إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قواعد وأصول في فهم النصوص الشرعية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قواعد وأصول في فهم النصوص الشرعية



    قواعد وأصول في فهم النصوص الشرعية








    اعتنى العلماء - عليهم رحمة الله - بوضع القواعد والأصول لصحَّة فهم الأدلة، وترتيبها عند التعارُض؛ وذلك كله لحرصِهم على الوصول لمُراد الله - عز وجل.

    قواعد في التوفيق بين الأدلة الشرعية:
    حمل المُجمَل على المبيَّن:
    المجمل لغة: المُبهَم والمَجموع.

    اصطلاحًا:
    "هو ما احتمل أكثر من معنى دون رُجحان أحدهما على الآخر".

    مثال: قول الله - تعالى -: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 43]، فالصلاة لها أكثر مِن معنى كما هو معلوم.

    المُبيَّن لغةً: المُظهَر والموضَّح.

    اصطلاحًا:
    "هو ما دلَّ على المعنى المُراد".

    مثال: ما ورَد من صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم.

    فالصحيح حمل المُجمَل (الصلاة)، على المبيَّن (فعله - صلى الله عليه وسلم - للصَّلاة).

    حَمل العام على الخاصِّ:
    العام لغةً: الشامل.

    اصطلاحًا: "هو اللفظ المُستغرِق لكل ما يصحُّ له دفعة واحدة".

    مثال قوله - تعالى -: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228].


    فدلَّت هذه الآية على أن كل مُطلَّقة عدَّتُها ثلاث حِيَض.


    الخاص لغة: ضدُّ العام.

    اصطلاحًا: "هو قصر حكم العام على بعض أفراده".

    مثال: قوله - تعالى -: ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 4].


    فهذه الآية خاصَّة، خصَّصت وأخرجَت الحوامل من عموم الآية السابقة، وأفادَت بأنَّ عدتهنَّ بوضع الحَمل.


    ومثل قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49].

    فهذه الآية أخرجت غير المدخول بها من العموم أيضًا، وأفادت أن ليس عليها عِدَّة.

    فالصحيحُ حَملُ الخاصِّ "الحوامل وغير المدخول بها"، على العام "العِدة ثلاث حِيَض".

    ترك الاستِفصال في مقام الاحتِمال ينزل منزلة العموم في المقال، ويَحسُن به الاستدلال:
    إذا ترَك النبي - صلى الله عليه وسلم - تفاصيل واقعة، دلَّ عدم السؤال على عُموم حكمها؛ كتركِه - صلى الله عليه وسلم - سؤال غَيلان لما أسلم وكان تحته عشرة نسوة[1]، هل عقد عليهنَّ معًا أم مُرتبًا؟ فدل ذلك على عدم الفرق.

    حَمل المُطلَق على المقيَّد:
    المُطلَق لغةً: ضدُّ المقيَّد.

    اصطلاحًا: "هو ما دلَّ على الحقيقة بلا قَيد".

    مثال: قوله - تعالى -: ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ [النساء: 92].

    المقيَّد لغةً: ما جُعلَ فيه قيد.

    اصطلاحًا: "هو ما دلَّ على الحقيقة بقَيد".

    مثال: قوله - تعالى -: ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾ [النساء: 92].


    والمَقصود بحمل المُطلَق على المقيَّد أن يأتي المطلَق في كلام مستقل، ويأتي المقيد في كلام مستقل آخر، ففي الأمثلة السابقة تعيَّن عند تحرير الرقبة أن تكون مؤمنة، كما قيَّدتها الآية الثانية.

    الأمر يُفيد الوجوب، إلا بقرينة صارفة إلى غَيره:
    الأمر: "هو قولٌ يتضمَّن طلب الفعل على وجه الاستعلاء"، مثال: قوله - تعالى -: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43].

    وقد يَخرُج الأمر من الوجوب إلى غيره بقَرينة.

    مثال قوله - تعالى -: ﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾ [البقرة: 282]، فظاهِر الآية يدلُّ على وجوب الإشهاد، وفي الحقيقة الأمر ليس كذلك؛ لوجود قرينة تَصرِف هذا الوجوب، وهي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: اشترى فرَسًا من أعرابيٍّ ولم يُشهِد.

    النهي يُفيد التحريم، إلا بقرينة صارِفة إلى غيره:
    النهي: "هو استِدعاء التَّرك بالقول على وجه الاستعلاء".

    مثال قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].

    قوله في الآية: ﴿ وَذَرُوا ﴾؛ أي: اترُكوا، فالنهي عن البيع وقت صلاة الجمُعة للتحريم.

    قد يَخرُج النهي من التحريم إلى غيره بقرينة:
    مثال: "نهيه - صلى الله عليه وسلم -: عن الشرب من في السقاء"[2]، فظاهر نهيه - صلى الله عليه وسلم - يُفيد التحريم، والأمر ليس كذلك؛ لوجود قرينة صارفة من التحريم، وهي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب من في قربةٍ مُعلَّقة[3].

    التعارُض:
    فإذا اجتهَد العالم في التوفيق بين الأدلة التي ظاهِرُها التعارُض - لأن التعارض يكون في نظر المُجتهِد لا في حقيقة الأمر - ولأن النصوص الشرعية تنزيل من حكيم حميم، فهو حق من حق؛ قال - تعالى -: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، والمراد بتعارُض الأدلة: "هو تقابُل دليلَين على سبيل المُمانَعة، وذلك إذا كان دليلاً على الجواز، والآخَر يدلُّ على المَنعِ، فكل منهما مقابَل ومُعارَض ومُمانَع بالآخَر"، ففي هذه الحالة يكون المصير إلى الترجيح.






    الترجيح:


    المقصود بالترجيح: "هو العمل وتقوية أحد الدليلَين على الآخَر".

    قال ابن عثيمين: "إذا اتَّفقت الأدلة السابقة - الكتاب والسنَّة والإجماع والقياس - على حكمٍ أو انفرد أحدها من غير مُعارِض، وجب إثباته، وإن تعارَضت وأمكن الجمع، وجب الجمعُ، وإن لم يُمكِن الجمع عُمِل بالنسخ إن تمَّت شُروطه، وإن لم يُمكِن النسخ، وجب الترجيح"[4].


    وللعلماء أوجه عِدَّة في الترجيح، منها:
    ترجيح رواية الصحابي صاحب الواقِعة على غيره؛ لأنه أدرى بها من غيره؛ مثال: ما رُوي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوَّج وهو مُحرِم، ففي حديث ميمونة قالت: "تزوَّجني النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حلال"[5]، وفي حديث ابن عباس: "تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو مُحرِم"[6]، فنُقدِّم رواية ميمونة، على رواية ابن عباس؛ لأنها صاحبة القصة، وإن كان بعض العلماء مال لرواية ابن عباس؛ لأنها في الصحيحَين، وقالوا بأن زَواج المحرم لا يجوز، وأنه من خصوصيات النبي - صلى الله عليه وسلم.

    ترجيح رواية الراوي على رأيه؛ لأنه قد يُفتي برأيه فيُخطئ أو ينسى؛ مثال: حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا ولغ الكلبُ في إناء أحدِكم فليُرِقْه، ثم ليَغسله سبع مِرار))[7]، ورُوي عنه أنه أمر بغسله ثلاث مرات[8]، فنُقدِّم ما رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأيه إن صحَّ عنه.

    ترجيح رواية المُثبِت على النافي؛ لأن مع المُثبِت زيادة عِلم؛ مثال: حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "من حدَّثكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَبول قائمًا فلا تُصدِّقوه؛ ما كان يَبول إلا قاعدًا"[9]، وحديث حُذَيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى سُباطة قوم فبال قائمًا[10]، فنُقدِّم حديث حذيفة (المُثبِت)، على حديث عائشة (النافي)؛ لأن مع حذيفة - رضي الله عنه - زيادةَ عِلم لم تطَّلع عليه عائشة - رضي الله عنها.

    ترجيح المنطوق على المفهوم:
    المنطوق: "هو ما دلَّ على اللفظ في محل النُّطق".

    المفهوم: "هو ما دل عليه اللفظ لا في محلِّ النُّطق".

    مثال: حديث أبي سعيد الخدري: ((الماء طَهورٌ لا يُنجِّسه شيء))[11]، منطوقه يدلُّ على عدم نجاسة الماء إلا بالتغيُّر، وحديث ابن عمر: ((إذا كان الماء قُلَّتَين لم يَحمِل الخبَث))[12] مفهومه يدلُّ على أن الماء إذا كان أقلَّ مِن القُلتين يحمل الخبث، فنُقدِّم حديث أبي سعيد (المنطوق)، على حديث ابن عمر (المفهوم)؛ لأن المفهوم يَصدق بصورة واحدة، وهي ما يتَّفق فيه المنطوق والمفهوم.

    ترجيح النص على الظاهر:
    النص: "هو ما يدلُّ على معنى واحد لا يُحتمَل غيرُه".

    الظاهِر: "هو ما يَحتمِل أحد معنيَين أو أكثر، هو في أحدهما أو أحدها أرجح".

    مثال: حديث عائشة أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الكُسوف وجهَر بالقِراءة فيها[13]، وحديث ابن عباس أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: قام قيامًا طويلاً نحوًا من سورة البقرة[14]، فنُقدِّم حديث عائشة (النص)، على حديث ابن عباس (الظاهِر)؛ لأنه نصٌّ على القراءة، أما حديث ابن عباس فظاهِرُه أنه لم يجهَر بالقراءة؛ ولأن النصَّ أقوى في الدلالة من الظاهِر؛ من حيث إنه لا يَحتمِل إلا معنى واحدًا، بخلاف الظاهر الذي يَحتمِل أكثر من معنى.

    ترجيح الظاهر على المؤول:
    المُؤول هو: "صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح بدليل يدلُّ على ذلك"؛ مثال: حديث أبي موسى الأشعري: ((لا نِكاحَ إلا بِوليٍّ))[15]، ظاهر الحديث أن الوالي شَرط في صحَّة النِّكاح، ولا يصحُّ إلا به، أما تأويله أن هذا النفي للتَّمام والكَمال، فنُقدِّم الظاهر على التأويل؛ لأن دلالة الظاهر أقوى من دلالة التأويل.

    ترجيح القول على الفعل[16]، يقدَّم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - على فعله؛ لأن الفعل قد يكون لبَيان الجواز، أو لعلة أخرى؛ حديث عائشة أمِّ المؤمنين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان جالسًا كاشفًا عن فَخذِه[17]، وحديث محمد بن جَحش قال: مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه على معمر وفَخِذاه مَكشوفتان، فقال: ((يا مَعمَر، غطِّ فخذَيكَ؛ فإنَّ الفَخِذَين عورة))[18]، فنقدِّم حديث محمد بن جَحش (القول)، على حديث عائشة (الفعل).






    ترجيح الحَظر على الإباحة؛ لأن ترك المباح أهون من ارتكاب الحَرام؛ مثال:
    قوله - تعالى -: ﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [النساء: 23] الآية تمنَع وتَحظر الجمع بين الأختَين مُطلقًا، وقوله - تعالى -: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 24].

    الآية تُبيح بعمومها الجمع بين الأختين من ملك اليَمين، فنُقدِّم الحظر (آية المَنع)، على الإباحة (آية الجواز).

    ترجيح الخاص على العام؛ مثال: حديث جابر بن عبدالله مرفوعًا: ((وجُعلت لي الأرض مَسجدًا وطَهورًا))[19] يدلُّ بعمومه على جواز الصلاة في كل مكان، وحديث أبي سعيد الخدري أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الأرض كلُّها مَسجِد إلا الحَمام والمَقبرَة))[20] يدلُّ على عدم جواز الصلاة في المقبَرة والحَمام، فنُقدِّم حديث أبي سعيد الخدري (الخاص)، على حديث جابر بن عبدالله (العام).

    ترجيح العام المَحفوظ على غير المَحفوظ:
    العام المحفوظ: هو الذي لم يَدخله تَخصيص.
    العام غير المحفوظ: هو الذي دخَله التخصيص.

    مثال:
    حديث عن أبي قتادة الأنصاري، أن رسول الله قال: ((إذا دخل أحدكم المسجد، فليركَع ركعتَين قبل أن يَجلِس))[21]، هذا عام يشمَل كل وقت يدخل فيه المرء المسجد أن يصلي ركعتَين، فهو عام محفوظ، وليس فيه استِثناء، وحديث ابن عباس أن نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا صلاة بعد صلاة الصُّبحِ حتى تَطلُع الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تَغرُب الشمس))[22]، وهذا عام يَشمل أي صلاة، إذا دخل المرء بعد صلاة الصُّبح والعصر، لكنه عام غير مَحفوظ؛ حيث دخله الاستثناء، مثل من فاتته صلاة فيُصليها متى ذكرها، وإن كان وقتَ نهي، كذا من جمع بين الظهر والعصر، فإن سنَّة الظهر البعديَّة له أن يُصليها حتى ولو في وقت النهي، وغيرها من الحالات التي ذكَرها أهل العلم.

    فنُقدِّم العام المحفوظ (صلاة تحية المسجد)، على العام غير المَحفوظ (النهي عن الصلاة بعدالصبح والعصر).

    ترجيح المقيَّد على المُطلَق؛ مثال: قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ﴾ [البقرة: 173]، هذا مُطلَق يَشمل كل دم، وقوله - تعالى -: ﴿ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ﴾ [الأنعام: 145].


    وهذا الآية تُقيِّده بالدم المسفوح، فنُقدِّم المقيَّد (الدم المسفوح)، على المطلَق (كل الدماء).

    ترجيح المبيَّن على المُجمَل.
    المجمَل: "ما احتمل معنيَين أو أكثر من غير ترجيح لواحد منهما أو منها على غيره، وهو ما لا يَكفي وحده في العمل".

    المبيَّن: "هو ما دلَّ على معنى دون احتِمال".

    فيُقدم المبيَّن على المجمَل؛ لأن المبيَّن يدلُّ على المعنى المراد.

    مثال: حديث عن ابن عُمر قال: "إنما كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتَين مرَّتين، والإقامة مرةً مرةً، غير أنه يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة"[23]، هذا الحديث يُبيِّن أن لفظَ الإقامة وهو: "قد قامت الصلاة"، تكون شَفعًا، وحديث عن أنس قال: "أُمر بلالٌ أن يشفع الأذان ويوتِر الإقامة"[24]، فهذا الحديث مُجمَل يدلُّ على أن جميع ألفاظ الإقامة تكون وترًا، فنُقدِّم حديث ابن عمر (المبين)، على حديث أنس (المُجمَل).

    ترجيح الحقيقي على المجاز:
    الحقيقي هو: "اللفظ المُستعمَل فيما وُضِع له"؛ مثل: (أسد)، للحيوان المُفترِس.
    المَجاز: "هو اللفظ المستعمل في غير ما وُضع له"؛ مثل: (أسد)، للرجل الشجاع.

    مثال: قوله - تعالى -: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ [المائدة: 64]، اللفظ الحقيقي في الآية يعني: يدَي الله - سبحانه وتعالى.

    اللفظ المجازي في الآية يعني: النِّعمة.

    فنُقدِّم اللفظ الحقيقي "إثبات اليد لله"، على اللفظ المجازي "النعمة"؛ لعدم وجود دليل صحيح يَمنع إرادة الحقيقة.

    اعلم أن العلماء مختلفون في مسألة: هل في اللغة مجاز أم لا؟ ومِن ثمَّ هل في القرآن مجاز أم لا؟

    فقد منَع ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وقوع المجاز في اللغة[25]، وهذا ما رجع إليه ابن عُثَيمين بعد قوله بجواز المجاز.

    أما المجاز في القرآن فمَن منَع المَجاز في اللغة فمِن باب أولى منعه في القرآن، ومن مال إلى جواز وقوع المجاز في القرآن، قال بشرط منعِه في آيات الصفات، وممَّن قال بهذا الشافعي والخطيب البغدادي.

    ومَن منَع المَجاز في القرآن من أهل السنَّة منَعه سدًّا للذريعة؛ حتى لا يكون مدخلاً لتأويل الصفات[26] [27].

    ترجيح ما ذُكرت عِلَّته على ما لم تُذكَر عِلته:
    لأن الخبر الذي ذُكر فيه الحُكم والعِلة، يكون أقوى من الخبر الدالِّ على الحُكم دون العِلة؛ مثال: حديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن بدَّل دينه فاقتلوه))[28]، ذُكر في الحديث الحكم وهو (القتل)، والعِلة وهي (تبديل الدين، أو الردَّة)، وحديث عن ابن عمر أن رسول الله: "رأى في بعض مغازيه امرأةً مَقتولةً، فأنكر ذلك، ونَهى عن قَتلِ النِّساء والصِّبيان"[29]، ذكر في الحديث الحكم وهو (النهي عن قتل النساء والصِّبيان في الحرب)، ولم يَذكُر العلة، فنُقدِّم حديث ابن عباس؛ لأنه ذكر فيه العِلة على حديث ابن عمر لأنه لم يذكر فيه العلة.

    ترجيح الإجماع القطعي على الظني:
    لأن الإجماع الظني فيه دليل شكٍّ، فيُقيد الإجماع القطعي؛ لأنه أقوى منه.

    ترجيح القياس الجَلي على الخفي:
    القياس الجلي: "هو ما ثبتَت عِلته بنص أو إجماع، أو قُطع فيه بنفي الفارق".
    القياس الخفي: "هو ما ثبتَت عِلته بالاستنباط".

    فيُقدَّم القياس الجلي على القياس الخفي؛ لأن القياس الجلي تيقنَّا عِلته وألحقنا به الفرع، أما القياس الخفي لم نتيقَّن عِلته؛ لأنها مُستنبَطة.




  • #2
    رد: قواعد وأصول في فهم النصوص الشرعية

    أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة



    [1] صحيح: الترمذي (1128)، وابن ماجه (1953)، وصحَّحه الألباني في المشكاة (3176).

    [2] البخاري (5281).
    [3] صحيح: الترمذي (1892)، من حديث كبشة بنت ثابت، وصحَّحه الألباني في المشكاة (4281).
    [4] انظر: الأصول من علم الأصول (391).
    [5] مسلم (1411).
    [6] البخاري (5114)، ومسلم (1410).
    [7] البخاري (172)، ومسلم (279).
    [8] الطحاوي (1: 13)، والدارقطني (24 - 25).
    [9] الترمذي (12)، وابن ماجه (307)، وصحَّحه الألباني في الصحيحة (201).
    [10] البخاري (224)، ومسلم (273).
    [11] أبو داود (66)، والترمذي (66)، وصحَّحه الألباني في الإرواء (4).
    [12] أبو داود (63)، والترمذي (67)، وقال الألباني: حسن صحيح.
    [13] البخاري (1065)، ومسلم (901).
    [14] البخاري (1052)، ومسلم (905).
    [15] أبو داود (2085)، والترمذي (1101)، وصحَّحه الألباني في المشكاة (3031).
    [16] قال فضيلة الشيخ رمضان بن قرني معلقًا: "قال بعض العلماء: إذا تعارَض القول والفعل، قُدِّم القول مطلقًا، وقال بعض العلماء: بالجمع بين القول والفعل، فإذا كان القول تحريمًا، يُحمل الفعل على الكراهة؛ كنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائمًا، وشَرِبَ - عليه الصلاة والسلام - قائمًا، قالوا: يُصرف إلى الكراهة، وكذلك الجمع بينهما بالحمل على الندب والاستِحباب. فمُعارَضة القول للفعل تأتي على صور: فتارة يَقوى تقديم الفعل، وتارة يَقوى الجمع بين القول والفعل، وهذا في الحقيقة يحتاج إلى نظر ومعرفة بنصوص ومقاصِد الشريعة.
    [17] مسلم (2401).
    [18] حسن لغيره؛ رواه الترمذي (2797)، واللفظ له، وأبو داود (4014)، من حديث جَرهَد، وصحَّحه الألباني في الإرواء (1: 297).
    [19] البخاري (335)، ومسلم (521).
    [20] أبو داود (492)، والترمذي (317)، وابن ماجه (745)، وصحَّحه الألباني في الإرواء (1: 320).
    [21] البخاري (449).
    [22] أبو داود (1276)، وصحَّحه الألباني.
    [23] أبو داود (510)، والنسائي (628)، وحسَّنه الألباني.
    [24] البخاري (605)، ومسلم (378).
    [25] قد نازع صاحب كتاب: "المجاز في اللغة والقرآن"، وهو الأستاذ الدكتور عبدالعظيم المَطعني، نسبة القول بعدم وقوع المجاز في اللغة لابن تيمية وابن القيم، وخلص إلى أن ابن تيمية وكذا تلميذه ابن القيم يقولان بوقوع المجاز في اللغة والقرآن، دون وقوعه - أي المجاز - في آيات الصفات، ووافَقَه صاحب كتاب: "موقف السلف من المجاز في الصفات" (169 - 173)، الدكتور محمد محمد عبدالعليم دسوقي.
    [26] انظر: الرسالة؛ للشافعي (62 - 63)، والفقيه والمتفقه؛ للخطيب البغدادي (1: 65)، وشرح الأصول من علم الأصول؛ لابن عُثَيمين (74 - 86)، ومعالم الفقه؛ للجيزاني (110 - 115).
    [27] بعد أن سطرت هذا الكلام وقع في يدي كتاب ماتع وشافٍ في هذه المسألة، وهو "موقف السلف من المجاز في الصفات"، الرد العلمي على آراء البلاغيين من خلال كتابات سعد الدين التفتازاني (23 - 25)؛ للأستاذ الدكتور محمد محمد عبدالعليم دسوقي، أستاذ البلاغة والنقد المساعد بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة؛ حيث قال: "لاقَت قضية وقوع المجاز في محكم التنزيل بصفة عامة ووقوعه في صفات الله - تعالى - خاصة، لغطًا كثيرًا طوال الحِقَب الماضية حتى ما خلا مَكان من دولة الإسلام على مدى العصور والأزمان من الحديث عنها وإثارتها. وعلى الرغم من بيان وجه الصواب في هذه القضية التي حَسبوها شائكة كلما أثيرت، وأنه يَنحصِر في وجوب إثباتها على النحو اللائق بربِّ العزة - سبحانه - على الحقيقة لا المجاز على ما قضَت به أدلة العقل والنقل وانعقد عليه إجماع الأمة، فإنها - و إلى يوم الناس هذا - لا تزال تستحوذ على فكر الكثير من البلاغيين، ويَنشغِل بالحديث عنها العديد من الباحثين والمعنيين بتلقي العلوم الشرعية، وما تفتأ كذلك تُثار بشكل أو بآخَر ويدور حولها ذات اللغَط ونفس الشغب الذي أحدثته من قبل. وقد كتب الدكتور علي العماري رسالة موجزة سماها "الحقيقة والمجاز في القرآن"، ناقش فيها حجج المنكرين للمَجاز، وأفرغها مما تنهض به، وأكَّد أنه من الممكن أن نَعتقِد مذهب السلف في الأسماء والصفات - وهو مذهب قويم سليم - دون أن ننكر المجاز، وأن كثيرًا من المُثبِتين للمجاز يَدينون بمذهب السلف في إثبات الأسماء والصفات، ولم يؤثِّر - والكلام هنا للدكتور أبي موسى - إثبات المجاز شيئًا من عقيدتهم، وهذه الرسالة الموجزة - والكلام لا يزال للدكتور أبي موسى - جديرة بأن تكون جزءًا مهمًّا في تراث هذه القضية". وكان الأستاذ الدكتور عبدالعظيم المطعني - تغمَّده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته - قد تتبَّع آراء اللغويين والنحاة والأدباء والنقاد والإعجازيين والبلاغيين والمُفسرين والمُحدِّثين، وأفاض في كل ما دبَّجه جميع أولئك من آراء واستدلالات حول هذه القضية الشديدة الحساسية، وأشار إلى أن منشأ الخلاف هو: "البحث في أسماء الله وصفاته؛ فقد وردت في القرآن الكريم نصوص يوهم ظاهرها المُشابَهة بالحوادث؛ مثل إثبات اليد لله - سبحانه - والوجه والعين والمعية والقُرب، والمجيء والاستواء، وفي الحديث الشريف وردَت نسبة القدم والإصبع والصورة والنزول والضحك والكف لله - تعالى - مع أن في القرآن نصًّا عاصمًا من اعتقاد التشبيه والتجسيم وأية مماثلة، وهو قوله - تعالى -: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، في إشارة منه إلى وجوب إثبات ما أثبته الله لنفسه، وصحَّ عن الرسول الكريم إثباته له سبحانه؛ لكون الكلام عن الصفات فرعًا عن الكلام عن الذات، فكما لا مثل له في ذاته، لا مثل له في صفاته، وانتهى إلى القول بأن المجاز في القرآن موجود، ولكن يحظر إعماله إذا أدى إلى محظور، وهو التعطيل الذي يلهَج به مُنكرو المجاز كثيرًا، وهذا تقييد للمجاز، وليس إبطالاً له جملة وتفصيلاً". كما أنصف صاحب كتاب: "البيان عند الشهاب الخفاجي"، وأعجبني كلامه كثيرًا حين جمع شتات هذه القضية الخطيرة ولخَّصها في قوله: "من العلماء مَن يولَع في ذلك بالمجاز ويُغالي في ذلك لدرجة تجعله يقول: "إن اللغة كلها مجاز" كابن جني، ومنهم من يتشدَّد حتى يصل إلى القول بنفي المجاز كلية من اللغة فضلاً عن وقوعه في كتاب الله - عز وجل - كابن تيمية، ومنهم من يرى أن اللغة مشتملة على المجاز بكل صوره، لكنه يرى أن المجاز غير واقع في كتاب الله - تعالى - تنزيهًا له عن الطعن فيه بوقوع الكذب أولاً، وبنسبة العَجز لله - سبحانه وتعالى - عن التعبير بالحقيقة ثانيًا". ثم خلص فضيلته أيضًا من ذلك إلى القول بأن: "من العلماء المُعتدلين من يذهب إلى أن المجاز واقع في القرآن، إلا أنه يجب تنزيه صفات الله - سبحانه وتعالى - وكل ما أخبر به عن نفسه، عن القول بوقوع المجاز فيه؛ لأن الله - تعالى - ليس كمثله شيء".
    [28] البخاري (3017).
    [29] البخاري (3014)، ومسلم (1744).

    التعديل الأخير تم بواسطة ام هالة30; الساعة 29-01-2015, 01:58 AM.

    تعليق

    يعمل...
    X