إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفسير اية الكرسي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفسير اية الكرسي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله



    تفسير اية الكرسي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله


    ]
    اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ[ في هذه الآية يخبر الله بأنه منفرد بالألوهية، وذلك من قوله: ] لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ[، لأن هذه جملة تفيد الحصر وطريقة النفي والإثبات هذه من أقوى صيغ الحصر.
    (2) أي: ذو الحياة الكاملة المتضمنة لجميع صفات الكمال لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، ولا يعتريها نقص بوجه من الوجوه.
    و]الحي[ من أسماء الله، وقد تطلق على غير الله، قال تعالى: ]
    يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ[ [الأنعام: 95]، ولكن ليس الحي كالحي، ولا يلزم من الاشتراك في الاسم التماثل في المسمى.
    (3) ]القيوم[ على وزن فيعول، وهذه من صيغ المبالغة، وهي مأخوذة من القيام.
    ومعنى ]القيوم[، أي: أنه القائم بنفسه، فقيامه بنفسه يستلزم استغناءه عن كل شيء، لا يحتاج إلى أكل ولا شرب ولا غيرها، وغيره لا يقوم بنفسه بل هو محتاج إلى الله تفسير آية الكرسي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله في إيجاده وإعداده وإمداده.
    ومن معنى ]القيوم[ كذلك أنه قائم على غيره لقوله تعالى ]
    أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ[ [الرعد: 33]، والمقابل محذوف تقديره: كمن ليس كذلك، والقائم على كل نفس بما كسبت هو الله ولهذا يقول العلماء القيوم هو القائم على نفسه القائم على غيره، وإذا كان قائمًا
    على غيره، لزم أن يكون غيره قائمًا به، قال الله تعالى: ]
    وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ[ [الروم: 25]، فهو إذاً كامل الصفات وكامل الملك والأفعال.
    وهذان الاسمان هما الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب ولهذا ينبغي للإنسان في دعائه أن يتوسل به، فيقول: يا حي! يا قيوم! وقد ذكرا في الكتاب العزيز في ثلاثة مواضع: هذا أحدها، والثاني في سورة آل عمران: ]
    اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ[ [آل عمران: 2]، والثالث سورة طه: ]وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا[ [طه: 111].
    هذان الاسمان فيهما الكمال الذاتي والكمال السلطاني، فالذاتي في قوله: ]الحي[ والسلطاني في قوله: ]القيوم[، لأنه يقوم على كل شيء ويقوم به كل شيء.

    لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ (1
    (1) السنة النعاس وهي مقدمة النوم ولم يقل: لا ينام، لأن النوم يكون باختيار، والأخذ يكون بالقهر.
    والنوم من صفات النقص، قال النبي عليه الصلاة والسلام:
    "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام"(1) لنقصها، لأنها تحتاج إلى النوم من أجل الاستراحة من تعب سبق واستعادة القوة لعمل مستقبل، ولما كان أهل الجنة كاملي الحياة، كانوا لا ينامون، كما صحت بذلك الآثار.
    لكن لو قال قائل: النوم في الإنسان كمال، ولهذا، إذا لم ينم الإنسان، عد مريضًا. فنقول: كالأكل في الإنسان كمال ولو لم يأكل، عد مريضاً لكن هو كمال من وجه ونقص من وجه آخر، كمال لدلالته على صحة البدن واستقامته ونقص لأن البدن محتاج إليه، وهو في الحقيقة نقص.
    إذاً ليس كل كمال نسبي بالنسبة للمخلوق يكون كمالاً للخالق، كما أنه ليس كل كمال في الخالق يكون كمالًا في المخلوق، فالتكبر كمال في الخالق نقص في المخلوق والأكل والشرب والنوم كمال في المخلوق نقص في الخالق، ولهذا قال الله تعالى عن نفسه: ]
    وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ[ [الأنعام: 14].
    لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
    قوله: ] لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ[: ]له[: خبر مقدم. ]وما[: مبتدأ مؤخر، ففي الجملة حصر، طريقه تقديم ما حقة التأخير وهو الخبر. ]له[: اللام هذه للملك. ملك تام، بدون معارض. ]ما في السموات[: من الملائكة والجنة وغير ذلك مما لا نعلمه ]وما في الأرض[: من المخلوقات كلها الحيوان منها وغير الحيوان.
    وقوله: ]السموات[: تفيد أن السماوات عديدة، وهو كذلك وقد نص القرآن على أنها سبع ]
    قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ[ [المؤمنون: 86].
    والأرضون أشار القرآن إلى أنها سبع بدون تصريح، وصرحت، بها السنة، قال الله تعالى ]
    اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ[ [الطلاق: 12]، مثلهن في العدد دون الصفة وفي السنة قال النبي عليه الصلاة والسلام: "من اقتطع شبراً من الأرض ظلمًا، طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين"
    مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ]من ذا[ اسم استفهام أو نقول: ]من[ اسم استفهام، و ]ذا[: ملغاة، ولا يصح أن تكون ]ذا[: اسماً موصولاً في مثل هذا التركيب، لأنه يكون معنى الجملة: من الذي الذي! وهذا لا يستقيم.
    مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ
    الشفاعة في اللغة: جعل الوتر شفعًا، قال تعالى: ] وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [ [الفجر: 3]. وفي الاصطلاح: هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، فمثلًا: شفاعة النبي لأهل الموقف أن يقضى بينهم: هذه شفاعة بدفع مضرة، وشفاعته لأهل الجنة أن يدخلوها بجلب منفعة.
    عنده أي: عند الله.
    إلا بإذنه
    أي: إذنه له وهذه تفيد إثبات الشفاعة، لكن بشرط أن يأذن ووجه ذلك أنه لولا ثبوتها، لكان الاستثناء في قوله ]إلا بإذنه[: لغواً لا فائدة فيه.
    وذكرها بعد قوله: ]له ما في السموات...[ يفيد أن هذا الملك الذي هو خاص بالله أنه ملك تام السلطان، بمعنى أنه لا أحد يستطيع أن يتصرف، ولا بالشفاعة التي هي خير، إلا بإذن الله، وهذا من تمام ربوبيته وسلطانه
    وتفيد هذه الجملة أن له إذنًا والإذن في الأصل الإعلام، قال الله تعالى: ]
    وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ[ [التوبة: 3]، أي إعلام من الله ورسوله، فمعنى ]بإذنه[، أي: إعلامه بأنه راض بذلك.
    وهناك شروط أخرى للشفاعة: منها: أن يكون راضيًا عن الشافع وعن المشفوع له، قال الله تعالى: ]
    وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى[ [الأنبياء: 28]، وقال: ]يَوْمئذٍ لَا تَنْفَع الشَّفَاعَة إلَّا مَنْ أَذنَ لَهُ الرَّحْمَن وَرَضيَ لَهُ قَوْلًااً[ [طه: 109].
    وهناك آية تنتظم الشروط الثلاثة ]
    وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ [ [النجم: 26]، أي: يرضى عن الشافع والمشفوع له، لأن حذف المعمول يدل على العموم.فالشروط الثلاثة :-
    1- الرضا عن الشافع
    2- الرضا عن المشفوع له
    3- الإذن للشافع من الله تعالى
    إذا قال قائل: ما فائدة الشفاعة إذا كان الله تعالى قد علم أن هذا المشفوع له ينجو؟
    فالجواب: أن الله يأذن بالشفاعة لمن يشفع من أجل أن يكرمه وينال المقام المحمود.
    يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم
    العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا، والله
    يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ[ المستقبل، ]وَمَا خَلْفَهُمْ[ الماضي، وكلمة ]ما[ من صيغ العموم تشمل كل ماض وكل مستقبل، وتشمل أيضًا ما كان من فعله وما كان من أفعال الخلق.
    وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ.
    الضمير في ]يحيطون[ يعود على الخلق الذي دل عليهم قوله: ]
    لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ[، يعني لا يحيط من في السماوات والأرض بشيء من علم الله إلا بما شاء.
    وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء
    يحتمل من علم ذاته وصفاته، يعني: أننا لا نعلم شيئًا عن الله وذاته وصفاته إلا بما شاء مما علمنا إياه ويحتمل أن (علم) هنا بمعنى معلوم، يعني: لا يحيطون بشيء من معلومه، أي: مما يعلمه، إلا بما شاءه، وكلا المعنيين صحيح وقد نقول: إن الثاني أعم، لأن معلومه يدخل فيه علمه بذاته وبصفاته وبما سوى ذلك.
    يعني إلا بما شاء مما علمهم إياه، وقد علمنا الله تعالى أشياء كثيرة عن أسمائه وصفاته وعن أحكامه الشرعية، ولكن هذا الكثير هو بالنسبة لمعلومه قليل، كما قال الله تعالى: ]
    وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً[ [الإسراء: 85].
    وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
    وسع بمعنى شمل، يعني: أن كرسيه محيط بالسماوات والأرض، وأكبر منها، لأنه لولا أنه أكبر ما وسعها.
    الكرسي، قال ابن عباس تفسير آية الكرسي للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : "إنه موضع قدمي الله ، وليس هو العرش، بل العرش أكبر من الكرسي وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: "أن السماوات والسبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة".
    هذا يدل على عظم هذه المخلوقات وعظم المخلوق يدل على عظم الخالق.

    وَلا يَؤُوُدُهُ حِفْظُهُمَا يعني: لا يثقله ويكرثه حفظ السماوات والأرض.
    وهذه من الصفات المنفية، والصفة الثبوتية التي يدل عليها هذا النفي هي كمال القدرة والعلم والقوة والرحمة.
    وهو العلي
    ]العلي[ على وزن فعيل، وهي صفة مشبهة، لأن علوه لازم لذاته، والفرق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل أن اسم الفاعل طارئ حادث يمكن زواله، والصفة المشبهة لازمة لا ينفك عنها الموصوف.
    وعلو الله قسمان: علو ذات، وعلو صفات:
    فأما علو الذات، فإن معناه أنه فوق كل شيء بذاته، ليس فوقه شيء ولا حذاءه شيء.
    وأما علو الصفات، فهي ما دل عليه قوله تعالى: ]
    وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى

    [ [النحل: 60]، يعني: أن صفاته كلها علياً، ليس فيها نقص بوجه من الوجوه.
    العظيم
    ]العظيم[، أيضاً صفة مشبهة، ومعناها: ذو العظمة، وهي القوة والكبرياء وما أشبه ذلك مما هو معروف من مدلول هذه الكلمة.
    وهذه الآية تتضمن من أسماء الله خمسة وهي: الله، الحي، القيوم، العلي، العظيم.
    وتتضمن من صفات الله ستاً وعشرين صفة منها خمس صفات تضمنتها هذه الأسماء.
    السادسة: انفراده بالألوهية.
    السابعة: انتفاء السنة والنوم في حقه، لكمال حياته وقيوميته.
    الثامنة: عموم ملكه، لقوله: ]له ما في السموات وما في الأرض[.
    التاسعة: انفراد الله بالملك، ونأخذه من تقديم الخبر.
    العاشرة: قوة السلطان وكماله، لقوله: ]
    مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ[.
    الحادية عشرة: إثبات العندية، وهذا يدل على أنه ليس في كل مكان، ففيه الرد على الحلولية.
    الثانية عشرة: إثبات الإذن من قوله: ]إلا بإذنه[.
    الثالثة عشرة: عموم علم الله تعالى لقوله: ]
    {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}:[.
    الرابعة عشرة والخامسة عشرة: لا ينسى ما مضى، لقوله: ]وما خلفهم[ ولا يجهل ما يستقبل، لقوله ]ما بين أيديهم[.
    السادسة عشرة: كمال عظمة الله، لعجز الخلق عن الإحاطة به.
    السابعة عشرة: إثبات الكرسي، وهو موضع القدمين.
    التاسعة عشرة والعشرون والحادية والعشرون: إثبات العظمة والقوة والقدرة، لقوله: ]
    وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ[، لأن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق.
    الثانية والثالثة والرابعة والعشرون: كمال علمه ورحمته وحفظه، من قوله: ]
    وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا[.
    الخامسة والعشرون: إثبات علو الله لقوله: ]وهو العلي[ ومذهب أهل السنة والجماعة أن الله عال بذاته، وأن علوه من الصفات الذاتية الأزلية الأبدية.
    وخالف أهل السنة في ذلك طائفتان: طائفة قالوا: إن الله بذاته في كل مكان وطائفة قالوا: إن الله ليس فوق العالم ولا تحت العالم ولا في العالم ولا يمين ولا شمال ولا منفصل عن العالم ولا متصل.
    والذين قالوا بأنه في كل مكان استدلوا بقول الله تعالى:
    أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ[ [المجادلة: 7]، واستدلوا بقوله تعالى: ]هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِي[ [الحديد: 4]، وعلى هذا، فليس عاليًا بذاته، بل العلو عندهم علو صفة.
    أما الذين قالوا: إنه لا يوصف بجهة، فقالوا: لأننا لو وصفناه بذلك، لكان جسمًا، والأجسام متماثلة، وهذا يستلزم التمثيل وعلى هذا، فننكر أن يكون في أي جهة.
    ولكننا نرد على هؤلاء وهؤلاء من وجهين:
    الوجه الأول: إبطال احتجاجهم.
    والثاني: إثبات نقيض قولهم بالأدلة القاطعة.
    1- أما الأول، فنقول لمن زعموا أن الله بذاته في كل مكان: دعواكم هذه دعوى باطلة يردها السمع والعقل:
    - أما السمع، فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه العلي والآية التي استدللتم بها لا تدل على ذلك، لأن المعية لا تستلزم الحلول في المكان، ألا ترى إلى قول العرب: القمر معنا، ومحله في السماء؟ ويقول الرجل: زوجتي معي، وهو في المشرق وهي في المغرب؟ ويقول الضابط للجنود: اذهبوا إلى المعركة وأنا معكم، وهو في غرفة القيادة وهم في ساحة القتال؟ فلا يلزم من المعية أن يكون الصاحب في مكان المصاحب أبدًا، والمعية يتحدد معناها بحسب ما تضاف إليه، فنقول أحيانًا: هذا لبن معه ماء وهذه المعية اقتضت الاختلاط. ويقول الرجل متاعي معي، وهو في بيته غير متصل به، ويقول: إذا حمل متاعه معه: متاعي معي وهو متصل به. فهذه كلمة واحدة لكن يختلف معناها بحسب الإضافة، فبهذا نقول: معية الله لخلقة تليق بجلاله كسائر صفاته، فهي معية تامة حقيقية، لكن هو في السماء.
    - وأما الدليل العقلي على بطلان قولهم، فنقول: إذا قلت: إن الله معك في كل مكان، فهذا يلزم عليه لوازم باطلة، فيلزم عليه:
    أولاً: إما التعدد أو التجزؤ، وهذا لازم باطل بلا شك، وبطلان اللازم يدل على بطلان اللزوم.
    ثانياً: نقول: إذا قلت: إنه معك في الأمكنه، لزم أن يزداد بزيادة الناس، وينقص بنقص الناس.
    ثالثاً: يلزم على ذلك ألا تنزهه عن المواضع القذرة، فإذا قلت: إن الله معك وأنت في الخلاء فيكون هذا أعظم قدح في الله
    فتبين بهذا أن قولهم مناف للسمع ومناف للعقل، وأن القرآن لا يدل عليه بأي وجه من الدلالات، لا دلالة مطابقة ولا تضمن ولا التزام أبدًا.
    2- أما الآخرون، فنقول لهم:
    أولاً: إن نفيكم للجهة يستلزم نفي الرب إذ لا نعلم شيئًا لا يكون فوق العالم ولا تحته ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل، إلا العدم، ولهذا قال بعض العلماء: لو قيل لنا صفوا الله بالعدم ما وجدنا أصدق وصفاً للعدم من هذا الوصف.
    ثانياً: قولكم: إثبات الجهة يستلزم التجسيم! نحن نناقشكم في كلمة الجسم:
    ما هذا الجسم الذي تنفرون الناس عن إثبات صفات الله من أجله؟!
    أتريدون بالجسم الشيء المكون من أشياء مفتقر بعضها إلى بعض لا يمكن أن يقوم إلى باجتماع هذه الأجزاء؟! فإن أردتم هذا، فنحن لا نقره، ونقول: إن الله ليس بجسم بهذا المعنى، ومن قال: إن إثبات علوه يستلزم هذا الجسم، فقوله مجرد دعوى ويكفينا أن نقول: لا قبول.
    أما إن أردتم بالجسم الذات القائمة بنفسها المتصفة بما يليق بها، فنحن نثبت ذلك، ونقول: إن لله - تعالى - ذاتًا، وهو قائم بنفسه، متصف بصفات الكمال، وهذا هو الذي يعلم به كل إنسان.
    وبهذا يتبين بطلان قول هؤلاء الذين أثبتوا أن الله بذاته في كل مكان، أو أن الله تعالى ليس فوق العالم ولا تحته ولا متصل ولا منفصل ونقولك هو على عرشه استوى
    أما أدلة العلو التي يثبت بها نقيض قول هؤلاء وهؤلاء، والتي تثبت ما قاله أهل السنة والجماعة، فهي أدلة كثيرة لا تحصر أفرادها، وأما أنواعها، فهي خمسة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة.
    - أما الكتاب، فتنوعت أدلته على علو الله منها التصريح بالعلو والفوقية وصعود الأشياء إليه ونزولها منه وما أشبه ذلك.
    - أما السنة، فكذلك، فتنوعت دلالتها، واتفقت السنة بأصنافها الثلاثة على علو الله بذاته، فقد ثبت علو الله بذاته في السنة من قول الرسول وفعله وإقراراه.
    - أما الإجماع، فقد أجمع المسلمون قبل ظهور هذه الطوائف المبتدعة على أن الله تعالى مستو على عرشه فوق خلقه.
    قال شيخ الإسلام: "ليس في كلام الله ولا رسوله، ولا كلام الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ما يدل لا نصاً ولا ظاهرًا على أن الله تعالى ليس فوق العرش وليس في السماء، بل كل كلامهم متفق على أن الله فوق كل شيء".
    وأما العقل، فإننا نقول: كل يعلم أن العلو صفة كمال، وإذا كان صفة كمال، فإنه يجب أن يكون ثابتاً لله، لأن الله متصف بصفات الكمال، ولذلك نقولك إما أن يكون الله في أعلى أو في أسفل أو في المحاذي، فالأسفل والمحاذي ممتنع، لأن الأسفل نقص في معناه، والمحاذي نقص لمشابهة المخلوق ومماثلته، فلم يبق إلا العلو، وهذا وجه آخر في الدليل العقلي.
    - وأما الفطرة، فإننا نقول: ما من إنسان يقول: يارب! إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو.
    فتطابقت الأدلة الخمسة.
    وأما علو الصفات، فهو محل إجماع من كل من يدين أو يتسمى بالإسلام.
    السادسة والعشرون: إثبات العظمة لله لقوله: ]العظيم[.
    ولهذا كان من قرأ هذه الآية في ليلة، لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح)....
    هذا طرف من حديث رواه البخاري عن أبي هريرة في قصة استحفاظ النبي صلى الله عليه وسلم إياه على الصدقة، وأخذ الشيطان منها وقوله لأبي هريرة: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي ]
    اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [ حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح فأخبر أبو هريرة النبي بذلك، فقال: " إنه صدقك، وهو كذوب "


    منقول
    التعديل الأخير تم بواسطة مهاجر إلى الله ورسوله; الساعة 16-01-2018, 10:46 PM. سبب آخر: حذف صورة منتهيه

  • #2
    رد: تفسير اية الكرسي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

    جزاكم الله خيرًا أختنا الفاضلة
    من فضلكم وضع الآيات بالتشكيل بارك الله فيكم




    تعليق


    • #3
      رد: تفسير اية الكرسي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

      جزاكم الله خيرا

      وجعله في ميزان حسناتكم
      التعديل الأخير تم بواسطة palestine_son; الساعة 01-09-2013, 07:40 PM. سبب آخر: تعديل املائي بسيط ( جعلة ... جعله )

      اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان

      تعليق


      • #4
        رد: تفسير اية الكرسي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

        جزاكم الله خيرا ونفع بكم

        تعليق


        • #5
          رد: تفسير اية الكرسي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

          جزاكم الله خيرًا ... ونفع الله بكم ،،،

          تعليق


          • #6
            رد: تفسير اية الكرسي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله


            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيرا الجزاء
            وتقبل منكم صالح الأعمال
            والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

            تعليق


            • #7
              رد: تفسير اية الكرسي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

              جزاكم الله خيرًا ونفع الله بكم
              أسألكم الدعاء بظهر الغيب

              تعليق


              • #8
                عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                جزاكم الله خيراً ونفع بكم

                تعليق


                • #9
                  عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                  جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم

                  تعليق

                  يعمل...
                  X