإيمان إلا الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا وبهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال حتى ينتهي على أدنى مثقال ذرة في القلب
                    وجماع هذه الأسباب يرجع إلى ضعف البصيرة والصبر ولهذا مدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين وجعلهم أئمة الدين فقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}
                    فصل:
                    فقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور وأن حسن الظن إن حمل على العمل وحث عليه وساق إليه فهو صحيح وإن دعا البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور وحسن الظن هو الرجاء فمن رجاؤه هاديا إلى الطاعة وزاجرا عن المعصية فهو رجاء صحيح ومن كانت بطالته رجاء ورجاؤه بطالة وتفريطا فهو المغرور ولو أن رجلا كانت له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه فأهملها ولم يبذرها ولم يحرثها وحسن ظنه بأنه يأتي من مغلها ما يأتي من حرث وبذر وسقى وتعاهد الأرض لعدة الناس من أسفه السفهاء وكذلك لو حسن ظنه وقوي رجاؤه بأن يجيئه ولد من غير جماع أو يصير أعلم أهل زمانه من غير طلب وحرص تام عليه وأمثال ذلك فكذلك من حسن ظنه وقوي رجاؤه في الفوز بالدرجات نواهيه وبالله التوفيق
                    وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ





                    ص -42- اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} فتأمل كيف جعل رجاءهم إتيانهم بهذه الطاعات؟
                    فإن المغرورون: إن المفرطين المضيعين لحقوق الله المعطلين لأوامره الباغين على عباده المتجرئين على محارمه أولئك يرجون رحمة الله
                    وسر المسألة: أن الرجاء وحسن الظن إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره وثوابه وكرامته فيأتي العبد بها ثم يحسن ظنه بربه ويرجوه أن لا يكله إليها وأن يجعلها موصلة إلى ما ينفعه ويضرب عما يعارضها ويبطل أثرها
                    ومما ينبغي أن يعلم أن من رجا شيئا رجاؤه ثلاثة أمور:
                    أحدها: محبته ما يرجوه
                    الثاني: خوفه من فواته
                    الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان
                    وأما رجاء لايقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني والرجاء شيء والأماني شيء آخر فكل راج خائف والسائر على الطريق إذا خاف أسرع السير مخافة الفوات.
                    وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج ومن المنزل إلا إن سلعة الله غالية إلا إن سلعة الله الجنة" وهو سبحانه كما جعل الرجاء لأهل الأعمال الصالحة فكذلك جعل الخوف لأهل الأعمال الصالحة فعلم أن الرجاء والخوف النافع هو ما اقترن به العمل قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ





                    ص -43- وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}
                    وقد روى الترمذي في جامعه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقلت أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرفون؟ فقال: لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن لا يتقبل منهم أولئك يسارعون في الخيرات" وقد روى من حديث أبى هريرة أيضا
                    والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن
                    ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن فهذا الصديق يقول: "وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن" ذكره أحمد عنه
                    وذكر عنه أيضا انه كان يمسك بلسانه ويقول: "هذا الذي أوردني الموارد وكان يبكى كثيرا ويقول: أبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل وأتي بطائر فقلبه ثم قال: ما صيد من صيد ولا قطعت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح فلما احتضر قال لعائشة: يا بنية إني أصبت من مال المسلمين هذه العباءة وهذه الحلاب وهذا العبد فأسرعى به إلى بن الخطاب وقال: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد
                    وقال قتادة بلغني أن أبا بكر قال: "ليتني خضرة تأكلني الدواب"





                    ص -44- وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور إلى قوله: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه
                    وقال لابنه وهو في الموت: ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني ثم قال: بل ويل أمي إن لم يغفر الله لي ثلاثا ثم قضى وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه فيبقى في البيت أياما يعاد يحسبونه مريضا وكان في وجهه رضي الله عنه خطان أسودان من البكاء وقال له ابن عباس: مصر الله بك الأمصار وفتح بك الفتوح وفعل فقال: وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر
                    وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه كان إذا وقف على القبر يبكى حتى تبل لحيته وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير
                    وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه وبكاؤه وخوفه وكان يشتد خوفه من اثنتين طول الأمل واتباع الهوى قال: فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق إلا وإن الدنيا قد ولت مدبرة والآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل
                    وهذا أبو الدرداء كان يقول: إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي يا أبا الدرداء قد علمت فكيف عملت فيما علمت؟ وكان يقول: لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة ولا شربتم شرابا على شهوة ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل
                    وكان عبد الله بن عباس كان أسفل عينيه مثل الشراك البالي من الدموع
                    وكان أبو ذر يقول يا ليتني كنت شجرة تعضد وودت أني لم أخلق





                    ص -45- وعرضت عليه النفقة فقال: عندنا عنز نحلبها وحمر ننقل عليها ومحرر يخدمنا وفضل عباءة وإني أخاف الحساب فيها
                    وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية فلما أتى على هذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا} جعل يرددها ويبكى حتى أصبح
                    وقال أبو عبيدة بن الجراح: وددت أني كبش فذبحني أهلي وأكلوا لحمي وحسوا مرقي وهذا باب يطول تتبعه
                    قال البخاري في صحيحه: "باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر"
                    وقال إبراهيم التيمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا
                    وقال بن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل
                    ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق
                    وكان عمر بن الخطاب يقول لحذيفة: أنشدك الله هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني في المنافقين فيقول: لا ولا أزكي بعدك أحدا" فسمعت شيخنا يقول: مراده إني لا أبرىء غيرك من النفاق بل المراد لا أفتح على نفسي هذا الباب فكل من سألني هل سمانى لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأزكيه قلت: وقريب من هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي سأله أن يدعو له أن يكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب "سبقك بها عكاشة" ولم يرد أن عكاشة أن وحده أحق بذلك ممن عداه من الصحابة ولكن لو دعا لقام آخر وآخر وانفتح الباب وربما قام من لم يستحق أن يكون منهم فكان الإمساك أولى والله أعلم



                    زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
                    كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
                    في
                    :

                    جباال من الحسنات في انتظارك





                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    x
                    إدراج: مصغرة صغير متوسط كبير الحجم الكامل إزالة  
                    x
                    أو نوع الملف مسموح به: jpg, jpeg, png, gif
                    x
                    x
                    يعمل...
                    X