إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب // مفهرس

    بسم الله الرحمن الرحيم
    شرح كتاب/ مدارج السالكين
    الشيخ محمد حسين يعقوب
    تفريغ الحلقات من الأولى وحتى السابعة
    مع تحيات مسجد نور الإسلام



    تفريغ الحلقة الأولى
    أحبتي في الله .. ابتداءً لأننا نبدأ هذه الرحلة و هذه حلقتها الأولى ، فلابد أن أؤكد تماماً أنني أحبكم في الله ، إخوتي هذا التأكيد له أهميته في هذا الموضع اليوم ، أن كلمة إني أحبكم في الله ليست لزمة من لوازم المشايخ ، أنه كلما بدأ قالها ،و إنما أنا أحبكم في الله حقيقةً و الله .. و حين أقسم لا يمكن أن أحنث أو أتأثم ، فحبي لكل مسلم في الله هذا ثابت و حبي لمن أخاطبهم الآن و يسمعونني فلا شك أنه حب أخص لأننا نجتمع على هدف و هو كيف نصل إلى الله ، كيف ندخل الجنة ، كيف نقيم الدين في أنفسنا ، و لذلك أيها الأخوة فإنني – و سامحوني – سأبدأ معكم من البداية الصحيحة من البداية الحقيقية سأبدأ معكم فعلاً من أول الدين .. لماذا خلقنا الله ؟! لا شك أيها الأخوة كل الناس يعرف إجابته كل الناس بلا إستثناء يدرك أهميته أقصد كل المسلمين ، كل المسلمين يجيبونك بفطرة على هذا السؤال لماذا خلقنا الله ؟! يقولون : لقد خلقنا الله لكي نعبده والدليل قال سبحانه و تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات : 56] فبناءً على إجابة هذا السؤال يأتي السؤال التالي مباشرة : هل نحن قوم نعبد الله ؟! ، هل أيها الأخوة أنت الذي خلقك الله لعبادته تعيش عبادة لله ؟! هل تعيش حياتك عبادة ؟! هل نحن قوم نعيش لله ؟! ، سؤال و ينبغي ألا أطرح السؤال بصفة إجمالية أو بصفة عامة و إنما أخص كل إنسان يسمعني الآن أو يراني بهذا السؤال تحديداً .. هل أنت تعيش حياتك لله ؟! هل حياتك جميعها لله سبحانه و تعالى ؟! أم أن حياتك هذه تعيشها لشهواتك لأهوائك ؟! سؤال لك شخصياً أنت تحديداً .. نعم .. هل أنت و أنت و أنت و أنت .. هل أنت تعيش لله ؟! أم أنك تعيش لأمل عريض رسمته في حياتك و أنت تعيش له أن تكون كذا أو تملك كذا أو أن تصير كذا ؟!
    إخوتي .. إنها قضية الفهم ! لأنني حين قلت هذا الكلام الآن سيبتدرني بعضهم ليقول : يا شيخ هل تطالبنا أن نجلس في المساجد و نلبس المرقعات و نترك الدنيا ؟!
    ماذا يريد الدين منا تحديداً هذا هو السؤال ؟! إذن تحديداً أن يسأل كل منا ماذا يريد الله مني ؟! .. أيها الأخوة ضربتها أمثلة ، ما هو المطلوب من المسلم أن يكون غنياً أو أن يكون فقيرا ؟! .. ما هو المطلوب من المسلم أن يكون خاملاً أو أن يكون مشهوراً ؟! ما هو الأفضل عند الله للمسلم أن يكون ممّكناً أو يكون مستضعفاً ؟! ما هو المراد من المسلم أن يكون ملكاً أو أن يكون عبداً ؟! هذه هي القضية ، قضية فهم الدين ، إنما نعاني في زماننا الحاضر كمسلمين من مشكلة في الفهم ، نعاني من أزمة في الفهم ، سؤال .. هل نحن نملك فهماً عميقاً للإسلام نعيش به ؟! هذا هو السؤال .. الملايين من المسلمين الجغرافين الذين يعيشون على ظهر الأرض اليوم هل هم يملكون فهماً عميقاً للإسلام ؟! ما هو الدين ؟! ما هو التدين ؟! ما هو التمسك بالدين ؟!
    تجد أحدهم يقول : لحية و قميص قصير !!
    أخر يقول لك : لا .. المسألة ليست مسألة لحية ، انا اعبد الله أصلي ، أقرأ قرآن ، أقوم الليل ، أصوم ، أتصدق و أبر الوالدين هذا هو الدين !!
    و ثالث يقول لك : لا الموضوع ليس موضوع صلاة .. طالما القلب طيب و أبيض فأهم شيء القلب !!
    و رابع يقول لك : لا قلب و لا صلاة .. انا لا أؤذي أحداً .. هذا هو الدين !!
    ما هو الدين في وسط كل هذا الكلام و اللغط ؟! خصوصاً بعد أن حدثت ثورة الإتصالات ، أن كل الناس ترى كل شيء و تسمع كل شيء .. فأنت اليوم تسمع الآلاف المؤلفة الذين يتكلمون عن الدين في الفضائيات و في الجرائد و المجلات و الإذاعات و الأشرطة و على الإسطوانات المدمجة و على شبكة الإنترنت .. مولد .. أين الدين - دين الإسلام - ؟! أين الفهم الصحيح لهذا الدين ؟! أيها الأخوة أنا لا أزعم إحتكار هذا الفهم كشخص و إنما نقول أين فهم النبي للدين ؟! أين فهم أصحابه للدين ؟! هذا هو الفهم الملزم ... كثير من الشباب يفرح بالدليل .. الكتاب و السنة .. و هذه القضية أيها الأخوة ليست مجرد : هذا هو الدليل الكتاب و السنة .. و إنما بفهم السلف .. هذا القيد مهم و خطير .. فهم الرسول صلى الله عليه و سلم و أصحابه و التابعين و أتباع التابعين ليس لأنني أقول ذلك و لكن لأن الله قال ذلك ..
    قال الله تعالى : ( فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [البقرة : 137]
    و قال : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [التوبة : 100]
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : << فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة >> [سنن أبي داوود ، قال الشيخ الألباني : صحيح]
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : << تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي >> [صحيح و ضعيف الجامع الصغير ، تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 2937 في صحيح الجامع]
    أخوتي إذا وضعنا هذه الركائز في الفهم فكيف نفهم الدين ؟! ، أنا أحبكم في الله هذه مقررة مكررة .. ولذلك لا تغضب مني إذا أخشنت عليك الكلام ، لأنه من منبع الحب في الله ، فلذلك أقول أيها الأخوة لكي نفهم الدين لابد أن نملك خارطة للفهم – خريطة – هذه الخارطة هي خارطة الدين ، إن لهذه الخارطة شروط ثلاثة :
    أولها: يوضع عليها الدين بالكلية فلا ينتقص من الدين شيء:
    أيها الأخوة إن بعض المسلمين أثناء رسم هذه الخارطة في ذهنه أو عقله أو أمام عينيه يلغي أجزاء من الدين تكون خارج خارطة فهمه .. لسبب أو لأخر .. قد ينزع من الدين أشياء لهوى أو لضغوط أو لخوف أو لعجز .. كل هذا يؤثر في أزمة الفهم .. إذا أردنا أن نفهم دين الإسلام .. فلابد أن نضع خارطة للدين و أن نضع فيها كل عناصر الدين ..
    ثانيها: ان نضع كل عناصر الدين كل عنصر في موضعه الصحيح:
    لكي تضح لنا المسألة .. إذا وضعنا خارطة مكة المكرمة مثلاً .... فلابد أن يظهر عليها كل الجبال الموجودة في مكة و كل الطرق و كل المباني و كل المعالم .. خارطة لمكة لا تترك شيء في مكة إلا و ظهر فيها .. و يكون كل شيء في موضعه الصحيح .. الكعبة في موضعها الصحيح .. و المسجد الحرام أين تحديداً ؟! .. و أين منى بالنسبة للكعبة ؟! .. يجب أن يتضح فيها كل شيء و كل شيء في موضعه الصحيح ..
    ثالثهما: ان يظهر كل شيء على هذه الخارطة بحجمه الطبيعي الصحيح
    لأن أزمة الفهم في الإسلام لأسباب :
    · إما لأن الخارطة تكون في رأس المسلم ناقصة .. كأن يرسم الدين بدون لحية !! أو يرسم الدين و يحذف منه الجهاد !! أي يحذف منه ما يكون خارج نطاق فهمه !!
    · و قد يحدث الخطأ في الفهم لعدم وضع الأشياء في أماكنها الصحيحة ، كأن يضع أشياء في غير موضعها الصحيح ، كأن يضع بر الوالدين مقدم على الصلاة !! ومن الناس من يظن أن جمع المال أهم من الصلاة !! ، فلابد حين فهم الدين أن نضع الصلاة أين ؟ و التوحيد أين ؟ و بر الوالدين أين ؟ وقيام الليل أين ؟ و كسب المال أين ؟ و الأولاد أين ؟ و إحساني إلى زوجتي أين ؟ كل شيء في مكانه الصحيح على خارطة فهم الدين .
    · و قد يحدث الخطأ في الفهم لعدم وضع الأشياء في أحجامها الصحيحة ، فإن بعض الناس حين يفهمون الدين يضخم مسألة ، فعند تضخيم مسألة على حساب أخرى ، تصغر مسألة أخرى ، فالتضخيم و التصغير ليس من حقك !!
    إذا إتضحت هذه المسألة وجود خارطة للفهم و هذه الخارطة عليها كل شيء و كل شيء في موضعه الصحيح حيث خلق و وجد و كل شيء في حجمه الحقيقي .. فسنفهم الدين.
    أيها الأخوة بعد هذا المدخل ، و بمنتهى الهدوء ، أريد أن أضع التزكية على خارطة الدين ، فأين تقع التزكية على خارطة الدين و ما حجمها في الدين ؟
    يقال لي : و ما معنى تزكية أولاً ؟!
    التزكية أيها الأخوة ، كما يقول العلماء :
    في اللغة : هي التطهير و النماء ، وهو معناها في الشرع.
    قال سبحانه : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [التوبة : 103]
    و قال سبحانه و تعالى : ( ... وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) [فصلت 6-7]، أي الذين لا يزكون أنفسهم بالتوحيد .
    التزكية : هي تطهير القلب و تنمية الإيمان ، هذا هو معنى التزكية . والتزكية عنصر أساس من عناصر الدين ، سنضعه في موضعه الصحيح و حجمه الصحيح على خارطة فهم الدين ، عندما نعرف ما هي حجم التزكية في الدين ؟!
    أيها الأخوة .. لما دعا إبراهيم عليه السلام ربه طالباً من يخلفه في الدعوة إلى الله من ولده قال: ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) [البقرة : 129]
    فمن أهم أعمال الرسل التزكية و من مهمات الرسل التزكية ، حدد إبراهيم عليه السلام مهمة الرسول:
    · تلاوة آيات الله
    · تعليم الكتاب و الحكمة
    · التزكية
    استجاب الله هذا الدعاء بل و امتن به على المؤمنين في ثلاثة مواضع من القرآن :
    · في سورة البقرة:
    ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) [البقرة : 151]
    · وسورة آل عمران:
    ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) [آل عمران : 164]
    · وسورة الجمعة:
    ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) [الجمعة : 2]
    هل لاحظت شيء ؟!!
    ترتيب سيدنا إبراهيم في وظيفة الرسول هو: تلاوة الأيات ثم تعليم الكتاب و الحكمة ثم التزكية
    أما ترتيب الله جل و علا في الثلاث آيات هو: يتلو عليكم آياتنا ثم ويزكيهم ثم ويعلمهم الكتاب و الحكمة
    فقدم التزكية قبل العلم
    و العلماء يقولون : أن كل الشرع إنما ابتني لتزكية هذه النفس و تزكية القلب.
    · فالتوحيد تزكية: بدليل الآية التي ذكرناها : ( ... وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) [فصلت 6-7] يعني لا يزكون أنفسهم بالتوحيد ، فالتوحيد تزكية ، قال الله تعالى : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) [الزمر : 29] فتأمل !! وأنت تتأمل في هذا العصر والله عجب !! ألم تسمع عن عبدة الشيطان ؟! ألم يبلغك نبأ قوم وصلوا في التكنولوجيا الحديثة و الإختراعات إلى أفق شامخة ثم هم يعبدون البقر و تمثال بوزا ؟! وشكله كئيب ولا يمت للجمال بصلة !! ألم تر إلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم وصلوا إلى القمر في زمن الوصول و هو يعبدون أنفسهم ؟! ويعبدون فرج المرأة و الرجل ؟! هذه الشركيات دليل على قذارة النفس من الداخل و لذلك و قد رأيت في تجارب شخصية أن هؤلاء في الدول الأوروبية ، حينما كانوا يعدون لنا برنامجاً لزيارة السجون أحياناً تجد أكثر المسجونين يسلم و هذه الظاهرة هم يعترفون بها في إحصائياتهم أن هؤلاء حين يحال بينهم و بين الشهوات حين يسجن فلا خمر و لا نساء و لا مال وينفرد فيطهر !! و لذلك كان الأنبياء ينفردون بأنفسهم للعبادة ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينفرد بنفسه في غار حراء هذا الإنفراد يعني التطهير، الخروج بالنفس من ربقة عبادة الذات ، فالتوحيد تزكية .
    · والصلاة تزكية: قال سبحانه و تعالى : ( ... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) [العنكبوت : 45]
    · والزكاة تزكية: قال سبحانه و تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [التوبة : 103]
    · الصيام تزكية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [البقرة : 183] ، وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : << إذا إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني أمرؤ صائم >> [متفق عليه]
    · الحج تزكية: قال الله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ) [البقرة : 197]
    إذن الشرع كله تزكية
    إنني أريد أن نعرف التزكية لكي نضعها في موضعها الصحيح على خارطة الإسلام و نعطيها حجمها الصحيح على خارطة الإسلام ، فعرفت الآن ما هي التزكية و ما هو موضعها و أهميتها من الدين !!
    أخي الحبيب : التزكية أين نضعها في خارطة الإسلام ؟ و ما هو حجمها ؟ لكي نعمل بها و لها ، إن كثيراً من الشباب يضع موضوع التزكية في الوعظ و التذكير و يظن بعض طلبة العلم أنه تخطى هذه المرحلة إنما الوعظ و التذكير يصلح للعوام !!
    إنظر إلى هذا الحديث : << صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ... >> [في سنن أبي داوود ، قال الشيخ الألباني : صحيح]
    موعظة مودع تعني أنه في أخر حياة النبي ، بعد أن صلى القوم و صاموا وحجوا وهاجروا وجاهدوا وأنفقوا .. وما زالت المواعظ تعمل عملها التي زهد كثير من أخواننا في هذا الزمان !!
    قضية التزكية ليست مواعظ إنه علم ، إنه أصل أصيل لهذا الدين
    · فلذلك إذا أردنا أن نضع التزكية في موضعها الصحيح على خارطة الإسلام:
    فسنضعها في أعلى موضع .
    · وإذا أردنا أن نعطيها حجمها الصحيح على خارطة الإسلام:
    فسنعطيها الحجم الذي يتداخل مع كل شريعة الإسلام ، في التوحيد تزكية و في الصلاة تزكية و الصيام و الحج و في الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر، ستأخذ التزكية حجماً من كل فرع من فروع الشريعة .
    و لذلك أخي في الله و أنا أحبك في الله ، أنا أبدأ معك هذه الرحلة في شرح كتاب :
    مدراج السالكين .. بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين
    وهو شرح لكتاب أبي اسماعيل الهروي : منازل السائرين إلى رب العالمين
    لماذا إخترنا هذا الكتاب ؟! لماذا نركز عليه ؟! لماذا ننطلق منه ؟!
    هذا ما سيكون معنا في الحلقة القادمة ، ألتقي معك على خير، إصطبر معي ، و افهم القضية و ضعها في حجمها الصحيح ، ننطلق على خير و بركة بإذن الله ، أحبكم في الله .
    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



  • #2
    رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

    بسم الله الرحمن الرحيم
    شرح كتاب مدارج السالكين
    الشيخ محمد حسين يعقوب
    تفريغ الحلقة الثانية
    أحبتي في الله .. مازلنا في قضية التزكية و أهميتها من الدين و لكي نصل إلى فهم حقيقي لموضوع التزكية ينبغي أن أبسط لك القول قليلاً في:
    أنك إلتزمت بمعنى أنك أعفيت لحيتك أو بمعنى أنك تركت المعاصي ، كنت تتابع ((أفلام و مسلسلات)) في التلفاز فتركت كنت تتابع أشرطة أغاني و ((موسيقى)) فتركت كنت تصاحب نساء أو تخرج في معاصي ظاهرة فتركت كنت تدخن فتركت كنت لا تصلي فتركت .. تبت من المعاصي هذا معنى إلتزمت .
    تركت المعاصي و أقبلت على الطاعات بدأت تصلي و تقرأ القرآن و تفهم دين ، سرت في هذا الطريق قليلاً او كثيراً سنة أو سنتين أو ستة أشهر، أكثر أو أقل ، ما الذي حصل ؟! كيف حال قلبك الآن مع الله ؟! هذا هو السؤال ؟! أنت تركت المعاصي و أقبلت على الطاعات كيف حال قلبك ؟!
    ضع هذا مبحثاً نتكلم فيه :
    ما هو القلب ؟ و ما علاقته بالأعمال ؟ و ما السبيل إلى إصلاحه ؟ و كيف نعرف مدارجه و مسالكه ؟
    هذه هي قضية التزكية التي هي متعلقة بهذا القلب ، أنت سرت في هذا الطريق قليلاً أو كثيراً أين أنت من الله ؟! إلى أين وصلت ؟!
    ضع هذه مبحث أخر مسألة أخرى:
    الطريق إلى الله !!
    إننا حين إلتزمنا أو و إن لم نلتزم سائرون إلى الله ..
    جلس أحد الناس أمام عالم فرأي شيب لحيته ، فقال : كم عمرك ؟
    قال : ستون سنة.
    قال : ستون سنة و أنت إلى الله سائر أوشكت أن تدركه !!
    فقال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون
    قال : من علم أنه إلى الله راجع علم أنه موقوف و من علم أنه موقوف علم أنه مسئول و من علم أنه مسئول أعد لكل سؤال جواباً ، فهل أعددت لكل سؤال جواباً ؟!
    هذا الكلام أيها الأخوة لا يوجه إلى من بلغ الستين ، بمعنى أنك بلغت عشرون عاماً أو خمسة و عشرون عاماً أو أكثر أو أقل فأنت سائر إلى الله عز و جل هذه المدة ، كون أن ينتهي الخط وتسقط في القبر ليس مرتبطاً بالسن فليس معروفاً عند سن كم يموت الإنسان ، هناك من يموت من الشباب في العشرينات كثير جداً سواء في حادث سيارة أو في غرق أو في مرض أو في غيرها أو بدون أسباب ينام فيموت ، إذن أنت إلى الله سائر نهاية هذا السير ستسقط في القبر إذا سقطت في القبر ، سيحاسبك فوراً.
    قال الله تعالى : ( ... أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) [النور : 39]
    إذا سقطت في القبر فوجدت الله فوفاك حسابك .. تُرى .. إلى أين سيأمر بك ؟!
    ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ) [الحاقة]
    أو ستقول :
    ( ... هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) ) [الحاقة]
    أي الرجلين أنت ؟!
    هذه هي قضية التزكية أن ينفتح في القلب عين ترى بها أين أنت من الله ؟ أين أنت في الطريق إلى الله ؟ إذن القضية ليست : أنا إلتزمت منذ كم سنة .. وطول لحيتي .. وقدر مطالعاتي .. وإنما القضية ماذا فعل هذا في قلبك ؟!
    قلت لكم في اللقاء الماضي أننا سننطلق في مدارج السالكين و لا يعرف قيمة المدارج إلا من درج ، مدارج السالكين كتبه ابن القيم أظنه في أصفى أيام حياته في أعلى درجة إيمانية وصل إليها ابن القيم كتب هذا الكتاب القيم في أحوال القلوب.
    أيها الأخوة سيأتي معنا في المدارج قول ابن القيم : ( بين العمل وبين القلب مسافة و بين القلب و بين الرب مسافة ) ، فقد تجد الرجل كثير العمل يصوم و يقرأ قرآن و يذكر الله و يتصدق و يصلي و ما وصل إلى قلبه من عمله شيء.
    كما يقول بن القيم : ( فقد تجد الرجل أقوم الناس اطوع الناس و هو أبعد الناس عن الله ) ،فأنت صليت معنا الآن ثم خرجت من الصلاة ، ماذا صنعت هذه الصلاة في قلبك ؟! قرأت جزءاً من القرآن ماذا صنعت هذه القراءة في قلبك ؟! تصدقت بدراهم ماذا صنعت هذه الصدقة في قلبك ؟!
    هذه هي : الأثر في القلب !!
    بين العمل و القلب مسافة و بين القلب و بين الرب مسافة ، في هذه المسافات – كما يقول بن القيم – : ( قطاع طرق يقطعون الطريق على العمل أن يصل إلى القلب ، و على القلب أن يصل إلى الرب )
    يقول بن القيم : ( و قد تستولي النفس على العمل الصالح فتصيره جنداً لها ، فتصول به و تطغى فترى الرجل أعبد ما يكون و أطوع ما يكون و هو عن الله أبعد ما يكون )
    هذه هي النقطة : قد تستولي النفس على العمل الصالح !!
    أنت صليت فهل هذه الصلاة وصلت لقلبك ، لو وصلت لقلبك تنهاك عن الفحشاء و المنكر ، لكنك تجد إنسان يصلي و على باب المسجد ينظر إلى إمرأة متبرجة ، على باب المسجد يكذب كذبة ، على باب المسجد يتكلم مع أخر و يغتاب غيبة ، فماذا فعلت الصلاة ؟!
    هذه هي التزكية ، كيف يصل العمل إلى القلب ؟! بإزالة قطاع الطرق بين العمل و بين القلب ، والمدارج هي قضية الترقي درجة درجة.
    المأساة يا شباب أن الشباب إلتزموا اليوم بالآلاف ، بعشرات الآلاف ، بمئات الآلاف ، لكن من رباه ؟ من أخذ بيده ؟ من علمه ؟ من فهمه الطريق إلى الله ؟
    إلتزم .. فقرأ صفحتين من كتاب ، وسمع شريطين ، و شاهد حلقتين ، و إنتهت القضية عند هذا الحد!! لا ، أنا أريدك أخي الكريم أن تفهم أن المسألة هي : درجة درجة ، كم كانت الزيادة اليوم في الطريق إلى الله ؟ كم تقدمت ؟ ماذا فهمت ؟ أحسست بماذا ؟ هذا هو الموضوع.
    المدارج هي القضية درجة درجة
    فعندما سنتحدث عن أول درجة تجدها :اليقظة.
    ما هي اليقظة ؟ هي إنزعاج القلب لروعة الإنتباه من رقدة الغافلين.
    وما هي أركان اليقظة ؟
    1– لحظ القلب إلى النعمة.
    2 – مطالعة الجناية.
    3 – معرفة الزيادة و النقصان من الأيام.
    سنفهم الدين .. سننطلق في الدين .. لا بد أن ننطلق هذه الإنطلاقة بالتدرج درجة درجة ، منزلة اليقظة .. ثم منزلة الفكرة .. ثم منزلة البصيرة .. ثم منزلة العزم .. منزلة منزلة ... ثم سنصل للمحاسبة ثم الإنابة ثم التذكر ثم الإعتصام .. منزلة منزلة .. كل منزلة من هذه المنازل نعيشها نحياها حياة حقيقة ، فكم نحن بحاجة إلى هذا الفهم للتزكية المؤصل سلفياً.
    لأن كثيراً من الشباب يعيش مع شديد الأسف الصحراوية الروحية ، يعيش في صحراء قاحلة ، خشونة و يبس و قسوة للقلب ، هذه القسوة التي تصيب القلب فتجمد العين.
    إني أريد أن أسألك :
    متى كانت أخر مرة دمعت فيها عيناك من خشية الله في خلوة ؟!
    إنني أريد أن أسألك :
    إن الإيمان له لذة و له طعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : << ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا>> [(صحيح) انظر حديث رقم: 3425 في صحيح الجامع]
    إذن أثبت رسول الله أن للإيمان طعم .. هذا الطعم يذاق .. ما هو طعمه ؟! إن طعمه حلو .
    فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : << ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار >> [(صحيح) انظر حديث رقم: 3044 في صحيح الجامع]
    فلو كان إيمانك عالياً ، لذقت حلاوة طعم الإيمان ، هل ذقت هذا الطعم ؟! يمكننا ألا نصارح أنفسنا ، يمكنك أن تخدعني ، يمكنك أن تهرب من السؤال ، لكني أريدك في مواجهة صريحة مع نفسك
    هل ذقت طعم الإيمان ؟!
    إنني أريد أن أسألك :
    متى كانت أخر مرة اشتقت فيها إلى رؤية وجه الله الكريم ؟!
    لطالما اشتقت أن ترى فلان ، واشتقت أن تجلس مع فلان ، الآن أنت لا تحتاج مني أن أذكر لك معنى كلمة شوق ، تخيل كأنك مشتاق لرؤية أولادك بعد أن كنت غائب عنهم لمدة ،أو مشتاق لرؤية زوجتك أو والدك إن كان مسافراً لمدة أو متوفياً فكيف يكون إحساسك ؟! هذا الإحساس بذاته ، هل نفس الإحساس أحسسته هو هو و اشتقت لرؤية وجه الله الكريم ، هل اشتقت أن يكلمك ؟
    إن هذه المعاني غائبة غير موجودة في وسط الماديات التي نعيش فيها ، فتجد أحدهم يتمنى أن يأكل أو ينام أو يتزوج أو يسكن أو يذهب أو يأتي ، لكنه لا يشتاق إلى هذه المعاني ؟!
    هذا هو عمل التزكية ، صناعة القلب ، لكي يحس لكي يفهم لكي يشعر لكي يعيش.
    أخوتي .. إذا قلنا إن الإنسان عبارة عن جسد و روح ، الجسد أصله حفنة تراب فقد قال الله تعالى : (.... وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ) [السجدة : 7] فالجسد حفنة من تراب و قال الله تعالى : ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ..... ) [السجدة : 9] إذن الروح شيء أخر غير الجسد ، الجسد من تراب و طين أما الروح فقد قال الله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) [الإسراء : 85] فإذن الجسد عندما يجوع ، من أين يأكل ؟ لأن الجسم من تراب فعندما يجوع يأكل من تراب فالطعام مرده إلى الأرض ، عندما يظمأ نسقيه من ما هو مرده إلى الأرض ، لأن الإنسان مرده إلى الأرض لذا دائماً الطعام و الشراب مردوده إلى الأرض.
    وكما أن الجسد يجوع و يأكل من شيء مردوده إلى الأرض ، ويظمأ فنسقيه من شيء مردوده إلى الأرض ، ويتعرى فنكسيه من شيء مردوده إلى الأرض ، ويتعب فينام على الأرض ، كذلك الروح تظمأ و تجوع و تتعرى و تتعب و تمل ، لكن علاجها ليس من شيء مردوده إلى الأرض كالجسد !!
    كثيراً ذكرت أن من يعالج الناس نفسياً عن طريق أدوية مخطيء لأنه بهذا الشكل لا يعالجوهم بل يمرضوهم لأن علاج النفس لا يمكن أن يكون بمادة لكن :
    علاج النفس يكون بإصلاح النفس بالمعاني
    كثيراً ذكرت هذا المثال فاعذروني و إسمعوه مرة أخرى:
    بعض الناس يأتيك قائلاً : ((أنا تعبان)) .
    تسأله : ما بك ؟
    يرد : ((مضايق)) .
    تسأله : من ماذا ؟
    يرد : ((مش عارف ، أرفان حاسس إني أنا مخنوق صدري مقفول )).
    تسأله : هل تحتاج مالاً ؟
    يرد : (( لا و الله .. يا عم الشيخ إنتا مش عارفني الموضوع مش موضوع فلوس )) .
    تسأله : هل يوجد مشاكل مع زوجتك ؟
    يرد : (( بالعكس دي تتمنالي الرضا أرضى )).
    تسأله : هل هناك مكروه مع أولادك ؟
    يرد : ((و الله زي الفل)) .
    تسأله : هل هناك ظروف في عملك ؟
    يرد : ((و الله كله تمام)) .
    تسأله : ماذا إذن ؟!
    يرد : ((مش عارف مش عارف مش عارف تعبان أنا تعبان )) .
    تسأله : من ماذا إذن ؟
    يرد : ((معرفش !!)).
    إن هذا التعب هو تعب الروح ، ما يشتكي منه هذا الشخص ليس جسده إنما هي الروح ، و لهذا تجد أصحاب الهوى يخبروه قائلين : ((طيب غير جو ، روح صيف ، إمشي مع واحدة ، إسمع أغاني)) بالفعل يقوم بعمل هذه الأشياء فيزداد النكد و يزداد الهم و يزداد الألم و يزداد الضيق ، إن روحه من الداخل تصرخ ، إنها جوعانة ظمآنة ، ولكنه لا يدري فيظل يبحث في الماديات في الطعام في الشراب في الملابس في السماع في الضحك لكنه يضحك من فمه و فقط ليس من قلبه !! الروح تحتاج علاجاً من المكان الذي أتت منه ، قال الله تعالى : (... مِنْ أَمْرِ رَبِّي ...) [الإسراء : 85]
    هذا هو عمل التزكية أن نبدأ في معرفة أمر ربنا جلا و علا في الروح
    هنا يجب التنبيه على أمر هام إن هذا الأمر لا يكون في يوم و ليلة كأن يقول أحدهم عندما يسمع هذا الكلام : (( أه يا سلام و الله هو ده الكلام إللي أنا عايزه ، فعلاً إنتا كنت فين !! )).
    هو يريد من الغد أن يحس و أن يذوق وأن تدمع عيناه ، كل هذه الأمور تحتاج جهد كبير ووقت طويل ، هذه هي قضية المدارج.
    معنا بقية من وقت فهيا نكمل فيها فقط مدخل لقضية التدرج ، نحن نريد أن نفهم أصل السير إلى الله سبحانه و تعالى .
    أيها الأخوة .. إني أحبكم في الله ... انتبه معي ..
    الطريق إلى الله تقطع بالقلوب لا بالأقدام !! أثبت هذا الأصل ، إن الموضوع بداية و نهاية هو موضوع القلب ، أين قلبك يا عبد الله ؟!
    و لكي أستطيع الكلام معكم اليوم لابد أن يحضر قلبك ، هناك كثير من الناس تعيش في هذه الدنيا بلا قلب حقيقي قلبه مات منذ زمن ، إنني أريدك أن تحضر قلبك ، كثير في هذا الزمان - حقيقة و الله حقيقة- يعيش بدون قلب ، يصلي و قلبه غير حاضر، يقرأ قرآن أو يسمعه مثل الجرائد ، ينظر إلى الناس و هم يبكون و يسأل على ماذا يبكون ؟! ليس هذا فقط !! بل يأكل بلا قلب و يشرب بلا قلب و يعامل زوجته وأولاده بلا قلب !! قلبه ضاع .. مات قلبه !! هذا الإنسان يحتاج إلى إحياء قلبه مرة أخرى ..
    قد كان لي قلب أعيش به *** ثم ضاع مني في تقلبه
    رب فــــاردده عـــلـــــــيّ *** فقد أعياني في تطلــبـه
    نعم .. أحبتي هذا القلب الذي يحتاج إلى إحياء و بداية الحياة هي صدق اللجوء إلى الله و هذا ليس كلامي .. و لكن كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و سلم : << كان أكثر دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك >> [(صحيح) انظر حديث رقم: 4801 في صحيح الجامع]
    وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : << لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن >> [(صحيح) انظر حديث رقم: 7707 في صحيح الجامع]
    قال أبو هريرة رضي الله عنه وهو يشرح : ( ينزع منه الإيمان كما يخلع أحدكم القميص من رأسه)
    فتجد واحداً مرت به متبرجة فنظر إليها ثم دخل صلى وقال إني تبت ، إذن عندما نظر إليها خلع الإيمان و لما تاب لبس الإيمان مرة كأخرى كالقميص .
    و تجد آخراً كذب كذبة و بعدها تاب و دخل المسجد يقول يارب إغفرلي فلما كذب خلع الإيمان و لما تاب لبس الإيمان مرة أخرى .. و هكذا ،،
    و مع كثرة نزع الإيمان هكذا ماذا سيحدث ؟! يبلى الإيمان .. يتقطع .. يخلق ..
    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : << إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم>> [(صحيح) انظر حديث رقم: 1590 في صحيح الجامع] ‌ ويخلق تعني : يبلى و يتقطع و يقدم.
    قلبك يحدث له مثل هذا بالضبط من إستهلاكه في غير ما صنع له ، يفسد يتقطع ينتهي ، و يموت و لا يصبح لديك قلب !! يصبح ما بداخلك هواء !!
    قال الله تعالى : ( ... وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ) [إبراهيم : 43] كما كان في الدنيا يصبح في الآخرة هواء .
    الشاهد أنك تحتاج إلى تجديد القلب لكي ننطلق يا أخوة لابد من حضور القلب
    هذا شرط إنني أريد قلبك لكي ننطلق في هذه المدارج درجة بعد درجة ، لكي ننزل في منزلة منزلة و نعيشها ، كما قال ابن القيم : ( كأن العبد في نوم الغفلة .. قلبه نائم و طرفه يقظان ) إن الإنسان يعيش عينه مفتحه و قلبه نائم.
    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : << ... ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل ... >> [(صحيح) انظر حديث رقم: 1584 في صحيح الجامع] وينام النومة تعني نوم القلب .
    إننا نريد أن نوقظ قلوبنا نحييها نصلحها حتى تستطيع أن تستوعب حتى تبدأ في الفهم حتى تبدأ في العيش حتى تبدأ أن تحس حتى تبدأ أن تنطلق حتى تبدأ أن تستمتع حتى تبدأ أن تستلذ حتى يصبح لها وجود حتى يصبح لها حياة حتى يصبح لها دور حتى يصبح لها مكان في حياتنا لأن الطريق إلى الله تقطع بالقلوب و لا تقطع بالأقدام
    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: << إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم >> [(صحيح) انظر حديث رقم: 1862 في صحيح الجامع]
    ولأني لا أستطيع أن أتأكد الأن أنك أعطيتني قلبك ، لأنه لا يحضر في دقيقة فهو يحتاج عمل و جهد ، أتركك إلى أن ألتقي معك اللقاء القادم يكون معك قلبك حتى نبدأ في الحديث عن السير إلى الله ، وكيف نبدأ في السير من أجل الوصول إلى الله سبحانه و تعالى ؟
    ((إنتا ناوي .. إنتا عايز .. إنتا مهتم .. حضر قلب و تعالى نتفاهم))
    أحبكم في الله و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


    تعليق


    • #3
      رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

      شرح كتاب مدارج السالكين
      الشيخ محمد حسين يعقوب
      تفريغ الحلقة الثالثة
      أحبتي في الله .. و أنا أحبكم في الله .. لي في البداية سؤال – أرعني قلبك يرعاك الله - :

      متى كانت آخر مرة إشتاق قلبك لرؤية وجه الله الكريم ففاضت دموعك شوقاً لرؤية الله متى كان ذلك؟

      أُخي و أنا أحبك في الله لعل هذا الامر لم يخطر على بالك أصلاً بالمرة إن كثرة الشكوى من قسوة القلوب و الفتور و التوبة و العودة إلى المعاصي مرة أخرى، كثرة الشكوى لها سبب و علة علتها أننا لم نفقه قضية السير إلى الله لم نتعلمها.
      أيها الأخوة إننا كما تعلمنا كيف نصلي و تعلمنا كيف نصوم و تعلمنا كيف نؤدي الزكاة و تعلمنا كيف نحج فلابد أن نتعلم كيف يسير القلب إلى الله ؟
      هذا العلم - علم القلوب - أيها الأخوة من العلوم الخطيرة المهمة و مع شديد الأسف أن كثيراً ممن كتبوا في هذا العلم جعلوه علم الخاصة مع أنه العلم الذي يطالب به كل إنسان.
      شيخ الإسلام ابن تيمية في التحفة العراقية يقول عليه رحمة الله : (( العبادات القلبية كالحب و الخوف و الرجاء و التوكل و اليقين و الرضا و الإنابة و الإخبات و الخشية و أمثالها واجبة بأصل الشرع على جميع المكلفين كوجوب الصلاة و الصيام و الحج ))
      إذن القضية يا أخوة أن هذه العبادات الإخلاص والإخبات والخشية والتوكل واليقين والمحبة والرضا والرجاء ، هذه العبادات واجبة وفرض وإذا كانت واجبة فإنها تُتعلم.
      قال سبحانه و تعالى : ( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [النحل : 78]
      إذن نحن خرجنا غُفل من بطون أمهاتنا و تعلمنا كيف نصلي وكيف نتوضأ وكيف نغتسل تعلمنا كيف نصوم وكيف نحج وكيف نزكي فلماذا لم نتعلم الإخلاص ؟! كيف نخلص ؟! كيف نتوكل على الله ؟! كثيراً ما نقول (( توكل على الله .. يا أخي توكل على الله لا تخف )) و لم نتعلم كيف نتوكل على الله ؟! كيف نخبت ؟! كيف نخشى الله ؟! كيف نحبه ؟! كيف يسير القلب إلى الله ؟!
      قلت أن الآفة أن بعض الناس جعله – علم القلوب – علم الخاصة رغم أنه علم مطلوب لكل الناس كل إنسان في هذه الحياة كل مسلم يحتاج إلى هذا العلم لصحة القلب و زكاة النفس و غير ذلك من أمور كلها تكليفية في حق عامة الخلق فلذلك حلقاتنا هذه لنجعل الأمر في محله.
      ثم أيها الأخوة مع شديد الأسف مضطرٌ أن أقول أن هذا العلم في مسيرته التاريخية بعد القرون الثلاثة الخيرية الصحابة و التابعين و أتباع التابعين اختلط في هذا العلم أكثر من أي علم أخر أمور جعلته كالألغاز و المقصود علم القلوب أو علم العبادات القلبية ، دخله الصوفية و جعلوا هذا العلم كالألغاز جعلت هذا العلم أحياناً كأنه شيء أخر غير العلم الشرعي غير النصوص الكتاب و السنة و جعلته أحياناً مستقل كما يسمونه علم السلوك بل جعلته أحياناً من تأليف البشر، إلهامات لها قوة الوحي في التشريع أو في التقرير.
      و كل ذلك عجيب غريب في علم يجب أن يكون كبقية العلوم محرراً منقحاً على الكتاب و السنة ، إن من العجيب أن قاريء كتب هذا العلم و خصوصاً التي اختص بها الصوفية يشعر أنه أمام ألغاز أنه أمام شيء وراء النصوص و ذلك ما يضيق صدر المسلم أن يقرأ ولا يفهم شيء ، حين تقرأ مثلاً ولا أحيلك على هذه الكتب ولكن كمثال ( التنوير في إسقاط التدوير ) ماذا تعني ؟!! هذه كما ذكرت ألغاز و من ثم فإني أرفض تماماً ان أحيل أي مسلم على كتاب من كتب التصوف لا يمكن و لذلك أنا أقول أن أكثر المشتغلين بهذا العلم تصوراته قاصرة مفاهيمه ضيقة كلامهم بعيد عن الواقع عن بديهيات في الإسلام ينبغي ألا تغيب عن حس مسلم فإذا بقي هذا العلم قاصراً على هؤلاء فإن في ذلك إبقاء لشباب صحوتنا المباركة الذين يريدون السير إلى الله في أجواء غير صحية فكان لابد من دعوتنا السلفية الصافية أن تحرر هذا الموضوع - موضوع علم القلوب- أن يحرر هذا الموضوع لأنه من المواضيع التي تشكل ألف باء فهم إسلام ، لأن كل مسلم في الحقيقة سائر إلى الله طالما أنه يفعل ما أمره الله عز و جل به طالما أنه باحث عن الكمال المطلوب باحث عن الوصول إلى الفردوس باحث عن رضا ربه لكن هذا الباحث لابد أن يأتي الأمور من أبوابها من بداياتها لابد من معرفة المصادر و الموارد لابد أن يعرف كيف يرد و كيف يصدر لابد - كما أستطيع أن أسميه الآن – السير الكامل و من هنا خلط الذي لا يتصور أنه لا سير إلى الله إلا من خلال التصوف ! خطأ كبير، نحن هنا نريد أن نرد على الصوفية الذين لا يتصورون سيراً إلى الله بدون سير على يد أهل الطريق ، إن الصحابة رضوان الله عليهم و من بعدهم من هؤلاء السلف الصالحين ساروا إلى الله قبل أن تقعد قواعد علم التصوف ما كان لهم هم إلا دراسة الكتاب و السنة و تطبيق ذلك فإن لم يكن هذا سيراً فما هو السير ؟! خدعوك فقالوا : السير هو التصوف !!
      وأنا أخاطب أيضاً أخواننا من أهل المنهج هذا المنهج ، المنهج السلفي الكتاب و السنة بفهم سلف الأمة ، الذين صارت عندهم حساسية بالغة التي أسميها (( أرتكاريا )) من كلمة تصوف دعك من هذه الكلمة لذلك كل المصطلحات الذي يذكرها أهل التصوف ، تسبب عندنا حرج ، فتسمع أحدهم يقول : الشيخ عنده نزعة صوفية !! لأنه يقول السير إلى الله و أحوال القلوب و الحال و المقام .. لا .. لماذا ؟!
      يا أخي هذه علومنا و هؤلاء سلفنا .. قال الله تعالى : ( هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ) [يوسف : 65] ، و نحفظ ديننا و نصدق وعد ربنا ، فنحن نرد على الصوفية الذين يقولون لا سير إلى الله إلا من خلال منهج التصوف و لا سير إلى الله إلا وراء شيخ متصوف !! خطأ .. و نقول أيضاً للأخوة الذين تصوروا أن الدين علوم جامدة فحسب فليكن لهم حال مع الله و سير صحيح إلى الكمال الإنساني.
      أيها الأخوة أنا أحبكم في الله نحن في عصر مادي و هذا يقتضي منا أن نقابله بفكر مكافيء و بحيوية قلبية عالية نحن في عصر شهواني جاهلي و هذا يقتضي منا أن نقابله بأشواق روحية راقية مع تأمين الشهوات المباحة و إبقاء منافذها مفتوحة.
      أيها الأخوة نحن في عصر قل من يوجد فيه من يضبط نفسه على مقتضى آداب الإسلام ؟! القلب المراد ، و هذا يقتضي منا إلحاحاً على التربية القلبية والتربية الإيمانية والتربية الروحية العالية ، لابد لدعوة السلفية من دراسة هذا الموضوع فتجدد فيه معيدة إياه إلى أصوله الصحيحة - علم القلوب - و منابعه الصافية و مبعدة عنه ما علق به من دخن كبير فتوضع الأمور في مواضعها الصحيحة من هذا العلم و
      غيره.
      أيها الأخوة لابد من الكلام في هذا الموضوع - موضوع علم القلوب - لتحريره وتنقيحه و وضع الأمور في موضعها فيه ، فلا يكفي أن نحارب الصوفية في بدعهم و في ضلالهم وفي تحكمهم في هذا العلم ، وإنما لابد مع ذكر الخطأ ان نذكر الصواب لا يكفي أن نهدم بل علينا أن نبني ، علينا دائماً أن نقدم البديل الصالح لا البديل بل نعود إلى الأصل الصالح لنضعه مكان الخطأ خاصة إذا كان ما نحن فيه يستحيل الإستغناء عنه أو التفريط فيه أو تجاهله لابد من صيغة صحيحة بدلاً من الأساس الواهي الضعيف لابد من بيان الحق في كل أمر.
      أيها الأخوة .. السير إلى الله لا يمكن أن يلغى بل يجب أن يكون حثيثاً و لكن ينبغي أن يحرر و يدقق و تحرر مسائله تحريراً دقيقاً وقد نستعمل بعض عبارات القوم و نستفيد من بعض كلام القوم ولكن كما قال أحدهم : و هو أبو سليمان قال : (( أنه ربما وقعت النكتة من كلام القوم في قلبي فلا أقبلها إلا بشاهديّ عدل من الكتاب و السنة لأن الله عز و جل ضمن لي العصمة في الكتاب و السنة و لم يضمنها لي في سوى ذلك)) ، و لذلك هذا الكلام واضح أيها الأخوة خذه مني و من غيري و طبقه عليّ و على غيري هذا منهج أيّ كلمة لابد لها من شاهديّ عدل من الكتاب و السنة لتوثق و تقبل ولذلك فسأحاول و الله المستعان ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) [هود : 88] في هذه الحلقات أن أضع قدم المسلم في سير صحيح إلى الله تعالى خالي من الخطأ إنني أريد أن أضعك على طريق أوله في يدي و أخره في الجنة إن شاء الله فمد يدك ، إنني سأحاول أن أنشر الطريق لإيجاد طبقة من الوُرّاث الكاملين لرسول الله صلى الله عليه و سلم يحملون دعوة الله كاملة ويربون الناس ظاهراً و باطناً على الحق فإن أصبت في ذلك فلله الحمد و إن أخطأت فإني أستغفر الله و نحن على إستعداد للرجوع إلى الحق من أي احد يبذله كائناً من كان.

      أيها الأحبة أردت أن آخذ على عاتقي أن آخذ بأيديكم إلى طريق أوله في أيدينا و أخره في الجنة كان من إجتهادنا في ذلك إختيار كتاب ( مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين ) ، إستعملت تهذيب مدارج السالكين للشيخ العزي و أنقل الآن كلامه لأني أوافقه بالحرف.
      (( نقدم هذا الكتاب إلى شباب الإسلام عنوانا للمساهمة في تنميتي العملية التربوية و لا يعرف قيمة المدارج حق معرفتها إلا من درج و كتاب الإمام ابن القيم هذا عمل فذ غزير المنفعة بليغ العبارة فيه من دقة إستخراج المعاني الإيمانية و لطف الإشارات القلبية ما ليس في غيره ، المدارج نتاج تأملات أيام عوالي في حياة شيخ الإسلام ابن القيم الأصل الذي حكم ترتيب كلام ابن القيم هو كتاب منازل السائرين لشيخ الإسلام الهروي ))
      هنا أخي الحبيب .. أنا أحبك في الله .. لا تفاجأ أنني دخلت في الموضوع مباشرة وإنما أقول أننا اخترنا كتاب ( مدارج السالكين ) ، ولابد أن تعرف الكتاب الذي سنشرحه و هو كتاب لابن القيم كتاب قيم عظيم جداً أصل كتاب ابن القيم هو كتاب لأبي إسماعيل الهروي المتوفى سنة 481 هـ من أهل القرن الخامس ، ابو إسماعيل الهروي الحنبلي قسم طريق سير المؤمن إلى الله تعالى إلى مئة منزل و هذا هو أصل الموضوع.
      أخوتي أنا أحبكم في الله ، إنسان مسافر لإلى بلد ما فلابد له أن يعرف الطريق حتى يصل ،أخوتي أريد أن أوضح تحديداً أن على هذا الطريق منارات وعلامات وإشارات تدلك و أنت تسير في الطريق إن كنت تسير في الطريق الصحيح فيجب عليك أن ترى هذه المنارات و العلامات و إن لم تراها فأنت لست على الطريق الصحيح الذي نعرفه !!
      فهب أن إنساناً سافر من القاهرة إلى الأسكندرية على الطريق الزراعي فيجب عليه أن يمر على كوبري قليوب ثم كوبري قها ثم كوبري طوخ ثم كوبري بنها ... إلخ ، فلو سار هذا الإنسان في هذا الطريق و رأى هذه المعالم على ترتيبها إذن هو على الطريق الصحيح ، أما لو وجد مثلاً و هو يسير في الطريق القناطر !! إذن هو ليس في الطريق الصحيح .. اتفهمني ؟!
      ولذلك فإن القضية قضية أن شخص سار على الطريق و بعد أن وصل أخذ يصف لنا هذا الطريق يخبرنا بأنك عندما ستسير في هذا الطريق ستجد كذا و كذا ... إلخ و هذه هي المنازل المئة التي قسمها أبو إسماعيل الهروي ، و شرحها شيخ الإسلام ابن القيم.
      هنا الشيخ العزي يقول : (( هي مثل محطات التزود في أي طريق طويل ، أو هي منازل طبقية و درجات صعود و مدارج إنطلاق تتوازى و تتابع )).
      فهي كالدرج ، ففي البداية سنذكر أربعة منازل أساسية و هي : اليقظة و البصيرة و الفكرة و العزم، إذت فإن أول درجة هي اليقظة ثم البصيرة ثم الفكرة ثم العزم و بهذا قد صعدت أربع درجات على هذا الدرج ، هذه هي قضية المنازل.
      يأتي الآن أخ سلفي يقول : ((إنتوا جبتوا الكلام ده منين مهو النبي صلى الله عليه و سلم مقالش المئة منزل و الصحابة معملوش مئة منزل)) ، نعم لم يذكر الصحابة هذا ، لكن كما ذكرت لك أي كلمة لا يوجد عليها دليل من الكتاب و السنة إتركها فلا داعي لها ، و لذلك المنازل هي مجرد وصف للطريق لأني كما قلت لكم من قبل أن الصحابيّ كان يسمع من سيدنا النبي صلى اله عليه و سلم سورة ق على المنبر تكفيه موعظة لأسبوع أما اليوم !! إن قرأنا سورة ق من سينتفع بها ؟! يجب عليّ أن أشرح ، كنت بالأمس أشرح اسم الله المجيد ، من منّا يعرف اسم الله المجيد ؟! من فكّر في اسم الله المجيد ؟! فمن كثرة سماع اسم عبد المجيد أصبح الأمر عندنا عادي.
      الشاهد أن هذه الطبقات أو المنازل أو المدارج ، إنما هي وصف للطريق الذي سوف تسير عليه.
      وجعل لكل منزلة مفهوماً و حداً ، كمثال : اليقظة ، ما هي اليقظة ؟ هي انزعاج القلب لروعة الإنتباه من رقدة الغافلين .. ما معنى هذا الكلام ؟ سنشرح إن شاء الله لكن القصد أن الشيخ جعل لها مفهوم و حد ، و جعل للمنزلة ثلاث درجات واحدة تليق بعامة المسلمين و أخرى لخاصة المؤمنين و ثالثة للمحسنين للمقربين.
      هنا الشيخ إضطر من أجل وصف هذه المنازل بالطبقات التلاتة أن يحصل نوع من أنواع التكلف المعنوي و اللفظي الذي تأباه طبيعة السكينة الإيمانية ، إني أريد أن أعطيك كلام يعلي إيمانياتك ، أريد أن أعطيك كلام يرق به قلبك ، أريد أن أعطيك كلام يزيد به إيمانك ، فأنا لن أجلس و أعطيك (رصة) كلام و إنما سنشرح ونوضح ونصف ونحن في القرن الخامس عشر الهجري أريد أن أخبرك و أقول لك كيف تصل إلى الله ؟!
      فلذلك متابعة ابن القيم للهروي لم تكن هدف لابن القيم ومتابعتنا للشيخين ليست هدف و إنما أصل سنسير عليه .
      انتظر معنا المرة القادمة أسأل الله عز و جل أن يرزقني و إياكم الإخلاص في القول و العمل
      أحبكم في الله


      تعليق


      • #4
        رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

        الشيخ محمد
        حسين يعقوب
        تفريغ الحلقة الرابعة
        بسم الله الرحمن الرحيم
        شرح كتاب مدارج السالكين
        أحبتي في الله مازلنا في المدخل في الـ ((دهليز)) نريد أن نصل إلى المدارج ، و لكن قبل أن نصل إلى المدارج لابد أن نوضح المسألة ، أن نتشوق إليها ، أن نطمئن إلى المنهج و المشرب ، أن نوضح الطريق .
        ذكرنا أن أصل كلامنا كتاب ابن القيم (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين) و أصل كلام ابن القيم كتاب (منازل السائرين) لأبي إسماعيل الهروي ، وكما قلنا أنه لم تكن متابعة ابن القيم للهروي هدفاً ولا متابعة ابن القيم والهروي لنا هدفاً ، ولكننا نريد طريقاً مرسوماً واضحاً إلى الله سبحانه و تعالى .
        ذكرنا أن الهروي له مشربه الصوفيّ رغم اتباعه لعقيدة و فقه و طريقة و سلوك الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - على وجه الإجمال ، فجاء ابن القيم و رد هذه الأخطاء و أوضح الأوهام و أدّاه رده وإيضاحه إلى إستطرادات طويلة ، الشاهد منها : أن ابن القيم رد على الهروي و من أشهر كلام ابن القيم و هو يقول : (( شيخ الإسلام – يقصد به الهروي – حبيب إلينا و الحق أحب إلينا منه )) ، إن الهروي كان من أجّل أئمة السلف و لكن أبى الله أن تكون العصمة إلا لكتابه وأن تكون العصمة إلا لرسله ، قال ابن القيم : (( صاحب المنازل – و هو الهروي – رحمه الله كان شديد الإثبات للأسماء و الصفات مضاداً للجهمية من كل وجه له كتاب الفاروق استوعب فيه أحاديث الصفات و آثارها ولم يسبق لمثله وكتاب ذم الكلام و أهله طريقته فيه أحسن طريقة و كتاب لطيف في أصول الدين يسلك فيه طريقة أهل الإثبات و يقرها ، و له مع الجهمية المقامات المشهودة سعوا بقتله إلى السلطان مراراً عديدة والله يعصمه منهم ، رموه بالتشبيه والتجسيم على عادة بهت الجمهية و المعتزلة لأهل السنة و الحديث الذين لم يتحيزوا إلى مقالة غير ما دل عليه الكتاب و السنة )) .
        وأكد ابن القيم أن الهروي بريء مما رماه به أعداؤه ، يقول ابن القيم – رحمه الله - : (( و في بعض كلام الهروي ما يدل على رسوخ الشيخ في العلم و وقوفه مع أهل السنة و فقهه في هذا الشأن )) .
        أخوتي بعد أن وثّقت لكم الهروي ، لسنا محتاجين للكلام على ابن القيم ؟! أم أنكم محتاجون لذلك ؟!
        ابن القيم شيخ الإسلام تلميذ وتربية شيخ الإسلام ابن تيمية ، ابن القيم شخصية فذة ، أحياناً أقرأ إلى ابن القيم يا أخوة – والله العظيم – وأقول : سبحان الذي فتح على هذا الرجل بهذا الكلام ، شيء عجيب يتوغل إلى النفوس ، أحياناً تقرأ لابن القيم فتقول : (( سبحان الله ، هذا هو ما كنت أريد قوله و لكن لم أكن أعرف كيف ؟! )) ، و لذلك الشيخ العزي ها هنا يقول : (( و ينال إنصاف ابن القيم إعجابنا و إحترامنا إذ كان صاحب ميزان اعتدال جعله شديد الحرص على انتفاع المسلمين من إحسان المحسن الذي يختلط صوابه بأخطاء )) ، الهروي صوابه إختلط بأخطاء يرى أن ما وقع فيه الهروي من مجانبة الصواب إنما هو – كما يقول ابن القيم – : (( من الشطحات التي ترجى مغفرتها بكثرة الحسنات و يستغرقها كمال الصدق و صحة المعاملة و قوة الإخلاص و تجريد التوحيد و لم تضمن العصمة لبشر بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم )) ، هذا هو المنهج يا أخوة ، ليس بسبب خطأ شخص نلقيه و نطرحه وننسى محاسنه ولا نذكر إلا مساوئه لا ليست هذه هي الطريقة ، من الخير أن تظل معي أخي في عافية من تعكير يولده ذكر هفوات الهروي يكفينا أن نتابع ابن القيم في إنصافه إننا بحاجة أن نصفي هذا العلم كما ذكرت لكم فكل المسلمين بحاجة إلى هذا العلم و المقصود علم القلوب أو علم السلوك أو علم الطريق إلى الله عز و جل.
        يأتي لي شخص قائلاً : و ما الإستفادة ؟! ستصف لنا مئة منزلة ؟! ماذا أفعل بهم ؟! إني أريد أن أتعلم عقيدة و فقه و سيرة و تفسير ، مئة منزلة !! و هل سأصل أصلاً ؟!
        و هنا أرد عليك من كلام ابن القيم مرة أخرى و لكن في كتاب طريق الهجرتين ، عندما وصف ابن القيم السابقين المقربين سيذكر لك ما فائدة هذا العلم يقول ابن القيم عليه رحمة الله : (( و أما السابقون المقربون فنستغفر الله الذي لا إله إلا هو من وصف حالهم و عدم الإتصاف به بل ما شممنا له رائحة !! )).
        يرحم الله ابن القيم فقد كان منهم و لكنه متواضع ، فهو يقول أن هؤلاء القوم لا نعرفهم و لم نشم لهم رائحة ، هذا المكان – يقصد - منزلة المقربين السابقين يقول : لم نشم رائحتها ، يكمل قائلاً : (( و لكن محبة القوم تحمل على تعرف منزلتهم و العلم بها و إن كانت النفوس متخلفة منقطعة عن اللحاق بهم ففي معرفة حال القوم فوائد عديدة )) ، فإذا عرفت طريق السابقين المقربين كيف وصلوا إلى هذا الحال القلبي عندما تصل إلى هذا ستحتاج أن تفعل مثلهم.
        من فوائد معرفة هؤلاء القوم :
        1 – ألا يزال المتخلف المسكين مزرياً على نفسه ذامّاً لها .
        أخوتي .. أحبكم في الله .. إذا قلنا أن إذا ذهب شخص إلى مكة و عندما عاد فسألناه هل رأيت الكعبة ؟ فيرد : لا لم أراها !! نقول له : لا ، يبدو أنك مخطيء إنك لم تذهب إلى مكة يبدو أنك ذهبت إلى مكان أخر !!
        فكذلك الطريق إلى الله ، فإذا ذكر لي أحدهم أنني ملتزم منذ عشرين عاماً إلى الآن ، فإذا سألته مثلاً هل أحسست الأنس بالله ؟ يرد قائلاً : لا ، فأقول له : لا !! إذن أنت لم تسير في الطريق إلى الآن !
        لاحظ أنه قد يكون أحس هذا الإحساس و لكنه يجهل أن هذا الإحساس اسمه الأنس بالله ، لقد عاش هذا الإحساس و لكنه لا يعلم أن هذا الإحساس اسمه الإخبات وإنكسار القلب !!
        أخوتي .. ما أذكره لكم الآن أخوتي من العلامات و المعالم قد قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم ،
        ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : <<إن للإسلام صوى ومنارا كمنار الطريق >> [(صحيح) انظر حديث رقم: 2162 في صحيح الجامع]
        والصوى : جمع صوه و هي الحجرة الكبيرة العظيمة التي توضع على الطريق لتوضحه.
        والمنار : هو الدليل الشاهد الذي يدل الناس على أن الطريق من هنا.
        هذه الصوى و المنارات دلالة على الطريق ، فإذا جاء أحدهم إلى مكان ما و لم ير معالمه إذن إنه لا يزال المتخلف المسكين مزرياً على نفسه ذامّاً لها.
        أخوتي أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : << ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا >> [(صحيح) انظر حديث رقم: 3425 في صحيح الجامع]
        ألم يقل رسول الله صلى الله عليه و سلم : << ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار>> [(صحيح) انظر حديث رقم: 3044 في صحيح الجامع]
        فلما نسأل أحدهم قائلين : هل ذقت طعم الإيمان ؟ فيرد سائلاً : و ما هو طعمه!!
        إن كلامنا كله مركز في موضوع هذا الطعم و حلاوة هذا الطعم إني أريده أن يأكلها و يحس بطعمها ، أحياناً يأكل الإنسان فاكهة طعمها حلو و لكنه لا يعرف اسمها ، هي حلوة ولكنه لا يعرف اسمها ، هنا أنا أريد أن أُعرفه اسمها ، ما الذي أكله ما الذي عاشه ؟!
        كما ذكرت لك في أول حلقة : متى أخر مرة أحسست بالشوق إلى الله ؟! فقلت لي : لم أحس بهذا أبداً !! فأنت لا تحتاج أن تعرف ما معنى الشوق ؟!! فعندما سألتك هذا الشوق نفسه أحسست به تجاه الله عز و جل ؟!! ترد تقول : لا لم أحس به !!
        إذن لا يزال المتخلف المسكين مزرياً على نفسه ، و حال نفسه يقول : (( يـــا ... أنا لسة بعيد أوي ... انا وحش .. إزاي كل السنين دي كلها و محستش بالكلام ده و لا عرفته )) .
        ومن فوائد معرفة هؤلاء القوم :
        2 – ألا يزال منكسر القلب بين يدي الرب ذليلاً له حقيراً يشهد منازل السابقين و هو في زمرة المنقطعين و يشهد بضائع التجار و هو في رفقة المحرومين.
        عندما نسمع مثلاً : في منزلة اليقظة أول منزلة التي هي سبب الإلتزام بالدين ، منزلة اليقظة لها ثلاث درجات ، الدرجة الأولى هي : لحظ القلب إلى النعمة على اليأس من عدها و الوقوف على حدها و معرفة المنة بها و العلم بالتقصير في حقها.
        عندما تسمع هذا الكلام تفكر ثم تقول : هل لي قلب ؟! هل قلبي يفهم ؟! لأن المطلوب أن يحدق القلب تحديقاً في النعم ، يركز و ينظر ويحدق ، هذا التركيز في النعم يرجف قلبه حباً لمن أنعم عليه بهذه النعم .
        عندما أذكر لك هذا الكلام و لم تعمل به ولم تحس به ، فتنكسر قائلاً : (( يارب أنا بحبك .. يارب أنا عايز طريقك .. يارب أنا نفسي أوصلك و يارب أنا بحب رضاك )) ..
        ومن فوائد معرفة هؤلاء القوم :
        3 – عسى أن تنهض همتك يوماً إلى التشبث و التعلق بساقة القوم و لو من بعيد.
        عندما تسمع عن سيدنا أبو بكر الصديق عندما أكل لقمة بها شبهة و وضع إصبعه في فمه حتى أخرج ما في بطنه ، قالوا له : لماذا كل هذا ؟ قال: لو لم تخرج إلا و معها روحي لأخرجتها ، ليست لقمة من حرام و لكنها لقمة بها شبهة !!
        عندما تسمع هذه ، تقول: (( هنروح من سيدنا أبو بكر فين ؟! إنه الصديق !! ))
        فأقول لك : تأتي على الإنسان أيام تكون فيها إيمانياته عالية ، مستعد أن يقوم بأي شيء ، و لكنه عندما لا يعرف ماذا يفعل يصبح تائهاً على عكس ما يصبح عالماً بما سيفعل فإنه ينطلق.
        ومن فوائد معرفة هؤلاء القوم :
        4 – لعلك تصدق في الرغبة و اللجوء إلى من بيده الخير كله أن يلحقك بالصحابة و أن يلحقك بالصالحين.
        لاحظ : أن ابن القيم – رحمه الله - يقول : ثمّة فرق بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وبين عباد الله الصالحين.
        والدليل على هذا قول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ) [العنكبوت : 9]
        و عندما أسألك : هل أنت من هؤلاء الصالحين ؟ ترد قائلاً : (( يا عم الشيخ إدعيلي ربنا يتوب عليّا )) ، هنا أنا أصف لك حال هؤلاء الصالحين ، فإذا تاب الله عليك تستطيع عندها أن تلحق بهم .
        يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : << إن لله آنية من أهل الأرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينها وأرقها >> [صحيح ، السلسلة الصحيحة (4/262)]
        فهل أنت من عباد الله الصالحين ؟! وهل قلبك من آنية الله في أرضه ؟! وهل قلبك يتسم بالرقة و الصفاء ؟! سؤال يحتاج إجابة !! فترد قائلاً : لا والله لا ، لست منهم ، إذن فاصدق الله !!
        فعندما قال رجل لرسول الله صلى الله عليه و سلم << ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال إن تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو قالوا نعم قال صدق الله فصدقه >> [صحيح ، سنن النسائي (4/60)]
        فهل عندما سمعت وصف عباد الله الصالحين الآن ، إشتقت إلى أن يكون قلبك هكذا ؟! هنا اصدق إذن وأدع الله لعلك إن صدقت في الرغبة و اللجوء إلى من بيده الخير كله أن يلحقك بالقوم و يهيئك لأعمالهم فيصادف ساعة إجابة لا يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه فتعطاه .
        ومن فوائد معرفة هؤلاء القوم :
        5 – أن هذا العلم هو أشرف علوم العباد و ليس بعد علم التوحيد أشرف منه
        لقد ذكرت هذا الكلام في الحلقة الأولى ، عندما ذكرت خارطة فهم الدين قلت أن كل شيء في الدين يكون على الخريطة في حجمها الصحيح و موضعها الصحيح ، فعندما ذكرنا أين نضع علم التزكية على الخارطة ؟ أين نضع علم القلوب على الخارطة ؟ فأين نضعه ؟ قلنا نضعه بعد علم التوحيد مباشرة وقلنا ما هو حجمه ؟! قلنا أن حجمه يستوعب الدين كله ، فنحن نقول أن علم القلوب هو علم العلوم فإذا درس الإنسان فقه بدون قلب يسوقه الهوى ، وإن كنت تدرس عقيدة وبدون قلب يفسده ويضله الهوى ، لابد من إخلاص والخوف من الله والرجاء والانكسار والذل والخشوع ولابد أن ينتفي منه العجب والغرور والكبر ورؤية النفس والحقد وطلب العلو على الناس وحب الشهرة ، كل هذه علوم قلبية تكتنف كل علوم الشرع ، لذلك فإن هذا العلم من أشرف علوم العباد ، هذا كلام ابن القيم في كتاب ( طريق الهجرتين و باب السعادتين ) [صفحة 176] يقول : (( هذا العلم هو أشرف علوم العباد و ليس بعد علم التوحيد أشرف منه ، و هو لا يناسب إلا النفوس الشريفة ، لا يناسب النفوس الدنيئة المهينة، فإذا رأى نفسه تناسب هذا العلم و تشتاق إليه و تحبه و تأنس بأقله فليبشر بالخير فقد أُهل له))
        فإذا وجدت نفسك متطلع إلى حال عباد الله الصالحين ، طالبٌ لرضا الله سبحانه وتعالى ، مشتاقٌ ومحتاج فاعرف أن نفسك شريفة ، فقل لنفسك : (( يا نفس قد حصل لكِ شطر السعادة فاحرصي على الشطر الآخر، فإن السعادة شطرين في العلم بهذا الشأن و العمل به ، فإذا علمتِ فقد قطعتي نصف المسافة فهلا تقطعين باقيها فتفوزين فوزاً عظيماً ))
        إذا سمعت هذا الكلام و علمته و تعلمته – نقصد المدارج – فبقي عليك أن تعمل فقط ، فإذا علمتها فقد قطعت نصف المسافة و بقي لك نصفها لتقطعه في العمل .
        ومن فوائد معرفة هؤلاء القوم :
        6 – أن العلم بكل حال خير من الجهل.
        يقول ابن القيم : (( إذا كان اثنان أحدهما عالم بهذا الشأن غير موصوف به و لا قائم به و آخر جاهل و غير متصف فهو خلوٌ من الأمرين ، فلا ريب أن العالم خيرٌ من الجاهل وإن كان العالم العامل المتصف بهذا الشأن خيراً منهما ، فينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه و ينزل في مرتبته )) .
        ومن فوائد معرفة هؤلاء القوم :
        7 – أنه إذا كان علمه بهذا الشأن همه ومطلوبه فلابد أن ينال منه ولو لحظة ولو بارقة ولو أن يحدث نفسه بالنهضة إليه.
        ومن فوائد معرفة هؤلاء القوم :
        8 – لعله أن يجري على لسانه ما ينتفع به غيره بقصده أو بغير قصده والله لا يضيّع مثقال ذرة فعسى أن يرحم بذلك العالم.
        انظر إلى كلام ابن القيم حين يقول : (( نصف حال القوم و ما شممنا له رائحة )) ، فإذا إستفاد أحدهم من هذا الوصف فيكون في ميزان ابن القيم ، و كذلك نفس الشيء عندما تسمع هذا الكلام و تفهمه و تتكلم فيه ، فإن عمل أحدٌ به يكون في ميزان حسناتك حتى و إن لم تعمل أنت به .
        أخوتي في الله .. انا أحبكم في الله لذلك نصيحتي لك :
        كما يقول ابن القيم : (( وبالجملة ففوائد العلم بهذا الشأن لا تنحصر ، فلا ينبغي أن تصغي إلى من يثبطك عنه ويقول لك إنه لا ينفع ، بل احذره واستعن بالله و لا تعجز و لكن ....... )) ، أخطر شيء دائماً ما يأتي بعد كلمة .. و لكن !!
        لكن .... الحلقة القادمة أذكر لك بعد لكن ..... ، لابد أن تتشوق و أن تراجع و أن تفهم.
        أراك الحلقة القادمة
        أحبك في الله
        و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


        تعليق


        • #5
          رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

          بسم الله الرحمن الرحيم
          الشيخ محمد حسين يعقوب
          تفريغ الحلقة الخامسة
          أحبتى فى الله .. لم أنسكم ، مازلت أذكر أننى قلت ( ولكن ... ) فهل تذكرون ؟!
          كنا نتكلم عن فوائد هذا العلم - علم القلوب أو علم الطريق إلى الله أو علم السير إلى الله سبحانه وتعالى- وذكرنا فوائد دراسة هذا العلم وأنك لا بد أن تدرسه وأن تفقهه وأن تفهمه ، خذه مؤصلاً على الكتاب والسنة ، خذه صافيا منقحاً بفهم السلف .
          هذا ما كنا توقفنا عنه : ( ولكن ... فرق بين العلم والحال ) ، ولكن فرق بين أن يكون الرجل عالماً بوجوه الغنى وبين أن يكون غنيا ً فعلا ً، بمعنى أنه هناك فرق بين رجل يعرف كيفية كسب المال ويعرف من أين يأتي به وبين رجل بالفعل لديه مال ، فرق بين رجل يعلم وجوه الصحة وبين الصحيح فعلاً ، فإياك أن تظن أنه بمجرد علمك بهذا الشأن أنك قد صرت من أهله .
          هيهات ...
          إياك أن تتخيل أنك بمجرد أن عرفت ما هي اليقظة والبصيرة والعزم والمحاسبة والتوبة والخوف والرجاء والإنابة والشوق فأنك تكون بهذا وصلت !! لا ..
          و لهذا سأسير معك فى المدارج خطوة خطوة ، ففي كل مدرجة سنعيشها من أجل الإنتقال بها إلى التي تليها ، بمعنى أنه عند شرح منزلة اليقظة ومعرفة ما هي اليقظة ؟ ثم نتدرج فى اليقظة درجة درجة ، الدرجة الأولى ثم الثانية والثالثة ، ثم بهذه المنزلة – باليقظة – نصعد لمنزلة البصيرة ثم إذا انتهينا من البصيرة ننطلق باليقظة والبصيرة للنزول فى مدرجة العزم وإذا انتهينا من العزم ننطلق باليقظة والبصيرة والعزم فنصعد للدرجة التى تليها .. وهكذا درجة درجة ..
          يقول أحدكم : (( طيب فهمنى أنا لسة مفهمتش لحد دلوقتى ايه موضوع مدرجة ومنزلة ده ؟! ))
          إذن أذكر لك كلام ابن القيم حرفياًَ ، ابن القيم – عليه رحمة الله يقول فى مقدمة المدارج : ( وقد أكثر الناس القول فى صفة منازل إياك نعبد التى ينتقل فيها القلب منزلة منزلة فى حال سيره إلى الله تعالى )
          كما ذكرت لك آنفاً ، شخص قادم من الرياض إلى مكة أو من أبها إلى مكة أو من المدينة إلى مكة ، فإنه يوجد منازل في الطريق ..
          ثم يقول ابن القيم عليه رحمة الله : ( المنازل إياك نعبد أكثروا فى عدها فمنهم من جعلها ألفاً ومنهم من جعلها مئة ومنهم من زاد ونقص فكلٌ وصفها بحسب سيره وسلوكه )
          مثلاً : عندما سرت أنا في الطريق و وصفت لك طريق الأسكندرية و قلت لك مدينة قليوب ثم .. إلخ ، هناك رجل أخر قد يبدأ من مكان أخر أقرب من قليوب .. فعليك أن تعرف أن كل شخص وصف الطريق حسبما سار فيه ..
          ثم يقول ابن القيم عليه رحمة الله : ( لأرباب السلوك إختلاف كبير فى عدد المقامات وترتيبها وكلٌ يصف منازل سيره وحال سلوكه لهم اختلاف فى بعض منازل السير هل هى من قسم الأحوال أم من قسم المقامات ؟! )
          و هنا أسمع أحدكم يقول : (( آآآآه هو ده اللى أنا خايف منه إن إحنا نضطر للكلام بطريقة صوفية .. ونقول : الأحوال والمقامات !! ))
          فأقول لك : لا تخف إن هذه الكلمة إذا كان لها أصل صحيح أو معنى صحيح فلا بأس ، لا مشاحة في الاصطلاح كما يقول الأصوليون ، ولكن إن لم يكن لها أصل صحيح أو تدل على معنى غير المعنى الشرعى لها فلا تأخذ بها و لا تنظر لها ، لا تقلق .. فإن هدفنا : كيف نسير بطريقة صحيحة إلى الله ؟!
          نعود و نقول : ما معنى كلمتيّ الأحوال والمقامات ؟!
          يقول ابن القيم عليه رحمة الله : ( المقامات كسبية والأحوال وهبية ومنهم من يقول الأحوال من نتائج المقامات والمقامات نتائج الأعمال فكل من كان أصلح عملا كان أعلى مقاما وكل من كان أعلى مقاماً كان أعظم حالاً )
          أقول أنا لك : لا .. خذها منّي بطريقتي أنا ..
          فالمقام مثل مقام الخشية والحال مثل حال البكاء ، فما الفرق بين الحال والمقام ؟!
          · الحال : هو الفعل الظاهر عليك الذي تحس به .
          · المقام : هو الذي أوصلك إلى هذا الحال.
          بمعنى : كثيراً ما أقول للأخوة المثال الآتي ، أن أحدهم يأتيني قائلاً : (( أنا قلبى قاسى عايز أبكى مببكيش )) أقول له : يا بُنى البكاء لا يُعلّم لأن البكاء حال إنما الذي يُعلّم هو المقامات .
          فأنا أُعلمك كيف تخاف من الله ؟! و كيف أنك عندما تخاف تبكى ؟! أُعلمك كيف تشتاق إلى الله ؟! و كيف عندما تشتاق تبكي ؟! أُعلمك كيف تستحى من الله ؟! و كيف عندما تستحي تبكي ؟! هذا هو ما نحتاج إلى تعلمه ، فهذا هو الفرق بين الحال والمقام .
          هذا ما أحتاجه ، هو أن يستنير لك الموقف ، هو أنك تفهم - تفهم دين – هو أن تفهم كيف تبكى ؟! هو أن تفهم كيف يرتجف قلبك ؟!
          يقول سبحانه وتعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) [الأنفال : 2] ، وإنما للحصر والقصر .
          فإذا ذُكر الله وقلبك لم يوجل !! فهذه مشكلة كبيرة !!
          قال الله تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) [الرعد : 28]
          فهل إذا ذكر الله يطمئن قلبك أم لا ؟! إن كان لا فهذه مشكلة !!
          ما أريد أن أعلمه لك هو كيف تفهم الأمر .. لكي تستطيع عمله !!
          فابن القيم يقول عليه رحمة الله : ( والصحيح فى هذا أن الواردات لها أسماء باعتبار احوالها فتكون لوامع وبوارق ولوائح عند أول ظهورها وبدوها كما يلمع البارق ويلوح من بُعد فإذا نازلته وباشرها فهى أحوال فإذا تمكنت منه وثبتت له من غير انتقال فهى مقامات لوامع ولوائح فى أولها وأحوال فى أوسطها ومقامات فى نهايتها فالذى كان بارقاً هو بعينه الحال والذى كان حالا هو بعينه المقام هذه الأسماء باعتبار تعلقه بالقلب وظهوره له وثباته فيه )
          يقول لي أحدهم : (( والله ما فاهم)) فأقول له : (( حاضر هفهمك بس بالراحة خليك معايا شوف يا سيدى))
          إن كنت جالساً معنا وسمعت حديث سيدنا النبى صلى الله عليه و سلم و هو يقول : <<عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ... >> [(صحيح) انظر حديث رقم: 4071 في صحيح الجامع]
          وسمعت وأنا أتكلم عن الصدق بعض الأحاديث بعض الآيات فى فضل الصدق فأحببته ، والإمام أحمد يقول ( الصدق مرآة فى يد العبد يرى بها ) ، فحدثتك نفسك و قلت : (( الواحد نفسه يصدق الصدق ده شئ جميل)) ، هذا اسمه بارق هذه هي اللوائح ، فإذا كلمتك عن الإخلاص أو كلمتك عن الإخبات أو كلمتك عن الحب أو كلمتك عن الخوف أو عن الرجاء أو عن الحياء كل هذه الأشياء اسمها لوامح و بوارق.
          و هذا ما قاله ابن القيم عليه رحمة الله : ( أن الواردات لها أسماء باعتبار احوالها فتكون لوامع وبوارق ولوائح عند أول ظهورها وبدوها)
          فعندما سمعت أول مرة عن الصدق هذا السماع هو بارق ، وعندما بدأت تتحرى الصدق وتصدق فهذا هو الحال ، ما هو حالك ؟! حالي صادق ، فأصبح هذا هو الحال أنك إذا تكلمت تصدق.
          يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : << وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا >> فأصبح في مقام الصديقين ..
          هل هذا الكلام به شيء من الصوفية !! ها هو كله سلفي ، المشكلة فقط كلمة لوامح ولوامع و بوارق وحال ومقام هي إلتي دخلت فقط من أجل وصف المعنى و التقريب ، فتسمية المعاني فقط حتى تكون محطات وعلامات تدل و تميز من أجل الفهم ليس أكثر ، إذن فلا يأتي أحدهم قائلاً كلمة حال و مقام هو كلام صوفي ، و لكنه إصطلاح وُضع لبيان حال وهذا الحال هو مشاعر وأحاسيس ليس لها اسم أصلاً ، فيقول لي أحدهم : (( يعني الصحابة عدوا بالمراحل دي )) ..أقول له : أليس هذا هو كلام النبي ؟!
          ((عليكم بالصدق )) فهذه هي اللوامح والبوارق ، (( و لايزال الرجل يصدق )) فهذا هو الحال ،
          (( حتى يكتب عند الله صديقاً )) و هذا هو المقام
          يقول ابن القيم : ( فالذي كانت بارقاً هو بعينه الحال والذي كان حالاً هو بعينه المقام وهذه الأسماء له باعتبار تعلقه بالقلب فالحال ثمرة العلم و لا يصفو حال إلا بصفاء العلم المثمر له الواردات - أيها الأخوة - يجة العلم و العلم يدعو صاحبه إلى المقام الذي جاء منه الوارد كما تدعو رائحة البستان الطيبة إلى دخولة و المقام فيه و هذا لأن الرجل قد يكون عالماً بالشيء و لا يكون متصفاً بالتخلق به واستعماله فالعلم شيء و الحال شيء أخر )
          وهذه كانت أول حلقتنا اليوم التي بدأت بكلمة ( و لكن ... ) فالعلم بالشيء أمر .. و الحال أمر أخر ..
          ثم يقول ابن القيم رحمه الله : ( فعلم الصحة و علم الشكر و علم العافية غير حصولها و الإتصاف بها فإذا غلب عليه حال تلك المعلومات صار علمه بها كالمغفول عنها و ليس بمغفول عنها بل صار الحكم لحال ، فالعبد يعرف الخوف من حيث العلم و لكن إذا اتصف بالخوف و باشر الخوف قلبه غلب عليه حال الخوف و الإنزعاج و استغرق علمه في حاله فلم يذكر علمه لغلبة حاله عليه)
          و هذا الكلام يعني : أنه قد يوجد إنسان يعلم فضل الخوف من الله يعلم وجوب الخوف من الله ، هو يعلم بالفعل و هذا شيء جيد و لكنه ليس خائفاً بالفعل ، و لكنه عندما يشعر بالخوف لا يصبح الأمر مجرد علماً بالأمر بل يصبح إحساساً ينسيه الغرور الذي أصيب به بسبب العلم في باديء الأمر .
          من كان هذه حاله ظفر بالإستقامة لأن العلم إذا أثمر الحال نتج عنها الإستقامة في الأعمال وتقع الأعمال على وجه الصواب وتحقق صاحبها في صدق ما هو عليه واستحق اسم النسبة إلى صحة العبودية لله فقد قال الله تعالى : ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) [الحجر : 42] ، و هذا هو المراد .
          إذا استطعت أن تصل إلى هذه المنزلة وأن تنسب إلى الله !! فقد قال سبحانه و تعالى : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ) [الفرقان : 63] ، وقال سبحانه وتعالى : ( يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ) [الزخرف : 68] إذا استطعت أن تصل إلى أن تكون عبد الله !!
          المقصود إن الإنسان ينتقل من أحكام العلم وحده إلى أحكام العمل بالحال فإن إنفراد العلم عن الحال تعطيل و بطالة ، والأكمل أن ينتقل من العلم إلى الحال
          يقول ابن القيم : ( قد ينسلخ الإنسان من مقامه كما ينسلخ من الثوب و ينزل إلى ما دونه ثم قد يعود إليه و قد لا يعود .. )
          سوف نتكلم عن اليقظة والبصيرة والفكرة والعزم سنصعد درجة درجة ، فمن الممكن أن ينتقل المرء من درجة إلى درجة ، ولكن من الممكن أن يسقط بين هذه الدرجات و المنازل ، هذا السقوط من الممكن أن ينهض منه مرة أخرى و من الممكن أن لا يستطيع النهوض فيخسر كل ما فات !!
          ونريد أن نشير أيضاً قبل الدخول في مدارج السالكين إلى أن الترتيب – ترتيب المدارج - لا يخلو من تحكم و دعوة فإن العبد إذا التزم عقد الإسلام و دخل فيه كله فقد التزم لوازمه الظاهرة والباطنة ومقاماته وأحواله ، له في كل عقد من عقوده وواجب من واجباته أحوال ومقامات لا يكون موفياً لذلك العقد والواجب إلا بها كلما وفّى واجباً أشرف على واجب أخر بعده وكلما قطع منزلة استقبل منزلة أخرى وقد يعرض له أعلى المقامات والأحوال في أول بداية سيره.
          كمثال : ونحن نقول: ( ليست العبرة بمن سبق إنما العبرة بمن صدق ) ، فشخص التزم اليوم وآخر ملتزم من سنين والذي التزم اليوم نزل في منزلة الحب - حب الله – سبحان الله العظيم .. كيف هذا ؟! إنه رزق الله ، صدق فقد صدق مع الله سبحانه و تعالى فرزقه الله ، ليس شرطاً أبدا أن أقول : لا .. لابد أن يمر باليقظة ثم البصيرة ثم الفكرة ثم .... إلخ ، ليس شرطاً فهذه أرزاق و مواهب ولا حرج على فضل الله ، فمن الممكن أن يكون هناك من هو ملتزم منذ عشرون عاماً ولم يصل بعد إلى منزلة الشوق و آخر بعد إلتزام بسيط فتح عليه الله سبحانه و تعالى في هذا الدين ووصل إلى هذه المنزلة.
          و لهذا يقول ابن القيم عليه رحمة الله : ( قد يعرض له أعلى المقامات في أول بداية سيره فيفتح عليه من حال المحبة و الرضا و الأنس و الطمأنينة مالم يحصل بعد لسالك في نهايته و قد يحتاج هذا السالك في نهايته إلى أمور من البصيرة و التوبة و المحاسبة أعظم من حاجة صاحب البداية إليها فليس في ذلك ترتيب كلي لازم للسلوك) ، فليس فرض و لا شرط بل إن التوبة التي جعلوها من أول المقامات هي غاية وهي نهاية المقربين.
          سنجد أن الترتيب سيكون كالآتي : اليقظة الفكرة البصيرة العزم المحاسبة التوبة الإنابة ، و سنجد أن التوبة قد نحتاجها أيضاً بعد التسعة و تسعون منزلة و نجد أن المحاسبة التي هي في أوائل المنازل مع اليقظة سنحتاجها أيضاً في النهاية .
          و لهذا يقول ابن القيم رحمه الله : ( واعلم أن السائر إلى الله لا ينقطع سيره إلى الله ما دام في قيد الحياة )
          فالكل سائر إلى الله !!
          جلس أحد الناس أمام عالم فرأي شيب لحيته ، فقال : كم عمرك ؟
          قال : ستون سنة.
          قال : ستون سنة و أنت إلى الله سائر أوشكت أن تدركه !!
          إذن القضية ليست في العمر ، إنما القضية أن الكل يسير إلى الله ، و لكل إنسان سائر له عمر قد يكون عشرون عاماً و قد يكون أقل أو أكثر ولكن المهم أن هذا الإنسان وهو سائر إلى الله عند نهاية عمره سيسقط في القبر،إذن الكل يسير و لا توقف عن السير والكل يسير إلى الله ، يقول الله تعالى : ( إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ) [القيامة : 12] الكل يسير إلى الله و في نهاية الطريق القبر سيسقط فيه و يحاسبه ربك ، قال الله تعالى : (... وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) [النور : 39] فالإنسان سائر إلى الله و لا توقف و لكن إلى ماذا تسير ؟! إلى جنة أم إلى نار ؟! حسنات تحملك أم سيئات تحملها ؟!
          ثم يقول ابن القيم رحمه الله : (فالسائر لا ينقطع سيره مادام في قيد الحياة و لا يصل العبد مادام حياً إلى الله وصولاً يستغني به عن السير اليه البتة .. هذا عين المحال)
          إذن عندما نقول : أننا نريد الوصول إلى الله ، لا نقصد بهذا كلام الصوفية ، لا .. افهمها بطريقتي أنا .. وهي : أنه لا أحد في هذه الدنيا سيصل إلى الله وصولاً يستغني به عن السير فهذا عين المحال.
          إنما أقصد بالوصول هو أنك تقابل الله بما يرضيه ، تقابله وهو عنك راض .
          أخوتي .. أحبكم في الله
          يا ترى لو قضيت حياتنا اليوم وقابلنا ربنا هل ستجده راض عنك ؟! هل ستجده يحبك ؟! هل سيفرح بلقائك ؟! أم أنه عليك غضبان ؟!
          (( أنا هسيبك الليلة دي كدة تفكر في دي و تعمل لها في إصلاح الحال ؟! ))
          يسألني أحدهم : ((طب أعمل إيه ؟!))
          أقول : ((انا بقا أقولك تعمل إيه؟! الحلقة القادمة )) ..
          بحبكم في الله
          و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


          تعليق


          • #6
            رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

            بسم الله الرحمن الرحيم
            شرح كتاب مدارج السالكين
            الشيخ محمد حسين يعقوب
            تفريغ الحلقة السادسة
            أحبتي في الله .. إننا نريد السير إلى الله ، دعك من كثرة الكلام ومن كثرة الوصف ومن كثرة التمهيد نريد أن نسير فعلاً إلى الله سبحانه وتعالى ، هذا حماس الشباب وأنا أقول لك لابد لكل عملٍ من أصول ، فدعونا نعمل عملاً على أصوله .
            يا أخوة أفشيكم سراً أنني شرحت المدارج مرتين قبل ذلك وهذه هي المرة الثالثة ، المرة الأولى من سنة 85 ميلادياً وانتهت سنة 95 ميلادياً عشر سنوات ، وكانت في مساجد مختلفة بدأنا في مسجد الرحمة في الهرم ثم انتقلنا إلى أنصار السنة في عابدين ، ثم انتقلنا قبيلة في العتبة ، ثم انتقلنا إلى الرحمة المهداه في المطرية ، وكان شرح عام جماهيري ، ثم في سنة 95 بدأنا شرحاً أخر أكثر تركيزاً وهدوءًا وموضوعية وهذه هي المرة الثالثة.
            أقول أنه في كل مرة شرحت المدارج استفدت شيئاً جديداً ، تعلمت شيئاً جديداً ، تعاملت معها بطريقة جديدة ، والحمد لله أن الشروح الثلاثة موجودة ومنشورة ، تستطيع أن تسمعها ، ستجد الإتفاق في الحلقات الماضية نفس الكلام فوائد السير والمصطلحات والأساليب نفس الأمثلة لكنك ستجد روحاً أخرى ولابد ، في المسجد شيء ، والمجالس شيء ، والتسجيل شيء أخر ، والشاهد الذي حضروا كثيرون والذين استفادوا كثيرون أما الذين عملوا قليلون ندرة لماذا ؟!
            لأننا مازلنا كما قال ابن الجوزي لما قال له أحدهم : (( أنا لم أنم منذ الأمس شوقاً إلى المجلس )) قال : (( لأنك تريد أن تتفرج ، المراد ألا تنام الليلة من هول ما سمعت )) .
            وصلت !! إن الكل يريد أن يتفرج ، الكل يريد أن (( يتمزج )) ، الكل يرد أن يسمع ، الكل يريد أن يقول أنا سمعت أنا تفرجت !! كن من الذي يريد العمل ، هذه هي العمل.
            دعونا نقول لك وأنت تسأل : (( ماذا أعمل ؟ )) أقول لك أن يشتد سيرك إلى الله كلما سمعت ، كلما سمعت اعمل أكثر ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق إجتهاداَ وقياماً بالأعمال ومحافظة عليها وزيادة فيها إلى أن توفاه الله ، فكان صلى الله عليه وسلم كل يوم في زيادة ، وكذلك العلماء عندما فسروا استغفار النبي في الحديث : << استغفروا ربكم إني استغفر الله وأتوب إليه كل يوم مئة مرة >> [(صحيح) انظر حديث رقم: 944 في صحيح الجامع] ، فيقولون : أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان كل يوم يرتفع مقاماً فيرى ما كان عليه من نقص بالأمس فيستغفر ويتوب ، كل يوم زيادة كل يوم في علو.
            لذلك بعضهم يقول : (( صحبت الإمام أحمد عشرين سنة فما رأيته إلا كل يوم في زيادة )) ، هذه هي يا أخوة التي وضعتها لك في كتاب أصول الوصول والتي هي : (( أنجز كل يوم شيئاً جديداً )) ، أن يكون كل يوم في شيء جديد تقوم به في حياتك ، اليوم تقول : سبحان الله وبحمده مئة مرة غداً ستكون كم ؟! تقول : أستغفر الله بالأمس بلا قلب اليوم ما حال قلبك ؟! في قيام الليل كانت الركعات عددها ثمانية ركعات منهم أربعة مهدرين اليوم أصبحوا كم ؟! كل يوم في زيادة هذا هو الحل الوحيد من أجل صلاح الأحوال والوصول إلى الله سبحانه وتعالى .
            انتبه وأأكد على المعنى الذي ذكرته في أخر اللقاء الماضي أنه لو أتى العبد بأعمال الثقلين جميعها ، لم تفارقه حقيقة السير إلى الله وكان بعد في طريق الطلب والإرادة ولذلك كلام ابن القيم يقول فيه : (( وعلى هذا فإن تقسيم السائرين إلى طالب وسائر وواصل أو إلى مريد يريد الله ومراد أعلى منه يريده الله تقسيم فيه مساهلة لا تقسيم حقيقي فإن الطلب والسلوك والإرادة لو فارق العبد لانقطع عن الله بالكلية )) لا يوجد شيء اسمه واصل ومراد ، لكن عندما نأتي إلى منزلة المراد سترى شرحها كيف يراد العبد وهو أن يأخذ ربنا بيده وناصيته إليه ويدله على الخير ويعينه عليه هذا هو مقصدنا من المراد .
            الشاهد : اللهم خذ بأيدينا ونواصينا إليك أخذ الكرام عليك ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً واجعل ما علمتنا حجة لنا لا علينا ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا إجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل ، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك إياك نعبد وإياك نستعين .
            أيها الأخوة ، قبل أن ندخل إلى منزلة اليقظة فلابد ابتداءً أن أقول لك أنه وإن كان الكل سائراً إلى الله إلا أنه تتنوع طرق السير بحسب إختلاف الأحوال فمن السالكين من يكون سيره ببدنه وجوارحه أغلب عليه بسيره بقلبه وروحه ومنهم من سيره بقلبه أغلب عليه - أعني قوة السير وحدته - ومنهم وهم الكمل – اللهم اجعلنا منهم - الأقوياء من يعطي كل مرتبة حظها وحقها فيسير إلى الله ببدنه وجوارحه وقلبه وروحه .
            يا أخوة الناس مختلفون قال الله في أخر آية في سورة الأنعام : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [الأنعام : 165] ، فإن ربنا سبحانه وتعالى رفع الناس بعضهم فوق بعض درجات ، فكما يتفاوت النظر والسمع والقوة العقلية ، كذلك تتفاوت القوة القلبية والقوة البدنية.
            من كلام ابن القيم في طريق الهجرتين وباب السعادتين أن الإنسان فيه قوة علمية وقوة عملية وأن الطريق إلى الله عز وجل يتنوع بتنوع ما يرضيه سبحانه وتعالى فالناس ليسوا كمثل بعض في السير إلى الله.
            فمن الناس من يسير ببدنه - يعني أسهل عليه أن يصلي في اليوم مئة ركعة أو يصوم لكن صعب جداً أن يستحضر قلبه في المئة ركعة ، فالعمل البدني عنده أسهل.
            لهذا كان بعض الفقهاء - أو بتذكر عن الإمام مالك - أنه لما حنث أحد الأمراء في يمين قال له : تصوم ثلاثة أيام – هذه تذكر ولا أدري صحتها وأنا لا أقول بها في هذا المذهب – قالوا له : أليس الأصل كفارة اليمين اطعام المساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ؟! فقال : إن اطعام المساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة سهلة عليه جداً ، لكن صيام ثلاث أيام هي التي سوف تذله إلى الله .
            أقصد من المثال : أن الأعمال تتفاوت ، فلو قلت لواحد تصدق بمئة جنيه يتصدق لا يهمه شيء ، لكن إن قلت له قم بصيام يومين تشق عليه ، وهذا هو المراد في التأديب والتربية والتزكية.
            ومنهم من يسير بقلبه ، لكن ضعيف في العمل يصلي ركعتين ولكن بقلب ، يذكر الله عشرة ولكن بقلب ، يقرأ ربعين بقلب ، والآخر يقرأ عشرة أجزاء ، يوجد أناس هكذا وهكذا هي مواهب كما قال الله في الآية التي ذكرناها ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [الأنعام : 165] .
            وأما الكمل – اللهم اجعلنا منهم –الذي يسير بكلا الأمرين يقرأ عشرة اجزاء بقلبه ويصلي مئة ركعة وبقلبه ويصوم شهر كامل لا يفطر إلا أيام الجمعة وبقلبه.
            يقول ابن القيم : (( وقد أخبر الله سبحانه عن صفوة أوليائه بأنهم دائماً في مقام الإرادة له )) عندما نأتي لمنزلة الإرادة ستتضح الأمور ، أخوتي لو كان الأمر منّي سأجعلها بعد اليقظة مباشرة لماذا ؟ لأن موضوع الإرادة سنتعرض فيه لموضوع كذب الإرادة ، بعضنا كاذب في إرادته قال سبحانه وتعالى : ( وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً ) [الأحزاب : 13] فانظر هنا الإرادة هي الفرار ويكذبون ويقولون لا نحن معك فهذا هو كذب الإرادة.
            وسيأتي معنا في منزلة الإعتصام : صون الإرادة ، يعني أن تكون رأسك تحت السيطرة يعني لا تريد إلا ما يريد الله يقول الله سبحانه وتعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) [القصص : 83] يعني تكون تحت السيطرة تحت التحكم لأن هناك بعض الناس إرادته مفتوحة يريد سيارة وشقة وعروسة.
            يقول أحدهم : (( هو حرام يا عم الشيخ ؟! )) ، أقول : (( لا مش حرام .. إحنا بنتكلم كلام عالي بقا معلش دي تالت مرة مش هنقعد نطبطب لسة افهمني )) .
            عندما تكون الإرادة تحت السيطرة والتحكم فيكون السؤال : ماذا تريد ؟! أريد رضا الله ، وماذا أيضاً ؟ لا شيء.
            عندما تريد رضا الله يأتي لك رضا ربنا بالسيارة بالعروسة بالعمل بالشقة كل هذه معونات موصلة إلى رضا الله مستعملة مقودة وليست هي الغاية ولا الإرادة ، لهذا أخبر ربنا سبحانه تعالى أن هؤلاء القوم دائماً يريدون الله قال الله تعالى : ( وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ) [الأنعام : 52] وقال الله تعالى :( وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ، إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ) [الليل : 19 – 20] حصر وقصر ، إذن هو لا يريد إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ، هذه هي أحلامك آمالك رغباتك شهواتك تحت السيطرة والتحكم في يدك .
            يقول ابن القيم : (( فصل في وصف طريق قريب موصل إلى الإستقامة في الأقوال والأعمال والأحوال ثم ذكر أن هذا الفصل ينبني على قسمين
            1-صدق التأهب للقاء الله
            2-حفظ الخواطر )) .
            هذه هي حفظ الإرادة ، أنك تحفظ أهوائك آمالك العريضة نفسك ،يقول لي أحدهم : (( يعني الواحد ميحلمش؟! )) أقول لك : نعم ، لا تحلم ، ولهذا يقولون أن السائر إلى الله ابن وقته ، في هذا الوقت ما هو الواجب عليّ ؟! ،فالعبد أخص أوصافه وأعلى مقاماته أن يكون صادق الإرادة عبداً في إرادته بحيث يكون مراده تبعاً لمراد ربه الديني منه ليس له إراده في سواه لا يريد إلا هذا ، أقول كثيراً أن بعض الناس يعيش على مراده من الله أما الصحيح أن تعيش على مراد الله منك .
            أي أنه يصلي حتى يرزقه الله بالمال ،ذهب ليجح من أجل أن يدعو الله أن يشفي له زوجته ، تصدق حتى ينجح أولاده ، يعيش على أنه يريد ماذا من ربه ؟!!
            وبعض الناس يعيش على مالذي يريده ربنا في هذه الحالة ؟!
            فالمطلوب منك أن تعيش على مراد الله منك ولن تخسر اطمئن ..
            كن لله كما يريد يكن لك فوق ما تريد
            وبهذا نكون وصلنا إلى النهاية ، سوف ندخل في منزلة اليقظة ولكن قبل البدء أختم هذه النقطة بكلام لابن القيم يقول فيه :
            (( واعلم أن منتهى همة الصادقين أرباب البصائر إلى ثلاثة أشياء :
            1 – الكشف عن منازل السير
            2 – الكشف عن عيوب النفس وآفات الأعمال ومفسداتها
            3 – الكشف عن معاني الأسماء والصفات وحقائق التوحيد والمعرفة ))
            ينتفض أحدهم الآن ويقول : منازل السير أولاً والأسماء والصفات آخراً !!!!
            أقول له : يا بُني ، هل الطفل يدخل الجامعة أولاً أم يدخل حضانة أولاً ؟! يجب بالطبع أن يدخل حضانة أولاً حتى يتعلم ( أ – ب ) ثم عندما يدخل ابتدائي يتعلم (1 – 2 وحساب ) ثم عندما يدخل إعدادي يبدأ يتعلم علوم ومواد اجتماعية ثم عندما يدخل ثانوي يتعلم رياضة وتفاضل وكيمياء ثم يدخل الجامعة يبدأ يدخل المعمل ويلاحظ النتائج ويقوم بعمل بحوث ، أليس كذلك ؟!
            هذه هي منازل السير هي ( أ – ب ) مشكلتك أنك لا تعلم ، لم تسمع ، لم يعلمك أحد ، لهذا تستعجب أن منازل السير إلى الله مهمة !! نعم هذه هي ( أ – ب ) كحضانة هذه هي الحضانة .
            ثم الكشف عن عيوب النفس وآفات الأعمال ومفسدات الأعمال:
            يا جماعة حتى لا أطول عليكم ، ابن القيم في طريق الهجرتين وباب السعادتين قال أنه لابد لكل سائر من قوتين قوة علمية وقوة عملية.
            · أما العلمية فهي التي تكشف له علامات الطريق وآفاته.
            · والقوة العملية هي السير نفسه.
            فالذي يسير إلى الله معه العلم بالطريق التي هي الأولى ( منازل السير ) والثانية هي ( السير ) وسيسير بماذا ؟! بالطبع بجسمه الذي هو عبارة عن نفس وقلب وروح والنفس هي أكبر عائق في الطريق إلى الله ، سيأتي معنا في منزلة الإخبات : أن النفس جبل شاق وعر في طريق السير إلى الله ، فلابد أن يعرف الإنسان عيوب نفسه لكي يرى هل سيصل أم لا ؟! هل ستكون نفسه ستكون قاطعة بينه وبين ربنا أم ستوصله ؟! ستعينه أم ستضيعه ؟! لهذا كان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في كل خطبة يقول ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأيضاً دل الرجل الذي دخل الإسلام حديثاً أبو عمران بن حصين لما قال له علمني دعاء أدعو به يا رسول الله قال له : قل اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي .
            وأخيراًً : الكشف عن معاني الصفات والأسماء :
            هنا تعرف ربك ، لكي تنطلق إليه هذه الأبواب الثلاثة هي مجامع علوم القوم عليها يحومون وحولها يدندنون.
            تعالوا معاً نذكر منازل العبودية :
            هي حدود ما أنزل الله على رسوله وقد وصف الله تعالى من لم يعرفها بالجهل والنفاق فقد قال الله تعالى :
            ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) [التوبة : 97] فبمعرفة حدودها دراية والقيام بها رعاية يستكمل العبد الإيمان فيكون من أهل إياك نعبد وإياك نستعين ، نذكر لها ترتيباً ليس مستحق ولكن مستحسن ليكون أقرب إلى تنزيل المعقول إلى منزلة المشهود بالحس فيكون التصديق أتم ومعرفته أكمل وضبطه أسهل هذه فائدة ضرب الأمثال ، كمثال السفر الذي ذكرناه من قبل نفس الشيء فقد أكثر الله من ضرب الأمثلة في القرآن ولذلك كثيراً ما سأضرب لك أمثلة في السير والطريق والسبيل إلى الله سبحانه وتعالى.
            أخوتي في الله لكل مسافر همة قبل السفر العزم على السير أخذ أهبة السفر أترككم الليلة لتعقد العزم وتستجمع الهمة وتتخلص من القواطع لننطلق في سير صحيح إلى الله يبلغنا رضاه.
            هل أنت مستعد ؟!
            هيا بنا في الحلقة القادمة
            أحبكم في الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


            تعليق


            • #7
              رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

              بسم الله الرحمن الرحيم
              شرح كتاب مدارج السالكين
              الشيخ محمد حسين يعقوب
              تفريغ الحلقة السابعة
              هذه هي الحلقة السابعة من شرح مدارج السالكين ، أسأل الله عز وجل أن يجعل عملنا كله صالحا وأن يجعله لوجهه خالصا وألا يجعل لأحدٍ فيه غيره شيئا .
              أحبتي في الله ونحن في مدارج السالكين سنتعرض للشرح فإن منطلقنا سيكون كما ذكرتُ في اللقاء الماضي أن آخذ بيدك على سبيلٍ صحيح ، على جادّة تُوصلك إلى رضا الله ، تُبلغُلك محبة الله ، توصَّلُك إلى ما يُرضي الله جلَّ جلاله.
              أيُها الأخوة ... أعذروني إن قلت ما أكثر التائهين في هذه الأيام !! ما أكثر الضائعين !! وإنني قد أعذر البعض منهم لأنني أعذره لأنه لم يجد اليد الحانية التي تأخذ به إلى طريق ، إلى هدى.
              ولكن أخوتي في الله ، أنا أحبكم في الله ... الله جلَّ جلاله قال {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ، وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى } [الليل : 12 - 13] ، { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى } [الليل : 12] ، أوجب على نفسه الهدى وقال سبَّحانه : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } [البلد : 10] ، وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم << الحلال بين والحرام بين ... >> [(صحيح) انظر حديث رقم: 3193 في صحيح الجامع] ، هذه تدل على أن الهداية موجودة وإنما لا يصح لأحدٍ أن يضلَّ بمعنى أن يكفُر أو أن يضَّل بمعنى يفسق أو يفجُر ، وإنما قصدي فيما أردت أن يؤخذ بيده إلى مدارج السالكين ، ليرتقي فيصعد في هذه المدارج ليصل إلى الله جلَّ جلاله وصولاً سليماً.
              أحبتي في الله نبدأ هذه المدارج وأضعُ لنفسي - وسامحوني - في البداية شرطاً وهو أنني سأتوسع بعضُ الشئ ستجدون توسعاً في مواطن وهذا التوسع لابد منه ولي فيه سُنَّة أذكرها بدايةً ، وإنما أذكر هذه الاستطرادة لأن البعض يعيَّب هذا التوسع وهذا التبسيط الشديد فأنظر ، << سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته >> [قال الشيخ الألباني : صحيح] السؤال : أفنتوضأ بماء البحر ؟! و كان يكفيه أن يقول له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : نعم ، ولكن أسمع الإجابة : قال رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم << هو الطهور ماؤه الحل ميتته >> .
              فأجابه بأكثر مما سأل ؛ الرجل يسأل نتوضأ بماء البحر؟! الرسول يقول : نعم توضأ بماء البحر وانتهت القضية ، لكن أجابه إجابة عامة أن ماء البحر طهور لا يصلح للوضوء فحسب بل لكل شئ ، طهور ؛ لوضوء ، لغُسل ، لإزالة نجاسة لغيره ، هذا ماء طهور ثم زاده أمراً لم يسأل عنه مُطلقاً فقال << الحل ميتته >> لماذا ؟ لأن الرجل إن كان قد اشتبهت عليه مسألة طهارة ماء البحر لتغيير طعمه ورائحته فمن باب أولى أن تلتبس عليه ميتةُ البحر وهو يعلم حُرمة الميتة .
              فلذلك من هذا الباب أقول أننا قد نتوسع في مسائل لم يتعرض لها الكتاب لأنها تلتبسُ على أهل عصرنا فنحتاج إلى تبسيط القضية وتحديدها تحديد لكي لا يُفهم من كلامنا أشياء توافق الهوى ، لأن بعض الناس يسمع كلام ثم يحمله على هواه ودليلي في ذلك أيضاً حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : << من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ، فقال صلى الله عليه وسلم : بئس الخطيب أنت قل : ومن يعص الله ورسوله >> [رواه مسلم] ، قال العلماء أن هذا الأمر وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعاب على هذا الخطيب جمع الله ورسوله في ضمير واحد لـئلا يلتبس على الناس ويُخلط ما لله من حق بما لرسوله من حق وموضع الخُطبة موضع تفصيل ينبغي أن يُفصَّل.
              فهذا هو الشاهد أن موضعنا هنا موضع تفصيل ، تبسيط ، فإذا كان هناك طالب علم متقدم ، فأنا أُخاطب (( الغلابة )) ، المساكين الفقراء ، الذين في بداية طريق الإلتزام أو الذين لم يلتزموا بعد ، يريدون الإلتزام يحبون الله ورسوله خطابي إليهم ؛ أما المتقدم الذي يعرف كيف يصل ؟! فلا ينشغل بنا ، و نحن لا ننشغل به ، له سبيل أخر و قد جعل الله لكل شئ قدر ، و جعل الله عز و جل لكل إنسان ما يعينه على سلوك طريقه.
              هذه هي النقطة الأولى : شيء من التفصيل و شيء من التوسع ، نبدأ و الله المستعان ؛ أول منزلة من منازل السائرين و مدرجةَ من مدارج السالكين:
              1. اليقظة
              وقبل أن نبدأ أدعو ربي : ( اللهم يا أرحم الراحمين يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم اللهم صلِ على النبي محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا واللهم إنا نسألك أن ترزقنا الإخلاص في القول والعمل اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل اللهم ارزقنا الصدق في طلب الإخلاص اللهم اجعل هذا العمل خالصاً لوجهك الكريم ، اللهم اجعله بركةً علينا وعلى أمة محمد ، اللهم ارزقنا العمل بما سمعنا ، علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، اللهم اجعل ما علمتنا حجة لنا لا علينا ، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك ، اللهم إني أعوذ بك أن أُذكّر بك وأنساك ، اللهم اجعلني أول المنتفعين بهذا العلم وانفع المسلمون جميعاً به ، اللهم إنا نعوذ بك أن يُخالط قلوبنا بعد تحريرالإخلاص فيها ما يسوئنا ويضرنا ، اللهم إنا نسألك أن تتم لنا هذا العمل بخير يارب يّسر وأعن وتمم بخير يا كريم ، اللهم كما يسَّرت البداية فيسَّر التمام ، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم اجزِ كل من أعان على هذا العمل خير الجزاء ، اللهم اجعله في موازين حسناتنا جميعاً وارفع به درجاتنا ، اللهم إنا نسألك أن تقبلنا في عبادك الصالحين ، وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين ، آمين آمين آمين ).
              نبدأ أيها الأخوة من كتاب ( تهذيب مدارج السالكين ) ليس من المدارج الأصل وإن كنت سأعود إلى الأصل أحياناً لكن الترتيب في البداية الذي جمعه الشيخ العزي أكرمه الله عز وجل وحفظه وعافاه ترتيب جيد يقول وحين أقول يقول الشيخ ، الذي حدث أن الشيخ العزيَّ خَلَطَ كلام ابن القيم بكلام أبي إسماعيل الهروي أدخل كلامهما في بعض ، وهذا لم يعجبني سنحرر كل كلام ولكن بعد مرور منزلة اليقظة أو المنازل الأربعة الأساسية.
              جعل الشيخ أن هناك أربعة منازل أساسية اليقظة ، الفكرة ، البصيرة ، العزم ، هذه أربعة منازل أساسية هذه المنازل الأربعة كالقواعد ، أربع قواعد القاعدة كالقاعدة الخرسانية المسلحة التي يبنى عليها الأعمدة ثم يقام عليها السقف ، هذه هي الأربعة أولها : اليقظة ، يقول الشيخ عليه رحمه الله وعندما أقول الشيخ تكون المسألة أعم ، الشيخ من ؟! الشيخ أبو إسماعيل الهراوي أو الشيخ ابن القيم ، يقول الشيخ : (( فأول منازل العبودية اليقظة وهي إنزعاج القلب لروعةِ الانتباه من رقدة الغافلين )) هذا هو تعريف اليقظة ، إنزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين.
              يا أخوة قلنا الآن تعريف اليقظة وسوف نقوم بشرح تعريف اليقظة ، لكن أريد أن أقول لك أنك قد لا تحتاج إلى تعريف، وقد قلت هذا الكلام في الشوق في الشرح الذي مضى ، أقول لك ما هو الشوق ؟! الشوق هو هبوب القلب لغائب ، دعنا من هبوب القلب لغائب ، أنت مشتاق أن ترى أباك ؟ مشتاق لأولادك ؟ مشتاق لأمك ؟ مشتاق أن تركب سيارة ؟ مشتاق أن تغير شقتك ؟ أنت تعلم ماذا تعني مشتاق ؛ لست محتاجاً أن أقول لك هبوب قلب للقاء غائب ؛ لن تفهمها ولو فهمتها سيكون كلام ، أنا لا أريد الكلام اليوم ؛ أنا أريد الأحاسيس أريد المشاعر أريد الواقع ، فعندما أقول لك أنت مشتاق إلى الله ؟؟ تقول لي : (( طيب إزاي ؟؟ )) أقول لك : مثل ما أنت مشتاق لأمك ، مثل ما أنت مشتاق لزوجتك التي لم تراها سنة مثلاً ، مثل ما أنت مشتاق لابنك عندما تكون غائب عنه أسبوعين أو شهرين ، هذه هي القضية.
              اليقظة إنزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين سنشرحها لكن أنت تعلم ما معنى يقظة تعني كمثال : (( واحد كان نايم وإيه وصحي )) لكن الصحوة لله هذا موضوع مختلف ، انزعاج القلب ، ابن القيم عندما يشرح هذا الكلام يقول : إنزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين هذا كلام الهروي في منازل السائرين ؛ ابن القيم في مدارج السالكين يقول : (( ولله ما أنفع هذه الروعة وما أعظم قدرها وخطرها وما أشد إعانتها على السلوك فمن أحس بها فقد أحس والله بالفلاح وإلا فهو في سكرات الغفلة فإذا انتبه شمَّر لله بهمته إلى السفر إلى منازله الأولى و أوطانه التي سُبي منها ))
              يقول في شرح اليقظة : (( واعلم أن العبد قبل وصول الداعي إليه في نوم الغفلة قلبه نائم وطرفه يقظان فصاح به الناصح و أسمعه داعِ النجاح وأذن به مؤذن الرحمن حي على الفلاح )) ، فأول مراتب هذا النائم اليقظة و الانتباه من النوم هذا هو الكلام.
              يا جماعة ربنا سبحانه وتعالى خلقنا في هذه الحياة نعيش أحياء ولكن الناس تأخذهم الغفلة ، قلبه نائم لا يدري والأيام تمُر ، اليوم أنا أسجل هذا الكلام في أول يوم من رجب سبحان الله رمضان الذي مضى هناك ها هو قريب ، ورمضان دخل علينا مرة أخرى ، كيف تمُر السنوات هكذا ؟! غفلة كان صاحبنا نائم ، قلبه نائم و طرفة يقظان ، عينه مفتوحة يأكل ويشرب ويذهب ويأتي ويتكلم ويعمل ويبيع ويشتري ويحب ويكره لكن قلبه نائم.
              وقد أكدنا في موضوع القلوب أن الله يريد منك قلبك لا يريد منك شيئاً أخر ، يريد منك الله سبحانه و تعالى قلبك فقط الدليل : حديث البني صلى الله عليه وآله وسلم : << إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم >> [(صحيح) انظر حديث رقم: 1862 في صحيح الجامع] ، هذا هو الذي يريده الله منك قلبك ، أين قلبك ؟! عندما يكون قلبك نائم لا يعرف الله ؟! هل النائم يمشي ؟! لا ؛ إذا كان يوجد ولد نائم وعنده امتحان صباحاً أول شيء يقوم به أنه يستيقظ لكي يذهب إلى الامتحان ، أول ما يستيقظ لا يجري على الامتحان ، لا بل أول ما يستيقظ ينتبه ويقول : (( إيه ده ؟!! ده أنا عندي امتحان !! )) هذه هي إنزعاج القلب نحن نريد إنزعاج القلب ، أن القلب ينتفض.
              لأن الناس اليوم قلوبها ميتة ودي المأساة أظن قلت في المقدمة أن بعض الناس اليوم تعيش بلا قلب أبداً ليس فقط مع الله لا حتى في حياته العادية عندما تجده يأكل فهو يأكل بدون قلب ، عندما تجده يعامل زوجته وأولاده يتعامل بدون قلب لا يوجد قلب !! قلبه (( راح )) ! ضاع مات ! قلبه ميت (( مفيش )) ؛ نحن نحتاج قبل أن ننطلق مع الله من أول منزلة اليقظة وأنا أشترط عليكم أنّ كل منزلة سنعيشها حقيقةً حتى ننطلق للمنزلة التي بعدها ، ثم نأخد منزلة اليقظة ونصعد بها إلى الفكرة كما ذكرنا أن الولد الذي لديه امتحان أول ما يستيقظ من النوم سيفكر : ((هو أنا ورايا أيه ؟! أه الساعة تسعة امتحان ؛ امتحان أيه النهاردة ؟! أه )) هذه هي الفكرة .
              الشاهد في منزلة اليقظة يوجد إنزعاج القلب ؛ أين قلبك ؟! أين رهنته ؟ عند من ؟ لقد أصبح كل واحد قلبه مع محبوبه !! (( مش هو بيقول كده للبنت اللي بيحبها أنا قلبي معاك ثانية بثانية لو حتى تروح أخر الدنيا )) !!! نعم هو قلبه معها هذه حقيقة.
              (( واحد اشترى عربية جديدة معاه قرشين راح حطهم في عربية حطها تحت البيت كل ما يسمع صوت خبط في الشارع يروح جري على الشباك من عز نومه يفتح الشباك يطمن على العربية لأنه سايب قلبه ، قلبه في العربية )).
              (( اللي جايب بفلوسه دهب وحاطه في أيد مراته قلبه في أيد مراته )) ، أين قلبك ؟!! أنا أريدك قبل أن نبدأ أعطني قلبك ؛ (( اللي شاري بفلوسه أسهم في البورصة كل يوم في الجرنال أول حاجة يعملها يقلب على أسعار الأسهم )) ؛ (( اللي حاطط فلوسه في البنك بيدور على سعر الفايدة وأخبار البنك )) ؛ (( اللي حاطط فلوسه في أرض كل يوم بيقلَّب على أسعار الأرض قلبه هناك )) أين قلبك ؟؟؟ في السيارة أم في الذهب أم في الأسهم أم في الأرض أم في أحلام المناصب والآمال العريضة مع نساء ومع أكل وشرب أعطني قلبك بالراحة قبل ما ربنا يجيبك رغم أنفك !!
              تعالوا نقرأ هذا النص لابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر يقول ابن الجوزي عليه رحمه الله : (( تفكرت في سبب هداية من يهتدي وانتباه من يتيقظ من رقاد غفلته فوجدت السبب الأكبر اختيار الحق عزَّ وجل لذلك الشخص )) .
              يا رب يا رب يا رب خُذنا بأيدينا و نواصينا إليك أخذ الكرام عليك يا رب يا رب اهدي قلوبنا يا رب أيقظ قلوبنا يا رب يا رب يا رب نوَّر قلوبنا ؛ يا جماعة ، أنا تفكرت اليوم زملائي الذين كانوا معي في ابتدائي كان الفصل فيه 47 طالب أين هم الآن الـ 47 طالب ؟؟ في الصف السادس الابتدائي فاكرهم كويس الـ 47 أين هم ؟! (( اللي بقا دكتور واللي بقا مهندس واللي ميكانيكي واللي جزار أنا أقول واقع واللي سواق )) ، أنا بتكلم بقى عن الدين من من هؤلاء في دين ؟! ومن بعيد عن الدين ؟! من زملائي ولد ملحد !! لا يؤمن بالقرآن ؛ ونحن في ابتدائي كان المدرسين زمان (( كانوا ناس كده قيمة )) ، أفتكر الأستاذ رشاد مدرس العربي والأستاذ مكي الذي كان في الصف الثاني الابتدائي ، أنا قلت هذا الكلام في المجد في حلقة صفحات من حياتي.
              الشاهد أن هؤلاء الناس كانوا دائما يسألوا : (( أنت هتطلع إيه ؟ أنت تنفع إيه ؟ أنت هتبقى إيه ؟ )) ولد من زملائنا كان يقول : (( أنا هبقى رئيس جمهورية ، أنا هدخل حقوق وهبقى رئيس جمهورية )) الآن هو سواق ((ميكروباص)) !! أرزاق وأقدار قابلته في يوم : ((إيه ده يا محمد !! بلاش أقول محمد إيه خليه مستور كده أنت أيه ده ! فين رئاسة الجهورية ؟!! إيه يا بني ؟!! قال لا هاها ده كان كلام أطفال !! )).
              الأقدار و الأرزاق بيوزعها الملك ده معنى من ربك ؟؟ الرب : هو الذي يربي عباده ، و لا يظلم ربك أحدا ،إياك أن تفكر أن هذا الولد ظلم ؟! أصبح سواق ((ميكروباص)) لا لكن هو لا يستحق إلا هذا ، هذا هو رزقه ، هو لا يستحق إلا هذا ، هذا هو المكان المناسب له الذي على قدره ؛ أرزاق يوزعها الملك سبحانه وتعالى فلذلك من اهتدى وسار في طريق الدين ، ومن ضلَ وسار في طريق النساء ، ومن سار في طريق الربا ، ومن سار في طريق المال ، ومن سار في طريق كذا و كذا ، هذا هو وضعه الذي يستحقه ، إن ربك حكيم عليم {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } [الأنعام : 53].
              فلذلك بن الجوزي يقول : (( تفكرت في هداية من يهتدي وانتباه من يتيقظ من رقدته )) ، الناس كلها في غفلة في ناس تتيقظ و تنطلق إلى الله ، وفي ناس لازالت نائمة قد يمرعلى الإنسان سنوات نائم ، من استيقظ هذا لماذا استيقظ ؟! يقول ابن الجوزي : (( فوجدت السبب الأكبر اختيار الحق عز وجل لذلك الشخص )) اختار الله هذا الإنسان ، ولماذا اختاره ؟! ابن القيم في أخر كتاب الفوائد يقول : (( تلمَّحت الأسباب فوجدت صلاحية المحل )) وجد السبب صلاحية المحل ، من الذي ينفع من ؟!
              أسوق لك لفظ ابن القيم لكن أريد أن أقول في البداية أن اختيار الحق لذلك الشخص كما قيل : (( إذا أرادك لأمرٍ هيأك له )) نريد أن نتوقف هنا وقفة ونسأل أنفسنا يا ترى أنت ربنا إلى ماذا هيأك ؟!!!
              الله سبحانه وتعالى يعطيك و(( يتخنك )) ويكبرك ويغنيك ويعليّك ، إلى ماذا يجهزك ؟؟! إلى أن يشعل بك جهنم ؟!! أم لكي ينّعمك في جنة عرضها السماوات والأرض ؟!! ربنا سبحانه وتعالى يزينّك ويجمّلك ويكبرك ويعلمك من أجل ماذا ؟؟ لكي تصبح مع إبليس في جهنم تسمع خطبته ؟!! أم مع سيدنا النبي والأنبياء والصالحين تأتنس بهم ؟!! إذا أرادك لأمرٍ هيأك له .
              أنا أريد كل واحد منا هذه الليلة لا ينام إلى أن يعرف طريقه إلى أين ؟!
              يقول الشيخ : (( فتارة تقع اليقظة بمجرد فكر يوجبه نظر العقل ، فيتلمح الإنسانُ وجود نفسه فيعلم أن له صانعاً وقد طالبه بحقه ، وشكر نعمته ، وخوَّفه عقاب مخالفته ، ولا يكون ذلك بسبب ظاهر )) .
              (( أحيانا في ناس تلتزم ، تجده كان في الضلال وفجأة أعفى لحيته ظبط ملابسه دخل الجامع وبطل موسيقى وأغاني ، بطل نساء ووقوف على النواصي ، بطل أكل حرام وربا ونصب وكذب ، دخل المسجد وبقى يصلي ويقرأ قرآن يتقرب إلى الله ، من أيه يا ابني ده ؟!! ربنا ، مفيش أسباب ظاهرة ، أما بعض الناس ربنا يجعل إلتزامه سبب ظاهر ، زي الراجل اللي ربنا حط رقابته على قضيب القطار ، ربنا سبحانه و تعالى وضع رقابته على قضيب القطار لحد ما سمع القطار بودانه و هو نايم على قضيب القطار ده إيه قصة الراجل ده عشان يلتزم دي اللي هنقولها المرة الجاية .... ))
              أحبكم في الله
              و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


              تعليق


              • #8
                رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

                بارك الله فى جهدكِ
                ونفع به
                ونسال الله التزكية لنفوسنا
                اللهم امين
                أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

                تعليق


                • #9
                  رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

                  المشاركة الأصلية بواسطة جارة فاطمة مشاهدة المشاركة
                  بارك الله فى جهدكِ
                  ونفع به
                  ونسال الله التزكية لنفوسنا
                  اللهم امين
                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                  جزاكم الله خيرا ونفع بكم
                  أسأل الله لنا ولكم الاخلاص والقبول


                  تعليق


                  • #10
                    رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                    جزاكم الله خيرا ونفع بكم
                    بارك الله فيكم وفي شيخنا الفاضل وحفظه الله

                    تعليق


                    • #11
                      رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

                      السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

                      جزاكم الله خيرا

                      أسأل الله لكم التوفيق

                      والسداد في كل ما يحبه الله ويرضاه


                      تعليق


                      • #12
                        رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                        جزاكم الله خيرا ونفع بكم
                        أسأل الله أن يبلغنا رمضان
                        ويرزقنا ليلة القدر والعتق من النيران


                        تعليق


                        • #13
                          رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب



                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                          جزاكم الله خيرا ونفع بكم
                          أسأل الله لنا ولكم الاخلاص والقبول
                          لا تنسوا ذكر الله
                          والصلاة على رسول الله
                          صلى الله عليه وسلم


                          تعليق


                          • #14
                            رد: شرح كتاب/ مدارج السالكين الشيخ محمد حسين يعقوب

                            المشاركة الأصلية بواسطة محبة المساكين مشاهدة المشاركة
                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                            جزاكم الله خيرا ونفع بكم
                            بارك الله فيكم وفي شيخنا الفاضل وحفظه الله

                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                            جزاكم الله خيرا ونفع بكم
                            أسأل الله لنا ولكم الاخلاص والقبول
                            لا تنسوا ذكر الله
                            والصلاة على رسول الله
                            صلى الله عليه وسلم


                            تعليق

                            يعمل...
                            X