إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصص أبكتنى ... متجدد يوميا بإذن الله

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصص أبكتنى ... متجدد يوميا بإذن الله

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    زوار قسم سرك فى بير الكرام

    فى هذا الموضوع اكتب لكم قصص حقيقية ولكنها صدقا ابكتنى

    قصص من واقع الحياة

    من الآم الحياة

    مشاكل بيوت

    اهات اباء

    بكاء أم

    قصص وعقوق الابناء

    حقا

    اهات المعذبين فى الارض

    خيانات زوجية

    وطلاق زوجات


    فتابعونا

    كل يوم قصة جديدة


    وتم حلها


    فهى للعبرة

    مع

    قصص ابكتنى




  • #3
    رد: قصص أبكتنى

    --------(( إلا أمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي ))---------






    ترددت كثيرا في كتابة رسالتي هذه‏,‏ ولكن الذي شجعني هو قرب الاحتفال بعيد الأم لتكون مناسبة لتقديم شهادة تقدير ووفاء لوالدتي وفي الوقت نفسه لتكون بكلماتكم الواعظ والناصح للأبناء الذين تناسوا أمهاتهم وفضلوا إرضاء زوجاتهم علي رضاء الأم‏.‏ وأتمني أن ترد كل ابن أو زوجة ابن ظالمة لتصحو وتحسن معاملة حماتها‏,‏ وتتذكر أنها في يوم من الأيام ستكون مثلها‏.‏



    أنا باختصار الابنة الصغري‏(‏ الثالثة‏)‏ لأخ أكبر مني بسبع سنوات‏,‏ وأخت تصغره مباشرة في السن‏.‏ عمري الآن تخطي الثلاثين بقليل نشأت لأب موظف عادي من عائلة كبيرة استولي شقيقه علي ورثه‏,‏ وربانا علي الاعتماد علي دخله البسيط‏.‏ وأم غاية في الحنية والطيبة اجتهدا في تربيتنا حتي تخرج شقيقي من الجامعة وسعي والدي وطرق كل الأبواب لرؤسائه ليوفر عملا لأخي في نفس عمله في مركز يتناسب مع مؤهله‏,‏ وحصل عليه بصعوبة بعد عناء كبير‏.‏

    شقيقي الكبير نال من التدليل من أمي ما يفوق الوصف‏,‏ كانت تحرم نفسها من أي شيء لكي توفره له‏.‏ أما أنا وشقيقتي فطلباتنا بسيطة حتي لا نثقل كاهل والدي الذي كان شديد العصبية بسبب الضغط النفسي‏,‏ فكان يفرغه في والدتي بالاهانة والسباب وهي صامتة‏,‏ لم ترد عليه مرة واحدة علي مدي سنوات زواجها الأربعين‏..‏ لم تنطق ولم تعلن ألمها وكبتت أحزانها منذ سنوات صباها‏,‏ فكان طبيعيا أن تصاب بأمراض عدة لم تثنها يوما عن التفاني في خدمة زوجها وأبنائها‏,‏ راضية بما كتبه الله عليها‏,‏ مرددة أن الله سيعوضها خيرا بنا‏.‏


    خرج والدي علي المعاش‏,‏ وحصل علي مكافأة نهاية الخدمة‏,‏ وكالعادة وبتشجيع من أمي أنفقها بكاملها علي أخي‏.‏ دفع له المهر والشبكة‏,‏ وجهز له الشقة التي كنا نحلم بها وننتظرها‏.‏ تلك الشقة التي حجزتها أمي لتكون لنا سكنا أوسع من تلك الشقة الضيقة التي نعيش فيها‏.‏ منحوها لأخي بعد أن قالت أمي بكل حب مش خسارة أبدا في أخيكم‏..‏ ساهم أبي بما تبقي لديه في زواج شقيقتي‏,‏ أما أنا وأمي فلم ننل أي شيء من تلك المكافأة‏,‏ حتي السيارة استولي عليها‏,‏ وكنا راضين‏,‏ آملين في سعادته‏.‏


    ماذا فعل أخي ـ يا سيدي ـ بعد زواجه‏..‏ نسانا جميعا‏,‏ أهمل أمه‏,‏ لم يعد بينه وبينها إلا تليفون عابر سريع‏,‏ بينما غرق في تلبية طلبات أهل زوجته‏.‏ تلك الزوجة التي مارست سطوتها عليه‏,‏ فكانت تتفنن في إهانته علي الرغم من أنه نقلها إلي مستوي لم تكن تحلم به‏.‏ كانت والدتي تحزن علي حال ابنها فتتصل بزوجته وتلاطفها وتدعوها إلي طاعته‏.‏ حتي جاء يوم واشتعلت معركة بين شقيقي وزوجته‏,‏ فذهبت والدتي إليها في شقتهما التي هي في الأصل شقتنا‏,‏ وعاتبتها علي ما تفعله بزوجها‏,‏ وطالبتها بحسن المعاملة‏,‏ فما كان من زوجة أخي إلا أن طردتها أمام الجميع اطلعي بره من بيتي فيما نكس أخي رأسه‏,‏ ولم ينطق بكلمة وهو يري أمه مطرودة مهانة من بيتها التي ضحت به من أجل سعادته مع تلك الزوجة التي أهانتها‏.‏


    بعد هذه الواقعة كان انتقام الله سريعا من أخي‏,‏ فقد تعرض للضرب من عائلة زوجته فأصيب بارتجاج في المخ استدعي دخوله المستشفي‏,‏ ولم يقف بجواره إلا أنا وأمي التي أصيبت بنزيف في عينها من البكاء عليه‏.‏


    عاد أخي بعد خروجه من المستشفي الي زوجته بعد أن وضعت مولودها الأول وغرق مرة أخري في دوامة زوجته وأسرتها وواصل إهماله لأمي‏..‏ تراه من شرفة المنزل‏,‏ وهو في طريقه إلي زيارة حماته وتستجديه أن تراه للحظات فيرد عليها بجفاء شديد وقسوة لا أعرف من أين أتي بها‏.‏

    انطفأت أمي وازداد شحوبها مع هجر وحيدها وقسوته عليها وازداد حزنها ذات يوم عندما ذهبت لزيارة شقيقتها‏,‏ وشاهدت أولادها من حولها يقبلون يديها‏,‏ ويحرصون يوميا علي زيارتها‏.‏ أصابتها الحسرة‏,‏ ولأول مرة تكشف عن حجم ألمها من جحود إبنها لشقيقتي‏.‏

    ذات يوم‏,‏ عدت أنا ووالدي إلي شقتنا ففوجئنا بأمي ملقاة علي الأرض في غيبوبة كاملة‏,‏ فسارعنا بمعاونة الجيران بنقلها إلي المستشفي لنكتشف اصابتها بجلطة في المخ أدت إلي أن أصبحت مشلولة تجلس علي كرسي متحرك‏..‏ لا تنطق بكلمة‏..‏ الدموع في عينيها تردد دائما حسبي الله ونعم الوكيل‏..‏ سقطت أمي لتعلن حزنها ويأسها من عودة ابنها إليها‏.‏ لم تفلح كلماتي أنا وشقيقتي وأبي في التسرية عنها‏.‏

    عاش أبي تحت أقدام أمي ـ برغم كبر سنه ـ يخدمها بعينيه‏,‏ وأنا قدر استطاعتي‏,‏ وكذلك شقيقتي مع انشغالها بزوجها وأبنائها‏.‏

    تستضيفها شقيقتي في بيتها أياما حتي يضيق زوجها بها‏,‏ فتعود إلي المنزل‏,‏ وبعد الحاح لرفع معنوياتها يأخذها شقيقي‏,‏ فتعاملها زوجته أسوأ معاملة‏,‏ تخرج كل صباح ولا تعود إلا مساء‏,‏ حتي الطعام يحضره شقيقي من المطاعم‏.‏

    كان هذا في رمضان الماضي‏,‏ افتعلت مشاجرة عنيفة مع شقيقي وتركت أمي تغادر الشقة علي كرسي متحرك وقت آذان المغرب‏,‏ حتي تستقبل شقيقتها الحامل لتعيش معها فترة سفر زوجها خارج البلاد‏.‏

    سيدي‏..‏ لا أريد أن أحكي تفاصيل محزنة كثيرة‏,‏ فالحمد لله أمي تعيش معي ومع أبي‏,‏ لا أدخر جهدا في خدمتها‏,‏ وقد أكرمني الله كثيرا بسبب حسن معاملتي لها فتدرجت في وظيفتي إلي أعلي وزاد راتبي‏..‏ لم أضعف يوما أمام عريس مناسب يطرق بابي‏,‏ أرفض لأني لا يمكن ترك أمي وحيدة‏.‏

    أخي رزقه الله بولدين أخشي عليه من أن يتذوق من نفس الكأس الذي أذاقه لأمي‏.‏ وكلي ثقة في عدل الله أن زوجته ستحصد شوك ما غرسته‏.‏ كل أملي الآن أن تعيش أمي ما تبقي لها من عمر في راحة نفسية‏,‏ وأن يهدي الله شقيقي فيعود إلي رشده‏,‏ ويأتي ليقبل يديها وقدميها‏,‏ بدلا من أن يأتي يوم تقتله فيه الحسرة والندم‏,‏ ولا يستطيع التوبة أو طلب العفو من ست الحبايب أمي‏!‏



    وكان الرد :

    *‏ سيدتي‏..‏ لا أصدق أن ابنا يمكن أن يفعل بأم مثل أمك ما يفعله شقيقك‏..‏

    وماذا كان سيفعل معها إذا كانت قاسية عليه‏,‏ أو لم تمنحه ما منحته‏,‏ مضحية بسعادتها وراحة كل أفراد الأسرة؟‏!‏

    هل مثل هذا الابن يغفل أو لا يعلم كيف أوصانا الله سبحانه وتعالي بالوالدين خاصة الأم؟‏..‏ هل يعلم مثل هذا الابن أن الخالق الواحد أمره حتي لو حاول الوالدان إجباره علي الشرك به ألا يطيعهما وأمره‏..‏ وصاحبهما في الدنيا معروفا؟‏..‏ ألم يقرأ يوما الآية القرآنية التي قرن فيها الله شكره بشكر الوالدين في سورة لقمان ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علي وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير؟

    ألا يعرف شقيقك أن رسولنا الكريم هو القائل إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات‏.‏

    سيدتي‏..‏ إني مشفق علي شقيقك مثلك تماما‏,‏ فعقوقه لأمه إحدي الكبائر‏,‏ وغضبها يمنع البركة ويأتي باللعنة‏,‏ فكيف له أن يختار تلك الحياة البائسة؟‏!.‏

    والله لو يدري نعمة وجود أمه‏,‏ هذا الوجود الذي قد يكون سببا في رحمة الله وعفوه عنه‏,‏ لتفرغ لدعوة الله أن يمد في عمرها حتي لا يواجه مصيرا مؤلما وحسرة لا تذهبها زوجة ولا بنون‏.‏

    أقول لأخيك‏,‏ لن تجد في هذه الحياة من يحبك مثل أمك‏,‏ ومن يتمني أن تكون خيرا منه سوي أمك‏..‏ لن تجد حضنا ولا أمانا ولا دفئا ولا صدقا ولا رحمة ولا سماحا ولا عفوا إلا مع أمك‏.‏

    فعد إلي رشدك والحق قبل فوات الأوان‏,‏ اطلب العفو والسماح وقبل يدي أمك وقدميها‏,‏ عسي أن تمسح دموعك بعض خطاياك في حقها‏.‏

    أما زوجتك فتشرب كأسا مريرة وستأتي لها من تذيقها عذابا أمر‏..‏ فمن أعمالكم سلط عليكم‏..‏ أدعو الله أن يهديها ويردها إلي الصواب قبل أن ترحل تلك الأم العظيمة‏,‏ ويمتليء قلب زوجها غضبا عليها وكرها لها‏.‏

    لأن واجبها أن تعينه علي التقوي والبر وصلة الرحم‏,‏ لا علي الهجر والقسوة وعصيان أمر الله‏.‏

    أما أنت يا عزيزتي‏,‏ فسيكرمك الله كرما كبيرا‏,‏ جزاء ما تقدمينه إلي والدتك‏,‏ وستجدين الزوج الذي يقدر فيك وفاءك وطاعتك وخدمتك لوالديك‏,‏ فمثلك يؤتمن علي المال والعرض والولد‏.‏ أما والداك خاصة والدتك فلهما مني ومن كل الأصدقاء المحبة والدعاء‏,‏ ونسألهما دوما الدعاء بالستر والصحة‏,‏ أدامهما الله علي الجميع‏.‏
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ أحمد المصرى; الساعة 02-03-2013, 06:25 PM.

    تعليق


    • #4
      رد: للجميع . ابكتنى هذه الام

      اغرب قضيه في المحاكم السعودية


      قضيّة بين أخوين في المحكمة
      تعال نشوف القضية المختلف عليها



      حيزان الفهيدي صاحب أغرب قضية تشهدها محاكم القصيم

      دموع سخيه ..ولكن لماذا ؟؟

      قصه من الواقع وليست من الخيال

      نقرا كثيرا ونسمع عن قصص مؤسفة تتحدث عن العقوق الذي يسود العلاقات العائلية في بعض الاسر,وتنتج عنه تصرفات مشينة تثير الغضب

      وقد شدني موضوع نشرفي صحيفة الرياض ورد في مقدمته صراع حاد بين أخوين ما سأتحدث عنه هو بكاء حيزان,

      حيزان رجل مسن من الاسياح ,,بكى في المحكمة حتى ابتلت لحيته,

      فما الذي أبكاه؟

      هل هو عقوق أبنائه
      أم خسارته في قضية أرض متنازع عليها,
      أم هي زوجة رفعت عليه قضية خلع؟

      في الواقع ليس هذا ولا ذاك,
      ماأبكى حيزان هو خسارته قضية غريبة
      من نوعها ,
      فقد خسر القضية أمام أخيه , لرعاية أمة
      العجوز التى لا تملك سوى خاتم من
      نحاس

      فقد كانت العجوز في رعاية ابنها الأكبر
      حيزان,الذي يعيش وحيدا ,وعندما تقدمت
      به السن جاء أخوه من مدينة أخرى ليأخذ
      والدته لتعيش مع أسرته,
      لكن حيزان رفض محتجا بقدرته على
      رعايتها,

      وكان أن وصل بهما النزاع إلى المحكمة
      ليحكم القاضي بينهما, لكن الخلاف احتدم
      وتكررت الجلسات وكلا الأخوين مصر
      على أحقيته برعاية والدته,

      وعندها طلب القاضي حضور العجوز لسؤالها, فأحضرها الأخوان يتناوبان حملها فقد كان وزنها 20 كيلوجرام فقط

      و بسؤالها عمن تفضل العيش معه, قالت وهي مدركة لما تقول:

      هذا عيني مشيرة إلى حيزان وهذا عيني الأخرى مشيرة
      إلى أخيه,

      وعندها أضطر القاضي أن يحكم بما يراه مناسبا,
      وهو أن تعيش مع أسرة ألاخ ألأصغر فهو ألأقدر على
      رعايتها,
      وهذا ما أبكى حيزان ما أغلى الدموع التي سكبها

      حيزان, دموع الحسرة على عدم قدرته على رعاية

      والدته بعد أن أصبح شيخا مسنا,

      وما أكبر حظ الأم لهذا التنافس

      ليتني أعلم كيف ربت ولديها للوصول لمرحلة التنافس

      فى المحاكم على رعايتها ,هو درس نادر في البر في
      زمن شح فيه البر

      الله يرزقنا بر الوالدين ,,,,,امك ثم امك ثم امك ثم ابوك

      منقول

      والله يا إخوة ياكرام

      بعد قراءتي لهذه القصة ترقرقت الدموع من عيني ولم أستطع أن أحبسها تأثرا , وتذكرت تقصيري مع والدي

      أسأل الله تعالى أن يتجاوز عنا وأن يرزقنا بر والدينا

      تعليق


      • #5
        رد: قصص أبكتنى ... متجدد يوميا بإذن الله

        2

        ---(( الواجب الاخير ))---



        أنا رجل بلغت الستين من العمر.. تنبهت للحياة فوجدتني الابن الأكبر لأب راحل ولي أخ وأخت صغيران ونواجه الحياة بمعاش أبي البسيط وترعانا جميعا أمي المكافحة.. وكعادة الابن الأصغر في بعض الاحيان.. فلقد كانت مطالب أخي كثيرة ولا تراعي ظروفنا الصعبة في حين كنا انا واختي نصبر على ظروفنا ونشفق على أمنا عما تكابده ونلتمس لها العذر.. وحين بلغت المرحلة الثانوية خرجت للعمل لكي أساعدها على أعباء الحياة واختصرت طريق التعليم والتحقت بأحد المعاهد المتوسطة وعملت بعد تخرجي مع مقاول من اصدقاء أبي القدامى، وساهمت بدخلي البسيط في مواجهة تكاليف الحياة ونفقات تعليم اخي واختي.. ومضت بنا الحياة وحصل أخي على الثانوية العامة وأصر على الالتحاق بإحدى كليات القمة بالرغم من نفقاتها العالية .. وراجعته أمي بإشفاق في ذلك.. فلم يقبل التنازل عن رغبته، وشجعته أنا بالرغم مما سوف يمثله ذلك من أعباء إضافية بالنسبة لي، وبعد عامين آخرين أنهت اختي دراستها وحصلت على مجموع كبير وأرادت ان تختار دراسة غير مكلفة.. لكني لم أقبل لها إلا ما يؤهلها له مجموعها والتحقت بالفعل بكلية من كليات القمة.. وتحملنا ظروفنا وتكاليف علاج والدتنا الى أن تخرج أخي وعمل.. ثم تخرجت أختي وعملت.. وبدأت أتنفس الصعداء وأفكر في أن أتزوج، ففوجئت بشقيقي الأصغر يعلن لي رغبته في الزواج من زميلة له في الجامعة، ويصر على التعجيل بالزواج خوفا من ارتباطها بإنسان آخر، ولم يعجب ذلك أمي - وصارحتني برأيها، لكني لم أر غضاضة في تأجيل زواجي لفترة اخرى وتزوج شقيقي، ومن بعده تزوجت أختي كذلك من رجل كريم وسعدنا بزواجها وتوفيقها في حياتها.. وخلا البيت علي وعلى أمي واشتد المرض عليها.. وانتقلت الى جوار ربها وهي راضية عني وعن أختي وتدعو لنا الله، وغاضبة من أخي الأصغر لتقصيره معها خلال مرضها وسوء معاملته لها.

        وخلت الدنيا علي ووجدتني وحيداً وقد رحلت أمي عن الحياة واستقل اخي بحياته مع زوجته وأسرته وأختي مع زوجها وأسرتها.. فتزوجت من امرأة ذات خلق ودين ومن أسرة كريمة وواصلت حياتي راضياً وانجبت الأبناء وحققت نجاحا لا بأس به في عملي.. وتذكرت أمي دائماً وهي تدعو لي بالبركة في حياتي ومالي وأسرتي.. الى أن تعرضت ذات يوم خلال عودتي من عملي الى حادث تصادم أدى الى اصابتي اصابة شديدة في العمود الفقري وعجزي عن الحركة نهائياً، وطال علاجي دون جدوى، ووجدت نفسي وأسرتي وأبنائي في موقف عصيب، فلقد استهلك العلاج معظم ما ادخرته من عملي وانقطعت موادري الجديدة بتوقفي عن العمل.. وقال لي أحد الأطباء انه من الممكن اجراء جراحة لي في العمود الفقري في الخارج تعيد الي القدرة على الحركة، وساعدني على اتخاذ اجراءات الجراحة في الخارج على نفقة الدولة وصدر لي القرار بالفعل ولكن بمبلغ لا يكفي وحده لمواجهة تكاليف الجراحة على أساس ان أتحمل انا الفارق في التكاليف، ولم أجد بين يدي المبلغ المطلوب وأظلمت الدنيا في وجهي.. وفي ظلام اليأس لمع في ذهني خاطر.. ماذا لو ساعدني شقيقي الأًصغر الذي رعيته وربيته وأخرت زواجي من اجله في تدبير هذا المبلغ الناقص ولو على سبيل القرض الحسن فأرده اليه على مهل، وبعد ان استعيد صحتي وأرجع للعمل، وذات يوم دفعت زوجتي مقعدي المتحرك أمامها وتوجهنا الى بيت أخي وصارحته بالموقف وطلبت منه هذا المبلغ، ففوجئت به يرفض ذلك.. وليته قد رفض معتذراً بعدم قدرته على تحقيق مطلبي.. فلقد رفض طلبي بقسوة وأهانني أنا وزوجتي، وكادت زوجته تطردنا من بيتها، فخرجنا مختنقين بالدموع.. وبالإحساس المرير بالإهانة والجحود ليس لأنه رفض مساعدتي وقد كان قادراً على ذلك، وانما لأنه قد أهاننا وجرح مشاعرنا ولم يترفق بنا في الرفض.. رجعنا إلى البيت وقد ازدادت الدنيا ظلاما وتجهما.. ولم يتوقف دمع زوجتي منذ غادرنا بيت أخي وحتى الصباح..

        وفي اليوم التالي زارتني اختي وزوجها على غير انتظار، وقبل أن أحكي لها أي شىء عما حدث بيني وبين شقيقي فوجئت بها تبلغني أنها وزوجها سوف يتحملان الفارق بين قرار العلاج وتكاليف الجراحة، وبغير أن أطلب منهما شيئاً فانفجرت باكياً رغما عني واحتضنت أختي وشكرتها مراراً وتكراراً.. وبكت زوجتي ولكن من الفرح هذه المرة.. وخلال فترة قصيرة كنت قد انهيت اجراءات السفر وسافرت وأجريت لي العملية الجراحية وأتم الله نعمته علي ونجحت، واستعدت قدرتي على الحركة..


        وكان اليوم الذي استطعت الوقوف فيه على قدمي والسير عدة خطوات دون مساعدة من أحد يوما مشهوداً وسعيداً من أيام حياتي.. ولهج لساني بشكر ربي وشكر أختي وزوجها الكريم.. وجاء موعد العودة وركبت الطائرة عائداً الى بلدي فتوجهت من المطار الى بيت أختي لأشكرها.. فكانت فرحتها برؤيتي سائرا على أقدامي طاغية.. وقبلتها عدة مرات وشكرتها ورجعت إلى بيتي لأرى أبنائي..


        وبعد فترة قصيرة من النقاهة والاستشفاء رجعت الى العمل مرة اخرى وعملت في شركة كبرى للمقاولات وبمرتب كبير، وبدأ مستوى معيشتي يتحسن تدريجياً ولست في حاجة لأن أقول لك إنني ومنذ غادرت بيت شقيقي مهانا ومجروح الكرامة كنت قد قطعت كل صلة لي به وبزوجته وأسرته.. وانه لم يسع هو أيضا من ناحيته لأن يستعيد صلته بي أو يعتذر عما فعل أو يخفف من احساسي بالمرارة تجاهه.. وواصلت حياتي وعملي واهتممت بزوجتي وأبنائي وحرصت كل الحرص على صلة الرحم بيني وبين أختي الوفية البارة وزوجها الكريم وأبنائهما، الى أن جاء يوم وفوجئت بمن يخبرني بأن أخي الوحيد مريض وفي العناية المركزة بأحد المستشفيات وحالته خطيرة.. وانزعجت بشدة لما سمعت وهرولت الى المستشفى وقد نسيت كل ما فعل ولم أعد أذكر سوى صورة الصبي الصغير الذي كان يحتمي بي ونحن صغار ويرهقني بطلباته الصغيرة فألبيها له بحب وعطف على يتمه وحرمانه.. وفي المستشفى لم أجد زوجته الى جواره ووجدت بعض الزملاء والأصدقاء وسألت عما جرى فقيل لي أنه واجه ضائقة مالية استمرت بعض الوقت فلم تحتمل زوجته التي لم تتعود على الشقاء ذلك وأخذت ما تبقى من ماله وتركته وطلبت الطلاق ولم يحتمل هو ذلك وانهار وأصيب بنزيف في المخ وحدث ما حدث.


        وظل أخي في غيبوبة كاملة الى أن رحل عن الحياة منذ أسابيع فقمت بالواجب الأخير تجاهه.. وترحمت عليه وشيعته الى مثواه وأنا أعجب لهذه الدنيا التي لا يتعلم الانسان دروسها أبداً إلا بعد فوات الأوان.
        ولست أريد أن أدعي المثالية فأقول لك ان قلبي قد انفطر حزنا عليه.. وانما أقول لك فقط انني قد حزنت على رحيله عن الحياة ويتم أبنائه حزنا مشوباً بالمرارة تجاهه.. وتساءلت: لماذا لم يكن الأخ البار لي كما كنت الأخ البار له.. ولماذا لم يحرص على إرضاء أمه التي تحملت الشقاء من اجل ابنائها وماتت وهي غضبى عليه.. وماذا أخذ معه من متاع الدنيا وقد قطع رحمه وأهان أخاه الأكبر الذي رعاه من بعد أبيه.. ألا تثير هذه الخواطر التساؤلات الحزينة حقا وهل هناك في الحياة ما يستحق ان يغضب الانسان أمه من اجله أو يقطع رحمه ويجحد أخاه أو أباه؟


        ولكاتب هذه الرساله اقول :

        وأنا أيضا لن أدعي المثالية فألومك على هذه التساؤلات الحزينة أو استنكر ان يخالط حزنك على أخيك الراحل بعض المرارة التي ما زالت عالقة بنفسك تجاهه..

        فالحق أن المرء قد يحمل أحيانا لبعض الراحلين عنه مثل هذه المشاعر المتضاربة فيحزن لرحيلهم عن الحياة ويأسى في نفس الوقت لأنهم لم ينتهزوا فرصة العمر لإصلاح أخطائهم في حقه والتكفير عن جنايتهم عليه لكي يكون حزنه عليهم خالصاً دون شوائب، ولا عجب في ذلك لأن الحزن احساس انساني صادق والمرارة ايضا احساس انساني صادق وقد يختلطان في بعض الاحيان لأن أحزاننا على الراحلين قد لا تحجب عنا لبعض الوقت مواقفهم السابقة منا..
        غير ان من الأكرم لنا دائما هو ان نحاصر هذه الخواطر الحزينة في داخلنا.. وألا ينطق بها لساننا بقدر الامكان عملا بهدي من أدبه ربه فأحسن تأديبه الذي هدانا صلوات الله وسلامه عليه الى أن نذكر محاسن موتانا، ونتجاوز عن سيئاتهم بعد ان اصبحوا بين يدي من لا يظلم عنده أحد، فان غلبتنا خواطرنا ونطق بها لساننا فليكن ذلك في مجال الأسى على من لم يتركوا الذنوب حتى تركتهم الذنوب على حد تعبير أحد الأئمة ، وفي مجال طلب الرحمة لمن ظلموا أنفسهم قبل ان يظلمونا محاذرين غاية الحذر من أن نكون ممن عناهم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في قوله الشريف: لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك ، وساعين جهد السعي لأن نكون من الذين إذا رضوا لم يدخلهم الرضا في باطل وإذا غضبوا لم يخرجهم غضبهم عن حق، وإذا قدروا عفوا .


        ولست أشك في أنك قد استهدفت برسالتك هذه التنفير من سوء العاقبة لمن يستسلم للأثرة والأنانية فيعق أمه ويجحد أخاه وأهله ويقطع رحمه، وتبشير من يرعون حقوق ربهم ولا ينكصون عن أداء واجبهم الإنساني والعائلي تجاه من يعتمدون في حياتهم عليهم، بحسن المآل، حتى ولو اعترضت حياتهم ذات يوم أعتى العقبات.


        كما أنني أشعر أيضا ان النصيب الأوفى من جناية شقيقك الأصغر عليك لم يتمثل في رفضه مد يد العون إليك حين احتجت اليه في أصعب الظروف، وانما تمثل قبل كل شىء في أنه قد ردك بغلظة وعنف حين طلبت مساعدته، ولم يتجمل حتى في النكوص عن القيام بالواجب العائلي تجاهك.
        ولم يترفق بك فيردك رداً كريما هنياً معتذراً لك بضيق ذات يده أو بعجزه عن توفير المبلغ المطلوب.. حتى ولو لم تقتنع بذلك في حينه.

        إذ أنك كنت ربما قد غضبت منه وقتها لاعتقادك بقدرته على المساعدة.. لكن غضبك لم يكن ليصبح أبداً جرحاً غائراً في النفس ولا طعنة دامية في القلب والكرامة.. كما حدث حين قرن النكوص عن مساعدتك بإهانتك.. حتى كادت زوجته - سامحها الله - تطردك أنت وزوجتك من بيتها.
        غير أننا كثيراً ما لا نلتقي في الحياة إلا بأنفسنا.
        وكثيراً ما يقدره الله بأن نتجرع نفس الكأس المريرة التي ارتضيناها لغيرنا.


        ولو كان شقيقك الراحل قد أنصف نفسه لأدرك حين اجترأت زوجته على أخيه الأكبر وكادت تطرده من بيتها هو وزوجته.. وشجعته على أن يقبض يده عنه حين اشتدت حاجته الى عونه، ان مثل هذه الرفيقة قد تتخلى عنه هو أيضاً في محنته كما تخلى عن شقيقه الأكبر في شدته.. ولم تكن لتصبر على تغير أحواله كما لم يصبر هو على نفسه يوما ما وهو صبي صغير أو شاب أو زوج وأب ورب أسرة، فرأى نفسه دائما فوق الجميع واحتياجاته قبل احتياجات الآخرين ولو كانوا أقرب الناس اليه.


        فأي عجب اذن في أن تضيق زوجته بحياتها معه حين تغيرت أحواله وتنصرف عنه، وقد انصرف هو من قبل عن أمه في شدة مرضها وعن أخيه في شدة محنته، وأي عجب في أن تكون الأخت المضحية المقدرة للمسئولية العائلية منذ صغرها والمتنازلة عن بعض احتياجاتها مراعاة لظروف الأسرة الصعبة هي المبادرة بمد يد العون لشقيقها الأكبر بغير ان يطلب منها ذلك.


        ألم يكن ذلك اتساقا طبيعيا مع شخصين كل منهما له رؤيته للحياة وقيمه الأخلاقية والدينية.


        وألا نتعلم الدروس أبدا.. ونحن ما زلنا قادرين على إصلاح الأخطاء والتكفير عن الجنايات؟




        تعليق


        • #6
          رد: قصص أبكتنى ... متجدد يوميا بإذن الله


          3

          ----(( الانتـــــــــقام العادل ))----


          قرأت رسالة إلا أمـي

          ولي تجربة شخصية أسردها لك‏,‏ وأرجو أن تنشرها لكي تتعظ كل زوجة ابن فيما أذنبت في حق حماتها‏

          ‏ فأنا ياسيدي أتمني لو حماتي موجودة الآن‏,‏ لكنت ركعت علي قدمي أتوسل إليها أن تسامحني‏.‏

          فأنا ياسيدي كنت زوجة قاسية‏,‏ زوجي كان يحنو علي وعلي اسرتي‏,‏ وأنا بالمقابل أعامل أهله أسوأ معاملة‏,‏ كان عندما يجئ أهله عندنا أخفي عنهم كل شيء‏,‏ الطعام والشراب وكل خيرات ابنهم دون أن ينطق هو بكلمة‏,‏ بل كان يكافئني علي ذلك‏,‏ كان يحضر لي الذهب ويضع أموالا لي في البنك باسمي هذه هي مكافأة معاملتي لأهله‏..‏



          ولم يعاتبني يوما علي ما أفعله معهم‏..‏ وعلي العكس مع أهلي كنت لو طلبوا مني لبن العصفور أعطيه لهم‏,‏ تعرض زوجي لأزمة مالية فأقدمنا علي بيع منزلنا واقترحت حماتي علي أن نسكن معها‏,‏ خاصة أن زوجها قد توفي‏,‏ وهي وحيدة‏,‏ وأصرت علي ذلك‏.‏ كانت هذه الحماة تعاني من الضغط والقلب‏,‏ وتحتاج إلي كل رعاية طبية‏,‏ تخيل ياسيدي ماذا فعلت بها أسأت إليها‏,‏ لم ألب لها أي طلب ولم اسمع نداءها عندما كانت تريد أن تأكل أو تشرب‏.‏ كنت أغلق باب الغرفة حتي لا يسمع ابنها نداءها وطلباتها‏,‏ ويتركني فكانت تنام جائعة عطشانة‏,‏ ولم أرحم ضعفها وذلها بل بالعكس كنت اعيش لنفسي فرحة بجمالي وشبابي وصحتي‏,‏ كل يوم أفتعل معها الخناقات‏



          وأحكي لابنها كل شيء حدث بصورة مغلوطة حتي يقف معي‏,‏ وفعلا يظهر دائما امه أنها غلطانة لقد اصبح كله آذانا صاغية لي فقط‏,‏ ولم يسمع لامه أي شيء ورزقني الله بالأولاد وهذا لم يغير في شيئا‏.‏


          وبعدها ماتت حماتي‏,‏ وهي غاضبة مني تعرف كيف ماتت؟؟


          ماتت بسبب حسرة وألم مني ومن قسوتي وسوء معاملتي‏,‏ وقسوة معاملة ابنها الوحيد الذي لم يسمع لها مرة واحدة‏,‏ فهو كان سلبيا يخاف مني فضلني علي أمه‏,‏ باع آخرته ياسيدي‏,‏ واشتري دنياه مع زوجته‏.‏


          هذه الأم ياسيدي ضحت بكل شيء من أجل زواجنا لتسعدنا وردا للجميل عاملناها أسوأ معاملة ممكن أن يتخيلها انسان‏,‏ تعرف ماذا حدث لي بعد موتها‏.‏ لقد كنت حاملا في ابني الغالي في الشهر الأخير أصبت بمرض خطير لا أستطيع الشفاء منه‏,‏ وهو المرض اللعين‏.‏ كذلك فقدت أمي وأخي وأبي في حادثة بشعة‏,‏ ولم ينج منها أحد هذا هو عقاب الله لي‏.‏ تصور ياسيدي كل هذه الاحداث المريرة حدثت بعد موتها بثلاثة أشهر


          فأنا أتذكر يوم موتها‏,‏ وهي بين يدي ابنها يطلب منها السماح‏,‏ وهي تبكي وتقول يارب يارب وتنظر إلي بحزن عميق‏,‏ وأنا مازلت علي قسوتي لم اطلب منها المغفرة‏,‏ ولا السماح وهي علي فراش الموت‏,‏ هل رأيت أكثر من ذلك من جبروت وقسوة‏.‏


          بعدها فقد زوجي عمله بسبب قضية اختلاس ليس له ذنب فيها‏,‏ بعد أن كنا أغنياء اصبحنا فقراء‏.‏

          ذهبت بركة البيت وأخذت معها كل شيء جميل‏.‏


          أكتب رسالتي‏,‏ وأنا منتظرة الموت في أي وقت تاركة زوجي وأبنائي الذين اعرف مصيرهم بعد موتي فما هي إلا أيام معدودة‏,‏ هذا عقاب الله لي في الدنيا بسبب سوء معاملتي لحماتي الغالية التي هي الآن في دار الحق‏,‏ أما كل زوجات الابن القاسيات فهن في دار الباطل‏,‏ أيها الزوجة الظالمة الجاحدة علي حماتك ارحمي حماتك قبل فوات الأوان حتي لا يحل بك كما حل بي‏!‏

          ********************

          تعليق


          • #7
            رد: قصص أبكتنى ... متجدد يوميا بإذن الله

            4

            ----(( الانتقام ام العفو ؟؟؟؟ ))----


            انا أسفه جدا على التأخير بس كان عندي ظروف فأرجو المعذرة


            سيدي أكتب إليك من داخل القطار لذا اغفر لي إرتعاشة الكلمات وسوء الخط وأستميح القراء عذرا في قسوة بعض التعبيرات وفجاجتها , ولكني لم استطع التعبير عن نفسي إلا بما حدث مجردا من أي تنميق أو تجميل .

            وأناشدك إلا تقسو علينا , فنحن بنات قسا الزمن علينا طويلا, وأرواحنا – كما أجسادنا- كلها ندبات وجروح.


            نحن ست بنات, خمس شقيقات, والصغيرة من أم أخرى..عشنا أيام طفولتنا وصبانا في عذاب لا يمكن وصفه أو تخيله بسبب قسوة أب تجرد من كل مشاعر الإنسانية, ولم نهنأ, أو نغمض عيوننا إلا بعد موته الغريب والمفاجئ استمر 5 سنوات واعتقدنا أن الحياة السعيدة بدأت وأن السماء تعوضنا عما عانيناه ويبدو أنها كانت أضغاث أحلام فها هو الفزع يعود من جديد والنوم يستعد لهجرة عيوننا التي أبكاها البكاء.


            دعني أسترجع معك ذكرياتنا التي لا تفارقن لحظة فكل ألم عليه شاهد في الروح والبدن استيقظت عيوننا منذ الميلاد علي أم كسيرة باكية دائماً وأب لم نره في البيت إلا في يده سلك كهرباء عار تنهال سياطه علي أجسادنا إذا بدر منا أي صوت .. هل يمكن تخيل طفل لا يبكي؟ .. نعم نحن كنا نعي أن البكاء حتى في الأشهر الأولي يعني ألماً غير مفهوم من يد شبح لم نكن نعرف ماذا يمكننا أن نناديه.


            أتذكر الآن عندما كان عمري خمس سنوات أمي حامل في شهورها الأولي كانت تستحم سقطت في الحمام فأخذت تستغيث بصوت نخفض حتى لا توقظ أبي النائم ولكنه للأسف مع بكائها هل يمكن أن تتوقع ماذا فعل؟
            لا أنسي ملامح وجهه في ذلك اليوم ملامح شيطانية مفزعه لم يثنه دمها المراق علي الأرض لم يفزعه انهال عليها ضرباً ورفساً في بطنها وشدها من شعرها خارج الحمام ونحن نبكي ونصرخ رعباً حتى تجمع الجيران وأخذها أحدهم فاقدة الوعي إلي المستشفي بينما توجه هو إلي غرفة نومه .. يومها أصبت أنا الأخرى بانهيار عصبي وظللت مريضه فترة طويلة.


            سيدي .. هل لك أن تتخيل ما هو جزاء أي واحدة فينا لو لم تتفوق في المدرسة؟ .. يحلق شعرها ويغرس وجهها في "صفيحة الزبالة" ثم ينهال عليها ضرباً بالسلك العاري حتى تفقد وعيها من شدة الألم.


            لم يكن أبي ينفق علينا ولا تظن أنه فقيراً بل كان كما يقولون "يلعب بالفلوس لعب" معه أموال كثيرة من تجارة الغلال ولكنه كان يأمرنا بالعمل ونحن أطفال لنشتري ملابس المدرسة وننفق علي أنفسنا ..

            كنا نمسح سلالم أقاربنا والجيران مقابل أجر .. أما أمي فقد اشتري لها أخوالي ماكينة خياطة حتى تنفق علينا.


            ذات يوم جاءت أختي متأخرة قليلاً من المدرسة فانهال عليها ضرباً حتى هربت من البيت غابت أسبوعاً ثم عادت وبعد "العلقة" المعتادة اصطحبها عند طبيبة نساء للتأكد من عذريتها ثم قرر تزويجها من "شيال" في مقلاة لب وأمام قراره لم تجد أختي إلا الانتحار حلاً أحرقت نفسها تركتنا للعذاب ورحلت هل تعرف ماذا فعل هذا الرجل الذي يطلق عليه "أباُ" قال بأعلى صوته :"الحمد لله ارتحت من واحدة عقبال الباقي".


            اقترح أخوالي علي والدتي أن تترك له البنات الكبار وتذهب معهم بالبنات الصغار ولكن أمي رفضت خوفاً علي الكبار والصغار من بطشه وجبروته فقد كانت تري في وجودها بعض الحماية لنا.


            سيدي .. لا يمكن لأحد تخيل معنى الذل والحرمان مثل الذي يعانيهما .. لن يستوعب أحد معنى استحالة أن تتحرك من موقعك في البيت أو تمشي حافياً لأن والدك نائم .. لن يفهم أحد معني أن ترتدي طوال العام - صيفاً وشتاء- فستاناً ممزقاً وتأكل رغيفاً واحداً وتنام الليل خائفاً وتصحو النهار مذعوراً.


            لك أن تتخيل كل شئ كل أنواع العذاب والقهر والألم فليست أزمتنا الآن فيما فات ولكن دعني أكمل لك:
            منذ 14 عاماً أصيبت أمي بنزيف حاد مما أغضب أبي فانهال عليها ضرباً واستنجدنا بأخوالي نقلناها إلي المستشفي ولكن قضاء الله كان أسرع .. ماتت أمي .. كلمة الحنان في الحياة ورفض القاسي تسلم جثتها حتى دفنها أخوالي وفي الأربعين دخل أبي علينا البيت وفي يده مطلقة عمرها 20 عاماً قال إنها زوجته .. وقتها كنت أعيش معه أنا وشقيقتي الصغرى بعد زواج شقيقاتي جمعنا أبي وقال لنا: لو شكت لي منكم كلمة فسأضع سلك الكهرباء في عيونكما وفرغ شقيقتي من عملها في مقلاة اللب لتخدم زوجته الجديدة أما أنا فكنت أسارع بالعودة من عملي حتى أنظف البيت وأطهو لهما الطعام.


            المهم التفاصيل متعددة ولكن الأهم أن أبي تزوج ثلاث مرات بعد أمي وآخر واحدة حملت رغماً عنه فطلقها وعاش بدون زواج حتى حدث ما حدث!


            سيدي .. منذ 8 سنوات ذهب والدي لأداء العمرة ولم يعد .. انقطعت أخباره عن الجميع منذ سفره .. توجه أعمامي عدة مرات إلي السفارة يسألون عنه بلا جدوى .. لا يعرف له أحد طريقاً هل تدري كيف كان إحساسنا مع كل يوم نتأكد من غيابه؟ .. أصابتنا كريزه ضحك صرخنا زمن العذاب انتهي "روحه بلا رجعة" ..


            5 سنوات عشناها علي أعصابنا حتى أقمنا دعوى أمام المحكمة لاعتباره مفقوداً وعملنا إعلام وراثة بعدها فقط بدأنا نشعر أنن آدميون .. انطلقنا في الشقة مزقنا صوره القينا بملابسه في صناديق القمامة حتى الملايه التي كان ينام عليها والبطاطين التي استخدمها "شبشبه" الأكواب التي كان يشرب فيها الكرسي الذي جلس عليه كله حطمناه تخلصنا منه .. أتعرف ما الذي كان يؤلمنا ويعذبنا؟ أنه مات بدون عذاب لم يعش أمامنا ذل المرض.


            حصلنا علي أمواله التي حرمنا منها واكتنزها في البنك كل واحدة فينا بدأت تتحدث عن أحلامها ..

            واحدة ستشتري ذهباً والأخرى تشتري محلات ملابس والثالثة تشتري سوق الخضار واللحوم وهكذا بدأنا في تنفيذ أحلامنا لا يعكر صفو حياتنا سوى منازعات أعمامنا فيما هو حق لنا.


            سيدي .. كان كل شئ يسير طبيعياً حتى جاء هذا اليوم .. في شهر رمضان الماضي دعتني زميلتي إلي عقد قرانها في أحد المساجد صليت ركعتين تحية للمسجد وفيما أنا خارجة في طريقي إلي القاعة لا أدري ما الذي دفعني للنظر خلفي هل يمكن تصور من كان يجلس علي الأرض؟ .. إنه أبي رجل عجوز ممزق الملابس لا يمكن هل عاد أبي أصابني الفزع واستعدت كل تاريخي اختبأت خشيت أن يراني ثم توجهت إليه وأنا أرتجف نظرت إليه فلم يعرني اهتماماً .. استيقظت علي نداء صديقاتي فحضرت عقد القران ثم توجهت إلي إمام المسجد وسألته : هل تعرف هذا الرجل فقال لي أن أحد أقاربه أتي به منذ فترة من القاهرة وأخبرنا أنه كان يعالج في المستشفي ويخدم في المسجد ويغسل السلالم في العمارات المجاورة.


            هل يمكن تخيل ذلك .. والدي الذي كان يصحو العصر من نومه ويرتدي أفخر الثياب يمسح السلالم ويجلس علي الأرض طلبت من الأمام أن يدعوه وسألته إيه حكايتك فقال لي إنه كان في مستشفي في السعودية والسفارة هناك أخبرته أنه مجهول الاسم وهو لا يتذكر أي شئ عن شخصيته وعملوا له وثيقة سفر ورحلوه إلي مصر .. وهو يحكي وأنا أستعيد كل المشاهد القديمة تفصيلياً .. بكيت وبكيت لم أعرف لماذا أبكي هل هذا الرجل المنكسر الذي ينظر لي بمحبة وحزن هو أبي الظالم..


            يمد يده ليأخذ مني بعض النقود أتذكره وهو يقذف في وجهي صينية الطعام لأني نسيت شيئاً يعيدني صوته وهو يدعو لي "ربنا يطعمك ما يحرمك" سألته: "مش فاكر أنت كنت إيه زمان؟ وأرد في نفسي: كنت شريراً قاسياً بتضرب بسلك الكهرباء والشلوت ومسمينا "الحلاليف" نظر إلي طويلاً وقال: أنا حاسس إن ربنا بيعاقبني علي شئ عملته وغضبان علي لا أعرف من أين أتيت بهذه الدموع هل كنت أبكي عليه أم لأنني تذكرته وهو يجر أمي من شعرها وهي تنزف .. أتذكره وهو يرفض الذهاب إلي المستشفي لدفنها.


            عدت إلي البيت دعوت شقيقاتي وحكيت لهن ما حدث لم يصدقن ما سمعنه فقررنا استدعاء محامينا واتفقنا علي الذهاب إليه لرؤيته .. اندفعنا نحوه كادت واحدة تناديه "بابا" منعناها ..


            جلسنا معه وبدأ المحامي يحكي لي حكايتنا مع أبينا – الذي هو جالس أمامنا – تعمدنا ذكر بعض كلماته مثل "الحلاليف" حتى نتأكد من ذاكرته فوجئنا به يبكي ويقول : "كيف لأب يفعل ذلك في بناته أنا كان نفسي يكون لي بنات مثلكم" ..
            قالت له أختي : "مش جايز ولادك لو عرفوا إنك عايش يتبروا منك" نظر إليها باندهاش قائلاً : "ليه يا بنتي أنت قاسية أوي كده"..


            المهم سيدي .. عدنا إلي البيت أكثر حيرة جاء خالي إلينا وأخبرناه فقال إنه يجب أن يعود إلي بيته فهذا حقه ..

            وقال المحامي : إنه لو عاد سيستعيد أمواله منكن أعمامكم سيرفضون وسيقدر عليكن ولو عالجناه قد يعود إلي ما كان عليه وينتقم منكن قلنا مرة ثانية عذاب وذل وبهدلة .. اتفقنا أن نذهب له كل شهر نمنحه صدقة تكفيه وطعاماً وملابس .. فكرنا في إدخاله مستشفي والإنفاق عليه ولكن خشينا أن يشفي ويفهم ما فعلناه به فينتقم منا.


            سيدي .. عقولنا ترفض عودته ولكن ضميري يؤلمني صوت في داخلي يقول لي : إرحمي أباك في شيخوخته يكفي ما يراه من عذاب يغسل سلالم العمارات في عز الشتاء ألا يكفي انتقام الله.


            منذ أيام ذهبنا إليه وجدناه مريضاً في حجرة متواضعة بجوار المسجد وقال لنا إمام المسجد : إن الطبيب أخبرهم بمرضه بالسكر والضغط وماء علي الرئة .. أهل الخير أحضروا له الدواء .. وجدت بجواره كيساً فتحته وجدت به خبزاً عفناً .. أتألم له ومنه .. أتذكر ذات صباح عندما استيقظ من النوم فلم أجد خبزاً طازجاً ففتح رأس أمي بغطاء ماكينة الخياطة .. وها هو اليوم يأكل خبزاً عفناً .. يا الله!


            سيدي .. نعيش في أزمة بين ضمائرنا وبين ذكرياتنا المؤلمة .. نعجز عن الاتفاق علي قرار ..

            فقررنا الاحتكام إليك لعلك تساعدنا علي اتخاذ القرار السليم بدون أن تظلمنا!

            _____________


            سيدتي .. ألتمس الأعذار لمن يري الظلم ويعاني منه وتغيب أو تتأخر عدالة الله سبحانه وتعالي – لحكمة يعرفها – عن أنظار العباد .. ولكن عندما يأتي عقاب الله وانتقامه من الظالم أمام عيني المظلوم وفي حياته أتساءل كيف لهذا المظلوم أن ينقلب إلي ظالم غافلاً عن عدالة الخالق العظيم الذي يمهل ولا يهمل.


            سيدتي .. من يقرأ الجزء الأكبر من رسالتك لا بد أن يغضب ويتألم ويطلب القصاص من هذا الأب ومن يقرأ الجزء الأخير لا بد أن يتمهل ويعيد النظر إلي الصورة مكتملة قبل أن يصدر حكمه بدون قسوة أو اندفاع عاطفي.


            أعتقد أنك لست في حاجه الآن للتعبير عن الرفض الكامل لسلوكيات والدك قبل فقدانه لذاكرته فمهما كانت الكلمات فلن تعبر عن الألم والمهانة التي تعرضتم لها جميعاً من سلوكيات هذا الأب والذي لولا نهايته لكان الكلام فيها لا ينتهي فما فعله بعيد عن الإنسانية كل البعد وليس فقط بعيداً عن الأبوة.



            ستقولين أنه الماضي الذي يعيش فيكن حتى الآن ولكن الآن ليس أمامك إلا التعامل مع الحاضر من أجل المستقبل فالعيش مع الماضي لا يزيدكن إلا ألماً.


            فعندما تصلني رسالة غاضبة من ابن لسوء سلوك أو رعاية والديه تطل أمام عيني الآية الكريمة : "وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً" ..

            الخالق الجبار المنتقم عندما يصل الأمر إلي الدعوة للشرك به من أحد الأبوين يأمرنا بعدم طاعتهما في هذا فقط بينما يطالبنا سبحانه وتعالي بمصاحبتهما في الدنيا معروفاً هذا في حقه فما بالنا لو الأمر يتعلق بنا نحن الأبناء البشر ألا ترين أن في هذه المصاحبة والتكريم أمراً إلهياً يجب الامتثال إليه فإذا سلمنا بذلك واستندنا إلي أمر الإحسان - المتكرر في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة – إلي الوالدين وقررنا أن يكون القرار ابتغاء لمرضاة الله فإن قراركن سيكون واحداً ومحدداً.


            سيدتي .. إن لذة الانتقام لا تدوم سوى لحظة أما الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلي الأبد واستمعي إلي قوله سبحانه وتعالي : "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم .."

            ألا تحبون أن يغفر لكم الله كم هو مقابل زهيد مهما تكن قسوة الأيام فالتسامح يا ابنتى جزء من العدالة.


            لا أريد أن أدخل معكم في فرضيات لأن إذا قلت أنكن لو عالجتوه وأحسنتم إليه قد يعود إلي سيرته الأولي سأقول لكم ومن أدراكن أن الله قد يعيد إليه ذاكرته الآن ويزداد انتقامه منكن لأنكن تركتموه.


            إن ما أنتن فيه من حقه إنه ماله حتى ولو كان ظالماً لكن وعودته وهو فاقد الذاكرة – علي قدر ما أعرفه – لا يعطيه الحق القانوني في التصرف فيما يملك لأنه ليس أهلاً لذلك ولكن نصيحتي لك ولشقيقاتك أن تكون قبلة قراركن خالصة لوجه الله سبحانه وتعالي وأن تذهبن إليه فوراً وتعدنه إلي بيته وتحرصن علي علاجه وثقي بأن الهناء والاستقرار والسعادة لن يعرفوا طريقهم إليكن إذا ظل أبوكن ملقى في الطريق إن المنتقم يرتكب نفس الخطيئة التي ينتقم لأجلها فلا تواصلن حياتكن وأنتن ترتكبن نفس الخطيئة والأولي أن يبكي الابن من أن يبكي الأب

            وخذي وعد الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم "عفا الله عما سلف , ومن عاد فينتقم الله منه , والله عزيز ذو انتقام " ..

            وإلي لقاء بإذن الله

            وغدا ستعرفوا ماالذى حدث

            فتابعونا



            تعليق


            • #8
              رد: قصص أبكتنى ... متجدد يوميا بإذن الله


              5

              ------(( هـذا الوحـش‏!‏ ))-----



              سـيدي‏..‏ أرجو أن تتذكرني‏,‏‏ فأنا صاحبة رسالة (( الانتقام ام العفو ؟؟؟؟ ))

              نعم أنا التي كتبت لك عن والدي‏,‏ الذي كان يعاملنا ـ أنا واخواتي وأمي ـ معاملة مهينة حتي فقدت أمي الحياة‏,‏ كمدا‏,‏ ورفض تسلم جثتها ودفنها‏,‏ ثم تزوج بعدها عدة مرات‏,‏ وبعد أن ذهب لأداء العمرة‏,‏ انقطعت أخباره عدة سنوات حتي صدر قرار المحكمة بفقده‏,‏ وحصلنا علي ميراثه‏,‏ ولكن شاءت إرادة الله أن أجده مصادفة بعد سنوات‏,‏ عجوزا منهكا‏,‏ فاقدا للذاكرة‏,‏ يمسح سلالم العمارات‏,‏ ويتسول ثمن طعامه‏,‏ ودوائه‏,‏ بعد ان كان في رغد من العيش‏,‏ يحرمنا نحن منه‏,‏ ويهيننا في أعمال مرهقة لننفق علي أنفسنا‏!‏


              سيدي‏...‏ قرأت ساعتها ردك علي رسالتي‏,‏ ونصيحتك لنا ـ أنا واخواتي ـ بالعفو‏,‏ وإطفاء نار الانتقام‏,‏ الذي لن تدوم لذته سوي لحظات‏,‏ فجمعت أخواتي‏,‏ وأخذتهم ومعنا المحامي وذهبنا لنري أبي الذي عاد‏..‏ سألنا عليه‏,‏ فدلنا أولاد الحلال علي مكانه‏,‏ وعلمنا انه تم نقله الي أحد المستشفيات الحكومية‏,‏ فذهبنا اليه هناك‏,‏ ورأينا مشاهد مؤلمة‏,‏ فقد كان ينام علي مرتبة متهالكة‏,‏ في حجرة كئيبة‏,‏ بها كثير من المرضي‏,‏ الذين أخبرونا أنه يذهب كثيرا في غيبوبة‏,‏ وأن الاطباء يريدون ان يخرجوه‏,‏ ولكنهم لايعرفون أهله حتي يتسلموه‏.‏


              ذهبنا للطبيب لنسأل عن حالته‏,‏ فقال انه يعاني من أمراض كثيرة‏:‏ ضغط وسكر ومياه علي الرئة‏,‏ وتليف بالكبد‏,‏ ودوالي بالمريء‏,‏ نقلناه الي أحد المستشفيات النظيفة بالقاهرة علي مسئولية المحامي‏,‏ وعندما أفاق من الغيبوبة بكي بشدة‏,‏ وقال‏:‏ وحشتوني‏,‏ لماذا لم تأتوا الي منذ فترة‏,‏ بكينا سيدي من هذه الكلمات‏,‏ ومن حالته المأساوية‏,‏ ومن وصف الأطباء لأمراضه الكثيرة‏,‏ كان يقول هذه الكلمات ودموعه تغرق وجهه الذي سكنته الشقوق والجروح‏,‏ وكأنه كان يشعر أننا أولاده‏!!‏


              بعد أيام‏,‏ طلب منا الاطباء الاهتمام بعلاجه‏,‏ ونظافته‏,‏ ومعيشته‏,‏ وفوجئنا به يطلب منا أن نخرجه من المستشفي لأنه علم أن الغرفة التي يقيم بها غالية الثمن‏,‏ وسامح الله شقيقتي‏,‏ فقد قالت له‏:‏ انت في حجرة متحلمش بيها أخفي وجهه في الملاءة‏,‏ وقال لي‏:‏ اخرجيني يا ابنتي من هنا‏,‏ واقرضيني ثمن العلاج‏,‏ وسوف أسدده لك إن شاء الله‏,‏ فقالت له أختي‏,‏ ومن أين ستسدد؟ قال‏:‏ سوف أعمل‏,‏ سأنظف البيوت‏,‏ وأمسح السلالم‏,‏ هذا هو عملي‏,‏ وان لم استطع تسديد دينكم سأعمل عندكم بثمن العلاج‏,‏ أمسح سلالم شققكم‏,‏ وأنظفها‏!‏


              لم تعط شقيقتنا لنا فرصة لنشفق عليه بعد هذا الموقف‏,‏ فعلي الفور قالت له‏:‏ لقد كان لنا أب‏,‏ لكن لم يرحمنا‏,‏ ولم يرحم أمنا‏,‏ حتي وهي مريضة‏,‏ فكان يجبرها علي العمل ويقول لها اشتغلي بلقمتك علي الرغم من أنه كان يمتلك كثيرا من الأموال‏,‏ ولكنه اليوم علي استعداد للعمل عند أولاده‏,‏ يخدمهم‏,‏ ليسددوا نفقات علاجه‏,‏ وهنا تدخلت أنا‏,‏ وأخبرته أننا ننفق هذه الأموال عليك صدقة عن أمي المتوفية‏,‏ فأنت مثل والدنا‏,‏ نهرتني أختي قائلة‏:‏ متطمعهوش فينا‏,‏ انت السبب‏,‏ ربنا ياخدك معاه‏,‏ كان لازم تقابليه‏,‏ وترجعيه تاني‏.‏


              أصر أحد أخوالي علي الذهاب الي أعمامي‏,‏ ليخبرهم أن أخاهم أبو البنات قد عاد‏,‏ وأنه حي‏,‏ لم يمت‏,‏ ويعالج في المستشفي‏,‏ فكذبوه‏,‏ وحضروا إلي المستشفي‏,‏ وحدثت بيننا خناقة كبيرة وضربونا‏,‏ وكانت فضيحة في العائلة‏,‏ ولكن خالي ذهب الي قسم الشرطة‏,‏ وعمل محضرا ضد أعمامي‏,‏ وجاء أمين الشرطة للمستشفي ليسأل العجوز‏:‏ انت مين؟‏..‏ قال‏:‏ أنا معرفش حاجة‏,‏ هؤلاء البنات ساعدوني‏,‏ وأحضروني للمستشفي للعلاج‏,‏ وقال للاطباء اني فاقد للذاكرة‏,‏ ولكني لو كنت فعلا أباهم‏,‏ فأنا مش عاوزهم يعرفوني تاني‏..‏ قالها سيدي‏,‏ وهو يبكي بحرقة‏,‏ فكيف لأب ان يضرب بناته‏,‏ ويعذبهم‏,‏ بل ويكون سببا في وفاة أمهم‏,‏ هل كنت أنا هذا الوحش‏,‏ ان كنت كذلك‏,‏ فلا أريد أن أذكرهم بما عانوه معي‏!!‏


              خرج الرجل من المستشفي‏,‏ بعد علاجه‏,‏ وعلم اننا بناته‏,‏ وكان كلما يري واحدة منا يداري وجهه‏,‏ وهو يبكي ويقول اللهم قصر أيامي فأقول له انت مش مبسوط انك عرفت ولادك‏,‏ فيقول كان نفسي أكون مبسوط ولكن ذكرياتي معكم ذكريات موت ولهذا لن استطيع العيش معكم‏,‏ سأعود إلي حجرتي الصغيرة‏,‏ أكنس وأمسح السلالم‏,‏ والبيوت‏,‏ ولكن كل ما أطلبه منكم يا ابنتي هو ان تسامحوني‏..‏ سامحوني أرجوكم‏!!‏



              كررها سيدي أكثر من مرة‏...‏ سامحوني‏,‏ فقلت له لو سامحناك نحن في حقنا‏,‏ فمن يسامحك في حق أمي؟‏...‏ فقال وهو يبكي يا ابنتي‏..‏ ياويلي من عذاب الله‏,‏ فلا أدري ماذا أقول لربي عندما يسألني‏,‏ لماذا لم تنفق علي بناتك‏,‏ وقد رزقتك مالا كثيرا‏,‏ لماذا تركتهن ومعهن زوجتك المريضة يعملن لينفقن علي أنفسهن؟


              ..‏ ماذا سأقول لربي إذا سألني لماذا لم تتسلم جثة زوجتك‏,‏ وتدفنها؟‏!‏


              أخذته أختي الوسطي بعدها ليعيش معها‏,‏ ولكنها ـ سامحها الله ـ كانت تعطي له العلاج علي معدة خالية لأنها كانت تقوم من النوم متأخرة‏,‏ وكان أول طعامه هو العيش الناشف فكان يطلب منها ان تبلل له العيش ليستطيع مضغه‏,‏ فكانت تغرق العيش في الماء حتي يتفتت‏,‏ فيلملمه بأصابعه الضعيفة‏,‏ وهو لا يملك ما يسد جوعه غير ذلك‏,‏ وكانت كلمته التي يرددها دائما أهي أكلة والسلام‏!‏


              لا استطيع ان أنسي مشهده‏,‏ سيدي عندما ذهبت لزيارته يوما‏,‏ فوجدته جالسا عند باب الشقة من الداخل‏,‏ حزينا وخائفا فسألته ماذا جري؟ فأخبرني أنه تبول لا اراديا علي مرتبة السرير وان شقيقتي قد نبهت عليه الا يفعلها مرة أخري‏,‏ بكي بشدة وترجاني ان ارحل به من عندها‏,‏ فأخذته وذهبت به الي اختي الاخري‏,‏ فقد كنت رافضة أن يعيش معي في الشقة‏,‏ فأنا أعيش منفردة‏,‏ وكنت لا أريد أن أعيش لخدمته‏,‏ وكنت أقول لنفسي في بعض الأوقات اتركيه يتبهدل عند ولاده ثم اذهبي به لحجرة الموت التي كان يعيش فيها‏..‏ أعرف انكم جميعا ستدعون بأن ينتقم الله مني‏,‏ وقد قلتها بالفعل لنفسي‏!!‏



              عندما دخلنا علي أختي باغتته بسؤال‏:‏ انت لسه عايش‏,‏ وكمان هتعيش معايا‏!‏ تعلق الرجل في يدي‏,‏ وبكي‏,‏ واستحلفني الا أتركه‏,‏ وأصطحبه معي‏,‏ فأخبرته أنها أيام قليلة‏,‏ ثم يعود إلي حجرته الأصلية‏,‏ تركته سيدي‏,‏ ولكن ظلت نظرة عينيه لا تفارقني دقيقة‏,‏ وهو يتوسل لي ألا أتركه‏,‏ فعدت بعد أسبوع لزيارته‏,‏ فوجدته نائما علي كنبة ببلكونة المنزل‏,‏ وعلمت أن شقيقتي كانت تكلفه بنظافة المنزل‏,‏ ومسحه‏,‏ وكأنه خادمة‏,‏ حتي إن زجاج الشباك أصاب إصبعه‏,‏ فلم تكلف نفسها عناء علاجه‏,‏ وتركته ينزف ويعاني‏!!‏


              أمسك بيدي ورجلي‏,‏ وترجاني أن أعود به إلي حجرته‏,‏ ووعدني أنه سيطلب من أولاد الحلال سداد ما أنفقناه عليه في علاجه‏,‏ أخذته‏,‏ وذهبت به إلي حجرته الصغيرة التي يسكن بها في مدينة طنطا‏,‏ وأعطيت أموالا لشيخ المسجد لكي يقوم علي رعايته‏,‏ ثم سافرت‏,‏ وما إن نزلت في محطة القطار‏,‏ إلا ووجدتني أعود مرة أخري‏,‏ وأستقل القطار العائد إلي طنطا‏,‏ وعندما دخلت عليه انهار في البكاء‏,‏ وقال كنت أعلم أنك ستعودين‏,‏ أنت فقط من أشعر بك‏,‏ استلقيت في حضنه ـ لأول مرة ـ إنه أبي يأخذني في حضنه الدافيء‏,‏ بكيت علي كتفيه‏,‏ غمرت وجهه الدموع‏,‏ ثم سألني‏:‏ هل سامحتيني‏..‏ فرحت في صمت عميق‏,‏ ولكنه ليس علامة عن الرضا‏!!‏


              لم أستطع أن أتركه بعد كل ذلك‏,‏ واصطحبته معي إلي شقتي‏,‏ كنت أبحث عن رضا ربي‏,‏ قبل أي شيء‏,‏ علي الرغم من النار الدفينة التي كانت تسكن أحشائي مما فعله معنا‏..‏ عشنا معا فترة شعرت فيها ـ لأول مرة ـ بطعم أن يكون لك أب يربت علي كتفيك‏,‏ يحنو عليك‏,‏ كنت أدخل الشقة فأجده واقفا في الشباك ينتظرني‏,‏ ويطمئن علي‏,‏ كان يطلب مني أن آخذه إلي مقبرة والدتي‏,‏ وعندما وقف أمامها‏,‏ بدأ في قراءة القرآن‏,‏ وبكي كثيرا‏,‏ ثم طلب منها أن تسامحه‏,‏ وأن تشفع له عند الله ليسامحه‏.‏


              لا أنسي هذه الأوقات التي كان يساعدني فيها في لملمة أوراقي التي كنت أحضرها معي للعمل بالمنزل‏,‏ ثم نبدأ في اللعب علي الكمبيوتر‏,‏ لم أعد أحتمل البيت بدونه‏,‏ فقد كان يذهب لزيارة حجرته‏,‏ التي كان يسكن بها‏,‏ فلم أتحمل هذه الساعات‏,‏ وذهبت فورا لإحضاره‏,‏ لا أخفي عليكم سيدي‏,‏ أنه حتي النوم أصبح له طعم في وجوده‏,‏ فكنت أستغرق في النوم‏,‏ وأنا مطمئنة أن أبي معي في المنزل‏,‏ يحرسني بدعواته التي لا تنقطع‏,‏ ربنا يكفيك شر عباده يا بنتي‏!!‏


              في هذه الأوقات قررت أن أذهب لقضاء العمرة‏,‏ وعندما أخبرته‏,‏ ضحك‏,‏ وقال‏:‏ أوعي تفقدي الذاكرة‏..‏وبكي‏,‏ وقال لي‏,‏ ومن سيزورني‏,‏ ثم بدأ يوصيني بالدعاء‏,‏ ووعدته بأن أصطحبه معي في المرة القادمة‏,‏ سافرت بعد أن أعطيته تليفونا محمولا لكي أطمئن عليه‏,‏ وبعدها علمت أنه مرض‏,‏ ولم يجد أحدا يدخله المستشفي‏,‏ وبعد أن قضيت عمرة رمضان‏,‏ عدت‏,‏ وأخذته إلي المستشفي‏,‏ كان يعاني في هذه المرة‏,‏ يبتسم كثيرا‏,‏ ويبكي أكثر‏,‏ ويشرد بناظريه أكثر وأكثر‏..‏ وكان يردد دائما‏:‏ تري يا ربي هل خففت عذابك عني‏,‏ تري هل تقبلت دعوتي؟‏..‏ هدأته‏,‏ وقلت له‏:‏ ارحم نفسك‏,‏ ولأول مرة نبض قلبي بالدعاء له‏,‏ أن يشفيه‏,‏ تركته في اليوم التالي‏,‏ وذهبت لعملي‏,‏ وعدت مسرعة بعد أن اتصلت بي الممرضة‏,‏ لتخبرني أنه في غيبوبة‏,‏ فاقتحمت حجرة الرعاية المركزة‏,‏ ورميت نفسي فوق صدره‏,‏ وبكيت‏,‏ كما لم أبك من قبل‏,‏ وصرخت بأعلي صوتي‏..‏ يارب‏,‏ دعه يشعر بي‏,‏ ولو لحظة واحدة‏,‏ لكي أقول له‏:‏ سامحني‏..‏ سامحني علي كل لحظة عاملتك فيها بجفاء‏,‏ فقد كان كل ذلك رغما عني‏..‏ جلست عند قدميه‏,‏ وقبلتهما‏,‏ ثم قبلت رأسه‏,‏ واستحلفته ألا يتركني‏,‏ وطلبت منه
              أن يغفر لي‏,‏ ثم ذهبت لأصلي‏,‏ وما هي إلا لحظات‏,‏ وحضرت الممرضة‏,‏ لتقول لي‏:‏ البقاء لله‏!...‏



              رحل أبي‏,‏ ورحت أنا في غيبوبة‏,‏ وعلمت بعد أن أفقت أن أعمامي رفضوا دفنه في مقابرهم‏,‏ فدفنه خالي في مقابر العائلة‏,‏ بجوار أمي‏,‏ التي رفض ـ سابقا ـ استلام جثتها‏,‏ وياللقدر ياسيدي‏,‏ فربما تكون قد سامحته هي الأخري‏!‏


              الآن سيدي لم أعد أجد من ينتظرني بالمنزل‏,‏ لم يعد هناك من يدعو لي‏,‏ أصبحت أعيش في وحشة الوحدة‏,‏ ويبدو أن انتقام الله قد بدأ معنا‏..‏ نعم سيدي لقد بدأ انتقام الله معي‏,‏ وأخواتي‏,‏ فقد مرضت فترة طويلة بهوس نفسي‏,‏ كنت أقطع هدومي‏,‏ وأجري في الشارع‏,‏ وأصرخ‏,‏ وأبكي‏..‏ أضحك‏,‏ وأرقص‏,‏ ثم أعود لأصرخ‏:‏ أبويا مات‏..‏ ياناس‏,‏ أبويا مات‏!!‏



              أما شقيقاتي‏,‏ فسوف أقول لك ماحدث لواحدة منهن فقط‏,‏ وهي التي كانت تطعم أبي العيش الناشف فقد أصابها مرض البهاق في جسدها كله‏,‏ ولم يتحملها أحد‏,‏ حتي أولادها‏,‏ وزوجها‏,‏ وطلبوا مني أن آخذها لتعيش معي‏!!‏



              سيدي‏..‏ قل ما شئت لنا‏,‏ فنحن في انتظار كلماتك‏,‏ أيقظ ضمائرنا‏,‏ ولكن قبل ذلك كله مازال لدي سؤال أبحث له عن إجابة‏:‏ هل سامحني أبي؟‏!‏


              ----------------------


              *‏ سيدتي‏..‏ نعم أتذكرك جيدا‏,‏ فمثل تلك القصة لا يمكن أن تمحي من الذاكرة‏!‏ هل تصدقيني لو قلت لك أني أحكي تلك القصة حتي الآن لكثير ممن ألتقي بهم‏,‏ كما يسألني كثير من الأصدقاء والقراء عن حالة الأب أو بماذا انتهت حكايتكم‏,‏ وها أنت جئت بعد سنوات لتضعي كلمة النهاية‏,‏ ولكن هل انتهت قصتكم أم بدأت؟


              سبق وحذرتكم ـ ياعزيزتي ـ من أن المنتقم يرتكب نفس خطيئة المنتقم منه‏,‏ وأن والدكم عندما عاد لم يكن هو هذا الوحش القديم الذي عذبكم وأهان والدتكم‏,‏ بل هو انسان عائد بفطرته الأولي‏,‏ بخيره ومحبته وسلامه‏..‏ نعم نحن بشر ولسنا ملائكة‏,‏ قد نجنح إلي الانتقام‏,‏ ولكن الله سبحانه وتعالي وضع ضوابطه لكبح جماح النفس وتهذيبها‏,‏ فطالبنا بالعفو عند المقدرة‏,‏ ووعد الصابرين والعافين عن الناس بجنات وخير كثير‏,‏ ونهانا عن معصية الوالدين وأمرنا بطاعتهما وألا نقول لهما أف ولا ننهرهما ونصاحبهما في الدنيا معروفا حتي لو كان جهادهما للإشراك به سبحانه وتعالي‏.‏

              من عاد إليكن ياسيدتي ليس والدكن قاسي القلب‏,‏ متجرد المشاعر‏,‏ الأناني المتغطرس‏..‏ من عاد هو رجل مسن بائس‏,‏ قادكن العلي القدير إليه لترين انتقامه وليكن درسا لكن تتعلمن منه وتوقن بأنه سبحانه وتعالي يمهل ولا يهمل‏..‏ وبدلا من تأمل قدرة الله وفهم رسالته العظيمة‏,‏ تحرك الوحش في داخلكن‏,‏ واستمتعتن بالشر‏,‏ ووجدتن لذة مرضية في إيذاء رجل عاجز فاقد للذاكرة‏,‏ ليس فيه من والدكن إلا الجسد فبالغتن في إهانته وإذلاله‏,‏ وهو التائب النادم علي أشياء لا يذكرها بل ينكرها علي أي أب‏,‏ يخجل منها ويلتمس لكن العذر في الإساءة إليه‏.‏

              سيدتي‏..‏ إنها النفس الأمارة بالسوء‏,‏ التي أخرجت الوحش الكامن فيكن حتي أشقائه‏,‏ خشوا علي ما ورثوه عنه‏,‏ وتجاهلوا أنه حي يرزق‏,‏ وأن ماامتلكوه هو مال حرام سيحرق حتما قلوبهم وأولادهم‏,‏ ولو كنت منهم الآن لتصدقت بكل ما ورثوه علي روحه‏,‏ فعليهم أن يسارعوا بتوبة إلي ربهم لعله سبحانه وتعالي يغفر لهم ويتقبل منهم‏.‏

              سيدتي‏..‏ الحمد لله أن ضميرك قد استيقظ قبل رحيل والدك‏,‏ فجعلك تستمتعين بوجوده معك‏,‏ لذا هوني علي نفسك‏,‏ اطلبي المغفرة والتوبة‏,‏ صلي من أجله‏,‏ تصدقي وادعي له بالرحمة‏,‏ وثقي في مغفرة الله فأبواب التوبة مشرعة للتائبين‏,‏ وما يطمئنك أنه مات وهو راض عنك‏,‏ محبا لك‏,‏ ملتمسا كل الأعذار لما فعلته معه من تصرفات لا تليق بأبنة تجاه والدها في مثل هذه الظروف‏.‏

              الأزمة الحقيقية ـ ياعزيزتي ـ في شقيقتيك وقلبيهما المتحجرين‏,‏ فقد نقلت لنا ما لحق باحداهما من انتقام إلهي‏,‏ ولم تذكري إذا كانت أفاقت من غفلتها واستقبلت الرسالة الإلهية‏,‏ أم مازال قلبها غلفا ؟‏..‏ لعلها تلحق بنفسها وتستغفر الله وتتوب إليه وكذلك شقيقتك الأخري‏,‏ فانتقام الله قادم لا محالة ومن يقتل الوحش بداخله فقد نجا‏,‏ أما من يستسلم له‏,‏ فلن يجني إلا عذابا في الدنيا والآخرة‏,‏ وإلي لقاء بإذن الله

              تعليق


              • #9
                رد: قصص أبكتنى ... متجدد يوميا بإذن الله


                6

                -----(( رحلة القطار ..))-----



                اكتب اليك لالتمس عندك السلوى فيما اعانيه ويضيق به صدرى فأنا رجل فى الأربعين من عمرى.. توفى ابى منذ عشرين سنة تاركا لى اسرة مكونة من أم وثلاث شقيقات وشقيق واحد كان عمره حين رحل أبى عن الدنيا 6 سنوات، اما انا فقد كان عمرى وقتها عشرين عاما فقط وقد انهيت دراستى الثانوية وبدأت اتطلع الى الالتحاق بالجامعة فجاءت وفاة ابى فحطمت احلامى فى ان اعيش حياة طالب الجامعة التى طالما تمنيتها


                وترك ابى وراءه محلا صغيرا لبيع قطع غيار السارات يفى بمتطلبات لأسرة بصعوبة وبعد ايام العزاء اجتمعت الأسرة الخائفة من المستقبل تبحث امورها.. فاتجهت الانظار الى تلقائيا وأحسست بوطأة المسئولية وأعلنت وقلبى يتمزق انى سأخلف ابى فى محله لكى تجد الأسرة ما يقيم أودها وقوبل اعلانى بارتايح عميق من كل افراد الاسرة مايقيم أودها وقوبل اعلانى بارتياح عميق من كل افراد الأسرة لعله غاظنى اكثر مما سرنى وألقيت بكتبى واحلامى وراء ظهرى واستقبلت مسؤليتى بقلب واجم وخائف من المستقبل وفتحت المحل فجاء زملاء أبى من التجار يشدون أزرى.. ويحيون رجولتى ويعرضون على خدماتهم وكنت فى حاجة اليها فعلا فى ايامى الأولى فى التجارة..


                ثم شيئا فشيئا عرفت اسرار العمل وثبت اقدامى فيه، وانتظم مورد الأسرة لكن العبء كان ثقيلا فلقد كانت شقيقاتى وشقيقى جميعا فى مراحل التعليم المختلفة وكانت الكبرى منهن فى الثانوية العامة ، وكان المحل مدينا ببعض الديون فعشنا فترة كئيبة من الضيق والشدة.. واجهتها بصبر لكن استقر فى اعماقى امتعاض دائم من ظروفى التى حكمت على بأن اتحمل المسئولية وانا فى العشرين من عمرى بدلا من ان اعيش سنوات شبابى طليقا وغير يتحمل مسئوليتى ومضت الأيلم وبدأت اشعر اننى محور حياة الأسرة وان امى وشقيقاتى يبالغن فى العناية بى ومجاملتى ورغم ذلك فقد اصبح صدرى ضيقا مع كثرة النفقات وصعوبة المسئولية وأصبحت عصبيا تندفع منى احيانا الكلمات الجارحة رغما عنى لأخوتى واحيانا لأمى. فلا يقابلن ذلك الا بالدموع الصامتة، ومع ذلك فقد مضت ايامنا وحصلت الكبرى على الثانوية العامة والتحقت بالجامعة وتخرجت وجاءها من يخطبها فقمت بواجبى معها فى حدود امكانياتى. ثم لحقت بها الأخت التالية لها وتخرجت وتزوجت وتخففت من بعض أعبائى فقررت ان اتزوج وتوجت من ابنة مدير بالمعاش من جيران الأسرة انضمت الى شقتنا الواسعة فى احياء القاهرة القديمة.



                وطوال هذه السنوات الصعبة كنت اتطلع الى شقيقى الأصغر واتعجل السنوات لكى ينهى تعليمه ويشاركنى فى حمل مسئولية الأسرة، ومن سن العاشرة بدأت افرض عليه ان يقف فى المحل لعدة كل يوم وكان كأى صبى يضيق بذلك ويحاول احيانا ان يتملص منه، فلا اسمح له بالفكاك وانهره بعنف فيستسلم باكيا.. ثم استقر الخوف منى فى اعماقه فأصبح لا يحتمل اشارة منى لكى ينفذ ما آمره به.. وبررت ذلك لنفسى بأنى اريده ان يتحمل المسئولية لمصلحته لكنى رغم ذلك كنت احيانا ارق له وأراه غلاما محروما من الحنان لكنى لم أظهر له هذا العطف ابدا ومع تقدمه فى الدراسة كانت ساعات عمله فى المحل تزيد، حتى جاء وقت لم يكن لدى عمال فيه فكان هو المساعد الوحيد فى المحل، الذى يفتحه فى الصباح ويبقى فيه حتى الليل فى ايام الاجازات، لذلك لم يكن متفوقا فى دراسته لكنه كان ينجح لأن ظروفنا لا تحتمل ان يتأخر سنة واحدة.. الى ان جائت الثانوية العامة ورسب فدعوت الأسرة وعقدت له جلسة تأديب انهلت عليه فيها باللوم والتقريع.. ثم اعمانى الشيطان شفى لحظة حمق فانهلت عليه صفعا امام شقيقاته.. فلم يزد عن ان حمى وجهه بذراعيه واحنى رأسه وهو يصيح من بين بكائه حانجح السنة الجايا ياخويا.. الدكان خد منى وقت ياخويا، وافقت فجأة من غيى فعدت الى مقعدى لاهثا وشقياتى واجمات يحبسن دموعهن خوفا من انفجارى فيهن وانسحب هو الى غرفة أمى وبعد ان خلوت لنفسى.. اكتأبت لما بدر منى وارقت ليلتها فلم يغمض لى جفن وذهبت الى المحل فى اليوم التالى عليلا..



                وكان المعتاد ان يحضر الى المحل فى فترةالظهيرة فيجلس مكانى .. لكى استريح وقت الغذاء .. وتوقعت الا يحضر وان يخاصمنى لعدة ايام .. ووطنت نفسى على ان اصالحه واسترضيه خاصة انه لم تفلت منه كلمة سيئة ضدى فى قمة اهانتى له وعدوانى عليه وبلغت الساعة الثالثة فطلبت من الصبى ان يغلق المحل لمدة ساعتين وتهيأت للآنصراف فاذا بى المح شقيقى قادما منكسرا، يحيينى وهو خافض الرأس ويعتذر عن تأخره بأنه ذهب الى المستوصف يطلب علاجا لأن عنده الما فى جنبه ، فكادت الدمعة تظفر من عينى وقاومتها بصعوبة وقلت له ولماذا المستوصف.. سأذهب بك الى اكبر طبيب فى المساء، واذهب الآن واسترح فأصر على ان يجلس فى المحل بدلا منى، فتركته وعدت للبيت وفى المساء اصطحبته للطبيب فاعطاه علاجا وطمأنته عن حالته ، وعندما بدأت الدارسة حاولت ان اعفيه من فترى الظهيرة لكى يتفرغ للمذاكرة لكنه رفض باصرار فكنت اراه يسهر الليل يذاكر ويقف فى المحل نهارا وصحته تذبل من آثار قلة النوم، وظهرت النتيجة فكان من الناجحين ولكن بمجموع ضعيف لا يؤهله للالتحاق بالجامعة فالتحق بمعهد فوق المتوسط وأصبح يجد وقتا اكبر لمساعدتى وخلال هذه الفترة تطورت علاقتى به تطورا جديدا.. فقد كنت اعطيه مصروفا شهريا عشرة جنيهات ينظم حياته بها ، فجاء ابن الحلال الذى همس فى اذنى ان اخاك يصاحب شلة فاسدة من شباب المعهد وانهم يدخنون السجائر ويصادقون الفتيات، فلعب الفأر فى عبى ان يكون الشيطان قد اغواه فبدأ يمد يده الى نقود المحل فى فترة غيابى .. وواجهته بذلك فبكى وما وما كان اسرع بكائه .. وقال لى كلمة ظلت توجعنى طويلا هى: اننى ابن فلان مثلك وقد كان رجلا طيبا عارفا بالله فكيف أكون خائنا؟ ولمن؟ لأخى الذى ربانى وفى مال اسرتى التى تعيش منه أمى وأختى التى مازالت فى الجامعة فأنهيت الموضوع لكنى بدأت اراقبه خفية فلا اجد مايريب فهو يصلى الفروض فى اوقاتها.. ولا يدخن .. وهو المهموم دائما بأمر اخوته البنات ولاذى يقضى حوائجهن ويرعى اولاد المتزوجين فيهدأ خاطرى قليلا ثم تعود الوساوس تطاردنى من جديد فأسىء معاملته فيتحمل ويصبر الى ان اعود الى حالتى الطبيعية وهكذا مضى الحال الى انتهت دراسته فى المعهد وحصل على الشهادة وأدى فترة تجنيده.



                وخلال هذه الفترة كانت تجارتى قد نجحت واستقرت وتخلصت من كل المتاعب فأعدت تأثيث شقتنا الواسعة واشتريت سيارة. وبدأت اطمئن للمستقبل وأجنى ثمرة كفاحى. وفى هذه الفترة ايضا اشتريت المحل المجاور لى وضممته الى محلى وانفقت على عمل ديكور جديد له واصبح لدى عاملان يتقاضيان اجرا كبيرا وعاد شقيقى يساعدنى فى انتظار التعيين، وفكرت بينى وبين نفسى فى ان افرغه للمحل، وهو من دمى وله نصيب شرعى فى ا لمحل، وصارحته بذلك فقال لى انه يعتبرنى أبى والأب لا يختار لأبنه الا ما فى صالحه فان أردته فى المحل فهو معى وان اردته الوظيفة فسينفذ رغبتى وسيكون الى جوارى دائما بعد الوظيفة فسينفذ رغبتى وسيكون الى جوارى دائما بعد الوظيفة، واتفقنا على ان يعمل فىالمحل فترة الانتظار وان يختار بعد ذلك وبدأ العمل بهمة، وكان للحق شعلة من النشاط والذكاء ومحبوبا من كل من يتعامل معه او يعرفه، فهو خدوم وشهم وكريم فى حدود ما تملكه يده وهو قليل، فقد كنت اعطيه نصف مرتب العامل وكان راضيا بذلك لأنه صاحب مال كما يقولون وأصبحت اعتمد عليه فى اعمال كثيرة .. وفجأة عاودنى الوسواس القديم وكان سببه هذه المرة هو نفس السبب القديم شلة الأصدقاء الذيناراهم فاسدين ويراهم هو عاديين وكانوا زملاءه منذ الطفولة حىالمعهد وكنت لا ارتاح لهم وأشك شفى سلوكهم واخشى عليه من صحبتهم .



                فنصحته بالابتعاد عنهم ورويت له عنهم ما لايس، فكان رده اننى لا استطيع ان اتحكم فى سلوك غيرى، وبدأت الوساوس تلح على من جديد وذات يوم رأيت معه ساعة جديدة، فسألته عن مصدرها فأخبرنى ان شقيقته الكبرى المتزوجة اهدتها له، فلم اصدقه وسألت اختى فأكدت ذلك وقالت انها اتشرتها له بالتقسيط من مرتبها حين لاحظت انه لا يحمل ساعة ولا يجرؤ عل طلبها منى فلم يسترح عقلى لذلك وشككت فى انها تدافع عنه لعطفها عليه.


                وكانت اختى الثالثة قد تخرجت وخطبت ونستعد لجهازها وزواجها فكان صدرى ضيقا فانفجرت فيه بشكوكى مرة اخرى وخيرته بين الانقطاع عن هذه الشلة وبين المحل، وانصرف صامتا وللأسف ان هذه المكاشفة قد تمت فى المحل وامام العمال والزبائن فعرفوا انى اشك فى امانة اخى وسلوكه.. ولامنى كثيرون من الزبائن والتجار من جيرانى .. فزادنى ذلك عنادا وعدت للبيت فى المساء فلم أجده ..وعرفت انه سيقضى الليل عند خالته فزادنى غضبا وصممت على الا يعود للعمل الا اذا قاطع كل اصدقائه وانتزرته ان يعود بعد ايام خافض الرأس منكسرا كما تعودت منه لكنه لم يعد فتنازلت عن كبريائى قليلا وسألت عنه فكانت المفاجأة انه سافر الى الاسكندرية ليبحث عن وأنه اقترض نقود السفر من خالته.

                وأحسست بألم فى قلبى لكنى تظاهرت بالاستهانة وقلت بصوت عالى: فى داهية! وتنميت ان يفشل سعيه وان يعود منهزما ويقبل شروطى لكنه لم يعد ياسيدى، ومضى شهران قبل ان يأتى فى زيارة لأمه وشقيقاته اللاتى كن يتحرقن شوقا اليه وعدت الى البيت فى الظهر وكان جالسا مع زوجتى وأمى وشقيقتى ومن حوله سعيدات به فنهض مرتبكا حين رأنى ليحيينى.. فركبنى الشيطان فجأة واشحت بوجهى بعيدا عنه ودخلت الى غرفتى.. وجاءت ورائى زوجتى .. تلومنى فصرخت فى وجهها، اما هو فقد جلس لمدة دقائق ثم استأذن وانصرف ومن زوجتى عرفت انه يعمل عند مستورد لقطع الغيار اتعامل معه منذ سنوات وانه يقيم فى غرفة بحى شعبى وان هذا المستورد احبه ويثق فى امانته ويرسله الى الجمرك لتخليص بعض اعماله.



                ولعب الفأر فى عبى وخشيت ان صحت الوساوس ان يعنى فى حرج فأتصلت به وسألته عنه فقال لى انه ولد سكرة ووجهه فيه القبول وكلما ارسله فى مهمة يسرها الله على يديه وانه يشكرنى على التنازل له عنه! واحسست بالفخر والغيرة معا، ومع ذلك فقد حرصت بمنطق التجار الا لعنة الله عليه على ان أوكد له أننى غير مسئول عن اى تصرفات له، فقاطعنى رافضا الاستماع وانتهت المكالمة ..
                واستمر الحال هكذا .. وقد اصبح يأتى الى القاهرة مرة كل شهر فواصلت تجاهله .. مع حرصى على ان اعرف اخباره من زوجتى وسعت امى كثيرا لكى تصلح بينى وبينه، فتمسكت ان ينفذ كل شروطى وان يبتعد عن شلته الذين يحرص على زيارتهم كلما جاء من الاسكندرية والذين يزورونه هناك كما سمعت.



                ومضى عامان ثم ابلغتنى امى انه ارتبط بفتاة بائعة فى محل المستورد وانه يريد خطبتها ويطلب منى الأذن فسألت عن التفاصيل وتأكدت من انه نسب غير ملائم وان مستوى اسرتها الاجتماعى منخفض جدا، فقلت لأمى انه يريد ان يجلب لى عارا جديدا كما فعل حين عمل عند احد من اتعامل معهم وبامكانه ان يتزوج من اسرة افضل منها فهو فى النهاية ابن ناس طيبين ورفضت الموافقة باصرار.



                وبعد ايام جاءنى منه خطاب يطلب فيه ان اصبفح عنه ويقول لى انه لا يعرف له أبا غيرى ويطلب منى حضورى حفل خطبته فلم ارد عليه، وجاء بعدها بأسبوعين وزارنى فى المحل فلم احسن استقباله ومع ذلك فقد جلس وروى لى وهو خجلان قصة ارتباطه بهذه الفتاة وطلب "تشريفى" حفل خطبته.. فهززت رأسى ان لا فسكت قليلا ثم طلب بصوت خافت ان اسمح لأمى وشقيقاته بالحضور نيابة عنى لكيلا يبدو امام اسرة حطيبته بلا أهل .. فهززت رأسى مرة اخرى فسكت قليلا ثم قال كتر خيرك، والقى السلام وانصرف، وبكت امى طويلا فلم استجب لها واعلنت رفضى لذهاب شقيقاتى.. فبكين وأشفقن عليه من يكون وحيدا فى يوم خطبته فلم اتراجع وقد سلط على ذهنى انه يعاندنى ويريد ان يجلب لى العار ولا شى غير ذلك.. مع انه شاب ومن حقه ان يحب ويتزوج.. لكن هكذا صور لى العناد.. فهددت من تذهب من اخوتى وأمى الى الاسكندرية بمقاطعتها فرضخن ـساخطات، وطاف هو عليهن يرجوهن الا يزعلن لأنه يعذرهن ولا يرد لهن المشاكل معى.. وودعنه جميعا كما عرفت بالقبلات والدموع حتى زوجتى بكت وصرخت فى وجهى بأنى ظالم وانه لولا انها لاتريد ان تزيد من ألامى لما قبلت السكوت على هذا الظلم ولذهبت الى خطبته وهو الشاب المؤدب الذى لم تر منه منذ زواجها بى الا كل خير وفى وسط كل ذلك قررت خالتى وكانت تحب شقيقى حبا خالصا وتشفق عليه ان تذهب هى وزوجها والاودها الى الاسكندرية لتخطب له هذه الفتاة نيابة عن امى وليضرب فلان الذى هو انا رأسه فى الحائط لأن الله لا يرضى بالظلم.. ولأنى كما قالت سامحها الله ظلمته صغيرا وكبيرا ولا اريد ان ارجع عن ظلمى وذهبت فعلا وعادت تروى لأمى كيف استقبلها بالدموع وتقبيل يديها لأنه لم يكن يتوقع حضورها وكيف احتضن زوج خالته وقبل رأسه معربا عن شكره.. وكيف استقبل بنات وأولاد خالته بفرحة جنونية، وان اسرة فتاته اسرة طيبة رغم فقرها وأنهم يحبونه ويحترمونه، وكيف انها عاشت اسعد ايام حياتها فى هذا الفرح البسيط، وانها زغردت من قلبلها واصدقاؤه الذين سافروا اليه من القاهرة.. واصدقاؤه الجدد من الاسكندرية وهو يكسب الأصدقاء سريعا، يزفونه بالسيارات حول ضريح ابو العباس المرسى وهو يضحك سعيدا والدموع لا تفارق عينيه وان التاجر الذى يعمل عنده هو الذى رتب له الزفة واعطاه نقوطا كبيرا مكافأة له على نشاطه وأمانته وسمعت كل ذلك وأحسست بالندم يلسعنى على موقفى منه لكنى تظاهرت بتجاهل الموضوع وعرفت من زوجتى انه سيقيم مع اسرة خطيبته بعد الزواج الى ان يجد شقة، ومضت اسابيع وبدأت اثار الخطبة وحرمان الأسرة من الاشتراك تخف تدريجيا وعاد يزور امه وشقيقاته ويحكى لهن عن خطيبته وعمله وحياته هناك.. وكان من بين ما رواه لهن ان آلام جنبه قد عاوته بسبب ساعات العمل الطويلةى فذهب الى المستشفى الأميرى فى الاسكندرية وعالجه الأطباء وشفى والحمد لله.



                ومضى عام آخر والموقف بيننا لم يتغير فهو يحيينى حين يدخل فأرد تحيته فاقتضاب.. فاذا غلبنى حنينى اليه واردته ان يحكى لى عن نفسه او يطلب منى الرجوع .. او السماح كما كان يفعل فانه يحكى لدقائق لا تشبع .. حنينى وشوقى له ثم يصمت.. كأنه لا يجد ما يقول وينسحب بعد قليل وجاء مرة فى زيارته المعتادة فلاحظت عليه الارهاق فسألته عما به فروى لى انه احس بالتعب فذهب الى المتشفى الاميرى وانهم اجروا له فحوصا عديدة اتعبته أكثر .. لكنه تحسن الآن والحمد لله.. فانخلع قلبى .. وامسكته من يده وذهبت به الى طبيب كبير فطلب أشعات وتحاليل فحاول الاعتذار لأنه مضطر للسفر فاقسمت عليه بالطلاق الا يسافر الا بعد اجراء الفحوص والتحاليل وعدنا للطبيب فوصف العلاج له وطلب منه الراحة ورجعنا الى البيت فطلبت منه الا يعود للاسكندرية نهائيا وان يستريح فى البيت وأعلنت له انى سأنفق على علاجه كل ما املك.. وسأدعو خطيبته وأسرتها لزيارته هنا ، فابتسم فى ضعف وقال لى انه لابد ان يعود ويعمل لأنه مدين لصاحب العمل بجزء من قيمة الشبكة ولبعض اصدقائه هناك ببعض المال لأنه اشترى دواء واجرى فحوصا كلفته الكثير فطلبت منه ان يبقى وسأسدد ديونه مهما كانت وانه ليس فى حاجة للعمل وهو مريض..



                والححت عليه فى ذلك وأردت ان احلف عليه مرة اخرى فسد فمى بيده.. ثم امسك يدى وقبلها وشكرنى بحرارة راجيا ان اكرمه بتركه يسافر لأن حياته اصحبت هناك.. وسوف يواظب على العلاج فوافقت مرغما وأوصلته للقطار واعطيته نقودا رفض ان يأخذها والححت عليه وذكرته بأن له حقا فى المحل الذى تركه ابوه وهذا جزء منه فقال لى وهو يبتسم متعبا: لقد اخذت حقى وزيادة بلقمتى وطعامى فى سنوات تعليمى..فاذا كان لى عندك حق فأعطه لأمى ولشقيقاتى ثم تحرك القطار وصورته وهو يبتسم فى ضعف لا تفارقنى وعدت الى البيت مهموما ولم انم الليل وفى الصباح كان اول ما فعلت حين ذهبت الى المحل هو ان اتصلت تليفونيا بالتاجر الذى يعمل معه اخى لأطمئن منه عليه وابلغه انى سأسدد دينه عنده..وارجوه ان يرفض عودته للعمل ويعيده للقاهرة حتى تتحسن صحته..


                فما ان عرفنى حتى قال لى واجما:
                كنت سأتصل بك الآن فورا انتظرنا نحن قادمون اليك بعد ثلاث ساعات .. البقاء لله! وصرخت من اعماقى وسقطت السماعة من يدى وجاء جيرانى مفزوعين .. واركبونى سيارة احدهم وأعادونى للبيت وبعد ساعات وصل الركب الحزين وبدأت رحلة الوداع وحولى اصدقاؤه واحباؤه الذين طالما كرهتهم وأسات الظن بهن يولولون ويصرخون كالثكالى ويتدافعون لحمل صاحبهم ..


                ووقفت فى المساء فى العزاء منهارا اصافح الأيدى ولا ادرى بها .. وجاء اصدقاؤه فما ان وضع اولهم يده فى يدى حتى بكيت كالطفل فشجع ذلك احدهم على ان يقول لى: لقد مضى كل شىء وراح لكنى اشهد الله امامك ان شقيقك كان مثال الامانة والشهامة والاخلاق وان يده لم تمتد الى حرام.. ولم يرتكب معصية.. واننا كنا اخوة فى الخير لا فى الشر وان اقصى ما فعلناه مما كنت تعيبه علينا اننا كنا ندخن فى مرحلة المعهد لكننا لم نعرف الخمر ولا المخدرات كما كنت تتصور وعاش اخوك ومات لم يدخن سيجارة فقال: لكن السنة السوء لا تدع الناس فى حالها.. فسألته فجأة هل كرهنى لما لعلت معه؟ فقال: لم يذكرك مرة بسوء حتى وانت تقسو عليه.. وكان يقول لنا دائما لا تظلموه فلقد حمل الهم صغيرا.. وهو اخى وابى الذى لم ار غيره ويكفيه ان ستر شقيقاتى اما انا فرجل واستطيع ان اتحمل.

                فاسترحت قليلا .. لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن ينبىء براحة فبعد رحلي اخى خيم الحزن على بيتنا واستقر فيه وبدأت احس باكتئاب شديد افقدنى حماسى للعمل.. فأصبحت انهض احيانا من النوم فلا أشعر بميل للذهاب للمحل ولا لمغادرة اليبت وضاعف من حالتى .. انى أحس باتهام صامت فى عيون امى وشقيقاتى بأنى ظلمت اخى وقبرته.. مع انى يعلم الله لم ارد سوى مصلحته حتى وان اسأت التصرف وقد استقر الفتور فى علاقتى بأمى وشقيقتى الكبرى التى كانت اكثر الشقيقات عطفا على اخى الراحل بالذات اما خالتى التى تحثنى بالذهاب الى خطيبته فقد حاولت مصالحتها بعد رحيله فانهالت على بالاتهام والتجريح وزادت من معاناتى وسافرت الى الاسكندرية وذهبت الى التاجر الذى عمل معه اخى وشكرته وسددت له دينه فأبى بكل اصرار .. وقال انها كانت هدية منه لشاب كريم وليست دينا عليه .. وقد ساءت حالتى الآن حتى اصبحت لا اذهب للمحل الا مرتين او ثلاثا فى الاسبوع والى جانب ذلك فأنا اصحو كل لية عند نومى عدة مرات وقد توقف تنفسى وقلبى ووصلا الى مرحلة الاختناق .. وفى كل ليلة يجيئنى اخى فى المنام واراه عابسا وهو الذى لم اره الا مبتسما فى حياته حتى حين كان يغلبه الدمع ، وذهبت الى الطبيب فأحالنى الى طبيب نفسى شخص حالتى بأنها ميول اكتئابية واعطانى بعض الأدوية، وانا الأن اواظب على العلاج لكنى لا انام جيدا.. وقد فقدت كل الاشياء قيمتها عندى فلم تعد عندى رغبة فى النجاح ولا الثراء وأسأل نفسى كل حين مامعنى كل ذلك وأنا لم انجب اولادا ولا بنات ولم يعد لى اخ ثم ماذا يعنى هذا المحل.. وهذه التجارة ولم تعد فى مسؤايتى سوى امى وما هذه الجدران والرفوف التى تصورت فى حمقى انها اهم من شقيقى الوحيد وان على ان احميها منه بابعاده عنها ومتى يبتسم وجه اخى حين يزورنى فى الليل واين راحة القلب والضمير .. اين؟


                ولكاتب هذه الرسالة اقول:
                راحة القلب من راحة الضمير ياسيدى وانت مؤرقالضمير باحساسك بالذنب تجاه شقيقك الراحل الذى ظلمته كثيرا بوساوسك وخوفك المبالغ فيه على الجدران الصماء التى عرفت الآن انها لا تساوى قلامة ظفر والحق انى اعجب كثيرا من حالنا نحن البشر حين نعمى احيانا عن بعض الحقائق الأولية.. فلا نتنبه اليها الا بعد رحيل الأعزاء وغياب من لا يعوضنا مال الدنيا عن غيابهم كما اعجب من حماقة المرء حين نخص بعض اعزائنا الذين يبدون امامنا مسالمين مستسلمين بايذائنا.. فاذا فقدناهم عرفنا اننا قد خسرنا بفقدهم والى الابد من كانت محفورة فى اعماقهم محبتنا وهيبتنا، واكتشفنا حين لا ينفع الندم اننا لن نلقى فى الحياة بعدهم الا من لا يردعهم حب او احترام عن رد ايذائنا الينا اذا عاملناهم بنفس الطريقة.. فأى حماقة بشرية نرتكبها فى حق انفسنا واعزائنا؟ ولماذا نفتقد فى بعض المواقف حكمة الاعرابية الأمية التى لا تقرأ ولا تكتب والتىادركت هذه الحقيقة البسيطة منذ عشرات القرون حين وضعت امام اختيار صعب بين الأهل.. فقالت فى نهاية حديث طويل كلمتها الشهيرة" اما الأخ فلا يعوض مشيرة الى ان الانسان لا يستطيع ان يشتريه بمال قارون .. ولو ملكه.
                وقد عرفت ذلك كله الآن بعد ان ظلمت اخاك طويلا.. ويؤرقك احساسك بالذنب تجاهه .. وتتمنى لو تعرف انه قد سامحك لكى يطمئن جانبك.. ولست أظن امثالهـ ممن يعبرون الحياة فى رحلة قصيرة لا يعرفون فيها سوى الآلام والاحزان .. ولا يأخذون من اتلدنيا خلالها شيئا قادرين على عدم الصفح عمن اذوهم .. وهم من يغفرون للحياة اصلا ما لا قوة فيها من ظلم ومعاناة لكن لا تستكن الى ذلك.
                سيدى وانما اعن نفسك على التطهر من الذنب تجاه اخيك باعلان باءته من كل الشكوك والهواجس عند كل من وصلت اليهم شكوكك وهواجسك، واقض دينه عنه لأصحابه وهو بعض ماله من دين فى عنقك وقد كان كما عرفته كريما غنى النفس عزوفا عن التطلع الى مابين يديك وهو المحروم منه وصاحب الحق فيه .. ولعلك تعرف بعد ذلك ان الاسنان يتطيع ان يكرم العزيز الراحل باكرام صاحبه وانت قد عرفت الآن ان اصحابه لم يكونو عند سوء ظنك .. فلا تشح بوجهك عنهم بعد الآن وتقبلهم قبولا حسنا .. ثم احرص على ان تزور اسرة خطيبة شقيقك التى تعليت عليها فى الماضى وتعرف على من اختارها قلبه واعتذر لها عن مجافاتك لها ثم صل بعلاقات المودة هذه الاسرة المكافحة النى احتضنت اخاك حين لم يجد منك نصيرا فتشرفه فى غيبته النهائية بعد ان فاتك هذا الواجب فى حياته.


                يبقى بعد ذلك ان تتوجه بقلبك الى الله طالبا العفو والمغفرة .. فان ظلمك لأخيك وطمع الدنيا الذى اعماك فى بعض الفترات عن اداراك انه كان نعم الأخ لك ونعم الرفيق، وتسلطك على اسرتك ومنعك لها من مشاركته الفرحة الوحيدة تقريبا فى حياته القصيرة الحافة بالآلام.. كل ذلك فى ظنى من الكبائر التى لا يمحوها الا الاستغفار وصدق الندم " وان تستغفروه يغفر لكم" فادع الله كثيرا لنفسك بالمغفرة. وخير الدعاء العمل الصالح الذى يقصد به الانسان وجه ربه فاحرص على رحمك وعوض امك بعض ما تجرعته من آلام واحزان وتصدق كثيرا باسم اخيك .. وانثر الخير حولك واينما توجهت.. يبتسم لك وجه اخيك فى رؤياك وتنج من عذاب الضمير وشبح الاكتئاب.. وأهم من كل ذلك .. من عقاب السماء .. الذى أعده الله للظالمين

                تعليق


                • #10
                  رد: قصص أبكتنى ... متجدد يوميا بإذن الله

                  7

                  ------(( الحــــــــــــــــب بعد الرحـــــــــــيل ))------

                  سيدي قد تندهش إذا علمت انني قرأت رسالة الثمن القاسي التي تعترف فيها كاتبتها بأنها ظلمت زوجها ظلما بينا وهو يحاول ان يدافع عن نفسه‏,‏ وكذلك قرأت الردود البريد اكثر من‏100‏ مرة‏,‏ وهذا الرقم ليس مبالغا فيه لكنها الحقيقة‏.‏


                  اما عن سر قراءتي للرسالة كل هذا العدد من المرات هو اني احسد تلك السيدة علي ما ابتلاها به الله من مرض عضال ليكفر به عما اقترفته من ذنوب في حق زوجها‏,‏ الذي طلقها وظل كريما معها بعد مرضها

                  اما أنا فقد تشابهت قصتي معها لأقصي درجة وكأنها تتحدث عني مع بعض الاختلافات البسيطة‏,‏ فأنا أقنعت نفسي بأني كرهت زوجي لنفس الأسباب الواهية التي ذكرتها هذه السيدة وما زاد من الأمر معي سوءا ان لي‏4‏ صديقات من أيام الطفولة يعشن حياة غير سعيدة و‏3‏ منهن مطلقات وكنت التقي بهن فيحسدونني علي ما انا فيه من نعمة مع زوجي ولا يظهرن ذلك بل ويزدن النار اشتعالا بلا سبب‏.‏


                  اما زوجي فتجتمع فيه كل الصفات الطيبة التي في الدنيا‏,‏ فهو حسن العشرة والحديث ويحبني وأنا كمان حبا لايقدر‏.‏


                  المهم انني كرهته فلجأ إلي أبي وأمي فضغطا علي كي تستمر الحياة من اجل ابنائي واستمررت معه جسدا بلا روح‏,‏ فكان يبعث لي بكل ألوان الحب والغرام‏,‏ وكان يغدق علي بالهدايا وانا لايعجبني ما يحضره‏,‏ فوض امره لله فيما ألبسه من ملابس ولم يعد يحاول‏,‏ إقناعي بارتداء الملابس المحتشمة فكنت أتمادي في تصرفاتي‏.‏


                  نعم أقنعت نفسي بأنني اضحي من أجل أولادي ويجب ان اتحمل‏,‏ اما هو فكان بداخله ألم مكتوم لايظهره لأحد بل يتظاهر بأنه في قمة السعادة امام الناس وامامي‏,‏ أما في نفسه فهو تعيس لم يعد ذلك الشخص الباسم الضاحك‏,‏ بل كان متألما ولا يظهر لأحد بل استمر علي حبه لي ولا تسألني لماذا كرهته فلا يوجد به عيب جوهري انما هو بعدي عن الله فلم اكن أصلي وارتدي المايوه والملابس المكشوفة واتعامل مع زملائي بشئ من الانفتاح والتحرر‏,‏ وهو يراقب كل هذا ويتألم وصامت وكان دائما يحثني علي الصلاة وأنا أرفض ان أصلي عنادا وتكبرا‏,‏ وكان دائما يقول لي لن تعرفي قيمتي إلا بعد موتي فكنت اسخر منه ولا ألتفت إلي ما يقوله بل لم اكن افكر فيه‏.‏



                  حتي كان يوم وهو في الثامنة والثلاثين شاب رياضي متدين علي قدر من الوسامة عاد إلي المنزل قبلي وكان ابني الأكبر في المنزل وكان يبلغ من العمر‏13‏ سنة ففوجئت به يخبرني بالهاتف ان والده مريض ولا يتكلم‏,‏ المهم غادرت عملي وجريت إلي المنزل فوجدته في حالة يرثي لها فاتصلت بالإسعاف لنقله إلي المستشفي إلا انه طلب مني ان أساعده علي الوضوء وصلي ركعتين‏,‏ لله ثم قال لي انه احبني اكثر من نفسه وانه تحمل ما فعلته معه لأنه يحبني ولم يرد ان ينشأ الأولاد في منزل مشتت الفكر وانه تحمل علي حساب كرامته واعصابه مما حمله فوق طاقته‏,‏ إلا انه مسامحني ونطق الشهادة واسلم وجهه له وتتوالي أمام عيني المشاهد وهو في كفنه وينزل إلي قبره وأنا أصبحت وحيدة في الدنيا دونه‏.‏



                  اكتشفت انني كنت احبه فعلا‏,‏ اكتشفت ان الحياة من غيره لا تطاق لم اعتذر له ولم تواتني الفرصة لأكفر عن ذنبي تجاهه‏,‏ أموت كل يوم علي ما فعلته معه‏,‏ اتذكر وجهه وهو يتألم مني‏,‏ اتذكر دموعه وهو يبكي ويقول لي ان ارحم عذابه‏,‏ اشعر بأنني قتلته‏,‏ لهذا احسد هذه السيدة التي ابتلاها الله بالمرض ليكفر عنها‏,‏ وأرجو من هذا الزوج الشهم ان يسامحها ولا يتركها تتعذب مثلي كل يوم ألف مرة ان كل ما اتمناه حاليا ان أري زوجي لأخبره انني آسفة ونادمة وانني أحببته‏,‏ لقد كنت اسخر من روايات الحب والغرام ولا اصدق بوجود الحب ولم اشعر به في حياتي إلا بعد ان فقدت من احبني نعم احبه حتي الآن ونادمة علي ما فعلته معه سامحني يا ربي‏.



                  الرد :



                  *‏ سيدتي كم كنت شقية ومعذبة‏,‏ فما اقسي ان نعيش مع إحساس دائم بالندم وبدون أي فرصة للتراجع أو الاعتذار‏,‏ غلبتك أنانيتك والأنانية كريح الصحراء تجفف كل شئ في طريقها‏,‏ فجفت مشاعرك ولم تدعك تستقبلين امطار الحب من زوجك‏,‏ متعالية غاضبة منه لأنه يغدق عليك بحبه مستسلمة لنار صديقاتك اللاتي استكثرن عليك هذا الرجل وحسدنك عليه‏,‏ وبدلا من ان تحمدي الله علي انه رزقك بمثل هذا الزوج تمردت عليه وطاردت سعادته‏,‏ فالسعادة يا عزيزتي تولد من حب الغير والشقاء من حب الذات‏.‏


                  اكتشفت بعد فوات الأوان انك تحبينه هذا لأنك لم تعرفي ـ في حياته ـ ما هو الحب‏,‏ فكثيرون يعتقدون انه لا حب بدون عذاب ولوعة‏,‏ فيما الحب الحقيقي هو هذا الإحساس الدافئ بالأمان والرحمة والمودة هو سكون القلب لا اضطرابه‏,‏ هو مراعاة الأدب مع من أحبنا ولكننا للأسف نضحي بمن يرفق بنا وبمشاعرنا فتحملا قسوتنا وغيابنا حبا لا ضعفا‏.‏


                  سيدتي رسالتك علي الرغم من ألمها إلا انها فرصة كي يلتفت كل إنسان ـ رجلا أو امرأة ـ حوله ليسأل نفسه هل يعطي شريك حياته من وقته ومشاعره ما يستحقه؟ يفكر فيما يمنحه له الطرف الآخر من اهتمام ورعاية ومحبة وماذا سيكون حاله لو غاب عنه؟ ان الحياة قصيرة مهما يطل العمر‏,‏ والفرصة مازالت قائمة لنقول لشركائنا في الحياة اننا نحبهم ونعتذر لهم عما بدر منا تجاههم‏.‏


                  أما انت يا سيدتي فهوني عن نفسك حتي لايقتلك تأنيب الضمير‏,‏ فقد سامحك زوجك ـ رحمه الله وغفر له ـ قبل الرحيل وهذه نهاية كريمة لرجل مثله امتلك هذا القلب الذهبي وان كان كرمه هذا قد زاد في عذابك إلا انه لا يمكن ان يكون بداية جديدة لك‏,‏ والبداية هي التوبة‏,‏ نعم التوبة إلي الله لأنك اخطأت في حقه سبحانه وتعالي وانت أخطأت في حق زوجك بسلوكك وكلماتك‏,‏ توبي إلي الله لأننا إذا لم نستطع ان نتوب فلن نستطيع ان نسامح كما قال الشاعر العظيم دانتي‏.‏


                  فسامحي نفسك وكفري عن اساءاتك في حق زوجك الراحل بحسن تربية ابنائك وتحدثي اليهم عن صفات والدهم الجميلة تصدقي عليه وصلي أهله‏,‏ فالبكاء الآن يا سيدتي لن يجدي فحولي طاقة حزنك إلي محبة وعطاء وسماح وسيعينك الله علي ما أنت فيه‏

                  تعليق


                  • #11
                    رد: قصص أبكتنى ... متجدد يوميا بإذن الله

                    8

                    العام الأخير


                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين
                    والمبعوث رحمة للعالمين

                    إلى أحبتي في الله
                    فقط تحذير لكل من لديه مشاعر وقلوب تتكسر
                    لا تقرأ هذه القصة
                    فالآلام فيها كبيرة...كبيرة ...كبيرة



                    هذه الرسالة أريد أن أنشرها بغير تدخل مني في صياغتها أو في إعادة ترتيب بعض أجزائها.. ذلك أن اضطراب سياقها أكثر تصويرا لحالة كاتبتها وظروف قصتها من أي محاولة لروايتها بالتسلسل الطبيعي كغيرها من القصص , فإن كنت قد تدخلت في صياغة هذه الرسالة فليس سوى بحذف بعض الكلمات التي تجرح المشاعر.. وتوضيح بعض مفرداتها الغامضة وإثبات بعض الكلمات التي سقطت سهوا من الكاتبة خلال انفعالها بما تحكيه.. ولنبدأ معا قراءة هذه القصة التي أقضت مضجعي ووضعتني أما اختبار رهيب من اختبارات الحياة التي لا حد لقسوتها وبشاعتها في بعض الأحيان . تقول الرسالة المفزعة..

                    بعد الصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه وعلى اله وصحبه أفضل وأتم السلام ..
                    الأستاذ الفاضل ... لا أعرف والله كيف ولا من أين أبدأ رسالتي لكني فقط أدعو الله ألا تصل إليك رسالة مشابهة لها من أحد غيري وقاك الله ووقى الجميع شر ما تحكيه. إنني سأحاول ان أسرد قصتي بدون استخدام عبارات مثيرة للعاطفة أو للشفقة فالحقيقة أني أكتبها تهدئة لي قبل غيري ولا أريد مزيدا من الشحن أو الإثارة , ولنبدأ القصة منذ 5 سنوات , فقد كنت طالبة بكلية الطب على قدر من الجمال و محجبة و متدينة ولا أتحدث الى أي شاب إلا لحاجة ضرورية في الدراسة أو العمل , وذات مرة وكنت في السنة الرابعة بكليتي تحدثت مع طبيب امتياز شاب فأعجب بي لكنه فشل في التحدث معي مرة أخرى .. فتقدم الى ابي وفاتحه في خطبتي فرحب به أبي لكرم أخلاقه بالرغم من تواضع امكاناته المادية , وتمت خطبتي له , وكان أول شاب في حياتي فأحببته بكل جوارحي وأحبني كثيرا , وبعد تخرجي مباشرة تزوجنا وسعدنا بزواجنا رغم قلة امكاناته , فأنا أيضا من أسرة بسيطة تقطن في حي شعبي وإن كان إخوتي جميعا قد استطاعوا أن يتعلموا ويشقوا طريقهم الى أعلى المراكز العلمية.
                    وبعد عام من زواجنا رزقت بأول مولود لي , وكان رزقه واسع والحمد لله فحصلت على عقد عمل في أحد مستشفيات دولة خليجية تداعب فكرة العمل بها أحلام بعض الخريجين , فسعدت به جدا وحسدتني عليه زميلاتي , لكن أبي وأهلي لتدينهم الشديد رفضوا فكرة سفري للعمل وحيدة في تلك الدولة العربية , وأصر أبي ألا أسافر إلا ومعي محرم أو أعتذر عن عدم قبول هذا العمل , وشاء الحظ أن أحقق رغبة أهلي فعثر زوجي على عقد بمستوصف خاص بنفس المدينة , وسافرنا الى هذه الدولة أنا وزوجي وطفلي الوليد نحمل أحلاما ليست مسرفة في الخيال واتفقنا على ألا نطيل اغترابنا إلا بقدر ما نستطيع ان نحقق به مطالبنا الضرورية , وهي شقة عيادة لزوجي في مصر وسيارة متوسطة تحملنا الى أعمالنا ونخرج بها في زياراتنا , ومبلغ مدخر لا يزيد عن 10 آلاف جنيه نضعه في البنك ليكون أمانا لنا ضد الطواريء . ومضى العام الأول لنا في الغربة فكنت فيه ابخل من بخيله على نفسي وطفلي لنوفر ثمن شقة العيادة , واستطعنا فعلا ان نحصل على شقة للعيادة ليست متواضعة وليست فاخرة وحققنا بذلك أول أحلامنا .
                    وتمكنا في العام الثاني من شراء سيارة جديدة وادخار عدة آلاف من الجنيهات في البنك في مصر وانقضى العام الثالث فجهزنا شقتنا الزوجية في مصر بالمفروشات اللائقة , وجهزنا عيادة زوجي بالأجهزة الطبية المطلوبة وقام زملاء زوجي بشرائها لنا في مصر ووضعها بالعيادة لهذا فلم نتمكن من استكمال رصيد المدخرات المطلوب الى 10 آلاف جنيه كما كنا نخطط لأنفسنا وتوقفنا نسأل نفسينا هل نكتفي بذلك أم نصر على تحقيق الهدف الأخير واستكمال الرصيد الى المبلغ المطلوب وبعد مناقشات طويلة استقر رأينا على أن نمضي عاما رابعا في تلك الدولة علة أن يكون عامنا الأخير فيها ثم نعود بعدها لنبدأ حياتنا العملية في مصر راضين بما أعطانا الله من فضله وكنت وقتها حاملا في طفلي الثاني . واقترب موعد ولادتي , وولدت طفلا آخر منذ أربعة شهور وطلب مني زوجي أن (انزل) بطفلي في أجازة وحصلت على أجازة 45 يوما فقط وانتهت الأجازة وعدت الى المستشفى التي أعمل بها.
                    ومن هنا على رأي زوجي (تبدأ الحكاية) وبالمناسبة أنا كنت صاحبة دم خفيف وبنت نكته كما يقولون أما زوجي فلا يبارى في النكت و الضحك العالي لكني (كنت) و (كان) .. وهذه مجرد ملحوظة- وأعود الى رواية قصتي , فبعد أسبوع من عودتي للمستشفى حدث ما لا أقول عنه غزوا أو تتارا كما يكتبون في الصحف , ولكن حدث ما لا أستطيع أن أصفه فقد حدث غزو العراق للكويت التي نعمل بها , وكنت ليلة الغزو في نوبتي للمبيت في المستشفى التي أعمل بها وهي مخصصة للنساء , فلم أستطع مغادرة المستشفى لمدة يومين لأن كل المستشفيات أصبحت في حالة طواريء ولم اعلم شيئا عن زوجي وطفلي الصغيرين , وفي اليوم الثالث حدث ما لم أتخيله في أشد الأحلام المزعجة رعبا , فقد حدث هجوم وحشي على المستشفى من ((أبطال الغزو)) وأقول لك والسخرية القاتلة تملؤني أن الوضع أصبح فجأة هكذا : الممرضات للجنود الأشاوس والطبيبات للضباط الأبطال !! هل تصدق ذلك ؟!أنا نفسي لا أصدق ولا أعرف شيئا عما حدث ولكني أقسم لك أني قاومت مقاومة لم أكن أتخيل أني قادرة عليها حتى عجزت ووجدت الجميع يصرخن ويولون المرأة التي تزيد مقاومتها على الحد المحتمل تصبح هي الطبق الشهي للجميع نكاية فيها , وفجأة وأنا وسط المأساة رأيت زوجي!! .. نعم زوجي ..لا أعرف كيف حضر ولا كيف دخل المستشفى .. هل أحس بالقلق علي فجأة فجاء ليطمئن علي؟..لا أعرف , كل ما اعرفه أني رأيته فجأة ومعه مجموعة من الرجال المصريين والأطباء يحاولون ويحاول زوجي معهم الدفاع عن الممرضات والطبيبات بل والمريضات أنفسهن ضد ((الأبطال الغزاة)) الذين يعتدون عليهن بلا رحمة ورأيت زوجي والرجال بعد قليل محاصرين والجنود يصوبون إليهم المدافع والبنادق ويهددون من يتحرك بقتله وصرخت حين رأيت من يقف بجوار زوجي مباشرة وهو زميل وصديق يقع على الأرض قتيلا برصاصة في صدره , وصرخت على أطفالي وعلى نفسي وعلى زوجي ولم يستطع أحد يفعل أي شيء لأي أحد .. لأي شيء لأي أحد ولا أعرف ماذا حدث سوى أني وجدت نفسي بعدها على أرض المستشفى والدماء تنزف مني بغزارة وبجواري زوجي يحاول إنقاذي من النزيف الشديد , فرجوته ألا ينقذني ويتركني أنزف حتى الموت , فتمتم بكلمات مقتضبة بأن الأطفال يحتاجون لي وبأن الذنب ليس ذنبي , وصدقته وقاومت المرض وعدت معه الى البيت ولم أبك مطلقا ولم تنزل دمعة واحدة من عيني ولم تلتق عيناي بعيني زوجي أبدا فهو لا يرفع وجهه إلي مطلقا وأنا لا أرفع وجهي إليه ولا نتحدث إلا للضرورة القصوى , وظللنا على هذا الحال عدة أيام لا نغادر البيت ولا نتكلم ولا نكاد نأكل طعاما ثم استطعنا ان نهرب من مدينة الأحلام المنهارة بسيارة الزميل الذي سقط قتيلا بجوار زوجي, وبدأن رحلة العذاب الطويلة في الصحراء القاحلة , وفي درجة حرارة لا توصف فلم يحتمل وليدي الصغير هذه الظروف القاسية (فنفق) منا في الطريق .. نعم (نفق) أي مات كما تنفق الهرة أو البقرة الضعيفة لأن الحزن سمم اللبن في صدري ولم يكن له معنا طعام ولا ماء (فنفق) بين أيدينا وأنا وأبوه طبيبان ولا نملك له شيئا فكان آخر وأغلى وديعة أودعتها ارض الأحلام قبل ان أغادرها للأبد .. ولم ابك أيضا ولم اذرف دمعة واحدة ولم يبك زوجي كذلك وواصلنا الرحلة في الصحراء القاحلة صامتين لا نتفوه بكلمة واحدة طوال المسافة الشاسعة , وكل همنا الوصول الى بلادنا ولا يشغلني إلا خوفي على ابني الآخر الذي أصبح ابني الوحيد وكاد يضيع منا هو الآخر.
                    وأخيرا وصلنا الى ارض بلادنا الحبيبة في نويبع ومنها الى مدينتنا وفي الطريق نطق زوجي لأول مرة وبغير ان ينظر ناحيتي طالبا مني بألا أحكي شيئا عما حدث وان أنكر ما حدث إذا سألنا أحد من الأهل عما كان يجري في المستشفيات هناك , لأنه كما قال ليس في حاجة الى المزيد من الفضائح , واستقبلنا الأهل ولم نرو لهم شيئا , وعدنا الى شقتنا بعد عناء الرحلة القاسية والذكريات المريرة .. وأملت ان تخرج العودة لمصر الحزن من قلب زوجي لأني لم أعد أتمنى شيئا من الحياة سواه لرعاية طفلي أما أنا فقد انتهيت ولا يستطيع أحد أن يمحو من ذاكرتي ما مر بي . لكن الأيام مضت يا سيدي وزوجي يلتهمه الحزن ويتدهور أكثر وأكثر وقد مضى على عودتنا الآن أكثر من شهر وهو لا يغادر الصالون ليلا ولا نهارا وينام على الأرض ولا ينظر إلي ولا انظر إليه . أما سبب إرسالي هذا الخطاب لك هو ان زوجي يحب آرائك كثيرا وقد رأيته يكتب ورقة ثم يمزقها فلملمت أجزاءها بغير أن يعرف وقرأت فيها رسالة كان يكتبها إليك ثم غير رأيه وكان يقول لك فيما معناه : انه فقد الإحساس بالرجولة لأنه لم يفعل شيئا لحماية امرأة غريبة ولا حتى للدفاع عن زوجته وانه لا يستطيع ان ينظر في عيني لإحساسه بأنه خاف من البندقية والموت أكثر على ضياع شرفه ويتساءل لماذا أنقذني ويقول لك انه يريد التخلص مني لأنه لن يستطيع لمسي بعد الآن ولكن بأي حجة يكون الطلاق .
                    هذا يا سيدي سبب إرسالي هذا الخطاب إليك ولا اعرف إذا كان ستغضبه كتابتي إليك ام لا .. لكني أتساءل معه لماذا أنقذني ولم يدعني للموت نزفا بعد ان مت روحا من قبل , وأتساءل هل ما حدث كان عقابا لي على ذنب لا اعرفه ام عقابا لزوجي على شيء ارتكبه في شبابه وهل تعلم انني بدأت اشك في زوجي بل في ابي وفي احتمال ان يكون ما حدث لي عقابا من الله على شيء ارتكبه في حياته أحدهما , لان الله سبحانه وتعالى عادل ولا يعاقب أحدا بغير جريمة ام ترى انه ابتلاء من الله علينا ان نصبر عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله . ان كان ابتلاء فاني صابرة لكني انتهيت ولولا الخوف من الله عز شانه لكان الانتحار .. ولكن ابعد الصبر نموت كافرين؟؟
                    أعود لاستكمال الرسالة ..
                    فلقد بكيت .. ولا اعرف هل كنت ابكي على شرفي ويالها من كلمة؟ أم ابكي على وليدي الذي ضاع مني في رحلة الهوان أم ابكي على زوجي الذي يقتله الهم والحزن كل يوم ام ابكي على طفلي الآخر الذي يفتقد ابتسامة الأب والأم ولم يعد يرانا إلا واجمين , أم ابكي على أحلامنا الضائعة في حياة سعيدة أم ابكي على حالي وحيرتي وأنا لا اعرف هل أطلب الانفصال .. وان فعلت فماذا عن ابني وأخوتي وكلام الناس .. وان لم افعل فكيف تستمر الحياة هكذا؟ انني لا اعرف ماذا سيقول زوجي بعد نشر خطابي بهذه الصراحة .. لكن عزائي أننا كنا عدة طبيبات لهن مثل ظروفي وممكن أن تتوه القصة بيني وبينهن وبين كثيرات غيرنا , وعزائي أيضا أني في حالة من الحزن واليأس لن تتحملها صحتي طويلا لهذا فقد كنت أريد زوجي لابني , وكان يراودني هذا الأمل انه يحبني و إلا لما أنقذني وأحضرني معه وقد كان في مقدوره ان يتركني أموت- كما فعل زميل له ترك زوجته رغم أنها تحملت وكانت في صحة معقولة وتركها لأنه لا يطيقها بعد ما حدث لها .. طبعا نذل (ولكن نعذره أيضا لأن عذره أكيد)..
                    وهذا ما يحيرني في زوجي فكيف أنقذني , وكيف يريد الآن التخلص مني , انني لست المشكلة , فانا قد انتهيت وضعت وما جري قد كان .
                    لكن المشكلة هي زوجي , إني أريدك ان توجه له كلمات تحاول بها مسح جراحه و أن تقول له بأنه رجل كريم فاضل , ماذا كان يستطيع ان يفعل وزميله قد مات بجواره والرصاص في صدره , وإن ابنه يحتاج إليه أكثر مني , وشكرا لك على صبرك على قراءة قصتي التي أقول من كل قلبي ليتها كانت قصة قرأتها في كتاب أو شاهدتها في تمثيلية تليفزيونية ولم تكن قصة حقيقية أنا بطلتها وضحيتها ولا حول ولا قوة إلا بالله .



                    .............................................
                    .................................................. .................................

                    والرد غدا ان شاء الله

                    تعليق


                    • #12
                      رد: قصص أبكتنى ... متجدد يوميا بإذن الله

                      9

                      الثمن القاسي


                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


                      سيدي قد لا تهتم لرسالتي لكني أرجو أن تنشرها لعلها تكون عظة لغيري من السيدات اللاتي يسرن في غيهن مع أزواجهن فأنا سيدة في الخامسة والأربعين من عمري منحني الله جمالا ملحوظا وترعرعت في أسرة محافظة‏,‏ والدي يعمل في مجال التجارة ومتيسر ماديا ووالدتي ربة منزل من الطراز الأول‏,‏ لكني كنت أعاني من مشكلة ألا وهي أن والدي رجل محافظ ووالدتي كذلك‏,‏ فلم يكونا يسمحان لي بالخروج مع صديقاتي أو زملائي في الدراسة‏,‏ مع العلم أنني كنت في إحدي أرقي المدارس وهي مدرسة مختلطة‏.‏



                      ومرت بي الأيام وأنا بداخلي تمرد علي تلك القيود حتي ساقتني الصدفة في إحدي المناسبات العائلية إلي التعرف بشاب يكبرني بخمسة أعوام وكنت حينها في السنة الثانية بالجامعة ووجدته يعمل بوظيفة مرموقة ووضعه المالي جيد‏.‏



                      الغريب في الأمر أن هذا الشاب وقع في غرامي وأحبني حبا غير عادي‏,‏ وأنا لا أدري ما السبب‏,‏ فكنت أقنع نفسي بأنه يحبني بسبب جمالي أو روحي المرحة أو لأنني لقطة لا يمكن أن يجد مثلي في الدنيا بأسرها‏.‏ ومرت الأيام واحسست أني أحبه أو ربما وجدت فيه الخلاص من القيود المفروضة علي في وسط أسرتي‏.‏


                      المهم تقدم هذا الشاب للزواج مني وعاني الأمرين من أسرتي لكنه صمد حتي تزوجنا ومرت بنا الأيام سعيدة وهانئة فهو لم يقصر معي في شيء ورزقنا الله بولدين وبنت حتي تكتمل سعادتنا‏.‏


                      إلا أن الظروف الاقتصادية كانت أقوي من إمكانياته المادية وهو راض بتلك الحياة لكن تطلعاتي كانت أكبر من ذلك‏,‏ فعرضت عليه أن أعمل فوافق وتمكنت من العمل في إحدي شركات البترول الأجنبية وصار دخلي أضعاف دخله وكنت انفق معظمه علي المنزل والباقي علي ملابسي واكسسواراتي‏,‏ حتي الآن لا توجد مشكلة‏.‏


                      توالت الأيام فوجدتني أقارن بين زملائي وبينه‏,‏ فهذا يهدي زوجته الماس‏,‏ وهذا الذهب‏,‏ أما زوجي فلم يهدني سوي الحب والحنان فتمردت عليه وحولت حياته إلي جحيم وضغطت عليه حتي يطلقني بكافة الصور علي مدي سبعة أعوام وهو صابر ومحتسب عند الله فكنت أخطئ في حقه وهو يرجوني أن اسامحه ودائما يدعو لي بالهداية‏,‏ ويقول لي حرام أن ننفصل حتي علشان خاطر الأولاد ولم يدخر جهدا لإسعادي وأنا لا أبالي‏.‏


                      وتمر الأيام وأنا في غيي القديم وهو في الجحيم‏,‏ حتي أتي يوم كنت حينها في السابعة والثلاثين فدخل المنزل وهو مرهق من عمله وكالعادة قابلته بوجهي المتجهم وبالتحفز المعتاد لإختلاق المشاكل‏,‏ فنظر في وجهي وقال لي أنا غير مستعد للمجادلة اليوم فقد تعبت من حالي وما أنا فيه‏,‏ لقد صبرت عل الله يهديك‏,‏ لكنك لا تريدين الهداية‏,‏ ويكفيني ما فعلته حتي الآن‏,‏ لقد نجحت في جعلي لا أحبك ودعا لي بالهداية وأضاف أنه سوف يتركني وهو مضطر لذلك وألقي علي يمين الطلاق وجمع ملابسه وغادر المنزل‏.‏


                      لا اخفي عليك سيدي لقد شعرت بالسعادة فأنا الآن حرة من قيود والدي‏,‏ وقيود الزوج‏,‏ فصرت أخرج‏,‏ أذهب وأعود‏,‏ دون رقيب وأمثل دور الشهيدة أمام الناس حتي لا تسوء صورتي‏,‏ وتكشفت الحقائق فبدأت صديقاتي في الخوف علي أزواجهن مني وبدأ زملائي في التودد لي حتي إن أحدهم عرض علي الزواج العرفي وأنا مصدومة مما يجري حولي‏.‏



                      نسيت أن أخبرك أن أولادي بقوا معي فهم في أرقي المدارس وثلاثتهم متفوقون جدا فقد ورثوا ذكاء والدهم وكنت أقنع نفسي أن تفوقهم بسبب تلك المدارس اما هو فلم يقصر في واجباته نحوهم‏,‏ فكان يحدثهم هاتفيا بالساعات‏,‏ ويحضر لهم الهدايا‏,‏ ويزورهم في المنزل في حالة عدم وجودي ويأخذهم عنده في عطلته حتي يخرجوا وأحيانا يسافرون معا‏.


                      ‏ والحق يقال إنه لم يذكرني بسوء أمامهم في يوم من الأيام حتي إن الولد الأكبر سأله لماذا لا يعيش معنا‏,‏ فقال له إنه أخطأ في حقي وبالتالي فهو يدفع الثمن‏.‏



                      وعندما أفقت من غيي وعرفت أني ظلمت هذا الرجل نادر الوجود حاولت أن أعود إليه وقابلته وحاولت استمالته بشتي الطرق‏,‏ فكان رده علي أنه لم يحب أحدا مثلي ولن يحب أحدا مثلي‏,‏ لكنه لن يعود لي مرة أخري فقد تحمل ظلمي له كثيرا حتي بات لا يستطيع أن يتحمل المزيد وكالعادة دعا لي بالهداية وتركني‏.‏


                      حاولت أن أجعل اشقاءه وهو يحبهم ويحترمهم أن يقنعوه بالعدول عما في رأسه ورفض تماما‏.‏


                      ومنذ عامين اكتشفت أني مصابة بالمرض العضال ولم لا فأنا ادخن وأسهر واتناول المهدئات ولا اتحكم في انفعالاتي‏.‏


                      ولم أجد أحدا بجواري‏,‏ فزملائي زاروني في المستشفي وتركوني وكانوا يكلمونني في الهاتف ووالدي توفيا حزنا علي زوجي وليس علي‏,‏ فهو لم يقصر في حقهما وكان احن عليهما مني أنا وشقيقتي المهاجرة مع زوجها وشقيقي المشغول علي طول فلم أجد بجواري أحدا غيره‏.‏



                      لقد عاد إلي المنزل وأخذ اجازة من عمله فكان يراعي الأولاد ويراعيني حتي خرجت من المستشفي‏,‏ فترك المنزل وكان يأتي ليصطحبني للعلاج الكيميائي ويساعدني لكنه رفض أن يعود لي وأنا لم أطلبها منه‏,‏ فقد أضعته مني ويجب أن اتحمل النتائج‏.‏


                      إنني لا أناشدك أن تقنعه بالعودة لي‏,‏ لكني أناشدك أن تنشر رسالتي علها تكون عظة لغيري فلا تقع فيما وقعت فيه وأناشد كل سيدة لها زوج يحبها أن تتمسك به قبل فوات الأوان‏.‏


                      ارجوك أن تحقق لي رغبتي أنا في مرضي وتنشر رسالتي علها تمنع خراب بيت فيثيبني الله عليها ويغفر لي ما كان مني‏.‏

                      الرد :

                      *‏ سيدتي‏..‏ أحيانا أجدني عاجزا عن الرد أو التعليق علي رسالة من قارئ‏,‏ تفيض صدقا وحكمة‏,‏ مثل رسالتك‏,‏ فأري أن نشرها كاف‏,‏ وأن أي كلمات مني لن تضيف لتلك المعاني التلقائية التي تمنح أصدقاءنا عن بعد‏,‏ النصيحة المخلصة‏,‏ أو تنير دروبا أظلمت أو أوشكت علي الاظلام‏.‏



                      انها البدايات الخاطئة سيدتي‏,‏ هي التي تقود حتما إلي مثل تلك النهايات‏,‏ وأقصد بالبداية تلك العلاقة بين الأبوين والأبناء‏,‏ فتحول الحرص إلي قيود‏,‏ والحب الكبير منهما إلي رغبة مراهقة في الهروب من حصار هذا الحب وطرق التعبير عنه‏.


                      ‏ إنها القيود التي تحدثت كثيرا عنها‏,‏ وأدمنت التمرد عليها بكل الطرق‏,‏ فاخترت الزوج لتهربي من قيود والديك‏,‏ ووجدت في نفسك عروس لقطة لن يجد في الدنيا مثلي‏,‏ فعشت معه ولديك احساس بالتفضل عليه‏,‏ وسقطت في دائرة المقارنات‏,‏ الماس والذهب في مواجهة الحب والحنان‏,‏ أيهما أربح؟ خرجت إلي الحياة العملية‏

                      براتب أعلي من زوجك الطيب‏,‏ فزاد إحساسك بالتميز عليه‏,‏ ولم ينجح وجود أطفال ثلاثة بينكما‏,‏ ولا حسن عشرته ومحبته لك في هزيمة تمردك الذي نما في داخلك منذ سني مراهقتك‏,‏ فأشعلت في بيتك حريقا‏,‏ وقررت أن تفري مما سميته قيودا‏,‏ فاخترت تعذيب زوجك الذي لم يستجب الله لدعائه المتكرر ربنا يهديك‏,‏ لأن الله سبحانه وتعالي يهدي من يشاء‏,‏ وأنت لم تكوني راغبة في تلك الهداية.



                      ‏ فكان ما كان‏,‏ وخرجت من وهم القيود‏,‏ من الحب والحنان‏,‏ إلي زوجات خائفات منك علي أزواجهن‏,‏ ورجال طامعون‏,‏ وبعد أن أفقت وعرفت وفهمت أن الحب والحنان لا يقارنان بأموال الدنيا‏,‏ لأنها لا تشتري لحظة سعادة أو أمان‏..‏ بالمال والماس‏,‏ يمكنك أن تجمعي حولك الكثيرين‏,‏ ولكنك لا تستطيعين دفع ثمن قلب محب مهما امتلكت من ثروة‏.‏ فالمال يشتري المال‏,‏ أما الحب فلا يأتي إلا بالحب‏.‏



                      إنها المعادلة الصعبة‏,‏ التي لا يفهمها كثيرون‏,‏ والبعض يفهمها بعد فوات الأوان‏,‏ واعتقد أن تجربتك القاسية مع المرض العضال ـ شفاك الله ورفع عنك ـ كشفت لك هذه الحقيقة وجسدتها‏.‏



                      سيدتي‏..‏ علي الرغم من محاولاتك استعادة زوجك السابق‏,‏ قبل مرضك‏,‏ ورفضه المبرر‏,‏ خشية أن يتعذب مرة أخري‏,‏ ومع ذلك لم تجدي معك وحولك سواه‏..‏ وعلي الرغم من أنك لم تطلبي مني مناشدته العودة إليك‏,‏ إلا أني استشعر هذه الرغبة الصادقة منك‏,‏ وأجد في نفسي رغبة أشد‏.


                      اعتقد أنها ستكون لدي الجميع وهي مناشدة زوجك السابق‏,‏ أن يعود إليك‏,‏ محتفظا بمحبته وسماحته‏,‏ موقنا أنك تعلمت الدرس‏,‏ وقدرت قيمة حبه‏,‏ خاصة أن عودته إليك ستساهم إلي حد كبير في إسعادك وزيادة مناعتك لتعينك علي مواجهة هذا المرض القاسي‏,‏ فهل يفعل ويدخل الفرحة إلي قلوبنا مع قلبك وقلب أبنائه الثلاثة؟‏!.‏

                      على امل ان يعود
                      التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ أحمد المصرى; الساعة 14-04-2013, 04:23 PM.

                      تعليق


                      • #13
                        رد: قصص أبكتنى ... متجدد يوميا بإذن الله

                        الواجب الثقيل‏!‏
                        أريد أن أكتب لك تجربتي لعلي بذلك أتخفف من بعض مايضيق به صدري‏..‏ فأنا رجل في أواخر الثلاثينيات من العمر‏,‏ نشأت في أسرة لها جذورها الريفية وعاداتها التي تتمسك بها بالرغم من اقامتها بالقاهرة‏..‏ ولقد تفتح وعيي للحياة فوجدتني أعيش بين أبي وأمي واخوتي في مسكن بالدور الأول من بيت صغير‏,‏ وعمي يقيم في الشقة التي تقع أسفل شقتنا بنفس البيت‏,‏ والعائلتان تتشاركان وتتبادلان المودة وتجمع بينهما دائما أوثق الروابط‏..‏ ولم يكن لعمي هذا سوي ابنة وحيدة تصغرني في العمر بسنة واحدة‏,‏ فسمعت منذ صباي من يقول أمامي إنها عروس المستقبل بالنسبة لي‏..‏ فاتجهت إليها مشاعري في بداية الشباب‏,‏ وبادلتني هي هذه المشاعر باخلاص حتي صار مشروع ارتباطنا بالزواج في المستقبل أمرا مفروغا منه بالنسبة للأسرتين‏..‏ وتدرجنا معا في التعليم حتي حصلنا في نفس العام علي الثانوية العامة‏,‏ فرشحها مجموعها للالتحاق بكلية التجارة‏..‏ أما أنا فلم يؤهلني مجموعي سوي للالتحاق بمعهد فني تجاري‏,‏ فاذا بمشاعري تجاهها تبدأ في التغير ربما بسبب احساسي بالفرق بيني وبينها في مستوي الدراسة‏,‏ وربما لأسباب أخري لا أعيها جيدا‏..‏ المهم أن مشاعري تجاهها قد تغيرت منذ ذلك الحين وبدأت أشعر بأن ارتباطي بها واجب عائلي ثقيل لا أرغب في اتمامه‏,‏ أما هي فلقد زادت الأيام من ارتباطها بي وحبها لي‏,‏ وتخرجت في معهدي والتحقت باحدي الادارات الحكومية‏,‏ وأوشكت ابنة عمي علي التخرج في كليتها‏,‏ وبدأت الأسرتان تنتظران تحديد الموعد المناسب لاتمام الزواج‏,‏ ففاجأت أبي برغبتي في فك هذا الارتباط والتحلل منه‏,‏ لأني لا أري في ابنة عمي صورة فتاة أحلامي التي أريدها لنفسي‏,‏ ورفض أبي ذلك بشدة وانزعج له كثيرا واتهمني بالرغبة في التفرقة بينه وبين شقيقه والاساءة إلي ابنته الوحيدة‏,‏ وحدثت بسبب ذلك مشاكل كثيرة بيني وبين أبي وأمي واخوتي‏,‏ وعلا صوت أبي أكثر من مرة خلال هذه المشاجرات فكان عمي يصعد إلي شقتنا ليفض النزاع بيننا ويتدخل لتهدئة الأمور بالكلمة الطيبة‏,‏ وينهي أخاه عن أن يعنفني لأنني قد صرت رجلا‏,‏ فكنت أشعر بالخجل والحيرة في نفس الوقت وأتساءل تري ألم تتطاير بعض الكلمات عن أسباب الخلاف بيني وبين أبي إلي مسكنه في الدور الأسفل؟
                        وأصر أبي اصرارا شديدا علي ألا أتحلل من ارتباطي بابنة عمي‏,‏ وتخرجت هي في كليتها وعملت‏,‏ وبعد عملها بفترة قصيرة رحل والدها عن الحياة موصيا أبي خيرا بوحيدته‏,‏ فازداد اصرار أبي علي اتمام زواجي منها معتبرا ذلك أمانة سوف يسأل أمام خالقه عن أدائها‏,‏ وبعد عام من وفاة أبيها تزوجت ابنة عمي التزاما بوعد أبي له برعاية وحيدته‏,‏ وقياما بالواجب الثقيل الذي فشلت في الافلات منه‏,‏ وبدأت حياتي معها متأففا وساخطا‏,‏ ومتحفظا في مشاعري تجاهها وأقمت معها في مسكن أبيها مع والدتها‏,‏ ومضت الأيام بنا عادية‏,‏ أعيش معها بلا حماس‏,‏ ولا مشاكل في نفس الوقت‏,‏ وتراودني الأماني في أن تضيق هي ذات يوم بفتوري معها فتطلب الطلاق‏,‏ فيكون الرفض من جانبها وليس من جانبي‏,‏ لكنها لم تضق بي للأسف‏,‏ ولم تشكني لأمي أو لأبي‏,‏ وانما صبرت علي برودي معها‏,‏ وتسامحت معي دائما‏,‏ وتعاملت معي برفق وهدوء‏,‏ ورضيت بكل ما أفعل وكأنه قدر مقدور لايقبل المناقشة‏,‏ وتأخر الحمل عامين وبدأ الأهل يشعرون بالقلق بسبب ذلك‏,‏ فكنت لا أتردد في أن أقول للجميع انه لاعيب في‏,‏ وانني لست مسئولا عن عدم حملها‏,‏ عسي أن يكون ذلك سببا لطلبها الطلاق‏,‏ لكنها لم تغضب لذلك‏,‏ ولم تثر ولم تفصح عن أن زهدي فيها هو السبب الأساسي لعدم الحمل‏,‏ حيث لم يكن لقائي بها يتعدي بضع مرات في السنة كلها‏.‏
                        ثم أذن الله بالحمل‏,‏ فضقت به ذرعا وتمنيت أن يكون الأخير وأنجبت زوجتي طفلة سعدت بها كثيرا وانشغلت بأمرها عني واسترحت لذلك ثم خطر لي أن أفتعل مشكلة جديدة معها عسي أن تكون هي المشكلة القاضية هذه المرة‏,‏ وتطلب الطلاق مني‏,‏ فاعترضت علي عودتها لعملها بعد فترة رعاية المولودة‏,‏ وخيرتها بين العمل وبين الحياة الزوجية‏,‏ فاذا بها لاتتردد في التخلي عن عملها والتفرغ للأسرة‏!‏
                        ومضت بنا الحياة علي هذا الحال‏,‏ وعلاقتي بها عادية ولا مشاكل ولا مشاجرات ولا خلافات بيننا‏,‏ لكني بعيد عنها بمشاعري وأفكاري وخواطري‏,‏ وبعيد عنها أيضا عاطفيا وجسديا‏,‏ فلاحظت أنها تكثر من الصوم والصلاة‏,‏ حتي لتصوم يوما وتفطر يوما معظم أيام السنة‏,‏ وتقوم الليل‏,‏ ولا تتواني بالرغم من ذلك عن تلبية احتياجاتي اذا رغبت فيها‏..‏ وبسبب قلة لقاءاتنا الزوجية التي لم تزد بعد الولادة علي أربع مرات كل سنة‏,‏ فإن الحمل لم يتكرر مرة أخري وبدأ أهلي يعبرون عن أمنيتهم في أن أنجب لطفلتي أخا أو أختا‏,‏ وتحدثوا إليها في ذلك فلم تشك بعدي عنها وانما التزمت الصمت‏,‏ وشاركتهم أمنيتهم الغالية‏,‏ وألح علي والدي في الانجاب مرة أخري‏,‏ فاتجهنا إلي الطبيب وبعد الفحوص المألوفة سألني عن طبيعة علاقتي بزوجتي فزعمت له علي استحياء أنني دائم السفر ولا أرجع إلي بيتي إلا لبضعة أيام كل عدة شهور‏,‏ فطمأننا إلي أنه ليست هناك موانع تحول دون تكرار الحمل وحدد لنا مواعيد اللقاءات المناسبة له‏,‏ وحدث الحمل بالفعل فاعتبرت أنني قد أديت واجبي الإنساني تجاهها ورجعت إلي سابق تجاهلي لها‏,‏ وتابعت هي الحمل مع طبيب خاص‏,‏ فتعجب لارتفاع ضغطها مع عدم وجود سبب عضوي لذلك‏,‏ ونصحها بتجنب القلق والتوتر في حياتها لكيلا يؤثر الضغط المرتفع علي الجنين‏,‏ وعملت هي بنصيحته فطلبت مني أن تنتقل هي ووالدتها للاقامة مع والدتي في الشقة العليا وأن أقيم أنا مع شقيقتي الصغري التي لم تتزوج بعد في مسكن الزوجية حتي موعد الولادة‏,‏ فتحظي بذلك بعناية والدتها ووالدتي‏,‏ وتتجنب من ناحية أخري أسباب القلق والتوتر التي ترفع ضغطها خلال شهور الحمل‏,‏ واسترحت لهذا الحل الذي سيتيح لي أن أعيش منفردا لمدة‏4‏ أشهر‏,‏ ومضت الأيام بنا وأنا مشغول بأمري عنها وهي مشغولة بأمرها وبطفلتها إلي أن احتجت منذ فترة قصيرة إلي وثيقة عقد القران لكي أقدم صورة منها مع طلب الحصول علي مسكن مستقل في مشروع الاسكان للمتزوجين الذين يقيمون مع أسرهم‏,‏ فأرسلت لي زوجتي من الدور العلوي مفتاحا لدرج مغلق دائما في تسريحتها وتحتفظ فيه بأوراقها المهمة ومنها وثيقة الزواج‏,‏ وفتحت هذا الدرج المغلق وأخرجت الوثيقة لكني وجدت إلي جوارها أوراقا كثيرة بخط يد زوجتي علي هيئة رسائل أو كتابات‏,‏ فدفعني الفضول بل وسوء الظن أيضا من أثر ما أقرؤه عن خيانة بعض الزوجات‏,‏ لقراءة هذه الأوراق‏,‏ خاصة أن ظروفها قد ترشحها لذلك بسبب فتوري معها وزهدي فيها‏,‏ فقرأت هذه الأوراق في وجل واضطراب فاذا بي أجدها عبارة عن كتابات وشكاوي طويلة ومريرة إلي الله سبحانه وتعالي من حالي معها‏..‏ وجفائي لها وفتور مشاعري تجاهها بالرغم مما تحمله لي من حب كبير عجزت رغم مرور السنين عن أن تتخفف منه أو تقتله في نفسها‏,‏ وكانت تختتم شكاواها في كل رسالة بالآية الكريمة وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون‏..‏ معترفة بذلك بظلمها لنفسها بحبها لي منذ صباها واحتفاظها بهذا الحب بالرغم مما أبديه نحوها من جفاء وفتور وتجاهل‏,‏ حتي أنها لاترجو من ربها شيئا إلا أن يزوجها لي في الآخرة بعد أن أكون قد تخلصت من أخلاق البشر في الدنيا‏..‏ وعرفت الحب والعطاء والاخلاص لمن يحبني‏,‏ فتظفر معي في الدار الآخرة بالسعادة التي حرمتها منها في الدنيا‏!‏
                        وذهلت لما قرأته‏,‏ وتساءلت خجلا ومضطربا‏:‏ أبعد كل مافعلته بها لاتريد زوجا لها سواي في الدنيا وفي الآخرة؟
                        ثم قرأت في صفحات أخري من أوراقها حديثا مؤلما عما تعانيه عن احتياجاتها العاطفية والحسية وما تحس به من حرمان منها‏,‏ وكيف تستعين علي ذلك بالصوم والصلاة أكثر أيامها وكأنها امرأة غير متزوجة‏!!‏ وقرأت في رسالة أخري عن أملها في أن ينصلح حالي ذات يوم‏,‏ وعن سعادتها بالرغم من عدم اهتمامي بها بأنني لا أهتم بامرأة أخري غيرها‏,‏ ولا أخونها‏,‏ وهذا هو الشيء الوحيد الذي قدمته لها بالفعل منذ تزوجتها‏.‏ وقرأت في رسالة ثانية عن حيرتها فيما تفعل لكي تقربني منها وتساؤلها الممرور‏:‏ تري هل تدهن نفسها عسلا لكي تجتذبني إليها؟‏..‏ وماذا يكون الحال لو تذرعت أنا حينذاك بأنني لا أحب العسل؟
                        وقرأت وقرأت وقرأت‏..‏ واكتشفت كم هي رقيقة المشاعر وأنا الذي أتهمها في جهلي بالتبلد وعدم الاحساس بأي شيء‏!‏ وجلست بعدها لفترة طويلة أراجع شريط حياتي معها منذ عرفتها‏,‏ وتذكرت في غمار ذلك أنني منذ انتقلت إلي الحياة معها في هذه الشقة السفلية قد اكتشفت من الأيام الأولي أنني أسمع بغير تعمد من جانبي أية أصوات مرتفعة قليلا تتردد في مسكن أسرتي بالدور العلوي‏,‏ وأدركت أن كل مادار بيني وبين أبي من مشاجرات بسبب رفضي الزواج من ابنة عمي قد تسرب إلي الشقة السفلية وعلمت به زوجتي في حينه وعلم به أيضا عمي وزوجته‏,‏ ومع ذلك فلم ترغب عني ولم ترفضني‏,‏ وتزوجتني وعاشت معي كل هذه السنوات وهي علي علم بموقفي السابق منها‏,‏ وشعرت بالخجل والأسف‏,‏ وبعد تفكير طويل نهضت من مجلسي صاعدا إلي الشقة العليا‏,‏ وطلبت من زوجتي في حزم وحنان الدنيا كله في صوتي وعيني أن ترجع للاقامة معي في عش الزوجية لأني أريد رعايتها بنفسي في فترة حملها‏,‏ وأريد أن تكون إلي جواري دائما هي وطفلتي وسعدت زوجتي بهذه الرغبة كثيرا وطفر الدمع من عينيها‏,‏ ونهضت علي الفور تجمع حاجياتها وتستعد للعودة لبيتنا بالرغم من تحذير الطبيب لها من بذل أي مجهود‏,‏ ولم تستمع لنصيحة والدتي لها بالصبر حتي الصباح لكي تتمكن من جمع أشيائها بغير عجلة‏..‏ وعادت زوجتي إلي بيتها ووجدتني أحبها كما كنت أحبها في صباي‏,‏ وقبل أن يركبني العناد والشيطان ويزهدانني فيها‏..‏ انني لم أكرهها أبدا ياسيدي وأرجو أن تصدقني في ذلك‏,‏ لكني فقط كنت أشعر بالفتور تجاهها‏,‏ وقد تخلصت من هذا الفتور الآن والحمد لله وتغيرت معاملتي لها تماما بعد هذا اليوم‏,‏ وأصبحت الآن أستعجل الساعة لكي تنقضي مواعيد العمل وأرجع إلي زوجتي وأهتم بها‏,‏ وبصحتها‏,‏ وبحياتي معها‏..‏ وانني أكتب إليك لأسألك كيف أستطيع تعويضها عن سنوات الجهل والحمق والجفاء التي عاشتها معي صابرة بلا شكوي إلاإلي ربها‏..‏ وهل يتسع العمر لإصلاح كل ما ارتكبته من أخطاء في حقها‏..‏ وكيف تفسر ماشهدته مشاعري تجاهها من تحولات من الحب في الصبا وبداية الشباب إلي الفتور والضيق والتأفف في سنوات الزواج إلي الحب والعطف والحنان من جديد وبعد أن قرأت أوراقها؟

                        ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

                        يخيل إلي في بعض الأحيان أن بعض البشر يحتاجون أحيانا إلي أن ترغمهم بعض أحداث الحياة علي اكتشاف الحظ الطيب الذي خصتهم به أقدارهم دون غيرهم‏,‏ وعلي الاحتفاء بالسعادة التي ينعمون بها بالفعل بغير أن يدركوا ذلك‏..‏ غير أن بعض هؤلاء قد يتمادون في البطر العاطفي والنفسي فلا يتاح لهم اكتشاف ثروة السعادة التي خصتهم بها السماء إلابعد فقدها‏..‏ فيعجبون حينذاك لأنفسهم كيف لم يعرفوا لها قدرها ولم يستمتعوا بكل لحظة من لحظاتها حين كانت بين أيديهم‏..‏ وينوح نائحهم مع قيس بن ذريح في بكائياته لفقد لبني‏:‏
                        إلي الله أشكو فقد لبني كما شكا إلي الله فقد الوالدين يتيم وبعضهم قد تترفق بهم أقدارهم فيكتشفون جوائز السماء التي لم يقدروها من قبل حق قدرها وهي مازالت بين أيديهم‏,‏ وفي العمر متسع لتعويض التقصير في الشكر والعرفان وإصلاح الأخطاء‏..‏ ولا شك أنك من أصحاب الحظ الطيب في الحياة ليس فقط لأن الأقدار قد وهبتك هذه الزوجة المتبتلة في حبك والصابرة علي جفائك لها علي مر السنين‏..‏ وانما أيضا لأنك قد أدركت هبة السعادة قبل أن تفلت من يديك ويتعذر إعادة مياه النهر إلي مصبها من جديد‏.‏ فاشكر ربك كثيرا علي ما أتيح لك من حظ موفق في الحياة‏.‏ واشكر أقدارك كثيرا وكثيرا علي أن أدركت الفرصة قبل فوات الأوان‏,‏ وحاول بكل جهدك أن تعوض زوجتك الصابرة عن حرمانها السابق مما تستحقه من حب مكافيء لحبها لك وعطاء مماثل لنهر عطائها الدافق إليك‏..‏ فاذا كنت تسألني عن تفسيري لتضارب مشاعرك تجاهها بين الحب ثم النفور‏..‏ ثم اشتعال شرارة الحب من جديد‏..‏ فلعلي أجيبك علي ذلك بأنك قد أحببتها في البداية وأنت في فترة المراهقة التي تتسم عادة بعدم ثبات المشاعر وقلقها‏,‏ ثم ارتبط حبها لديك تدريجيا ومع بداية التحولات العاطفية التي تلي غالبا فترة المراهقة وأحاسيسها غير الناضجة‏,‏ بمفهوم الواجب العائلي الذي ينبغي عليك أداؤه وإلاانفرط عقد الأسرتين وتحملت وزر ذلك في نظر أبيك واخوتك‏,‏ فتحولت مشاعر الحب لديك تجاهها إلي الفتور والرغبة في التهرب من أداء هذا الواجب الذي لا مفر من أدائه‏,‏ ولو كان والدك قد تظاهر بالاستجابة لرغبتك وقتها في عدم الارتباط بابنة عمك‏,‏ وترك لك حرية الاختيار دون الالحاح عليك بمفهوم الواجب العائلي وتبعاته‏,‏ لجلت جولتك في الحياة لفترة قصيرة متحررا من الاحساس بقيد هذا الواجب علي ارادتك‏,‏ ثم اخترت نفس هذه الفتاة التي أحببتها في بداية الشباب‏,‏ وأحبتك‏,‏ ولكان اختيارك لها علي هذا النحو اختيارا عاطفيا ونابعا من مشاعرك ورغبتك فيها‏,‏ وليس صادرا عن الالتزام القهري بواجب يكبل ارادتك‏,‏ وهذا الفارق بين الاختيار الحر والالزام الجبري بدعوي الواجب‏.‏ فالواجب ثقيل علي النفس بطبعه‏,‏ والاختيار الحر طائر مغرد بلا قيود ولا أصفاد‏.‏ ولهذا فلقد بدأت حياتك الزوجية مع ابنة عمك باحساس من ينفذ حكم القضاء العائلي فيه وليس باحساس من اختار شريكة حياته بملء ارادته واختياره‏,‏ فصبغ ذلك حياتك معها بالفتور والجفاء والبرود‏..‏ فاذا كانت زوجتك المحبة قد تحملت أقدارها صابرة وتعلقت بالأمل فيك إلي النهاية‏,‏ فلأن مشاعرها التي بدأت أيضا في فترة المراهقة قد صمدت للتحولات العاطفية التي تشهدها المشاعر في هذه الفترة فيما يمثل الاستثناء من القاعدة‏,‏ فأصبح حب العمر الذي اختلط بكيانها وأفكارها وحياتها ومشاعرها‏,‏ وارتبط كل ذلك لديها بالانكسار العاطفي تجاهك‏,‏ وبالانكسار الإنساني الذي عايشته بيتمها ووحدتها وقلة حيلتها‏..‏ واعتبارها لك السند الأول لها في الحياة من بعد والدها‏,‏ ولعل ذلك يفسر لك امتزاج الحب لديها بالحسرة والأنين والأمل المحروم والشكوي المريرة إلي الله سبحانه وتعالي من ظلمها لنفسها بهذا الحب الذي لم يلق ممن تحب سوي الجفاء والنكران‏..‏ أما أنت فإن شرارة الحب في نفسك تجاهها لم تولد من فراغ في تقديري وأغلب الظن أن زوجتك كانت هي أيضا الحب الوحيد في حياتك بدليل اخلاصك لها بالرغم من فتور مشاعرك تجاهها‏..‏ ويخيل إلي أن قبسا من المشاعر تجاهها كان موجودا لديك لكنه خامد ولم يجد لديك الدافع لرعايته وتجديده والقاء شحنات جديدة من الخشب إلي ناره لكي تظل مشتعلة‏,‏ ربما بسبب فتور عام لديك في المشاعر‏,‏ وربما لاطمئنانك إلي حب زوجتك لك وتمسكها بك في كل الأحوال‏,‏ غير أن الحب في النهاية كلهب المدفأة يتراقص كلما استقبل دفعة جديدة من الأخشاب‏..‏ ويخبو حتي تذوي جذوته اذا أهمله صاحبه‏,‏ فيظل الرماد في بعض الأحيان دافئا ومستعدا للاشتعال من جديد اذا وجد الرعاية اللازمة‏,‏ وهذا ما حدث لك حين تلقي رماد حبك القديم شحنة جديدة من أوراق زوجتك الناطقة بالحب والاخلاص والأمنيات الحسيرة‏..‏ فحافظ ياصديقي علي نار مدفأتك مشتعلة علي الدوام‏..‏ وانعم بما سخت عليك به الحياة من عطاء وأمان‏..‏ والسلام‏..‏

                        تعليق

                        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                        حفظ-تلقائي
                        x
                        إدراج: مصغرة صغير متوسط كبير الحجم الكامل إزالة  
                        x
                        أو نوع الملف مسموح به: jpg, jpeg, png, gif
                        x
                        x
                        يعمل...
                        X