إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة شبهات حول العقيده

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة شبهات حول العقيده

    الرد علي من أنكر علو الله على خلقه واستوائه على عرشه



    العلم بالله هو أجل العلوم وأعلاها، وأرفعها عند الله وأزكاها، كيف لا وهو الذي يعرّف العباد بخالقهم، ويقربهم من رازقهم، ويضفي على حياتهم معنى، وعلى وجودهم فائدة وهدفاً.

    ومن العلم بالله العلم بصفاته، حيث اتفق المسلمون على أن الله متصف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص، إلا أنهم اختلفوا في جملة من الصفات التي ورد بها الكتاب، ونطق بها الرسول - صلى الله عليه وسلم –، وفي مقدمة تلك الصفات التي خالف فيها البعض صفة علو الباري سبحانه واستواءه على خلقه . حيث أثبتها السلف ولم يروا في إثباتها ما يوجب نقصاً أو يخالف نصاً، ونفاها آخرون استنادا إلى أدلة سنأتي على شرحها ومناقشها .
    أدلة السلف على إثبات علو الله على خلقه واستواءه على عرشه :
    استدل السلف على إثبات علو الباري سبحانه بأدلة كثيرة، منها:

    أولاً :
    أدلة الكتاب:

    وهي على أنواع، منها ما يصرح باستواء الله على عرشه كما في قوله تعالى:
    "
    الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ " طه:5 والاستواء في الآية هو العلو والارتفاع، قال الإمام الطبري في تفسير الآية: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا . وحكى أبو عمر بن عبد البر عن أبي عبيدة في قوله تعالى:
    "
    الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ " قال: علا . وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " وأما تفسير"اسْتَوَىٰ " علا، فهو صحيح، وهو المذهب الحق، وقول أهل السنة، لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي، وقال"سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ " وهي صفة من صفات الذات ".

    ومن أدلة الكتاب ما يصرح بالصعود والعروج إليه، والصعود لا يكون إلا لعلو، قال تعالى: "
    إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" فاطر: 10،
    و"
    الْكَلِمُ الطَّيِّبُ" هو الذكر والدعاء . وقال تعالى:" تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ " المعارج:4 والعروج الصعود .

    ومنها ما يصرح بالرفع إليه، قال تعالى: "
    إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ "آل عمران: 55
    وقال تعالى:"
    بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ ۚ" النساء: 157-158، وقال - صلى الله عليه وسلم - عن شهر شعبان وقد سئل عن سبب صومه: ( شَهْرٌ ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) رواه النسائي .
    ومن أدلة الكتاب أيضا التصريح بالفوقية: كما في قوله تعالى عن الملائكة:"
    يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ " النحل:50، وكما في قوله:"وَهُوَ الْقَاهِرُ* فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ " الأنعام:18
    ومنها التصريح بنزول الملائكة والكتب منه إلى عباده، والنزول لا يكون إلا من علو،
    قال تعالى: "
    قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ "النحل: 102
    وقال تعالى:"
    تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" الزمر:1 .


    ومنها التصريح بأنه في السماء، كما قال تعالى: "
    أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ" الملك:16-17 . ومعنى " في السماء " أي: على السماء لاستحالة أن تكون السماء ظرفا للخالق ومكانا له .

    قال الإمام اللالكائي في "شرح اعتقاد أهل السنة" : " فدلت هذه الآيات أنه تعالى في السماء وعلمه بكل مكان من أرضه وسمائه . وروى ذلك من الصحابة : عمر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأم سلمة ومن التابعين : ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وسليمان التيمي، ومقاتل بن حيان وبه قال من الفقهاء: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل " .


    ثانياً:
    أدلة السنة:

    وهي كثيرة، فمنها حديث معاوية بن الحكم السلمي وفيه أنه أتى النبي – صلى الله عليه وسلم - بجارية أراد تحريرها من العبودية، فسألها النبي: ( أين الله ) قالت: في السماء، قال: ( من أنا ؟ ) قالت : أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( أعتقها – حررها - فإنها مؤمنة ) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي و مالك في موطئه الشافعي في مسنده و ابن حبان وغيرهم ولم يؤول أي منهم الحديث فدل على قبولهم ظاهره.


    ومنها حديث جابر - رضي الله عنه – في سرده حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه عندما خطب الناس في حجة الوداع واستشهدهم على البلاغ، فقالوا: " نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت " فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها – ويخفضها - إلى الناس، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات ) رواه مسلم في صحيحه . وهو دليل صحيح صريح على علو الله على خلقه .

    ومنها ما ورد في صحيح البخاري أن زينب – رضي الله عنها - كانت تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم – فتقول: " زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات " ومثل هذا القول من زينب لا يقال بالرأي، بل هو مما تلقته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما فهمته من نصوص القرآن .
    ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) رواه الترمذي وصححه .

    ومن الأحاديث التي تثبت صفة العلو لله ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها )
    ومنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ( لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي ) متفق عليه .

    ثالثاً:
    دليل الإجماع:

    يقول الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتابه "الاستذكار الجامع لمذاهب الأمصار" تعليقا على حديث الجارية المتقدم" فعلى ذلك جماعة أهل السنة، وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه، وسائر نقلته، كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه:"
    الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ "طه:5،
    وأن الله - عز وجل - في السماء وعلمه في كل مكان " . وقال الإمام البغوي : " أهل السنة يقولون الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به ويكل العلم به إلى الله عز وجل ".

    وقال أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - كما في الإبانة(1/39)" إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له: نقول: إن الله - عز وجل - يستوي على عرشه استواء يليق به ".


    وقال أبو مطيع البلخي في كتاب "الفقه الأكبر": سألت أبا حنيفة عمن يقول لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، قال: كفر؛ لأن الله يقول: "
    الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ " طه:5،

    وعرشه فوق سبع سمواته، فقلت: إنه يقول على العرش، ولكن لا أدرى العرش في السماء أو في الأرض، فقال: إنه إذا أنكر أنه في السماء كفر، لأنه تعالى في أعلى عليين، وأنه يُدعى من أعلى لا من أسفل ". وهذا النقول تؤكد صراحة أن السلف مجمعون على أن الله – كما أخبر – عال على خلقه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وكماله .

    رابعاً:
    دليل الفطرة:

    وملخصه أن النفوس بفطرتها تقبل على طلب العلو عند توجهها إلى ربها بالدعاء، ودليل فطرية هذا الإقبال استواء الناس فيه فيستوي فيه العالم والجاهل والذكر والأنثى إلا من تلوثت فطرته بكلام أهل الكلام، ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس إمام الحرمين وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: كان الله تعالى ولا عرش وهو الآن على ما كان،
    فقال الشيخ أبو جعفر : أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا فإنه ما قال عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة عن أنفسنا ؟ قال: فلطم الإمام على رأسه ونزل .. وقال: حيرني الهمداني .



    خامساً
    دليل العقل:

    وبيانه أن الله موجود ووجوده وجود حقيق لا ذهني، وعليه فهو إما أن يكون داخل العالم، أو خارجه، وهو قطعاً ليس داخل العالم لاستحالة أن يحل في الخلق أو يتحد بهم، فلم يبق إلا أن يكون خارج العالم، وما دام خارج العالم فإما أن يكون محيطاً بالعالم وهو باطل، لأنه يلزم منه أن يكون بعضه فوق وبعضه تحت متصفاً بالسفل، وإما أن يكون في أحد الجهات، وليس هناك جهة كمال في الجهات الست سوى جهة العلو، وبما أن الله متصف بالكمال المطلق فأكمل الجهات على الإطلاق هي جهة العلو فوجب وصف الله بها، وبهذا يظهر التوافق بين العقل والنقل في هذه المسألة، أما القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه لا متصل به ولا منفصل عنه فقول يخرج عن قول العقلاء فلا يلتفت إليه .


    شبهات من أنكر استواء الله على عرشه واتصافه بالفوقية :
    تلك كانت بعض أدلة أهل السنة، الذين أثبتوا استواء الله على عرشه وعلوه على خلقه، أما شبهات من نفى صفة العلو والاستواء، فمردها جميعاً إلى قاعدة التنزيه، وهي القاعدة التي قضت بنفي مشابهة المخلوقين للخالق سبحانه، وتفرده في ذاته وصفاته وأفعاله، وهي قاعدة متفق عليها بين المسلمين إلا أن البعض غلا في استعمالها حتى نفى جميع أو بعض أسماء الله وصفاته .

    حيث قالوا: إن الله - عز وجل - قد قال في كتابه: "
    لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " الشورى :11

    وهذا نفي بإطلاق لأي مشابهة بين الخالق والمخلوق، وإثبات أن الله مستو على عرشه عال على خلقه فيه تشبيه للخالق بالمخلوق من حيث أنه يلزم مثبت الاستواء أن يثبت أن الله جسم، وأنه في جهة، وأنه محدود محصور، والله منزه عن ذلك كله فلو كان جسماً لكان مركباً، ولو كان مركباً لكان بعضه محتاج إلى بعض، ولو كان في جهة ما لكان محصوراً، ولو كان محصوراً لاستوجب أن يكون هناك من حصره، وإذا كان مستو على عرشه لكان له مكان، ولو كان له مكان لكان محتاجا إليه، والله كان ولا مكان وهو الآن على ما كان عليه .


    واستندوا في تأييد مذهبهم - زيادة على ما سبق - إلى بعض النقولات والآثار الواردة في هذا الباب من ذلك ما روي : " كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان؛ لم يتغير عما كان " ، وحديث : ( كان الله ولا شيء غيره وكان العرش على الماء ) رواه النسائي والحاكم وصححه .
    وأتوا على ما استدل به المثبتون فأولوه، وقالوا: إن المراد من العلو والفوقية في تلك النصوص هو علو الشأن والرفعة والمكانة والشرف .


    وجوابا على ما أوردوا، نقول: إننا وإياكم متفقون على وجوب نفي مشابهة الخالق للمخلوق، ولكننا مختلفون في حدود هذا النفي، ونرى أن الناس فيه طرفان ووسط، فأما الطرف الأول فاتخذ قاعدة التنزيه ذريعة لنفي كل أو أكثر الصفات الثابتة لله - عز وجل - حتى نفى الغلاة منهم أن يوصف الله بالوجود أو الحياة، فعندما يُسأل عن صفة الله لا يجد سوى النفي سبيلا لتعريف ربه، فيقول: لا هو موجود ولا معدوم، ولا عَرَضٌ ولا جَوْهَرٌ، ولا حي ولا ميت، ويظن بذلك أنه فر من التشبيه وما علم أنه وقع في التعطيل والتشبيه معاً؛ إذ نفى صفات الله التي أخبر الله بها، وشبه الله بالمحالات والممتنعات والمعدومات.


    والطرف الثاني: ألغى قاعدة التنزيه فشبه الله بخلقه تشبيها مطلقا أو جزئياً، وهو مذهب لا شك في بطلانه وضلاله.


    والمذهب الوسط هو المذهب الحق الذي أثبت الصفات ونفى المشابهة، وهو ما تنص عليه الآية الكريمة حيث صرّحت بالتنزيه "
    لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ " وفي ذات الوقت صرّحت بالإثبات " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" فأخذ مذهب أهل الحق بجزئي الآية، أما المذهبان السابقان فأخذ كل منهم بأحد شطري الآية - وفق فهمه - ولم يأخذ بالآخر.


    وعليه، فيجب الوقوف عند حدود النفي، وحدود الإثبات، فنثبت الصفة التي أخبر بها الله ورسوله، وننفي المماثلة، فنقول: لله علمٌ ليس كعلمنا، وسمعٌ ليس كسمعنا، واستواء ليس كاستوائنا، وهكذا . وهو المنهج الوسط الذي سار عليه الأئمة، يقول الإمام إسحاق بن راهويه :" إنما يكون التشبيه إذا قال: يد مثل يدي، أو سمع كسمعي، فهذا تشبيه، وأما إذا قال كما قال الله: يد وسمع وبصر، فلا يقول: كيف ولا يقول: مثل، فهذا لا يكون تشبيهاً، قال تعالى:"
    لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " الشورى :11 ذكره الترمذي في جامعه

    . وأوضح هذا المنهج الوسط نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري حين قال: " من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه، ولا ما وصفه به رسوله تشبيها " فليس تشبيها أن تثبت لله علما يليق بجلاله، وقدرة تليق بجلاله، وإرادة تليق بجلاله، واستواء يليق بجلاله، وإنما التشبيه أن تقول: علماً كعلمنا، وقدرةً كقدرتنا، وسمعا كسمعنا، واستواءً كاستوائنا . وأما أن تثبت الصفة كما أثبتها الله مع إثبات الفارق أو نفي التشبيه، فليس تشبيهاً البتة .


    أما ما ذكروه من لوازم القول بالعلو والاستواء فالجواب عنه من وجهين:
    الوجه الأول:
    إجمالي وهو أن يقال: إن الله أخبرنا بأنه مستو على عرشه، عال على خلقه، ونحن نصدقه فيما قال، ونؤمن بما أخبر، ونسكت عما وراء ذلك، ولا نخوض في تلك اللوازم المدعاة ولا نتكلم فيها، فإنها من جملة المسكوت عنه في الشرع؛ إذ لم يرد في الشرع نفي أو إثبات أن يكون الله جسماً، أو محدوداً، أو محصوراً، فالسكوت فيه سلامة للمرء في دينه واعتقاده .

    الوجه الثاني:
    تفصيلي وهو بأن نسأل عن تلك اللوازم، فنقول إن أردتم بالجسم ما هو قائم بذاته مستغن عن خلقه فذلك ما نثبته ونؤيده ونلتزم به مع عدم تسميتنا له جسماً لكونه لم يرد في الشرع وصفه بذلك، وإن أردتم بالجسم ما زعمتم أن كل طرف فيه محتاج للطرف الآخر فذلك مما نكره وننفيه، ولكننا لا نعتقد أن نفيه يلزم منه نفي العلو . بل نرى أن قولكم: أنه من لوازم القول بالعلو ما هو إلا بسبب تشبيهكم أولاً فأنتم شبهتم استواء الله على عرشه باستواء المخلوقين، فقلتم: كل مستو فهو جسم، والله ليس بجسم، فهو ليس بمستو والمقدمة باطلة وما ترتب عليها باطل، فالله ليس كمثله شيء، واستواؤه ليس كاستواء المخلوقين .

    وأما القول بأن إثبات الاستواء يدل على إثبات الجهة وأنه محصور في جهة معينة فالجواب عنه أن لفظ الجهة لم يثبت في الكتاب والسنة، وعليه فيستفصل عن معناه، فإن أريد بالجهة المكان الوجودي المخلوق فالله ينزه عنه اتفاقاً، فالله لا يحل في شيء من مخلوقاته ولا يتحد بها، وإن أريد بالجهة المكان الاعتباري العدمي فهذا ما يثبته أهل السنة . ولا يعتقدون في إثباته ما يخالف حقاً ثابتاً، ولا ما يوجب نقصاً في حق الخالق سبحانه، بل إثبات الجهة بهذا المعنى ضرورة عقلية كما سبق بيانه في الأدلة العقلية.

    أما الحدُّ فهو لم يرد – كذلك – نفيه أو إثباته في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وعليه فيستفصل عن معناه فإن أريد بنفي الحدِّ أن الله لا تحصره المخلوقات، ولا يحلُّ فيها، فهذا المعنى صحيح، لا إشكال فيه، بل لا يجوز أن تكون فيه منازعة، وإن أريد بالحد أن العباد عاجزون عن إدراك حقيقته وحده، فهذا أيضا حق نثبته، وأما إن أريد بنفي الحد أنه ليس مبايناً للخلق، ولا منفصلاً عنهم، ولا داخل العالم ولا خارجه، فهذا هذيان ننكره ولا نثبته، بل نرى أن القول به يؤدي إلى نفي وجود الرب، ونفي حقيقته ووصفه بالعدم لا بالوجود . وقد سئل عبد الله بن المبارك بم نعرف ربنا ؟ فقال: بأنه على العرش، بائن من خلقه، قيل: بحد، قال: بحد . أي بحد يعلمه هو، ولا يحيط به أحد من خلقه .


    أما الاستدلال بحديث ( كان الله ولا شيء غيره وكان عرشه على الماء ) رواه النسائي . على نفي العلو، فلا دلالة فيه على ما ذهبوا إليه، وذلك أن الحديث يتكلم عن بدء الخلق، وأن الله كان ولا شيء معه من مخلوقاته، وأن أول خلقه كان العرش، بدليل ما رواه الحاكم في مستدركه عن بريدة الأسلمي قال: " دخل قوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا يسألونه، يقولون: أعطنا حتى ساءه ذلك، ودخل عليه آخرون، فقالوا: جئنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونتفقه في الدين، ونسأله عن بدء هذا الأمر، فقال: ( كان الله ولا شيء غيره، وكان العرش على الماء ).

    أما ما روي من قولهم: " كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه". فهو أثر موضوع – كما قال العلماء - على أنه يمكن حمله على معنى صحيح، وهو أن يكون المكان المنفي هو المكان المخلوق – كما هو ظاهر النص - وأهل السنة يقولون بذلك، فهم لا يقولون أن الله متمكن في مكان مخلوق بل يقولون: إن الله مستو على العرش بمعنى أنه عال عليه لا أنه مماس له محتاج إليه .


    فظهر بهذا أن لا تعارض بين العقل والنقل في إثبات علو الله – سبحانه - على خلقه واستواءه على عرشه بل هو مما اتفقا عليه، وتظافرت الأدلة على إثباته، وأن من أنكره إنما استند إلى بعض النقول التي بان وجه الحق فيها، أو إلى بعض الأدلة العقلية التي اتضح عدم صحتها . فعلى المسلم أن يثبت لله الصفات كما أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وأن يعلم أن الله لم يخبر عن نفسه بما هو محال أو ممتنع، وإنما أخبر بما هو جائز أو واجب في حقه، ليعرف العباد خالقهم فيتقربوا إليه، ويعبدوه عن علم ودراية .


    المصدر منقول
    التعديل الأخير تم بواسطة طريقي لربي; الساعة 25-09-2014, 09:55 AM.
    يا الله
    علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة


  • #2
    رد: سلسلة شبهات حول العقيده


    شبهة من أنكر رؤية الله تعالى يوم القيامة



    من مسائل الاعتقاد التي تضافرت على إثباتها دلائل الكتاب والسنة، وأجمع السلف الصالح عليها، مسألة رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، حيث دلت الأدلة الشرعية على أن المؤمنين يرون ربهم عيانا لا يضارون في رؤيته كما لا يضارون في رؤية الشمس والقمر .
    فمن أدلة الكتاب على الرؤية قول الحق سبحانه: {
    وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ }(القيامة:22-23)، قال ابن عباس في تفسير الآية: " تنظر إلى وجه ربها إلى الخالق". وقال الحسن البصري :"النضرة الحسن، نظرت إلى ربها عز وجل فنضرت بنوره عز وجل".
    ومن أدلة رؤيته سبحانه يوم القيامة قوله تعالى:{
    كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ }(المطففين:15)، قال الإمام الشافعي :" وفي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ "، ووجه ذلك أنه لما حجب أعداءه عن رؤيته في حال السخط دل على أن أولياءه يرونه في حال الرضا، وإلا لو كان الكل لا يرى الله تعالى، لما كان في عقوبة الكافرين بالحجب فائدة إذ الكل محجوب .
    ومن أدلة رؤيته سبحانه يوم القيامة أيضا قوله تعالى: {
    لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ}(يونس:26) والزيادة وإن كانت مبهمة، إلا أنه قد ورد في حديث صهيب تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لها بالرؤية، كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم، فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجينا من النار، قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ثم تلا هذه الآية {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ }.
    هذا ما يتعلق بالأدلة من كتاب الله تعالى في إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، أما أحاديث السنة فقد نص أهل العلم على أن أحاديث الرؤية متواترة، وممن نصَّ على ذلك العلامة الكتاني في نظم المتناثر، و ابن حجر في فتح الباري، و العيني في عمدة القاري، و ابن حزم في الفصل، و ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل وغيرهم، ومن جملة تلك الأحاديث:
    1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ قالوا : لا، يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا: لا، يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك ) رواه مسلم . ومعنى " تضارون" أي لا يزاحم بعضكم بعضا، أو يلحق بعضكم الضرر ببعض بسبب الرؤية، وتشبية رؤية الباري برؤية الشمس والقمر، ليس تشبيها للمرئي بالمرئي، وإنما تشبيه الرؤية في وضوحها وجلائها برؤية العباد الشمس والقمر إذ يرونهما من غير مزاحمة ولا ضرر .
    2- حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنكم سترون ربكم عيانا ) رواه البخاري .
    3- حديث صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم، فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجينا من النار، قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ثم تلا هذه الآية {
    لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } رواه مسلم .
    4- حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ( جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ) متفق عليه .
    5- حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، ولا حجاب يحجبه ) رواه البخاري .
    أما الإجماع فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في مجموع الفتاوى 6/512 - :" أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن المؤمنين يرون الله بأبصارهم في الآخرة ".
    ورغم هذا الإجماع وتلك الأدلة التي بلغت حد التواتر - والتي لم نذكر سوى اليسير منها - إلا أن المعتزلة أنكرت رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وزعمت أن ذلك محال، وسلكوا في سبيل تأييد قولهم ونصرته مسلكين، المسلك الأول: الاعتراض على استدلالات أهل السنة، والمسلك الثاني: الاستدلال لمذهبهم ، وسوف نعرض لكلا المسلكين – بعد ذكرهما – بالنقد والتمحيص ليستبين ضعف ما بنو عليه مذهبهم وفساده.
    اعتراضات المعتزلة على أدلة أهل السنة
    اعترض المعتزلة على ما أورده أهل السنة من أدلة الكتاب باعتراضات، من ذلك قولهم: أن المراد بالنظر في قوله تعالى: {
    وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَ*ةٌ ﴿٢٢ إِلَىٰ رَ*بِّهَا نَاظِرَ*ةٌ } هو انتظار الثواب لا النظر بالأبصار.
    وأجاب أهل السنة عن ذلك بأن تفسير النظر في الآية بمعنى الانتظار خطأ بيّن، لأن النظر إذا عُدِّي بإلى كان ظاهرا في نظر الأبصار، يقول العلامة اللغوي أبو منصور الأزهري في كتابه تهذيب اللغة ( 14/371 ):" ومن قال: إن معنى قوله:{
    إِلَىٰ رَ*بِّهَا نَاظِرَ*ةٌ }: بمعنى منتظرة فقد أخطأ، لأن العرب لا تقول: نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته، وإنما تقول: نظرت فلاناً، أي: انتظرته، ومنه قول الحطيئة:
    وقد نظرتكم أبناء صادرة للورد طال بها حوزي [ الحوز: السير الشديد ]
    فإذا قلت: نظرت إليه لم يكن إلا بالعين، وإذا قلت: نظرت في الأمر احتمل أن يكون تفكراً وتدبراً بالقلب " ا.هـ.
    ومما يدل على أن النظر هنا ليس بمعنى الانتظار أن الآية سيقت مساق الامتنان بذكر نعيم أهل الجنان، ولو فُسِّر النظرُ بالانتظار لما عدّ ذلك من النعيم، فإن الانتظار تنغيص وكدر -كما لا يخفى - إضافة إلى أن أهل الجنة لا ينتظرون شيئا فمهما تمنوا شيئا أتوا به .
    واعترض نفاة الرؤية على الاستدلال بقوله تعالى:{
    لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } بأنه ليس في الآية تصريح بالرؤية، والزيادة يمكن تفسيرها بأوجه مختلفة كمن فسرها بمضاعفة الحسنات، أو المغفرة والرضوان، وعليه فلا يصح حملها على الرؤية، وإلا أصبح ذلك تكلفا وقولا على الله بغير علم.
    والجواب على ذلك من وجهين :


    الوجه الأول: أن ما ذُكِرَ من أوجه التفسير لا ينافي تفسيرها بالرؤية، فالزيادة هنا مبهمة، وهي شاملة لكل ما يتفضل الله به على عباده بعد مجازاتهم بجنته، يقول الإمام الطبري - بعد أن ذكر أقوال المفسرين في الزيادة كمن فسّرها بتضعيف الحسنات، أو المغفرة والرضوان، ومن فسرها بالرؤية - : " وغير مستنكر من فضل الله أن يجمع ذلك لهم، بل ذلك كله مجموع لهم إن شاء الله . فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يعمَّ ".

    الوجه الثاني: أن تفسير من فسّر الزيادة بالرؤية لم يأت اعتباطا، وإنما جاء بناء على التفسير النبوي لها، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر رؤية المؤمنين لربهم تلا هذه الآية: {
    لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ }، ولو لم يكن كلامه صلى الله عليه وسلم تفسيرا للآية التي قرأها، لما كان في قراءتها فائدة، ولكان ذكرها في الحديث لغوا وحشوا، وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك .

    أما اعتراضهم على أحاديث السنة فيتلخص في ردهم الاستدلال بها بدعوى أنها أحاديث آحاد، لا يقبل الاستدلال بها في مسائل الاعتقاد، وهي دعوى مردودة بلا شك، وتدل على جهل قائلها بعلم الحديث وطرقه ورجاله، ذلك أن أهل العلم بالحديث قد نصوا صراحة على تواتر أحاديث الرؤية، وقد سبق ذكر من نص على ذلك، ويقول العلامة ابن الوزير اليماني - كما في الروض الباسم - ردا على من زعم أن أحاديث الرؤية أحاديث آحاد، وأنها من رواية جرير بن عبدالله البجلي فحسب: " وهذا من الإغراب الكثير والجهل العظيم, فإنّ المحدّثين يروون في الرّؤية أحاديث كثيرة تزيد على ثمانين حديثاً عن خلق كثير من الصّحابة أكثر من ثلاثين صحابيّاً .. وروى حديث الرؤية علماء الحديث كلّهم في جميع دواوين الإسلام من طرق كثيرة " ا.هـ ، ولو سلمنا جدلا بكون أحاديث الرؤية أحاديث آحاد فلا يجوز ترك الاستدلال بها إذا صح سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بينا صحة الاستدلال بأحاديث الآحاد على مسائل الاعتقاد في مقال بعنوان " أحاديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام"
    استدلالات المعتزلة على نفي رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة
    استدل المعتزلة على نفي الرؤية بآيات منها قوله تعالى: {
    لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }(الأنعام: 103) قالوا: ومتعلق الإدراك المنفي إدراك البصر فكان ذلك ظاهرا في نفي الرؤية .
    وأجاب العلماء عن ذلك بأن المنفي هو الإحاطة لا مطلق البصر، بمعنى أن رؤية المؤمنين ربهم لا تعني أنهم يحيطون به سبحانه، ولا أنهم يدركون برؤيتهم له حقيقة ذاته، وممن ذهب إلى هذا التفسير ابن عباس رضي الله عنهما حين عارضه سائل بقوله تعالى:{
    لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ }(الأنعام : 103) فقال له: ألست ترى السماء ؟ فقال: بلى، قال: أتراها كلها ؟ قال: لا . فبين له أن نفى الإدراك لا يقتضى نفى الرؤية.
    وعن قتادة في قوله تعالى:{
    لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } قال: " هو أجل من ذلك وأعظم أن تدركه الأبصار" وعن عطية العوفي في تفسير الآية قال:" هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره يحيط بهم".
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" فإذاً المعنى أنه يُرى ولا يُدرك ولا يُحاط به، فقوله:{
    لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ }، يدل على غاية عظمته، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به، فإن الإدراك هو الإحاطة بالشيء، وهو قدر زائد على الرؤية ".
    ومما استدل به المعتزلة على نفي الرؤية، قوله تعالى:{
    يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً }(النساء: 153)، يقول الجاحظ المعتزلي في رسائله:" قد رأينا الله استعظم الرؤية استعظاماً شديداً، وغضب على من طلب ذلك وأراده، ثم عذب عليه، وعجب عباده ممن سأله ذلك، وحذرهم أن يسلكوا سبيل الماضين، فقال في كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم:{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ } فإن كان الله تعالى - في الحقيقة - يجوز أن يكون مرئياً، وببعض الحواس مدركاً، وكان ذلك عليه جائزاً، فالقوم إنما سألوا أمراً ممكناً، وقد طمعوا في مطمع، فلم غضب هذا الغضب، واستعظم سؤالهم هذا الاستعظام، وضرب به هذا المثل، وجعله غاية في الجرأة وفي الاستخفاف بالربوبية ".
    والجواب على ذلك أن الله غضب عليهم هذا الغضب، واستعظم سؤالهم هذا الاستعظام لكونه وقع على سبيل التعنت، والربط بين إجابة سؤالهم والإيمان به سبحانه، كما في الآية الأخرى : {
    وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }( البقرة:55) فالله غضب عليهم لا لأن رؤيته غير جائزة، بل لأنهم ربطوا بين إيمانهم به سبحانه وبين رؤيته، وهذا منتهى التعنت والاستهتار .
    ومما استدل به منكرو الرؤية قوله تعالى: {
    وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا }(الفرقان:21) قالوا: ألا ترى أن الله قد عدَّ قول الكفار " أو نرى ربنا " من أسباب الكفر والعتو، أليس في ذلك أعظم الأدلة على امتناع رؤيته سبحانه واستحالتها.
    والجواب على ذلك كالجواب على سابقه، بدليل قولهم:{
    لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ }، فهل يقول قائل: إن نزول الملائكة على البشر ممتنع ومستحيل بهذه الآية ؟!! كلا لا يقول بذلك أحد، حتى الذين ينفون الرؤية، لأن نزول الملائكة على بعض البشر ثابت بأدلة الشرع ولا يمنعه العقل، وإنما عدّ الله ذلك من أسباب الكفر والعتو لإعراضهم عن الحق رغم وضوحه، وتوقفهم عن الاستجابة له حتى يحصل لهم ما طلبوا من تلك الآيات .
    والآية السابقة إنما وردت في سياق ذكر تعنت المشركين وفرضهم شروطا مسبقة على إيمانهم، وليس لأن المشركين طلبوا رؤية الله بدافع الشوق والرغبة، يقول الإمام الطبري في تفسير الآية:" يقول تعالى ذكره: وقال المشركون الذين لا يخافون لقاءنا، ولا يخشون عقابنا: هلا أنزل الله علينا ملائكة، فتخبرنا أن محمدا محق فيما يقول، وأن ما جاءنا به صدق، أو نرى ربنا فيخبرنا بذلك، كما قال جل ثناؤه مخبرا عنهم {
    وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا }(الإسراء :90) ثم قال بعد {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا }(الإسراء : 92) يقول الله: لقد استكبر قائلوا هذه المقالة في أنفسهم، وتعظموا، {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا } يقول: وتجاوزوا في الاستكبار بقيلهم ذلك حدَّه ".
    ومما استدل به المعتزلة على إنكار الرؤية قوله تعالى لموسى وقد سأله رؤيته سبحانه:{
    لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا }(الأعراف: 143). قالوا: وهذا النفي عام في الدنيا والآخرة فلو حصل في زمن ما لكان منافيا لمقتضى الآية، وقالوا: إن حرف النفي "لن" عند علماء اللغة يفيد النفي المؤبد، أي لن يكون هذا أبدا.
    وأولوا طلب موسى رؤية ربه بأنه كان بدافع إقامة الحجة على قومه الذين ألحوا عليه أن يروا الله جهرة .
    والرد على استدلالهم هذا من وجوه:

    الوجه الأول: أن سؤال موسى ربه أن يراه دليل على جواز رؤيته سبحانه، إذ موسى أعلم بالله من أن يسأله مستحيلا في حقه، ودعوى أنه إنما سأله ليقيم الحجة على قومه عارية عن الدليل بل هي محض تخرص، فموسى إنما سأل ربه منفردا ودون سابق طلب من قومه كما تدل عليه الآيات في قوله تعالى:{
    وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ .وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}( الأعراف:142-143). فواضح أنه لا دلالة في منطوق النص ولا في مفهومه على أن طلب موسى الرؤية كان لإقناع بني إسرائيل باستحالتها، كيف وقد طلب الرؤية حال اعتكافه وخلوته، ثم لماذا يطلب التوبة من سؤاله الرؤية إذا كان إنما سألها لإقامة الحجة على بني إسرائيل.

    الوجه الثاني: أن الله لم ينكر عليه سؤاله، ولو كان ما سأله محالا وممتنعا لأنكر الله عليه سؤاله كما أنكر على نوح عليه السلام سؤاله نجاة ابنه، وقال سبحانه لنبيه نوح عليه السلام:{
    إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }.

    الوجه الثالث: أنه تعالى قال:{
    لَن تَرَانِي } ولم يقل إني لا أُرى، أو لا تجوز رؤيتي، أو لست بمرئي، والفرق بين الجوابين ظاهر، ألا ترى أن من كان في كمِّهِ حجر فظنه رجلٌ طعاماً فقال أطعمنيه، فالجواب الصحيح أن يقول: إنه لا يؤكل، أما إذا كان طعاما، صح أن يقال إنك لن تأكله، وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار، لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى، يوضحه قوله : {وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف .

    الوجه الرابع: تجليه سبحانه للجبل :{
    فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } فإذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسله وأوليائه في دار كرامته.

    الوجه الخامس: قوله تعالى: {
    وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } حيث علّق سبحانه رؤيته على استقرار الجبل، واستقرار الجبل أمر ممكن، والمعلّق على الممكن ممكن.
    الوجه السادس: أن دعواهم أن "لن" تفيد النفي المؤبد مردودة كما قد نص على ذلك أئمة اللغة، يقول ابن مالك في ألفيته:

    ومن رأى النفي بلن مؤبدا * فقوله اردد وسواه فاعضدا
    ومما يدل على بطلان ادعاء أن "لن" تفيد النفي المؤبد، قوله تعالى عن الكفار:{
    وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي: الموت، فلو كانت "لن" تفيد التأبيد المطلق لما صح أن يتمنى كافر الموت لا في الدنيا ولا في الآخرة، لكن الله ذكر أن الكفار يتمنون الموت في الآخرة،كما في قوله سبحانه: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ }(الزخرف: 77) فدل على أن "لن" لا تفيد النفي بإطلاق بل يمكن تقييدها بأدلة أخرى، وعليه فيكون معنى قوله تعالى لموسى: {لَن تَرَانِي } أي في الدنيا .
    ومما استدل به منكرو الرؤية قوله سبحانه:{
    وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }(الشورى:51). ووجه استدلالهم بالآية على نفي الرؤية أن الله حصر تكليمه للأنبياء في ثلاثة أوجه: وهي الوحي بأن يلقي في روعه ما يشاء، أو يكلمه بواسطة من وراء حجاب، أو يرسل إليه رسولا فيبلغه عنه، فيستلزم ذلك انتفاء رؤيته حال التكلم.
    والجواب أن الآية تتحدث عن صور الوحي لا عن الرؤية، والوحي إنما يقع في الدنيا لا في الآخرة، فالآية موافقة لمذهب السلف في نفي الرؤية في الدنيا ولا تعارض أدلة إثباتها في الآخرة.
    هذا ما يتعلق بما استدلوا به من القرآن الكريم، أما من السنة فقد استدلوا ببعض الأحاديث كحديث أبى ذر رضي الله عنه أَنَّهُ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك ؟ قال: ( نور أنّى أراه ) رواه مسلم . قالوا: هذا الحديث ينفي الرؤية مطلقا حيث استبعد حصول الرؤية بقوله:( أنّى أراه ) وأنّى بمعنى كيف. ولو علم صلى الله عليه وسلم بأنه سيراه في الآخرة لأخبر أبا ذر رضي الله عنه.
    والجواب عن هذا الاستدلال بأنه خطأ بيِّن، فسؤال أبي ذر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ متعلق بحادثة المعراج، وهي حادثة وقعت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي في الدنيا وليست في الآخرة، وعليه فالنفي النبوي لا ينسحب على الرؤية في الآخرة.
    وكونه صلى الله عليه وسلم لم يخبر أبا ذر في نفس الحديث بأنه سيراه في الآخرة غير لازم، لأن سؤاله رضي الله عنه عن واقعة المعراج فحسب، فجاء الجواب مقتصرا على تلك الحادثة.
    أما المروي عن مجاهد في هذه المسألة، وما نقل عنه من تفسير قوله تعالى:
    {
    وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ﴿٢٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } فهو رأي تفرد به، وعدَّه العلماء شذوذا، قال الإمام القرطبي تفسيره : " قال ابن عبد البر : " مجاهد وإن كان أحد الأئمة بالتأويل، فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم : أحدهما هذا – يعني أن الله سبحانه يجلس نبيه صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه- والثاني في تأويل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ﴿٢٢﴾ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } قال: معناه تنتظر الثواب، وليس من النظر ".
    ومع هذا فلا يدل قوله هذا على أنه - رحمه الله - لا يرى الرؤية، وإنما غاية ما فيه أنه ذهب في تفسير الآية مذهبا مخالفا لمذهب من أثبتها، ولا يعني انتفاء دلالة الآية عنده على الرؤية انتفاء دلالة غيرها من الأدلة الأخرى، ولا سيما الأحاديث والتي بلغت حدَّ التواتر .
    تلك كانت شبهات من أنكر رؤية الباري سبحانه، وتلك كانت ردود أهل السنة عليهم، والتي ظهر بها مدى صحة مذهب السلف في إثبات الرؤية، ومدى ضعف وتهافت أدلة من أنكرها والله أعلم .


    التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 06-02-2015, 08:31 PM. سبب آخر: تشكيل الآيات
    يا الله
    علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

    تعليق


    • #3
      رد: سلسلة شبهات حول العقيده

      الرد علي من ينكرون كرامات الأولياء



      الأولياء جمع ولي، والولي مشتق من الوَلاء وهو القرب، كما أن العدو مشتق من العَدو وهو البعد، فولي الله من والاه بالموافقة له في محبوباته ومرضياته، وتقرّب إليه بما أمر به من طاعاته، وكل من عظم إيمانه وطاعته عظمت عند الله ولايته.


      وقد ذكر الله تعالى أقسام أهل ولايته ممن اصطفاهم لوراثة كتابه في قوله تعالى: " ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا فَمِنْهُم ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُقْتَصد وَمِنْهُم سَابِق بالخَيْرَاتِ بِإذْنِ اللهِ ذَلِكَ الفَضْلُ الكبير "(فاطر: 32)،

      وذكر النبي صلى الله عليه وسلم درجات الولاية في قوله صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ) رواه البخاري .

      هذا ما يتعلق بالولاية، أما الكرامة فهي عند العلماء: أمر خارق للعادة يجريه الله على يد عبد صالح لحاجة دينية أو دنيوية.


      وثبوت كرامات الأولياء أمر أجمع عليه سلف الأمة قاطبة ودلت على إثباته الآيات والأحاديث، إلا أن المعتزلة أنكرتها بدعوى أنه يلزم من إثباتها حدوث التباس بين المعجزة والكرامة فينسد بذلك باب إثبات النبوة، ويلتبس مقام الولي بمقام النبي.


      ولنذكر شيئا من أدلة ثبوت الكرامات ثم نأتي على الشبه السابقة بالرد والنقض:

      فمما يدل على ثبوت كرامات الأولياء قوله سبحانه عن مريم عليها السلام:" كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَاب َوجَد عِنْدَها رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَم أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُو مِن عَنْد الله إِنَّ اللهَ يَرْزُق مَنْ يَشَاء بِغَير حِسَاب "(آل عمران: 27)

      جاء في تفسير هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: " وجد عندها الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد، فكان زكريا يقول: يا مريم أنى لك هذا ؟ قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " ولا شك أن وجود الفاكهة في غير وقت أوانها أمر خارق للعادة، وهو ما حدث لمريم عليها السلام بيانا لمكانتها وعظم منزلتها.


      ومن الأدلة على ثبوت الكرامة

      قصة أصحاب الكهف، وكيف لبثوا نائمين في كهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا من غير طعام ولا شراب، انظر الآيات من سورة الكهف: 13 ـ 26.




      ومن أدلة ثبوت الكرامات من الحديث النبوي:

      حديث أنس رضي الله عنه أن أُسَيد بن حُضير وعبَّاد بن بشر – رضي الله عنها - خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا، فتفرق النور معهما . رواه البخاري.

      وحديث أسيد بن حضير رضي الله عنه، قال: "بينما كنت أقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسي مربوط عندي، إذ جالت – دارت - الفرس، فسكتُّ فسكنت، فقرأت فجالت الفرس، فسكتُّ فسكنت، ثم قرأتُّ فجالت. وكان ابنه يحيى قريبا منه فأشفق أن تصيبه، فأخذه من مكانه خشية أن تصيبه، قال: فرفعتُّ رأسي إلى السماء فإذا مثل الظُّـلَّة – السحاب - فيها أمثال المصابيح، فخرجَت حتى لا أراها.
      فلما أصبح حدَّثت النبي صلى الله عليه و سلم فقال له: وتدري ما ذاك ؟ قال: لا، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأتَ لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم ) رواه البخاري .

      وفي قصة أسر خبيب بن عدي رضي الله عنه، قالت من كان أسيرا عندها: ( ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة ثمرة وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزقا رزقه الله إياه ) رواه أحمد .


      قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 3/153: " ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة "


      الردُّ على من أنكر ثبوت الكرامة
      :


      تمسك من أنكر كرامات الأولياء بدعوى أنها لا تتميز عن المعجزة، وزعم أن إثبات الكرامات يفضي إلى اشتباه حال الولي بالنبي، حيث إن كلا من المعجزة والكرامة خارق للعادة، وقالوا: إن تجويز ذلك مفض إلى ظهور معجزة الأنبياء على يد الأولياء، مما يعني تكذيب النبي الذي تحدى بالمعجزة، والجواب على هذه الشبهة من وجوه:

      الوجه الأول: أن الكرامة ثابتة بالنص والإجماع، وما كان كذلك يجب رد كل ما خالفه من تعليل أو تأويل.


      الوجه الثاني: أن الولي ما صار وليا إلا باتباعه النبي، فتكون الكرامة في حقه دليلاً وشاهداً على صدق النبي، إذ إنه لم يؤت الكرامة إلا باتباعه والإيمان به، وعليه فلا يصح معارضة معجزة النبي بكرامة الولي.


      الوجه الثالث: أن الكرامة غير مستحيلة عقلا، فالله سبحانه قادر على أن يحدث ما يشاء متى شاء، وعلى أن يضع القوانين الطبيعية وأن يخرقها إذا أراد، لا يمتنع عليه شيء ولا يعجزه شيء.


      الوجه الرابع: أن ما ادعاه المعتزلة من خوف الاشتباه بين النبي والولي غير واقع أساسا، إذ لم يحدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن حصل إشكال من هذا القبيل رغم جريان الكرامات في عهده على يد أصحابه، وكذلك بعد موته، إذ لا تجري كرامة على يدي ولي فيدعي النبوة إلا ويقطع الناس بكذبه فتسقط ولايته ولا تثبت نبوته . ولا يحتاج الناس بعدها للتفريق بين الكرامة والمعجزة، إذ النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء وكل دعوى النبوة بعده فغي وضلال، فتحصّل من ذلك أن ما أورده المعتزلة لم يكن سوى تشغيب ليس إلا.


      الوجه الخامس: أن تفريق الناس بين حال النبي وبين حال الولي لا يكون بفعل واحد أو قضية فريدة، فحال النبي يظهر في مجمل حياته كلها، وكذا حال الولي، فمن ادعى من الأولياء النبوة لم يكن ليجري الله على يديه من أدلة التأييد ما يلتبس به على الناس أمره، حتى يظنوه نبيا يوحى إليه، ولهذا يكثر في هذا الزمان عمل السحرة والمشعوذين، ولا يقول أحدٌ من الناس إنهم أولياء الله، فهم وإن كان يجري على أيديهم ما ظاهره أنه خارق للعادة، إلا أن مجمل أحوالهم يدل على كذبهم ودجلهم، واستعانتهم بالجن والشياطين في أعمالهم،

      ولذلك تجدهم من أبعد الناس عن هدي النبوة ونور الوحي، ولا تجد فيهم استقامة على الشرع أو حرصا على أركان الدين من صلاة وصيام وحج ونحو ذلك، فضلا عن إتيانهم المنكرات الظاهرة والمعاصي الجلية، فلا يلتبس على الناس حالهم بل يميزون بينهم وبين الولي، ويعلمون أن الولي مستقيم على شرع النبي، وأنه لولا استقامته ما حصّل منزلة الولاية، أو حصلت له الكرامة .


      وبهذا يتبين صحة القول بثبوت كرامات الأولياء، ولكن ليحذر المسلم من أقوام جعلوا من باب الكرامة مدخلا للإضلال والإفساد، فادعوا زورا وبهتانا حصول الكرامات لهم، بل جعلوها ديدنهم، فمشائخهم هم أكثر الناس كرامات، ويد القدرة مطلقة عندهم، فلا يحتاجون أمرا إلا وجرت على أيديهم في شأنه كرامه، فإذا أرادوا الصلاة كانت صلاتهم في الحرم، وإن أرادوا الحج انتقلوا عبر آفاق السماء في زمن لم تظهر فيه الطائرات، بل جعلوا من الكرامات مدخلا للسلوكيات المشينة والأعمال التي يستحى من ذكرها .

      والكرامة إنما تحصل للأولياء لا على سبيل المفاخرة وإنما لقضاء حاجة دينية كتثبيت على طاعةٍ، أو لحاجة دنيوية كإنارة طريق الصحابيين اللذين خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، أما التوسع في اختلاق الكرامات فلم يكن سوى من بدع المبتدعة وكذبهم .



      التعديل الأخير تم بواسطة طريقي لربي; الساعة 25-09-2014, 10:19 AM.
      يا الله
      علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

      تعليق


      • #4
        رد: سلسلة شبهات حول العقيده

        الرد علي من ينكر الشفاعه


        لا يختلف المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الشافع المشفَّع يوم القيامة، وأن الشفاعة - في الجملة - ثابتة بالكتاب والسنة، واتفق أهل السنة والجماعة على إثباتها في أصحاب الكبائر الذين ماتوا ولم يتوبوا من ذنوبهم، في حين خالف المعتزلة والخوارج فيهم وقالوا: إن الشفاعة المذكورة في الكتاب والسنة ليست سوى رفع الدرجات وزيادة ثواب المشفوع فيهم من المؤمنين، أما أصحاب الكبائر فهم كفار في نار جهنم خالدون فيها أبدا، واستدلوا على ذلك بأدلة سنعرض لها بالنقد والتمحيص، ولكن قبل ذلك نورد من أدلة أهل السنة ما يتضح به صحة مسلكهم وسلامة منهجهم، وأن النص والإجماع معهم لا مع من خالفهم:



        دلائل الشفاعة
        :


        أدلة الشفاعة الواردة في القرآن أدلة عامة غير مفصلة، تدل بمجملها على ثبوت الشفاعة يوم القيامة، وقد جاءت الأحاديث النبوية مصرحة بذلك، فمن تلك الأحاديث:
        1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة - إن شاء الله - من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ) رواه مسلم ، ولا شك أن من زنى أو سرق أو شرب الخمر لم يشرك بالله فهو ممن تناله الشفاعة إن شاء الله .
        2- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال – بخطاياهم، فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر – أي جماعات - فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل ) رواه مسلم .
        3- حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمتي ) رواه الترمذي وأبو داود .
        4- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير ) رواه البخاري ومسلم .
        5- حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتدرون ما خيرني ربي الليلة، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة، قلنا يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهلها، قال: هي لكل مسلم ) رواه ابن ماجة وصححه الألباني .
        فهذه الأحاديث وغيرها تثبت صراحة الشفاعة في أهل الكبائر، إلا أن المخالفين ردوا هذه الأحاديث بدعوى أنها أحاديث آحاد لا تثبت بها العقائد، وأنها على فرض صحتها محمولة على رفع الدرجات وزيادة الثواب .
        والجواب عن ذلك أن يقال: كيف يصح حمل الشفاعة في الأحاديث السابقة على زيادة الثواب ورفع الدرجات ؟! وهي مصرحة بخروج المذنبين من النار ، وأن خروجهم يكون بشفاعة الشافعين، وأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، كل ذلك يرد هذا التأويل ويبطله، أما دعوى أن أحاديث الشفاعة أحاديث آحاد فدعوى مردودة على أصحابها، إذ قد نص أهل العلم على تواترها، وممن نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، والحافظ ابن حجر العسقلاني ، و السخاوي ، والقاضي عياض وغيرهم، ويقول الإمام الباقلاني في تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل:" والأخبار في الشفاعة أكثر من أن يؤتى عليها، وهي كلها متواترة متوافية على خروج الموحدين من النار بشفاعة الرسول وآله، وإن اختلفت ألفاظها .. وقد أطبق سلف الأمة على تسليم هذه الرواية وصحتها مع ظهورها وانتشارها، والعلم بأنها مروية من الصحابة والتابعين، ولو كانت مما لم تقم الحجة بها لطعن طاعن فيها بدفع العقل والسمع لها على ما يقوله المعتزلة، ولكانت الصحابة أعلم بذلك وأشد تسرعا إلى إنكارها، ولو كانوا قد فعلوا ذلك أو بعضهم لظهر ذلك وانتشر ولتوفرت الدواعي على إذاعته وإبدائه، حتى ينقل نقل مثله، ويحل العلم به محل العلم بخبر الشفاعة، لأن هذه العادة ثابتة في الأخبار، وفي العلم بفساد ذلك دليل على ثبوت خبر الشفاعة وبطلان قول المعتزلة " ا.هـ .

        ويؤيد ما سبق ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري من أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا ينكرون على من أنكر الشفاعة، حيث ذكر من الآثار ما يؤيد ذلك فقال: " إن الخوارج - الطائفة المشهورة المبتدعة - كانوا ينكرون الشفاعة، وكان الصحابة ينكرون إنكارهم، ويحدثون بما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأخرج البيهقي في البعث من طريق شبيب بن أبي فضالة قال: ذكروا عند عمران بن حصين الشفاعة، فقال رجل: إنكم لتحدثوننا بأحاديث لا نجد لها في القرآن أصلا، فغضب وذكر له - ما معناه - إن الحديث يفسر القرآن، وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن أنس قال: من كذب بالشفاعة فلا نصيب له فيها، وأخرج البيهقي في البعث .. عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: خطب عمر رضي الله عنه فقال: إنه سيكون في هذه الأمة قوم يكذبون بالرجم، ويكذبون بالدجال، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار . ومن طريق أبي هلال عن قتادة قال: قال أنس : " يخرج قوم من النار، ولا نكذب بها كما يكذب بها أهل حروراء يعني الخوارج " ا.هـ ،
        ومن خلال ما نقله الحافظ رحمه الله تعالى يتضح أن مسألة التكذيب بالشفاعة مسألة قديمة تصدى لها الصحابة رضوان الله عليهم، وبينوا زيفها وبطلانها.




        ومع ذلك تمسك الخوارج والمعتزلة بنفي الشفاعة، واستدلوا بظواهر آيات من القرآن الكريم تنفي الشفاعة بإطلاق، فمن ذلك قوله تعالى: {
        فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }( المدثر: 48). وقوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ }(البقرة:48)، وبقوله:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ }(البقرة:123) وبقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }(البقرة:254) وبقوله:{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ }( غافر:18) .
        والجواب على هؤلاء أن مقتضى الفقه في الدين، واتباع سبيل المؤمنين هو الأخذ بمجموع ما ورد في الكتاب والسنة وعدم اجتزاء نصوصهما، وعدم الأخذ ببعض الكتاب والإعراض عن بعض، فإن ذلك دليل هوى ومسلك زيغ .
        ونصوص الشفاعة الواردة في الكتاب على أقسام:




        القسم الأول: نصوص ترجع الشفاعة لله، كقوله تعالى: {
        قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }(الزمر:44).

        القسم الثاني: نصوص تنفي الشفاعة بإطلاق، كالآيات التي استدل بها من أنكر الشفاعة .

        القسم الثالث: نصوص تنفي انتفاع الكافرين بالشفاعة، كقوله تعالى:{
        فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }(المدثر: 48)

        القسم الرابع: نصوص تثبتها بقيود وتشترط لها شروطا، كقوله تعالى:{
        لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا }(مريم: 87 )، وقوله:{يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا }( طه: 109) وقوله:{وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }(سبأ: 23) وقوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ }(الأنبياء:28)، ومجمل هذه الشروط التي تدل عليها الآيات السابقة هي: إيمان الشافع والمشفوع له، ورضا الله عنهما، وإذنه بالشفاعة .

        ولا شك أن مسلك أهل العلم هو الجمع بين تلك الآيات وعدم اجتزائها أو الاستدلال ببعضها دون بعض، وعليه فالآيات التي تثبت أن الشفاعة لله جميعا لا إشكال فيها إذ مرد الأمر كله لله من قبل ومن بعد.
        وأما الآيات التي تنفي الشفاعة بإطلاق فهي من المطلق المقيَّد، وتقييدها يكون بالآيات التي تثبتها بشروط، وتبقى الآيات التي تنفي انتفاع الكافرين بالشفاعة موافقة لعموم نفي الشفاعة، وهذا لا إشكال فيه، وبه تجتمع الآيات ولا تفترق وتأتلف ولا تختلف، وهذا الجمع بين الآيات هو ما قرره العلماء ، يقول العلامة ابن الوزير اليماني في الروض الباسم: "قوله تعالى:{
        مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ }(البقرة:254), فأطلق نفي الخلّة والشّفاعة في هذه الآية عن كلّ أحد, ثمّ قيّده في قوله تعالى:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } (الزخرف:67), وقال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ }( الأنبياء/28), فأثبت الخلّة والشّفاعة لمن اتّقى, ولمن ارتضى بعد أن نفاهما مطلقاً, وكذلك ما ورد في خروج أهل الإسلام من النّار من صحيح الأخبار "، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية جوابا على من أنكر الشفاعة لأهل الكبائر بناء على الآيات السالفة: "وجواب أهل السنة أن هذا يراد به .. أنها لا تنفع المشركين كما قال تعالى في نعتهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* ﴿٤٢﴾ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴿٤٣﴾ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴿٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴿٤٥﴾ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿٤٦﴾ حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ ﴿٤٧﴾ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴿٤٨﴾ } فهؤلاء نفي عنهم نفع شفاعة الشافعين لأنهم كانوا كفارا ". ويقول العلامة الشنقيطي في أضواء البيان في تفسير قوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ }(البقرة:48) قال : " { وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقا يوم القيامة، ولكنه بيّن في مواضع أخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السموات والأرض . أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع ".
        واحتج الخوارج والمعتزلة أيضا على إنكار الشفاعة بأن مرتكبي الكبائر كفار مخلدون في نار جهنم، لا يخرجهم الله من النار بعد أن يدخلوها لا بشفاعة ولا بغيرها .
        والجواب عن هذه المسألة - التي تعدُّ من أقدم مسائل الخلاف بينهم وبين أهل السنة - قد سبق في بحث تحت محور العقيدة بعنوان: " شبهات من كفّر أصحاب الكبائر " .
        وبهذا نكون قد أوضحنا بالدليل والبرهان، أن الشفاعة ثابتة لعصاة الموحدين، وأنه ليس مع من أنكرها دليل عقلي أو نقلي صحيح.
        ومما يجدر التنبيه عليه في هذا المقام أن المسلم وإن أثبت الشفاعة في أهل الكبائر وآمن بها، فلا ينبغي أن يكون إيمانه بالشفاعة سببا في تهاونه في ارتكاب المعاصي والآثام، فإن يوما واحدا في نار جهنم ينبغي للعاقل أن يعمل له من العمل الصالح ما ينجيه منه، وأن يبتعد عما يقربه إليه والله أعلم.




        التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 06-02-2015, 08:46 PM. سبب آخر: تشكيل الآيات
        يا الله
        علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

        تعليق


        • #5
          رد: سلسلة شبهات حول العقيده

          الرد علي شبهة
          هل يمكن أن يفتن النبي عن الوحي ؟


          كتب بعض المفتونين قائلاً: " إنها لظاهرة خطيرة ومؤلمة، وهي إمكان فتنة الناس للنبي عن الوحي، وإمكان ركون النبي إلى فتنتهم – أي المشركين - "، واستشهد على قوله هذا بقول الله تعالى: {
          وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا . وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا . إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا }(الإسراء: 73-75 ) ثم ساق بعض الروايات المذكورة في التفاسير ليدلل على صحة كلامه، والذي يريد من ورائه التشكيك في صدقية الوحي وموثوقيته، والتشكيك في صدقية النبي – صلى الله عليه وسلم -، والتأكيد على أن النبي غير قادر على تحمل ضغط قريش .



          وللرد على هذا الافتراء لابد أن نقف مع الآية وقفة موضوعية توضح معانيها، وتضعها في سياقها، ومن خلال هذه الوقفة سيتضح بطلان ما ذكره الطاعنون. حيث وردت الآية في سياق الحديث عن الكفار في الآخرة، وذلك في قوله تعالى:{
          وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا } والتي أعقبتها الآية محل البحث، وكان فيها انتقالاً واضحاً من الكلام عن الكفار في الآخرة إلى ذكر بعض أفعالهم في الدنيا، ولعل ذلك كان بمثابة التعليل لما يصيبهم في الآخرة من عذاب وعمى، حيث ذكر سبحانه أن الكفار بعد أن عجزوا عن ثني النبي عن دعوته، وعجزوا عن التأثير عليه بتعذيب أصحابه لجؤوا إلى سياسية اللين، حيث حاولوا ثني النبي – صلى الله عليه وسلم - عن بعض ما أوحي إليه {عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ }، من غير أن تبين الآية ما هو الشيء الذي طلبوا من النبي تغييره، وما هو الشيء الذي طلبوا إضافته للوحي {لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } إلا أن السياق العام يدل على أنهم طلبوا من النبي تنازلاً ما تجاه آلهتهم الباطلة، وبالغوا في الأمر فطلبوا أن ينسب النبي هذا التنازل إلى الله، وجعلوا جائزة ذلك رضاهم وكف أذاهم عنه، ومصاحبتهم له { وإذا لاتخذوك خليلاً } إلا أن الله ثبته على الحق { ولولا أن ثبتناك }، ونبهه إلى خطورة هذا المسلك، ووعظه في ذلك: {إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } فكانت هذه الآية بمثابة إعلام للأمة بأن الله حفظ كتابه، وامتنان من الله لنبيه على هذا الحفظ والتثبيت، فليس في الآية إذاً ما يمكن أن يشكل طعنا في الوحي، أو تشكيكا في النبي، كيف والآية صريحة أن الذي وقع من النبي من ميل لموافقتهم، لم يعدوا أن يكون حديث نفس لم يترجم إلى واقع عملي، أو تعهد لفظي، بل كان مجرد هم وربما خاطر سرعان ما نزل التثبيت الإلهي ليقطعه وليؤكد حفظ الله لنبيه ولكتابه، فالآية تدل على عكس ما يقوله الطاعنون .

          وأما أسباب نزول الآية فهي ضعيفة، وإن ذكرها المفسرون، فإنهم يذكرون ما ثبت وما لم يثبت، فمما ذكره المفسرون في أسباب نزول الآية رواية سعيد قال: كان رسول - صلى الله عليه وسلم - يستلم الحجر الأسود، فمنعته قريش، وقالوا: لا ندعه حتى يلم – يمس - آلهتنا، فحدث نفسه، وقال: ما علي أن ألم بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر، والله يعلم أني لها كاره، فأبى الله، فأنزل الله: {
          وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } الآية.
          وهذه الرواية كما ترى مرسلة فسعيد وهو ابن جبير لم يدرك عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - فروايته عنه وعن الأحداث الواقعة في زمنه – عليه الصلاة والسلام – مرسلة، والمرسل من أقسام الضعيف، وعليه فالرواية من جهة السند لا تصح . وعلى فرض صحتها فحديث النبي لنفسه بموافقتهم كان اجتهاداً منه – عليه الصلاة والسلام – إذ ظن أن مس آلهتهم سوف يجلب مصالح شرعية منها: تمكينه من استلام الحجر، وهو عبادة وقربة، والمصلحة الثانية: تليين قلوب المشركين عليه وعلى أتباعه بما يزيد من احتمال إسلامهم وتخفيف معارضتهم للدعوة . وقد تقرر في أصول الفقه جواز اجتهاد النبي فيما لم ينزل عليه فيه شيء إلا أن الله يثبته على اجتهاده، أو يرشده إلى سبيل الصواب فيه، وهو ما حدث هنا؛ إذ نهاه عن إجابة المشركين إلى ما طلبوا؛ لما سيترتب على ذلك من نتائج سلبية تضر بالدعوة، وفي مقدمة تلك النتائج السلبية فتنة المؤمنين عن دينهم، بقول المشركين لهم: إن نبيكم وقدوتكم قد استلم آلهتنا وعظمها، وتخلى عما كان يدعو إليه، وفي ذلك أعظم الفتنة وأسوأ الأثر .
          ومما ذكره المفسرون في سبب نزول الآية رواية قتادة - رحمه الله - قال: ذُكر لنا أن قريشاً خلوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة إلى الصبح، يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه، وكان في قولهم أن قالوا: إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس، وأنت سيدنا وابن سيدنا، فما زالوا يكلمونه حتى كاد أن يقارفهم – يوافقهم -، ثم منعه الله وعصمه من ذلك .
          والكلام في هذه الرواية كالكلام في رواية سعيد سنداً ومتنا فقتادة وهو ابن دعامة السدوسي تابعي ثقة لم يلق النبي – صلى الله عليه وسلم – فحديثه مرسل، والمرسل من أقسام الحديث الضعيف، والكلام في المتن لا يختلف عن سابقه غير أن الرواية السابقة فصلت ما طلب المشركون من النبي، وهذه أجملت .
          ومما ذكروه أيضاً رواية ابن عباس - رضي الله عنهما - وهي أن: ثقيفاً كانوا قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله أجلنا سنة حتى يُهدى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يُهدى لآلهتنا أخذناه، ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة، فهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيهم، وأن يؤجلهم، فقال الله: {
          وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } .
          وهذه الرواية وإن كانت مسندة إلا أن الطبري ألمح إلى ضعفها في تفسيره، هذا من جهة الكلام في سند الرواية أما الكلام في متنها فهي داخلة ضمن الاجتهاد المشروع للنبي – صلى الله عليه وسلم – ووجه الاجتهاد في ذلك أن القوم كانوا كفاراً، وترك النبي – صلى الله عليه وسلم - قتالهم سنة – على القول بأن هذه الآيات مدنية - غير مضرٍ، طالما أنهم بعد هذه المدة سيسلمون طواعية . هذا وجه اجتهاد النبي – صلى الله عليه وسلم - إلا أن الله نهاه عن إجابتهم، لما يحمل هذا الإذن من معنى الرضا بالكفر، والسماح بوجوده، وربما تشوفت قبائل أخرى غير ثقيف لتحصيل مثل هذا التأجيل، بما يؤدي إلى تعطيل جهاد الكفار .
          وبهذا يظهر ألا مطعن في مدلول الآية الكريمة التي استشهدوا بها، بل على العكس، فالآية تدل على حفظ الله لنبيه من أن تزيغه الأهواء، وحفظه لكتابه أن يدخل فيه ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه، وهو حفظ تكفل الله به لنبيه وللأمة جمعاء، حتى يصل كتاب الله إلى البشر جميعا صافيا نقياً كما أنزل من غير زيادة ولا نقصان .



          التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 06-02-2015, 11:10 PM. سبب آخر: تشكيل الآيات
          يا الله
          علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

          تعليق


          • #6
            رد: سلسلة شبهات حول العقيده

            جزاكم الله خيراا لي عودة لتكملة القراءة

            تعليق


            • #7
              رد: سلسلة شبهات حول العقيده

              المشاركة الأصلية بواسطة طريقي لربي مشاهدة المشاركة
              جزاكم الله خيراا لي عودة لتكملة القراءة
              خيرا جزاكم
              شرفت بمروركم

              يا الله
              علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

              تعليق


              • #8
                رد: سلسلة شبهات حول العقيده

                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                ما شاء الله
                مواضيعكم يا ابنتي مفيدة لمن يرجو الفائدة
                جزاكم الله خيراً كثيراً
                بارك الله فيكم وفي علمكم ونفعنا بكم

                قال الحسن البصري - رحمه الله :
                استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                تعليق


                • #9
                  رد: سلسلة شبهات حول العقيده

                  إن أمكن لكم يا ابنتي
                  المشاركة الثانية بحاجة إلى تضبيط
                  فيها أكواد تعيق قراءة المشاركة
                  وفقكم الله لكل خير

                  قال الحسن البصري - رحمه الله :
                  استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                  [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                  تعليق


                  • #10
                    رد: سلسلة شبهات حول العقيده

                    [quote=أبوالمعالـي;1061334304]
                    إن أمكن لكم يا ابنتي
                    المشاركة الثانية بحاجة إلى تضبيط
                    فيها أكواد تعيق قراءة المشاركة
                    وفقكم الله لكل خير



                    لا حول ولا قوة إلا بالله

                    لا أدري ما حدث بها هذا بإذن الله هعيد كتابتها مرة أخري

                    الله المستعان

                    يا الله
                    علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

                    تعليق


                    • #11
                      رد: سلسلة شبهات حول العقيده

                      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

                      جزاكم الله خيرًا ورفع قدركم
                      [CENTER][B][URL="https://forums.way2allah.com/forum/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85/%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8/4455003-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%8A"][COLOR=#FF0000][SIZE=36px][FONT=times new roman]مشروع تحفيظ القرآن الكريم للشباب بشبكة الطريق إلى الله[/FONT][/SIZE][/COLOR][/URL][/B][/CENTER]
                      [CENTER][B][URL="https://forums.way2allah.com/forum/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85/%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8/4455003-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%8A"][COLOR=#0000CD][SIZE=36px][FONT=times new roman](القرآن حياتي)[/FONT][/SIZE][/COLOR][/URL][/B][/CENTER]

                      تعليق


                      • #12
                        رد: سلسلة شبهات حول العقيده

                        ماشاء الله جزاك الله خيرا على الفائدة
                        لي عودة لقراءة باقي المشاركات
                        جعله الله في ميزان حسناتك


                        اللهم اجعلنا من أهل القران

                        تعليق


                        • #13
                          رد: سلسلة شبهات حول العقيده


                          راااااااااااااااااائع جزاكم الله خيرا




                          رحم الله أبي وأمي وأسكنهم فسيح جناته

                          تعليق


                          • #14
                            رد: سلسلة شبهات حول العقيده

                            جزاكم الله خيراً

                            يا الله
                            علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

                            تعليق


                            • #15
                              رد: سلسلة شبهات حول العقيده

                              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                              جزاكم الله خيراً
                              ونفعنا بكم

                              تعليق

                              يعمل...
                              X