إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الخوف والرجاء ... للشيخ محمد إسماعيل المقدم // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [منقول] الخوف والرجاء ... للشيخ محمد إسماعيل المقدم // مفهرس

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران:102] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلاله، وكل ضلالة في النار.

    ((((أرجى أحاديث هذه الأمة ومعناه))))

    عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[إبراهيم:36]، وقال عيسى عليه السلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] فرفع يديه فقال: (اللهم! أمتي أمتي) وبكى، فقال الله تعالى: يا جبريل! اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فاسأله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فقال الله لجبريل: اذهب إلى محمد فقل: إنا سنزضيك في أمتك ولا نسوءك) رواه الشيخان البخاري و مسلم و النسائي. هذا الحديث يقول فيه الإمام النووي رحمه الله تعالى: هذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة.

    يعني: هذا أعظم الأحاديث النبوية في رجاء الله عز وجل وتجاوزه ورحمته لهذه الأمة المرحومة، الحديث يرويه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل حاكياً عن إبراهيم عليه السلام:
    (رَبِّ إِنَّهُنَّ) أي: الأصنام.
    (
    أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ) أي: صرن سبب ضلال كثير من الناس.
    (
    فَمَنْ تَبِعَنِي) أي: على التوحيد والإخلاص والتوكل.
    (
    فَإِنَّهُ مِنِّي) أي: من أتباعي وأشياعي.
    وتمامها: (
    وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي: تغفر ما دون الشرك لمن تشاء، وترحم بالتفضل على من تشاء، أو تغفر للعاصي المشرك بأن توفقه للإنابة، وإلى الإيمان والتوحيد والطاعة في الدنيا، وترحمه بزيادة المثوبة في العقبى.

    استشهد صلى الله عليه وسلم أولاً بقول إبراهيم عليه السلام: (
    رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وقال عيسى عليه السلام، أي: تلا صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل حاكياً عن عيسى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) أي: لا يغلبك شيء فإنك القوي القادر، فتحكم بما تشاء، لأنك الحاكم الذي لا معقب لحكمك، أو الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها، ويتقن الأفعال ويحكمها، بعدما تلا صلى الله عليه وسلم هذين القولين عن إبراهيم وعن عيسى عليهما السلام، رفع صلى الله عليه وسلم حينئذ يديه الشريفتين فقال: (اللهم! أمتي أمتي) أي: اللهم اغفر لأمتي، اللهم ارحم أمتي، وجه التكرار في قوله: (أمتي أمتي) أن أمتي الأولى يعني: اللهم اغفر لأمتي، والثانية: اللهم ارحم أمتي، أو أراد بقوله: (اللهم أمتي أمتي) التأكيد، أو أراد بقوله: (أمتي أمتي) أي: الأولون والآخرون من أمته صلى الله عليه وسلم.

    (وبكى صلى الله عليه وسلم) لأنه تذكر الشفاعة الصادرة عن الخليل (
    رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فهنا شفاعة من إبراهيم عليه السلام فيمن تبعه، وفيمن تاب الله عليه من المشركين أو العصاة، وتذكر أيضاً شفاعة روح الله عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فرق حينئذ لأمته صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى: (يا جبريل! اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فاسأله) قوله: (وربك أعلم) هذه جملة معترضة؛ لأن هناك معنى محذوراً يوهمه قوله: (فاسأله) فالله عز وجل يعلم كل شيء، وقد أحاط بكل شيء علماً، وإنما أراد بذلك بيان الحكمة وشدة رحمته بهذه الأمة، فلذلك قال: (يا جبريل! اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فاسأله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال) أي: أخبره بشيء قاله صلى الله عليه وسلم من سبب البكاء، وهو الخوف لأجل أمته، وشفقته على أمته، ورجاؤه أن ترحم أمته (فقال الله لجبريل: اذهب إلى محمد فقل: (إنا سنرضيك) يعني: إنا بعظمتنا سنرضيك وسنجعلك راضياً، قوله: (في أمتك) أي: في حق أمتك (ولا نسوءك) أي: ولا نحزنك في حق الجميع، بل ننجيهم ولأجل رضاك نرضيهم.

    صدق الله العظيم حيث يوصف نبيه بأنه رحمة مهداه بقوله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] صلى الله عليه وآله وسلم. وقول الإمام النووي : هذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أي: أن هذا من أرجى الأحاديث الواردة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه الإمام البخاري و مسلم و النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

    والإنسان يحتاج في بعض الدروس إلى تذكر وحشد آيات الرجاء، كما يحشد عن الابتلاء مثلاً آيات الصبر حتى يستعين بها على مواجهة الابتلاءات، كذلك هناك مواقف معينة لا بد من حشد نصوص الرجاء والتعلق بها، عسى أن يرحم الله عز وجل عباده، فمن المواضع التي ينبغي أن تسرد وتحشد فيها نصوص الرجاء عند الإنسان المحتضر، فإذا حضرت إنساناً يحتضر قد أيس من حياته وأشرف على الموت، فيستحب أن تغلب عليه جانب الرجاء؛ لأنه لم يبق للخوف فائدة في هذا المقام؛ لأن الخوف إنما المقصود به الحث على العمل، أما الرجاء فالمقصود به تهيئته لكي يقبل على ربه ويلقاه وهو يحسن الظن به، فالله عز وجل يقول: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء) ، فإذا احتضر العبد وهو يحسن الظن بربه لقي من الله عز وجل خيراً، وإن كانت الأخرى فالأخرى.





  • #2
    رد: الخوف والرجاء ... للشيخ محمد إسماعيل المقدم


    ((((معنى الرجاء وحقيقته))))

    وقبل أن نتكلم في خلاف العلماء في أرجى آية في القرآن الكريم، ننبه إلى معنى الرجاء.
    معنى الرجاء: يقول الله عز وجل:
    وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ[الأعراف:156] ، وقال عز وجل: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87] ، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف) فإن كان هذا الثواب العظيم وهذه المضاعفة للحسنات مع أن السيئة تكون بواحدة، وما يعفو الله عز وجل عنه أعظم، فويل لمن غلبت آحاده عشراته، ولا يهلك على الله إلا هالك، فلذلك يقول العلماء: إن من رحمة الله عز وجل أنه جعل تأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه، وبهذا يسد على العبد جميع المنافذ، فهو يحرم عليه القنوط من رحمته، ويجعل اليأس من رحمة الله قريناً للكفر، ويفتح له أبواب التوبة صباح مساء، ويغفر الذنوب، ويخبر بأن التوبة تجب ما قبلها، ويخبر بأن رحمته وسعت كل شيء، ثم بعد ذلك يحتم على العبد التوبة، فيقول العلماء: تأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه.

    تعليق


    • #3
      رد: الخوف والرجاء ... للشيخ محمد إسماعيل المقدم

      ((((المقصود بالرجاء وأسباب تحقيقه))))


      إن المقصود بالرجاء: هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده، ولكن هذا المحبوب لا بد له من سبب حتى يكون رجاء، فالإنسان عنده شيء يحبه ويرجو أن يحققه، فإن لم يأخذ بالأسباب التي توصله إلى تحقيقه، فهذا هو الغرور وهذا هو الحمق، كما قال الله عز وجل:
      وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد:14] فهذا هو الاغترار بالله عز وجل، لكن الرجاء لا يصدق عليه لفظ رجاء حتى يكون معه الأخذ بالسبب؛ لأن من رجا شيئاً استلزم رجاؤه ثلاثة أمور: أولاً: محبته لما يرجوه. ثانياً: السعي في تحصيله بحسب الإمكان. ثالثاً: خوفه من فواته. فالدنيا هي مزرعة الآخرة، والقلب كالأرض، والإيمان كالبذر في هذه الأرض، والطاعات جارية مجرى تقليب الأرض، فالإنسان إذا أراد أن يزرع فإنه يبحث عن الأرض الطيبة، ويلقي فيها بذراً جيداً غير عفن ولا مسوس، ثم يتعهد هذا البذر بما يحتاج إليه من سوق الماء إليه في أوقاته، وتنقية الأرض من الشوك والحشيش وكل ما يمنع نبات البذر أو يفسده، ثم يظل منتظراً فضل الله تعالى بأن يدفع الصواعق والآفات التي تتسبب في إفساد هذا الزرع، حتى يتم ذلك الزرع ويبلغ غايته، فهذا الانتظار بعد الأخذ بالأسباب يسمى رجاء.

      إذاً: بعد الأخذ بالأسباب تنتظر رحمة الله عز وجل ونفحاته، هذا هو الرجاء.

      أما الشخص الذي يبث البذر في أرض صلبة سبخة، مرتفعة لا ينصب إليها الماء، ولم يشتغل بتعهد البذر أصلاً، ثم انتظر الحصاد، فإن انتظاره هذا يعد حمقاً وغروراً لا رجاء، فمثلاً: يقول الله عز وجل: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا[الكهف:54] تجد الإنسان إذا كلمته في الدنيا وقلت له: هون عليك في طلب الدنيا فإنما يأتيك ما قدر لك، وتخبره بالنصوص التي فيها ضمان الرزق وكذا وكذا، يقول لك: كل شيء بسبب، ربنا خلق الأسباب وأمرنا بالأخذ بأسباب، ويطيل القول في ذلك، لكن إذا أمرته بمعروف أو نهيته عن منكر أو كلفته بشيء من الطاعات والواجبات فسرعان ما يتعلق بنصوص الرجاء، ويقول: ربنا غفور رحيم، ربنا رحمته وسعت كل شيء، ويتعلق بنصوص الرجاء وهو يفرط في أسباب التوبة، مع أن الرزق الذي يسعى خلفه هو مضمون ضمنه الله عز وجل له، فالرزق والأجل مضمونان، لو أن ابن آدم يهرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه أجله، لكن النجاة في الآخرة لا تأتي إلا بالسعي، قال الله عز وجل: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى [النجم:39-41] هذا في الدنيا؛ لأن هذا موافق لهواه وموافق لشهواته يسعى ويكد.

      إذاً: الرجاء الذي لا يكون معه الأخذ بأسباب النجاة فهذا هو عين الحمق، وهذا هو عين الغرور.

      والإنسان إذا بث البذور في أرض طيبة، لكن هذه الأرض لا ماء لها، وأخذ ينتظر مياه الأمطار في مكان لا يغلب فيه نزول الأمطار ولا يمتنع أيضاً، هذا يسمى تمنياً لشيء لا يقع في العادة.
      أما الرجاء فإنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه التي تدخل تحت اختيارك، بحيث لم يبق إلا ما ليس بداخل تحت اختيارك، ولهذا قال أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ[النمل:62] المضطر بعدما يعجز عن الأسباب التي في يده يدعو الله عز وجل وينتظر فضله؛ لأنه أخذ بما في يده لكن بقيت أسباب ليست تحت اختياره، فهذا محض فضل الله عز وجل لصرف القواطع والمفسدات لعمله.

      فالعبد الذي يجتهد في الطاعات ويجتنب المعاصي حقيق بأن ينتظر من فضل الله تمام النعمة، وما تمام النعمة إلا بدخول الجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (حينما سمع أحد الصحابة رضي الله عنه يقول: اللهم إني أسألك تمام النعمة، فقال: أتدري ما تمام النعمة؟ قال: لا، قال: تمام النعمة أن تدخل الجنة) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم، أما العاصي فإنه إذا تاب وتدارك جميع ما وقع منه من تقصير فهذا حقيق بأن يرجو قبول توبته إذا كان كارهاً للمعصية، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سرتك حسنتك، وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن) فمن يذم نفسه ويشتهي التوبة ويشتاق إليها فهذا حقيق بأن يوفقه الله للتوبة؛ لأن هذا الحرص على التوبة هو سبب من الأسباب الشرعية التي أمرنا بها.

      فالرجاء لا بد من ارتباطه بأسباب النجاة، وآية ذلك قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218] فما أطلق عليهم وصف الرجاء إلا بعد أن ربطه بالأخذ بهذه الأسباب (
      إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ) أما من ينهمك فيما يكرهه الله سبحانه وتعالى ولا يذم نفسه ولا يعزم على التوبة والرجوع، فرجاء المغفرة في حقه هو الحمق والغرور.

      يقول يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى: من أعظم علامات الاغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقع القرب إلى الله بغير طاعة، وانتظار زرع الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله عز وجل مع الإفراط.

      ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
      إن السفينة لا تجري على اليبس


      ويقول الحسن البصري في الكلمة المشهورة: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً خرجوا من الدنيا ولا حكمة لهم، قالوا: نحن نحسن الظن بالله وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.

      يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتناً تواباً نسياً إذا ذُكِّر ذَكَرَ)
      أي: أن المؤمن ليس بالمعصوم، ولا بد أن يقع منه شيء، لكن شأنه أنه إذا ذُكِّر ذكر وتاب واستغفر.

      تعليق


      • #4
        رد: الخوف والرجاء ... للشيخ محمد إسماعيل المقدم


        ((((الأقوال في أرجى آية في القرآن الكريم))))


        ما هي أرجى آية في القرآن؟ اختلف العلماء في ذلك اختلافاً كثيراً، فالمشهور أن أرجى آية في القرآن هي قول الله عز وجل:
        إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقال جماعة من العلماء: أرجى آية في القرآن قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[الزمر:53]، والذين ذهبوا إلى أن هذه الآية هي أرجى آية لعصاة المؤمنين استدلوا بما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن ناساً من المشركين قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزلت: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ)[الفرقان:68] إلى قوله: غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:70]، ونزل أيضاً:
        قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا[الزمر:53]) وروى الطبراني بإسناد ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه يدعوه إلى الإسلام، فقال: كيف تدعوني وأنت تزعم أن من قتل أو زنى أو أشرك يلق أثاماً، ويضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً، وأنا صنعت ذلك؟! فهل تجد لي من رخصة؟ فأنزل الله عز وجل: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ[الفرقان:70] إلى آخر الآية، فقال وحشي: هذا شرط شديد، (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) فلعلي لا أقدر على هذا، فأنزل الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فقال وحشي : هذا أرى بعده مشيئة، فما أدري أيغفر لي أم لا؟ فهل غير هذا؟ فأنزل الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53] قال وحشي : هذا نعم فأسلم) والحديث في إسناده ضعف.
        وفي قوله تعالى: (
        قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) مما يؤكد الرجاء ويقويه إضافة العباد إلى الله سبحانه وتعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ) وذلك جبراً لانكسارهم، وتسريعاً لهم للمبادرة بالتوبة.

        وروى الحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها، الأولى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40] والآية الثانية: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31] الثالثة: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء:48] الرابعة: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء:64]). وروى عبد الرزاق عنه أيضاً قال: (خمس آيات من النساء لهن أحب إلي من الدنيا جميعاً وذكر فيهن: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:110] بدل الآية وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ [النساء:64])، الخامسة: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ[النساء:110]. وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ثمان آيات نزلت في سورة النساء خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت فقال: أولهن: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء:26] والثانية: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27]، والثالثة: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:28]، ثم ذكر مثل قول ابن مسعود في الآيات الخمس سواء بسواء). وقال علي رضي الله تعالى عنه: (أرجى آية في كتاب الله قول الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] ثم قال: وإذا كان يكفر عني بالمصائب ويعفو عن كثير، فأي شيء يبقى بعد كفارته وعفوه؟!)، وورد عنه أنه قال: (ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله -يعني بالنسبة للعصاة- حدثني بها النبي صلى الله عليه وسلم وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]) قوله: (ما أصابكم)أي: من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا (فبما كسبت أيديكم)، أي: هذه عقوبتكم في الدنيا، والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة وقد عاقبكم بها في الدنيا، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه، فهذا هو وجه اختيار علي رضي الله عنه لهذه الآية على أنها أرجى آية في القرآن.

        وقال بعض العلماء: أرجى آية هي قوله تعالى في آخر سورة الأحقاف: بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ [الأحقاف:35] وقرئ: (بلغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) والمقصود بقوله: (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) الآية اقتصرت في الإهلاك بالعذاب على الكفار؛ فأطمعت المسلمين في رحمة الله تبارك وتعالى، ومثلها أيضاً قوله تعالى: وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ [سبأ:17] وفي قراءة أخرى: (وهل يجازى إلا الكفور).

        وقيل أيضاً: إن أرجى آية هي قوله تعالى: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [طه:48].
        وقيل: إن أرجى آية هي قوله تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ [الإسراء:84].

        تعليق


        • #5
          رد: الخوف والرجاء ... للشيخ محمد إسماعيل المقدم

          قيل: إن أرجى آية في القرآن هي قوله سبحانه وتعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:5] فروي: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نزلت هذه الآية قال: إذاً لا أرضى وواحد من أمتي -يعني: من أمة الإجابة الذين دخلوا في دين الإسلام، واستجابوا لدعوته صلى الله عليه وسلم- في النار) وصح أيضاً في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أزال أشفع يوم القيامة فأشفع حتى يناديني ربي أقد رضيت يا محمد؟! فأقول: أي ربي رضيت) صلى الله عليه وآله وسلم.

          ونظم بعضهم هذا المعنى فقال: قرأنا في الضحى ولسوف يعطي فسر قلوبنا ذاك العطاء وحاشا يا رسول الله ترضى وفينا من يعذب أو يساء وقال الآخر مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم: أترضى حبيبي أن تكون منعماً ونحن على جمر اللظى نتقلب ألم يرضك الرحمن في سورة الضحى وحاشاك أن ترضى وفينا معذب وقال بعض العلماء: إن حمل هذه الآية: (
          وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ) على الشفاعة متعين، واستدلوا على ذلك بوجوه: الأول: أنه تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا بالاستغفار، فقال عز وجل: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19] قوله: (وَاسْتَغْفِرْ) السين هذه سين الطلب، يعني: سؤال المغفرة عبارة عن طلب المغفرة، ومن طلب شيئاً فلا شك أنه لا يريد الرد ولا يرضى به.
          إذاً: الاستغفار كلمة تفيد الطلب مثل الاستسقاء يعني: طلب السقيا، ومثل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] على القول بأنها تفيد الطلب، بمعنى: أنهم سألوا الله الاستقامة والثبات عليه، هذا أحد الوجوه في التفسير حتى كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.

          فالمقصود بقوله: (
          وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) يعني: سلني أن أغفر لأمتك، فكون الرسول عليه الصلاة والسلام يسأل الله شيئاً، فهو يحب هذا الشيء، وبالتالي يكره أن يرد، ولا يرضى أن يرد، إنما يرضى بالإجابة، وإذا ثبت أن الذي يرضاه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته هو الإجابة لا الرد، وقد دلت هذه الآية على أن الله سبحانه وتعالى يعطيه كل ما يرتضيه، علمنا أن هذه الآية دالة على الشفاعة في حق المذنبين.

          إذا كان الرجل يقول في حق الذي هو مثله من البشر : لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفيك ما علمتني الطلبا يقول له: لو لم ترد، أي: لو لم تكن تحب أن تعطيني لما كنت تعلمني أن أطلب منك، فكيف يكون في حق الله عز وجل الذي علمنا أن ندعوه وضمن لنا الإجابة؟! أما الأحاديث الواردة في الشفاعة فكثيرة، وهي دالة على رضا الرسول صلى الله عليه وسلم في العفو عن المذنبين، وهذه الآية دلت على أنه تعالى يفعل كل ما يرضاه الرسول صلى الله عليه وسلم، فتحصل من مجموع الآية والحديث حصول الشفاعة.

          وعن جعفر الصادق أنه قال: رضا جدي ألا يدخل النار موحد.
          والحديث الذي صدرنا به الكلام يؤكد هذا المعنى، وهو قول الله عز وجل لجبريل: (اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) لكن هناك تنبيه مهم جداً: وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يرضى الرضا الكامل إلا إذا وقعت شفاعته لجميع أمته كاملة، فهذا أمر يكون في المستقبل، فلا ينافي دخول بعض أمته النار ابتداءً، لكن يشفع النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من الموحدين، فالمقصود بالرضا أنهم لا يخلدون في النار.

          تعليق


          • #6
            رد: الخوف والرجاء ... للشيخ محمد إسماعيل المقدم

            هناك أقوال أخرى فيما يتعلق بأرجى آية في القرآن: قيل: إن أرجى آية في القرآن هي قول الله سبحانه وتعالى في سورة النور: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:22] قال العلماء: إن في هذه الآية الكريمة دليلاً على أن كبائر الذنوب لا تحبط العمل الصالح؛ لأن مسطح بن أثاثة من عمله الصالح الهجرة في سبيل الله، ومع ذلك وقع في قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وخاض في الإفك، فأقيم الحد عليه، ومع ذلك ثبت الله سبحانه له وصف الهجرة والمهاجرين في سبيل الله.

            فقذفُ عائشة رضي الله عنها من الكبائر، ومع ذلك لم يبطل هجرته؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال بعد هذه الكبيرة: (
            وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فدل على أن هجرته في سبيل الله كانت خالصة، ولم يحبطها قذفه لأم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.

            قال القرطبي في هذه الآية في سورة النور: معروف أن مسطحاً لما وقع في عائشة رضي الله تعالى عنها، فكان أبو بكر يعطيه نفقة وأموالاً، فغضب منه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فقطع عنه هذه النفقة. هناك من الأشعار اللطيفة كون الإنسان إذا أساء إلى إنسان فلا يحتج بفعل مسطح . كان هناك رجل له ولد عاق لا يطيعه، فقطع أبوه عنه النفقة التي كان يؤتيه إياها، فبعث إليه ولده بهذه الأبيات يقول فيها: لا تقطعن عادة بر ولا تجعل عتاب المرء في رزقه فإن أمر الإفك مـن مسطح يحط قدر النيل من إفكه وقد جرى منه الذي قد جـرى وعوتب الصديق في حقه فكتب إليه أبوه يقول: قد يمنع المضطر من ميتة إذا عصى في السير في طرقه لأنه يقدر على توبة توجب إيصالاً إلى رزقه لو لم يتب من ذنبه مسطح ما عوتب الصديق في حقه فهو يحتج بقوله تعالى: (( أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ))[النور:22] في حق مسطح ، ولم الصديق في حقه إلا بعدما أظهر مسطح الندم، وتاب من هذه الكبيرة.

            وقوله: (قد يمنع المضطر من ميتة) هذه قاعدة معروفة، وهي: أن الرخص لا تناط بالمعاصي، فالإنسان إذا فعل معصية فليس له أن يترخص بالرخص الشرعية حال مباشرته لمعصية، كالشخص الذي يسافر لأجل معصية معينة يرتكبها، فهل له أن يقصر الصلاة؟ لا، ليس له أن يقصر الصلاة، وليس له أن يأكل الميتة إذا اضطر؛ لأنه في سفر معصية، فالرخص لا تناط بالمعاصي؛ فلذلك يقول هذا الأب لولده العاق: قد يمنع المضطر من ميتة إذا عصى في السير في طرقه يعني: إذا مشى في الطرق في سفر معصية فيمنع من هذا الرزق. لأنه يقدر على توبة توجب إيصالاً إلى رزقه لو لم يتب من ذنبه مسطح ما عوتب الصديق في حقه نعود لما نحن بصدده، يقول الإمام القرطبي : في قوله تعالى: (
            وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ ...) دليل على أن القذف وإن كان كبيراً لا يحبط الأعمال؛ لأن الله تعالى وصف مسطحاً بعد قوله في عائشة بالهجرة والإيمان، وكذلك سائر الكبائر، ولا يحبط الأعمال غير الشرك بالله، قال تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65].

            وقال القرطبي أيضاً: قال الإمام مسلم : قال حبان بن موسى : قال عبد الله بن المبارك : هذه أرجى آية في كتاب الله.
            ثم قال بعد هذا: قال بعض العلماء: هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى من حيث لطف الله بالقذفة العصاة اهـ.
            بهذا اللفظ.

            تعليق


            • #7
              رد: الخوف والرجاء ... للشيخ محمد إسماعيل المقدم

              وقيل: أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً [الأحزاب:47] ، وقد قال تعالى في آية أخرى مبيناً هذا الفضل الكبير: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ [الشورى:22] فشرح الفضل الكبير في هذه الآية وبشر به المؤمنين في تلك الآية.
              وقيل: من آيات الرجاء أيضاً: قوله تعالى: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ [الشورى:19].



              وقال بعض أهل العلم: أرجى آية في كتاب الله عز وجل: آية الدين، وربما يستغرب لأول وهلة أن تكون آية الدين هي أرجى آية للعصاة في القرآن الكريم، وقد أوضح الله تبارك وتعالى في آية الدين الطرق الكفيلة لصيانة الدين من الضياع، وكل هذه الآية من أجل مصلحة المسلم في شيء يسير جداً من الدنيا، يقول عز وجل: وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ [البقرة:282] حتى لو كان الدين دريهمات قليلة، ومع ذلك اهتم الله سبحانه وتعالى بأمر المؤمن هذا الاهتمام، وأنزل في حفظ حقه أطول آية في كتابه المجيد! قالوا: إن المحافظة في آية الدين على صيانة مال المسلم وعدم ضياعه ولو قليلاً، يدل على العناية التامة بمصالح المسلم، ويدل أيضاً على أن اللطيف الخبير لا يضيعه يوم القيامة عند اشتداد الهول وشدة حاجته إلى ربه سبحانه وتعالى.
              قال بعض العلماء أيضاً: كان بعض العارفين يرى آية المداينة في البقرة من أقوى أسباب الرجاء، فقيل له: وما فيها من الرجاء؟!
              فقال: الدنيا كلها قليل، ورزق الإنسان منها قليل، والدين قليل، فانظر كيف أنزل الله تعالى أطول آية ليهدي عبده إلى طريق الاحتياط في حفظه دَينه، فكيف لا يحفظ دِينه الذي لا عوض له منه؟!
              يقول بعضهم: لئن كنت في الدنيا بصيراً فإنما بلاغك منها مثل زاد المسافر إذا أبقت الدنيا على المرء دينه فما يقتاته منها فليس بضائر وقال الملا علي بن سلطان القاري : فوجهه أنه سبحانه وتعالى أمرنا بالاحتياط لدنيانا الفانية التي نهانا عن الاغترار بها والركون إليها والاعتناء بها، وأمرنا بالإعراض عنها والزهادة فيها، فإذا لطف بما أرشدنا إليه مع حقارتها في أطول آية من كلامه، فكيف بالدار الباقية دار الخلد في النعيم والالتذاذ الذي لا يساوي بل لا يدانى بالنظر إلى وجهه الكريم؟!


              أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أرجى آية في القرآن لهذه الأمة قوله تعالى: قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260].
              وقيل: أرجى آية هي قوله تعالى في سورة الحجر: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ [الحجر:2].

              قال الشنقيطي رحمه الله تعالى: من أرجى آيات القرآن العظيم قوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ[فاطر:32-35] كيف تكون هذه الآية هي أرجى آية في القرآن، بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن إيراث هذه الأمة لهذا الكتاب دليل على أن الله اصطفاهم، فقال عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32] وبين أن هؤلاء المصطفين ثلاثة أقسام: الأول: الظالم لنفسه، وهو الذي يطيع الله ولكنه يعصيه أيضاً، فهذا هو الذي قال الله فيه: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة:102] وكل (عسى) في القرآن فهي واجبة.
              الثاني: المقتصد، وهو الذي يطيع الله ولا يعصيه، ولكنه لا يتقرب بالنوافل من الطاعات.
              الثالث: السابق بالخيرات، وهو الذي يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات ويتقرب إلى الله تعالى بالطاعات والقربات غير الواجبة، وهذا على أصح الأقوال في تفسير الظالم لنفسه والمقتصد والسابق.

              ثم إن الله سبحانه وتعالى بين أن إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير منه سبحانه وتعالى عليهم، ثم بعد ما ذكر هذه الأقسام الثلاثة وعد الجميع -الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات- بجنات عدن، وهو الذي لا يخلف الميعاد، فقال عز وجل: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) إلى قوله: (وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) فهذه الواو في قوله: (
              يَدْخُلُونَهَا) شاملة للظالم والمقتصد والسابق على التحقيق، ولذا قال بعض أهل العلم: حق لهذه الواو في قوله تعالى: (يَدْخُلُونَهَا) أن تكتب بماء العينين؛ لما تضمنته من الرجاء والتبشير وتفريج كربات العصاة من المؤمنين، فوعد الله سبحانه وتعالى الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة وأولهم الظالم لنفسه، يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن الكريم، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن هذه الأقسام الثلاثة؛ لأن الوعد الصادق بالجنة في الآية شامل لجميع المسلمين، ولذا قال بعدما ذكر الثلاثة الأقسام للمسلمين مباشرة: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36] إلى قوله سبحانه: فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37] واختلف أهل العلم في سبب تقديم الظالم في الوعد بالجنة على المقتصد والسابق، ما الحكمة من أنه قدم الظالم لنفسه وأخر السابق بالخيرات؟!
              قالوا: قدم الظالم؛ لئلا يقنط من رحمة الله، وأخر السابق بالخيرات؛ لئلا يعجب بعمله فيحبط.
              وقال بعضهم: قدم الظالم لنفسه؛ لأن أكثر أهل الجنة هم الظالمون لأنفسهم؛ لأن الذين لم تقع منهم معصية أقل من غيرهم كما قال تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ[ص:24]. هذا ما يتعلق بأرجى آية في القرآن المجيد.


              تعليق


              • #8
                رد: الخوف والرجاء ... للشيخ محمد إسماعيل المقدم

                ((((أقوال العلماء عن أخوف آية في القرآن الكريم))))

                لا شك أننا بحاجة أيضاً إلى أن نتكلم عن أخوف آية في القرآن، لكن لا نفصل فيها، وإنما نذكرها على سبيل الاختصار.

                قال بعض العلماء: أخوف آية هي قوله تعالى:
                وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28].

                وقيل: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ [الرحمن:31].

                وقيل: قوله تعالى: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ [التكوير:26].

                وقيل: قوله تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ[البروج:12].

                وقيل: قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21] هذه الآية تسمى: نبتات العابدين.

                وعن أبي حنيفة : أن أخوف آية قوله تعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131].

                وعن الشافعي : أنها قوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] هذا ما توافر لدي فيما يتعلق بأخوف آية وأرجى آية في القرآن العظيم.


                تم بحمد الله

                ###

                التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 23-09-2016, 11:55 PM.

                تعليق


                • #9
                  رد: الخوف والرجاء ... للشيخ محمد إسماعيل المقدم

                  سبحان الله وبحمده ... سبحان الله العظيم

                  تعليق


                  • #10
                    جزاكم الله خيرًا ونفع بكم

                    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
                    وتولني فيمن توليت"

                    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

                    تعليق

                    يعمل...
                    X