إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود ) // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود ) // مفهرس





    إن أولى الناس بالأنبياء هو من اتبع ما جاءوا به من الحق المبين، واقتفى آثارهم فيما يرضي رب العالمين، فمن كان كذلك
    فهو حقيق أن ينتسب إليهم، وأن ينال شرف ذلك، والانتساب إلى الأنبياء
    والرسل عليهم السلام ليس بالتمني ولا بالتحلي ولا بالدعاوى الكاذبة، بل هو قول وعمل.


    أخوة الأنبياء عليهم السلام

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
    من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
    "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
    [آل عمران:102].
    "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
    تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
    [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
    فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد: روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود وتتخذه
    عيداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صوموه أنتم)".

    وفي رواية: (كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيداً، ويُلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم)
    أي: زينتهم وعلاماتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فصوموه أنتم).

    وروى الشيخان أيضاً عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: ما هذا؟! قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه،
    فقال صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى منكم) فصامه صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه.

    وفي رواية: فقال لهم: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟! قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون
    وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه
    ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه
    رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر بصيامه).


    وفي رواية لـأبي داود : (حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله! إنه يوم
    تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام القادم -إن شاء الله- صمت اليوم التاسع،
    فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم)
    .
    قال العلماء: المعنى: لأصومن التاسع مع العاشر؛ مخالفة لليهود.



    أيها الإخوة في الله! وقفتنا في مناسبة عاشوراء ومشروعية صيامه لا تختص بهذا اليوم، وإنما تمتد لتقعد قاعدة من قواعد
    الصراع العقدي بين الإسلام وغيره من الملل والنحل.
    وقفة مع قول الهادي البشير صلى الله عليه وسلم لما رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء؛
    لأن الله نجى فيه موسى ومن معه: (نحن أحق وأولى بموسى منكم).
    إن هذا الحديث -وغيره من أدلة الكتاب والسنة- يدل على عدد من القواعد والأصول، وسنقف عند بعضها هذا اليوم.


    أخوة الأنبياء في العقيدة

    العقيدة تجمع الأنبياء والرسل جميعاً، فهم على عقيدة واحدة تقوم على عبادة الله وحده لا شريك له وإن اختلفت شرائعهم، وشريعة كل نبي تبع لهذه العقيدة ومنبثقة منها، ولا تصح العقيدة لأي قوم إلا باتباع الشريعة التي جاء بها نبيهم،
    ومن ثم قال كل نبي لقومه كما أخبر الله: "أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ" [نوح:3]،
    فالتلازم بين الشريعة والعقيدة جاء به جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام بلا استثناء.




    عدم جواز التفريق بين الأنبياء عليهم السلام


    الأنبياء أخوة فيما بينهم، ونحن المسلمين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم نؤمن بهم جميعاً دون استثناء، ودون أن نفرق بينهم
    كما قال تعالى: "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ
    رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"
    [البقرة:285].

    أما من فرق بين الرسل فإنه كافر كائناً من كان، قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ
    وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا
    لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
    " [النساء:150-152].


    صور من أخوة الأنبياء فيما بينهم

    لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم كيف تكون مدرسة الأنبياء واحدة، وهذه وقفات نقفها مع
    رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخوانه من الأنبياء:
    أولاً: روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    (يجيء نوح وأمته فيقول الله تعالى له: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب! فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول نوح: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، قال صلى الله عليه وسلم: فنشهد أنه بلغ"،
    وهو قول الله جل ذكره: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143])،
    فآخر نبي وأمته يشهدون لأول الرسل نوح أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة.

    ثانياً: لقد كان صلى الله عليه وسلم يدافع عن إخوانه الأنبياء، ويبرئهم مما رموا به، فعن ابن عباس رضي الله عنهما
    قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت -أي: الكعبة- فوجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم، فقال
    صلى الله عليه وسلم: أما هم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وهذا إبراهيم مصور، فماله يستقسم؟!)

    رواه البخاري .
    وفي رواية أخرى له أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت،
    ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال: (قاتلهم الله! والله! إن استقسما بالأزلام قط)
    أي: ما استقسما بالأزلام قط.

    ثالثاً: لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم، فقالوا: ليس عن هذا نسألك،
    قال: فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فعن معادن العرب تسألون؟
    خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)
    .
    فهذه شهادة من نبينا الكريم بأن أتقى الناس يوسف ابن نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله، الكريم ابن الكريم ابن الكريم
    ابن الكريم كما ثبت ذلك أيضاً في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    وهكذا تكون مدرسة الأنبياء جميعاً مدرسة واحدة.

    رابعاً: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته من بعدهم بقتل الوزغ كما في صحيح البخاري أنه قال:
    (إنه كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام) أي: أنه كان ينفخ عليه حين ألقي في النار؛ لتزداد النار عليه إيقاداً.
    وقد روى الإمام أحمد وابن ماجة : (أن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه إلا الوزغ فإنها كانت
    تنفخ عليه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها)
    .
    فتأملوا هذا الحكم الشرعي: مشروعية قتل الوزغ، وتأملوا العلة؛ لأنه كان ينفخ على إبراهيم، فأي آصرة هذه التي تجمع
    بين أنبياء الله جميعاً عليهم أفضل الصلاة والتسليم؟! وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عن موسى: (نحن أحق بموسى منكم).

    خامساً: رسول الله صلى الله عليه وسلم يربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فعن أبي ذر رضي الله عنه
    قال: (قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت: ثم أي؟
    قال: المسجد الأقصى، فقلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعدُ فصله،
    فإن الفضل فيه).
    رواه البخاري .

    وعلى هذا فبناء سليمان عليه السلام لبيت المقدس إنما هو تجديد لمسجدٍ بُني قبله، وليس كبناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام للكعبة. وهكذا تتفق مدرسة الأنبياء، فهي مدرسة عقيدة واحدة تتبعها شريعة يأتي بها كل نبي، فكل شريعة أتى بها نبي فهي
    تابعة لعقيدته، حتى ختمت الشرائع بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فصار لا يقبل من أي أحد شريعة إلا الشريعة
    التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام.
    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل الكريم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.




    امتداح النبي صلى الله عليه وسلم ليوسف عليه السلام بالتقوى والصبر

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
    ومن سار على نهجهم، واهتدى بهداهم إلى يوم الدين. وبعد: وتستمر هذه المدرسة.

    سادساً: ويمتدح النبي صلى الله عليه وسلم موقفاً عظيماً من مواقف يوسف عليه الصلاة والسلام وهو في السجن، حيث إنه عليه الصلاة والسلام سجن ظلماً بمكيدة امرأة العزيز التي راودته عن نفسه، وصرحت للنسوة اللاتي تحدثن عنها،
    فاحتالت عليهن حتى رأينه فقطعن أيديهن، وقالت لهن بعد ذلك كما ذكر الله عنها: "قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ
    رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ
    " [يوسف:32-33]

    فسجنوه، ومكث في السجن بضع سنين، وجرى له في السجن مع بقية المسجونين ما قصه الله علينا، ثم رأى ملك مصر
    رؤياه وطلب تعبيرها، فتذكر أحد أصحاب يوسف الذين خرجوا من السجن يوسف وتعبيره للرؤى،
    فطلب مقابلته في السجن، فقابله وعبر له رؤيا الملك، وكان تعبيره لها ذا أثر عظيم في اقتصاد مصر في ذلك الوقت
    لسنين طويلة، فأعجب الملك هذا التعبير للرؤيا وأمر بالإفراج عنه، بل وأمر أن يأتوا به إليه ليقابله فوراً،
    قال تعالى: "وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ" [يوسف:50]،

    لكن هيهات أن يقبل يوسف الخروج من السجن إلا بعد أن تكشف الحقيقة في سبب سجنه؛ لأن المعلن للناس
    أمر عظيم يتعلق بالعرض، حيث اتهم بمراودة امرأة العزيز ، وسجن لأجل ذلك، ولهذا أبى يوسف أن يخرج مع أنه ذاق
    السجن وأهواله بضع سنين، قال الله تعالى عن يوسف: "وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ
    فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ"
    [يوسف:50]،

    وإنما قال يوسف: ما بال النسوة؛ لأنهن شواهد على تصريح امرأة العزيز وكشفها للحقيقة أمامهن، حيث ذكرت لهن أنها راودته عن نفسه، وأنه استعصم عنها، وأنه إن لم ينفذ هذه الجريمة فسيكون مصيره السجن.
    واستدعى الملك النسوة، وكشفن الحقيقة كاملة كما قص الله ذلك، واعترفت امرأة العزيز بفعلتها واعتذرت،
    فلما كُشفت الحقيقة وظهرت براءة يوسف خرج يوسف عليه السلام من السجن معززاً مكرماً،
    قال الله تعالى بعد ذلك: "وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ" [يوسف:54] إلى آخر الآيات حيث مكن الله ليوسف كما هو معلوم من قصته.

    ولقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم موقف يوسف عليه الصلاة والسلام بأسلوب يدل على مبلغ التواضع
    الذي بلغه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبأسلوب يدل على امتداحه لهذا الموقف الكريم من يوسف عليه الصلاة
    والسلام، حيث أبى يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن إلا بعد إثبات البراءة،
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم كما روى عنه البخاري: (يرحم الله لوطاً! لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن
    طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي).

    قال ابن حجر رحمه الله: أي: لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن، ولما قدمت طلب البراءة، فوصفه بشدة الصبر
    حيث لم يبادر بالخروج، وهذا قاله صلى الله عليه وسلم تواضعاً.




    امتداح النبي صلى الله عليه وسلم لموسى عليه السلام

    أما حديثه صلى الله عليه وسلم عن موسى عليه الصلاة والسلام فكثير، ومنه هذا الحديث الذي قاله صلى الله عليه وسلم
    في صيام يوم عاشوراء: (نحن أحق بموسى منكم).
    ومن ذلك حديثه عن إيذاء بني إسرائيل له حين اتهموه بعيب في بدنه، قال صلى الله عليه وسلم: (إن موسى كان رجلاً حيياً
    ستيراً لا يُرى من جلده شيئاً استحياءً منه، وآذاه من آذاه من بني إسرائيل فبرأه الله تعالى)
    وذكر بقية الحديث الذي رواه البخاري .
    ولما قسم النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام قسماً قال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فلما أخبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول هذا القائل، قال عبد الله : فغضب رسول الله صلى الله عليه
    وسلم حتى رأيت الغضب في وجهه ثم قال: (يرحم الله موسى! لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر)،
    فهذا اعتراض من منافق على قسمة قسمها رسول الله، وإنها لكلمة كبرى قالها هذا المنافق في محمد بن عبد الله
    صلى الله عليه وسلم، ولكنه يصبر ويتصبر، ويذكر إخوانه الصابرين من المرسلين، ومنهم موسى،
    والله تعالى يقول له: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ" [الأحقاف:35].

    وكم في هذه الأيام من معترض على شريعة الإسلام، وحدودها، وأحكامها، في تحريم الزنا، والربا، والقتل، وشرب الخمر، وفي تشريع الحجاب للمرأة المسلمة، وفي غيرها من أحكام الإسلام التي تشمل جميع نواحي الحياة.

    ويدافع النبي صلى الله عليه وسلم عن أخيه موسى عليه السلام، ويمنع من تفضيله عليه إذا كان على وجه الحمية
    والعصبية وانتقاص المفضول،
    فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
    (بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئاً فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر! فسمعه رجل من الأنصار فلطم
    وجهه وقال: تقول: لا والذي اصطفى موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟! فذهب إلى النبي صلى
    الله عليه وسلم فقال: أبا القاسم! إن لي ذمة وعهداً، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: لِمَ لطمت وجهه؟ فذكره،
    فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤي الغضب في وجهه، ثم قال: لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في
    الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من أبعث فإذا موسى
    آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي؟).


    فانظروا إلى هذا التواضع من نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، وهذا الدفاع عن موسى كليم الله عليهم جميعاً
    أفضل الصلاة والتسليم.
    ولا شك أن الأنبياء يتفاضلون كما قال تعالى: "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ" [البقرة:253]،
    ولا شك أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل الأولين والآخرين، وهو سيد ولد آدم، ولكن المفاضلة الخاصة بين نبيين
    إذا جاءت على وجه الحمية والعصبية والتنقص للمفضول فلا تجوز، والرسول صلى الله عليه وسلم هنا يعلمنا دروساً
    تربوية كبرى، فهو عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه كيف يكون احترام أنبياء الله ومعرفة منازلهم.

    وإن بغضنا لليهود أو النصارى لأجل كفرهم وشركهم، وتحريفهم لكتبهم، وكفرهم وتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم؛
    كل ذلك لا يجعلنا نتعدى أو نظلم فنتكلم بكلام قد يشم منه التنقص لأنبياء الله الصادقين. وتلك -والله-
    دروس تربوية من هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام تعلمنا كيف تكون مدرسة الأنبياء مدرسة واحدة.

    ولكن لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود: (نحن أحق بموسى منكم؟) هذا ما سنعرض له إن شاء الله لاحقاً. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين،
    اللهم دمر أعداء الدين من اليهود والنصارى والوثنيين وأتباعهم يا رب العالمين!
    اللهم انصر عبادك الموحدين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم،
    اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم.

    اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، اللهم أشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره،
    واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم إنا نسألك أن توفقنا إلى الإيمان، اللهم إنا نسألك أن تثبتنا على الإيمان،
    اللهم أعذنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح أولادنا، وبيوتنا، وجميع المسلمين يا رب العالمين!
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    إسلام ويب

    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 31-10-2014, 11:22 PM. سبب آخر: تنسيق للفائدة
    رحمك الله يا أمي
    ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
    وظني بكـَ لايخيبُ

  • #2
    رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )


    نحن أحق بموسى منكم2


    روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه - قال: كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود وتتخذه عيداً ،
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( صوموه أنتم ))
    .
    وفي رواية : كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء ، يتخذونه عيداً، ويُلبسون نساءهم فيه حُليهم وشارتهم- أي الزينات-
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( فصوموه أنتم )).

    وروى الشيخان- أيضاً - عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال : (( ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح نجّى الله فيه موسى وبنى إسرائيل من عدوهم، فصامه. فقال صلى الله عليه وسلم : "أنا أحق بموسى منكم )) ، فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه .
    [ رواه البخاري (2004)، وفي غير موضع من الصحيح، ومسلم (1130)] .
    وفي رواية: فقال لهم : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ قالوا : هذا يوم عظيم،
    أنجى الله فيه موسى وقومه ، وغرّق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً ، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فنحن أحق وأولى بموسى منكم ". فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه
    (2).

    وفي رواية لأبي داود ( 2445) : حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا: يا رسول الله ! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( فإذا كان العام القابل- إن شاء الله- صمت اليوم التاسع، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم )) .

    قال العلماء : (المعنى: لأصومنّ التاسع والعاشر مخالفة لليهود).
    ووقفتنا- في مناسبة عاشوراء- ومشروعية صيامه عندنا وقفة لا تختص بهذا اليوم، وإنما تمتد لتقعّد قاعدة من قواعد الصراع العقدي بين الإسلام وغيره من الملل والنحل.
    وقفة مع قوله صلى الله عليه وسلم لما رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، لأن الله نجّى فيه ونصر موسى ومن معه: "نحن أحق وأولى بموسى منكم " سبق تخريجه



    فما الأصول والقواعد التي يدلّ عليها هذا الحديث وغيره من أدلة الكتاب والسنة؟
    أولاً : أن العقيدة التي تجمع الأنبياء والرسل جميعاً واحدة، تقوم على عبادة الله وحده لا شريك له، وإن اختلفت شرائعهم.
    وشريعة كل نبي تبع لهذه العقيدة ومنبثقة منها، ولا تصح العقيدة لأي قوم إلا باتباع الشريعة التي جاء بها نبيهم. ومن ثم قال كل نبي لقومه (( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ)) (الشعراء 109- 110) .
    فالتلازم بين الشريعة والعقيدة جاء به جميع الرسل- عليهم الصلاة والسلام-.

    ثانياً : أخوّة الأنبياء فيما بينهم، ونحن نؤمن بهم جميعاً دون أن نفرق بينهم (( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ
    كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ))

    (البقرة:285.)
    فمن فرق بين الرسل فقد كفر،
    قال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً ، وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً )) (النساء 150 -152)

    ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تكون مدرسة الأنبياء واحدة:
    ا- روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يجيء نوح وأمته ، فيقول الله تعالى : هل بلّغت ؟ فيقول : نعم إي ربّ . فيقول لأمته : هل بلغكم : فيقولون : لا، ما جاءنا من نبي. فيقول
    لنوح: من يشهد لك ؟ فيقول !. محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فنشهد أنه بلغ، وهو قوله جل ذكر :
    (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)) (البقرة: 143)

    [ البخاري- كتاب الأنبياء، حديث رقم (3339)، وفي غير موضع. وأحمد (3/ 32، 58)] .
    تأملوا: آخر نبي وأمته، يشهدون لأول الرسل نوحاً أنه بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة.

    2- وقد كان صلى الله عليه وسلم يدافع عنهم ويبرئهم مما رموا به. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت- أي الكعبة- فوجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال عليه الصلاة والسلام : : "أما هم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، هذا إبراهيم مصوّر فماله يستقسم؟ " [ رواه البخاري (3351ـ3352) ].

    3- ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أكرم الناس؟ قال: (( أتقاهم )) . فقالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : "فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله ". قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فعن معادن العرب تسألون؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " [البخاري (3353) وانظر رقم ( 3382)].

    4- بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ [البخاري رقم (3359) ]، لأنه كان ينفخ على إبراهيم-
    عليه السلام- حين ألقي في النار.
    وقد روى أحمد وابن ماجه: أن إبراهيم لما ألقي في النار، لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه، إلا الوزغ، فإنها كانت تنفخ عليه ،
    فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها"

    [ أردوه ابن حجر في الفتح (6/395) ط . السلفية وسكت عنه ]

    قفوا وتأمّلوا هذا الحكم الشرعي- مشروعية قتل الوزغ- وما هي العلة ؟ لأنه كان ينفخ على إبراهيم- عليه السلام-
    أي آصرة هذه التي تجمع بين أنبياء الله؟ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال ليهود: "نحن أحق بموسى منكم ".



    5- ويربط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: (( المسجد الحرام "، قال: قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: كم كان بينهما؟ قال: "أربعون سنة". "ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصلّه فإن الفضل فيه)) [ رواه البخاري (3366)] .

    وعلى هذا، فبناء سليمان- عليه السلام- لبيت المقدس،
    إنما هو تجديد لمسجد نبي قبله، كبناء إبراهيم- عليه السلام- للكعبة .
    [انظر تحقيق ذلك والخلاف فيه : في الفتح (6/408)] .

    6- ويمتدح صلى موقفاً عظيماً من مواقف يوسف- عليه الصلاة والسلام- وهو في السجن، حيث إنه سجن ظلماً بمكيدة امرأة العزيز التي راودته عن نفسه، وصرحت للنسوة اللاتي تحدثن عنها فاحتالت عليهن حتى رأينه فقطعن أيديهن وقالت لهن- كما ذكر الله تعالى عنها-: (( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ ، قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)) (يوسف: 33- 32) .

    . فسجنوه، ومكث في السجن بضع سنين، وجرى له في السجن مع بقية المسجونين ما جرى، ثم رأى الملك رؤياه، وطلب تعبيرها، فتذكر أحد أصحاب يوسف- عليه السلام- الذين خرجوا من السجن يوسف وتعبيره للرؤى، فطلب مقابلته في السجن، فقابله، وعبر له رؤيا الملك، وكان تعبيره لها ذا أثر عظيم في اقتصاد مصر لسنوات طويلة.
    فأعجب الملك هذا التعبير للرؤيا، وأمر بالإفراج عنه، بل وأن يأتوا به إليه ليقابله فوراً. قال تعالى : (( وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِه)) (يوسف: من الآية50) .

    لكن هيهات أن يقبل يوسف الخروج من السجن إلا بعد أن تكشف الحقيقة حول سبب سجنه ، لأن المعلن للناس أمر عظيم يتعلق بالعرض حيث اتهم بمراودة امرأة العزيز.
    ولهذا أبى يوسف- عليه السلام- أن يخرج- مع أنه ذاق أهوال السجن بضع سنين-.
    قال تعالى عن يوسف- عليه السلام-: (( وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ)) (يوسف:50)
    . وإنما قال : ((مَا بَالُ النِّسْوَةِ )) لأنهن شواهد على تصريح امرأة العزيز وكشفها للحقيقة أمامهن حيث ذكرت أنها راودته وأنه استعصم وأنه إن لم ينفذ هذه الجريمة فسيكون مصيره السجن.

    واستدعى الملك النسوة، وكشفن الحقيقة كما قص الله ذلك واعترفت امرأة العزيز بفعلتها.
    فلما كشفت الحقيقة وظهرت براءة يوسف- عليه السلام- خرج من السجن معززاً مكرماً.
    قال تعالى : (( وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)) (يوسف:54) إلى آخر الآيات ، حيث مكن الله ليوسف- عليه السلام- كما هو معلوم من بقية قصته.

    فكيف امتدح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم موقف يوسف- عليه السلام-؟ لقد امتدحه بأسلوب يدلّ على مبلغ التواضع الذي بلغه نبينا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.
    لقد قال صلى الله عليه وسلم - كما روى عنه البخاري-:
    "يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو ثبت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي "
    [ رواه البخاري (3372) و(3387) ] .
    قال ابن حجر- رحمه الله- : ( أي لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن ولما قدمت طلبت البراءة، فوصفه بشدة الصبر حيث لم يبادر بالخروج ، وإنما قاله صلى الله عليه وسلم تواضعاً) [ الفتح (6/413)] .

    7- أما حديثه صلى الله عليه وسلم عن موسى- عليه الصلاة والسلام-، فكثير " فمنه : حديث صيام عاشوراء: (( نحن أحق بموسى منكم )) . ومن ذلك : حديثه عن إيذاء بني إسرائيل له حين اتهموه بعيب في جلده. قال صلى الله عليه وسلم
    : "إن موسى كان رجلً حيياً ستيراً لا يُرى من جلده شيء استحياءً منه، وآذاه من آذاه من بني إسرائيل... " وذكر بقية الحديث وتبرئة الله له كما في البخاري (3404).

    ولما قسم النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام قسماً قال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فلما أخبر عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول هذا القائل، قال: فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه، ثم قال: "يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" رواه البخاري (3405)]
    اعتراض من منافق على قسمة قسّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنها لكلمة كبرى قالها هذا طعناً في الهادي
    البشير ص ولكنه- عليه الصلاة والسلام- يتصبر ويتذكر إخوانه الصابرين من المرسلين ومنهم موسى.
    والله يقول له : (( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ )) (الأحقاف: من الآية35) .

    وكم في هذه الأيام من معترض على شريعة الإسلام وحدودها وأحكامها، في تحريم الزنا والربا وشرب الخمر، وفي تشريع الحجاب للمرأة المسلمة... وغيرها من أحكام الإسلام التي تشمل جميع نواحي الحياة.
    ويدافع النبي صلى الله عليه وسلم عن أخيه موسى، ويمنع تفضيله عليه إذا كان على وجه الحمية والعصبية وانتقاص المفضول .
    روى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال : استبّت رجل من المسلمين ورجل من اليهود ، فقال المسلم .والذي اصطفى محمد صلى الله عليه وسلم على العالمين- في قسم يقسم به-
    فقال اليهودي: والذي اصطفي موسى على العالمين. فرفع المسلم عند ذاك يده فلطم اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الذي كان من أمره وأمر المسلم.
    فقال: "لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش،
    فلا أدرى أكان فيمن صعق فأفاق قبلي ، أو كان ممن استثنى الله "
    رواه البخاري ( 3408)

    وفي رواية للبخاري- أيضاً- : بينما يهودي يعرض سلعته أعطى بها شيئاً كرهه فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه، وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم! إن له ذمة وعهداً ، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: "لم لطمت وجهه؟ "، فذكره.
    فغضب النبي صلى حتى رؤي في وجهه، ثم قال: "لا تفضلوا بين أولياء الله، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي " رواه البخاري ( 3414) .

    ولا شك أن الأنبياء يتفاضلون: (( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَات)) (البقرة: من الآية253) .
    ولا شك أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل المرسلين وهو سيد ولد آدم،
    ولكن المفاضلة الخاصة بين نبيين إذا جاءت على وجه الحمية والعصبية فلا تجوز.

    والرسول صلى الله عليه وسلم هنا، يعلمنا ويعطينا دروساً تربوية كبرى، فإذا كان هو، وهو من هو- عليه الصلاة والسلام- يعلم أصحابه كيف يكون احترام أنبياء الله ومعرفة منازلهم. وأن بغضنا لليهود أو النصارى لأجل كفرهم،
    وشركهم وتحريفهم لكتبهم، وكفرهم وتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم - ، كل ذلك لا يجعلنا نتعدى أو نظلم، فنتكلم بكلام قد يشم منه النقص لأنبياء الله السابقين، بل نحن في كل وقت وآن نعلن ولاءنا لأنبياء الله جميعا ومنهم موسى وعيسى- عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم- فنحن أحق بموسى من اليهود، ونحن أحق بعيسى من النصارى. ؟


    في المقال الماضي، وتعليقاً على قوله صلى الله عليه وسلم لليهودِ لما رآهم يصومون يوم عاشوراء: "نحنُ أحقُّ بموسى منكم " [ رواه البخاري (2004)وفي غيرِ موضع من الصحيح ومسلم (1130)]- كانت الإشارةُ إلى أخوةِ الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- وكيف كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يتحدثُ عنهم، ويذكرُ مآثرهم ومواقفهم وصبرهم،
    ومنهم موسى- عليه الصلاة والسلام- الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحدَ المواقف التي أغضبته: "يرحمُ اللهُ أخي موسى قد أُوذي أكثرَ جمر من هذا فصبر" [ رواه البخاري (3150) وفي غير موضع، ومسلم (1062) ]


    وهذا المقال نعرضُ للشقِّ الثاني من الموضوع، ألا وهو:
    لماذا كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصحبهِ أحقُّ بموسى من اليهود؟

    وما الذي صنعهُ اليهود حتى لا يكونوا أهلاً للانتسابِ إلى نبي الله موسى؟


    إن اليهودَ الذين بعثَ فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رفضوا الهُدى بحجةِ اتباع الآباء والأجداد، فقد ورد أنه لما دعا رسولُ الله اليهودَ إلى الإسلام، ورغبهم فيه، وحذرهم عذابَ الله ونقمته، قال له رافعُ بن خارجةَ
    ومالكُ بن عوف- وهما من أحبارِ يهود بني قينقاع-: بل نتبعُ يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا،
    فهم كانوا أعلم وخيراً منا. فأنزل الله تعالى فيهم: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا
    أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(
    البقرة:170)


    فهو التقليدُ الأعمى الذي يقودهُ الهوى والتعصب لقوميتهم وعرقهم، وهو التاريخُ الممتد لهؤلاء اليهود- منذ عهد يعقوب- عليه السلام- وإلى أن يخرجوا مع الدجال إذا خرج حيث سيكونُ معه سبعون ألفاً من يهود أصبهان- كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح- ويستثنى منهم المؤمنون الصادقون أتباع أنبيائهم، ومن آمن منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبعوه.

    وحتى لا يطولُ بنا المقام- والحديثُ عنهم طويل- نجيبُ عن التساؤلات السابقة
    أولاً: أن ذمَّ اليهود والحديث عن طبيعتهم ومكرهم وكيدهم وكفرهم، وتكذيبهم بأنبيائهم، بل وقتلهم لهم، إلى آخر ما وردَ فيهم، جاءَ به كتابُ رب العالمين الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد.
    فالعداءُ معهم ليس سببه- قضيةً أو أزمةً معينة- إذا انتهت زالَ العداء: قال تعالى عنهم: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(الأعراف:167)

    و
    ( تَأَذَّنَ ) بمعنى: أعلم، أو أمر. يقول ابن كثير- رحمهُ الله-: (وفي قوةِ الكلامِ ما يفيدُ معنى القسم من هذهِ اللفظةِ، ولهذا تلقيت باللام في قوله (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ) أي: على اليهود، إلى يومِ القيامة من يسومهم سوءَ العذاب،
    أي بسببِ عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه، واحتيالهم على المحارم، ويُقال: إنَّ موسى - عليه السلام- ضربَ عليهم الخراج سبع سنين، وقيل: ثلاث عشرة سنة، وكان أولُ من ضرب الخراج.

    ثمَُّ كانوا في قهرِ الملوك من اليونانيين والكشدانيين والكلدانيين، ثُمَّ صاروا في قهرِ النصارى و إذلالهم إياهم، وأخذهم منهم الجزية والخراج، ثمَّ جاءَ الإسلامُ ومحمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- فكانوا تحت صغارهِ وذمته
    يؤدون الخراج والجزية. قال العوفي عن ابن عباسٍ- رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية: هي المسكنة، وأخذ الجزية منهم.

    وقال علي بن أبي طلحةَ عنه: هي الجزية، والذين يسومونهم سوءَ العذاب: محمد وأمته إلى يوم القيامة... قلت- أي ابن كثير-: ثم آخر أمرهم أنهم يخرجون أنصار الدجال، فيقتلهم المسلمون مع عيسى ابن مريم- عليه السلام- وذلك آخرُ الزمان " [ انظر : تفسير ابن كثير (2/259)ط.دار المعرفة]


    فهذا خبرُ الله عن ملاحمنا مع اليهود، فهل نعي هذه الحقائقَ القُرآنية التي لا يطرقُ إليها شكٌ أو ريب؟!
    و أقرءوا هذه الآيات التي تبينُ الفرقَ بين أمةِ محمد-صلى الله عليه وسلم- واليهود، وكيف يكون الصراعُ بينهم.

    قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ. لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ
    يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ.ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ
    مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)
    (آل عمران:110 ـ 112)

    - فخيريةُ هذه الأمةُ في نفسها، وخيريتها للناس حين تأمرُ بالمعروف وتنهى عن المُنكر، وتُؤمن بالله.

    وقد روى البخاري عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) قال: "خيرُ الناس للناس تأتون بهم في سلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام " [ رواه البخاري (4557) ]

    ورواه البخاري مرفوعاً بلفظ: "عجب اللهُ من قومٍ يدخلون الجنةَ بالسلاسل " [ رواه البخاري (3010)] قال العلماءُ: هؤلاءِ قومٌ كفار، أسرهم المؤمنون المجاهدون في سبيل الله، فعرفوا صحة الإسلام فدخلوا فيه؟ [ انظر : الفتح (6/145) وفيه أقوالٌ أُخرى ما ذكرته أرجحها والله أعلم ]

    2- أمَّا أهلُ الكتاب- فمن آمن منهم- وهُم قلة- فهُم إلى خيرٍ وفلاحٍ- ومن فسقَ منهم وهم الأكثرون،
    فقد كتبَ الله عليهم الهزيمةَ حين يقابلهم المؤمنونَ الصادقون. قال تعالى عنهم : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا
    إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ )
    .

    قال ابنُ عباس- رضي الله عنهما- وغيره: أي بعهدٍ من الله وعهدٍ من الناس. قال ابن كثير: "أي ألزمهمُ اللهُ الذلةَ والصغار أينما كانوا فلا يأمنون (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ ) أي: بذمةٍ من الله، وهو عقدُ الذمةِ وضربَ الجزيةِ عليهم، وإلزامهم أحكامَ الملة. (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) أي: أمانٍ منهم لهم، كما في المُهادن والمعاهد والأسير إذا أمنهُ واحدٌ من المسلمين ولو امرأةً، وكذا عبد على أحد قولي العلماء.


    ( وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ) أي: ألزموا فالتزموا بغضبٍ من الله، وهم يستحقونه، (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) أي: ألزموها قدراً وشرعاً، ولهذا قال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ )،
    أي: وإنما حملهم على ذلك الكبرُ والبغي والحسد، فأعقبهم ذلك الذلةَ والصغار والمسكنة أبدأ، متصلاً بذلةٍ الآخرة" [انظر : تفسير ابن كثير – رحمه الله – (1/391) عند تفسير هذه الآيات .].
    ولخبثِ اليهودِ، ابتلاهم اللهُ ففرقهم، قال تعالى: ((وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً))(الأعراف: من الآية168).

    فالحقائقُ ثابتةً لا تتغيرُ أبداً، سواءً منها ما يتعلقُ بديننا دين الإسلام الذي لا يقبلُ
    اللهُ من أحدٍ سواه، أو ما يتعلقُ بطبائعِ أهلِّ الكتاب عموماً واليهود خصوصاً.
    فنحنُ المسلمين أحقُّ بموسى وسليمان وداود وعيسى وغيرهم من أنبياء الله تعالى.



    ثانياً: أنَّ اليهودَ قد برزت انحرافاتهم الخطيرة، واعتراضاتهم على شرعِ الله
    تعالى وأمره، حتى وأنبياؤهم بين ظهرانيهم، فكيف بهم بعد موتِ أنبيائهم وتحريفِ أحبارهم ورهبانهم لكتبِ الله المنزلة عليهم:
    ا- انظروا ماذا صنعوا بموسى بعد أن نجّاهُ اللهُ وبني إسرائيل من فرعون الطاغية، وذلك بمعجزة عظيمةٍ باهرةٍ، وهي تحويلُ البحرِ إلى يابسٍ يمرون عليه، لقد طلبوا من موسى- حين رأوا قوماً يعبدون الأوثان-
    أن يجعلَ لهم آلهةً كما لهؤلاءِ آلهة، ولكن لوجودِ موسى الذي نصحهم، وبين لهم عقيدةَ التوحيدِ وحظرَ الشركِ كفراً. فلما غابَ عنهم موسى لمناجاةِ ربه عند جبلِ الطور، سرعان ما عبدوا العجلَ الذي صنعهُ لهم السامري!!!

    2- وتعنتوا على موسى فقالوا له يوماً من الأيام: لن نؤمنُ لك حتى نرى اللهَ جهرة، فأخذتهم الصاعقة، ثم بعثهم الله من بعد موتهم ورجعوا إلى الطاعة.
    3- ولأنهم أهلُ شهوةٍ وعبادةِ مال: فقد قالوا لموسى لن نصبرَ على طعامٍ واحد.
    وهو من أعظمِ الطعامِ- المن والسلوى- ولمَّا حرُم عليهم صيدُ السمكِ يوم السبت
    احتالوا على ذلك بما قصّهُ اللهُ عنهم
    في قوله تعالى: (( وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ))(الأعراف:163- 164)


    . ولما حرَّم اللهُ عليهم الشحومَ، احتالوا فأذابوه وباعوه وأكلوا ثمنه
    [ حديث صحيح رواه البخاري (2236)، وفي غير موضع من الصحيح، ومسلم (1571)، وأبو داود (3486) والترمذي (1297) وغيرهم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .

    4- وسار بهم موسى إلى الأرض المقدسةِ لفتحها، فلمَّا تقدموا واستطلعوا أحوالها قالوا: إنَّ الأرض المقدسةَ تدر لبناً وعسلاً، إلا أنَّ سُكانها من الجبارين، فنكصوا عن الجهاد، بل قالوا:
    ((قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)) (المائدة:24) .

    فابتلاهم اللهُ بالتيه أربعين سنةً، قيل: إنَّهم كانوا يسيرون يوماً وليلة أو أكثر، يبحثون عن مدينة يأوون إليها، فإذا انتبهوا وجدوا أنفسهم في مكانهم الأول.


    ثالثاً : واستمرت انحرافاتهم الخطيرة- بعد موسى- عليه السلام-:
    (1) فقتلوا عدداً كبيراً من أنبيائهم. قال تعالى عنهم: (( كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ)) (المائدة: من الآية70)

    وآخرُ من حاولوا قتلهُ: عيسى- عليه السلام-، الذي نجّاهُ اللهُ ورفعهُ إليه، ثُمَّ محمد صلى الله عليه وسلم : الذي نجاه الله وسلمه منهم.
    (2) وحرفوا دينَ اليهودية، والديانةَ النصرانية، وذلك بما قامَ به (بولس) الذي
    كان لهُ الدورُ الأكبر في تحريفِ الديانةِ النصرانية وتحويلها إلى التثليث والشرك، و (بولس) هذا يهودي من الفرنسيين، وكان من ألدِّ أعداءِ عيسى- عليه السلام- فلمَّا رُفع دخلَ في النصرانية وادّعى أن عيسى أوحى إليه بأن يدعو إلى الديانةِ المسيحية، ونشطَ في الدعوة إليها، وزعم أنَّهُ يتلقى التعاليمُ المسيحية إلهاماً، وصار أحدَ الرسل السبعين الذين نزلَ عليهم روُ القدس في اعتقاد النصارى. وصار (بولس) معلماً لمرقص (ولوقا) صاحبي الأناجيلِ المعروفة عند النصارى.
    وهكذا قلب هذا اليهودي الديانةَ والملةَ التي جاءَ بها عيسى- عليه السلام.

    رابعاً: ومن أعجبِ ما رأيتُ من تعلقِ اليهود بموسى- عليه السلام- وما جاء به
    أمران:
    الأمرُ الأول: تعلقهم بما أخبرَ اللهُ عنهم، أنَّ اللهَ اصطفاهم على العالمين- أي عالمي زمانهم- حتى نشأ عندهم ما يزعمون به أنهم شعبُ الله المختار. مع أنَّ اللهَ كتبَ عليهم الذلةُ والصغار وسوم العذاب إلى يوم القيامة.
    الأمُ الثاني : احتجاجهم على عنصريتهم لبني جنسهم، وجوازُ الاعتداءِ على غيرهم بقصةِ موسى حينما وكز المصري الفرعوني، حين استنصر به الإسرائيلي الذي كان يختصمُ معه، فلمَّا وكزه موسى قضى عليه.

    وموسى لم يكن يقصدُ قتلَ الرجل، وإنَّما أرادَ أن يدفعَ أذى الفرعوني على الإسرائيلي بضربةِ تكفه عن الأذى، ولكن هذه الضربةُ أدت إلى قتلهِ، فلمَّا رآهُ موسى قتيلاً، (( قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ)) (القصص: من الآية15)). ثُمَّ أخذَ يستغفرُ الله مما فعل، فغفرَ الله له، وكلُّ ذلك كان قبلَ النبوة.

    فكيف يحتجُّ اليهودُ بهذا على ما هو معروفٌ من طبيعتهم ومواقفهم من غير اليهود؟ ولكن لا يُستغربُ هذا منهم.
    خامساً: ا موقفُ اليهودِ من محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مع علمهم ويقينهم الذي لا
    شكَّ فيه أنَّهُ نبي، وتلك قصةٌ أُخرى طويلة معروفة.
    هذه القاعدة: "نحن أحقُّ بموسى منكم " [ حديث صحيح سبق تخريجه.]،

    نُطبقها أيضاً على غير اليهود:

    ا- نطبقُها على النصارى فنقولُ: نحنُ أحقُّ بعيسى منكم، فهو عبدُ اللهِ ورسولهُ وكلمتهُ ألقاها إلى مريم وروحٌ منه. ونبرأُ إلى اللهِ ممن عبدهُ من دُون الله، أو من زعم أنَّهُ قتل عيسى: ((بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)) (النساء:158)
    2- ونطبقها على الرافضةِ الذين يلتقونَ مع اليهودِ في بومِ عاشوراء ويفعلون فيه
    ما يفعلون، نواحاً على الحسين وآل البيت.
    فنحنُ نقولُ: نحنُ أولى بالحسنِ والحسين وبقيةِ آل البيت الطيبين منكم !!.


    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 01-11-2014, 12:34 AM. سبب آخر: تنسيق للفائدة
    رحمك الله يا أمي
    ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
    وظني بكـَ لايخيبُ

    تعليق


    • #3
      رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )


      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      جزاكم الله خيرًا وتقبل منكم
      موضوع مهم


      "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
      وتولني فيمن توليت"

      "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

      تعليق


      • #4
        رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )

        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا و رفع قدركم


        [CENTER][B][URL="https://forums.way2allah.com/forum/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85/%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8/4455003-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%8A"][COLOR=#FF0000][SIZE=36px][FONT=times new roman]مشروع تحفيظ القرآن الكريم للشباب بشبكة الطريق إلى الله[/FONT][/SIZE][/COLOR][/URL][/B][/CENTER]
        [CENTER][B][URL="https://forums.way2allah.com/forum/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85/%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8/4455003-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%8A"][COLOR=#0000CD][SIZE=36px][FONT=times new roman](القرآن حياتي)[/FONT][/SIZE][/COLOR][/URL][/B][/CENTER]

        تعليق


        • #5
          رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )

          وجزاكم مثله ونفع بكم
          رحمك الله يا أمي
          ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
          وظني بكـَ لايخيبُ

          تعليق


          • #6
            رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )

            عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيرًا ونفع بكم

            تعليق


            • #7
              رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )

              وجزاكم مثله ونفع بكم
              رحمك الله يا أمي
              ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
              وظني بكـَ لايخيبُ

              تعليق


              • #8
                رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )

                عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                جزاكم الله خيرًا ورفع قدركم

                اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

                تعليق


                • #9
                  رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )

                  وجزاكم مثله وبارك فيكم
                  رحمك الله يا أمي
                  ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
                  وظني بكـَ لايخيبُ

                  تعليق


                  • #10
                    رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )

                    جزاكم الله خيرًا ،،،

                    تعليق


                    • #11
                      رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )

                      وجزاكم مثله وبارك فيكم
                      رحمك الله يا أمي
                      ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
                      وظني بكـَ لايخيبُ

                      تعليق


                      • #12
                        رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )

                        جزاكم الله خيرا وبارك فى جهودكم

                        تعليق


                        • #13
                          رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )

                          جزاكم الله خير الجزاء
                          يثبت للاهمية

                          اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

                          تعليق


                          • #14
                            رد: نحن أحق بموسى منهم للشيخ : ( عبد الرحمن صالح المحمود )

                            للنفع
                            اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

                            تعليق

                            يعمل...
                            X