إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

"سلسلة الفقه الميسر" الجزء الأول " الطهارة "

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "سلسلة الفقه الميسر" الجزء الأول " الطهارة "

    ان الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا ، انه من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله ، اما بعد ، فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار أما بعد :


    أقدم لكم سلسة الفقه الميسر بالأدلة كى تستفيدوا منها ونستفيد منها بإذن الله.


    ونبدأ:



    الطهارة


    تعريف الطهارة:


    الطهارة في اللغة: النظافة.


    وفي الشرع: هي عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة بصفة مخصوصة.



    تقسيم الطهارة:


    الطهارة تنقسم إلى قسمين: طهارة من الحدث، وطهارة من النجس، أي: حكمية وحقيقية.


    فالحدث هو: الحالة الناقضة للطهارة شرعاً، بمعنى أن الحدث إن صادف طهارة نقضها، وإن لم يصادف طهارة فمن شأنه أن يكون كذلك.


    وينقسم إلى قسمين: الأكبر والأصغر، أما الأكبر فهو: الجنابة والحيض والنفاس، وأما الأصغر فمنه: البول والغائط والريح والمذي والودي وخروج المنى بغير لذة، والهادي وهو: الماء الذي يخرج من فرج المرأة عند ولادتها.


    وأما النجس: فهو عبارة عن النجاسة القائمة بالشخص أو الثوب أو المكان. ويعبر عنه بالخبث أيضاً.وشرعت الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمنُوا إذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فَاغْسِلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6].


    ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبل صلاة بغير طهور" رواه مسلم.


    وشرعت طهارة الخبث -وهي طهارة الجسد والثوب والمكان الذي يصلى عليه من النجس- بقوله تعالى: {وثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] وقوله تعالى: {وعَهِدْنَا إِلى إبْراهِيمَ وإِسْماعيلَ أن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والْعَاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُود}[البقرة: 125].


    وبقوله عليه الصلاة والسلام: "اغسلي عنك الدم وصلي" متفق عليه.


    والطهارة من ذلك كله من شروط صحة الصلاة.


    شروط الطهارة الحقيقية:


    ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يشترط لصحة الصلاة طهارة بدن المصلي وثوبه ومكانه من النجاسة.


    ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي: "صُبّوا عليه ذَنوباً من ماء" رواه أبو داود.


    وقال المالكية: إنها واجبة مع الذكر والقدرة، وسنة مع النسيان وعدم القدرة.


    والمعتمد في المذهب: أن من صلى بالنجاسة متعمداً عالماً بحكمها، أو جاهلاً وهو قادر على إزالتها يعيد صلاته أبداً، ومن صلى بها ناسياً أو غير عالم بها أو عاجزاً عن إزالتها يعيد في الوقت.


    وأيضاً تشترط الطهارة الحقيقية لصلاة الجنازة، وهي شرط في الميت بالإضافة إلى المصلي.


    وتشترط الطهارة الحقيقية كذلك في سجدة التلاوة.


    واختلف الفقهاء في اشتراط الطهارة الحقيقية في الطواف.


    فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى اشتراطها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الطواف بالبيت بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير".


    وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط الطهارة الحقيقية في الطواف.


    والأكثر على أنها سنة مؤكدة.


    وذهب الشافعية -على خلاف غيرهم- إلى اشتراط الطهارة الحقيقية في خطبة الجمعة.


    تطهير النجاسات:


    النجاسات العينية لا تطهر بحال، إذ أن ذاتها نجسة، بخلاف الأعيان المتنجسة، وهي التي كانت طاهرة في الأصل وطرأت عليها النجاسة، فإنه يمكن تطهيرها.


    والأعيان منها ما اتفق الفقهاء على نجاسته، ومنها ما اختلفوا فيه.


    فممّا اتفق الفقهاء على نجاسته: الدم المسفوح، والميته، والبول، والعذرة من الآدمي.


    ومما اختلف الفقهاء فيه: الكلب والخنزير.


    ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بنجاسة الخنزير والكلب.


    وقال الحنفية في الأصح: إن الكلب ليس بنجس العين، وإنما لحمه نجس.


    النية في التطهير من النجاسات:


    اتفق الفقهاء على أن التطهير من النجاسة لا يحتاج إلى نية، فليست النية بشرط في طهارة الخبث، ويطهر محل النجاسة بغسله بلا نية.


    المُطَهِّرات


    اتفق الفقهاء على أن الماء المطلق رافع للحدث مزيل للخبث، لقول الله تعالى:


    {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّركُم بِه} [الأنفال: 11].


    وذهب أبو حنفية إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بالماء المطلق، وبكل مائع طاهر قالع، كالخل وماء الورد ونحوه مما إذا عصر انعصر، لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت:


    (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها، فقصعته بظفرها) أي حكته. رواه البخاري.


    واتفق الفقهاء على طهارة الخمر بالاستحالة، فإذا انقلبت الخمر خلاًّ بنفسها فإنها تطهر، لأن نجاستها لشدتها المسكرة الحادثة لها، وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها، فوجب أن تطهر، كالماء الذي تنجس بالتغير إذا زال تغيره بنفسه.


    وذهب الحنفية والشافعية إلى أن جلد الميتة يطهر بالدباغة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا دبغ الإهاب فقد طهر"رواه مسلم.


    وقال المالكية والحنابلة بعدم طهارة جلد الميتة بالدباغ.


    وعدّ الحنفية من المطهرات: الدلك، والفرك، والمسح، واليبس، وانقلاب العين، فيطهر الخف والنعل إذا تنجس بذي جرم بالدلك، والمني اليابس بالفرك، ويطهر الصقيل كالسيف والمرآة بالمسح، والأرض المتنجسة باليبس، والخنزير والحمار بانقلاب العين، كما لو وقعا في المملحة فصارا ملحاً.


    المياه التي يجوز التطهير بها، والتي لا يجوز:


    قسم الفقهاء الماء من حيث جواز التطهير به ورفعه للحدث والخبث، أو عدم


    ذلك، إلى عدة أقسام:


    القسم الأول:


    ماء طاهر مطهّر غير مكروه، وهو الماء المطلق، وهو الماء الباقي على


    خلقته، أو هو الذي لم يخالطه ما يصير به مقيداً.


    والماء المطلق يرفع الحدث والخبث باتفاق الفقهاء. ويلحق به عند جمهور الفقهاء ما


    تغير بطول مكثه، أو بما هو متولد منه كالطحلب.


    القسم الثاني:


    ماء طاهر مطهّر مكروه، وخص كل مذهب هذا القسم بنوع من


    المياه: قال الحنفية: إن الماء الذي شرب منه حيوان مثل الهرة الأهلية والدجاجة المخلاة وسباع الطير والحية والفأرة، وكان قليلاً، الكراهة تنزيهية على الأصح، ثم إن الكراهة إنما هي عند وجود المطلق، وإلا فلا كراهة أصلاً.


    وقال المالكية: إن الماء إذا استعمل في رفع حدث أو في إزالة حكم خبث فإنه يكره استعماله بعد ذلك في طهارة حدث كوضوء أو اغتسال مندوب لا في إزالة حكم خبث، والكراهة مقيدة بأمرين: أن يكون ذلك الماء المستعمل قليلاً كآنية الوضوء والغسل، وأن يوجد غيره، وإلا فلا كراهة، كما يكره عندهم الماء اليسير -وهو ما كان قدر آنية الوضوء أو الغسل فما دونها- إذا حلت فيه نجاسة قليلة كالقطرة ولم تغيره، والكراهة مقيدة بقيود سبعة: أن يكون الماء الذي حلت فيه النجاسة يسيراً، وأن تكون النجاسة التي حلت فيه قطرة فما فوقها، وأن لا تغيره، وأن يوجد غيره، وأن لا يكون له مادة كبئر، وأن لا يكون جارياً، وأن يراد استعماله فيما يتوقف على طهوره، كرفع حدث وحكم خبث ووضوء أو غسل مندوب، فإن انتفى قيد منها فلا كراهة.


    ومن المكروه أيضاً: الماء اليسير الذي ولغ فيه كلب ولو تحققت سلامة فيه من النجاسة، وسؤر شارب الخمر.


    وذهب الشافعية إلى أنَّ الماء المكروه ثمانية أنواع:


    المشمس، وشديد الحرارة، وشديد البرودة، وماء ديار ثمود إلا بئر الناقة، وماء ديار قوم لوط، وماء بئر برهوت، وماء أرض بابل، وماء بئر ذروان.


    وذهب الحنابلة إلى أن المكروه: الماء المتغير بغير ممازج، كدهن وقطران وقطع كافور، أو ماء سخن بمغصوب أو بنجاسة، أو الماء الذي اشتد حره أو برده، والكراهة مقيدة بعدم الاحتياج إليه، فإن احتيج إليه تعين وزالت الكراهة.


    وكذا يكره استعمال ماء البئر الذي في المقبرة، وماء في بئر موضع غصب، وما ظن تنجسه، كما نصوا على كراهية استعمال ماء زمزم في إزالة النجاسة دون طهارة الحدث تشريفاً له.


    القسم الثالث:


    - ماء طاهر في نفسه غير مطهر. ذهب الحنفية إلى أن الماء الطاهر في نفسه غير المطهر لغيره، هو الماء المستعمل وهو: ما أزيل به حدث أو استعمل في البدن على وجه القربة، ولا يجوز استعماله في طهارة الأحداث، بخلاف الخبث، ويصير مستعملاً عندهم بمجرد انفصاله عن الجسد ولو لم يستقر بمحل.


    وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه الماء المتغير طعمه أو لونه أو ريحه بما خالطه من الأعيان الطاهرة تغيراً يمنع إطلاق اسم الماء عليه، وهو كذلك عند الشافعية: الماء المستعمل في فرض الطهارة ونفلها على الجديد.


    وصرح المالكية والشافعية والحنابلة بأن هذا النوع لا يرفع حكم الخبث أيضاً، وعند الحنفية يرفع حكم الخبث.


    القسم الرابع:


    ماء نجس، وهو: الماء الذي وقعت فيه نجاسة وكان قليلاً، أو كان كثيراً وغيّرته، وهذا لا يرفع الحدث ولا النجس بالاتفاق.


    القسم الخامس:


    ماء مشكوك في طهوريته، وانفرد بهذا القسم الحنفية، وهو عندهم: ما شرب منه بغل أو حمار.


    القسم السادس:


    ماء محرم لا تصح الطهارة به، وانفرد به الحنابلة، وهو عندهم: ماء آبار ديار ثمود-غير بئر الناقة- والماء المغصوب، وماء ثمنه المعين حرام.


    تطهير محل النجاسة:


    اختلف الفقهاء في ما يحصل به طهارة محل النجاسة:


    فذهب الحنفية إلى التفريق بين النجاسة المرئية وغير المرئية.


    فإذا كانت النجاسة مرئية فإنه يطهر المحل المتنجس بها بزوال عينها ولو بغسله واحدة على الصحيح ولو كانت النجاسة غليظة. ولا يشترط تكرار الغسل، لأن النجاسة فيه باعتبار، فتزول بزوالها.


    وهذا الحكم فيما إذا صب الماء على النجاسة، أو غسلها في إجّانة كطست فيطهر بالثلاث إذا عصر في كل مرة.


    وإذا كانت النجاسة غير مرئية فإنه يطهر المحل بغسلها ثلاثاً وجوباً، والعصر كل مرة في ظاهر الرواية، تقديراً لغلبة الظن في استخراجها.


    ويبالغ في المرة الثالثة حتى ينقطع التقاطر، والمعتبر قوة كل عاصر دون غيره، فلو كان بحيث لو عصر غيره قطر طهر بالنسبة إليه دون ذلك الغير.


    أما إذا غمسه في ماء جار حتى جرى عليه الماء أو صب عليه ماء كثير، بحيث يخرج ما أصابه من الماء ويخلف غيره ثلاثا، فقد طهر مطلقا بلا اشتراط عصر وتكرار غمس.


    ويقصد بالنجاسة المرئية عندهم: ما يرى بعد الجفاف، وغير المرئية: ما لا يرى بعده.


    وذهب المالكية إلى أنه يطهر محل النجاسة بغسله من غير تحديد عدد، بشرط زوال طعم النجاسة ولو عسر، لأن بقاء الطعم دليل على تمكن النجاسة من المحل فيشترك زواله، وكذلك يشترط زوال اللون والريح إن تيسر ذلك، بخلاف ما إذا تعسر.


    وذهب الشافعية إلى التفريق بين أن تكون النجاسة عيناً أو ليست بعين.


    فإن كانت النجاسة عينا فإنه يجب إزالة الطعم، ومحاولة إزالة اللون والريح، فإن لم يزل بحتّ أو قرص ثلاث مرات عفي عنه ما دام العسر، ويجب إزالته إذا قدر، ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله فعفي عنه، فإن بقيا معاً ضر على الصحيح، لقوة دلالتهما على بقاء عين النجاسة.


    وإن لم تكن النجاسة عيناً -وهي ما لا يدرك لها عين ولا وصف، وسواء أكان عدم الإدراك لخفاء أثرها بالجفاف، كبول جفَّ فذهب عينه ولا أثر له ولا ريح، فذهب وصفه، أم لا، لكون المخل صقيلاً لا تثبت عليه النجاسة كالمرآة والسيف- فإنه يكفي جريان الماء عليه مرة، وإن لم يكن بفعل فاعل كمطر.


    وذهب الحنابلة إلى أنه تطهر المتنجسات بسبع غسلات منقية، لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "أمرنا أن نغسل الأنجاس سبعاً" وقد أمرنا به في نجاسة الكلب، فيلحق به سائر النجاسات، لأنها في معناها، والحكم لا يختص بمورد النص، بدليل إلحاق البدن والثوب به.


    وفي قول عند الحنابلة: إنه لا يجب فيه عدد، اعتماداً على أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، لا في قوله ولا في فعله.


    ويضر عندهم بقاء الطعم، لدلالته على بقاء العين ولسهولة إزالته ويضر كذلك بقاء اللون أو الريح أوهما معا إن تيسر إزالتهما، فإن عسر ذلك لم يضر.


    وهذا في غير نجاسة الكلب والخنزير.


    تطهير ما تصيبه الغسالة قبل طهارة المغسول:


    الغسالة المتغيرة بأحد أوصاف النجاسة نجسة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه ولونه وطعمه" رواه ابن ماجه.


    قال المالكية: سواء كان تغيرها بالطعم أو اللون والريح ولو المتعسرين، ومن ثم ينجس المحل الذي تصيبه الغسالة المتغيرة، ويكون تطهيره كتطهير أي محل متنجس عند الجمهور.


    وذهب الحنابلة إلى أنه لا يطهر المحل المتنجس إلا بغسله سبعاً، فيغسل عندهم ما نجس ببعض الغسلات بعدد ما بقي بعد تلك الغسلة، فلو تنجس بالغسلة الرابعة مثلاً غسل ثلاث غسلات لأنها نجاسة تطهر في محلها بما بقي من الغسلات، فطهرت به في مثله.


    وذهب المالكية إلى أنَّ الغسالة غير المتغيرة طاهرة، فلو غسلت قطرة بول مثلاً في جسد أو ثوب وسالت غير متغيرة في سائره ولم تنفصل عنه كان طاهرا.


    وقالت الشافعية: الغسالة غير المتغيرة إن كانت قلتين فطاهرة، وإن كانت دونهما فثلاثة أقوال عند الشافعية، أظهرها: أن حكمها حكم المحل بعد الغسل، إن كان نجساً بعد فنجسة، وإلا فطاهرة غير مطهرة، وهو مذهب الشافعي الجديد.


    تطهير الآبار:


    ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه إذا تنجس ماء البئر، فإن تطهيره يكون بالتكثير إلى أن يزول التغير، ويكون التكثير بالترك حتى يزيد الماء ويصل إلى حد الكثرة، أو بصب ماء طاهر فيه حتى يصل هذا الحد.


    كما ذهب المالكية والحنابلة إلى اعتبار النزح طريقاً للتطهير أيضاً.


    وذهب الحنفية إلى أنه إذا تنجس ماء البئر فإن تطهيره يكون بالنزح فقط.


    الوضوء والاغتسال في موضع نجس:


    لا خلاف بين الفقهاء في أن الوضوء والاغتسال في موضع نجس مكروه خشية أن يتنجس به المتوضىء أو المغتسل، وتوقي ذلك كله أولى، ولأنه يورث الوسوسة.


    تطهير الجامدات والمائعات:


    ذهب الفقهاء إلى أنه إذا وقعت النجاسة في جامد، كالسمن الجامد ونحوه، فإن تطهيره يكون برفع النجاسة وتقوير ما حولها وطرحه، ويكون الباقي طاهراً، لما روت ميمونة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: " ألقوها، وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم".


    وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه إذا وقعت النجاسة في مائع فإنه ينجس، ولا يطهر. ويراق، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن فقال: "إن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه" وفي رواية "وإن كان مائعاً فأريقوه" رواه أحمد.


    وذهب الحنفية إلى إمكان تطهيره بالغلي، ذلك بأن يوضع في ماء ويغلى، فيعلو الدهن الماء، فيرفع بشيء، وهكذا ثلاث مرات.


    تطهير ما كان أملس السطح:


    ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا أصابت النجاسة شيئاً صقيلاً -كالسيف والمرآة- فإنه لا يطهر بالمسح، ولا بد من غسله، لعموم الأمر بغسل الأنجاس، والمسح ليس غسلاً.


    ذهب الحنفية إلى أن ما كان أملس السطح، كالسيف والمرآة ونحوهما، إن أصابه نجس فإن تطهيره يكون بالمسح بحيث يزول أثر النجاسة، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقتلون الكفار بسيوفهم ثم يمسحونها ويصلون وهم يحملونها، ولأنه لا يتشرب النجاسة، وما على ظاهره يزول بالمسح.


    فإن كان بالصقيل صدأ يتشرب معه النجاسة، أو كان ذا مسام تتشربها، فإنه لا يطهر إلا بالماء.


    وذهب المالكية إلى أن ما كان صلباً صقيلاً، وكان يخشى فساده بالغسل كالسيف ونحوه، فإنه يعفى عما أصابه من الدم المباح ولو كان كثيراً، خوفاً من إفساد الغسل له.


    المراد بالمباح غير المحرم، فيدخل فيه دم مكروه الأكل إذا ذكاه بالسيف، والمراد. المباح أصالة، فلا يضر حرمته لعارض كقتل مرتد به، وقتل زان أحصن بغير إذن الإمام.


    كما قيدوا العفو بأن يكون السيف مصقولاً لا خربشة فيه، وإلا فلا عفو.


    تطهير الثوب والبدن من المني


    -اختلف الفقهاء في نجاسة المنى.


    فذهب الحنفية والمالكية إلى نجاسته.


    وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه طاهر.


    واختلف الحنفية والمالكية في كيفية تطهيره:


    فذهب الحنفية إلى أن تطهيره محل المني يكون بغسله إن كان رطباً، وفركه إن كان يابساً، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "كنت أفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً، وأغسله إذا كان رطباً".


    ولا فرق في طهارة محله بفركه يابساً وغسله طرياً بين مني الرجل ومني المرأة،كما أنه لا فرق في ذلك بين الثوب والبدن على الظاهر من المذهب.


    وذهب المالكية إلى أن تطهير محل المني يكون بالغسل لا غير.


    طهارة الأرض بالماء:


    قال جمهور الفقهاء: إذا تنجست الأرض بنجاسة مائعة- كالبول والخمر وغيرهما- فتطهيرها أن تغمر بالماء بحيث يذهب لون النجاسة وريحها، وما انفصل عنها غير متغير بها فهو طاهر.


    وذلك لما رواه أنس رضي الله عنه قال: "جاء أعرابي فبال في طائفة (ناحية) من المسجد، فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضي بوله أمر بذَنوب من ماء فأهريق عليه" وفي لفظ فدعاه فقال: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن" وأمر رجلاً فجاء بدلو من ماء فشنه عليه [متفق عليه].


    وإنما أمر بالذنوب لأن ذلك يغمر البول، ويستهلك فيه البول وإن أصاب الأرض ماء المطهر أو السيول فغمرها وجرى عليها فهو كما لو صب عليها، لأن تطهير النجاسة لا تعتبر فيه نيَّة ولا فعل، فاستوى ما صبَّه الآدمي وما جرى بغير صبّه.


    ولا تطهر الأرض حتى يذهب لون النجاسة ورائحتها، ولأن بقاءهما دليل على بقاء النجاسة، فإن كانت مما لا يزول لونها إلا بمشقة سقط عنه إزالتها كالثوب، كذا الحكم في الرائحة.


    ويقول الحنفية: إذا أصابت النجاسة أرضاً رخوة فيصب عليها الماء فتطهر، لأنها تنشف الماء، فيطهر وجه الأرض، وإن كانت صلبة يصب الماء عليها، ثم تكبس الحفيرة التي اجتمعت فيها الغسالة.


    ما تطهر به الأرض سوى المياه:


    ذهب جمهور الحنفية إلى أن الأرض إذا أصابها نجس، فجفت بالشمس أو الهواء أو غيرهما وذهب أثره طهرت وجازت الصلاة عليها.


    وذهب المالكية والحنابلة، والشافعية في الأصح عندهم، إلى أنها لا تطهر بغير الماء، لأمره صلى الله عليه وسلم أن يصب على بول الأعرابي ذنوب ماء، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أهريقوا على بوله ذنوبا من ماء، أو سجلا من ماء" [رواه البخاري]. والأمر يقتضى الوجوب، لأنه محل نجس فلم يطهر بغير الغسل.


    طهارة النجاسة بالاستحالة:


    - اتفق الفقهاء على طهارة الخمر بالاستحالة، فإذا انقلبت الخمر خلا صارت طاهرة.


    واختلف الفقهاء فيما عدا الخمر من نجس العين هل يطهر الاستحالة أم لا؟ فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يطهر نجس العين بالاستحالة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن أكل الجلالة وألبانها" لأكلها النجاسة، ولو طهرت بالاستحالة لم ينه عنه.


    وذهب الحنفية والمالكية إلى أن نجس العين يطهر بالاستحالة.


    ونظيره في الشرع النطفة نجسة، وتصير علقة وهي نجسة، وتصير مضغة فتطهر، والعصير طاهر فيصير خمراً فينجس، ويصير خلاً فيطهر، فعرفنا أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها.


    ونص الحنفية على أن ما استحالت به النجاسة بالنار، أو زال أثرها بها يطهر.كما تطهر النجاسة عندهم بانقلاب العين.


    فلو وقع إنسان أو كلب في قدر الصابون فصار صابوناً يكون طاهراً لتبدل الحقيقة.


    ونص المالكية على أن الخمر إذا تحجرت فإنها تطهر، لزوال الإسكار منها، وأن رماد النجس طاهر، لأن النار تطهر.


    ما يطهر من الجلود بالدباغة:


    اتفق الفقهاء على نجاسة جلود ميتة الحيوانات قبل الدباغ، واختلفوا في طهارة جلود الميتة بالدباغة.


    تطهير الخف من النجاسة:


    ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا أصابت أسفل الخف أو النعل نجاسة فإن تطهيره يكون بغسله، ولا يجزىء لو دلكه كالثوب والبدن، ولا فرق في ذلك بين أن تكون النجاسة رطبة أو جافة.


    وعند الشافعية قولان في العفو عن النجاسة الجافة إذا دلكت، أصحها: القول الجديد للشافعي، وهو أنه لا يجوز حتى يغسله، ولا تصح الصلاة به، والثاني: يجوز لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه، وليصل فيهما".


    وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا أصاب الخف نجاسة لها جرم، كالروث والعذرة، فجفت، فدلكه الأرض جاز، والرطب وما لا جرم له كالخمر والبول لا يجوز فيه إلا الغسل، وقال أبو يوسف: يجزىء المسح فيهما إلا البول والخمر، قال محمد: لا يجوز فيهما إلا الغسل كالثوب.


    وعلى قول أبي يوسف أكثر المشايخ، وهو المختار لعموم البلوى.


    وفرق المالكية بين أرواث الدواب وأبوالها وبين غيرها من النجاسات، فإذا أصاب الخف شيء من روث الدواب وأبوالها فإنه يعفى عنه إن دلك بتراب أو حجر أو نحوه حتى زالت العين، وكذا إن جفت النجاسة بحيث لم يبق شيء يخرجه الغسل سوى الحكم.


    وقيد بعضهم العفو بأن تكون إصابة الخف أو النعل بالنجاسة بموضع يطرقه الدواب كثيراً -كالطرق- لمشقة الاحتراز عنه.


    تطهير ما تصيبه النجاسة من ملابس النساء في الطرق:


    ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا تنجس ذيل ثوب المرأة فإنه يجب غسله كالبدن، ولا يطهره ما بعده من الأرض.


    وذهب المالكية إلى أنه يعفى عما يصيب ذيل المرأة اليابس من النجاسة إذا مرت بعد الإصابة على موضع طاهر يابس، سواء كان أرضاً أو غيره.


    وقيدوا هذا العفو بعدة قيود هي:


    1. أن يكون الذيل يابساً وقد أطالته للستر، لا للزينة والخيلاء.


    2. وأن تكون النجاسة التي أصابت ذيل الثوب مخففة جافة، فإن كانت رطبة فإنه يجب الغسل، إلا أن يكون معفوا عنه كالطين.


    جـ- وأن يكون الموضع الذي تمر عليه بعد الإصابة طاهراً يابساً.


    التطهير من البول الغلام وبول الجارية:


    ذهب الحنفية والمالكية إلى أن التطهير من بول الغلام وبول الجارية الصغيرين أكلاً أولا، يكون بغسله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "استنزهوا من البول".


    وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجزىء في التطهير من بول الغلام الذي لم يطعم الطعام النضج، ويكون برش الماء على المكان المصاب وغمره به بلا سيلان، فقد روت أم قيس بنت محصن رضي الله عنها أنها "أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه، ولم يغسله" أما بول الجارية الصغيرة فلا يجزىء في تطهيره النضح، ولا بد فيه من الغسل، لخبر الترمذي "ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية".


    تطهير أواني الخمر:


    الأصل في تطهير أواني الخمر هو غسلها.


    يقول الحنفية: تطهر بغسلها ثلاثاً بحيث لا تبقى فيها رائحة الخمر ولا أثرها، فإن بقيت رائحتها لا يجوز أن يجعل فيها من المائعات سوى الخل، لأنه بجعله فيها تطهر وإن لم تغسل، لأن ما فيها من الخمر يتخلل بالخل.


    ويقول الشافعية: تطهر بغسلها مرة واحدة إذا زال أثر النجاسة، ويندب غسلها ثلاث مرات، لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده".


    فندب إلى الثلاث للشك في النجاسة، فدل على أن ذلك يستحب إذا تيقن، ويجوز الاقتصار على الغسل مرة واحدة.


    والغسل الواجب في ذلك: أن يكاثر بالماء حتى تستهلك النجاسة.


    وعند المالكية طهارة الفخار من نجس غواص كالخمر قولان.


    ويقول الحنابلة: إذا كان في الإناء خمر يتشربها الإناء، ثم متى جعل فيه مائع، سواء ظهر فيه طعم الخمر أو لونه، لم يطهر بالغسل، لأن الغسل لا يستأصل أجزاءه من جسم الإناء.


    تطهير آنية الكفار وملابسهم:


    يقول الحنفية في آنية الكفار: إنها طاهرة لأن سؤرهم طاهر، لأن المختلط به اللعاب، وقد تولد من لحم طاهر، فيكون طاهراً، فمتى تنجست أوانيهم فإنه يجري عليها ما يجري على ما تنجس من أواني المسلمين من غسل وغيره، إذ لهم ما لنا وعليهم ما علينا وثيابهم طاهرة، ولا يكره منها إلا السراويل المتصلة بأبدانهم لاستحلالهم الخمر، ولا يتقونها كما لا يتوقون النجاسة والتنزه عنها، فلو أمن ذلك بالنسبة لها وكان التأكد من طهارتها قائماً، فإنه يباح لبسها، وإذا تنجست جرى عليها ما يجري على تطهير ملابس المسلمين عندما تصيبها نجاسة، سواء بالغسل أو غيره.


    وذهب الشافعية إلى كراهية استعمال أوانيهم وثيابهم.


    فإن توضأ من أوانيهم نظرت: فإن كانوا ممن لا يتدينون باستعمال النجاسة صح الوضوء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم "توضأ من مزادة مشركة" وتوضأ عمر رضي الله عنه من جرة نصراني، ولأن الأصل في أوانيهم الطهارة.


    وإن كانوا ممن يتدينون باستعمال النجاسة ففيه وجهان: أحدهما: أنه يصح الوضوء لأن الأصل في أوانيهم الطهارة، والثاني: لا يصح لأنهم يتدينون باستعمال النجاسة كما يتدين المسلمون بالماء الطاهر فالظاهر من أوانيهم وثيابهم النجاسة.


    وأجاز المالكية استعمال أوانيهم إلا إذا تيقن عدم طهارتها، وصرح القرافي في "الفروق" بأن جميع ما يصنعه أهل الكتاب والمسلمون الذين لا يصلون ولا يستنجون ولا يتحرزون من النجاسات من الأطعمة وغيرها محمول على الطهارة، وإن كان الغالب عليه النجاسة،فإذا تنجست أوانيهم فإنها تطهر بزوال تلك النجاسة بالغسل بالماء أو بغيره مما له صفة الطهورية.


    وكذلك الحال بالنسبة لملابسهم، فإن الأصل فيها الطهارة ما لم يصبها النجس، ولذا لا يصلى في ملابسهم أي ما يلبسونه، لأن الغالب نجاستها، فحمل عليها عند الشك: أما إن علمت أو ظنت طهارتها فإنه يجوز أن يصلى فيها.


    ويقول الحنابلة في ثيابهم وأوانيهم: إنها طاهرة مباحة الاستعمال ما لم تعلم نجاستها، وأضافوا: إن الكفار على ضربين -أهل الكتاب وغيرهم- فأما أهل الكتاب فيباح أكل طعامهم وشرابهم واستعمال آنيتهم ما لم تعلم نجاستها.


    وأما غير أهل الكتاب -وهم المجوس وعبدة الأوثان ونحوهم -ومن يأكل لحم الخنزير من أهل الكتاب في موضع يمكنهم أكله، أو يأكل الميتة، أو يذبح بالسن والظفر فحكم ثيابهم حكم ثياب أهل الذمة عملاً بالأصل، وأما أوانيهم حكمها حكم أواني أهل الكتاب، يباح استعمالها ما لم يتحقق نجاستها، ولأن الأصل الطهارة، فلا تزول بالشك.


    وفي قول: هي نجسة، لا يستعمل ما استعملوه منها إلا بعد غسله، ولأن أوانيهم لا تخلو من أطعمتهم، وذبائحهم ميتة، فتتنجس بها وهذا ظاهر كلام أحمد، فإنه قال في المجوس: لا يؤكل من طعامهم إلا الفاكهة، لأن الظاهر نجاسة آنيتهم المستعملة في أطعمتم، ومتى شك في الإناء هل استعملوه أم لا؟ فهو طاهر، لأن الأصل طهارته.


    تطهير المصبوغ بنجس:


    لا خلاف بين الفقهاء في أن المصبوغ بنجس يطهر بغسله.


    قال الحنفية: يغسل حتى يصير الماء صافياً، وقيل: يغسل بعد ذلك ثلاث مرات.


    وقال المالكية: يطهر بغسله حتى يزول طعمه فقد طهر ولو بقي شيء من لونه وريحه.


    وقال الشافعية: يغسل حتى ينفصل النجس منه ولم يزد المصبوغ وزنا بعد الغسل على وزنه قبل الصبغ، وإن بقي اللون لعسر زواله، فإن زاد وزنه ضر، فإن لم ينفصل عنه لتعقده به لم يطهر، لبقاء النجاسة فيه.


    وقال الحنابلة: يطهر بغسله وإن بقي اللون لقوله عليه الصلاة والسلام في الدم: "ولا يضرك أثره".


    رماد النجس المحترق بالنار:


    المعتمد عند المالكية والمختار للفتوى، وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية وبه يفتى، والحنابلة في غير الظاهر: أن رماد النجس المحترق بالنار طاهر، فيطهر بالنار الوقود المتنجس والسرقين والعذرة تحترق فتصير رماداً تطهر، ويطهر ما تخلف عنها.


    تطهير ما يتشرب النجاسة:


    اختلف الفقهاء في اللحم الذي طبخ بنجس، هل يطهر أم لا؟


    فذهب الحنفية -عدا أبي يوسف- والحنابلة إلى أن اللحم الذي طبخ بنجس لا يمكن تطهيره.


    ذهب المالكية إلى أن اللحم الذي طبخ بنجس من ماء، أو وقعت فيه نجاسة حال طبخه قبل نضجه، فإنه لا يقبل التطهير، أما إن وقعت فيه نجاسة بعد نضجه فإنه يقبل التطهير، وذلك بأن يغسل ما تعلق به من المرق.


    وذهب الشافعية إلى أن اللحم الذي طبخ بنجس يمكن تطهيره، وفي كيفية طهارته وجهان: أحدهما: يغسل ثم يعصر كالبساط، والثاني: يشترط أن يغلى بماء طهور.


    تطهير الفخار:


    فذهب المالكية والحنابلة ومحمد من الحنفية إلى أن الفخار الذي يتشرب النجاسة لا يطهر.


    وذهب أبو يوسف من الحنفية إلى أنه يمكن تطهير الخزف الذي يتشرب النجاسة، وذلك بأن ينقع في الماء ثلاثاً، ويجفف كل مرة.


    وذهب الحنابلة إلى أنه لا يطهر باطن جِبٍ تشرب النجاسة.


    الآبار



    تعريف الآبار وبيان أحكامها العامة:


    الآبار جمع بئر، مأخوذ من "بأر" أي حفر.


    والأصل في ماء الآبار الطهورية (أي كونه طاهراً في نفسه مطهراً لغيره)، فيصح التطهير به اتفاقاً، إلا إذا تنجس الماء أو تغير أحد أوصافه على تفصيل في التغير في أحكام المياه. غير أن هناك آباراً تكلم الفقهاء عن كراهية التطهير بمائها لأنها في أرض مغضوب عليها. وهناك من الآبار ما نص الفقهاء على اختصاصها بالفضل، ورتبوا على ذلك بعض الأحكام.


    حد الكثرة في ماء البئر وأثر اختلاطه بطاهر وانغماس أو مَنْ به نجاسة آدمي في طاهر.


    اتفق فقهاء المذاهب على أن الماء الكثير لا ينجسه شيء ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه. واختلفوا في حد الكثرة.


    ذهب الحنفية إلى أنها تقدر بما يوازي عشر أذرع في عشر دون اعتبار للعمق ما دام القاع لا يظهر بالاغتراف.


    والذراع سبع قبضات، لأنها لو كانت عشراً في عشر فإن الماء لا يتنجس بشيء ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه، اعتباراً بالماء الجاري.


    والقياس أن لا تطهر لكن ترك القياس للآثار، ومسائل الآبار مبنية على الآثار.


    والمفتى به القول بالعشر ولو حكماً ليعم ما له طول بلا عرض في الأصح. وقيل المعتبر في القدر الكثير رأي المتبلى به، بناء على عدم صحة ثبوت تقديره شرعاً.


    وذهب المالكية إلى أن الكثير ما زاد قدره عن آنية الغسل، وكذا ما زاد عن قدر آنية الوضوء، على الراجح.


    ويتفق الشافعية، والحنابلة في ظاهر المذهب، على أن الكثير ما بلغ قلتين فأكثر، لحديث "إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء" [رواه ابن ماجه] وفي رواية "لم يحمل الخبث." [رواه أحمد] وإن نقص عن القلتين برطل أو رطلين فهو حكم القلتين.


    انغماس الآدمي في ماء البئر:


    اتفق فقهاء المذاهب على أن الآدمي إذا انغمس في البئر، وكان طاهراً من الحدث والخبث، وكان الماء كثيراً، فإن الماء لا يعتبر مستعملاً، ويبقى على أصل طهوريته.


    ومذهب الشافعية، والصحيح عند الحنابلة،أن الآدمي طاهر حياً أو ميتاً، وأن موت الآدمي في الماء لا ينجسه إلا إن تغير أحد أوصاف الماء تغيراً فاحشا. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن لا يَنْجُسُ". ولأنه لا ينجس بالموت، كالشهيد، لأنه لو نجس بالموت لم يطهر بالغسل، ولا فرق بين المسلم والكافر، لاستوائهما في الآدمية.


    وذهب الحنفية إلى أنه ينزح كل ماء البئر بموت الآدمي فيه، إذ نصوا على أنه ينـزح ماء البئر كله بموت سِنَّورَيْن أو كلب أو شاة أو آدمي. وموت الكلب ليس بشرط حتى لو انغمس وأخرج حيا ينـزح جميع الماء.


    وإذا انغمس في البئر من به نجاسة حكمية، بأن كان جنباً أو محدثاً، فإنه ينظر: إم أن يكون ماء البئر كثيراً أو قليلاً، وإما أن يكون قد نوى بالانغماس رفع الحدث. وإما أن يكون بقصد التبرد أو إحضار الدلو.


    فإن كان البئر مَعيناً، أي ماؤه جار، فإن انغماس الجنب ومن في حكمه لا ينجسه عند المالكية وهو مذهب الحنابلة إن لم ينو رفع الحدث. وهو اتجاه من قال من الحنفية: إن الماء المستعمل طاهر لغلبة غير المستعمل، أو لأن الانغماس لا يصيره مستعملاً، وعلى هذا فلا ينـزح منه شيء.


    ويرى الشافعية كراهة انغماس الجنب ومن في حكمه في البئر، وإن كان مَعيناً، لخبر أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَغْتَسِلُ أحدُكم في الماء الدائم وهو جنب. [رواه مسلم].


    ومذهب الحنابلة إن نوى رفع الحدث. وإلى هذا يتجه من يرى من الحنفية أن الماء بالانغماس يصير مستعملاً.


    وإذا كان ماء البئر قليلاً وانغمس فيه بغير نيّة رفع الحدث.


    فالمالكية على أن الماء المجاور فقط يصير مستعملاً.


    وعند الشافعية والحنابلة الماء على طهوريته.


    واختلف الحنفية على ثلاثة أقوال ترمز لها كتبهم: "مسألة البئر جحط". ويرمزون بالجيم إلى ما قاله الإمام من أن الماء نجس بإسقاط الفرض عن البعض بأول الملاقاة، والرجل نجس لبقاء الحدث في بقية الأعضاء، أو لنجاسة الماء المستعمل.


    ويرمزون بالحاء لرأي أبي يوسف من أن الرجل على حاله من الحدث، لعدم الصب، وهو شرط عنده، والماء على حاله لعدم نية القربة، وعدم إزالة الحدث.


    ويرمزون بالطاء لرأي محمد بن الحسن من أن الرجل طاهر لعدم اشتراط الصب، وكذا الماء لعدم نية القربة.


    أما إذا انغمس في الماء القليل بنية رفع الحدث كان الماء كله مستعملاً عند الحنفية والمالكية والشافعية، ولكن عند الحنابلة يبقى الماء على طهوريته ولا يرفع الحدث. وكذلك يكون الماء مستعملاً عند الحنفية لو تدلّك ولو لم ينو رفع الحدث، لأن التدلك فعل منه يقوم مقام نية رفع الحدث.


    أما إذا انغمس إنسان في ماء البئر وعلى بدنه نجاسة حقيقية، أو ألقي فيه شيء نجس، فمن المتفق عليه أن الماء الكثير لا يتنجس بشيء، ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه.


    ذهب الحنابلة، في أشهر روايتين عندهم، أن ما يمكن نـزحه إذا بلغ قلتين فلا يتنجس بشيء من النجاسات، إلا ببول الآدميين أو عَذرتهم المائعة.


    وكذلك إذا ما سقط فيه شيء نجس، وفي مقابل المشهور في مذهب أحمد أن الماء لا ينجس إلا بالتغير قليلة وكثيرة.


    وقد فصل الحنفية هذا بما لم يفصله غيرهم، ونصوا على أن الماء لا ينجس بخرء الحمام والعصفور، ولو كان كثيراً، لأنه طاهر استحساناً، بدلالة الإجماع، فإن الصدر الأول ومن بعدهم أجمعوا على جواز اقتناء الحمام في المساجد، حتى المسجد الحرام، مع ورود الأمر بتطهيرها. وفي ذلك دلالة ظاهرة على عدم نجاسته. وخرء العصفور كخرء الحمامة، فما يدل على طهارة هذا يدل على طهارة ذاك. وكذلك خرء جميع ما يؤكل لحمه من الطيور على الأرجح.


    أثر وقوع حيوان في البئر


    الأصل أن الماء الكثير لا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه.


    واتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن ما ليس له نفس سائلة، إذا ما وقع في ماء البئر، لا يؤثر في طهارته، وكذا ما كان مأكول اللحم، إذا لم يكن يعلم أن على بدنه أو مخرجه نجاسة، وخرج حياً، ما دام لم يتسبب في تغير أحد أوصاف الماء، عدا ما كان نجس العين كالخنـزير.


    ويرى الحنابلة وبعض الحنفية أن المعتبر السؤر، فإن كان لم يصل فمه إلى الماء لا ينـزح منه شيء، وإن وصل وكان سؤره طاهراً فإنه طاهر.


    ويختلف الفقهاء فيما وراء ذلك.


    فغير الحنفية من فقهاء المذاهب الأربعةيتجهون إلى عدم التوسع في الحكم بالتنجس بوقوع الحيوان ذي النفس السائلة (الدم السائل) عموماً وإن وجد اختلاف بينهم.


    فالمالكية ينصون على أن الماء الراكد، أو الذي له مادة، أو كان الماء جارياً، إذا مات فيه حيوان برّي ذو نفس سائلة، أو حيوان بحري، لا ينجس، وإن كان يندب نـزح قدر معين، لاحتمال نـزول فضلات من الميت، ولأنه تعافه النفس. وإذا وقع شيء من ذلك، وأخرج حياً، أو وقع بعد أن مات بالخارج، فإن الماء لا ينجس ولا ينـزح منه شيء، لأن سقوط النجاسة بالماء لا يطلب بسببه النـزح.


    وإنما يوجب الخلاف فيه إذا كان يسيراً. وموت الدابة بخلاف ذلك فيها. ولأن سقوط الدابة بعد موتها في الماء هو بمنزلة سقوط سائر النجاسات من بول وغائط، وذاتها صارت نجسة بالموت. فلو طلب النـزح في سقوطها ميتة لطلب في سائر النجاسات، ولا قائل بذلك في المذهب.


    وقيل: يستحب النـزح بحسب كبر الدابة وصغرها، وكثرة ماء البئر وقلته.


    وقال الشافعية: إذا كان ماء البئر كثيراً طاهراً، وتفتَّتَتْ فيه نجاسة، كفأرة تمعَّط شعرها بحيث لا يخلو دلوٌ من شعرة، فهو طهور كما كان إن لم يتغير. وعلى القول بأن الشعر نجس ينـزح الماء كله ليذهب الشعر، مع ملاحظة أن اليسير عرفا من الشعر معفو عنه ما عدا شعر الكلب والخنـزير.


    ويفهم من هذا أن ماء البئر إذا كان قليلاً فإنه يتنجس ولو لم يتغير.


    ويقول الحنابلة: إذا وقعت الفأرة أو الهرة في ماء يسير، ثم خرجت حية، فهو طاهر، لأن الأصل الطهارة. وإصابة الماء لموضع النجاسة مشكوك فيه. وكل حيوان حكم جلده وشعره وعرقه ودمعه ولعابه حكم سؤره في الطهارة والنجاسة.


    ويفهم من قيد "ثم خرجت حية" أنها لو ماتت فيه يتنجس الماء، كما يفهم من تقييد الماء " باليسير" أن الماء الكثير لا ينجس إلا إذا تغير وصفه.


    وذهب الحنفية إلى أن الفأرة إذا وقعت هاربة من القط ينـزح كل الماء، لأنها تبول. وكذلك إذا كانت مجروحة و متنجسة. وقالوا: إن كانت البئر معيناً، أو الماء عشراً في عشر، ولكن تغير أحد أوصافه، ولم يمكن نـزحها، نـزح قدر ما كان فيها.


    وإذا كانت البئر غير عين، ولا عشراً في عشر، نـزح منها عشرون دلواً بطريق الوجوب، إلى ثلاثين ندباً، بموت فأرة أو عصفور أو سام أبرص. ولو وقع أكثر من فأر إلى الأربع فكالوا حده عند أبي يوسف، ولو خمساً إلى التسع كالدجاجة، وعشراً كالشاة، ولو فأرتين كهيئة الدجاجة ينـزح أربعون عند محمد. وإذا مات فيها حمامة أو دجاجة أو سنور ينـزح أربعون وجوباً إلى ستين استحباباً. وفي رواية إلى خمسين.


    وينـزح كله لسنَّورين وشاة، أو انتفاخ الحيوان الدموي، أو تفسخه ولو صغيراً. وبانغماس كلب حتى لو خرج حياً. وكذا كل ما سؤره نجس أو مشكوك فيه. وقالوا في الشاة إن خرجت حية فإن كانت هاربة من السبع نـزح كله خلافاً لمحمد.


    وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف في البقر والإبل أنه ينجس الماء، لأنها تبول بين أفخاذها فلا تخلو من البول. ويرى أبو حنيفة نـزح عشرين دلواً، لأن بول ما يؤكل لحمه نجس نجاسة خفيفة، وقد ازداد خفة بسبب البئر فيكفي نزح أدنى ما ينـزح. وعن أبي يوسف: ينـزح ماء البئر كلُّه، لاستواء النجاسة الخفيفة والغليظة في حكم تنجس الماء.


    تطهير الآبار وحكم تغويرها


    ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا تنجس ماء البئر فإن التكثير طريق تطهيره عند تنجسها إذا زال التغير. ويكون التكثير بالترك حتى يزيد الماء ويصل حد الكثرة، أو بصب ماء طاهر فيه حتى يصل هذا الحد.


    وأضاف المالكية طرقاً أخرى، إذ يقولون: إذا تغير ماء البئر بتفسّخ الحيوان طعماً أو لوناً أو ريحاً يطهر بالنـزح، أو بزوال أثر النجاسة بأي شيء. بل قال بعضهم: إذا زالت النجاسة من نفسها طهر. وقالوا في بئر الدار المنتنة: طهور مائها بنـزح ما يذهب نتنه.


    وذهب الشافعية إلى أنَّ التطهير على التكثير فقط إذا كان الماء قليلاً (دون القلتين)، وإما بالترك حتى يزيد الماء، أو بصب ماء عليه ليكثر، ولا يعتبرون النـزح لينبع الماء الطهور بعده، لأنه وإن نـزح فقعر البئر يبقى نجساً كما تنجس جدران البئر بالنـزح. وقالوا: فيما إذا وقع في البئر شيء نجس، كفأر تمعط شعرها، فإن الماء ينـزح لا لتطهير الماء، وإنما بقصد التخلص من الشعر.


    التطهير بالتكثير، إذا كان الماء المتنجس قليلاً، أو كثيراً لا يشق نـزحه ويخصون ذلك بما إذا كان تنجس الماء بغير بول الآدمي أو عذرته. ويكون التكثير بإضافة ماء طهور كثير، حتى يعود الكل طهوراً بزوال التغير.


    أما إذا كان تنجس الماء ببول الآدمي أو عذرته فإنه يجب نـزح مائها، فإن شق ذلك فإنه يطهر بزوال تغيره، سواء بنـزح ما لا يشق نـزحه، أو بإضافة ماء إليه، أو بطول المكث، على أن النـزح إذا زال به التغير وكان الباقي من الماء كثيراً (قلتين فأكثر) يعتبر مطهراً عند الشافعية.


    وذهب الحنفية إلى أن التطهير لا يكون إلا بالنـزح، لكل ماء البئر، أو عدد من الدلاء على ما سبق.


    وإذا كان المالكية والحنابلة اعتبروا النـزح طريقاً للتطهير فإنه غير متعيّن عندهم كما أنهم لم يحددوا مقداراً من الدلاء وإنما يتركون ذلك لتقدير النازح.


    ومن أجل هذا نجدُ الحنفية هم الذين فصلوا الكلام في النزح، وهم الذين تكلموا على آلة النـزح، وما يكون عليه حجمها.


    فإذا وقعت في البئر نجاسة نزحت، وكان نـزح ما فيها من الماء طهارة لها.


    لو نـزح ماء البئر، وبقي الدلو الأخير فإن لم ينفصل عن وجه الماء لا يحكم بطهارة البئر، وإن انفصل عن وجه الماء، ونحي عن رأس البئر طهر. وأما إذا انفصل عن وجه الماء، ولم ينح عن رأس البئر، والماء يتقاطر فيه، لا يطهر عند أبي يوسف. وعند محمد يطهر.


    وإذا وجب نـزح جميع الماء من البئر ينبغي أن تسد جميع منابع الماء إن أمكن، ثم ينـزح ما فيها من الماء النجس. وإن لم يمكن سد منابعه لغلبة الماء روي عن أبي حنيفة أنه ينـزح مائة دلو، وعن محمد أنه ينـزح مائتا دلو، أو ثلثمائة دلو؟ وعن أبي يوسف روايتان في رواية يحفر بجانبها حفرة مقدار عرض الماء وطوله وعمقه ثم ينـزح ماؤها ويصب في الحفرة حتى تمتلىء فإذا امتلأت حكم بطهارة البئر.


    وفي رواية: يرسل فيها قصبة، ويجعل لمبلغ الماء علامة، ثم ينـزح منها عشر دلاء مثلاً، ثم ينظر كم انتقص، فينزح بقدر ذلك، ولكن هذا لا يستقيم إلا إذا كان دور البئر من أول حد الماء إلى مقر البئر متساوياً، وإلا لا يلزم إذا نقص شبر بنـزح عشر دلاء من أعلى الماء أن ينقص شبر بنزح مثله من أسفله، والأوفق أنه يؤتى برجلين لهما بصر في أمر الماء فينـزح بقولهما، لأن ما يعرف بالاجتهاد يرجع فيه لأهل الخبرة.


    وذهب المالكية إلى أن النـزح طريق من طرق التطهير. ولم يحددوا قدراً للنـزح، وقالوا إنه يترك مقدار النـزح لظن النازح. قالوا: وينبغي للتطهير أن ترفع الدلاء ناقصة، لأن الخارج من الحيوان عند الموت مواد دهنية، وشأن الدهن أن يطفو على وجه الماء، فإذا امتلأ الدلو خشي أن يرجع إلى البئر.


    وذهب الحنابلة إلى أن: لا يجب غسل جوانب بئر نـزحت، ضيقة كانت أو واسعة، لا غسل أرضها، بخلاف رأسه. وقيل يجب غسل ذلك، وقيل إن الروايتين في البئر الواسعة، وأما الضيقة فيجب غسلها رواية واحدة.


    وقد بينا أن الشافعية لا يرون التطهير بمجرد النـزح.


    آلة النـزح


    منهج الحنفية، القائل بمقدار معين من الدلاء للتطهير في بعض الحالات، يتطلب بيان حجم الدلو الذي ينـزح به الماء النجس. فقال البعض: المعتبر في كل بئر دلوها، صغيراً كان أو كبيراً. وروى عن أبي حنيفة أنه يعتبر دلو يسع قدر صاع. وقيل المعتبر هو المتوسط بين الصغير والكبير. ولو نـزح بدلو عظيم مرة مقدار عشرين دلواً جاز. وقال زفر: لا يجوز لأنه بتواتر الدلو يصير كالماء الجاري.


    وبطهارة البئر يطهر الدلو والرِّشاء والبكرة ونواحي البئر ويد المستقي. وروى عن أبي يوسف أن نجاسة هذه الأشياء بنجاسة البئر، فتكون طهارتها بطهارتها، نفياً للحرج.


    ولم يتعرض فقهاء المذاهب الأخرى -على ما نعلم- لمقدار آلة النـزح. وكل ما قالوه أن ماء البئر إذا كان قليلاً، وتنجس، فإن الدلو إذا ما غرف به من الماء النجس القليل تنجس من الظاهر والباطن. وإذا كان الماء مقدار قلتين فقط، وفيه نجاسة جامدة، وغرف بالدلو من هذا الماء، ولم تغرف العين النجسة في الدلو مع الماء فباطن الدلو طاهر، وظاهره نجس، لأنه بعد غرف الدلو يكون الماء الباقي في البئر والذي احتك به ظاهر الدلو قليلاً نجساً.


    آبار لها أحكام خاصة


    آبار أرض العذاب


    أرض العذاب: هي أرض نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دخولها، كأرض بابل، وديار ثمود، وذلك لغضب الله عليها، كما نهى عن الانتفاع بآبارها.


    حكم التطهر والتطهير بمائها:


    ذهب الحنفية والشافعية إلى صحة التطهر والتطهير بمائها مع الكراهة.


    ودليلهم على صحة التطهير بمائها العمومات الدالة على طهارة جميع المياه ما لم تتنجس أو يتغير أحد أوصاف الماء، والدليل على الكراهة أنه يخشى أن يصاب مستعمله بأذى لأنها مظنة العذاب.


    ذهب جمهور المالكية وقول ظاهر عند الحنابلة إلى الجزم بعدم التطهير. مثل أرض ثمود كبئر ذي أروان وبئر برهوت


    والدليل على عدم صحة التطهير بماء هذه الآبار أن النبي صل الله عليه وسلم أمر بإهراق الماء الذي استقاه أصحابه من آبار أرض ثمود، فإن أمره بإهراقها يدل على أن ماءها لا يصح التطهير به. وهذا النهي وإن كان وارداً في الآبار الموجود بأرض ثمود إلا أن غيرها من الآبار الموجودة بأرض غضب الله على أهلها يأخذ حكمها بالقياس عليها بجامع أن كلا منها موجود في أرض نزل العذاب بأهلها.


    وذهب الحنابلة إلى إبقاء ما وراء أرض ثمود على القول بطهارتها، وحملوا النهي على الكراهة، وكذلك حكموا بالكراهة على الآبار الموجودة بالمقابر، والآبار في الأرض المغصوبة، والتي حفرت بمال مغصوب.


    البئر التي خصت بالفضل:


    بئر زمزم بمكة لها مكانة إسلامية. وروى ابن عباس أن رسول الله قال: "خير ماء على وجه الأرض زمزم." رواه الطبراني في الأكبر وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ماء زمزم لما شرب له، وإن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله." [رواه الدارقطني والحاكم].


    وللشرب منه واستعماله آداب نص عليها الفقهاء. فقالوا إنه يستحب لشربه.


    1. أن يستقبل القبلة،


    2. ويذكر اسم الله تعالى.


    3. ويتنفس ثلاثاً.


    4. ويتضلع منه.


    5. ويحمد الله تعالى.


    6. ويدعو بما كان ابن عباس يدعو به إذا شرب منه "اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء". ويقول: "اللهم إنه بلغني عن نبيك صلى الله عليه وسلم أن ماء زمزم لما شرب له وأنا أشربه لكذا".


    ويجوز بالاتفاق نقل شيء من مائها. والأصل في جواز نقله ما جاء في جامع الترمذي عن السيدة عائشة أنها حملت من ماء زمزم في القوارير، وقالت: حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وكان يصب على المرضى، ويسقيهم. رواه الترمذي.


    اتفق الفقهاء على عدم استعماله في مواضع الامتهان، كإزالة النجاسة الحقيقية.


    واتفق الفقهاء على أنه لا ينبغي أن يغسل به ميت ابتداءً.


    وذهب المالكية إلى جواز التطهير أي الوضوء والغسل بماء زمزم.


    وذهب الشافعية إلى جواز استعمال ماء زمزم في الحدث دون الخبث.


    وقال الحنابلة: ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم على ما هو الأولى في المذهب.


    وذهب الحنفية إلى التصريح بأنه لا يغتسل به جنب ولا محدث.

    التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 26-02-2015, 01:50 AM.

  • #2
    "سلسلة الفقه الميسر" الجزء الثانى " الاستنجاء "

    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
    نبدأ الجزء الثانى من سلسلة الفقه الميسر
    الاستنجاء

    التعريف اللغوي:

    من معاني الاستنجاء: الخلاص من الشيء، يقال: استنجى حاجته منه، أي خلصها.

    التعريف الشرعي:

    وقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الاستنجاء اصطلاحا، وكلها تلتقي على أن الاستنجاء إزالة ما يخرج من السبيلين، سواء بالغسل أو المسح بالحجارة ونحوها عن موضع الخروج وما قرب منه.

    وليس غسل النجاسة عن البدن أو عن الثوب استنجاء.

    حكم الاستنجاء:

    للفقهاء رأيان:

    الرأي الأول: أنه واجب إذا وجد سببه، وهو الخارج، وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة. واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاث أحجار، يستطيب بهن، فإنها تجزي عنه" [أخرجه أبو داود] وقوله: "لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار" [رواه مسلم].

    الرأي الثاني: أنه مسنون وليس بواجب. وهو قول الحنفية، ورواية عن مالك.

    واحتج الحنفية بما في سنن أبي داود من قول النبي صلى الله عليه وسلم "من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج" واحتجوا أيضاً بأنه نجاسة قليلة، والنجاسة القليلة عفو.

    ثم هو عند الحنفية سنة مؤكدة لمواظبته صلى الله عليه وسلم.

    وقت وجوب الاستنجاء عند القائلين بوجوبه:

    إن جوب الاستنجاء إنما هو لصحة الصلاة.

    علاقة الاستنجاء بالوضوء، والترتيب بينهما: ذهب الحنفية والشافعية والمعتمد عند الحنابلة إلى أن الاستنجاء من سنن الوضوء قبله، ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لو أخره عنه جاز وفاتته السنية، لأنه إزالة نجاسة، فلم تشترط لصحة الطهارة، ما لو كانت على غير الفرج.

    وصرح المالكية بأنه لا يعد من سنن الوضوء، وإن استحبوا تقديمه عليه.

    أما الرواية الأخرى عند الحنابلة: فالاستنجاء قبل الوضوء -إذا وجد سببه- شرط في صحة الصلاة. فلو توضأ قبل الاستنجاء لم يصح.

    حكم استنجاء من به حدث دائم وهو المعذور:

    من كان به حدث دائم، كمن به سلس البول ونحوه، يخفف في شأنه حكم الاستنجاء، كما يخفف حكم الوضوء.

    ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يستنجي ويتحفظ، ثم يتوضأ لكل صلاة بعد دخول الوقت. فإذا فعل ذلك وخرج منه شيء لم يلزمه إعادة الاستنجاء والوضوء بسبب السلس ونحوه، ما لم يخرج الوقت على مذهب الحنفية والشافعية، وهو أحد قولي الحنابلة. أو إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى على المعتمد من قولي الحنابلة.

    وذهب المالكية إلى أنه لا يلزم من به السلس التوضؤ منه لكل صلاة، بل يستحب ذلك ما لم يشق، فعندهم أن ما يخرج من الحدث إذا كان مستنكحاً -أي كثيراً يلازم الزمن أوجله، بأن يأتي كل يوم مرة فأكثر- فإنه يعفى عنه، ولا يلزمه غسل ما أصاب منه ولا يسن، وإن نقض الوضوء وأبطل الصلاة في بعض الأحوال، سواء أكان غائطاً، أم بولاً، أم مذياً، أم غير ذلك.

    ما يستنجى منه:

    أجمع الفقهاء على أن الخارج من السبيلين المعتاد النجس الملوث يستنجى منه حسبما تقدم. أما ما عداه ففيه خلاف، وتفصيل بيانه فيما يلي:

    الاستنجاء من الخارج غير المعتاد:

    الخارج غير المعتاد كالحصى والدود والشعر، لا يستنجى منه إذا خرج جافاً، طاهراً كان أو نجساً. ذهب الحنفية والمالكية وقول عند الشافعية وقول عند الحنابلة إلى أنه:

    إذا كان به بلة ولوّث المحل فيستنجى منها، فإن لم يلوث المحل فلا يستنجى منه.

    وفي قول آخر عند كل من الشافعية والحنابلة يستنجى من كل ما خرج من السبيلين غير الريح.

    الاستنجاء من الدم والقيح وشبههما من غير المعتاد:

    إن خرج الدم أو القيح من أحد السبيلين ففيه قولان للفقهاء:

    القول الأول: أنه لا بد من غسله كسائر النجاسات، ولا يكفي فيه الاستجمار. وهذا قول عند كل من المالكية والشافعية، لأن الأصل في النجاسة الغسل، وترك ذلك في البول والغائط للضرورة، ولا ضرورة هنا، لندرة هذا النوع من الخارج.

    والقول الثاني: أنه يجزىء فيه الاستجمار، وهو رأي الحنفية والحنابلة، وقول لكل من المالكية والشافعية، وهذا إن لم يختلط ببول أو غائط.

    الاستنجاء مما خرج من مخرج بديل عن السبيلين:

    ذهب المالكية إلى أنه إذا انفتح مخرج للحدث، وصار معتاداً، استجمر منه عند المالكية، ولا يلحق بالجسد، لأنه أصبح معتادا بالنسبة إلى ذلك الشخص المعين.

    وذهب الحنابلة إلى أنه: إذا انسد المخرج المعتاد وانفتح آخر، لم يجزئه الاستجمار فيه، ولا بد من غسله، لأنه غير السبيل المعتاد. وفي قول لهم: يجزىء.

    ولم يعثر على قول الحنفية والشافعية في هذه المسألة.

    الاستنجاء من المذي:

    المذي نجس عند الحنفية، فهو مما يستنجى منه كغيره، بالماء أو بالأحجار. ويجزىء الاستجمار أو الاستنجاء بالماء منه. وكذلك عند المالكية في قول هو خلاف المشهور عندهم، وهو الأظهر عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة.

    أما في المشهور عند المالكية، وهي الرواية الأخرى عند الحنابلة، فيتعين فيه الماء ولا يجزىء الحجر، لقول عليٍّ رضي الله عنه: " كنت رجلاً مذّاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ. وفي لفظ "يغسل ذكره ويتوضأ" [متفق عليه].

    وإنما يتعين فيه الغسل عند المالكية إذا خرج بلذة معتادة، أما إن خرج بلا لذة أصلا فإنه يكفي فيه الحجر، ما لم يكن يأتي كل يوم على وجه السلس، فلا يطلب في إزالته ماء ولا حجر، بل يعفى عنه.

    الاستنجاء من الودي:

    الودي خارج نجس، ويجزىء فيه الاستنجاء بالماء أو بالأحجار عند فقهاء المذاهب الأربعة.

    الاستنجاء من الريح:

    لا استنجاء من الريح. صرح بذلك فقهاء المذاهب الأربعة.

    الاستنجاء بالماء:

    يستحب باتفاق المذاهب الأربعة الاستنجاء بالماء.

    الاستنجاء بغير الماء من المائعات: ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجزىء الاستنجاء بغير الماء من المائعات.

    وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يمكن أن يتم الاستنجاء -كما في إزالة النجاسة- بكل مائع طاهر مزيل، كالخل وماء الورد، دون ما لا يزيل كالزيت، لأن المقصود قد تحقق، وهو إزالة النجاسة.

    أفضلية الغسل بالماء على الاستجمار:

    إن غسل المحل بالماء أفضل من الاستجمار، لأنه أبلغ في الإنقاء، ولإزالته عين النجاسة وأثرها. وفي رواية عن أحمد: الأحجار أفضل. وإذا جمع بينها بأن استجمر ثم غسل كان أفضل من الكل بالاتفاق.

    ما يستجمر به:

    الاستجمار يكون بكل جامد إلا ما منع منه، وهذا قول جمهور العلماء، ومنهم الإمام أحمد في الرواية المعتمدة عنه، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة.

    وفي رواية عن أحمد: لا يجزىء في الاستجمار شيء من الجوامد من خشب وخرق إلا الأحجار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأحجار، وأمره يقتضي الوجوب، ولأنه موضع رخصة ورد فيها الشرع بآلة مخصوصة، فوجب الاقتصار عليها، كالتراب في التيمم.

    الاستجمار هل هو مطهر للمحل؟

    اختلف الفقهاء في هذا على قولين:

    القول الأول: أن المحل يصير طاهراً بالاستجمار، وهو قول عند كل من الحنفية والمالكية والحنابلة.

    والقول الثاني: هو القول الآخر لكل من الحنفية والمالكية، وقول المتأخرين من الحنابلة: أن المحل يكون نجساً معفوا عنه للمشقة.

    وجمهور الفقهاء على أن الرطوبة إذا أصابت المحل بعد الاستجمار يعفى عنها.

    المواضع التي لا يجزىء فيها الاستجمار:

    أ-النجاسة الواردة على المخرج من خارجه:

    ذهب الحنفية في المشهور إلى أنه إن كان النجس طارئاً على المحل من خارج أجزأ فيه الاستجمار. وقال الشافعية والحنابلة بأن الحجر لا يجزىء فيه، بل لا بد من غسله بالماء. وهو قول آخر للحنفية. ومثله عند الشافعية، ما لو طرأ على المحل المتنجس بالخارج طاهر رطب، أو يختلط بالخارج كالتراب. ومثله ما لو استجمر بحجر مبتل، لأن بلل الحجر يتنجس بنجاسة المحل ثم ينجسه.

    وكذا لو انتقلت النجاسة عن المحل الذي أصابته عند الخروج، فلا بد عندهم من غسل المحل في كل تلك الصور.

    ب- ما انتشر من النجاسة وجاوز المخرج:

    اتفقت المذاهب الأربعة على أن الخارج إن جاوز المخرج وانتشر كثيراً لا يجزىء فيه الاستجمار، بل لا بد من غسله. ووجه ذلك أن الاستجمار رخصة لعموم البلوى، فتختص بما تعم به البلوى، ويبقى الزائد على الأصل في إزالة النجاسة بالغسل.

    لكنهم اختلفوا في تحديد الكثير، فذهب المالكية والحنابلة والشافعية إلى أن الكثير من الغائط هو ما جاوز المخرج، وانتهى إلى الألية، والكثير من البول ما عم الحشفة.

    وانفرد المالكية في حال الكثرة بأنه يجب غسل الكل لا الزائد وحده.

    وذهب الحنفية إلى أن الكثير هو ما زاد عن قدر الدرهم، ومع اقتصار الوجوب على الزائد عند أبي حنيفة وأبي يوسف، خلافاً لمحمد، حيث وافق المالكية في وجوب غسل الكل.

    جـ-استجمار المرأة:

    يجزىء المرأة الاستجمار من الغائط بالاتفاق، وهذا واضح.

    أما من البول فعند المالكية لا يجزىء الاستجمار في بول المرأة، بكراً كانت أو ثيبا. قالوا: لأنه يجاوز المخرج غالباً.

    وعند الشافعية: يكفي في بول المرأة -إن كانت بكراً- ما يزيل عين النجاسة خرقاً أو غيرها، أما الثيب فإن تحققت نزول البول إلى ظاهر المهبل، كما هو الغالب، لم يكف الاستجمار، وإلا كفى. ويستحب الغسل حينئذ.

    أما عند الحنابلة ففي الثيب قولان الأول: أنه يكفيها الاستجمار. والثاني: أنه يجب غسله. وعلى كلا القولين لا يجب على المرأة غسل الداخل من نجاسة وجنابة وحيض، بل تغسل ما ظهر، ويستحب لغير الصائمة غسله.

    ومقتضى قواعد مذهب الحنفية أنه إذا لم يجاوز الخارج المخرج كان الاستنجاء سنة. وإن جاوز المخرج لا يجوز الاستجمار، بل لا بد من المائع أو الماء لإزالة النجاسة.

    ولم يتعرضوا لكيفية استجمار المرأة.

    ما لا يستجمر به:

    اشترط الحنفية والمالكية فيما يستجمر به خمسة شروط:

    (1) أن يكون يابساً، وعبر غيرهم بدل اليابس بالجامد.

    (2) طاهراً

    (3) منقيا.

    (4) غير مؤذ.

    (5) ولا محترم.

    وعلى هذا فما لا يستنجى به عندهم خمسة أنواع:

    (1) ما ليس يابسا.

    (2) الأنجاس.

    (3) غير المنقى، كالأملس من القصب ونحوه.

    (4) المؤذي، ومنه المحدد كالسكين ونحوه.

    (5) المحترم وهو عندهم ثلاثة أصناف:

    أ- المحترم لكونه مطعوما.

    ب- المحترم لحق الغير.

    جـ-المحترم لشرفه.

    وهذه الأمور تذكر في كتب المالكية أيضاً، إلا أنهم لا يذكرون في الشروط عدم الإيذاء، وإن كان يفهم المنع منه بمقتضى القواعد العامة للشريعة.

    هل يجزىء الاستنجاء بما حرم الاستنجاء به:

    إذا ارتكب النهي واستنجى بالمحرم وأنقى، فعند الحنفية والمالكية، كما في الفروع: يصح الاستنجاء مع التحريم.

    أما عند الشافعية فلا يجزىء الاستنجاء بما حرم لكرامته من طعام أو كتب علم، وكذلك النجس.

    أما عند الحنابلة فلا يجزىء الاستجمار بم حرم مطلقاً، لأن الاستجمار رخصة فلا تباح بمحرم.

    وفرقوا بينه وبين الاستجمار باليمين -فإنه يجزىء الاستجمار بها مع ورود النهي- بأن النهي في العظم ونحوه لمعنى في شرط الفعل، فمنع صحته كالوضوء بالماء النجس. أما باليمين فالنهي لمعنى في آلة الشرط، فلم يمنع، كالوضوء من إناء محرم. وسووا في ذلك بين ما ورد النهي عن الاستجمار به كالعظم، وبين ما كان استعماله بصفة عامة محرما كالمغصوب.

    قالوا: ولو استجمر بعد المحرم بمباح لم يجزئه ووجب الماء، وكذا لو استنجى بمائع غير الماء. وإن استجمر بغير منق كالقصب أجزأ الاستجمار بعده بمنق. وفي المغني: يحتمل أن يجزئه الاستجمار بالطاهر بعد الاستجمار بالنجس، لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل فزالت بزوالها.

    كيفية الاستنجاء وآدابه:

    أولاً: الاستنجاء بالشمال:

    ورد في الحديث عن أصحاب الكتب الستة عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه".

    فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء باليمين، وحمل الفقهاء هذا النهي على الكراهة، وهي كراهة تحريم عند الحنفية.

    وكل هذا في غير حالة الضرورة أو الحاجة، للقاعدة المعروفة: الضرورات تبيح المحظورات.

    فلو أنّ يسراه مقطوعة أو شلاء، أو بها جراحة جاز الاستنجاء باليمين من غير كراهة، إلا أنه يجوز الاستعانة باليمين في صب الماء، وليس هذا استنجاء باليمين، بل المقصود منه مجرد إعانة اليسار، وهي المقصودة بالاستعمال.

    ثانياً: الاستتار عند الاستنجاء:

    الاستنجاء يقتضي كشف العورة، وكشفها أمام الناس محرم في الاستنجاء وغيره، فلا يرتكب لإقامة سنة الاستنجاء، ويحتال لإزالة النجاسة من غير كشف للعورة عند من يراه.

    فإن لم يكن بحضرة الناس، فعند الحنفية: من الآداب أن يستر عورته حين يفرغ من الاستنجاء والتجفيف، لأن الكشف كان لضرورة وقد زالت.

    وعند الحنابلة في التكشف لغير حاجة روايتان: الكراهة، والحرمة.

    وعليه فينبغي أن يكون ستر العورة بعد الفراغ من الاستنجاء مستحبا على الأقل.

    ثالثا: الانتقال عن موضع التخلي:

    إذا قضى حاجته فلا يستنجي حيث قضى حاجته. كذا عند الشافعيه والحنابلة -قال الشافعية: إذا كان استنجاؤه بالماء- بل ينتقل عنه، لئلا يعود الرشاش إليه فينجسه. واستثنوا الأخلية المعدة لذلك، فلا ينتقل فيها. وإذا كان استنجاؤه بالحجر فقط فلا ينتقل من مكانه، لئلا ينتقل الغائط من مكانه فيمتنع عليه الاستجمار.

    أما عند الحنابلة، فينبغي أن يتحول من مكانه الذي قضى فيه حاجته للاستجمار بالحجارة أيضاً، كما يتحول للاستنجاء بالماء، وهذا إن خشي التلوث.

    رابعاً: عدم استقبال القبلة حال الاستنجاء:

    من آداب الاستنجاء عند الحنفية: أن يجلس له إلى يمين القبلة، أو يسارها كيلا يستقبل القبلة أو يستدبرها حال كشف العورة. فاستقبال القبلة أو استدبارها حالة الاستنجاء ترك أدب، وهو مكروه كراهة تنزيه، كما في مد الرجل إليها.

    وعند الشافعية: يجوز الاستنجاء مع الاستنجاء مع الاتجاه إلى القبلة من غير كراهة، لأن النهي ورد في استقبالها واستدبارها ببول أو غائط، وهذا لم يفعله.

    خامساً: الانتضاح وقطع الوسوسة:

    ذكر الحنفية والشافعية والحنابلة: أنه إذا فرغ من الاستنجاء بالماء استحب له أن ينضح فرجه أو سراويله بشيء من الماء، قطعاً للوسواس، حتى إذا شك حمل البلل على ذلك النضح، ما لم يتيقن خلافه.

    وهذا ذكره الحنفية أنه يفعل ذلك إن كان الشيطان يريبه كثيراً.

    ومن ظن خروج شيء بعد الاستنجاء فقد قال أحمد بن حنبل: لا تلتفت حتى تتيقن، وَالْهُ عنه فإنه من الشيطان، فإنه يذهب إن شاء الله.

    الاستنزاه

    التعريف:

    1- الاستنزاه: استفعال من التنزه وأصلة التباعد. والاسم النزهة، ففلان يتنزه من الأقذار وينزه نفسه عنها: أي يباعد نفسه عنها.

    وفي حديث المعذب في قبره "كان لا يستنزه من البول" أي لا يستبرىء ولا يتطهر، ولا يبتعد منه.

    والفقهاء يعبرون بالاستنزاه والتنزه عند الكلام عن الاحتراز عن البول أو الغائط.

    التعديل الأخير تم بواسطة كريمه بركات; الساعة 26-02-2015, 01:49 AM.

    تعليق


    • #3
      رد: "سلسلة الفقه الميسر" الجزء الثانى " الاستنجاء "

      جزاكم الله خيرا ونفع بكم
      .................................................. ..

      يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــارب
      انصر المسلمين في كل مكــــــــــــــان

      تعليق


      • #4
        رد: "سلسلة الفقه الميسر" الجزء الأول " الطهارة "

        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا
        ونفع بكم


        تعليق


        • #5
          رد: "سلسلة الفقه الميسر" الجزء الأول " الطهارة "

          جزاكم الله خيرا ونفع بكم
          يا الله
          علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

          تعليق


          • #6
            رد: "سلسلة الفقه الميسر" الجزء الأول " الطهارة "

            جزاكم الله خيرًا ... ونفع الله بكم ،،،

            تعليق

            يعمل...
            X