إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيف نصبح من أحسن الناس أخلاقاً؟؟ // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف نصبح من أحسن الناس أخلاقاً؟؟ // مفهرس

    كيف نصبح من أحسن الناس أخلاقاً؟؟
    ( منقول من محاضرة مفرغة للشيخ فوزي السعيد حفظه الله)

    كلمة عامة عن الأخلاق :
    الأخلاق هي الصفات الراسخة في الإنسان التي يتعامل بها مع غيره ولا تزال تظهر آثارها بحسب الظروف والوقائع المختلفة ؛ كالشجاعة والتهور والجبن والحِلم والطيش والأناة والعَجَلَة والجود والإسراف . . . إلخ .
    فكأن هذه الصفات مخلوقة مع الإنسان لا تفارقه، ومن ثم أُطِلقَ على الصفة : كلمة خُلُق حيث بينها وبين كلمة خَلق اشتقاق أصغر. (نفس الأحرف والترتيب مع اختلاف الضبط.خُلُقٌ ـ خَلْقٌ) وكما أن الإنسان يستطيع أن يكتسب بالتدريبات الرياضية عضلات مفتولة مخلوقة، فكذلك يستطيع الإنسان أن يكتسب بالتخلق والتكلف أخلاقاً حتى تصير له سجية ومَلَكَة . وفى الحديث الصحيح قَالَ أَشَجُّ بْنُ عَصَرٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ فِيكَ خُلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلْتُ مَا هُمَا قَالَ الْحِلْمُ وَالْحَيَاءُ قُلْتُ أَقَدِيمًا كَانَ فِيَّ أَمْ حَدِيثًا قَالَ بَلْ قَدِيمًا قُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا {. أخرجه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح مروى في مسلم فدل ذلك على أن من الخلق ما هو طبيعة وجبلَه، وما هو مكتسب بفعل العبد بالاستعانة أيضاً بالله ثم بالهمة العالية وتكلف الُخُلق المطلوب . كما جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ} وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ {رواة البخاري.
    فمثلاً من لم يرزق خلق الصبر المحمود (بلا قسوة قلب ولا هلع) فإنه عليه أن يدرب نفسه على الصبر في المواقف المختلفة، ويتكلف ذلك مراراً، ويستعد نفسياً لمواجهة أنواع البلاء ويوطن نفسه على ذلك مستعيناً بالله (وما صبرك إلا بالله) لأنه بغير الاستعانة بالله لن يستطيع شيئا (لأن الله تعالى إن لم ييسره لم يتيسر) ومتوسلا بالعمل الصالح عموماً وبالصبر والصلاة خصوصاً، فليحاول بلا ملل أن يكون صابراً، فإن أخفق مرة فليحاول مرة ومرة بلا يأس وليجاهد نفسه على ذلك مستعيناً بطلب العلم عن عاقبة الصبر في الدنيا والآخرة ومغبة صدره، وعن السيرة النبوية والصحابة في ذلك، فهذا هو التصبر الذي يرزق به الصبر (ومن يتصبر يصبره الله) قال تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهمسبلنا وإن الله لمع المحسنين).. .
    وهكذا في جميع الأخلاق من العفة والاستغناء والجود والحلم والتواضع وغير ذلك . . . وكان رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو في استفتاح الصلاة قائلاً (وَاهْدِنِي لأحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لأحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ)رواة مسلم.
    وهنا ثلاثة أسئلة على هذا الحديث :ـ
    1- ما هو أحسن الأخلاق ؟
    2ـ ما هو سيئها ؟
    3- لماذا التنبيه والتوكيد على أنه لا يهدى لأحسنها ولا يصرف سيئها إلا الله ؟ . . .
    وأرجو من القارئ أن يحاول الإجابة بنفسه عليها قبل أن يقرأ الإجابة هنا حتى يعلم كم بعد المسلمون في زماننا عن فهم حقائق الإسلام ومعاينة . وإليك الإجابة مأخوذة أساساً من كلام بن القيم في المدارج ( منزلة الخلق وغيرها) والفوائد (حدود الأخلاق) .

    لكل خُلُقٍ محمود حد وهو وسط بين خلقين ذميمين كالجود الذي يكتنفه خُلُقا البخل والتبذير، والتواضع الذي يكتنفه خلقا : الذل والمهانة، والكبر والعلو . وهكذا ...
    فإن النفس متى أنحرفت عن التوسط انحرفت إلى أحد الخلقين الذميمين ولا بد ،ولنأخذ مثالاً للتوضيح : للشجاعة حد متى جاوزته صار تهورا، ومتى نقصت عنه صار جبنا وخورا. أما حدها فهو الإقدام في مواضع الإقدام والإحجام في مواضع الإحجام . ويلزم أن يكون الشجاع عالما بمواضع الإقدام والإحجام، فيعلم أين يضع الشجاعة وأين يحسن استعمالها . وكثيراً ما تتشابه وتتشابك هذه المواضع حيث يتحير الشجاع أيُقدم أم يُحجم، مثل رجل اجتمع عليه أعداء لا طاقة له بهم وهم جيرانه أو لقيهم مفاجأة في طريق مقطوع، أيقدم على المواجهة معهم فيُقتل أو يغلب، أم يحجم ويظهر أمامهم بمظهر الجبان الذليل المستسلم، أم يحتال ريثما يستعد ويستعين بغيره . . . ومواقف الحياة كثيرة ومتنوعة لا يحصيها إلا الله سبحانه كما أن بين الشجاعة والتهور درجات كثيرة، فيكون انحراف النفس عن الحد المحمود على درجات كثيرة أيضاً، وكذلك بين الشجاعة والجبن . . . والمسلم قد لا يدرى على أية مرتبه يقف وهو مطالب بالشجاعة فأنى له ذلك؟ وكذلك مواضع الإقدام والإحجام والتي قد يحتار فيها الأكابر . كما قال معاوية لعمرو بن العاص رضى الله عنهما : أعياني أن أعرف أشجاعُُ أنت أم جبانُُ !! تقدم حتى أقول : من أشجع الناس، وتجبن حتى أقول : من أجبن الناس .
    فقال عمرو :
    شجاعٌ إذا أمكنتنــــــى فرصة 000 فإن لم تكن فرصـــــــــة فجبان
    فهذا خلق واحد يحتاج إلي علم صحيح بحده كما سبق، ويحتاج إلى معرفة وتقدير صحيح لمواضع الخير والشر ووضع الخُلُق موضعه الصحيح (وذلك من أحسن الأخلاق) كما يحتاج لصرف الطرفين السيئين (التهور والجبن) وما بينهما من مراتب كثيرة (وذلك من أسوأ الأخلاق) . . . ويتبقى خُلُق الشجاعة لا يهدى إليه علما وعملا إلا : الله سبحانه، كما لا يصرف التهور والجبن علما وعملا إلا الله سبحانه، لا سيما والنفس أمارة بالسوء والإنسان ظلوم جهول، فيجهل حدود الأخلاق، وإن عرفها وضعها في غير مواضعها، فيضع الغضب موضع الحلم وبالعكس، ويضع الإمساك موضع البذل وبالعكس . . . فالهداية لأحسن الأخلاق، وصرف سيئها لا يعتمد عليه إلا الله عز وجل . وعلم الحدود هو من أشرف العلوم وأنفعها، حدود الأخلاق والأعمال والمشروعات (أمرا ونهيا) . . . فأعلم الناس هو أعلمهم بتلك الحدود فلا يُدخل فيها ما ليس منها ولا يُخرج منها ما هو داخلٌ فيها . قال تعالى : (الأعراب أشد كفراًونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) فإذا أمر الله بالعدل والإحسان، وجب أن نعلم حد العدل المأمور به وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط حتى في الأمور الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك .إذا كانت وسطا بين الطرفين المذمومين كانت عدلا وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصا وأثمرت نقصا . .
    وكذلك في الإحسان وفى الفحشاء والمنكر والبغي وفي كل ما أمر به الله أو نهى عنه . وينبغي أن يعلم أن حسن الخلق هو الدين كله وهو حقائق الإيمان وشرائع الإسلام، وما قابل ذلك هو الإثم . وفى صحيح مسلم عن النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ )
    وبمعنى آخر : فإن حسن الخلق هو معاملة الله بالتقوى، ومعاملة الناس بالإحسان .وبالتالي فحسن الخلق طمأنينة النفس والقلب (كما في الحديث الآخر : الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ )رواة أحمد وفي صحيح الجامع برقم2880.وذلك هو الحياة الطيبة التي أخبر الله عنها في كتابة (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة . . .الآية)ويقابل ذلك الإثم وهو حواك الصدور، وما حال فيها واسترابت به . . . وذلك هو المعيشة الضنك وهو سيئ الأخلاق .
    ويتضح من ذلك أن حسن الخلق وسوءه في الإسلام غير حسنه وسوءه في عرف كثير من الناس الآن في زمن البعد عن حقائق الإسلام علماً وعملاً . قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوااستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم . . .) أي بالحياة الطيبة بأحسن الأخلاق وقال : (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا . . . الآية) وهذا الفرقان هو الذي يُفرق به المؤمن بين أحسن الأخلاق وسيئها وفى أعظم وأوجز دعاء في كتاب الله في قوله (اهدنا الصراط المستقيم) إنما يطلب أساساً دوام الهداية لأحسن الأخلاق علماً وعملاً بلا انحراف كانحراف اليهود (في العمل) والنصارى( في العلم). ومن المعلوم أن الإنسان إنما يعمل على طريقته وعاداته التي ألفها وجُبل عليها، وهى التي تناسب أخلاقه وطبيعته كما قال تعالى (قلكل يعمل على شاكلته) .
    وقال تعالى (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)قد أفلح من نماها ووسعها وكبرها بطاعة الله بأحسن الأخلاق، وقد خاب من دساها وحقرها وقمعها بمعصية الله بسيئ الأخلاق. وهنا سؤال هام : كيف نزكى أنفسنا ونجتنب تدسيتها ؟ وهل يعمد أحدنا إلى نفسه فينقب عن خباياها السيئة، ويلبسن في أعماقها بحثاً عما جلبت عليه من سيئ الأخلاق فيحاول قمعها أو انتزاعها كخلق الغضب على سبيل المثال ؟
    أم لابد من تسليم ذلك إلى الطبيب المختص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والإجابة قطعاً بتسليم ذلك للرسالة . قال تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاًمنهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة .. الآية) وتكرر هذا المعنى كثيراً في كتاب الله .
    والطريقة هي الطاعات المختلفة والعمل الصالح الذي تتوظف فيه الصفات المذمومة فتصير عبوديات عظيمة، وذلك بدون الدخول في أصعب شئ على الطبيعة الإنسانية وهو تغير الأخلاق التي طُبعت النفوس عليها أو علاجها وإنالتها . لقد سأل بن القيم شيخه بن تيميه عن ذلك فقال له : (النفس مثل الباطوس ـ وهو حب القذر(مقلب زبالة) ـ كلما نبشته ظهر وخرج . ولكن إذا أمكنك أن تُسقف عليه وتعبره وتجوزه فأفعل، ولا تشتغل بنبشه فإنك لن تصل إلى قراره، وكلما نبشت شيئاً ظهر غيره) .
    نأخذ مثالاً بخلق سيئ كالكبر، فهو يغذى أخلاقاً مذمومة كالعلو والفخر، والبطر والظلم والعدوان، لكنه أيضاً يغذى أخلاقاً حميدة كعلو الهمة، والآنفة والحمية والمراغمة لأعداء الله وقهرهم والعلو عليهم، فلماذا لا تبقيه على حاله في النفس لكن نستعمله حيث يكون استعماله أنفع . . . مثال آخر بالخيلاء وهو خلق سيئ يبغضه الله، لكن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أبو دجانه يتبخر بين الصفين فقال (أنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموضع )فصارت الصفة المذمومة عبودية، وجعل هذا الخلق يجرى في أحسن مواضعه . وكذلك خلق الغضب الذي يحمل على الكبر والحسد والحقد والعدوان والسفه، فيمكن استعماله في الغصب لله وذلك يعين على ترك الغضب للنفس . وسيأتي تفصيل ذلك .
    تولد الأخلاق السيئة :ـ

    الله سبحانه قد اقتضت حكمته أن ركب الإنسان ـ بل وسائر الحيوان ـ على طبيعة محمولة على قوتين : غضبية وشهوانية إرادية .
    وهاتان القوتان هما الحاملتان لأخلاق النفس وصفاتها . فبقوة الشهوة والإرادة : يجذب المنافع إلى نفسه . وبقوة الغضب: يدفع المضار عن نفسه . فإذا استعمل الشهوة في طلب ما يحتاج إليه تولد منها الحرص وإذا استعمل الغضب في دفع المضرة عن نفسه تولد منه القوة والغيرة فإذا عجز عن دفع ذلك الضار أورثه قوة الحقد . وإن عجزه وصول ما يحتاج إليه ورأى غيره مستبدا به أورثه الحسد . فإن ظفر به أورثته شدة شهوته وإرادته خلق البخل والشح وعدم العفة، والنهمة والجشع والذل والدناءات وإن اشتد حرصه وشهوته على الشيء ولم يمكنه تحصيله إلا بالقوة الغضبية فاستعملها فيه : أورثه ذلك العدوان والبغي والظلم، ومنه يتولد الكبر والفخر والخيلاء . فإنها أخلاق متولدة من بين قوتي الشهوة والغضب وتزوج أحدهما بصاحبه . ويتولد من بين كل خلقين من هذه الأخلاق أخلاق مذمومة، لا سيما مع الجهل الذي يريه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، والكمال نقصا والنقص كمالاً . ثم الظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه . فيغصب في موضوع الرضى ويرضى في موضع الغضب، ويعجل في موضع الأناة، ويبخل في موضع البذل، ويبذل في موضع المنع ، ويلين في موضع الشدة ، ويشتد في موضع اللين، ويتواضع في موضع العزة، ويتكبر في موضع التواضع، ويحجم في موضع الإقدام ويقدم في موضع الإحجام .
    أ-الشهوة والإرادة (في جلب المنفعة) (يتولد)الحرص :
    1-مع عجز (يتولد)الحسد.
    2-مع الظفر (شدة الشهوة والإرادة)(يتولد ) خلق البخل والشح.
    3-باستعمال القوة الغضبية (يتولد) أخلاق العدوان والبغي والظلم.

    ب-القوة الغضبية : في دفع المضرة(تتولد)القوة والغيرة(مع العجز)يتولد الحقد .
    وكذلك الأخلاق المحمودة تتولد أساسا من أربعة أركان : الصبر والعدل والشجاعة والعفة
    والنفس في النهاية لها ميادين وشوارع وطرقات وسراديب وأنفاق ودروب ومنعطفات ولا طاقة للإنسان بسبر أغوارها والإحاطة بها، ومن ثم لا يصح إلا نسلم تزكيتها للرسول صلى الله عليه وسلم . بالاشتغال بتحصين القلب تحصيناُ جيداً بتلاوة القرآن حق تلاوته بالإيمان به والعمل والطاعات الواجبة والمستحبة على السنة الصحيحة، فيقوى عمران القلب، فتتكسر الموجات الآتية من النفس الأمارة بالسوء، وتنبعث موجات قوية من القلب على النفس حتى تصير نفساً لوامة، ومع الاستمرار تصير نفساًمطمئنة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، وهو الخلق العظيم
    وهو التأدب بآداب القرآن وهو الصراط المستقيم وهو السير والاستقامة في حدود الأخلاق المحمودة دون انحراف إلى أي من الطرفين المذمومين كما سنبين أمثلة لذلك بهذا الجدول .
    إذا كانت كلمة (الحدود) قد تبين معناها في الأخلاق، فيحسن أن نبين معناها في الأوامر والنواهي والأحكام الشرعية ببعض التفاصيل :ـ
    قال تعالى : (وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) وذلك في ذكر أحكام الطلاق، وتعدد ذكر كلمة الحدود كما سنذكره، ولكن هنا نجد أن امالها . وكثيرالعلم بهذا البيان فحدود الأحكام الشرعية لا يعرفها حق المعرفة إلا فقيه راسخ في العلم . وأعلم الناس بحدود الله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة "رضي الله عنها" في كتاب الصيام في صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وَاللَّهِ إِنِّي لأرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي ) . وكلما قلت درجة العلم والتقوى قل العلم بهذه الحدود، حتى نصل إلى من لا يعلم شيئا عن هذه الحدود كما يقول تعالى (الأعراب أشد كفراً ونفاقا وأجدر ألايعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله . . )ويقول (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم) ويقول النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ) رواه البخاري .وذلك هو علم حدود الأحكام الشرعية .
    وجاءت كلمة الحدود في الكتاب والسنة واصطلاح الفقهاء على ثلاثة معان كما في كتاب جامع العلوم في الحديث رقم 30.
    1) حدود نهينا عن اعتدائها وهى جملة ما أذن الله في فعله، سواء كان على طريق الوجوب أو الندب أو الإباحة . واعتداؤها هو تجاوز ذلك إلى ارتكاب ما نهى عنه . كما قال تعالى في سورة الطلاق (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) والمراد من طلق على غير ما أمر الله به وأذن فيه .
    وكما قال تعالى في سورة البقرة عن الطلاق والخلع (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدحدود الله فأولئك هم الظالمون) والمراد من أمسك بعد أن طلق بغير معروف، أو سرح بغير إحسان أو أخذ مما أعطى المرآة شيئا على غير وجه الفدية التي أذن الله فيها كما بينها رسوله صلى الله عليه وسلم .
    وقال تعالى في المواريث الشرعية في سورة النساء (تلك حدود الله ومن يطع اللهورسوله يدخله جنات . . .) إلى قوله تعالى (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدودهيدخله نارا . . .) والمراد من تجاوز ما فرضه الله للورثه ففضل وارثاً، وزاد على حقه، أو نقص منه . وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى عن الحدود أوضح بيان في حديث النواس بن سمعان عند أحمد والنسائى في التفسير والترمذى وحسنه. قال صلى الله عليه وسلم ــ ضرب الله تعالى مثلا صراطا مستقيما و على جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة و على الأبواب ستور مرخاة و على باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ! ادخلوا الصراط جميعا و لا تتعوجوا و داع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال : ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه فالصراط الإسلام و السوران حدود الله تعالى و الأبواب المفتحة محارم الله تعالى و ذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله و الداعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم . ‌
    تحقيق الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 3887 في صحيح الجامع.‌
    (فكما أن السور يمنع من كان داخله من تعديه ومجاوزته، فكذلك الإسلام يمنع من دخله من الخروج عن حدوده ومجاوزتها، وليس وراء ما حد الله من المأذون فيه إلا ما نهى عنه . ولهذه مدح الله الحافظين لحدوده، وذم من لا يعرف حد الحلال من الحرام . والقرآن يقول لمن عمل به : حفظ حدودي، ولمن لم يعمل به : تعدى حدودي (وذلك في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند بن أبى شبة، والخطيب البغدادي والبزار . والهيثمى في المجمع) والمراد أن من لم يجاوز ما أذن له فيه إلى ما نهى عنه، فقد حفظ حدود الله، ومن تعدى ذلك فقد تعدى حدود الله . وفى حديث أبى ثعلبة (حد حدودا فلا تعتدوها)
    2) وقد تطلق الحدود ويراد بها نفس المحارم .
    قال تعالى في سورة البقرة عقب أحكام الصيام وبيان محظوراته ومحظورات الاعتكاف في المساجد، وذلك من حدود الحلال والحرام :
    (وتلك حدود الله فلا تقربوها) والمواد النهى عن ارتكاب ما نهى عنه في الآية من المحظورات . وكذلك بنفس المعنى قال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم (إنى أصبت حداً فأقمه على) وكذلك في الحديث (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ. . . الحديث)رواة البخاري وأراد بالقائم على حدود الله : المنكر للمحرمات والناهي عنها .
    3) أما المعروف من أسم الحدود في اصطلاح الفقهاء : فهي العقوبات المقدرة الرادعة عن المحارم المغلظة، كما يقال : حد الزنا، وحد السرقة وحد شرب الخمر، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأسامة (أتشفع في حد من حدود الله)
    أما شرح حديث النواس بن سمعان فيحتاج للبسط في موضع آخر، ولكن يكفى التنبيه على الصراط : الإسلام، والإسلام هو مجموع جزئيات، وكل جزئية لها حدود لحلالها وحرامها، والمأذون له فيها والمنهي عنه، والمسلم السائر في هذا الصراط قد يصادف في يوم واحد ألف جزئية أو أكثر من جزيئات الدين وهو مطالب بمعرفة هذه الحدود أولاً، وحفظها ثانياً، يعنى عدم تعديها ومجاوزتها، فلا يُفرط ولا يُفَرط . . . والرسول صلى الله عليه وسلم قد ربط بين خشية الله وعلمه بحدوده وقال تعالى (واتقوا الله ويعلمكم الله)
    التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 01-01-2012, 05:50 AM. سبب آخر: ضبط الخط وتوسيط النص

  • #2
    رد: كيف نصبح من أحسن الناس أخلاقاً؟؟

    جزاك الله خيرا
    .................................................. ..

    يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــارب
    انصر المسلمين في كل مكــــــــــــــان

    تعليق


    • #3
      رد: كيف نصبح من أحسن الناس أخلاقاً؟؟

      بارك الله فيك أخي الحبيب ونفع بك
      اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأفعال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت. اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

      ملحوظة : تم نقل المحاضرة إلى قسم زاد الداعية فرع تفريغ المحاضرات وجزاكم ربي خيرا مثله
      وأقوال الرسول لنا كتابا وجدنا فيه أقصا مبتغانا
      وعزتنا بغير الدين ذل وقدوتنا شمائل مصطفانا
      صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم

      تعليق


      • #4
        رد: كيف نصبح من أحسن الناس أخلاقاً؟؟

        أخي ( الطريق إلى الإسلام ) وأخي ( د. مسلم ) جزاكم الله خيرا على مروركم وحياكم وبارك فيكم

        وهذه في الحقيقة جزء من المحاضرة وإن شاء الله أضع الباقي لتعم به الفائدة

        تعليق


        • #5
          رد: كيف نصبح من أحسن الناس أخلاقاً؟؟

          بارك الله فيكم ونفع بكم
          اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأفعال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت
          ، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت. اللهم آت نفوسنا تقواها،
          وزكها أنت خير من زكاها
          ، أنت وليها ومولاها.

          تعليق

          يعمل...
          X