إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تربية البنات فى البيت المسلم هام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تربية البنات فى البيت المسلم هام

    بسم اللـه الرحمن الرحيم


    المقـــــــدمـــة :



    إن الحمد للـه ، والصلاة والسلام على رسول اللـه ، وبعد ..

    فقـد صــحا كثير من المسلمين من غفلتهم التي خلفتهم عن ركب الحضارة ، وجعلت الهوة بينهم وبين الإسلام واسـعة وعميـقة ، وبحثت الصحوة الإسلامية عن أفضل السـبل التي تعيـد المسلمين إلى الإسلام ، فلم تجـد أفضل من طريق رسول اللـه ، الذي سـلكه في مكة المكرمة والمدينة المنورة من أجل إقامة المجتمع المسلم ؛ وهـو التربية ، فقد ربـى رسول اللـه أصحابه على الإسلام حتى جعل منهم أفراداً مسلمين ، ثم بنى منهم المجتمع المسلم . لذلك رأت الصحوة أن إعداد الفرد المسلم ، ثم الأسرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم ، هو الطريق المسلم لإعادة بناء الأمة المسلمة .

    وتزايد عدد الشباب المسلم ، ذكوراً وإناثًا ، الشباب الذين ينتخبون المشروع الإسلامي ، في كثير من بلدان العالم الإسلامي ، حتى حصلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات التشريعية في الجزائر عام (1992م) على أكثر من (80%) من الأصوات ، وعلق صحفي عربي مهاجر (غير مسلم) فقال : لو أجريت انتخابات نزيهة في أي بلد عربي لحصل التيار الإسلامي على مثل هذه النسبة . وهكذا توفرت القاعدة الأفقيـة التي تنتخب المشروع المسلم ، لكن أين القاعدة الصلبة ( الرأسية ) التي يقام عليها المجتمع المسلم ، أين الأفراد الأفذاذ الذين يحملون المجتمع المسلم كما تحمل ركائز الإسمنت والحديد العمارة فوقها ؟ هذه القاعدة الصلبة التي رباها رسول اللـه في مكـة والمدينة ثم أقام عليها المجتمع المسلم !؟

    هذه القاعدة الصلبة تتكون من الرجال والنساء ، ألم تكن سـمية ا أول شهيدة في الإسلام ؟ وأسماء ا أول فدائية ، وخديجة ا التي ثبتت رسول اللـه ودعمته بمالها ، والقاعدة المسلمة في دار الأرقم ، والتي هـاجرت إلى الحبشة مرتين ، والتي وقفت مع رسول اللـه في حصار الشعب ، ثم هاجرت إلى المدينة المنورة ، هذه القاعدة الصلبة كانت من الرجـال والنسـاء . رجال يقف أحدهم يوم أحد فيترس بجسمه دون رسول اللـه يصـد عنه النبل ، ويتلقاه بجسمه ليحمي جسم رسول اللـه ، ونساء مثل أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية التي ثبتت مع نفر قليل من الرجال يوم أحد ؛ تدافع عن رسول اللـه حتى خلصت إليها الجراح رضي اللـه عنها .

    هذه القاعدة الصلبة المكونة من أفراد أفذاذ ، نريد منهم اليوم أن يقيموا المؤسسات المسلمة ، والمؤسسات مرحلة ضرورية في بناء المجتمع ، ولابد من إقامة المجتمع المسلم قبل الدولة المسلمة . والمهمة العاجلة للصحوة المسلمة اليوم إعداد هؤلاء الأفراد الأفذاذ الذين يقيمون هذه المؤسسات الاجتماعية المسلمة .

    فالمجتمع المسلم هو مجموعة من الأسـر المسـلمة تربطها عقيدة الإسلام ، وتقيم هـذه الأســر مؤسسات اجتماعـية ، إذ لا يقـوم مجتمـع بـدون أســر ، كما لايقوم مجتمع بدون مؤسسات ، ولا تقوم الأسر والمؤسسات بدون أفراد ، وإذا كان الفرد المسلم العادي يقيم أسرة مسلمة ، فإن المؤسسة المسلمة تحتاج فـرداً مسلماً فـذاً .

    وقـد فشلت التربيـة المعـاصرة عـالمياً كما يشهد لذلك إدجــار فور في كـتابه ( تعلم لتكون ) ، ويقول ( يجب أن نجعل التعليم عملية موزعة في الزمان والمكان ، ويجب أن لا تنحصر التربية داخل جدران المدرسة ) (ص 248) وهذا يعني أن نعيد للبيت مكانته التربوية ، والبيت هو المؤسسة التربوية الأولى ، ودوره أكبر مـن دور المدرسـة ، وتزداد أهميـة البيت كلما زاد فشل المدرسة والمجتمع في التربية ، والأم هي الركن الأساس في البيت ، لأن البيت مقـر عملها ، ولأن الطفل قطعة منها ، لذلك كله ينبغي الاهتمام بتربية البنات ، كي نقدم أمـاً مسلمة فــذة ، تكون ركناً أساساً في أسـرة مسـلمة فـذة ، تـقدم لنا أفراداً أفذاذًا يبنـون المؤسسات الاجتماعية كي يقوم عليها المجتمع المسلم . لذلك رأيت أن أقدم هذه المعالم في تربية البنات لعلها تساعد البيت المسلم على إعداد بناتـه إعـداداً إسـلامياً ، كما تتطلب هذه المرحلة ، وأسأل اللـه أن يتقبل مني هذا الجهد ، وأن يجعله خالصاً لوجهه عزوجل . والحمد للـه رب العالمين .



  • #2
    رد: تربية البنات فى البيت المسلم هام

    لذلك رأيت أن أقدم هذه المعالم في تربية البنات لعلها تساعد البيت المسلم على إعداد بناتـه إعـداداً إسـلامياً
    موضوع هام جدا جزاكِ الله خيرا اختنا الفاضله.

    تعليق


    • #3
      رد: تربية البنات فى البيت المسلم هام

      الفصل الأول


      التربيــة في المجتــمع المســلم



      قـال تعـالى في كتابه العزيز :{كنتم خير أمـة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللـه ..} (آل عمران : 110) فأين واقع المسلمين اليـوم مما أمـرهم اللـه بـه ، لا شـك أن المسافـة بعيـدة جـداً بين حـال المسلمين اليوم وبين ما أراده اللـه عزوجل منهم ، بل إن حالهم اليوم يتضح في حديث رسول اللـه r الذي أخرجه أبو داود عن ثوبان t قال : قال رسول اللـه r : [ يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ] ، فقال قـائل : ومن قلـة نحن يومئـذ ؟ قـال : [ بـل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن اللـه من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن اللـه في قلوبكم الوهن ] . فقـال قـائل : وما الوهن يارسول اللـه ؟ قال : [ حـب الـدنيـا وكراهية الموت ] (سنن أبي داود ، ص484) .

      ومن أجل تغيير حال المسلمين من الوهن ( حب الدنيا وكراهية الموت ) إلى أن يعودوا { خير أمة أخرجت للناس } لا بـد من تربية أطفال المسلمين على الإسلام ، والتربية : تنشئة الأطفال وإعدادهم للدنيا والآخرة ، ورعاية نموهم رعاية شاملة لجميع جوانب النمو الجسدي والنفسي والعقلي والاجتماعي والخلقي والروحـي ([1]) .

      وإذا كان الانحراف عن الإسلام سـببه البعد عـن منهج التربية الإسلامية([2])فإن تصحيح الانحراف لن يكون إلا بالتربية الإسلامية لأن اللـه عزوجل قال{ إن اللـه لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسـهم}(الرعد:11) .

      وأهم مراحل التربية هي مرحلة الطفولة ، وتزداد أهميتها كلما كان الأطفال أصغر سـناً لأنهم أقرب إلى الفطرة { فطـرة اللـه التي فطـر النـاس عليها لا تبديـل لخلق اللـه } (الروم : 30) وهذه الفطرة هي الإسلام ، وكلما تأخرت التربية في رعاية نـموهم زاد العبء الملقى على عاتق المربين ، إذ يجب عندئذ هـدم الركام الجاهلي الذي غطـى الفطرة ثم تنميته كما أراد خالقها فاطر السماوات والأرض .

      التربيــة وســيلة التغييـر الأسـاسـية :

      عندما تقتنع جماعة من المسلمين المعاصرين بفريضة العودة إلى كتاب اللـه وسنة رسوله r ، وترسخ هذه القناعة في ضمائرهم ، فإن هذه الجماعة تربي أفرادها على الإسلام وتجعل منهم دعاة لـه يوقظون المسلمين من غفوتهم ويذكرونهم بكتاب اللـه وسنة رسوله r ، وكلما استجاب نفر من المسلمين وجـب تربيتهم وتكوينهم على الإسلام . والتربية المقصودة هنا هي إعادة تربية لأنها تهدم مابني من أفكار ومشاعر وتصورات جاهلية وتزيل ذلك الركام والران الذي غطى الفطرة السليمة ، ثم تنمي تلك الفطرة السليمة ومن أمثلة ذلك جيل الصحابة رضوان اللـه عنهم أجمعين . لقد بدأ الإسلام بتصحيح العقيدة أولاً ، فنزع من شعورهم مفهوم الأرباب لينمي فيها الإيمان بالإله الواحد ، وحين تتغير العقيدة يتغير السلوك ([3]). تلك التربية كانت على يد رسول اللـه r ، ولا أتوقع اليوم أن نعيد تربية مجتمع بكامله ، شـب ونشـأ على الانحراف وتأصل فيه الفسـاد ، والأفضل من ذلك اليوم أن يـوجه الدعاة جهودهم إلى تربية الأطفال على الإسلام ، ويمكن ترتيب أولويات التربية الإسلامية على النحو التالي :

      1- التربيـة المستمرة للدعاة أنفسـهم ، وحملها على الالتزام بكتاب اللـه وسنة رسوله r ليكونوا خير قدوة لغيرهم .

      2- التربية الإسلامية لأطفال الدعاة المسلمين ، حيث توفر البيت المسلم وهو المحضن الصحيح لإعداد الأفراد المسلمين الأفذاذ - اللبنات القوية في القاعدة الصلبة - وهؤلاء الأطفال هم المقصودون أولاً بهذا البحث .

      3- التربية الإسلامية لأطفال المسلمين بواسطة المؤسسات التربوية كالمسجد والمدرسة ووسائل الإعلام والمجتمع ، لأن الأطفال أينما كانوا على الفطرة ، كما أخرج الشيخان عن أبي هريرة t أن رسول اللـه r قال : [ ما من مولود إلاويولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه و ينصرانه و يمجسانه ..] (اللؤلؤ والمرجان ، 1702) .

      4- إعادة التربيـة للكبار الذين قرروا الالتزام بالإسلام كما سبق بيانه .



      التربيــة تغيـر الأنفــس :

      التربية وسيلة التغيير الأساسية لأنها تغير الأنفس ، فهي في تربية الأطفال تنمي عندهم فطرة اللـه التي فطرهم عليها ، فتبقى أحوالهم متفقـة مع فطرة اللـه عزوجل ، وفي إعادة التربية تهدم الركام وتنظف مكانه ثم تبني قيماً جديدة مكانه،وهكذا تغير الأنفس. قال تعالى { إن اللـه لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } (الرعد : 11) ، وفي هذه الآية تغييران : الأول تغيير ما بالأنفس ، والثاني تغيير ما بالقوم ، وشاءت حكمة اللـه عزوجل أن يجعل التغيير الأول سبباً للتغيير الثاني ، فجعل التغيير الثاني لاحقاً للتغيير الأول وبينهما علاقـة سـببيـة فالأول سـبب الثاني ، والثاني نتيجة للأول، وشـاء اللـه عزوجل أن يجعل التغيير الأول يقوم به الناس ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ، والضمير في الفعل يعود على القـوم ، أما التغيير الثاني فيأتي بـه اللـه عزوجل ([4]) . لذلك يتضح أهمية التغيير الأول ، ويتضح أهمية التربية في تغيير المجتمع .

      هناك وسائل أخرى للتغيير الاجتماعي ، كالانقلاب العسكري ، أو الثورة الشعبية ، أو التحولات الطبيعية ، لكن كل هذه التغييرات لا تمـس سـوى ظاهر المجتمع ، أما الأنفـس فلا تتغير إلا بـالتربيـة ، ومع أن طريق التربية طويل جداً وشـاق وذو تكاليف ؛ لكنه الطريق الوحيد (محمد قطب 2/11) . ويتطلب عمل أجيال متواصلة يكمل الجيل اللاحق ما قام بـه الجيل السابق ، حتى يأذن اللـه عزوجل ويغير ما بالقـوم ، ونعـود إلى الحيـاة المـسلمـة { كتب اللـه لأغلبن أنا ورسلي إن اللـه قوي عزيز } (المجادلة : 21) .

      والتربية تبني المجتمع المسلم ، أوتعيدبناءه ، ثم تحافظ على استمرار هذا المجتمع، فالتربيـة - كما يقول ادجار فور - تؤدي وظيفتين يبدو لأول وهلـة أنهما متعارضتان وهما : التغيـير والمحافظـة (ص106) ، وقد غير رسول للـه r المجتمع العربي في مكة والمدينة ، وبنى المجتمع المسلم ، ثم حافظ صحابة رسول اللـه r والتابعون على هذا المجتمع المسلم ، عندماربـوا أولادهم على الإسلام.

      أبعـــاد التـربيـــة المطـلـوبـــــة :

      يقول الشيخ محمد قطب في كتابه (واقعنا المعاصر) : ( إنه لابد من ارتياد الطريق الطويل ، طريق التربية ، لإنشـاء القاعدة المسلمة التي تسند الحكم الإسلامي حين يقوم ، وتظل تسنده لكي يستمر في الوجود بعد أن يقوم ) (ص 474) ، ويتابع الشيخ محمد قطب ( ..وأفضل لون من التربية قام في الساحة (المعاصرة) حتى اليوم ، هو الذي قام به الإمام الشهيد بين الإخوان العاملين الذين رباهم على عينه ، وأفضل جوانب هذه التربية هو الأخوة المتينة ، والروح الفدائية الصادقة ، والجندية الملتزمة ، ثم تحرير لاإله إلا اللـه في حسـهم من التواكل إلى سـلوك وحركة واقعية وعمـل ، ومع ذلك نجدأن رسـول اللـه r ربـى أصحابـه ليكونواجنوداً فائقين تحت قيادته ، وصفًا ثانياً (قادة ) بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ، وهذا لم نجده عند الإخوان العاملين الذين رباهم الإمام الشهيد ([5]).

      ثم يبين الشيخ محمد قطب أبعاد التربية الإسلامية المعاصرة المطلوبة فيكتفي بثلاثة أبعاد يرى أنها ذت أهمية خاصة وهي :

      1- قال تعالى { إن اللـه هو الرزاق ذو القوة المتين } (الذاريات : 58) ، والمطلوب ترسيخ هذا المبدأ في نفوس القاعدة المسلمة إلى درجة اليقين ، الذي لايتغير عند الشـدة ، فالعقيدة لاتغير شيئاً في واقع الناس حتى ترسـخ وترسـخ وترسـخ ، حتى تصبح يقيناً قلبياً (ص488) .

      2- { إنمـا المؤمنـون إخــوة } (الحجرات : 10) وتـختبر الأخوة في الشـدة أو في الطمع ، الذي يتميز فيه الإيثار والحب للآخرين من الأثرة وحب الذات (ص490) .

      3- النظام من ضرورات الحياة البشرية ، وهو من التحديات الحضارية التي تواجه الأمة المسلمة المعاصرة ، فقد أنشأ الإسلام منهم أمـة شديدة التنظيم ـ والإسلام كله نظام ودقـة ، فالصلاة مواقيت ، والصوم مواقيت ، والحج مواقيت ، والزكاة مواقيت وقد جعل الرسول r الأمـة المسلمة أمـة منظمة تنظيماً دقيقاً (ص 494) .

      والتربية المطلوبة لإقامة القاعدة المسلمة تهدف إلى إخراج نماذج فـذة ، لا إلى مجرد مسلمين عاديين ، نماذج تكون كالأعمدة الراسية في البناء ، لتحمل ثقل البناء فيما بـعد وتحتاج هذه القاعدة إلى :

      1- عقيدة صافية كعقيدة السلف الأول .

      2- إدراك واع لمقتضيات هذه العقيدة التي شملت جوانب الحياة كلها .

      3- ترجمـة هذه العقيدة في سـلوك عملي واقعـي .

      4- ترسيخ معاني الألوهية حتى تصبح يقيناً قلبياً نبني عليه سلوكاً واقعياً .

      5- ترسيخ أخلاقيات لاإله إلا اللـه ، حتى تصبح سلوكاً ينبثق عن النفس ، يشمل سلوك الإنسان كله .

      6- الوعي السياسي بأحوال العالم المعاصرة ، وأحوال المسلمين في ظروفهم الراهنة ، ومكايد الأعداء ضـد الإسلام .

      7- الوعي الحركي الذي لايتعجل الخطى قبل أوانها ، ولايدع الفرص تفوت دون أن يستفيد منها .

      8- توازن النزعة الفردية مع النزعة الجماعية ، فلايكون المسلم إمـعة،ولاأنانياً.

      9- وعي فقهي يعرف بـه الفرد ماذا يأتي وماذا يـدع ، ومتى يسـمع ويطيع ، ومتى يفضي بـه السمع إلى الهلاك (ص524) .

      دور الـبيـت في التـربيــــة
      إذا كان البيت والشارع والمدرســـة والمجتمع هي ركائز التربية الأساسية فإن البيت هو المؤثر الأول وهو أقوى هذه الركائز جميعاً لأنه يتسلم الطفل من أول مراحله ، ولأن الزمن الذي يقضيه الطفل في البيت أكبر من أي زمن آخر ، ولأن الوالدين أكثر الناس تأثيراً في الطفل (محمد قطب 1/93) .

      وتتضح أهمية دور البيت عندما نتذكر أن الطفل يولد على الفطرة، ويتسلمه البيت على الفطرة ، فإما أن يرسخ فيه هذه الفطرة ، أو يحرفـه عنهـا، فقد أخرج الشيخان رحمهما اللـه تعالى عن أبي هريرة t أن رسول اللـه r قال [ مامن مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسـانه ] ([6]). فقد وضع اللـه عزوجل فطرته في هذا الطفل ، وجعل والديه أمناء على هذا المولود ، كي ينشأ سليماً كما فطره اللـه ، ولذلك اعتنى الإسلام بالأسرة لتكون المحضن الهادئ والمستقر للطفل ، ويتضح ذلك من التشريعات المتعلقة بالأسرة ومنها كفالة الزوج لزوجته كي تتفرغ لمهمتها العظمى في تنشئة الأجيال .

      وتتجلى أهمية البيت في التربية عندما نعلم أن الطفولة الإنسانية أطول من أي طفولة في الكائنات الحية الأخرى ، كما تتميز الطفولة الإنسانية بالمرونة والصفاء والفطرية ، وتمتد زمناً طويلاً يستطيع المربي خلال هذه الفترة الطويلة أن يغرس في نفـس الطفل مايـريـد ، وأن يوجهه حسبما يرسـم لـه من خطـة ، ويستطيع كذلك أن يتعرف إلى إمكانياته فيوجهه حسبما ينفعـه (محمد نورسويد ،ص79) .

      وما يتربى عليه الطفل يثبت فيه فهذا (رينيه دوبو ) يقول : لقد شعرت بارتياح كامل منذ البداية في كل مكان عملت فيه في الولايات المتحدة ، ولاأظن مكاناً آخر في العالم كان سيمنحني الصحة والنجاح والسعادة التي وجدتها هنا ، ومع ذلك وبعد أكثر من أربعين سنة من الحياة في أمريكا ، لايزال عندي تحفظ ذهني عندما أقول : أنا أميركي ، لأنني لم أتجاوز ولا أريد أن أتخلص من تقاليدي التي اكتسبتها في قريتي الصغيرة الفرنسية حيث مضيت سني تكويني ، والتي تركت طابعاً لايمحى في وجودي العضوي والفكري (ص28) .

      ثم يتحدث (دوبو ) في كتابه (إنسانية الإنسان ) فيقول : ( ولقد أوليت تأكيداً خاصاً للتأثيرات المبكرة قبل وبعد الولادة لأن نتائجها من العمق والديمومة بحيث لها عواقب كثيرة على الحياة الإنسانية ) (ص30) .

      ثم يقول دوبو : ( والنظرية الثانية تقول إن تجارب الحياة في الفترة المبكرة من العمر هي التي تشكل الخواص العضوية والفكرية للطفل ، بأسلوب لامجال تقريباً لتغييره بعد ذلك ) ، ( وكثير من نتائج التأثيرات الباكرة ـ إن لم نقل كلها ـ هي حقاً دائمة وكأنها في الظاهر لاتزول أبداً ) ، ( ولايصل الأولاد إلى سـن الثالثة أو الرابعة من عمرهم إلا وتكون نماذج سـلوكهم قد تبلورت نهائيـاً من أثر العوامل الثقافيـة والبيئية) (ص114) . وما يحدث للطفل في فترة الطفولة المبكرة يرسم الملامح الأساسية لشخصيته المقبلة ، حيث يصبح من الصعوبة إزاحة بعض هذه الملامح مستقبلاً سواء كانت سوية أو غير سوية ، وتشير الدراسات إلى أن إزاحة الملامح غير السوية أكثر صعوبة من السوية ، وتقول ( مارغريت ماهلر ) : إن السنوات الثلاث الأولى من حياة كل إنسان تعتبر ميلاداً آخر ، واتفق فرويد وإدلر ويونغ وألبورت ( مدرسة التحليل النفسي ) على أن السنوات الأولى هي مرحلة الصياغة الأساسية التي تشكل شخصية الطفل (عبد اللـه محمد خوج ،ص12). ويرى (سكنر) أن أكثر الأمراض الخلقية كالأنانية والفوضى وفقدان الثقـة بالذات وعدم الشعور بالمسؤولية والريـاء والنفـاق تنشـأ جرثومتها الأولى في البيت ، ويصعب على المدرسة والمجتمع استئصالها (رشدي حنين ص245) .

      ويأمل الباحث أن إعداد الفرد المسلم يتم اليوم في بيت مسلم ، يتلقف المولود فيحافظ على فطرته التي فطره اللـه عليها ، فيشب الطفل على الإسلام ولايذوق مرارة الانحراف عن الفطرة ، وفي ذلك توفير للجهد والزمن ، كما تربى أبناء صحابة رسول اللـه r ، وعلى ضوء ذلك يأمل الباحث من البيوت المسلمة المعاصرة أن تقوم بدورها في إعداد هؤلاء الأفراد الأفذاذ الذين يبنون المؤسسات الاجتماعية المسلمة ، فيقوم عندئذ المجتمع المسلم ، وليس ذلك على اللـه ببعيد .

      دور الأم فـي الـتـربـيــــــة :

      يسبق دور الأم دور الأب في التربية لأنها أكثر التصاقاً بالطفل ، ولأن الطفل قطعة منها ، ولأن عاطفتها أقوى من عاطفته نحو الطفل ، لذا فهي أقرب إلى قلوب الأطفال ، ومن هنا جاءت أهمية اختيار الزوجة ذات الدين ، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة t أن رسول اللـه r قال: [تنكح المرأة لأربع لمـالها ولحسـبها وجمـالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك](اللؤلؤوالمرجان 1/342) ، وكما قال الشاعر :

      الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
      وقد زود اللـه الأم بدافع الأمومة ولم يزود بـه الرجل ، وهذا الدافع العضوي أقوى الدوافع العضوية جميعاً ، وقد أجرى علماء النفس تجارب على الفئران وصلوا من خلالها إلى أن الدوافع العضوية لدى الأم ترتب على النحو التالي :

      الأمومـة ثم العطــش ثم الجــوع ثم الجنــس ، لذلك تهيأ الأم لرعاية الطفل والتضحية من أجله براحتها ونومها وهي راضية ، وهذا الدافع يمكن الأم من السهر على راحـة الطفل ، وخاصة في السنتين الأوليتين من العمر ، حيث يكون دور الأب مازال ضعيفاً جداً ، ولهاتين السنتين أثر كبير في شخصية الفرد ، مازال علم لنفس قاصرًا عن إدراك حيثيـاتـه ، ومن هذه الأمور أن الرضيع يتعرف على أمـه من رائحتها ، ثم يتعرف على صوتها ، كما أن لغة الأم هي أول لغة يقلدها الطفل ، وتكون معظم انفعالاته في السنة الأولى مرتبطة ومركزة في الأم ، أو من يحل محلها ، وإذا عرفنا أن الرضيع يبدأ منذ الشهر السادس في تكوين علاقات اجتماعية بالمحيطين بـه ، يتضح لنا أهمية دور الأم في تربية الأطفال ، وتقول (مارغريت ريبل) : هناك حاجة فطرية للالتصاق بالأم ، والتي تتيح لرضيعها هذه الفرصة تعينه على النمو السليم (حامد زهران 147).

      ووجدت الباحثة سامية حمام أن أثر غياب الأم أكبر بكثير من أثر غياب الأب على الأطفال ، لأن الأم الحصيفة يمكن أن تملأ بعض الفراغ الذي يتركه الأب .

      وعلى ضوء أهمية دور الأم في التربية نلمح تميز الشريعة الإسلامية التي جمعت الأسباب الكافية لتجعل الأم في مكانها الصحيح الذي خلقها اللـه من أجله ، فتعبد اللـه عزوجل فيه وهو البيت ومن هذه الأسباب :

      1- قال تعالى مخاطباً النساء { وقـرن في بيوتكـن } (الأحزاب 33) وجعل صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد .

      2- كلف الرجل (الزوج أو الأب أو الابن أو الأخ ..) بإعالتها ليمكنها من الاستقرار في البيت والتفرغ لمهمتها الأصلية . ويتضح لنا مدى إصرار اليهودية العالمية وعملائها على إفساد المرأة لأن إفسادها تخريب للأسرة وانهيار المجتمعات والأمم ، كما يوشك أن يقع في العالم جميعاً . كما لاحظت في بعض البلدان التي رزحت تحت نير الاســتعمار مدة طويلـة أنهم ركزوا على إفساد المؤرأة أكثر من إفساد الرجل ، إدراكاً منهم لأهمية دور المرأة في المجتمع . كما أن خروج المرأة من البيت للعمل خارجه لم يكن صدفة ، إنما جاءت نتيجة للمخططات الرأسمالية التي تديرها اليهودية بهدف تحطيم الأسرة .

      لكن قد يســأل أحدهم : ألا تسـد الحضانة أو المربية أو الخادمة مكان الأم !؟ التي يجب أن تخرج للعمل خارج البيت !!؟ والجواب على ذلك من البدهيات ، حيث أن العـلاقــة بين الأم وطفلها علاقة عضوية بكل معنى الكلمة ، لأنه قطعـة منها ، ولأن دافع الأمومة العضوي يدفعها للحنان عليه ورعايته ، ولأن الأم تعتني بطفلها بدافع الحب وليس بدافع الواجب ، كما تفعل المربيـة أو الخادمة وشتان بين الحب والواجب ، فبينما تـجد الأم لذة وسعادة في تنظيف طفلها لأنها أصلحت حاله ، تشعر المربية أو الخدمة بالتعب والملل وقد تشعر بالقرف عندما تقوم بواجبها، والرضيع هذا الصغير يحـس منها ذلك القرف والملل ، كما يحـس بالرضـا والحب والحنان يشـع من وجه أمـه وهي تنظفه أو ترضعه ، ويقول (الكسيس كارل ) : لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبدال المدرسة بالأسرة استبدالاً تامـاً، ولهذا تترك الأمهات أطفالهن لدور الحضانـة ) ـ ليلى العطار ص 62ـ

      دور الأب في التـربــيـــــة :

      يتوهم بعض الآباء أن مسؤولية تربية الطفل تقع على الأم فقط ، ولايطلب منه سـوى تأمين الحاجات المادية لأطفاله وزوجته ، فتجده يقضي معظم وقته خارج المنزل في العمل ، أو مع الأصدقاء ، حتى إذا عاد إلى منزله جلس وحده في غرفتـه محذراً زوجتـه من أن تسمح للأطفال تعكير صفو تأملاته و أحلامه وهو نائم .

      وفي الواقع فإن للأب دوراً في تربية الطفل يبدأ بسيطاً منذ الشهر الثاني أو الثالث ، ويزداد مع نمو الطفل ، حتى يصبح كبيراً عندما تشغل الأم بمولود جديد ، ويجب عندها ربط الطفل المفطوم بوالده كإجراء لتقليل الغيرة عنده من المولود الجديد الذي سيصادر أمـه منـه .

      يبدأ الطفل بالتعرف على صوت أبيـه منذ الشهر الثالث ، وفي السنة الثانية ينبغي على الأب أن يلعب مع طفله الرضيع ، الذي صار يمشي ، يلعب معه بلعبه ، وبأسلوبه الذي يسـره ويرضيه ، ولنا في رسول اللـه r أسـوة حسـنة ، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي قتادة t أن رسول اللـه r كان يصلي حاملاً أمامــة بنت زينب بنت رسول اللـه r وهي لأبي العاص بن الربيع ، فإذا قام حملها ، وإذا سجد وضعها، وكان ذلك في صلاة الفريضة . وفي البخاري من حديث أبي هريرة t قال : قبل رسول اللـه r الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ماقبلت أحداً منهم ، فنظر إليه رسول اللـهr ثم قال [ من لايَرحم لايُرحم ] ـ فتح الباري 10/426ـ وكان النبي r يمازح الحسن والحسين tما ويداعبهما ويجلس معهما ، وكان يحملهما على ظهره ، وكان يخرج لسانه للحسين فإذا رآه أخذ يضحك ، كما كان r يضع في فمـه قليلاً من الماء ويرضـه على وجـه الحسـن فيضحك أيضاً ، وروي أن عمر بن الخطاب t كان يمشي على يـديـه ورجليـه وأولاده على ظهره يلعبون وهو يسير بهم كالحصان ، فيدخل الناس ويرون خليفتهم بهذا الوضـع ، فيقولون : أتفعـل ذلك يأمير المؤمنين ؟ فيقول : نعـم وكان يقول : ينبغي للرجل أن يكون في أهلـه كالصبي ـ أي في الأنـس والسهولة ـ هكذا يكون معهم في البيت ، فإذا كان في القوم كان رجلاً ـ (أحمد القطان ص24ـ )

      وعندما يصبح الطفل في الرابعة يحسـن بالأب أن يصحبـه معـه خارج المنزل إلى المسجد أوالسـوق ، أو بعض الأقارب والأصحاب ، وفي مصاحبة الطفل لأبيـه تفتح اجتماعي سليم عند الطفل ، وتشرب للقيم التي يلمسها عند ولده ، وقد وجدت الباحثة سامية حمام بعض الصفات المشتركة عند الأطفال الذين يغيب أحد الوالدين عن تربيتهم سواء كان بسبب الموت أو الطلاق ، أو السفر والانشغال بالمال عن الأطفال ومن هذه الصفات :

      1ـ الغيرة التي تبدأ من الأطفال الذين يتنعمون بوالديهم ، ثم تتطور إلى الكـره والحقـد والحسـد .

      2 ــ الشــعور بعـدم الانتمـاء ، وخاصة عند افتراق الوالدين ، لأن الطفل يوزع ولاءه بين والديه المنفصلين ، فيتمزق ويفقد الانتمـاء .



      ([1]) عبد الرحمن نحلاوي ، التربية الإسلامية ، ص 12 .
      ([2]) محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية ، 1/10 .
      ([3]) محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية 2/32 .
      ([4]) جودت سـعيد ، حتى يغيروا ما بأنفسهم ، ص 39-51 بتصرف كبير .
      ([5]) ربما تدارك الإمام الـشهيد ذلك لوامتد بـه العمر-والمعروف أنه استشهد في التاسعة والأربعين من عمره يرحمه اللـه.


      ([6]) صحيح البخاري ، كتاب الجنائز ، باب إذا أسلم الصبي فمات، وصحيح مسلم،باب القدر رقم (2658).

      تعليق


      • #4
        رد: تربية البنات فى البيت المسلم هام

        المشاركة الأصلية بواسطة الدرة العصماء مشاهدة المشاركة
        موضوع هام جدا جزاكِ الله خيرا اختنا الفاضله.
        وجزاكِ مثله
        اسعدنى مرورك جداا

        تعليق


        • #5
          رد: تربية البنات فى البيت المسلم هام


          بارك الله فيك على الطرح الطيب

          و نفع الله بك


          تعليق

          يعمل...
          X