إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة رسائل من عقائد المسلم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة رسائل من عقائد المسلم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    (1) تطهير الجنان والأركان
    عن أدران الشرك والكفران

    أحمد بن حجر آل بو طامي آل ابن علي


    مقدمه

    الحمد لله الذي أمرنا بالعبادة : بطاعته وطاعة رسوله ، ووعدنا بالحسنى مع الزيادة . والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، البالغ منتهى الشرف والسيادة ، وعلى آله وأصحابه الذين منحهم الله العزة والسعادة .

    أما بعد :

    فقد حورب الإسلام منذ أن بزغ فجره بمختلف الأسلحة . ومن أشدها فتكاً ، وأخبثها مكراً ، وأكثرها رواجاً : دعاية المُخرفين والقبوريين والصوفية المبطلين الذين لم يدخروا وسعاً في نشر البدع والضلالات باسم الدين ، والدين منها بريء . كما دعوا إلى عبادة القبور وحسَّنوها للجماهير بشتى الأساليب ، من بناء القباب والأضرحة عليها وتزويقها ، ووضع الستور النفيسة عليها ، وجعلوا السدنة حولها ليطوفوا بالزائرين حول الضرائح ، ويعلموهم كيف يدعون الأولياء ، وينزلون بهم حاجاتهم ، بدلًا من اللجوء إلى الحي الذي لا يموت ، ومَن بيده ملكوت كل شيء . واخترعوا حكايات وكرامات مختلفة لا تمتّ إلى الصحة بسبب ، وأنشدوا قصائد تطفح بالاستغاثات والنداءات التي لا تصلح إلا لخالق الأرض والسماوات .

    وألفوا كتبا تدعو إلى عبادة الأنبياء والصالحين ، سبكت في قالب حب الأنبياء والأولياء ، وأنهم هم الشفعاء لنا عند الله ، والواسطة بيننا وبينه تعالى . وعززوا أباطيلهم بأحاديث موضوعة ، وبأقيسة فاسدة ، وبما لا يدل على مطلبهم من آية أو حديث صحيح كما سترى في هذه الرسالة إِن شاء الله تعالى .

    وعم هذا الداء الوبيل سائر الأقطار الإسلامية ، ولم يسلم منه إلّا القليل من عباد الله الصالحين والعلماء العاملين الذين عرفوا التوحيد الذي جاء به الأنبياء والمرسلون . وصانوه من كل شبهة وبدعة ، وقد حفظ الله تعالى الأقطار الإسلامية في جزيرة العرب من أوثان الأضرحة والمقامات والمشاهد والمزارات لتكون قدوة للمسلمين . وانتشرت دعاية الشيطان للوثنية الجديدة ، ونشط لها المبشرون بالضلال وعبادة غير ذي الجلال ؛ فانخدع بها أكثر المسلمين كما انخدع بها مَنْ قبلهم ، وانصرفوا عن توحيد الإله العظيم خالق الأنام ومدبر أمورهم ، وأخذوا يتقربون إلى قبور الأنبياء والصالحين ، وإلى الأشجار والغيران المنسوبة إليهم بأنواع النذور والدعوات لكشف ضر نزل بهم ، أو طلب حاجة لهم ، مما ليس في قدرة أحد إلا رب العالمين ، وطافوا بالأوثان الجديدة والقديمة كما يطاف بالكعبة المعظمة ، وشدّوا الرحال من الأماكن الشاسعة بقصد الحج لتلك المزارات البدعية ، وأوقفوا الأموال الطائلة على تلك العتبات المقدسة عندهم حتى لتجتمع في خزائن بعض المقبورين أموال طائلة يتقاسمها القائمون عليها ، ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم ؛ لقد قال :

    أحياؤنـــــا لا يرزقــــون بــــدرهم * وبــــألف ألـــفٍ تـــرزق الأمـــوات
    مَـنْ لـي بحـظ النـائمين بحـفرة * قــامت علــى أعتابهـا الصلـوات
    يسـعى الأنام لها ويجري حولها * بحــــر النــــذور وتُقــــرأ الآيــــات
    ويقال هذا الباب باب المصطفى * ووســيلة تقضــى بهـا الحاجـات


    وإنك لتجد الزحام حول تلك القبور واختلاط الرجال بالنساء ، وبكاء الكثيرين وصراخهم وعويلهم ودوي أدعيتهم .

    كما تجد كثيراً من مدعي العلم ومروجي الضلال يحسنون لهم تلك الأعمال ويحضونهم على تلك المنكرات يبتغون بذلك عرض الحياة الدنيا . وقد أتى العوام هذه الشركيات والبدع والضلالات ، باعتقاد أنها من صميم الدين ، وأنها تقربهم إلى رب العالمين ، لكونهم مخدوعين بدعايات أدعياء العلم ورؤساء الضلال ، وسدنة الضرائح . والويل كل الويل لمن أنكر عليهم وبين لهم أن هذه الأعمال ليست من الدين بشيء ، بل تنافيه ، والدين منها بريء ، وأن الواجب عليهم أن يُفردوا ربّهم بهذه العبادات التي يتقربون بها إلى هؤلاء الأموات ، الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشوراً فضلًا عن أن يملكوا ذلك لغيرهم .

    فالعلماء إزاء هذه البدع والشركيات أصناف ثلاثة :

    صنف يؤيد تلك البدع والخزعبلات ويدعو إليها ، وقد يكتب وينشر في تأييد مذهبه ، جهلاً أو طلبا لمصلحة دنيوية .

    وصنف يعرف الحق ، وأن ما عليه جمهور الناس باطل وضلال ، لكنه يساير العامة وأشباههم ، خوفاً أو طمعاً .

    وصنف ينكر ذلك ويدعو الناس إلى ترك تلك المحدثات ويرشدهم إلى التوحيد والتمسك بالسنة المطهرة ، وقليل ما هم .

    وبالرغم من كثرة المؤلفات في هذا العصر ، وانتشار التعليم والثقافة وكثرة المتعلمين والدعاة ، فإن أكثرهم لم يهتموا بعلم التوحيد ، لا سيما توحيد الألوهية . لأن مقاومة النفس والشيطان لمنهج الحق أعظم منها لما دونه .

    لهذا رأيت أن الحاجة ماسة إلى وضع رسالة في بيان أقسام التوحيد ، وبسط الكلام على توحيد الألوهية معززاً بالأدلة من القرآن الكريم وأحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم الصحيحة أو الحسنة ودفع شبه المبتدعة ، لعل الله ينفع بها عباده ، وهذه هي دعوة الرسل سواء كثر المستجيبون أو قلّوا .

    ولكن كثرة الشواغل لم تقو العزم حتى زارنا الشيخ عبد الحميد البكري السيلاني ، الداعي لتوحيد الله وإفراده بالعبادة ، والتمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، والمحارب للبدع والمحدثات ، والزيادة في دين الإسلام .

    وقد ذكر لنا الأخ المذكور أنه يلاقي كثيراً من العناء في "سيلان" من الذين يدعوهم إلى نبذ الخرافات والبدع ، وعبادة غير الله ، وطلب مني أن أمضي فيما عزمت عليه من تأليف هذه الرسالة ففعلت ، وقد ترجمها إلى اللغة المليبارية أخونا الفاضل محمد سليم ميران المليباري .

    أسأل الله العظيم أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وموجباً للفوز بجنات النعيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .



    يتابع بإذن الله
    يا الله
    علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة


  • #2
    رد: سلسلة رسائل من عقائد المسلم

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    اللهم آمين
    ما شاء الله
    جزاكم الله خيراً كثيراً ابنتنا الفاضلة
    مواضيعكم غزيرة ووفيرة بالفوائد
    وفقكم الله ونفع بكم
    تسجيل متابعة بإذن الله

    قال الحسن البصري - رحمه الله :
    استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
    [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


    تعليق


    • #3
      رد: سلسلة رسائل من عقائد المسلم

      المشاركة الأصلية بواسطة أبوالمعالـي مشاهدة المشاركة
      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      اللهم آمين
      ما شاء الله
      جزاكم الله خيراً كثيراً ابنتنا الفاضلة
      مواضيعكم غزيرة ووفيرة بالفوائد
      وفقكم الله ونفع بكم
      تسجيل متابعة بإذن الله
      بارك الله فيكم ونفع بكم

      شرفت بمروركم

      يا الله
      علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

      تعليق


      • #4
        رد: سلسلة رسائل من عقائد المسلم

        سبب الشرك الغلو في الصالحين



        ومن هنا نعلم أن الشرك إنما حدث في بني آدم بسبب الغلو في الصالحين .
        ومعنى الغلو : زيادة التعظيم بالقول والاعتقاد ، ولهذا قال الله تعالى :
        يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُ*سُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّـهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا
        أي لا تفرطوا في تعظيمه حتى ترفعوه عن منزلته التي أنزله الله ، فتنزلوه المنزلة التي لا تنبغى إلا لله .


        والخطاب وإن كان لأهل الكتاب ، فإنه عام يتناول جميع الأمة ، تحذيرا لهم أن يفعلوا بنبيهم ، مثلما فعلت النصارى بعيسى واليهود بعزير .
        ولهذا ورد في الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب ، أن رسول الله كل قال : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ، إنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله .
        أي لا تتجاوزوا الحد في مدحي ، فتنزلوني فوق منزلتي التي أنزلني الله بها ، كما غلت النصارى في عيسى فادعوا فيه الألوهية . وإنما أنا عبد الله ورسوله ، فصفوني كما وصفني ربى .



        ولكن أبى الجاهلون والمخرفون إلا مخالفة أمر رسول الله ، وارتكاب نهيه ، فناقضوه أعظم مناقضة ، وضاهئوا النصارى في - غلوهم وشركهم ، وبنوا القباب والمساجد على أضرحة الأولياء والصالحين ، وصلوا فيها- وإن كان لله لكن بقصد التعظيم للمقبورين ، وطافوا بقبورهم ، واستغاثوا ربهم في كشف الملمات وقضاء الحاجات ، ورأوا أن الصلاة في أضرحة الأولياء أفضل من الصلاة في المساجد .
        وقد ورد في الحديث الشريف عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت
        : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها ، فقال- وهو كذلك . "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما صنعوا : ولولا ذلك أبرز قبره ، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا أخرجه الشيخان .




        وجرى منهم الغلو في الشعر والنثر ما يطول عده ، حتى جوزوا الاستغاثة بالرسول وسائر الصالحين ، في كل ما يستغاث فيه بالله ، ونسبوا إليه علم الغيب!! حتى قال بعض الغلاة : لم يفارق الرسول الدنيا حتى علم ما كان وما يكون!! ، وخالفوا صريح القرآن :
        وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ

        وقال تعالى :
        إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

        -- وقال تعالى مخبرا عن رسوله :
        وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

        وقال :
        قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
        وإذ علمتم أن الشرك حدث بسبب الغلو في الصالحين ، وأنه إنما جاءت الرسل من أولهم إلى آخرهم يدعون العباد إلى إفراد الله بالعبادة ، لا إلى إثبات أنه خلقهم ونحوه ، إذ هم مقرون بذلك كما قررناه وكررناه . [وإن كان ذلك أيضا جزءا من التوحيد] .
        ولذا قالوا :
        قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّـهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أي لنفرده بالعبادة ونخصه بها من دون أوليائنا



        التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 06-10-2014, 06:05 PM.
        يا الله
        علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

        تعليق


        • #5
          رد: سلسلة رسائل من عقائد المسلم

          أنواع العبادة وأدلتها



          ونعلم أن من أنواع العبادة- كما سبق- الركوع والسجود ، والطواف والنذر ، والذبح والاستغاثة والاستعانة ، والحلف والتوكل إلى غير ذلك مما مر . فدليل الركوع والسجود قوله تعالى -
          يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩

          ودليل الصلاة والذبح قوله :
          قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٢ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ

          وقوله :
          فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴿٢إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴿٣ والحديث

          الصحيح : "لعن الله من ذبح لغير الله .
          ودليل النذر والطواف قوله تعالى :
          ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ
          ودليل الحلف ، الحديث الوارد عن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم- : "من حلف بغير الله فقد أشرك . وفي لفظ "فقد كفر" .



          ودليل الاستغاثة ، قوله تعالى .
          إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله رواه الطبراني بإسناده .
          ودليل الاستعانة ، قوله تعالى :
          إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
          - والحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
          "إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله .
          ودليل الخوف ، قوله تعالى :
          وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
          ودليل التوكل ، قوله تعالى :
          وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
          ودليل الرهبة ، قوله تعالى :
          وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
          ودليل الدعاء ، قوله تعالى :
          وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّ*كَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ
          وهذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم - كما ترى- أي لا تدع يا محمد من دون معبودك وخالقك شيئا لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا يضرك في دين ولا دنيا فإن فعلت : فدعوتها من دون الله ، فإنك إذا من الظالمين أي المشركين بالله . والرسول صلى الله عليه وسلم معصوم من الشرك وكل كبائر الذنوب ، وإنما هذا تعليم للأمة .
          وقوله :
          وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

          وقوله :
          وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّـهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴿٥وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ
          - والمستغيث بالمخلوق إنما ينادي ويدعو غير الله ، كأن يستغيث قائلا : يا رسول الله أنقذني من هذه الشدة ، أو يا عبد القادر ، أو يا دسوقي ، أو يا رفاعي ، أو يا بدوي . . . إلخ . ولا ريب أن المستغيث بغير الله داخل في عداد الظالمين المشركين .
          وكيف يستغيث العاقل المؤمن بغير الله ، وهو يقرأ هذه الآيات أو يسمعها ؟!
          ومنها قوله تعالى :
          أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ بين الله في هذه الآية ، أن المشركين من العرب ونحوهم ، كانوا يعلمون أنه لا يجيب المضطر ويكشف السوء إلا الله وحده ، فذكر ذلك محتجا عليهم في اتخاذهم الشفعاء من دونه ، ولهذا قال : "أإله مع الله" بالاستفهام الإنكاري ، أي ليس إله مع الله يجيب المضطر ويكشف السوء .



          الركوع والسجود والنذر لغير الله


          فالذي يركع أو يسجد لحي أو لميت ، أو ينذر لغير الله ، كأن ينذر لقبور الأولياء أو الصالحين ، أو يذبح لهم ، أو للأشجار أو للعيون أو للكهوف أو للمقامات والأضرحة ، أو يطوف بقبر نبي أو ولي ، كأن يطوف بقبر الرسول ، أو بقبر علي بن أبي طالب ، أو بقبر الحسن أو الحسين ، أو علي بن موسى الرضا ، أو عبد القادر الجيلاني ، أو البدوي ، أو الرفاعي أو زينب أو رقية أو يستغيث بهم في الشدائد ، كأن يقول : "يا رسول الله أنقذني ، يا سول الله فرج عني هذا الكرب ، المدد يا عبد القادر يا جيلاني . أو يطلب من غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله ، كأن يطلب من المخلوق شفاعة عند الله ، أو مغفرة للذنوب ، أو تحصيلا للجنة أو نجاة من النار ، أو أن يرزقه ولدا ، أو أن يطلعه على الغيب ، أو نحو ذلك من الأمور التي ليست في قدرة المخلوق أن يفعلها . فإنه يكون بكل فعل من هذه الأفعال مشركا بالله العظيم شركا أكبر ، لا يغفر الله له إلا أن يتوب . لقوله تعالى :
          إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا
          أما ما كان في إمكان المخلوق الحي ، فلا بأس بأن يستعين به ، مثل أن يطلب منه أن يعينه في قضاء حاجة ، أو إنقاذ من غرق أو حريق أو ما سوى ذلك .
          الأمر لله وحده والمخلوق عاجز

          هذا وقد أكثر الله في كتابه المجيد من الآيات الآمرة بعبادته وحده ودعائه وحده . كما قال الله :
          يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
          وقال الله :
          وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
          وقال :
          وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ


          وقال مبينا عجز تلك الآلهة التي عبدها المشركون من أن تجلب لهم نفعا ، أو تدفع عنهم ضرا ، بل ولا تدفع عن نفسها فضلا عن غيرها :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)
          وقال مبينا أن النفع والضر بيده لا بيد غيره :

          (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
          وأخبر الله سبحانه وتعالى أنه يبكت النصارى ويوبخهم على عبادتهم فانظروا كيف يتبرأ المسيح من عباده النصارى ويقول (:وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)

          مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) والله يعلم أن المسيح لم يأمر بعبادته ، ولا يرضى بذلك- ولكن يريد الله من هذه الآيات أن يبين للناس أن عبادة المسيح الذي هو من الأنبياء المرسلين لا تجوز ، بل ويكون شركا ، فكيف بعبادة غيره من الأولياء ، ومن الأشجار ، ومن الأحجار والكهوف ، والمقامات ؟


          ألم يسمع دعاة غير الله قول الله مخاطبا لسيد العالمين (:وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
          فإذا كان الضر النازل بالرسول لا يستطيع أن يدفعه ، فكيف يستطيع الرسول بل ومن هو دونه أن يدفع ضرا نزل بغيره ؟!!
          ألم يسمع هؤلاء قول الله العظيم (
          وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْ*بَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ألم يشرك اليهود والنصارى باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، كما قال تعالى : (
          اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَـٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )

          التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 06-10-2014, 09:48 PM.
          يا الله
          علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

          تعليق


          • #6
            رد: سلسلة رسائل من عقائد المسلم

            حجج المبتدعه في جواز التوسل والإستغاثة


            عدم ثبوت التوسل عن النبي وأصحابه

            ولذا لم يثبت التوسل عن الأنبياء بعضهم ببعض ، كما لم يثبت التوسل عن الصحابة بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يثبت عن التابعين ، ولا عن الأئمة الأربعة ولا غيرهم ممن يعتدً بهم ، ولم يتوسلوا إلا بما يلي :
            التوسل المشروع:
            التوسل المشروع ثلاثة أنواع :
            الأول : التوسل بأسماء الله وصفاته .
            الثاني : التوسل بالإيمان وبالأعمال الصالحة .
            ولم يقع في هذين خلاف بين العلماء ، سواء كان في حياة الرسول أو بعد موته .
            الثالث : التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم في حياته [ ومثله التوسل بدعاء أي مسلم صالح له في حياته ] ، كما طلب الأعرابي من الرسول أن يستسقي لهم ، وكما طلب الأعمى من الرسول أن يدعو له برد بصره- إن صح حديث الأعمى .
            وكما طلبت الجارية السوداء من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله أن يعافيها من الصرع ، فخيرها الرسول بين الصبر وبين أن يدعو لها ، فاختارت الصبر ، وسألته أن يدعو الله لها ألّا تتكشف ، فدعا لها .
            وهذا التوسل بطلب دعاء النبي أو أحد الصالحين ينقطع بموته .


            فلا يجوز لمسلم أن يأتي قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو قبر أحد المسلمين الصالحين فيسأله المدد أو قضاء حاجة ، أو غفران ذنب ، أو كشف ضر أو شفاعة أو وساطة إلى الله .
            والدليل على ذلك : أن في خلافة عمر بن الخطاب انقطع المطر وأراد عمر أن يستسقي ، وطلب من العباس رضي الله عنه أن يدعو الله لهم ، فقال : "اللهم إنّا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك نبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا" ثم قال : "قم يا عباس فادع الله" رواه البخاري .
            فلو كان طلب دعاء الرسول بعد موته جائزاً ، لما عدلت الصحابة عن الرسول إلى العباس بن عبد المطلب ، وهذا من الوضوح بمكان لا يخفى إلا على من أعماه التعصب والعناد ، وسلك سبيل أهل والضلال والفساد .
            ولزيادة الإيضاح والبيان ، نورد لكم بعض أدعية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم وحدهم المعصومون من الخطأ : فهذا أبونا آدم ، لما اقترف الخطيئة قال :
            { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وأمّا ما رواه الحاكم عن توسل آدم بحق محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال عنه الذهبي إنه موضوع . . فلا حجة في موضوع .


            كما أخبر الله عن نوح : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا }
            وقال الله مخبراً عن أيوب : { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }


            وعن يونس ، لما التقمه الحوت : { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } وعن زكريا : { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ }{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } وعن يوسف - عليه السلام- : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }
            وأدعية الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة مبثوثة في كتب السنة ، وفي كتب الأذكار . فهل يستطيع أحد أن يأتي بحرف من القرآن ، أو من السنة الصحيحة على مشروعية التوسل بالأنبياء أو بالصالحين ، فضلاً عن الاستغاثة بأحد منهم على غير الوجه المشروع ؟





            وهنا فرق ؛ فإن الاستغاثة بغير الله شرك لا ريب فيه . وأما التوسل فهو بدعة أدنى من الشرك .
            ومن الأدلة على أن التوسل يكون بالأعمال الصالحة ، ما جاء في الحديث عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة ، فتوسل أحدهم ببر والديه ، والثاني توسل بتعففه عن الزنى بعد أن جلس من المرأة مجلس الرجال من النساء ، والثالث توسل تنمية أجر الأجير بعد أن ذهب وترك أجرته ، ثم رجع بعد مدة طويلة وطلب أجرته فردها عليه فإذا هي مال كثير .
            وأما احتجاجهم بآية : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } ، فالجواب عنه :
            أن الوسيلة هنا معناها : التقرب إلى الله بأسمائه وصفاته ، أو بعمل المتوسل أو بدعاء له من غيره لا كما يقول المبتدعون ، أن نجعل الأنبياء والصالحين شفعاء ووسطاء ، فلتراجع التفاسير .
            إثبات الشفاعة للرسول صلى الله عليه وسلم
            وأما احتجاجهم بثبوت الشفاعة لنبينا صلى الله عليه وسلم ،
            فالجواب :
            لا ريب أن للرسول صلى الله عليه وسلم شفاعات متعددة أعظمها : الشفاعة العظمى يوم القيامة لإراحة الناس من عناء الموقف العظيم ، وهذه الشفاعة مخصوصة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وله شفاعة أخرى في إخراج بعض من دخل النار من الموحدين ، وأخرى رفع درجات المؤمنين في الجنة ، كلها في الآخرة .
            ولكن اعتقادنا بثبوت الشفاعة له ؛ لا يسوغ للمسلم اتكالًا على هذه الشفاعة أن يسأل رسول الله بعد موته شفاعته أو غفران ذنوبه كأن يقول : يا محمد اشفع لي ، يا محمد اغفر لي ذنبي ، أدركني ، أستجير بك ممن ظلمني ، أو أسألك يا محمد الشفاعة ، فإن هذا كله لا يجوز ، لقوله تعالى :
            { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } وقوله تعالى : { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } بل يقول : اللهم ارزقني شفاعة نبيك محمد ، اللهم شفع في محمداً . أو يقول : اللهم لا تحرمني من شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم .
            فإذا لم يجز للإنسان أن يقول مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم : اشفع لي ، أو أغثني ، أو أستجير بك . فأولى أن لا يجوز لغيره من الأولياء والصالحين . ولا يغتر بقول بعض الشعراء :


            يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
            فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

            فإن هذا الكلام شرك وضلال ، ولكن الله أعلم بقائله ، هل مات على هذا أو تاب ؟
            يقول : ما لي من ألوذ به ، ونقول له :

            لذ بالإله ولا تلذ بسواه ... من لاذ بالملك الجليل كفاه

            ويقول ما معناه : إن من نعمة النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا والآخرة ، وإن من علومه علم اللوح المحفوظ وعلم القلم مما كان ويكون .
            ونقول له : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } و { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ


            الرد على حجج المبتدعين
            ليعلم القارئ أنه ليس في التوسل بالأموات حديث صحيح أو حسن ، وكل ما يوردونه إما ضعيف أو موضوع :
            1 - حديث الاحتجاج بتوسل آدم ، فقد سبق الجواب عنه بأنه موضوع .
            2 - حديث : « "اللهم إني أسألك بحق السائلين » ، فإنه ضعيف قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ، هذا إسناد مسلسل بالضعفاء ، عطية وهو العوفي والفضيل بن مرزوق ، والفضل بن الموفق ، كلهم ضعفاء .



            ومع أنهم اختلفوا في الفضيل بن مرزوق فضعفه ابن حبان والنسائي وأبو حاتم ، ووثقه ابن معين ، فإن الجرح مقدم على التعديل . على أننا لو سلمنا بصحة الحديث ، فإن حق السائلين (بفضل الله ووعده) إجابتهم ، فهو توسل صحيح شرعي بالعمل الصالح المشروع ، وهو الدعاء والإجابة عليه من الله : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [فمعناه : بحق سؤالي لك] .
            3 - حديث فاطمة بنت أسد ضعيف أيضاً ، فإن فيه روح بن صالح المصري وهو ضعيف .
            4 - الاستغاثة في قوله تعالى في قصة موسى : { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ } ، استغاثة حي بحي فيما يقدر عليه ، وليس في هذا خلاف . على أن فعل الرجل الإسرائيلي ليس بحجة ، وإجابة موسى له وتقريره عليه ليس بحجة ، لأن ذلك قبل أن يوحى إليه .
            وسكوت الأنبياء قبل بعثتهم لا يدل على جواز المسكوت عنه . وبعد ذلك كله ليس هو في شريعتنا .
            5 - قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا } . . . الآية .
            نزلت في واقعة معينة لا تفيد العموم بمعناها ولا لفظها ، وقعت في حياته صلى الله عليه وسلم ، فمن أين أخذوا التعميم في الحياة والممات ؟



            ولو دلت على العموم في الحياة والممات لكانت مخصصة ومقصورة على الحياة ، ودليل التخصيص الأخبار الشرعية الدالة على أن الأموات لا يسمعون ولا يجيبون ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } .
            وفي الحديث الذي رواه مسلم : « "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له ، أو علم ينتفع به » .
            ولأن الصحابة ومَن بعدهم ما فهموا شمولها للموت ، ولذا لم يأت إلينا أنهم دعوه صلى الله عليه وسلم بعد الموت ، كما قد أتى إلينا أنهم سألوه الدعاء في حياته صلى الله عليه وسلم وسألوا غيره الدعاء بعد موته .
            6 - أما قولهم : "لا فرق بين الأحياء والأموات في جواز التوسل والاستغاثة ، وما ثبت لأحد المثلين ثبت للآخر ، وقد ثبتت حياة الأنبياء في قبورهم ، لأنهم أعلى مقاماً من الشهداء ، فجازت الاستغاثة والتوسل بهم وبالشهداء ، والأولياء .
            فالجواب : أن هذه المقالة مصادمة للقرآن صراحةً ، لأن القرآن يقول : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ }


            7 - وقولهم : إن الأرواح تتصرف بعد مفارقة الأجسام لأنها حية . فكلام باطل لا دليل عليه من الوحي .
            وأي تصرف لها ؟ وهل يلزم من حياتها أن تكون قادرة مجيبة للمستغيثين والسائلين ؟
            ولو جاز لنا أن نستغيث بهؤلاء لأنهم أحياء ، جاز لنا أن نستغيث بالملائكة الذين لا خلاف في حياتهم ، وبالحور والولدان ، لأنهم أحياء . سبحانك هذا بهتان عظيم ! اللهم اهدنا واهدهم إلى صراط الحق والطريق المستقيم .
            8 - حديث : "إذا أعيتكم الأمور . . . " فإنه مكذوب ومن وضع الزنادقة الذين قصدوا إفساد الدين .
            9 - حديث : "توسلوا بجاهي " موضوع ، لم يختلف في وضعه اثنان ، ولذلك لم يعمل به مَن هو خير منا في القرون الثلاثة المفضلة .
            ولا ريب عند المسلمين جميعهم ، أن لرسول اللُه صلى الله عليه وسلم جاهاً عظيماً ومقاماً محموداً ، وأنه أفضل الورى وخاتم الأنبياء والمرسلين .




            ولكن هذا لا يسوغ لنا التوسل والاستغاثة به ، وإن كان الأنبياء أحياءً في قبورهم حياة برزخية كاملة لا يعلمها إلا الله ، لأن الحياة البرزخية لا تقاس بالحياة الدنيا ، ولا تعطى أحكامها ، فإذا جاز أن نسأله صلى الله عليه وسلم في حياته الدعاء ، بأن يطلب لنا من الله قضاء حاجة أو غفران ذنب ، فلا يجوز بعد مماته أن نسأله قياساً على حياته الدنيوية ، لأن الله أمرنا بالأولى ولم يأمرنا بالثانية .
            وأين هؤلاء من الآيات القرآنية التي تنادي بأن ليس لغير الله أمر أو تصرف ، أو قدرة في دفع ضر ، أو جلب نفع ، سواء أكان نبياً أم غيره ، كقوله تعالى :
            { قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا }{ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا } وقوله : { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }


            إلى غير ذلك من الآيات التي فيها الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم مبيناً أن الذي بيده النفع والضر هو الله وحده لا غير ، وأن المعبودات من دون الله لا تغني شيئاً ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه سيد الأولين والآخرين ، وإمام الأنبياء والمرسلين لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، فضلاً عن غيره .
            وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه قال لما نزلت آية : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } :
            "يا بني كعب بن لؤي ، أنقذوا أنفسكم من النار .
            يا بني عبد شمس ، أنقذوا أنفسكم من النار .
            يا بني مناف ، أنقذوا أنفسكم من النار .
            يا بني عبد المطلب ، أنقذوا أنفسكم من النار .
            يا فاطمة بنت محمد ، أنقذي نفسك من النار .
            فإني لا أملك لكم من الله شيئاً
            » .




            وفي رواية : « "يا معشر قريش ، اشتروا أنفسكم من الله ، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا بني عبد المطلب ، لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً ، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً ، يا فاطمة بنت رسول الله سليني من مالي ما شئت ، لا أغني عنك من الله شيئاً » .


            وقوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، أي نخصك بالعبادة ولا نعبد سواك ، ونستعين بك في أمور الدنيا والدين ، ولا نستعين بأحد غيرك .
            وحديث : « "إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله » (1) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
            لو تدبر هؤلاء المبتدعون تلك الآيات والأحاديث ، وراجعوا تفاسير الأئمة المحققين لتلك الآيات ، وشروح تلك الأحاديث ؟ لعلموا أن توسلاتهم بالرسول ، أو بالأنبياء والصالحين ليس لها أصل في الدين ، [بل هي بدعة ضلالة] .
            وأن الاستغاثة والاستعانة بهم من الشرك والكفر المبين .


            التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 06-10-2014, 10:12 PM.
            يا الله
            علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

            تعليق


            • #7
              رد: سلسلة رسائل من عقائد المسلم

              جوله حول البدع والمبتدعين

              (رزقنا الله إتباع السنه وتوفانا اللهم علي الحق )

              دعوة أهل البدع إلى الحق وظيفة العلماء، لا يجوز التساهل فيها، أو التقصير في أدائها، إذ بها تتم حماية الدين وتنقيته من شائبة الباطل.


              وعلى من تصدى لدعوة أهل البدع أن يعرف: ما هي الأصول والضوابط التي ينبغي التزامها؟ وما هي المحاذير والمزالق التي ينبغي تجنبها؟
              وقبل البدء في الموضوع، نعرج بشيء من الإيجاز على تعريف المبتدع، والبدعة، وذكر أنواعها، وخطرها، ثم ذكر حكم المبتدع، وما هو الأصل في التعامل معه؟
              البدعة: هي طريقة في الدِّين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه؛ وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة، وإنما يخصها بالعبادات. [((الاعتصام)) (1/21).] وهي ليست على درجة واحدة من الشر، بل هي متفاوتة.
              ويصنف العلماء البدعة من عدة زوايا، فمن حيث مجالها، تنقسم إلى:
              - بدعة اعتقادية: وهي اعتقاد الشيء على خلاف ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم، كبدعة الخوارج في اعتقادهم تكفير العصاة من المسلمين؛ وكالمجسمة والمشبهة الذين شبهوا الله بخلقه -تعالى الله علواً كبيراً.
              - وبدعة عملية: وهي التي تكون في المسائل الفقهية القطعية أو الظنية، كالتي تكون في العمل الظاهر، كصلاة تخالف ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك من الأعمال. وكلها داخلة تحت قوله -صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). [أخرجه مسلم في كتاب الأقضية.]
              - وبدعية قولية: وهي ما كان فيه تغيير لما جاء في كتاب الله عز وجل، ولما ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأقوال المبتدعة من الفرق المشهورة، مما هو ظاهر المخالفة للكتاب والسنة، وظاهر الفساد والقبح، كأقوال الرافضة والخوارج والجهمية والمعتزلة والأشعرية؛ وجميع الفرق المؤولة، التي وضعت لنفسها مناهج مخالفة لمنهج الطائفة الناجية المنصورة، الظاهرة على الحق إلى قيام الساعة.
              ومنهم من قسمها إلى نوعين: نوع في الأقوال والاعتقادات، ونوع في الأفعال والعبادات، والثاني يتضمن الأول، كما أن الأول يدعو إلى الثاني.
              وتُقسم البدعة بحسب ما يؤول إليها صاحبها إلى: بدعة مكفرة، وبدعة غير مكفرة.
              وربما تخلف الحكم على المعين بالبدعة رغم قيامه بها إذا توفر مانع أو انتفى شرط؛ فالحكم على العمل أو القول لا يلزم منه تبديع المعين القائل أو العامل به إلا إذا أقيمت عليه الحجة وتوفرت الشروط وانتفت الموانع.
              خطر البدع:
              البدعة أشد من المعصية، ويرجع ضررها إلى وجوه:
              الأول: أن البدع مفسدة للقلوب، مزاحمة للسُّنة في إصلاح النفوس، فهي أشبه ما تكون بالطعام الخبيث، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (الشرائع أغذية القلوب، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم يبق فيها فضل للسنن، فتكون بمنزلة من اغتذى بالطعام الخبيث). [اقتضاء الصراط المستقيم (1/281).]
              فهي تلبس لباس الدِّين، فيظن المنتسب لها أنها حق وأنه مأجور عليها، وبذلك فإنه يعقد عليها الكره والحب والولاء والبراء والثواب والعقاب، فتزاحم السنن، تقود أصحابها إلى الاعتقادات الباطلة، والأعمال الفاسدة، والخروج عن الشريعة.
              الثاني: أنه في مقابل كل بدعة تهدم سنة، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام أيضاً: (من أسباب هذه الاعتقادات والأحوال الفاسدة الخروج عن الشِّرعة والمنهاج الذي بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا، فإن البدع هي مبادئ الكفر ومظان الكفر، كما أن السنن المشروعة هي مظاهر الإيمان، ومقوية للإيمان، فإنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية). [مجموع الفتاوى (10/565).] لذا كان منهج المبتدعة قائما على معارضة نصوص الكتاب والسنة، كما قال شيخ الإسلام. [راجع كلامه في: درء تعارض العقل والنقل (1/149).]
              حكم التعامل مع المبتدع:
              المبتدع في الأساس شخص يريد الحق ويقصد التقرب وهذا الغالب في أحوال الكثير من أتباع البدع، يقول الله تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}، [الحديد: 27]. فالمبتدع مريد للحق لكنه ضل طريقه إليه.
              لذا فإنَّ أهل البدعة قد يظهروا من التنسك أو الأحوال ما يُعبِّر عن اعتقادهم الحق فيما يؤمنون به؛ ومن أجل ذلك فإن المبتدع -ما لم يكن زنديقا- يحكم له بالإسلام ويبقى شأنه وحاله أفضل بكثير ممن قصد الكفر البواح أو الشرك الظاهر. إلا أنه ونظرا لخطورة البدعة على الدِّين نفسه من حيث هو فإن المبتدع (أخطر) شأنا على الدِّين وأهل الإسلام من الكافر والمشرك، لأن البدعة تفسد الإسلام وتحرف الناس عن الحق إلى مزالق لتأويله ما يقسمهم شيعا وأحزابا. وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه عن افتراق اليهود والنصارى وهذه الأمة إلى مدى تأثير الاختلاف في الدين على وقوع كثير من الفرق في النار.
              لذا كان من منهج الرسول صلى الله عليه وسلم حازما وصارما مع من أظهروا الغلو أو أحوال وأقوال بعيدة عن سنته، وتوعد من اتخذ هذا المسلك وحذر أمته منه. لا لشيء إلا لكي يظل الحق الذي أنزله الله ناصعا نقيا مما قد يشوبه من أهواء الناس التي وإن لبت رغبة قوم أو ذائقتهم أو وافقت آراءهم العقلية إلا أنها لن توافق قوما آخرين؛ أما الحق الذي أنزله الله تعالى فيوافق العقول السليمة جميعا وذائقة النفوس البشرية كافة ويدور في حدود طاقاتهم وقدراتهم دون تكلف وتنطع. فكم شوهت البدع -رغم نظر أصحابها إليها بالحسن- الإسلام في نظر غير المسلمين فصرفتهم إلى باطل وزهدتهم في الحق!
              وإذا كان المبتدع جزءا من الكيان الإسلامي وجسد الأمة فإن حقوق الأخوة الإيمانية التي قررها الإسلام تظل محفوظة له، متمتعا بكافة الحقوق الشرعية التي فرضها الإسلام. إلا أن هنا ملحظا مهما وهي أن من طبيعة المجتمعات أن تتعامل في الجانب المادي من حياتها عند وجود الضرر والأذى من قبل شخص مريض أو مختل أن يباشروا من التدابير ما يعينهم على إزالة الضرر ورفع الأذى أو في أقل الأحوال حصرها وبما لا يخل بحق المريض أو المختل في الرعاية، مع إمكانية تقييد بعض حرياته أو إسقاط بعض حقوقه لمصلحة أكبر؛ هذه الصورة المادية تقابلها صورة معنوية في حال كان الشخص مجرما أو صاحب خلق سيئ حيث يأتي عوضا عن الحجر الصحي والعلاج المادي حَجْرٌ من نوع آخر وعلاجٌ من نوع آخر؛ وهذه السُّنة الاجتماعية لا يغفلها الإسلام في المبتدع، باعتباره شخصا (مختلا) في جانب (الدِّين) ومن ثمَّ فكما أن للجوانب الأخرى تدابيرها لصيانتها في حياة المجتمع يكون الدِّين أحق بهذه التدابير.
              ومن هنا يأتي الإسلام ليرسم أحكام التعامل مع المبتدع من هذه الزاوية، زاوية أن المقصود من التعامل مع المبتدع أمران:
              الأول: معالجة (المبتدع) وإخضاعه للتدابير التي من شأنها تحقيق العلاج لأهدافه.
              الثاني: صيانة (المجتمع) من الآثار التي قد تلحق به (دينيا) من البدعة ذاتها فضلا عن المبتدع.
              وكما هي حالات المرض، يتفاوت تقييم الإسلام للبدعة وصاحبها ومن ثمَّ يختلف تعامل المجتمع الإسلامي مع المبتدع بحسب البدعة ذاتها وبحسب تأثير المبتدع من جهة أخرى.
              ومن أولى أحكام التعامل مع المبتدع:
              1-بيان مخالفته للدِّين بالحجة والبرهان والدليل، وهذا ما سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذلك الشاب الذي أتى يستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الزنا!! ومع ذلك الشخص الذي توجه إلى الرسول –عليه الصلاة والسلام- بالقول: اعدل يا محمد!
              2- نصح المبتدع وإظهار الشفقة به، مع بيان عظم ما وقع فيه وعظم الآثار التي ستترتب على بدعته؛ وهذا بالفعل ما قام به عبدالله بن عباس رضي الله عنه وهو يحاور الخوارج ويلزمهم بلازم مذهبهم الذي ذهبوا إليه في شأن الفريقين المتقاتلين من الصحابة.
              3- الوقوف بصرامة إزاء تحول هذه البدعة إلى مذهب يتلقفه الناس ويتخذونه منهجا؛ لذا حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من البناء على القبور واتخاذها مساجد ولعن اليهود والنصارى معرضا بهم كل من يقوم في هذه الأمة بهذه البدعة. كما واجه الرسول عليه الصلاة والسلام النفر الذين تقالوا عبادته في شأنهم لما قد غُفِرَ للرسول عليه الصلاة والسلام بالبيان والتحذير والإنكار الشديد.
              4-وفي جميع الأحوال السابقة يبقى للمرء حقوق الإسلام وعليه واجباته لا يسقط منها شيء، لذا فإنه نادرا ما كان يُقصي الرسول صلى الله عليه وسلم من جاء بأمر منكر في الدِّين، بل احتمل عليه والصلاة والسلام بقاءهم في المجتمع ولكن مع إنكاره عليهم وتحذيره مما صنعوا. فقد كان يعلم الرسول الكريم أن للشيطان مداخله على بعض الصالحين من جهة تشددهم أو فهمهم خطأ للدين أو تعبدهم لله بما يستحسنونه من حال أو هيئة؛ فإذا لم يُحسن إلى هؤلاء تحولوا إلى أعداء؛ كيف وقد صبر على أعدائه من المشركين وأهل الكتاب ومنافقي المدينة.
              5-غير أن هناك وضعا آخر تتحول معه البدعة إلى مهدد حقيقي للدين أو المجتمع وحدته وأمنه واستقراره؛ ما يلزم في هذه الحالة معالجة جادة وصارمة لذلك:
              أ- إن كانت البدعة مكفرة: أي أن يحدث المرء من العقائد أو الأفعال أو الأقوال ما يوجب تكفيره، فإن كان ذلك صادر منه عن جهل أو تأول، بُيِّن له، وروجع في الأمر، وأقيمت عليه الحجة، واستتيب من قبل ولي الأمر، فإن وجد أن بدعته صادرة عن زندقة وإلحاد منه عُزر، وإن كان بالقتل. وقتل المبتدع الذي تصل بدعته حدَّ الكفر والزندقة التي بحيث ينتقد الدين بها عادة متبعة في دول الإسلام؛ ويدل عليه الوقائع التي وقعت لبعض المبتدعة، كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالسبئية حين حرقهم، وكذلك قتل الجعد بن درهم والحلاج وغيرهم. والحاصل: أن القتل مما يعاقب به صاحب البدعة إذا كانت بدعته مغلَّظة مكفرة واستتيب ولم يتب، أو رأى أهل الحل والعقد أو الإمام أو من أفتى من العلماء أن هذا المبتدع يُقتل وإن لم يُستتب.
              ب- وإن كانت البدعة مفسقة لكن لها أثرها على وحدة الأمة وأمنها واستقرارها (كبدعة التكفير عند الخوارج)، فلا يُكفَّر صاحبها، لكن مقاتلته فيما لو أفسد في الأرض وحمل السيف واجبة لوأد الفتنة وإخماد ثورتهم، وهذا فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج، حيث لم يبادئهم بقتال ولا حكم بكفرهم ولا بنفاقهم ومع ذلك قاتلهم لما حملوا السيف على المسلمين.
              يتبع ...


              يا الله
              علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

              تعليق


              • #8
                رد: سلسلة رسائل من عقائد المسلم

                علاج البدعه والمبتدع


                الهجر كعلاج للبدعة:

                ومن بين أهم المعالجات التي شرعها الإسلام في مواجهة بعض الانحرافات -ومن بينها البدعة- هجر أصحابها، وذلك لتضييق دائرة تأثير أصحابها وقصر مفسدتها وإظهار المجتمع في موقف الرافض لها ليستفيق صاحبها من غفلته ويعود إلى رشده.
                ومن فوائد الهجر التي قصدها الشارع:
                1 - بعث اليقظة في نفوس المسلمين من الوقوع في البدعة وتحذيرهم منها.
                2 - تحجيم انتشار البدعة.
                3 - إعطاء ضمانة للسنن من شائبة البدع.
                4 - قمع المبتدع وزجره ليضعف عن نشر بدعته. [انظر رسالة (هجر المبتدع)، بكر بن عبدالله أبو زيد -رحمه الله، إعداد سلمان بن عبدالقادر أبوزيد، بتصرف.].
                فمعاشرة صاحب البدعة ومخالطته فتولد في صاحب البدعة طمأنينة إلى ما هو عليه، وربما أشعره بقبول المجتمع لبدعته وتزكيته إياها؛ وهذا قد يُغرر بالعامة، إذ أن العامة غالبا في حال جهلهم لا يفرقون بين السنة والبدعة، وربما استحسنوا ما استحسنه المبتدع فوقعوا فيما وقع فيه، فلا بد إذاً من الحجر على المبتدع استصلاحاً للديانة، وأحوال الجماعة، وهو ألزم من الحجر الصحي لاستصلاح الأبدان.
                وبعد أن نقل الشاطبي -رحمه الله تعالى- بعض الآثار في النهي عن توقير المبتدع، قال: (فإن الإيواء يجامع التوقير، ووجه ذلك ظاهر؛ لأن المشي إليه والتوقير له تعظيمٌ له لأجل بدعته؛ وقد علمنا أن الشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله بما هو أشد من هذا كالضرب والقتل، فصار توقيره صدوداً عن العمل بشرع الإسلام، وإقبالاً على ما يضاده وينافيه، والإسلام لا ينهدم إلا بترك العمل به، والعمل بما ينافيه)
                [(الاعتصام) (1/85).] .
                وعلى كل حال فإن غياب التعامل الصحيح للمبتدع يحيي البدع ويميت السنن، وفي هذا هدم للإسلام بعينه.
                أنواع الهجر:
                أنواع الهجر ثلاثة:
                الأول: الهجر ديانة، أي: الهجر لحق الله تعالى، وهو من عمل أهل التقوى، في هجر السيئة، وهجر فاعلها، مبتدعًا أو عاصيًا.
                وهذا النوع من الهجر على قسمين:
                1- هجر ترك: بمعنى هجر السيئات، وهجر قرناء السوء الذين تضره صحبتهم إلا لحاجة أو مصلحة راجحة، قال الله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5]، وقال سبحانه: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10]، وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140]، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) [أخرجه البخاري في الإيمان.].
                2- هجر تعزير: وهذا من العقوبات الشرعية التبصيرية التي يوقعها المسلم على المبتدعة على وجه التأديب، في دائرة الضوابط الشرعية للهجر حتى يتوب المبتدع ويفيء.
                وهذا النوع بقسميه من أصول الاعتقاد، والأمر فيه أمر إيجاب في أصل الشرع، ومباحثه في كتب السنن والتوحيد والاعتقاد وغيرها.
                النوع الثاني: الهجر لاستصلاح أمر دنيوي، أي الهجر لحق العبد، وفيه جاءت أحاديث الهجر بما دون ثلاث ليال، رواها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بأسانيد في الصحيحين وغيرها، وجميعها تفيد أن الشرع لم يرخص بهذا النوع من الهجر بين المسلمين إلا بما دون ثلاث ليال. وليس هو مجال حديثنا.
                النوع الثالث: الهجر قضاء، وهو من العقوبات التعزيرية للمعتدين، وهذا يبحثه الفقهاء في باب التعزير. [من رسالة (هجر المبتدع)، مرجع سابق، بتصرف].
                وجعل شيخ الإسلام -رحمه الله- أنواع الهجر في الشرع قسمين، فقال:
                (الهجر الشرعي نوعان:
                أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات.
                والثاني: بمعنى العقوبة عليها.
                فالأول: هو المذكور في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]،.. فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة مثل قوم يشربون الخمر يجلس عندهم، وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم، وأمثال ذلك...
                النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من يظهر المنكرات، يهجر حتى يتوب منها، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم، حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر) [((مجموع الفتاوى)) (28/20)].
                صفات الهجر:
                الأصل في الهجر هو الإعراض عن المبتدع والبراءة منه. ومن مفرداته تركُ: مجالسته، ومجاورته، وتوقيره، ومكالمته، والسلام عليه، والتسمية له، وبسط الوجه له، وسماع كلامه، ومشاورته.. كل ذلك بقصد إصلاحه إذا عُلم تحقق ذلك؛ أما إذا عُلم فساد حاله أكثر أو تضييع مصلحة المسلمين فتقدر الأمور بقدرها.
                وللهجر الشرعي ضوابط، منها:
                1- لا بد أن يؤدي هذا الهجر إلى الهدف الذي شرع من أجله، وهو الإقلاع عن هذه البدعة، وإلى عدم فعل ما يشبهها من قبله، أو من قبل غيره، أما إذا كان المبتدع لا يزيده الهجر إلا تمادياً في السوء، وركوناً إلى أهل السوء، أو غير ذلك من المفاسد فإنه لا يهجر.
                فالمؤمن كالطبيب إذا رأى العلاج نافعاً فعله؛ لأن الهجر من باب العلاج،فإنكان الهجر يؤثر خيراً وينفع هُجر، وكان ذلك من باب العلاج لعله يتوب ويرجع عن خطئه إذا رأى من إخوانه أنهم يهجرونه، أما إذا كان الهجر يسبب مزيداً من الشر وكثرة أهل الشر وتعاونهم فإنه لا يهجر، ولكن يديم له النصح والتوجيه وإظهار الكراهة لما عمل، ولا يبين لهموافقته على باطله، ولكن يستمر في النصيحةوالتوجيه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به -يعني الهجر- زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولاغيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف... وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل، ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع -كما كثر القدَر في البصرة والتنجيم بخراسان والتشيع بالكوفة- وبين ما ليس كذلك، ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم، وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه) [((مجموع الفتاوى)) (28/203)].
                ولو أن طالب علم مثلاً ذهب إلى أهله في بادية بعيدة وخاصة التي يغلبُ عليها البدع، فوجدهم يفعلون ما يفعلون من البدع، فقال: أنا أعرف أن من أصول أهل السنة والجماعة هجر أهل البدع فلنهجرهم، فإنه لن يدع أحداً إلا هجره؛ لأن الناس ألفوا هذه البدع وعاشوا عليها، فيصير هو المنكر المهجور؛ لأن الهاجر في هذه الحالة ضعيف والمصلحة لا تتحقق، والمشكلة ليست في عدم قيام طالب العلم بالإنكار أو عدم هجره لأهل البدع، ولكن المشكلة أن المصلحة الشرعية غير حاصلة. [من رسالة (هجر المبتدع)، مرجع سابق، بتصرف.]
                2- الهجر الشرعي عبادة من جنس الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعبادة لا بد من توفر ركنيها: الإخلاص، والمتابعة، أي بأن يكون الهجر خالصاً صواباً، خالصاً لله صواباً وفق السنة، وإن هوى النفس ينقض ركنية الإخلاص، كما أن ركن المتابعة ينقضه عدم موافقة الهجر للمأمور به.
                3- هجر المبتدع ليس عاماً في كل حال ومن كل إنسان ولكل مبتدع، كما أن ترك الهجر والإعراض عنه بالكلية، تفريط، وهجر لهذا الواجب الشرعي المعلوم وجوبه بالنص والإجماع، وإن مشروعية الهجر هي في دائرة ضوابطه الشرعية المبنية على رعاية المصالح ودرء المفاسد، وهذا مما يختلف باختلاف البدعة نفسها، واختلاف مبتدعها، واختلاف أحوال الهاجرين، واختلاف المكان والقوة والضعف، والقلة والكثرة، فلا بد من مراعاة كل هذا.
                يتبع .......

                يا الله
                علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

                تعليق


                • #9
                  رد: سلسلة رسائل من عقائد المسلم


                  يُثبت الموضوع لأهميته
                  بارك الله فيكم ونفع بكم

                  قال الحسن البصري - رحمه الله :
                  استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                  [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                  تعليق


                  • #10
                    رد: سلسلة رسائل من عقائد المسلم

                    المشاركة الأصلية بواسطة أبوالمعالـي مشاهدة المشاركة

                    يُثبت الموضوع لأهميته
                    بارك الله فيكم ونفع بكم


                    جزاكم الله خيرا

                    نفع الله بكم

                    يا الله
                    علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

                    تعليق


                    • #11
                      رد: سلسلة رسائل من عقائد المسلم







                      رحم الله أبي وأمي وأسكنهم فسيح جناته

                      تعليق


                      • #12
                        رد: سلسلة رسائل من عقائد المسلم

                        للرفع
                        يا الله
                        علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

                        تعليق


                        • #13
                          وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                          جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم

                          تعليق

                          يعمل...
                          X