إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان // مفهرس

    بسم الله الرحمن الرحيم


    والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم


    أما بعد:


    فأنني أقدم هذه السلسة الطيبة المباركة وأرجو أن تكون نافعة وهي بعنوان:


    أئمة الهدى ومصابيح الدجى


    لفضيلة الشيخ محمد حسان


    وهي عبارة عن مجموعة خطب ألقاها الشيخ في مسجد الراجحي في المملكة العربية السعودية

    ونستهل هذه السلسلة بعد التوكل على الله بــ:


    الدرس الأول


    مع أعظم داعية
    صلى الله عليه وسلم


    كان العالم يتخبط في ظلمات الجاهلية وخرافات الوثنية،
    فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ونوراً وهدى للناس، لكن الجاهلية الغاشمة لم تفقه ما أريد لها، فقام كفار
    مكة في وجهه، فآذوه ومن أسلم معه واضطهدوهم واضطروهم للخروج من مكة،
    والبحث عن بلاد آمنة للدعوة إلى الله. وكان ما نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم من الأذى والابتلاء أمراً عظيماً،
    يسلي الدعاة من بعده، ويحملهم على تحمل الأذى والمشاق في سبيل
    الله، والاضطلاع بأمور الدعوة مع التحلي بالصبر والجلد والاستمرار.


    مقدمات الدعوة وبدء الوحي


    الحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة،
    ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه،
    )
    ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ( [الحج:62]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده،
    وعبد ربه حتى لبى داعيه، وجاهد في سبيل ربه حتى أجاب مناديه، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشي على شوك الأسى، ويخطو على جمر الكيد والعنت،
    يلتمس الطريق لهداية الضالين، وإرشاد الحائرين، حتى علم الجاهل، وقوم المعوج، وأمن الخائف، وطمأن القلق، ونشر أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد، كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد:
    فمع اللقاء الثاني عشر من خواطر الدعوة إلى الله عز وجل، ونحن اليوم على موعد لإجمال ما فصلناه في اللقاءات الطويلة الماضية، وذلك بتقديم صورة عملية مشرقة للدعوة إلى الله عز وجل، لأعظم داعية عرفته الدنيا، لإمام النبيين، وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فهو قدوتنا، وأسوتنا، وإمامنا، وأستاذنا، ومعلمنا، ولم تكن دعوته ولن تكون أبدا ماضياً يحاول أعداؤنا في الليل والنهار أن يقطعوا الصلة بيننا وبينه، كلا، بل إن دعوته شعلة توقد شموس الحياة، ودماء تتدفق في عروق المستقبل والأجيال. أحبتي في الله!
    لقد نشأ أعظم داعية -صلى الله عليه وسلم- في بيئة شركية، تُصنع الحجارة بيديها، وتسجد لها من دون الله جل وعلا، فاحتقر هذه الأصنام، وأشفق على أصحاب هذه العقول،
    فهاهو يرى الواحد منهم ينحت إلهه الذي يعبده بيديه من حجر أو خشب أو نحاس أو حديد، أو حتى من التمر أحيانا إذا اضطر إلى ذلك، فإذا ما عبث الجوع ببطنه قام يدس هذا الإله الرخيص في جوفه؛ ليذهب به أذى هذا الجوع .. بيئة عجيبة! فترك النبي صلى الله عليه وسلم هذه البيئة الشركية، واختار العزلة بعيداً في غار حراء، على قمة جبل النور بمكة المكرمة شرفها الله وزادها تشريفاً، خرج النبي صلى الله عليه وسلم
    بعيداً عن أصنام مكة، وبعيداً عن سدنتها وكهانها، وذهب بعيداً إلى هذا الجبل،
    الذي يستغرق الصعود إليه ساعة أو أكثر، يخلو بنفسه ليقضي النهار في التأمل والتفكر والتدبر، ويقضي الليل في التبتل والتعبد والتضرع. وفي ليلة من هذه الليالي الكريمة المباركة يتنزل الوحي على قلب محمد صلى الله عليه وسلم كتنزل حبات الندى على الزهرة الظمأى ليبشر النبي صلى الله عليه وسلم بحياة جديدة،
    بل ومبشرا البشرية كلها بحياة جديدة، هاهي النبوة ترفع أعلامها، وهاهي النبوة تدق ناقوسها، وتقول: أنت يا محمد نبي الله لهذه البشرية كلها، ويأتيه الملك كما في الحديث الذي رواه البخاري ،
    في كتاب بدء الوحي من حديث عائشة :
    (يأتيه الملك ويقول له: اقرأ، فيقول: ما أنا بقارئ -أي: أنا رجل أمي لا أتقن القراءة ولا أحسن الكتابة- يقول صلى الله عليه وسلم: فأخذني وغطني -أي: ضمني ضمة شديدة- حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطي الثالثة ثم أرسلني وقال:
    )
    اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ( [العلق:1-3]).
    فرجع النبي صلى الله عليه وسلم بها يرجف فؤاده، وترتعد فرائصه وتضطرب جوارحه، رجع إلى من؟ رجع إلى القلب الحنون، رجع إلى العقل الكبير، رجع إلى أمنا خديجة رضي الله عنها وهو يقول لها:
    (يا خديجة والله لقد خشيت على نفسي، قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر ) وانطلقت به صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان رجلاً قد تنصر، وكان يكتب الكتاب العبراني، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت:
    (يا ابن عمي! اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة : ماذا ترى يا ابن أخي؟
    فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال ورقة : هذا والله الناموس الذي نزل الله على موسى، يا محمد! والله إنك لنبي هذه الأمة، ليتني كنت فيها جذعاً -أي: شاباً صغيراً- لأنصرك ولأحميك ولأدفع عنك، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أومخرجي هم؟ قال: نعم،
    لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً)،
    وما لبث أن توفي ورقة ، وفتر الوحي، أي: انقطع فترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصيب رسول الله عليه الصلاة والسلام بالحيرة، ما هذا الذي جرى؟ ما هي رسالته؟ ما هو دوره؟ ما هي وظيفته؟ يقول عليه الصلاة والسلام كما في حديث جابر الذي رواه البخاري ومسلم
    (بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً في السماء يقول: يا محمد! يا محمد! فرفعت رأسي فإذا بالملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، يقول عليه الصلاة والسلام: فرعبت منه -وفي رواية مسلم : فجئثت منه حتى هويت إلى الأرض، ورجعت إلى أهلي وأنا أقول: زملوني زملوني، يقول عليه الصلاة والسلام: فدثروني
    -أي: وضعوا عليه الأغطية- وإذا بالأمر يتنزل على قلب الحبيب من الله جل وعلا لينادي عليه ربه بهذه الآيات ويقول
    : ) يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ( [المدثر:1-5]).
    قم يا محمد! وأزح عنك هذه الأغطية، وأزل عنك هذه الفرش، فما كان بالأمس حلماً جميلاً أصبح اليوم حملاً ثقيلاً، قم يا محمد! للعبء الثقيل الذي ينتظرك، قم يا محمد!
    للأمانة الكبرى التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها، قم يا محمد! لعبء العقيدة .. لعبء الدعوة إلى الله .. لتزيح عن هذه البشرية وعن هذا الوجه الكالح هذا الشرك وهذا الكفر العتيد العنيد، قم يا محمد! لترفع راية لا إله إلا الله، لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. فنهض محمد وقام، وظل قائماً بعدها أكثر من عشرين عاماً،
    لم يقعد ، ولم يكسل، ولم يجلس، ولم يسترح، ولم يعش لنفسه ولا لأهله قط، وإنما عاش لله، وعاش لدين الله، وعاش لدعوة الله، وعاش لـ لا إله إلا الله، وعاش من أجل هذه البشرية المنكوبة تحت سياط الشرك والكفر، قام وظل قائماً.
    ) يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ( [المدثر:1-3]، كبر الكبير المتعال الذي هو أكبر من كل شيء،
    هو أكبر من السماوات، وأكبر من الأرض، وأكبر من هؤلاء الطواغيت والفجار.
    ) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ( [المدثر:3-5]،
    أي: اهجر هذه الأصنام وهذه التماثيل التي لا تضر ولا تنفع، ولا تسمع ولا تبصر، ولا تغني عن نفسها شيئاً.



    مرحلة الدعوة السرية


    وبدأت المرحلة الأولى من مراحل الدعوة لدين الله جل وعلا، في تكتم شديد وسرية كاملة، نعم! إن الأمر جد خطير، إن للأصنام جيوشاً تتلمظ وتستعد لنحر كل من يعتدي عليها، ما بالك بأقوام يعتدي بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضاً على ناقة، فما ظنك بما سيفعلونه من أجل آلهة ينحرون لها آلاف النياق لترضى عنهم بزعمهم! فلابد من التكتم، ولابد من السرية في هذه الآونة. وانطلق النبي عليه الصلاة والسلام بدعوة في سراديب من التكتم والسرية؛ ليبذر وليغرس جذور التوحيد في باطن الأرض في القلوب، لتؤتي ثمارها وأكلها بعد حين بإذن ربها، إذا ما خرجت على سطح الأرض قوية يافعة لا تستطيع قوة على ظهر الأرض أن تجتثها أو أن تقتلعها؛ لأن الجذر الذي في باطن الأرض غرسه أعظم داعية بيديه صلى الله عليه وسلم، غرس النبي صلى الله عليه وسلم العقيدة الصحيحة الخالصة في القلوب، وينبغي على كل داعية أن يبدأ بما بدأ به حبيب القلوب محمد صلى الله عليه وسلم، لابد من عودة إلى العقيدة؛ لزرع جذورها في القلوب زرعاً صحيحاً أكيداً قوياً لا تزعزعه الرياح، ولا تؤثر عليه الأهواء والشبهات. فأسلمت خديجة ، وأسلم أبو بكر ، وعلي ، وزيد بن حارثة ، وعثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وبلال ، وأبو ذر ، وأبو عبيدة ، وسمية ، وعمار ، وياسر وغيرهم من السابقين الأولين، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.


    الجهر بالدعوة

    واستمرت المرحلة السرية في الدعوة إلى الله ثلاث سنوات، كان صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله جل وعلا تحت السراديب، يدعو إلى الله جل وعلا تحت باطن الأرض لا على ظهرها، حتى نزل الأمر
    من الله جل وعلا ثانية يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلن دعوته
    وأن يجهر بها، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزل قول الله جل وعلا:
    ) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينََ( [الحجر:94]،
    يقول ابن مسعود : فخرج النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه).
    )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ([الحجر:94]، تبدأ من هنا المرحلة الثانية من مراحل الدعوة إلى الله جل وعلا، ألا وهي المرحلة العلنية أو الجهرية، ونزل قول الله تعالى:) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( [الشعراء:214-215])،
    فصعد النبي صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا بمكة المكرمة، والحديث رواه البخاري وغيره: (صعد على الصفا ونادى على بطون قريش يا بني عدي! يا بني فهر! -وفي رواية-:
    وضع أصبعيه في أذنيه وظل يصرخ بأعلى صوته، واصباحاه واصباحاه! فاجتمع إليه الناس، واجتمعت إليه بطون قريش، حتى إن الرجل الذي عجز عن أن يذهب بنفسه وكل رسولاً يذهب عنه ليخبره ما الخبر، ووقف الناس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم -فأقام عليهم الحجة ابتداءً- وقال:
    (أرأيتم لو أني أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذباً قط، فقال صلى الله عليه وسلم: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)، وفي رواية في الصحيح: إنما أنا النذير العريان، أي: الذي لم يمهله الوقت ليرتدي ثيابه، فجاء عرياناً لينذر قومه من النار. وكان أول من رد عليه عمه أبو لهب نظر إليه نظرة يتطاير منها الشرر الذي قتله وأحرقه بعد ذلك وقال له: (تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟!)، أي: أجمعتنا من أجل هذا الكذب ومن أجل هذا الهراء؟!
    أنت رسول الله إلينا؟! أنت نذير إلينا من عند الله جل وعلا؟! ألهذا جمعتنا؟! فنزل قول الله جل وعلا
    ) تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ( [المسد:1-5]،
    يقتص الله جل وعلا فورياً لحبيبه ورسوله صلى الله عليه وسلم. وهنا كأن صاعقة برقت ورعدت وزلزلت أرجاء مكة، وبدأت طبول الحرب تدق بأعلى قوة على محمد صلى الله عليه وسلم،
    لماذا؟ ما جاء يطلب مالاً، ولا يطلب جاهاً، ولا يريد سلطاناً، ولا يريد ملكاً، وإنما جاء بخيري الدنيا والآخرة، جاء ليخرجكم من ظلمات الشرك والكفر والإلحاد إلى أنوار التوحيد والإيمان، وهكذا كل من يدعو إلى الله يصنع به ذلك. نعم، إنها سنة قديمة حديثة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها:)إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ([المطففين:29-32].



    بدء المرحلة المكية وإيذاء المشركين للدعوة


    وتفنن أهل مكة في إيذاء الحبيب، وسبحان الله! لم يمض على الجهر بالدعوة إلا أشهر معدودة وإذ بموسم الحج يقترب، والعرب كانوا يحجون البيت قبل الإسلام وهم على الشرك، وكانوا يقدسون البيت تقديساً عجيباً. واجتمع المشركون في مكة وخافوا على العرب من دعوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن كلامه يسري إلى القلوب كسريان الماء بين الشقوق، وكسريان الدماء بين العروق، فاتفقوا على كلمة حتى لا يكذب بعضهم بعضاً،
    واتفقوا جميعاً على قولة المتكبر المعاند الذي عرف الحق وتكبر عليه وأعرض عنه، وهي مقولة الوليد بن المغيرة ، الذي فكر في الأمر وقلبه من جميع جوانبه,
    )
    إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَر( [المدثر:18-22], -كشر-
    ) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ( [المدثر:23-24]، إن الذي جاء به محمد سحراً يفرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وأبيه، وبين المرء وقبيلته وعشيرته، وانفضوا جميعاً وقد اتفقوا على أن يقولوا: إن محمداً ساحر، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
    حتى أقبلت الوفود، فقام النبي عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى لا إله إلا الله، وأبو لهب يمشي خلفه ويقول: لا تصدقوه فإنه صابئ كذاب! اتهموه بالجنون ونادوا عليه وقالوا: يا مجنون,
    ) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ( [الحجر:6]،)وََعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ( [ص:4]. وازداد الأمر سوءاً، واشتد البلاء والاضطهاد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إن امرأة تتطاول على صاحب المقام العالي صلى الله عليه وسلم، وتذهب هذه المرأة التي داست على أنوثتها وتطاولت بل وفاقت المشركين شراسة ووقاحة، إنها أم جميل التي تمزق قلبها من الحسرة على ما سمعت من القرآن الذي تلي في حقها وزوجها، وأخذت الحجارة في يديها، وذهبت إلى رسول الله حول بيت الله لتلقي بالحجارة على رأسه وعلى فمه، وذهبت إليه وهو جالس مع صاحبه أبي بكر رضي الله عنه وقالت: يا أبا بكر أين صاحبك؟ -لقد أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد بلغني أنه يهجوني، و والله إني لشاعرة، ثم قالت: والله لو وجدته لرميت فاه بهذا الفهر -أي: بهذه الحجارة-، ثم أنشدت وقالت: مذمم عصينا -أي:
    محمد عصينا-. ودينه قلينا. وأمره أبينا. وفتحت هذه المرأة الشريرة الباب للمشركين أن يتطاولوا، وأن يصبوا العذاب صباً على أشرف رأس وأطهر رأس وأعظم بدن دب على ظهر هذه الأرض. وروى البخاري من حديث عبد الله بن مسعود : (جلس أبو جهل وأصحابه من حوله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة،
    فقال أبو جهل عليه لعنة الله: من يقوم منكم إلى سلا جزور بني فلان فيلقيه على ظهر محمد وهو ساجد، فانبعث أشقى القوم عقبة بن أبي معيط، وجاء بسلا الجزور النجس وانتظر حتى سجد الحبيب صلى الله عليه وسلم وألقاه على ظهره وعلى رأسه، وظل النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً لا يرفع رأسه)، أتلقى النجاسة على رأس رسول الله؟! نعم، وظل الحبيب صلى الله عليه وسلم ساجداً لا يرفع رأسه (حتى جاءت إليه ابنته فرفعت الأذى عن أبيها)، ابنة تنظر إلى أبيها على أنه أعظم الرجال، هاهي تدفع الأذى والنجاسة بيديها عن رأسه وعن ظهره الشريف، ويرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه. وفي البخاري أيضاً:
    (أن عقبة ذهب مرة أخرى وخنق النبي عليه الصلاة والسلام خنقاً شديداً حتى كادت أنفاسه أن تخرج، ويأتي الصديق رضي الله عنه ويأخذ بمنكبيه ويدفعه وهو يقول له: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟!) ليس له جريمة إلا أنه يقول: لا إله إلا الله، أصبحت كلمة التوحيد جريمة في القديم وفي الحديث,
    ) أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُم( [غافر:28]. أصبح التوحيد جريمة، أصبح التوحيد تطرفاً، أصبح التوحيد إرهابا, ً)أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ( [غافر:28]. بل ويزداد الأمر سوءاً -كما روى الطبري وابن إسحاق-
    : فيلقي عليه بعض الأنذال الأوباش تراباً على رأسه، ويرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته والتراب على رأسه، فتقوم إليه إحدى بناته لتغسل التراب من على أشرف رأس وأطهر رأس،
    وهي تبكي والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: لا تبكي ولا تحزني يا ابنتي، إن الله مانع أباك إن شاء الله بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.



    شدة الأذى والهجرة إلى الحبشة


    كل هذا يفعل برسول الله، فما ظنكم بما يفعل بالمستضعفين، هذا ما يفعل برسول الله مع دفاع أبي طالب ومع مكانته في قومه، فما ظنكم بما يفعل بالمستضعفين من الموحدين؟!
    كلنا يعلم أن أول شهيدة في الإسلام سمية رضي الله عنها، لقد عذبها أبو جهل عذاباً شديداً، وفي النهاية طعنها بحربته في فرجها فماتت، فهي أول شهيدة في الإسلام، تطعن بحربة في فرجها؛
    لأنها قالت: لا إله إلا الله! ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم بداً أمام هذه الحرب الشرسة الضروس، إلا أن يشير على أصحابه المستضعفين بالهجرة. سيتركون مكة، ويتركون الأهل،
    ويتركون الديار، ويتركون الأموال، ويتركون الأوطان، ويتركون الأحباب؛ كل ذلك من أجل الدين، من أجل العقيدة، إنها أغلى ما يملك الإنسان في هذا الوجود، فهي أغلى من وطنه، وأغلى من ماله، وأغلى من أولاده، وأغلى من نفسه، هكذا ينبغي أن تكون. والهجرة إلى أين؟ إلى أين سيذهب أصحابك يا رسول الله ؟
    سيذهبون إلى أرض بلال إلى الحبشة، لتغسل شلالاتها دماء ودموع المستضعفين من الموحدين؛ لتطهر شلالاتها جروح المستضعفين من أثر السياط والرماح.
    ولماذا الحبشة؟ والجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بها ملكاً عادلاً لا يظلم عنده أحد، فاخرجوا إلى بلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً). ونتوقف مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يغادرون مكة في غاية الحزن والألم والأسى، وهم يرحلون عن حبيبهم وإمامهم ونبيهم، وهم يتخلون عن ديارهم وعن بيت ربهم، نسأل الله جل وعلا أن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.



    أثر إسلام حمزة وعمر على الدعوة


    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه،
    واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة! ويخرج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رجب من السنة الخامسة من بعثة رسول الله عليه الصلاة والسلام،
    يخرجون إلى أرض الحبشة، ويشتد الأذى ويزيد البلاء والاضطهاد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الموحدين من المستضعفين. ويشاء الله جل وعلا لهؤلاء المقهورين نصراً يزلزل أرجاء مكة، نعم، فلقد أسلم أسد الله وأسد رسوله حمزة رضي الله عنه، وبعد ثلاثة أيام فقط من إسلام حمزة يبرق ضوء شديد في مكة كلها، يضيء للمقهورين طريقهم -ولأول مرة- إلى بيت الله الحرام ليطوفوا باطمئنان وثقة وثبات، ولم لا وقد أسلم عمر؟! نعم أسلم عمر بعد ثلاثة أيام من إسلام أسد الله وأسد رسوله حمزة رضي الله عنهم جمعياً وأرضاهم، ولأول مرة يخرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه المستضعفين المقهورين في صفين:
    على رأس الصف الأول حمزة، وعلى رأس الصف الثاني الفاروق عمر، وبين يدي الصفين إمام الهدى ومصباح الدجى محمد صلى الله عليه وسلم، إلى أين؟ إلى بيت الله الحرام
    الذي حرمهم المشركون من التمتع به والتلذذ به، والتعبد والصلاة عنده. نصر جديد من عند الله جل وعلا.


    حصار الشِعب وآثاره على المسلمين ومن معهم

    بل ويزداد النصر حينما يصر بنو هاشم وبنو المطلب مسلمهم وكافرهم على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    بعدما سمع وعلم أبو طالب أن المشركين قد صمموا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم
    والتخلص منه، ويتفق المشركون جميعاً على مقاطعة كاملة وحصار اقتصادي
    -شنشنة قديمة حديثة- فرضوا الحصار الاقتصادي الشامل الكامل على بني هاشم وبني المطلب، وأجمعوا على أن لا يؤاكلوهم ولا يناكحوهم ولا يتاجروا معهم ولا يتزوجوا منهم،
    ولا يسمحوا لهم بطعام أو بشراب، حتى أكل النبي صلى الله عليه وسلم
    ومن معه الجلود وورق الشجر.
    واستمر الحصار على رسول الله وعلى الموحدين الأتقياء الأطهار ثلاث سنوات! نعم، وفرج الله الكرب، وأذهب الله الهم والغم.



    عام الحزن


    وبعد ستة أشهر فقط من الخروج من هذا المأزق الحرج، يصاب النبي صلى الله عليه وسلم بفجيعة مؤلمة، فيموت عمه أبو طالب الذي كان بلا منازع حصناً حصيناً تتحطم عليه رماح المشركين وسهامهم،
    والذي كان بلا منازع من أول الناس دفعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالرغم من ذلك يموت أبو طالب على دين قومه، ويتنزل فيه قول ربه جل وعلا لحبيبه صلى الله عليه وسلم:
    ) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ( [القصص:56].
    وبعد شهرين أو ثلاثة من وقوع هذه الفاجعة يصاب النبي صلى الله عليه وسلم بفاجعة تفتت الكبد وتمزق القلب، أتدرون ما هي؟ إنها موت زوجته خديجة ، ماتت صاحبة القلب الكبير، لا إله إلا الله ..
    رحماك رحماك يا الله! مات أبو طالب وماتت خديجة رضي الله عنها بعد شهرين أو ثلاثة، ماتت التي كانت تضم النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدرها؛ لترفع عنه الهم والغم، ولتخفف عنه البلاء، ولتضمد جراحه بأسلوبها العذب الرقيق، ماتت خديجة وعصر الألم قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    حتى إنه سمى هذا العام العاشر الذي مات فيه أبو طالب وخديجة ،
    سماه النبي صلى الله عليه وسلم: بعام الحزن، إي والله إنه لعام حزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    رحلته صلى الله عليه وسلم إلى الطائف


    وبعد موت أبي طالب كشرت قريش عن أنيابها، وضاعفت الأذى والاضطهاد على رسول الله وعلى الموحدين، وترك النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأرض الصماء، هذه الأرض الجامدة، وخرج يبحث عن أرض أكثر خصوبة؛ ليبذر فيها بذرة التوحيد؛ ليبذر فيها بذرة لا إله إلا الله. ويخرج النبي عليه الصلاة والسلام يشق الأودية والجبال تحت حرارة هذه الشمس المحرقة، وعلى هذه الرمال الملتهبة المتأججة، يمشي على قدميه المتعبتين الداميتين بلا راحلة، لماذا؟ لأنه كان لا يملك ثمن الراحلة. يتحرك الحبيب على قدميه، لماذا؟
    هل يريد جاهاً، أم يريد مالاً، أم يريد سلطاناً؟ لا، بل يريد الله والدار الآخرة، يريد أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، من الشرك إلى التوحيد والإيمان. وتوجه إلى الطائف، خرج إلى الطائف يمشي أكثر من سبعين كيلو على قدميه تحت حرارة الشمس وعلى هذه الرمال، لم يركب سيارة مكيفة، ولا طائرة خاصة،
    وإنما على قدميه الشريفتين بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ويتجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لعله يجد بقية خير في قلوب أناس خارج مكة، يبحث عن أمل، يبحث عن يد حانية تمتد لرفع راية لا إله إلا الله. مر النبي عليه الصلاة والسلام على أشراف بني ثقيف وساداتها، ولكن القوم كانوا أشد خسة ودناءة
    مما فعله به المشركون في مكة المكرمة، فسبوه ونهروه وطردوه صلى الله عليه وسلم، وقام -بأبي هو وأمي- يطلب منهم طلباً أخيراً هو أقل ما يطلبه الإنسان من أخيه الإنسان، يقول لهم: (إذ فعلتم بي ما فعلتم فاكتموا خبر زيارتي عن أهل مكة؛ حتى لا تزداد شماتتهم وظلمهم وعدوانهم)، ولكنهم كانوا أشد خسة ودناءة مما توقعه النبي عليه الصلاة والسلام، فسلطوا عليه الصبيان والعبيد والسفهاء، ووقفوا صفين وأخذوا يرمونه بالحجارة، ويسخرون به، ويسبونه بأقبح السباب والشتائم. وقام النبي صلى الله عليه وسلم والألم يعصر كبده، والمرارة تمزق قلبه، قام بحالة تفتت الأكباد وتمزق القلوب: جوعان، عطشان، يتألم من ألم السير
    بالليل والنهار على قدميه، دعوة مطاردة، وأصحاب تتخطفهم أيدي الطغاة، لا إله إلا الله! وألجأ السفهاءُ والصبيانُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلى بستان لـعتبة وشيبة ابني ربيعة، ولم يجد النبي صلى الله عليه وسلم بعدما جلس والدماء تنزف من قدميه الشريفتين الكريمتين المباركتين إلا أن يستعيد ذكريات شريط الأحزان، شريط الدعوة الطويل إلى الله جل وعلا، فتذكر أصحابه في الحبشة، وتذكر إخوانه الذين يجلدون ويعذبون في مكة، وتذكر خديجة ، وتذكر أبا طالب، فلم يجد بداً من أن يرفع هذه الشكوى إلى من يسمع دبيب النملة السوداء، تحت الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، رفع إلى الله هذا الدعاء -وإن كان شيخنا الألباني قد ضعف إسناده- لجأ إلى الله بهذه الدعوات الحارة وقال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟! إلى بعيد يتجهمني! أم إلى عدو ملكته أمري! إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي سخطك، أو يحل علي غضبك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك). بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ونتوقف في هذا اليوم أيها الأحباب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطائف، لنواصل المسير مع أعظم داعية عرفته الدنيا على طريق الدعوة الطويل في اللقاء القادم إن شاء الله جل وعلا إن قدر الله لنا البقاء واللقاء. وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجزيه عنا خير الجزاء، اللهم اجز عنا محمداً خير الجزاء، اللهم اجزه عنا خير ما جازيت به نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم وكما آمنا به ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، اللهم وأوردنا حوضه الأصفى، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعل كل من اهتدى بهديه
    ، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.



    رجوع النبي من الطائف إلى مكة


    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه:) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير( [الحج:62]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في سبيل ربه حتى أجاب مناديه، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشي على شوك الأسى، ويخطو على جمر الكيد والعنت، يلتمس الطريق لهداية الضالين، وإرشاد الحائرين؛
    حتى علم الجاهل، وقوم المعوج، وأمن الخائف، وطمأن القلق، ونشر أضواء الحق والخير والتوحيد والإيمان كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار. فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فمع اللقاء الثالث عشر من خواطر الدعوة إلى الله عز وجل، ولا زال حديثنا عن أعظم داعية عرفته الدنيا، عن محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد وقفنا في اللقاء الماضي وهو في الطائف تنزف قدماه دماً، ويتألم قلبه، وقد تبدد الأمل الذي ذهب إلى الطائف من أجله، وتمنى أن يجد في أهل الطائف من يمنعه ومن ينصره؛ ليبلغ دين الله ودعوة الله عز وجل. ولكنهم فعلوا به أسوأ ما يفعله الإنسان بأخيه الإنسان، فلقد قام إليهم وهو جائع عطشان يتألم من السير الطويل على قدميه حيث لا راحلة، ولا سيارة مكيفة ولا غير مكيفة، ذهب على قدميه إلى الطائف لا يريد جاهاً ولا مالاً، وإنما يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد والإيمان، ثم قام يطلب منهم أن يحيلوا بين مكة وبين خبر زيارته، فأبوا عليه ذلك، وعاد النبي صلى الله عليه وسلم وحالته تفتت الأكباد، وتمزق القلوب الحية. عاد وقد حنت عليه السحاب،
    وأشفقت لمنظره الجبال والأشجار، واستعدت الجبال الشم الرواسي للانتقام له صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال
    : (فانطلقت على وجهي وأنا مهموم، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني وقال: يا رسول الله ! إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم يا رسول الله! يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: فناداني ملك الجبال وقال: يا رسول الله ! لو شئت أن أطبق عليهم الأخشبين -والأخشبان: جبلان عظيمان بمكة شرفها الله- لو أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين، أي: لفعلت) أتدرون ماذا قال ينبوع الحنان؟! أتدرون ماذا قال نهر الرحمة؟ أتدرون ماذا قال الحبيب وما زالت الدماء تنزف من قدميه؟ (قال: كلا، بل إني أرجو الله جل وعلا أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً) بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، والله لو كان الحبيب ممن ينتقمون لأشخاصهم ولأنفسهم لأمر ملك الجبال أن ينتقم له، فطحنت الجبال تلك الجماجم، وحطمت حجارتها تلك الرءوس الصلدة الصلبة، ولسالت دماء أهل الطائف حتى يراها أهل مكة في مكة، ولكنه صلى الله عليه وسلم ما خرج إلى الطائف لنفسه، وما جاء لينتقم لذاته ولا لشخصه، إنما جاء ليحمل إلى الدنيا الرحمة والإيمان والسعادة، جاء إلى الطائف وفي قلبه نور يتلألأ، جاء إلى الطائف وفي قلبه أمل يشرق. ولعل في أصلاب هؤلاء من يتنفس الإسلام، ولا يعيش إلا بالإسلام،
    وهو عليه الصلاة والسلام لم يبعث لعاناً ولا فحاشاً، وإنما بعث رحمة مهداة، اللهم صل وسلم وزد وبارك على ينبوع الحنان، وعلى نهر الرحمة محمد بن عبد الله، يقول: (بل إني أرجو الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً) وعاد النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف وقد اطمأن قلبه، وثبت هذا النصر الغيبي الكبير الذي أمده الله به من فوق سبع سماوات، عاد ليستأنف رحلته الشاقة الطويلة في الدعوة إلى الله عز وجل.



    استمرار النبي في الدعوة إلى الله


    أقبل موسم الحج للعام الحادي عشر من بعثته المباركة، وخرج الحبيب في ظلام الليل الدامس حيث نام المشركون بعد عناء طويل في النهار من تعذيب الموحدين من المظلومين ومن المستضعفين! ناموا في هذا الليل، وقام الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرف النوم الطويل، ولا يعرف الراحة، ولا يعرف الهدوء والاستقرار من يوم أن نزل عليه قول ربه: ) يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ( [المدثر:1-2 فقام ولم يقعد ولم يسترح ولم يهدأ له بال، ولم يستقر له قرار، قام في هذا الليل الدامس حتى لا يحول بينه وبين دعوته أحد من المشركين، قام ليتجول بين خيام القبائل التي أقبلت من كل مكان في أرض الجزيرة، لماذا؟ ليدعوهم إلى الله جل وعلا، ليعرض عليهم دين الله تبارك وتعالى، فمنهم من يسبه، ومنهم من ينهره، ومنهم من يؤذيه، ومنهم من يطرده، والله ما ذهب يطلب مالاً ولا جاهاً، بل لقد ذهب إليهم بنور الدنيا والآخرة، فيطردونه من بين الخيام!
    ينتقل الحبيب على قدميه المتعبتين من خيمة إلى خيمة، ومن قبيلة إلى أخرى، حتى وصل إلى خيمة بددت الأحزان، وجددت الآمال، وضمدت الجراح، وصل إلى خيمة كريمة مباركة جليلة من بين هذه الخيام الكثيرة المترامية الأطراف، دخل الحبيب إلى خيمة أقوام ورجال من أهل المدينة المنورة شرفها الله، وزادها الله تشريفاً وتكريماً، حيث وجدت دعوته فيها بذوراً صالحة تقية نقية، سرعان ما تحولت إلى شجرات باسقات غيرت وجه الدنيا، وحولت مجرى التاريخ. نعم أيها الأحباب! فلقد جلس الحبيب بين يدي ستة نفر من شباب المدينة، فعرض عليهم الإسلام، فتحركت قلوبهم لدين الله جل وعلا، فشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتجدد الأمل، وتبدد الحزن في وسط هذه الصحراء المترامية بالجهالة والشرك والكفر والإلحاد، تبدد الحزن
    وأشرق الأمل في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال هؤلاء:
    (يا رسول الله! إنا سنقدم على قومنا، وسندعوهم إلى الإسلام، فإن جمعهم الله عليك فلا رجل أعز عليهم منك) وعاد هؤلاء بهذا النور الجديد، وبهذا الفجر المشرق، عادوا إلى المدينة المنورة لينفذ نور الإسلام وفجر الإسلام في بيوتها وأرجائها، وأشرق فجر الإسلام على المدينة المنورة على أيدي هؤلاء الأبرار، على أيدي هؤلاء الأطهار الأخيار.


    بيعة العقبة الأولى والثانية وأثرهما على الدعوة الإسلامية


    دار الزمن وأقبل موسم الحج التالي، وخرج من المدينة اثنا عشر رجلاً يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصمم هذا الوفد القليل الكبير أن يجتمع برسول الله عليه الصلاة والسلام، وتمت بيعة العقبة الأولى، تلك البيعة التي حطمت الجدران السوداء التي
    حالت بين نور الإسلام والناس، بين الدنيا ونور الآخرة، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما تمت البيعة أن يبعث معهم رجلاً ليعلمهم دين الله جل وعلا، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سفير الإسلام الأول، وداعية الإسلام العظيم، ذلكم الشاب المنعم المدلل، الذي كان بالأمس القريب يلبس الحرير، ويكثر من العطر والطيب فإذا مر في طريق من طرقات مكة قال الجميع: لقد مر في هذا الطريق مصعب بن عمير!. إنه الشاب التقي النقي الذي استعلى على الشبهات والشهوات، وتعالى على ملذات الدنيا، ولبس
    الخشن من الثياب، وأكل الجلد مع رسول الله، وأكل ورق الشجر مع أستاذه ومعلمه في شعب مكة حين الحصار الاقتصادي، يختاره النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول داعية إلى دين الله في المدينة المنورة، ويخرج مصعب بن عمير ليتعهد شجرة الإسلام بنفسه، التي نمت وترعرعت على يديه، حتى عاد في موسم الحج المقبل ليبشر أستاذه ومعلمه بأن فجر الإسلام قد أشرق على المدينة المنورة، واجتمع عدد كبير من الأنصار في هذا الموسم مع رسول الله، وبايعوه صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، على أن ينصروه
    إذا قدم إليهم وهاجر إليهم، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم، وتمت البيعة الكبرى، ونظر أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه إلى رسول الله وقال: (يا رسول الله! إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها -أي: إن بيننا وبين اليهود حبالاً وإنا قاطعوها- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك وأظهرك الله عز وجل أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟! فتبسم الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال: كلا، بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أسالم من سالمتم، وأحارب من حاربتم) المحيا محياكم أيها الأنصار الأخيار، والممات مماتكم أيها الأنصار الأبرار، أنا منكم وأنتم مني.



    الهجرة تأسيس الدولة الإسلامية العظمى


    تمت البيعة الثانية، واستطاع النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته الصابرة الحكيمة أن يؤسس للإسلام -ولأول مرة- وطناً وسط صحراء تموج بالكفر والشرك والجهالة، وبدأت طلائع الهجرة المباركة للمقهورين والمعذبين في مكة، وبدءوا يصلون إلى المدينة المنورة زادها الله تشريفاً وتكريماً. وهنا أحس المشركون -لأول مرة- بالخطر العظيم الذي صار يهددهم بصورة جلية واضحة، وعقد البرلمان الشركي اجتماعاً طارئاً، وهو أخطر اجتماع في التاريخ، وأصدروا قراراً بالإجماع للقضاء على حامل لواء دعوة التوحيد، وللتخلص من محمد بن عبد الله؛ لقطع تيار نور التوحيد عن الوجود بأسره، ولكن: )وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ([يوسف:21]، )وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ([الأنفال:30]، ) يُُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ( [الصف:8]. وهل تستطيع الطحالب ولو اجتمعت أن توقف سير البواخر العملاقة؟!
    وهل تستطيع الأفواه ولو اجتمعت أن تطفئ نور الله جل وعلا؟!
    وهل يضر السماء نبح الكلاب؟! ويخرج الحبيب من بين أيديهم وأمام أعينهم:
    )وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ( [يس:9]، )
    إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( [التوبة:40]،
    يخرج الحبيب وصاحبه تحت رعاية الله وتحت عين الله جل وعلا، ومن كان الله معه فمن ضده؟! ومن عليه؟! ووصل الحبيب وأصحابه إلى المدينة المنورة،
    إلى وطن الإسلام الجديد، واستقبلته المدينة استقبالاً بينت حقيقته تلك الدموع التي سالت
    على وجوه الرجال والنساء والأطفال، إنها دموع الفرح بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.



    بناء الدولة الإسلامية


    في المدينة بدأت مرحلة جديدة للدعوة إلى الله عز وجل، حقاً إنها مرحلة جديدة، فلقد أصبح للإسلام دولة حقيقية من حاكم وقائد وقوة وأرض ووطن، أصبح للإسلام دولة، بل وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يرسل البعوث والسرايا للقيام بحركات عسكرية استطلاعية؛ ليؤذن وليعلم المشركين في مكة واليهود في المدينة أنه أصبح للإسلام قوة تحميه وتدافع عنه، وستقلم أظفار من يتطاول على القضاء عليه بعد اليوم، وعندئذٍ نزل قول الله عز وجل:) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ( [البقرة:190]. ما نزل الأمر بالقتال إلا بعدما استكملت القوة، وبعد أن أصبح للإسلام دولة، وبعد أن أصبح للإسلام رجال أطهار أبرار، يقفون في وجه كل من أراد أن ينال منه بعد اليوم؛ لأنه لابد للحق من قوة، قوة بالبلاغ والبيان، وقوة بالسيف والجهاد والسنان، ويوم أن تخلى المسلمون عن القوة، وعن قوله عز وجل: )وََأَعِدُّوا( [الأنفال:60] أذلهم الله لمن كتب الله عليهم الذلة من أبناء القردة والخنازير، وما أحداث الهند بعد أحداث البوسنة والهرسك منا ببعيد، فلقد قام الوثنيون الهندوس بعدما رأوا ما فعل الصرب بإخواننا في البوسنة والهرسك ولم يتحرك منا أحد، فقالوا: ولماذا نقعد نحن؟! المسلمون لا يتحرك منهم أحد، لقد مات المسلمون وكفنوا منذ زمن بعيد! فقام الهندوس الكفرة أهل الوثنية والإلحاد بتحطيم بيت من بيوت الله، حطموا الدين متمثلاً في بيوت الله جل وعلا، للقضاء على المسلمين والمسلمات، فما الذي فعله المسلمون؟! لقد وصلت البلاهة والسفاهة ببعض المسلمين إلى موت الولاء والبراء في قلوبهم، أين الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين؟! أين البراء من الشرك والمشركين؟! ما زلنا إلى يومنا هذا نأتي بالهندوس والسيخ الكفرة إلى بلاد المسلمين ليأكلوا من خيراتنا، ويأكلوا من أرزاقنا، ويقبضوا الأجور من أموال المسلمين، وليرسلوا بها إلى إخوانهم الكفرة والشياطين؛ ليقتلوا بها إخواننا وأخواتنا. والله! إنها لأكبر جريمة ترتكب في حق الإسلام، أن يكون بعد اليوم في بلاد المسلمين هندي هندوسي كافر أو سيخي كافر، فيجب إخراجهم حتى لو تعطلت الأعمال، ووقفت الشركات، لو كان في قلوبنا ذرة إيمان وذرة ولاء وبراء لرحّلناهم ذليلين شريدين مطرودين، ولا نعطيهم ريالاً واحداً، ولا دولاراً واحداً من أرزاق وأموال المسلمين التي هي أمانة بين أيدينا، وسنسأل عنها بين يدي رب العالمين جل وعلا، اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد يا رب العالمين!



    معركةبدر وأثرها العظيم على الإسلام والمسلمين


    يشاء الله جل وعلا أن يلتقي الفريقان لأول مرة وجهاً لوجه، فريق الإيمان وفريق الشرك، في غزوة بدر الكبرى، في ميدان البطولة، في ميدان الرجولة، في ميدان الشرف، في ساحة الوغى، يوم أن صمتت وخرست الألسنة الطويلة، وخطبت وتكلمت السيوف والرماح على منابر الرقاب والرءوس. التقى الفريقان وقام الحبيب صلى الله عليه وسلم يرفع أكف الضراعة إلى الله جل وعلا، يناشد الله جل وعلا -كما ورد في صحيح مسلم- يقول: (اللهم هذه قريش أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم أنجز لي ما وعدتني). وقام الصديق رضي الله عنه ليضع الرداء الذي سقط من على كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: والذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك يا رسول الله. إنه اليقين، إنها الثقة في الله جل وعلا، وأنزل الله جنده من السماء، وأنزل الله نصره على عبده، وأيد الله المؤمنين الصادقين، وفر المشركون من أرض بدر، وتبعثروا في الشعاب والوديان تبعثر الفئران، وعادوا إلى مكة بمنتهى الخزي والذلة والندامة، وقد أذهلتهم المفاجأة الإيمانية الكبرى التي غيرت وجه الدنيا، وحولت مجرى التاريخ. انتصر المسلمون في بدر، وهم الحفاة العراة الجياع! انتصر بلال الحبشي وصهيب الرومي ، وسلمان الفارسي ، انتصر هؤلاء المعذبون، انتصر هؤلاء المقهورون. انتصروا بفضل الله جل وعلا، وقتل السادة والأشراف، قتل أبو جهل وغيره من الصناديد، الذين طالما ساموا هؤلاء المقهورين سوء العذاب، ونصر الله عبده، وأعز الله جنده، وتم النصر الكبير، الذي علم الأقزام في أنحاء الجزيرة العربية أن للإسلام بعد اليوم قوة ستحميه، وستدافع عنه، وستقلم أظفار كل من سولت له نفسه أن ينال بعد اليوم من مسلم فضلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: أيها الأحباب! لابد للإسلام من قوة، وبعد هذه الغزوة الكبرى ظهرت بوادر هذه القوة في صلح الحديبية، الذي كان هو الآخر نصراً عظيماً لمن سبر غور بنوده وشروطه وأركانه، فلقد تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الفتح الكبير وهذا الصلح العظيم لدعوة الملوك والأمراء، وقام بإرسال الكتب إلى أنحاء الدنيا لدعوة الناس إلى الله جل وعلا، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.


    الآثار العظيمة لصلح الحديبية
    التفرغ للدعوة إلى الله

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فيا أيها الأحباب! بدأت الدعوة مرحلة جديدة عظيمة أخرى بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم الكتب والرسائل إلى الملوك والأمراء في جميع أنحاء الأرض، فلقد ثبت في الصحيحين: (أنه أرسل رسالة إلى هرقل عظيم الروم، وقال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، وختم النبي رسالته الكريمة بقول الله جل وعلا:
    )
    قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( [آل عمران:64]).
    وبعث برسالة أخرى إلى كسرى عظيم فارس، والحديث رواه البخاري في كتاب المغازي فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى
    . أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الله، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم المجوس، فلما قرئ على كسرى -أهلكه الله- كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مزقه، فلما بلغ ذلك رسول الله قال: اللهم مزق ملكه) فمزق الله ملكه. وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية. وأرسل إلى صاحب اليمامة. وأرسل إلى صاحب دمشق. وأرسل إلى صاحب البحرين. وأرسل كتبه إلى الملوك والأمراء في شتى أنحاء الدنيا، ليدعوهم إلى الله جل وعلا، وكان رسول الرسول صلى الله عليه وسلم يحمل الكتاب، ويسير في هذه الصحراء شهوراً بطولها؛ ليبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما اليوم فقد تحول العالم كله
    إلى قرية صغيرة بعد هذا التقدم المذهل في وسائل المواصلات والاتصالات، فماذا صنعنا؟! وماذا قدمنا لدين الله جل وعلا؟! وما الذي فعلناه لدعوة الناس إلى الله، ولتوضيح حقيقة الإسلام بين أبناء الكفار؟ بل لقد وجد الكفار بيننا فماذا قدمنا؟! وما الذي فعلناه لنقيم عليهم حجة الله جل وعلا في الأرض؟! والله إنه لعار علينا أن يكون هذا حالنا، لا نتحرك لدين الله، ولا للدعوة إلى الله عز وجل.



    فتح مكة


    ظهرت ثمرة هذه الدعوة الكريمة المباركة في عشرة آلاف صحابي، رباهم رسول الله بيده، خرجوا معه، وزحف هذا الجيش الكبير الجرار الذي لا عهد لأرض الجزيرة به من قبل، خرجوا جميعاً يحيطون برسول الله صلى الله عليه وسلم، تعلوا رؤوسهم راية التوحيد والإيمان، قائدهم محمد صلى الله عليه وسلم،
    ودينهم الإسلام، زحف هذا الجيش إلى بلد الله الحرام، إلى مكة المكرمة؛ ليطهروها من دنس الشرك والكفر، ليحطموا الأصنام التي رفعت رءوسها على بيت الله الحرام، وها هو
    رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خرج بالأمس القريب طريداً جريحاً مضروباً؛ يدخل إلى مكة فاتحاً في وسط هذه الجموع الموحدة، وها هو يحني رأسه تواضعاً وانكساراً لله جل وعلا! إنه فضل الله، إنه نصر الله،
    ) إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا([النصر:1-3]. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحطم الأصنام التي حول الكعبة وهو يقول: (جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً).
    ويحين وقت الصلاة، فيأمر الحبيب صلى الله عليه وسلم بلالاً رضي الله عنه أن يرتقي على ظهر الكعبة! ذلكم العبد الحبشي الأسود يرتقي على ظهر الكعبة؛ ليرفع كلمة التوحيد خفاقة عالية في أنحاء مكة كلها، يصعد بلال ليرفع أذان التوحيد والإيمان، ليرفع صوته بقوله: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
    ويعلن وحدانية الله جل وعلا بعدما نكست الأصنام على رؤوسها: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، ويثني برسالة محمد بن عبد الله حيث قال: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، وتنصت مكة بأسرها لهذا النداء الحلو العذب الجميل الذي تسمعه لأول مرة!
    وتفرح الحجارة! وتبكي الكعبة فرحاً بكلمة التوحيد! التي ارتفعت لأول مرة بعد هذه السنوات الطوال.


    حجة الوداع


    بعد فتح مكة رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، ويخرج بعد ذلك إلى حجة الوداع؛ ليلقي النظرة الأخيرة على أحبابه .. على أتباعه .. على أمته، فلقد أدى الأمانة،
    ولقد بلغ الرسالة، ولقد قام بما أمره ربه خير قيام، أمره ربه بالإنذار فأنذر، وأمره ربه بالبلاغ فبلغ، وأمره ربه بالبيان فبين، ووقف ليأخذ هذا العهد وهذا الميثاق الكبير ويسأل الناس جميعاً ويقول:
    (إنكم ستسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ فقالوا جميعاً: نقول: إنك قد أديت وبلغت ونصحت، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم سبابته إلى السماء ويشير بها إلى الناس ويرفعها ويقول:
    اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات)، الحديث رواه مسلم .


    توديع أعظم داعية للدنيا بعد تمام الدين

    بعد حجة الوداع رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، ويأتي يوم الاثنين لتبكي المدينة مرة أخرى لا من الفرح ولكن من الحزن، فلقد نام الحبيب صلى الله عليه وسلم على فراش الموت،
    وخرج في صلاة الفجر والمسلمون يصلون، فكشف ستر غرفة عائشة ، ونظر إلى الصحابة ليلقي نظرة الوداع على أحبابه الأطهار الأبرار الأخيار، على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى بلال ، وصهيب ، وعمار ،
    على هؤلاء الأبرار، وكاد المسلمون أن يفتنوا في الصلاة، فأشار إليهم أن اثبتوا. لقد أديت الأمانة -يا رسول الله- ولقد بلغت الرسالة، وقد حان الأجل، واقترب موعد لقائك بربك جل جلاله، ويدخل الحبيب بيت عائشة رضي الله عنها وملك الموت في انتظاره صلى الله عليه وسلم، ويزداد الكرب عليه، وتزداد السكرات والكربات، وتدخل زهرته فاطمة الزهراء، فترى الكرب يشتد على أبيها وحبيبها، فتصرخ وتقول:
    (وا كرب أبتاه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لها: لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة)، والحديث رواه البخاري . ويشتد الألم على الحبيب؛ فيأمر بركوة فيها ماء، ويدخل يده في هذه الركوة، ويمسح العرق عن جبينه الأزهر الأنور، وهو يقول: (لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، إن للموت لسكرات)،
    وفي رواية أحمد : (اللهم أعني على سكرات الموت)، فتقول عائشة : (مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري، أسندته إلى صدري فرأيته رفع أصبعه السبابة إلى السماء وسمعته يقول: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، تقول عائشة : فعلمت أنه يخير، وأنه لا يختارنا). ويقبل ملك الموت على الحبيب صلى الله عليه وسلم لينادي على روح المصطفى:
    أيتها الروح الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، ورب راض عنك غير غـضبان،
    ) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * وَادْخُلِي جَنَّتِي( [الفجر:27-30]، وتسقط يد الحبيب صلى الله عليه وسلم، وتخرج عائشة وهي تبكي وتقول: مات رسول الله، مات خير خلق الله، مات إمام النبيين، مات سيد المرسلين، مات الحبيب صلى الله عليه وسلم، ويقابلها عمر فيصرخ ويشهر سيفه في الناس ويقول: من قال: إن محمداً قد مات لأعلونه بسيفي هذا، رسول الله ما مات، بل ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى بن عمران، وليرجعن رسول الله وليقطعن أيدي وأرجل أناس من المنافقين الذين زعموا أنه قد مات.
    ويأتي الصديق رضي الله عنه ليدخل على حبيبه، ليدخل على إمام الهدى ومصباح الدجى، ليدخل عليه وقد مات صلى الله عليه وسلم، لن يقوم لك رسولك يا أبا بكر ، ولن يرحب بك حبيبك يا أبا بكر ، فلقد مات الحبيب صلى الله عليه وسلم، ويدخل عليه في غرفة عائشة، ويكشف البردة عن وجهه الكريم الأنور، ويخر على ركبتيه، ويقبل الحبيب بين عينيه، وفي الحديث الذي حسنه شيخنا الألباني في مختصر الشمائل أنه نادي على الحبيب قائلاً: (وانبياه، واصفياه، واخليلاه؛ وانبياه، واصفياه، واخليلاه)، وقال كما في رواية البخاري : (أما الموتة التي قد كتبها الله عليك فقد ذقتها يا رسول الله! ولا ألم عليك بعد اليوم). وخرج الصديق ليعلن هذه الحقيقة الكبرى، لتصل إلى أذن كل سامع، وإلى عقل كل مفكر، فإنه لا يبقى إلا الله الحي الذي لا يموت، خرج وقال: (على رسلك يا عمر! أنصتوا أيها الناس! وتلتف الجموع الملتهبة الباكية حول أبي بكر ليعلن هذه الحقيقة الكبرى: أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ( [آل عمران:144].
    اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم وكما آمنا به ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله. اللهم احشرنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه الأصفى،
    واسقنا من حوضه شربة هنيئة مريئة لا نرد ولا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين! أسأل الله جل وعلا أن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الإسلام، وتمكينه لدين التوحيد، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين. اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك،
    ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه. اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه، اللهم وفقهم جميعاً للعمل بكتابك، والاقتداء بنبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم اقبلنا، وتقبل منا، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم. أحبتي في الله!
    ما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء. هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبينا محمد، فإن الله أمركم بالصلاة عليه فقال:
    ) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( [الأحزاب:56].
    اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.




    لا تنسونا من صالح دعائكم أخوكم: حسام العامري

    ملاحظة: مرفق ملف وورد يحتوي على الدرس كاملاً لتحميله من المرفقات
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 22-11-2011, 10:52 AM. سبب آخر: تنسيق الموضوع

  • #2
    أبو بكر الصديق_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(2)للشيخ محمد حسان

    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله


    أما بعد



    هذا الدرس الثاني من:




    سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى





    للشيخ محمد حسان



    وهو بعنوان



    أبو بكر الصديق









    رضي الله عنه












    جميع الأمم تنظر إلى تاريخها نظرة إكبار واعتزاز، وإن أحق الأمم
    بذلك أمة الإسلام، وكيف لا ورجالها هم الذين سطروا
    التاريخ بدمائهم، وسادوا الأمم بالعدل والدين والحق، وإن من
    رجالها وأبطالها أبو بكر الصديق السابق بالخيرات، والمبشر بالجنة،
    أعلم الصحابة وأفضلهم، قامع الردة وأهلها، جامع القرآن..
    إنه رجل كاد أن يطأ الثريا وأن يعانق الجوزاء،
    إنه صاحب السيرة العطرة والأيام المشرقة رضي الله عنه وأرضاه.










    اعتزاز الأمم بتاريخها










    بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،
    ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،
    من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له،
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً
    عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى
    آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه
    واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين أما بعد:
    فمرحباً بكم أحبتي في الله! وأسأل الله جل وعلا أن ينضر
    هذه الوجوه المشرقة الطيبة، وأن يزكي هذه الأنفس،
    وأن يشرح هذه الصدور، وأن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال،
    وأن يجمعنا وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته،
    وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ورحمته، إنه ولي ذلك
    ومولاه وهو على كل شيء قدير. أحبتي في الله!
    إن كل أمة من الأمم تعتز بتاريخها وتفخر ببطولات رجالها وأبنائها،
    وإن أحق أمم الأرض بذلك الاعتزاز والفخار هي الأمة الإسلامية
    فهي تستحقه بجدارة واقتدار، بل وبشهادة العزيز الغفار، كما في قوله سبحانه
    )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه(ِ ] آل عمران:110]،
    فليست هذه الخيرية لهذه الأمة ذاتية ولا عرقية ولا قومية ولكن خيرية
    هذه الأمة مستمدة من رسالتها التي من أجلها أخرجت للناس.
    الأمة الإسلامية هي الأمة التي أنجبت على طول تاريخها

    رجالاً وأبطالاً وأطهاراً وأفذاذاً، سيقف التاريخ إلى ما شاء الله جل
    وعلا أمام سيرتهم وقفة إعزاز وإعظام، وإجلال وإكبار.
    ومن الصعب أن نحصر عدد هؤلاء الأبطال وهؤلاء الأطهار،
    لأنهم عمر الزمن ونبض الحياة، ومن المحال أن نعد أنفاس
    الزمن وأن نقدر نبض الحياة، وليس من الصعوبة أن نقطف
    زهرة في وسط صحراء مقفرة، ولكن من الصعب أن نقطف زهرة
    في وسط حديقة غناء تضم كل أنواع الزهور، وتحوي كل أنواع الرياحين،
    وتضم كل أصناف العطر والطيب والعبير. لذا فإني أرجو من
    الإخوة أن يعذروني إذا لم تضم باقتي التي سأجمعها كل أنواع الورود،
    وجميع أنواع الرياحين المطلوبة، وكل أنواع العطور المحبوبة والمرغوبة
    ؛ لأنه -كما ذكرت آنفاً- من الصعوبة بمكان أن نقطف زهرة بنوعية
    معينة ترضى عنها جميع الرغبات في وسط هذه الحديقة الغناء
    الفيحاء. وأنا لا أقدم هذه السيرة مع هذه السلسلة الجديدة
    التي أعلنا عنها في اللقاء الماضي بعنوان:
    (أئمة الهدى ومصابيح الدجى)
    لا أقدم هذه السيرة وهذه السلسلة الجديدة لمجرد أنها قصص
    تحكى على المنبر، ولا لمجرد سرد التاريخ والأحداث والسير،
    وإنما أقدم هذه السير للعظة والعبرة من ناحية، ولتربية الجيل
    على سير هؤلاء الأبطال الأطهار من ناحية أخرى خاصة في
    ظل هذه الأزمة الفكرية التي سيطرت على العقول طيلة
    هذه السنوات الماضية، والتي سميتها آنفاً في
    خطب الخواطر: (الدعوة في أزمة الوعي)،
    وها هو هذا الجيل المبارك -بفضل الله جل وعلا-
    ينتقل من أزمة الوعي إلى وعي الأزمة.










    فضائل أبو بكر الصديق










    أيها الأحبة! تعالوا بنا لنستهل هذه الباقة، ولنبدأ هذه السلسلة،
    سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى بهذا الرجل الذي عاين
    طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار، فألقى له حب الحب على روض الرضا، واستلقى على فراش الفقر آمناً مطمئناً، فرفع الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة، وتركه هنالك يغرد لهذا الرجل العظيم بأغلى وأعلى فنون المدح، وهو يتلو في حبه قول ربه
    )وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى *
    وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى( ] الليل:17-21].
    إنه الرجل الذي لم يتلعثم ولم يتردد لحظة من لحظات
    حياته في إسلامه وإيمانه بالله جل وعلا وبرسوله صلى الله عليه وسلم،
    إنه الرجل الذي كان شعاره إذا تأزمت الأمور وتشككت الصدور:
    إن كان محمد صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك فقد صدق،
    ولذا فقد استحق هذا الرجل بجدارة أن يسمى صديق هذه الأمة
    إنه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه! إنه أحب الرجال إلى قلب
    رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه البخاري
    من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:
    (قلت: يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة قلت:
    من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر).
    إنه أحب الرجال إلى قلب أستاذه ومعلمه محمد
    صلى الله عليه وسلم!! ولم لا يكون أبو بكر أحب الرجال
    إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول رجل قال للنبي
    صلى الله عليه وسلم: صدقت، يوم أن قال له الناس في مكة:
    كذبت؟ وهو الرجل الذي قدم ماله وعمره وحياته ونفسه وروحه
    لله جل وعلا ولأستاذه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم حتى
    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد كان له
    عندنا يد إلا كافأناه بها إلا الصديق فإنا لم نستطع مكافأته
    فتركنا مكافأته لله عز وجل"). الله أكبر! أي طراز من الناس
    كان هذا الرجل؟! أي صنف من الناس كان هذا الرجل العظيم العجيب؟
    ! (ما منكم من أحد كان له عندنا يد إلا الصديق فإن له عندنا يداً
    يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني
    مال أبي بكر ، ولو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت
    أبا بكر خليلاً، ألا وإن صاحبكم خليل الله) والحديث
    رواه الترمذي وغيره واللفظ للترمذي والحديث حسن بشواهده.










    أبو بكر الصديق من أهل الجنة










    إن أبا بكر رجل عجيب، رجل عظيم، ووالله لو وقف أهل
    البلاغة وأهل البيان ليتكلموا عن صديق هذه الأمة، ما زادوا في قدره،
    ولا رفعوا منزلته ولا مكانته بل ازداد قدرهم، ورفعت منزلتهم،
    وعلا شأنهم بحديثهم عن الصديق.. هذا الرجل الذي بشره النبي
    صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو يمشي في هذه الدنيا إنها بشارة
    عجيبة لو تدبرتها العقول ووعتها القلوب! رجل من خلق الله يبشر
    بجنة الله من رسول الله وهو في الدنيا! بل ويبشره النبي صلى الله
    عليه وسلم بأنه سينادى عليه يوم القيامة من كل أبواب الجنة،
    ففي الحديث الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة أنه
    صلى الله عليه وسلم قال: ("من أنفق زوجين من شيء من الأشياء
    في سبيل الله يدعى يوم القيامة من أبواب الجنة: يا عبد الله!
    هذا خير، فإن كان من أهل الصلاة يدعى من باب الصلاة، وإن
    كان من أهل الجهاد يدعى من باب الجهاد، وإن كان من أهل
    الصدقة يدعى من باب الصدقة، وإن كان من أهل الصيام
    يدعى من باب الصيام أو باب الريان، فقال أبو بكر الرجل
    الطموح في الخير العظيم: يا رسول الله! وهل هناك أحد يدعى من
    هذه الأبواب كلها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، وأرجو أن
    تكون منهم يا أبا بكر)، وفي رواية ابن حبان من حديث ابن عباس
    قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أجل وأنت هو يا أبا بكر")
    رجل يدعى من أبواب الجنة كلها، أي صنف هذا؟! أي طراز من
    الناس كان هذا الرجل رضي الله عنه وأرضاه؟!.










    مسارعة أبي بكر إلى الخيرات










    أيها الأحبة! ورد في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم
    قال يوماً لأصحابه: "من منكم اليوم أصبح صائماً؟ فقال أبو بكر
    : أنا يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من منكم
    اليوم أطعم مسكيناً؟ فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله! فقال النبي
    صلى الله عليه وسلم: من منكم اليوم اتبع جنازة؟ فقال أبو بكر
    : أنا يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من منكم
    اليوم عاد مريضاً؟ فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله، فقال الحبيب صلى
    الله عليه وسلم: ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة"). الله أكبر! ماذا
    أقول عن أبي بكر ؟! ومن أي المواطن والمواقف أبدأ؟! أيها الأحبة!
    لست مؤرخاً ولا قاصاً ولا حاكياً، إنما سنتوقف عند بعض المواقف
    لنستلهم الدروس والعظات والعبر من ماضينا المشرق لحاضرنا و
    مستقبلنا الزاهر المجيد، الذي حاول أعداء ديننا مراراً وتكراراً أن يفصلوا
    بيننا وبين هذا الماضي المجيد، وأن يضعوا السدود بيننا وبينه حتى لا
    نرفع رءوسنا خفاقة عالية لتناطح كواكب الجوزاء في عنان وكبد السماء.










    أبو بكر أعلم الناس










    أيها الأحباب! هذا هو تاريخنا، وهؤلاء هم أجدادنا وأبطالنا،
    هذا هو أبو بكر رضي الله عنه، ذلكم الرجل الذي وقف موقفاً
    عجيباً رهيباً يوم أن قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر
    في مرضه الأخير قبل الموت وقال -كما ورد في حديث أبي
    سعيد الذي رواه البخاري و مسلم" - : (أيها الناس! إن عبداً من
    عباد الله خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما
    عند الله، فاختار ما عند الله"، فبكى الصديق رضي الله عنه، وقال:
    فديناك بآبائنا يا رسول الله! فديناك بأمهاتنا يا رسول الله! فديناك
    بأنفسنا يا رسول الله!)، فضج الناس في المسجد عجباً لهذا الشيخ،
    الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر عن عبد خيره الله بين الدنيا
    والآخرة فاختار ما عند الله فما الذي يقوله ويفعله أبو بكر رضي
    الله عنه؟! ولكن الصديق علم أن العبد المخير هو رسول الله صلى
    الله عليه وسلم، ففداه بنفسه وأبيه وأمه، فداه بماله وبكل شيء.
    يقول أبو سعيد : فكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وفي يوم الإثنين كشف عليه الصلاة والسلام الستر من حجرة عائشة
    رضي الله عنها ونظر إلى المسجد فرآهم وهم يصلون وراء إمامهم
    الصديق رضي الله عنه، وكاد الناس أن يفتنون في الصلاة، وسمع
    الصديق صوتاً وجلبة -وكان لا يلتفت في الصلاة أبداً- فعلم أن
    هذا الصوت لا يكون إلا لخروج النبي صلى الله عليه وسلم، فكاد
    الصديق أن يخلي مكان إمام الأئمة، ولكن الرسول صلى الله عليه
    وسلم أشار إليهم أن اثبتوا، ودخل الحبيب إلى غرفة عائشة وكان
    ملك الموت في انتظاره، فإن الأجل قد حان،والعمر انتهى كما
    حدده الله جل وعلا.










    ثبات أبي بكر الصديق عند موت رسول الله










    تقول عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري : (مات رسول
    الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري فرأيته قد رفع أصبعه و
    هو يقول: "بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى"
    ، تقول: فعلمت أنه يخير، وأنه لا يختارنا)، وفي رواية أخرى في
    صحيح البخاري من طريق الزهري عن عروة أنها قالت: (فسمعت النبي
    صلى الله عليه وسلم يقول:
    "اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى"،
    تقول: وسقطت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
    فعلمت أنه قد مات). فخرجت عائشة تصرخ، فلقيها فاروق هذه
    الأمة عمروصرخ عمر : رسول الله ما مات، ورفع السيف وقال
    : والله لأعلون بسيفي هذا كل من زعم أن رسول الله قد مات،
    وإنما ذهب إلى لقاء ربه عز وجل كما ذهب موسى بن عمران وليرجعن
    ليقطعن أيدي وأرجل المنافقين، وخرس لسان عثمان وأقعد علي .
    هذا حال هؤلاء الأطهار! حال هؤلاء الأخيار الأبرار، فما ظنكم
    بمن دونهم؟! وثبت الله يومها صديق الأمة وعاد أبو بكر من بيته
    في السنح ورأى هذه الجموع الملتهبة المتأججة الصارخة الباكية
    فلم يلتفت إلى شيء، ويمم وجهه صوب غرفة عائشة ودخل على
    رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى حبيبه المصطفى مسجى
    وقد غطي وجهه الأنور، فجلس على ركبتيه بين يدي أستاذه وحبيبه
    رسول الله وبكى وقبله بين عينيه، وقال: طبت حياً وميتاً يا رسول الله،
    أما الموتة التي قد كتبها الله عليك فقد ذقتها ولا ألم عليك بعد اليوم،
    وقال كما في الحديث الذي حسنه شيخنا الألباني في مختصر
    الشمائل (وانبياه واصفياه واخليلاه) وترك الصديق وأودع قبلة حانية
    رقيقة على جبين أستاذه وحبيبه وإمامه ونبيه وخرج إلى هذه
    الجموع المتأججة الملتهبة فقال: على رسلك يا عمر !
    اسكت يا عمر ! أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد
    مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت
    )وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ
    أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ
    اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ( ]آل عمران:144].
    يقول عمر: فلما سمعتها وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه
    وسلم قد مات عقرت -أي: وقع على الأرض- وثبت الله الصديق
    رضي الله عنه أي ثبات هذا؟! وأي فصاحة وبلاغة هذه؟!
    من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمداً
    فإن محمداً قد مات. سبحانك يا من وهبت هذا اليقين وهذا
    الثبات لهذا الرجل العظيم الكبير!! يقول ابن مسعود : كدنا أن نقوم
    مقاماً بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهلك فيه لولا أن
    من الله علينا بـ أبي بكر. نعم فرسول الله قد مات والدعوة أبقى من
    الداعية، والدين أبقى من صاحبه الذي جاء به للناس لا ليظل معهم عليه، وإنما جاء ليربط الناس بهذه العروة الوثقى، ثم ليمض إلى ربه وهم
    عليها من غير تبديل ولا تحريف ولا تعطيل. مضى النبي صلى الله
    عليه وسلم إلى ربه، فلتبق الدعوة وليبق الإسلام وليبق الدين، ويا
    راية الله رفرفي ويا خيل الله اركبي، ويا أبناء رسول الله قوموا! لما
    مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسرت كلمات الصديق
    في قلوبهم وعروقهم سريان الدماء في العروق وسريان الماء في
    شقوق الأرض المتعطشة للماء، قاموا وعاد إليهم رشدهم.










    موقف أبو بكر في سقيفة بني ساعده










    أيها الأحباب! ما لبث هذا الأمر أن حدث وذهب الأنصار
    رضي الله عنهم إلى سقيفة بني ساعدة؛ ليختاروا خليفة بعد
    رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع عمر بن الخطاب الخبر فذهب
    إلى أبي بكر وأخذه وأخذ أبا عبيدة وأسرعوا رضي الله عنهم
    جميعاً إلى السقيفة إلى إخوانهم من الأنصار. يقول عمر :
    وكنت قد زورت -أي: أعددت- مقالة جميلة لأتحدث بها بين
    يدي هؤلاء، إلا أن الصديق قد استأذن عمر بن الخطاب ،
    وكان الصديق أول من تكلم فأثنى على الأنصار خيراً وأثنى على
    المهاجرين، وقال هم أحق الناس بالخلافة من بعد رسول الله
    صلى الله عليه وسلم. وقام الحباب بن المنذر وقال: منا أمير
    ومنكم أمير وكاد الشيطان -والعياذ بالله- أن يلعب لعبته ولكن
    أنى لهذه القلوب التي رباها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
    أن تتمزق وأن تتشتت! وبعدها قام الصحابي الجليل المبارك بشير
    بن سعد أبو الصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنهما،
    قام وقال مقالة وقعت كحبات الندى على القلوب، قام بشير بن
    سعد رضي الله عنه وقال: يا معشر الأنصار! والله لئن كان لنا فضل
    في جهاد المشركين، وسبق في هذا الدين، فإنه لا ينبغي أن نستطيل
    بهذا على الناس، وأن نبتغي به عرضاً، فنحن ما أردنا بذلك إلا رضا
    ربنا وطاعة نبينا صلى الله عليه وسلم، ووالله إن رسول الله من قريش
    وقومه أحق به، وايم الله لا يراني الله أنازع القوم في هذا الأمر أبداً،
    فاتقوا الله يا معشر الأنصار ولا تخالفوا المهاجرين ولا تنازعوهم.
    فالتقط الصديق هذه الكلمات النيرة الندية الرخية المؤمنة التقية،
    ورفع يد عمر ويد أبي عبيدة بن الجراح وقال: أيها الناس!
    هذا عمر بن الخطاب الذي أعز الله به الإسلام، وهذا أبو عبيدة
    الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم إنه أمين هذه الأمة،
    لقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فقال أبو عبيدة و عمر نتقدمك؟
    لا والله، والله لا نقدم على هذا الأمر أحداً دونك يا أبا بكر .
    إنه التجرد لله جل وعلا! إنه الصفاء والإخلاص! إن جلال هذا
    الموقف أبلغ من كل مقال، وأبلغ من كل كلام، بل ويصرخ عمر !
    ويبكي أبو عبيدة ! ويقول عمر : والله لئن أقدم فيضرب عنقي في
    غير إثم أحب إلي أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر رضي الله عنه.
    ويبكي أبو عبيدة ويقول: أنت أفضل المهاجرين، وأنت ثاني اثنين
    إذ هما في الغار، وأنت خليفة رسول الله في الصلاة وهي أعظم ديننا،
    أيرضاك رسول الله لديننا ولا نرضاك لدنيانا؟! ابسط يدك يا أبا بكر

    ابسط يدك فبسط الصديق يده، فقام الصحابي الجليل بشير بن سعد
    وكان أول من بايع كما في أصح الروايات، وبايعه عمر و أبو عبيدة،
    وازدحم الأنصار رضي الله عنهم ليبايعوا خليفة رسول الله صلى الله
    عليه وسلم. وما أن غربت شمس هذا اليوم إلا وقد غربت بكل
    جزئية من جزئيات الخلاف، والتأم الصف ورئب الصدع على يد
    ابن الإسلام المبارك التقي النقي.. على يد أبي بكر رضي الله
    عنه وأرضاه، وخمدت نار الفتنة في مهدها، وكان يوماً عظيماً
    على الإسلام. أيها الأحباب! لقد من الله على الإسلام في هذا
    اليوم بأبي بكر ! حتى ظننت -وأنا أقرأ هذا المشهد من أكثر من
    مرجع- أن الله جل وعلا قد اختار لهذا اليوم أبا بكر بالذات،
    وبدأ الصديق رضي الله عنه يعلن سياسته العامة للدولة.










    خطبة أبي بكر بعد توليه الخلافة










    أيها الأحباب! في اليوم الثاني كما روى ذلك ابن إسحاق بسند
    صحيح وقف الصديق على المنبر ليعلن سياسة دولته العامة
    ودستور الإسلام الخالد. قال: أيها الناس! لقد وليت عليكم و
    لست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني،
    الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، والقوي فيكم
    ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، وما ترك قوم
    الجهاد إلا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله؛ فإن
    عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم... قوموا إلى صلاتكم يرحمكم
    الله. أي عظمة هذه؟! أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فلا طاعة
    لمخلوق في معصية الخالق)
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ
    فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
    وَالْيَوْمِ الآخِر(]النساء:59] ,) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ
    فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
    وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا]( النساء:65].ِ










    توفيق الله لأبي بكر في إنقاذ جيش أسامة










    وبدأ الصديق رضي الله عنه أول أعماله الكبيرة العظيمة بإنفاذ بعث
    وجيش أسامة رضي الله عنه وأرضاه. هذا الجيش الذي كان على
    حدود المدينة المنورة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإرساله
    لمناطحة العدو في الحدود الشمالية للدولة الإسلامية، على
    حدود الروم، ولتأديب قبائل قضاعة التي انحازت إلى الروم في
    غزوة مؤتة. أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم هذا الجيش
    لتأديبهم واختار لهذا الجيش أسامة الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة
    من عمره! وأمر الصديق بأن ينفذ جيش أسامة ، ولم يتجاوز الجيش
    حدود المدينة المنورة إلا وقد أطلت فتنة برأسها كادت أن تدمر
    الأخضر واليابس لولا أن من الله على الإسلام -كما قال ابن مسعود
    - بـ أبي بكر رضي الله عنه. بدأت فتنة أهل الردة والمرتدين،
    فمنهم من ارتد عن الإسلام بعد موت رسول الله صلى الله عليه
    وسلم وهم لم يدخلوا في الإسلام إلا مداهنة وتقية، فلما مات النبي
    صلى الله عليه وسلم ارتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة، وقالوا:
    كنا نؤديها لرسول الله، فلن نؤديها لأحد بعده، فقال الصديق قولته
    الخالدة: والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله صلى
    الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. ويومها ذهب الفاروق عمر ليناقش
    الصديق في هذه الفتوى ويقول: يا خليفة رسول الله! أتقاتل قوماً
    شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟! ألم يقل النبي صلى
    الله عليه وسلم: من قالها عصم مني دمه وماله؟! ولكن الصديق
    كان أفهم الصحابة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال
    : ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم يا عمر ! إلا بحقها والزكاة
    من حقها؟ والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. يقول عمر
    فما لبث أن شرح الله صدري لما رأى أبو بكر رضي الله عنه.
    ولما أطلت هذه الفتنة برأسها رأى بعض الصحابة وعلى
    رأسهم عمر و أسامة بن زيد قائد الجيش: أن في إرسال
    جيش أسامة مخاطرة رهيبة؛ لأن المدينة نفسها مهددة بالغزو
    من المرتدين، فلابد أن يبقى الجيش لحماية المدينة في هذا
    الظرف الحرج، ولكن هذا الرجل عجيب.. يظهر إيمانه ويقينه مرة
    أخرى ويعلن قولته الخالدة ويقول: والله لو تخطفتني الذئاب
    لأنفذت بعث أسامة ولست أنا الذي يرد قضاء قضاه رسول الله
    صلى الله عليه وسلم، فلابد أن ينفذ جيش أسامة . فلما رأى
    الصحابة أبا بكر مصراً على رأيه ذهبوا إليه مرة أخرى وعلى رأسهم
    عمر ، وقالوا: إن كان ولابد يا خليفة رسول الله فاجعل على رأس
    الجيش من هو أسن وأكبر من أسامة فمسك أبو بكر بلحية
    عمر وقال: ويحك يا ابن الخطاب أيوليه رسول الله وأعزله أنا؟
    والله لا يكون. وأراد الصديق أن يفض هذا الإشكال فقام بنفسه
    مع عمر إلى حيث عسكر الجيش الإسلامي بقيادة أسامة وخرج
    إليهم على حدود المدينة فلقيهم أسامة بن زيد على ظهر فرسه
    و الصديق يمشي على رجليه، فنظر أسامة الذي تربى في مدرسة
    النبوة وقال: يا خليفة رسول الله! والله إما أن تركب وإما أن
    أترجل، فقال الصديق والله لن أركب ولن تترجل! وأكثير عليَّ يا أسامة
    أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله؟ ومشى الصديق على الأرض إلى
    جوار قائد الجيش أسامة ابن الثمانية عشرة... مشى خليفة المسلمين..
    خليفة رسول الله إلى جوار أسامة ليبين للناس أنه إمام وأستاذ وقائد
    الموكب. إن الإسلام لا ينظر إلى سن ولا نسب ولا إلى شرف،
    بل إن ميزان الإسلام هو التقوى
    ) إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( ]الحجرات:13]
    ، ووقف أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليزف هذه الوصايا وليبين
    لهذا الجيش المبارك دستوره الحربي في أعظم دستور عرفه التاريخ،
    فوالله ما عرف التاريخ دستوراً حربياً أعظم ولا أطهر ولا أشرف
    مما عرفه التاريخ في حروب الإسلام طيلة القرون الطويلة الماضية،
    وسوف يظل التاريخ يقف أمام هؤلاء وقفة إجلال وإعظام وإعزاز
    وإكبار! اسمعوا أيها الأحبة ماذا قال الصديق للجيش؟ حمد الله
    وأثنى عليه وقال: لا تخونوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا -أي بالجثث-،
    ولا تقتلوا طفلاً أو شيخاً كبيراً أو امرأة، ولا تحرقوا نخلاً ولا
    تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرةً ولا بعيراً إلا للطعام،
    وسوف تمرون على قوم قد تفرغوا للعبادة في صوامعهم فدعوهم على
    ما هم عليه، ثم قال: اندفعوا باسم الله. هذا هو الميثاق، وهذا هو
    دستور الحروب في الإسلام فأين أدعياء الحضارة الذين يتغنون
    ويرقصون لخدمة الإنسانية في الليل والنهار؟! أين أدعياء الحضارة
    الذين ساموا الإنسانية سوء العذاب؟! وإن ما يحدث على خشبة
    المسرح العالمي في جمهورية البوسنة والهرسك لأعظم دليل على
    أن هؤلاء كذبة فجرة وخونة، لا يعرفون من هذا المضمار إلا هذه
    الكلمات الجوفاء الكاذبة الرنانة. أين هم من أبناء الشعب
    المسلم في البوسنة؟! سفكت دماؤهم، ومزقت أشلاؤهم،
    واغتصبت نساؤهم، وقتل أطفالهم وحرقت بيوتهم، أين هم
    من هؤلاء؟! (لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً
    أو شيخاً كبيراً أو امرأة، ولا تحرقوا نخلاً، ولا تقطعوا شجرة مثمرة)
    إنه دستور الإسلام! وانطلق الجيش على بركة الله وباسم الله،
    تحت راية الإسلام، وباسم التوحيد والإيمان، بأوامر هذا
    الابن المبارك للإسلام، إنه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه!!
    وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.










    المصالح المترتبة على إنقاذ جيش أسامة










    الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
    وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه
    وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى كل من اقتدى بهديه واستن
    بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين أما بعد: فهكذا أنفذ الصديق رضي الله
    عنه جيش أسامة الذي كان له أثر بليغ في قلوب هؤلاء المرتدين في
    أطراف الجزيرة العربية الذين قالوا: لو كانت المدينة بهذا الضعف
    الذي سمعنا ما خرج هذا الجيش الجرار لهذه المعركة الضارية،
    لمناطحة قوة الروم العاتية، وكانت هذه بركة من بركات أبي بكر
    رضي الله عنه، ووئدت نار فتنة المرتدين ومدعي النبوة وقد
    ظهر طليحة وظهرت سجاح مسيلمة وكل قد ادعى النبوةبعد
    موت رسول الله صلى الله عليه وسلم.










    ومن فضائل أبي بكر جمعه للقرآن










    رحماك رحماك يا الله! أي فتن هذه التي تطل على أبي بكر ؟!
    لقد وأد الصديق نار الفتنة في مهدها، ولم تتوقف بركاته عند هذا
    الحدث، وإنما بعد موقعة اليمامة ذهب إليه عمر وأشار إليه بجمع
    القرآن كما في حديث زيد بن ثابت الذي رواه البخاري وشرح الله
    صدره إلى ذلك، فأمر زيد بن ثابت بجمع القرآن. يقول زيد :
    والله لو كلفني بنقل جبل لكان أهون علي، أو ما كان أثقل علي مما
    كلفني به. وجمع الصديق القرآن لأول مرة، وكانت الصحف في
    بيته حتى توفي، ثم انتقلت إلى بيت عمر حتى توفي، ثم في
    بيت حفصة رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم. وهذه بعض المواقف
    وبعض الدروس، وإلا فلو توقفنا مع الصديق لطالت بنا الوقفة
    ولطال بنا المقام، ولقد آليت على نفسي ألا أقف في كل لقاء مع
    كل شخصية من هؤلاء الأئمة وهؤلاء المصابيح إلا جمعة واحدة.










    عهد أبي بكر بالخلافة بعده لعمر










    أيها الأحباب! ونام الصديق بعد هذا التاريخ الحافل على فراش الموت
    ليسلم روحه إلى الله جل وعلا، ولكنه أضفى على الأمة وعلى
    الإسلام بركة أخرى لا يمكن أبداً أن ينتهي اللقاء إلا ونشير إليها إشارة،
    فلقد استدعى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقال: يا عثمان اكتب
    : بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة
    في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وفي أول عهده بالآخرة داخلاًً
    فيها: أني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، فأطيعوا له

    واسمعوا، ثم قال: فإن عدل فهذا علمي به وظني فيه، وإن

    بدل وغير فإن لكل امرئ ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا أي
    منقلب ينقلبون، وا
    لسلام عليكم ورحمة الله. وأمر عثمان أن يخرج ليقرأ الكتاب على
    المسلمين، فقام المسلمون جميعاً وبايعوا عمر بن الخطاب
    رضي الله عنه، وما فعل ذلك الصديق إلا خشية من أن تحدث
    فتنة شديدة على الإسلام والمسلمين، ثم استدعى عمر فوصاه
    وصية جميلة رقيقة لا يتسع المقام والمجال لذكرها، ثم رفع
    الصديق يده ودعا الله لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال
    له: اللهم أصلحه وأصلح له الرعية. وبعد أيام قليلة دخل ملك
    الموت مرة أخرى؛ لينزع أطهر روح وأشرف روح بعد روح المصطفى
    صلى الله عليه وسلم، ليقبض أبا بكر رضي الله عنه، ولما اشتد
    به الوجع دخلت عليه الصديقة عائشة رضي الله عنها تقول:
    لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها
    الصدر فكشف الصديق الغطاء عن وجهه، وقال: لا تقولي هذا يا
    ابنتي وإنما قولي:
    )وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيد(]ق:19]
    رضي الله عن أبي بكر وأرضاه وجمعنا الله جل وعلا به مع أستاذه
    ونبيه في جنة الله ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على
    كل شيء قدير . اللهم اجز عنا أبا بكر خير ما جازيت مصلحاً
    أو صالحاً! اللهم اجز أبا بكر عن الإسلام خير الجزاء! اللهم اجمعنا
    به في دار كرامتك ومستقر رحمتك! اللهم صل وسلم وبارك على
    من علمه ورباه وخرجه وأنجبه لهذا الدين! اللهم صل وسلم وزد
    وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه وزوجاته
    وأتباعه وأطهاره وأخياره الذين اتبعوه بإحسان إلى يوم الدين!
    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق
    والدين. اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين
    في كل مكان، وقيض لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك،
    ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن
    المنكر، أنت ولي ذلك والقادر عليه. اللهم وفق حكام المسلمين
    إلى العودة لكتابك، وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، أنت ولي
    ذلك ومولاه! وأكثروا من الصلاة والسلام على حبيبنا ونبينا محمد،

    فإن الله جل وعلا قد أمركم بذلك في محكم كتابه، فقال
    )إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا
    عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] ( الأحزاب:56]
    اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
    أحبتي في الله! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من
    خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله
    منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.ُ










    لا تنسونا من صالح دعائكم أخوكم: حسام العامري










    ملاحظة: مرفق ملف وورد يحتوي الدرس كاملاً لتحميله من المرفقات




    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 22-11-2011, 12:24 PM. سبب آخر: تنسيق الموضوع

    تعليق


    • #3
      رد: أبو بكر الصديق_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(2)للشيخ محمد حسان

      جزاكم الله خير الجزاء

      نسألكم الدعاء
      اذكر الله ^_^


      تعليق


      • #4
        عمر بن الخطاب_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(3) للشيخ محمد حسان






        بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله


        أما بعد


        فهذا الدرس الثالث من:


        سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى


        للشيخ محمد حسان


        وهو بعنوان


        عمر بن الخطاب
        رضي الله عنه



        الحديث عن سير الصالحين مما يقوي الإيمان، ويجسد شخصية القدوة التي تكاد أن تكون منعدمة في هذا الزمان، فكيف إذا كان الحديث عن ثاني الخلفاء الراشدين، وفاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب؟! إنه حديث ذو شجون، فهو الذي فرق الله به بين الحق والباطل، وهم الرجل الملهم المحدث، وهو الذي أعز الله الإسلام، فهو بحق قمة من قمم الإسلام، وسيرته مدرسة للجيل بأكمله، فرضي الله عنه وأرضاه,


        فضائل عمر بن الخطاب

        بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد:

        فمرحباً بكم أحبتي في الله! وأسأل الله جل وعلا أن ينضر هذه الوجوه المشرقة الطيبة، وأن يزكي هذه الأنفس، وأن يشرح هذه الصدور، وأن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير. أحبتي في الله! مع أئمة الهدى ومصابيح الدجى، وأود بداية أن أوضح منهجي الذي التزمت به في هذه السلسلة الكريمة؛ لأنه لم يتضح لبعض الأحبة في اللقاء الماضي، مع أني أوضحت في مقدمة اللقاء الماضي أني لا أحكي تاريخاً، ولا أقص سيرة كاملة، ولا أقف أمام كل زهرة في بستان حياتهم الرحب الفسيح، وليس من الصعوبة -كما ذكرت- أن نقتطف زهرة وحيدة من وسط صحراء مقفرة! ولكن من الصعوبة بمكان أن نختار زهرة عطرة جميلة في وسط حديقة غناء، تضم كل أنواع الزهور، وتشمل كل أنواع الورود، وتضم كل أصناف العبير، ومن ثمَّ فإنني سأتوقف أمام بعض الزهرات في بستان حياتهم الرحب الفسيح، ولن أستطع أن أتوقف مع جميع مواقفهم على طول حياتهم، وإلا لطالت وقفتنا، بل ولا أكون مغالياً إن قلت: إن فعلت ذلك ربما أتوقف مع أحدهم أكثر من عشر جمع! وهذا -ولا شك- مجاله كتب السير والتراجم والأعلام. هذا هو منهجي الذي التزمت به في هذه السلسلة الكريمة؛ للعظة والعبرة من ناحية، وليربى الجيل على سير ومواقف هؤلاء الأبطال الأطهار من ناحية أخرى. فتعالوا بنا سريعاً لنلقي السمع والبصر والفؤاد بين يدي هذا الرجل القوي الأمين، بين يدي هذا المعلم الكبير الذي ليس له بين المعلمين على ظهر هذه الأرض نظير، إنه الرجل الكبير في بساطة، البسيط في قوة، القوي في رحمة وعدل، إنه الرجل التقي النقي الزاهد الناسك الورع، الذي يتفجر نسكه حركة وزكاء، وعملاً وبناء، إنه المعلم الذي غير صفحة الدنيا ووجه التاريخ، إنه التقي النقي الذي كان للمتقين إماماً، إنه الرجل الذي قدم للدنيا كافة قدوة لا تبلى على مر الزمان والأيام، قدوة متمثلة في حياته كلها، ترك الدنيا بزخرفها وسلطانها وأموالها على عتبة داره، فسرحها سراحاً جميلاً، وساقها إلى الناس سوقاً كريماً، وقام ينثر على الناس طيباتها، ويدرأ عن الناس مضلاتها، حتى إذا ما نفض يديه من علائق هذا المتاع الزائل، وهذا الظل المنتهي، قام مستأنفاً سيره ومسراه، مهرولاً تحت حرارة الشمس المحرقة، في يوم شديد الحرارة، مهرولاً وراء بعير من إبل الصدقة، يخشى عليه الضياع، ويخشى أن يسأل عنه بين يدي الله جل وعلا! أو تراه منحنياً على قدر فوق نار مشتعلة؛ لينضج طعمة طيبة لامرأة غريبة أدركها المخاض في المدينة المنورة، أو لأطفال صغار يتضورون جوعاً في ليلة شديدة الظلام شديدة البرد. إنه الرجل الذي تنزل القرآن أكثر من مرة موافقاً لقوله ورأيه، إنه الرجل الذي كان إسلامه فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة وعدلاً، إنه فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. والله إن الاقتراب من هذا الرجل التقي النقي أمر رهيب، بقدر ما هو حبيب إلى كل نفس مؤمنة، إن عمر بن الخطاب من الطراز الذي تغمرك الهيبة وأنت تقرأ تاريخه المكتوب، كما تغمرك الهيبة وأنت تجالس شخصه المتواضع، فالمشهد المذكور من تاريخه لا يكاد يختلف عن المشهد الحي إلا في غياب البطل عن حاسة البصر فقط! أما الأفئدة.. أما البصيرة فإنها إذا ما طالعت سيرة عمر بن الخطاب كأنها تجالسه، وكأنها تسمعه، وكأنها تحدثه ويحدثها، وكأنها ترى رأي العين جلال الأعمال، ومناسك البطولات، وأروع الانتصارات التي نقشها عمر بن الخطاب بيمينه المبارك على جبين السماء، وخطها بيمينه الأنور على صفحة الأيام. أحبتي في الله! ترى بأي المواقف أبدأ؟ وعن أي المواقف أتكلم؟! هل أبدأ بفتوحاته وانتصاراته على كثرتها؟! أم بانتصاراته على روعتها؟! أم سأتحدث اليوم عن زهده وورعه؟! أم سنتوقف مع زهده وعدله؟! أم سنذكر عمله وفقهه؟! بأي المواقف أبدأ؟! وعن أي المواقف أتحدث؟! وماذا أذكر عن عمر رضي الله عنه وأرضاه؟! والذي أرى -من وجهة نظري- أن أعظم ما يمكن أن أستهل به الحديث عن عظمة هذا الرجل: أن نبدأ بتلك الأوسمة، وتلك النياشين التي وضعها بيمينه المبارك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على صدر هذا الرجل العجيب المهيب؛ ليشمخ بها في الدنيا ويسعد بها في الآخرة. ففي الحديث الذي رواه الترمذي بسند حسن من حديث ولده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله جعل الحق على لسانعمروقلبه", وفي الحديث الذي رواه البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد كان فيمن كان قبلكم محدثون -أي: ملهمون- فإن يكن في أمتي منهم أحد فإنه عمر",وفي الحديث الذي رواه البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جوار قصر، فقلت: لمن هذاالقصر؟ فقالوا: لـعمر -يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم-: فتذكرت غيرةعمر، فوليت مدبراً", يقول أبو هريرة : فلما سمع ذلك عمر بكى رضي الله عنه وأرضاه وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟ , وفي الحديث الذي رواه البخاري و مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"بينما أنا نائم عرض علي الناس، وعليهم قمص -جمع قميص- فمنها ما يبلغ الثدي،ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمروعليه قميص يجره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين", وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال", بينما أنا نائم أتيت بقدح من اللبن، فشربت منه حتى إني أرى الري يخرج من بين أظفاري، ثم أعطيت فضلة شربتي لـعمربن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم", وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: استأذن عمربن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويحدثنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوت رسول الله صلى الله عليهوسلم، فلما استأذن عمرقمن يبتدرن الحجاب، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر، فدخل عمربن الخطاب ورسول الله يضحك، فقال عمربمنتهى الأدب والإجلال والإكبار: أضحك الله سنك يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبت لهؤلاء اللاتي كن عندي يحدثنني، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب", فنظر عمر بن الخطاب المؤدب الذي تربى على أستاذ البشرية ومعلم الإنسانية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، نظر عمر إلى أستاذه ومعلمه صلى الله عليه وسلم وقال: أنت أحق أن يهبنك يا رسول الله، ثم التفت عمر إليهن وقال: يا عدوات أنفسهن! أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟! فقلن: نعم، أنت أفض وأغلظ من رسول الله يا عمر ! نعم نهابك ولا نهاب رسول الله، "وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"آل عمران:159, فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم لـعمر: "إيه يا ابن الخطاب!والذي نفسي بيده لو لقيك الشيطان سالكاً فجاً لتركه لك وسلك فجاً غير فجك ياعمر"، أي طبيعة هذه؟! إنها طبيعة فذة.. إنها طبيعة قل أن تتكرر في الأعداد الهائلة من البشر، بل لا أكون مغالياً إن قلت: إنها طبيعة ليس لها مثيل في البشر بعد عمر ! أي طراز من البشر كان؟! أي صنف من الناس كان عمر رضي الله عنه وأرضاه؟! إنه الرجل الذي حار التاريخ في أعماله وفي سيرته، ووقف التاريخ وسيقف أمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقفة إجلال وإعزاز وإكبار، سبحان الله! ولما عرف النبي صلى الله ليه وسلم هذه الطبيعة الفذة، وهذه الأصالة في عمر، لجأ النبي صلى الله عليه وسلم يوماً إلى الله وقال: (اللهم! أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: بـعمر بن الخطاب أو بـعمرو بن هشام) والحديث رواه الترمذي وهو حديث حسن. وربح الإسلام أحب الرجلين إلى الله، وهو عمر بن الخطاب، صاحب الفطرة السوية القوية التي سرعان ما استجابت للحق في لمح البصر، ليتحول بعدها عمر تحولاً هائلاً إلى أقصى رحاب الهدى والتوحيد والإيمان! بعد أن كان بالأمس القريب في أقصى مجاهل الوثنية والشرك والإلحاد! ويخرج المسلمون لأول مرة بعد أن كانوا يستخفون من أهل الشرك في مكة، يخرجون بعزة واستعلاء؛ ليرجّوا أنحاء مكة بتكبيرهم لله جل وعلا، ولم لا وقد أصبح بينهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه! ويجسد عبد الله بن مسعود.




        رفع الله عمر بالإسلام



        وهاهي الأيام تمر، والأشهر تجري وراءها، وتسحب معها السنين، ويقف راعي الغنم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم باسطاً يمينه المباركة، ليأخذ البيعة ليكون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر رضي الله عنه. بخٍ بخٍ يا عمر! لقد كنت في الجاهلية تدعى عميراً ، ثم دعيت: يا عمر وها أنت اليوم تبسط يمينك لتدعى بعد الساعة: يا أمير المؤمنين، بخ بخ يا عمر ! ويقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليستهل عهد خلافته المبارك بهذه الخطبة الجامعة المانعة فيقول -وأعيروني القلوب والأسماع، فلو لم أتوقف في هذا اللقاء إلا مع هذه الكلمات لكفانا بها زاداً.


        خطبة عمر عند توليه الخلافة



        وقف عمر يقول: (بلغني أن الناس خافوا شدتي وهابوا غلظتي، وقالوا: لقد اشتد عمر ورسول الله بين أظهرنا، واشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمور إليه؟! ألا فاعلموا أيها الناس! أن هذه الشدة قد أضعفت -أي: تضاعفت- ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، أما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين إليهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحداً يظلم أحداً أو يعتدي عليه، حتى أضع خده على الأرض وأضع قدمي على خده الآخر؛ حتى يذعن للحق، وإني بعد شدتي تلك لأضع خدي أنا على الأرض لأهل الكفاف وأهل العفاف. أيها الناس! إن لكم عليَّ خصالاً أذكرها لكم، فخذوني بها، لكم عليَّ أن لا أجتبي شيئاً من خراجكم وما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليَّ إن وقع في يدي أن لا يخرج إلا بحقه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى، ولكم عليَّ ألا ألقيكم في التهلكة، ولكم عليَّ أن أسد ثغوركم إن شاء الله تعالى، ولكم عليَّ إن غبتم في البعوث -أي: المعارك- فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم، فاتقوا الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضار النصيحة فيما ولاني الله من أموركم). بالله ما أنقاه! بالله ما أتقاه! بالله ما أروعه وما أطهره! أي دستور في عالم الدساتير هذا؟! أي قانون في عالم القوانين هذا؟! (فإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم). أي عظمة وأي طراز من البشر كان عمر رضي الله عنه وأرضاه؟! إنه ابن الجزيرة الذي رباه الإسلام على يد محمد عليه الصلاة والسلام، نعم هذا الرجل الذي كان لا ينسى هذه النعمة أبداً، لا ينسى أنه كان بالأمس القريب راعياً للغنم، ولا ينسى أنه كان بالأمس القريب في الجاهلية يعذب من وحد الله جل وعلا، وها هو الآن يشار إليه بالبنان، ويقال له: يا أمير المؤمنين! كانت لا تغيب عن باله، وكان يقف مع نفسه ليقول لها: بخ بخ يا ابن الخطاب ! كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، ثم حملك الله على رقاب الناس، فماذا أنت قائل لربك غداً يا عمر ؟! هذه هي البوصلة التي تحركت في اتجاهها كل ذرات كيانه وجوارحه! ماذا تقول لربك غداً يا عمر ؟! هذه أنشودته الحلوة العذبة التي كانت تصرخ في أعماق كيانه ووجدانه، وتملأ عليه سمعه وبصره، وتزلزل عليه أركانه وجوارحه! ماذا تقول لربك غداً يا عمر ؟! هذا هو السر يا أحباب! إذا أردت أن ترى هذا الشامخ العارف الذي يتفجر قوة وبأساً، إذا أردت أن تنظر إليه كعصفور مبلل بماء المطر في يوم شديد البرودة فما عليك إلا أن تقترب منه وتخوفه بالله جل وعلا؛ لترى إنساناً آخر وقد قامت قيامته، واصفر وجهه، ووقف وكأنه بين يدي الله جل وعلا والميزان عن يمينه، والصراط عن شماله، وكتابه منشور بين يديه، والنداء يدوي في أرجاء كيانه وجوارحه "اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً"الإسراء:14, هذه هي البوصلة أيها الأحباب! وهذا هو السر الذي جعل ابن الخطاب يعزف عن كل ملذات الدنيا ونعيمها.


        طعام عمر أمير المؤمنين



        ولقد زاره يوماً حفص بن أبي العاص رضي الله عنه وأرضاه، ووجد عمر بن الخطاب جالساً إلى غدائه، ودعا عمر حفصاً أن يتناول الغداء معه، فنظر حفص إلى طعام أمير المؤمنين، فوجد خبزاً يابساً وزيتاً، وكان حفص ذكياً، فلم يشأ حفص أن يتعب معدته في هضم هذا الطعام الشديد، وفطن عمر بن الخطاب إلى سر عزوف حفص ، فقال له سائلاً: ما الذي منعك أن تتناول معنا الطعام يا حفص ؟ ولم تنقص الصراحة حفصاً، فقد كانوا أتقياء أصفياء، لا يجيدون لغة الكذب واللف والدوران والمنافقة والمداهنة، قال له حفص بن أبي العاص : إنه طعام خشن يا أمير المؤمنين! ولسوف أرجع إلى بيتي لأنال طعاماً طيباً ليناً قد صنع وأعد لي، فقال عمر : يا حفص ! أتراني عاجزاً أن آمر بصغار الماعز فيلقى عنها شعرها، وبرقيق البر فيخبز خبزاً رقاقاً، وبصاع من الزبيب يوضع في كنية من السمن، فآكل هذا وأشرب هذا؟! فقال حفص : والله إنك بطيب الطعام لخبير يا أمير المؤمنين! فقال عمر بن الخطاب : والذي نفسي بيده! لو أردت أن أكون أشهاكم طعاماً وأرفهكم عيشاً لفعلت، أما إني لأعلم بطيب الطعام من كثير من آكليه! ولكني تركت هذا ليوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، وإني سمعت الله تعالى يقول عن أقوام "أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا"الأحقاف:20, فإني أخاف أن أقدم طيباتي في الدنيا ولا يكون لي عند الله في الآخرة! وفي عام الرمادة: العام السابع عشر، وكان عام مجاعة قاتلة في المدينة المنورة، حرم عمر على نفسه اللحم وغيره من أنواع الطعام الشهي، وأبى إلا أن يأكل الزيت، وأمر في يوم من أيام هذا العام القاتل بذبح جزور وتوزيعه على الناس في المدينة، وعند وقت الغداء دخل ليتناول طعامه، فوجد أشهى ما في الجزور من لحم، فقال: من أين هذا؟! فقالوا: إنه من الجزور الذي ذبح اليوم يا أمير المؤمنين! فقال -وهو يزيح الطعام عن مائدته بيده المباركة-: بخ بخ! بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وتركت للناس كراديسها، يا أسلم! ارفع عني هذا الطعام، وائتني بخبزي وزيتي! فوالله إن طعامكم هذا علي حرام حتى يشبع منه أطفال المسلمين. أي عظمة! أي طراز من البشر كان عمر !
        يا رافعاً راية الشورى وحارسها جزاك ربك خيراً عن محبيها
        رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
        جوع الخليفة والدنيا بقبضته في الزهد منزلة سبحان موليها
        يوم اشتهت زوجه الحلوى
        فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها
        ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى فقومي لبيت المال رديها
        كذاك أخلاقه كانت وما عهدت بعد النبوة أخلاق تحاكيها.




        ورع عمر وولده عبد الله



        ولو رأيت حسابه الشديد لابنه التقي النقي الزاهد الورع عبد الله بن عمر ، الذي كان إماماً في الورع والزهد، انظروا إلى حساب عمر رضي الله عنه وأرضاه لهذا التقي النقي. يخرج عمر بن الخطاب يوماً إلى السوق، فيرى إبلاً سماناً، فيسأل عمر : إبل من هذه؟ فيقول الناس: إبل عبد الله بن عمر ، فينتفض عمر وكأن القيامة قد قامت! ويقول: عبد الله بن عمر بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين! ائتوني به. ويأتي عبد الله على الفور ليقف بين يدي عمر رضي الله عنه، فيقول عمر بن الخطاب لولده عبد الله : ما هذه الإبل يا عبد الله ؟! فيقول: يا أمير المؤمنين! إنها إبلي اشتريتها بخالص مالي، وكانت إبلاً هزيلة، فأرسلت بها إلى الحمى -أي: إلى المرعى- أبتغي ما يبتغيه المسلمون: أتاجر فيها، فقال عمر بن الخطاب في تهكم لاذع مرير قاس على إمام من أئمة الورع والزهد عبد الله ، قال عمر : نعم وإذا رآها الناس قالوا: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، واسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، فتسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين! قال عبد الله: نعم يا أبتِ، قال: اذهب وبع هذه الإبل كلها، وخذ رأس مالك فقط، ورد الربح إلى بيت مال المسلمين. والله إن قلبي لينتفض! ولو وقف أدباء الدنيا بما آتاهم الله من بلاغة وفصاحة لسان، وعظمة وبراعة في الأسلوب والتبيان، فلن يستطيعوا أن يتحدثوا عن فاروق هذه الأمة عمر ، ماذا أقول؟! إن من أروع الأمور أن ندع المواقف هكذا بدون تعليق لتتحدث المواقف بذاتها عن جلال عمر ، وعن عظمة عمر ، وعن هيبة عمر ، وعن يقين عمر ، وعن إيمان عمر ؛ لنرفع رءوسنا لتعانق كواكب الجوزاء، لنقول بعزة: إن عمر ابن من أبناء إسلامنا، تربى في مدرسة الإسلام، وتخرج على يد محمد عليه الصلاة والسلام. وكيف لا يكون عمر كذلك وهو الذي رأى أستاذه ومعلمه محمداً صلى الله عليه وسلم يقول لابنته الحبيبة فاطمة البتول: (يا فاطمة ! إن من المسلمين من هو في حاجة إلى هذا المال منك)، فشرب عمر من هذا النبع الصافي، وارتوى عمر من هذا النبع الكريم، وتخرج عمر من هذه المدرسة، وعلى يد محمد عليه الصلاة والسلام. أيها الأحبة! من أراد أن ينظر إلى العظمة الإنسانية في أوج ذراها وعلاها فلينظر إلى عمر ، ذلكم الرجل الذي انهارت أمام قدميه أعظم الامبراطوريات، وجاءته مغانمها وذهبها وفضتها، تسيل على عتبة داره بين قدميه، فلم يتغير لحظة، ولم تغيره طرفة عين، ذلكم هو عمر الذي لو تحدثت عنه عشر جمع والله ما كفاني ذلك، ولكني ألخص ما ذكرته وما ينبغي أن أذكره من حياة عمر بقولة أو بكلمات قليلات، وهذا من الصعوبة بمكان، فأقول: عمر رجل عظيم رضي الله عن عمر بن الخطاب ، وأسأل الله جل وعلا أن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأن يجمعنا به مع أستاذه ومعلمه في دار تجمع سلامة الأبدان

        مقتل عمر وخوفه الشديد من ذنوبه



        الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة! هل بقي شيء ممكن أن يقال عن عمر ؟ أستعفر الله، بل هل قلنا شيئاً عن عمر ؟ ما قلنا شيئاً من الكثير الكثير الذي ينبغي أن يقال عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويكفي أن نقف مع هذه المواقف التي تعلمنا من الدروس الكثير والكثير، وهاهو العملاق، وهاهو الأسد في عرينه يتقدم رضي الله عنه وأرضاه في يوم من الأيام الحزينة التي مرت على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يتقدم عمر الفاروق ليؤم المسلمين في صلاة الفجر، ويتقدم العلج أبو لؤلؤة المجوسي عليه من الله ما يستحقه؛ ليطعن الأسد في عرينه.. ليطعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه! ولم تشغل عمر الطعنات عن أن يواصل المسلمون عبادتهم، وعن أن يتم المسلمون صلاتهم، فيجذب عمر بن الخطاب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه؛ ليقدمه مكانه ويصلي بالمسلمين صلاة الفجر، وينتهي المسلمون من صلاة الفجر، ويحمل الأسد إلى بيته.. يحمل العملاق التقي النقي الطاهر.. يحمل عمر إلى داره. ويزداد ألمه، ويقول لولده عبد الله : يا عبد الله ! اذهب إلى عائشة أم المؤمنين وقل لها: يستأذن عمر بن الخطاب ولا تقل: يستأذن أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين بأمير. أي دقة! وقل لها: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، هذا هو همه، وهذا هو شغله، عاش في الدنيا مع حبيبيه وصاحبه، مع حبيبه المصطفى ومع خليفته أبي بكر رضي الله عنه، ولا هم له بعد الموت إلا أن يواصل بقية ما بقي له في عالم البرزخ مع هذين الجليلين الكريمين حتى يلتقي بهما، ويبعث معهما في يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة. يا عبد الله ! اذهب إلى عائشة أم المؤمنين وقل لها: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، مع الحبيب المصطفى ومع أبي بكر رضي الله عنه، فذهب عبد الله فوجد عائشة تبكي لما وصلها خبر مقتل عمر رضي الله عنه وأرضاه، وقالت عائشة التقية العالمة الورعة الذكية: والله لقد كنت أريد هذا المكان لنفسي، ولكني أوثر اليوم عمر على نفسي. ويرجع عبد الله بأسعد خبر لأبيه عمر ، فلم يكن هناك شيء يشغل عمر إلا هذا، فقالوا: عبد الله قد أقبل يا أمير المؤمنين، قال: أجلسوني، فأجلسوه، فنظر إليه قال: ما وراءك يا عبد الله ؟ قال: أبشر يا أمير المؤمنين، لقد وافقت عائشة رضي الله عنها أن تدفن مع صاحبيك، فسعد عمر سعادة غامرة وقال: والله ما كان هناك شيء يشغلني غير هذا. ولكنه التقي النقي، الدقيق في كل كلمة من كلماته، وفي كل موقف من مواقف حياته، فبعد كل هذا يقول لـعبد الله : يا عبد الله ! إذا أنا قضيت -أي: إذا أنا مت- وحملتموني وذهبتم إلى بيت عائشة فاجعلوني خارج الدار، واستأذن عليها مرة أخرى، فلربما تكون قد استحت مني في حياتي وترفض ذلك بعد مماتي، فإن أذنت فادفنوني مع صاحبي، وإن أبت فردوني إلى مقابر المسلمين. ويدخل عليه شاب والحديث في البخاري ، يقول: أبشر ببشرى الله لك يا أمير المؤمنين! أبشر بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقدمك في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة في سبيل الله! أتدرون ماذا قال عمر ؟! أتدرون ماذا قال الفاروق الذي كان يقول لنفسه كل لحظة: ماذا تقول لربك غداً يا عمر؟! فقد خرج عثمان بن عفان ذات يوم ينظر من شرفه من شرفات بيته، فيرى رجلاً تعلوه الرمال، وتحرقه الشمس في وقت الظهيرة، وينظر ويقول: من هذا الذي خرج في هذا الوقت؟! وحينما يقترب يراه أمير المؤمنين.. يراه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيقول: يا أمير المؤمنين! ما الذي أخرجك في هذه الساعة المحرقة؟! فيقول عمر : يا عثمان ! بعير من إبل الصدقة قد ند، وأخشى أن يسألني عنه ربي يوم القيامة! فيبكي عثمان ويقول: يا أمير المؤمنين! إن عبداً من عبيدك يكفيك هذا، فيقول عمر : وهل هناك أعبد مني؟! ارجع إلى ظلك يا عثمان ، فيبكي عثمان ويقول قولته الخالدة: (والله لقد أتعبت كل من جاء بعدك يا عمر! لقد أتعبت كل من جاء بعدك يا عمر ، والله لقد أتعبت كل من جاء بعدك يا عمر ). بكى عمر بن الخطاب بعد هذه البشريات التي بشر بها: بقدم في الإسلام، وبصحبة رسول الله، وبعدل لم تعرف البشرية له مثيلاً على مدار التاريخ، وبشهادة في سبيل الله، وهو يصلي في محراب الصلاة، بعد كل هذا أتدرون ماذا قال عمر ؟! نظر إلى هذا الشاب وقال: والله لوددت أن أخرج من الدنيا كفافاً لا لي ولا عليَّ! عمر يقول هذا، يريد أن يخرج من الدنيا بغير أجر وبغير وزر: لا لي ولا علي. فماذا نقول إن كان عمر الفاروق -والحديث في صحيح البخاري - يقول: وددت أن أخرج كفافاً لا لي ولا عليَّ! فقد حملنا بالأوزار والذنوب والسيئات، ومنا من يكلمك وكأنه قد وقع عهداً مع الله، وأخذ صكاً على الله أنه من أهل الجنة، بغير صلاة وبغير صيام وبغير زكاة! وبغير ورع وطاعة وتقى! إذا ما اقتربت منه يقول: إن لم ندخل الجنة نحن يدخلها؟! هذا هو فاروق الأمة عمر رضي الله عنه وأرضاه.




        تذلل عمر بين يدي الله تعالى



        وروى ابن سعد في الطبقات بسند صحيح أن عثمان بن عفان قال: كنت أنا آخر الناس عهداً بـعمر ، دخلت عليه بيته ورأسه في حجر ولده عبد الله ، فنظر عمر إلى ولده وقال: يا عبد الله ! ضع رأسي على الأرض، فنظر عبد الله وقال: يا أبتِ! وهل هناك فرق بين أن تكون في حجري وبين أن تكون على الأرض؟ قال عمر : يا عبد الله ! ضع هذا على الأرض! أي ذل لله هذا؟! وأي تواضع لله هذا؟! يا عبد الله ! ضعها على الأرض، ثم يقول عمر : ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي. الله أكبر ! والله لا أجد ما أقوله تعليقاً على هذه المواقف التي تحرك القلوب الميتة، التي تحرك الأعين الجامدة، وكفانا فخراً أن نقول في نهاية المطاف: إنه ابن الجزيرة العربية الذي خرجته مدرسة الإسلام، ورباه محمد عليه الصلاة والسلام. اللهم اجز عنا عمر بن الخطاب خير ما جازيت مصلحاً أو صالحاً، اللهم اجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم اغفر لنا وله، واجمعنا به في دار كرامتك يا أرحم الراحمين، اللهم متعنا برؤياهم مع إمامهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم، اللهم ألحقنا بهم على طاعة ترضيك يا رب العالمين! اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم اجعل هذه البلاد سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين إلى ما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة برحمتك يا أرحم الراحمين! أحبتي في الله! أكثروا من الصلاة والسلام على أستاذ البشرية، ومعلم الإنسانية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فلقد أمركم الله جل وعلا بذلك في محكم كتابه فقال: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" الأحزاب:56, اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



        لا تنسونا من صالح دعائكم أخوكم: حسام العامري


        ملاحظة: مرفق ملف وورد يحتوي على الدرس كاملاً لتحميله من المرفقات





        الملفات المرفقة
        التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 18-12-2011, 08:17 PM.

        تعليق


        • #5
          رد: علي بن أبي طالب_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(5) للشيخ محمد حسان

          بارك الله فيك اخي الحبيب ونفع بك
          القسم المناسب لهذه السلسة المباركة هو في "قسم اولئك آبائي" مع ملاحضة انه يجب دمج هذه المواضيع الى الموضوع الاول كتابة في هذه السلسلة المباركة وذلك حين عودة المراقبين على هذا القسم .
          والسلام عليكم ورجمة الله وبركاته.
          "إذا وجدت الأيام تمر عليك ، و ليس لكتاب الله حظ من أيامك و ساعات ليلك و نهارك ، فابك على نفسك ، و اسأل الله العافية، و انطرح بين يدي الله منيبا مستغفرا ، فما ذلك إلا لذنب بينك و بين الله ، فوالله ما حرم عبد الطاعة إلا دل ذلك على بعده من الله عز وجل"

          تعليق


          • #6
            رد: مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان

            اللهم احشرنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه الأصفى،
            واسقنا من حوضه شربة هنيئة مريئة لا نرد ولا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين! أسأل الله جل وعلا أن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الإسلام، وتمكينه لدين التوحيد، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين. اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك،


            جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم

            تعليق


            • #7
              رد: أبو بكر الصديق_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(2)للشيخ محمد حسان

              اللهم احشرنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه الأصفى،
              واسقنا من حوضه شربة هنيئة مريئة لا نرد ولا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين! أسأل الله جل وعلا أن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الإسلام، وتمكينه لدين التوحيد، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين. اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك،


              بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا

              تعليق


              • #8
                رد: عمر بن الخطاب_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(3) للشيخ محمد حسان

                اللهم اجز عنا عمر بن الخطاب خير ما جازيت مصلحاً أو صالحاً، اللهم اجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم اغفر لنا وله، واجمعنا به في دار كرامتك يا أرحم الراحمين، اللهم متعنا برؤياهم مع إمامهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم، اللهم ألحقنا بهم على طاعة ترضيك يا رب العالمين! اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم اجعل هذه البلاد سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين إلى ما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة برحمتك يا أرحم الراحمين!


                جزاكم الله خير الجزاء
                كم هى محببة إلينا سيرالصالحين ولاسيما (الشيخين أبا بكر وعمر)
                رفعكم الله بهذا العمل الطيب فى الدارين

                أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

                تعليق


                • #9
                  رد: عمر بن الخطاب_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(3) للشيخ محمد حسان

                  المشاركة الأصلية بواسطة جارة فاطمة مشاهدة المشاركة
                  اللهم اجز عنا عمر بن الخطاب خير ما جازيت مصلحاً أو صالحاً، اللهم اجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم اغفر لنا وله، واجمعنا به في دار كرامتك يا أرحم الراحمين، اللهم متعنا برؤياهم مع إمامهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم، اللهم ألحقنا بهم على طاعة ترضيك يا رب العالمين! اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم اجعل هذه البلاد سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين إلى ما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة برحمتك يا أرحم الراحمين!


                  جزاكم الله خير الجزاء
                  كم هى محببة إلينا سيرالصالحين ولاسيما (الشيخين أبا بكر وعمر)
                  رفعكم الله بهذا العمل الطيب فى الدارين
                  جزاكم الله خيرا

                  تعليق


                  • #10
                    رد: أبو بكر الصديق_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(2)للشيخ محمد حسان

                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                    جزاكم الله خير ونفع بكم
                    بارك الله بجهودكم

                    تعليق


                    • #11
                      رد: مع أعظم داعية_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(1) للشيخ محمد حسان

                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                      جزاكم الله خير ونفع بكم
                      بارك الله بجهودكم

                      تعليق


                      • #12
                        رد: عمر بن الخطاب_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(3) للشيخ محمد حسان

                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                        جزاكم الله خير ونفع بكم
                        بارك الله بجهودكم

                        تعليق


                        • #13
                          رد: علي بن أبي طالب_سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى(5) للشيخ محمد حسان

                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                          جزاكم الله خير ونفع بكم
                          بارك الله بجهودكم

                          تعليق

                          يعمل...
                          X