إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة المكر في القرآن الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة المكر في القرآن الكريم




    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
    أما بعد:


    سلسلة المكر في القرآن الكريم
    بقلم الأستاذ/ محمد الفقهاء


    فهرس السلسلة

    سلسلة المكر في القرآن (1) المكر سنة جارية

    سلسلة المكر في القرآن (2) المكر عند أهل اللغة

    سلسلة المكر في القرآن (3) المكر صفة للمجرمين


    سلسلة المكر في القرآن (4 ) المكر أسلوب لمواجهة الرسل ودعواتهم


    سلسلة المكر في القرآن الكريم (5 ) المكر بآيات الله

    سلسلة المكر في القرآن (6 ) المكر افساد في الأرض

    سلسلة المكر في القرآن (7) تعامل القرآن مع المكر


    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 07-10-2014, 08:11 PM. سبب آخر: إضافة للفهرس

    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36


  • #2
    رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم



    سلسة المكر في القرآن (1): المكر سُنَّة جارية



    الحمدُ لله ربِّ العالَمين القوي العزيز، له العِزَّة جميعًا، وله المكْر جميعًا، الحمدُ لله الذي أعزَّ المؤمنين، وقصَم ظهورَ الظالمين المعتدين، وصلَّى الله على رسوله الأمين الهادي البشير، والسِّراج المنير، وعلى آلِه وصحْبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يومِ الدِّين.



    إنَّنا نعيش في هذا الزمانِ في عالَم يمتلأ خطرًا وحقدًا مِن بني البشَر بسبب الصِّراع الدائر فيما بينهم، خصوصًا ضدَّ المسلمين مِن قِبل أعداء الإسلام، على شتَّى المجالات وعلى كافَّة الصُّعُد،
    وهذا العداء ليس جديدًا، فهو منذُ بعثة الرسول العظيم وجهْره بهذا الدِّين العظيم، بدأ الصِّراع الدموي والفِكري والمادي وغيره من الصِّراعات،


    وهذا الصِّراع بدأ منذ ذلك الوقت، وسيبقَى إلى يومِ القيامة حتى يرِث الله الأرض ومَن عليها، سيبقَى الصِّراع والحِقد مستمرًّا مِن قبل أعداء الأمَّة على الإسلام العظيم، وعلى مَن يرفعون لواءَ هذا الإسلام.



    وسيبقَى الأعداءُ يُخطِّطون ويمكُرون لصدِّ المسلمين بكلِّ ما أوتوا مِن قوَّة وستبقَى حقيقة المكر متأصِّلة في نفوسهم ضدَّ الإسلام، فمكر الكافرين بالمسلمين عظيم وواضِح، فهي أيَةٌ ظاهرة يقودها الباطِل ضدَّ الحق، يجتمع فيها أصنافُ الباطل ويتعاونون للقضاء على الإسلام،

    ففي هذه الأيام تشتدُّ هجمتهم على الإسلام، ويتجدَّد مكرُهم، وتتوحَّد قُوى الكُفر لضرْب المسلمين؛ لهذا لا عجب بأنَّنا نرى هذه الظاهرة بأعيننا في هذا الزمان،

    ولن نستغربَ إنِ استمرَّتْ فهي ظاهرةٌ باقية ما بقِي هناك كُفر وإيمان؛ لهذا موضوع المكر يُعدُّ من المواضيع التي تدور بها حلقاتُ الصِّراع في العالَم، وهو تحد خطير تواجِهه الأمَّة المسلمة رافعةً لواء الإسلام العظيم، يَكيدون لها ضدَّ عقيدتها وفِكْرها وأخلاقها ولُغتها وكافَّة سُبل حياتها.



    لهذا على الأمَّة الإسلاميَّة أن تكون أكثرَ وعيًا، وما تواجِهه من قُوى الكفر؛ لتكونَ على حذر بما تواجِهه ولتزيل كلِّ المخطَّطات التي تحاك ضدَّها ولتفشل كل مخططات وتدابير أعدائها.



    وبما أنَّ القرآن الكريم حي في كلِّ زمان ومكان، فقد حذَّر الأمَّة الإسلامية ونبَّهها من مكر أعدائها مبكرًا في العهد المكي؛ مِن أجل الحذَر، وللاستعداد لما ستتلقَّاه من أعدائها؛ لتكونَ على يقظة وحذر ليس فقط في ذلك الزمان وإنَّما على مدار التاريخ؛ لأنَّ القرآن هو المعجزةُ الباقية والكِتاب الخالِد،

    ومَن يقرأ القرآنَ يعْلَم كيف أخَذ القرآن ينبِّه الفِئة المؤمِنة مِن هذه الظاهِرة وحذَّرهم من مكْر الماكرين وبيَّن لنا صِفاتِ الماكرين، وما هي أساليبهم، وكيف لنا أن نتعامَل مع هذه الظاهِرة ومع أصحابها.



    نسأل الله تعالى أن يَعصمَنا من كَيد الأعداء، وأن يردَّ كيدَهم في نحورِهم ويجعَل تدبيرَهم تدميرًا عليهم، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسَّلام على الأنبياء أجْمَعين.





    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 17-11-2013, 09:05 PM.

    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

    تعليق


    • #3
      رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم


      سلسلة المكر في القرآن (2): المكر عند أهل اللغة



      قال الرَّاغب: المكر: صرف الغير عمَّا يقصده بِحِيلة، وذلك ضربان:


      1 - مكر مَحمود: وذلك أن يتحرَّى بذلك فعلاً جميلاً، وعلى ذلك قال: (وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [آل عمران: 54].


      2 - مكرٌ مذموم: وهو أن يُتحرَّى به فعل قبيح، قال تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر: 43].


      وقال في الأمرين: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا) [النمل: 50].



      وابن فارس قال: المكر هو: الاحتيالُ والخِداع.


      أما ابن منظور فقال: المكر هو احتيال في خُفْية، كما قال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [النمل: 50]؛ أيْ: إنَّه مَكْر غير ظاهر للممكور به.


      أمَّا في "المعجم الوسيط" فـ: المكر هو الخداعُ وأن تَصْرِف غيرك عن مقصده بحيلة.







      الثاني: المَكْر فِعْل الشِّرك، ومنه قوله تعالى في سورة فاطر: "وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ" [فاطر: 10]؛ يَعني يُشركون بالله تعالى.


      الثالث: المكر: القول، ومنه قوله تعالى في سورة يوسف: "فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ" [يوسف: 31]، نظيرها في سورة سبأ: "مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ" [سبأ: 33].


      الرابع: المكر: إرادة القتل، ومنه قوله تعالى في سورة غافر: "فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا" [غافر: 45]؛ أيْ: ما أرادوا، كقوله تعالى في سورة الأنفال: "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا" [الأنفال: 30]؛ أيْ: يهمُّون بقتلك، وقوله تعالى في سورة الأنفال: "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ" [الأنفال: 30]؛ يعني يريدون قتْلَك، ويعصمك الله، مثلها في سورة النحل: "وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا" [النمل: 50] يعني أرادوا قتْلَ صالِح، ونَجَّيناه، كقوله تعالى في سورة آل عمران: "وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ" [آل عمران: 54]؛ أيْ: أرادوا قتْلَ عيسى - عليه السَّلام - (ورفعه الله).


      الخامس: المكر: الحيلة، ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف: "إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ" [الأعراف: 123]؛ يعني: حيلة احتَلْتُم أنتم وموسى - عليه السَّلام






      وبعد هذه الجولةِ في قواميس اللُّغة، نجد أنَّ معنى المكر متقاربٌ عند أهل اللُّغة؛ فالاحتيال والخداع معناهُما مُتقارب، وذكَر أهْلُ اللغة أنَّ المكر بالمعنى السيِّئ والسلبِي هو الأكثر ورودًا عند أهل اللُّغة؛ لأنَّه هو الأكثر استعمالاً،
      أمَّا استعماله من الناحية الإيجابية والجيِّدة فغير شائع في الاستخدام اللُّغوي، وبالنظر في المعاني اللغوية للمكر؛ فإنَّنا نستنتج التالي:


      1 - أن المؤمنين لَم يوصفوا بصفة المكر؛ لأنَّ هذه الصِّفة ليست من صفات المؤمنين.


      2 - وأن أكثر استعمال القرآن للمكر كان على جهة الذمِّ، وليس على جهة المدح.


      3 - وأنه مع أن المؤمنين لم يوصفوا بالمكر، إلاَّ أنه يجوز لهم أن يستخدموا المكرَ لصدِّ عدوهم؛ من أجْلِ حماية أنفسهم.


      4 - وأنه يوجد فرقٌ بين مكر الله ومكر الأعداء؛ وذلك لأنَّ مكر الأعداء هو الاحتيال، ومكر الله هو ردٌّ للمكر بِخِذلانهم واستدراجهم، ثم إيقاعهم في الهلكة وهم لا يشعرون.


      5 - وأنَّ مكر الله هو جزاءٌ لِما يقوم به الماكرون.


      6 - وأنه ورد عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال في الدعاء: ((رَبِّ امْكُر لي، ولا تَمكر عليَّ))؛ صحيحٌ، رواه ابن ماجه، ومثل هذا لَم يَرِد في كتاب الله حيث إنَّ تعدِّي فعل المكر باللام يدلُّ على تدبيرٍ خفي حسَن، وتعدِّيه بحرف الجرِّ "على" يدلُّ على تدبيرٍ خفي سيِّئ.


      7 - وأخيرًا نستنتج أنَّه يوجد فرقٌ بين المكر والخداع والكيد في استعمال القرآن الكريم.





      التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 17-11-2013, 09:14 PM.

      "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
      وتولني فيمن توليت"

      "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

      تعليق


      • #4
        رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم

        موضوع قيــــــــــم

        جزاكم الله خيرًا ... ونفع الله بكم

        نتابع بإذن الله

        تعليق


        • #5
          رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم

          المشاركة الأصلية بواسطة أمة الرحيـم مشاهدة المشاركة
          موضوع قيــــــــــم

          جزاكم الله خيرًا ... ونفع الله بكم

          نتابع بإذن الله
          جزانا الله وإياكم بوركتم على مروركم الطيب

          "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
          وتولني فيمن توليت"

          "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

          تعليق


          • #6
            رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم

            موضوع قيــــــــــم

            جزاكم الله خيرًا ... ونفع الله بكم

            نتابع بإذن الله

            التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 15-11-2013, 09:09 PM. سبب آخر: تصحيح بسيط .. جزاكم الله خيرًا


            اللهم أرزقني الهداية والثبات حتى الممات

            وأرزق أبو رفيدة من حيث لا يحتسب

            وأرزقني وزوجي وإبنتي حجة في السنة المقبلة يـــــارب









            تعليق


            • #7
              رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم

              المشاركة الأصلية بواسطة حاملة اللواء مشاهدة المشاركة
              موضوع قيــــــــــم

              جزاكم الله خيرًا ... ونفع الله بكم

              نتابع بإذن الله

              جزانا الله وإياكم بوركتم على مروركم الطيب
              التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 15-11-2013, 09:10 PM. سبب آخر: تصحيح الاقتباس

              "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
              وتولني فيمن توليت"

              "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

              تعليق


              • #8
                رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم


                سلسلة المكر في القرآن (3) المكر صفة للمجرمين

                لقد اقتضَتْ حكمة الله تعالى أنْ جعل في هذه الدُّنيا خيرًا وشرًّا، وحقًّا وباطلاً، ولا رادَّ لحِكمته، وجعل في كلِّ زمان ومكان أناسًا يعيثون في الأرض الفساد، وينشرون الرذيلة، ويُحاربون الفضيلة، وابتلى بعض الناس ببعض؛ ليمحص الله عباده: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" [الأنعام: 123].


                والمكرُ هو التدبير الخفيُّ الذي يقوم به أصحابه؛ لكي يمرِّروا ما خطَّطوا له من إيقاع الأذى بأهل الحقِّ، وهؤلاء الصِّنف من الناس عبَّر عنهم القرآن الكريم بلفْظِ الملأ، والمَلأُ هم أشراف القوم وقادتهم، ورؤساؤهم وساداتهم، وهم البارزون في مُجتمعهم، وهم أصحاب نفوذِ مُجتمعهم، والناس يَضعونهم موضع الأشراف والسَّادة،
                وهم الذين استحقُّوا قيادة المجتمع حسب مفهوم المجتمع الذين يعيشون فيه، وإطلاق كلمة "الملأ" في القرآن جاء لبيان الواقع، وليس لبيان الحقيقة، أو لأنَّهم يستحقُّون هذه المنزلة وهي منزلة الرِّياسة والقيادة .



                قال ابن الجوزي: وإنما جُعل الأكابر فُسَّاقَ كلِّ قرية؛ لأنَّهم أقرَبُ إلى الكفر بما أُعطوا من الرِّياسة والسَّعة، فهؤلاء المجرمون يحبُّون التسلُّط على رقاب العباد، ويعارضون كلَّ دعوة تؤدِّي إلى سَلْبِهم مكانتَهم وجاههم، وتزيل سلطانهم على رقاب العباد.


                ولذا يُحاول أهل الباطل في كلِّ مكان وزمان أن يُعادوا ويقاوموا كلَّ دعوةِ حقٍّ، ويرفضون ما يَسلب ملكهم ويبدِّد حكمهم، بل يحرِّضون الناس على الدعوة، كما قال في قصَّة نوح - عليه السَّلام -: "فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ" [المؤمنون: 24]،

                فهم بِدَورهم - من أجل الحفاظ على مكانتهم - يحرِّضون الناس على نَبْذِ الدعوة والرسولِ نوح، حرَّضوا قومه عليه، وقالوا لهم: إنَّ نوحًا يريد أن يتفضل عليكم؛ من أجل صرف الناس عن نوح؛ لتبقى سيطرتُهم عليهم.



                وهذا مثالٌ من الرسل السابقين، أمَّا ما حصل مع خاتم الأنبياء والمرسلين ما فقد قصَّه الله عن الملأ من قريش: "وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ" [ص: 6]،
                هذا بعض ما قالَهُ الملأُ من قريش، ومعناه كما جاء في "تفسير القرطبي": "إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ" [ص: 6] كلمة تحذير؛ أيْ: إنَّما يريد محمدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بما يقول الانقيادَ له؛ ليعلو علينا، ونكون له أتباعًا، فيتحكَّم فينا بما يريد، فاحذروا أن تطيعوه".


                وهذه الآية بيانٌ بأنَّ في كلِّ بلد مجرمين من الأكابر والعظماء؛ للفساد في الأرض، وهذه صفةٌ للمجرمين، وبيانٌ لديدنهم وأسلوبهم، وهذه الآية نزلت والرسول في مكَّة؛ لتبين لِحمَلة الدَّعوة أن هذا المكر هو صفةٌ للمجرمين، وفي هذا تسليةٌ لهم بما سيُلاقونه؛ ليكونوا على استعداد؛ لأنَّ مكة مرَّت بظروفٍ وأحوال صعبة على المسلمين؛

                لأنَّ أكابر مكة كادوا للمسلمين بكلِّ الطُّرق والوسائل، كما هو اليوم، سواء كان كيدًا ماديًّا أم إعلاميًّا، ومن ترويج بأن الإسلام دين إجرام وقتل، وأن المسلمين أناس همَج ورعاع وقتَلة، وأنَّهم ظلَمة، وأن نساءهم مضطهَدات!


                قال ابن كثير بأنَّ المكر المقصود في هذه الآية هو دعوتهم إلى الضلالة من خلال زَخْرفة قولهم وأفعالهم، وخصَّ القرآنُ ذِكْر الأكابر؛ لأنَّهم هم أهل الحَلِّ والعقد، وبيدهم زمام الأمور ولأنَّهم أقدر الناس على الفساد والصدِّ؛ بحكم موقعهم ومنزلتهم في قوتهم.


                إنَّ استعلاء هؤلاء الملأ على مجتمعهم، وتسلُّم زمام الأمور لَهُو أمر غريب، وقد قدَّم المفعول الثاني لـ{جعل} كذلك ليس بأن؛ هذا الأمر عجيب؛ لأنهم ليسوا بأهلٍ للسُّؤدد، قال ابن عاشور: "وقدَّم المفعول الثّاني للاهتمام به؛ لغرابة شأنه؛ لأنَّ مصيرَ المجرمين أكابر وسادة أمر عجيب؛ إذ ليسوا بأهل للسؤدد".



                ومن الأمور العجيبة في الآية المذكورة سابقًا: "أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا" [الأنعام: 123]، فوصَف هؤلاء الأكابر بأنَّهم مجرمون وماكرون، ومعلومٌ أنَّ الجُرم هو الذَّنب، وفعلة الإجرام - وهي صفة أهل الشرِّ من المجرمين والماكرين - صفةٌ للمجرمين.


                قال تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" [الأعراف: 117 - 123] .


                لقد جاء الأمر الإلهيُّ إلى موسى - عليه السَّلام - لِيُلقي عصاه، فإذا هي حيَّة تسعى، تأكل كلَّ ما كانوا به يأفكون من الكذب والتمويه، وظهر الحقُّ، وتبيَّن في ذلك الموقف، وبطل سحرهم وظهر، وصاروا حقيرين في ذلك الموقف؛ لأنَّ باطلهم الذي كانوا يفتخرون به قد زال، وسحرهم الذي عملوه قد تلاشى، ولم يحصل لهم مقصودهم الذي أرادوه وجمعوا أمرهم عليه.


                ومن ثَمَّ لما عرف أولئك السحرة أن هذا الذي حصل ليس سحرًا أو أمرًا طبيعيًّا؛ لكونهم على معرفةٍ بالسِّحر وطرقه، فهم يعرفون ما لا يعرفه غيرهم، وعرفوا أنَّ الذي حصل آيةٌ من آيات الله، وليس من عمل موسى؛ لهذا ما كان لهم إلاَّ أن يُعلِنوا إيمانَهم.




                لكن الشاهد في هذه الآيات أنَّ المؤمنين هنا وصفوا بالمكر، والمكر صفة ليست للمؤمنين، وإنَّما للكافرين، وكل وصف ذُكِر فيه المكر كان صفة للمجرمين إلاَّ في هذا الموضع فقط، فبعد أن جمع فرعون الطاغيةُ السَّحرةَ، وحشد كلَّ ما لديه،

                وحشر الناس أمامهم، كانت النتيجة عكس ما يريد، وانقلب السِّحر على الساحر كما يُقال، وقضى الله أمرًا كان مفعولاً، فكان السَّحرة كما قال قتادة: كانوا في أول النهار كفَّارًا سحرة، وفي آخره شُهَداء برَرة .


                "قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" [الأعراف: 123]، فقول فرعون هنا يحتمل أن يكون ما قاله موافقًا لظنِّه على سبيل التهمة لهم، فهو قالها موبِّخًا إياهم، كما يحتمل أن يكون قالها تمويهًا وبهتانًا؛ من أجل صرف الناس عن اتِّباع السحرة له.


                وبهذا يظهر التلفيق والتزوير والكذب على حقيقته أمام العامَّة، وظهر الحق جليًّا، أمَّا فرعون فقال هذا ليرد كرامته التي سُلِبت منه في هذا المشهد، فصار يكلِّم في الناس، ويُنادي بأنَّ هؤلاء متَّفقون مع موسى، وأن هذا دبَّروه في السِّر،
                وادَّعى للناس بأنَّهم مستهدفون من هذا المكر، وأن موسى ومن معه من السحرة سوف يُخرجونَهم من مدينتهم، وأخذ يهدِّد ويتوعد.



                قال سيد: إنَّه الفزَع على العرش المهدَّد، والسلطان المهزوز: "إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا" [الأعراف: 123]، وفي نصٍّ آخَر: "إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ" [طه: 71]، والمسألة واضحة المعالم،
                إنَّها دعوة موسى إلى "ربِّ العالمين"، هي التي تزعج وتخيف، إنه لا بقاء ولا قرار لحكم الطَّواغيت مع الدعوة إلى ربِّ العالَمين، وهم إنَّما يقوم ملكهم على تنحية ربوبيَّة الله للبشر بتنحية شريعته، وإقامة أنفسهم أربابًا من دون الله يشرعون للناس ما يشاؤون، ويعبِّدون الناس لما يشرِّعون!

                إنهما منهجان لا يجتمعان، أو هما دينان لا يجتمعان، أو هما رَبَّان لا يجتمعان، وفرعون كان يعرف، وملَؤُه كانوا يعرفون، ولقد فزعوا للدعوة من موسى وهارون إلى ربِّ العالمين، فأولى أن يفزعوا الآن وقد أُلقي السَّحرة ساجدين، "قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ" [الأعراف: 121 - 122]، والسَّحَرة من كهنة الديانة الوثنيَّة التي تؤلِّه فرعون، وتمكِّنه من رقاب الناس باسْم الدِّين[10]!

                أراد فرعون أن يقلب الحدث على موسى ومن آمن معه، ويقلب الحدث لصالحه، ويجمع الناس حوله، وأخذ ينادي: "وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ" [الزخرف: 51]،
                نادى بعد أن رأى الآيات الباهرة، فخاف أن يؤمنوا، وقال مفتخرًا متبجِّحًا: أليست بلاد مصر الواسعة الشاسعة ملكًا لي، وهذه الأنهار تجري من تحت قصوري؟! قال قتادة: كانت جنَّاتها وأنهارها تجري من تحت قصره.


                "أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ" [الزخرف: 52]، مشيرًا إلى قلَّة موسى وذلَّته، وفي هذا إغراءٌ لهم بِمُلكه؛ فموسى لا ملك ولا مال، ولا جاه له ولا سلطان.



                ومنَ اللاَّفت للنظر أنَّ هذه السُّنة جارية في كلِّ طاغية وكلِّ ظالِم قديمًا وحديثًا، وفي عصرنا هذا ليس ببعيدٍ؛ فطُغاة هذا الزمان سلكوا مسلك سلَفِهم السابقين، فهم يتَّهمون أهل الحق بأنهم مخادعون، وأنَّهم لا يريدون إلا الوصول للحكم، وأنَّهم يُريدون السيطرة على الناس،

                ويروِّجون بين العامَّة بأن المسلمين إرهابيُّون! مما يسهِّل لهم بعْدُ شَحْذ الرأي العامِّ؛ للسيطرة على الشعوب، والقتل وسفك الدِّماء، وإقامة المَحاكم، وإصدار القرارات الظالمة بحقِّهم، كما وعد فرعون السابق أولئك الذين آمنوا: "لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ" [الأعراف: 124].


                قال الشيخ سيِّد قطب: إنه التعذيب والتشويه والتنكيل، وسيلةُ الطَّواغيت في مواجهة الحقِّ، الذي لا يملكون دفْعَه بالحُجَّة والبرهان، وعدة الباطل في وجه الحقِّ الصريح، إلا أنَّه مع كل هذا الوعيد بعد أن يرتفع الإيمان بالقلوب، وتنتصر العقيدة على الحياة، فلا ترضخ لتهديد الطُّغاة؛ فلقد تحرَّرت تلك القلوب، ورفضت الذُّل وحب البقاء،
                فهؤلاء استعلَتْ قلوبهم بالإيمان، ولهذا خرجَت من أفواههم كلمات هي كالعبير: "قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ" [الأعراف: 125].


                قال الشيخ سيد قطب: إنه الإيمان الذي لا يفزع ولا يتزعزع، كما أنَّه لا يخضع ولا يخنع، الإيمان الذي يطمئنُّ إلى النهاية فيَرضاها، ويستيقن من الرجعة إلى ربِّه، فيطمئن إلى جواره.


                ثم جاء طلب المدَد والعون من الله: "رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ" [الأعراف: 126]، فهُم لا يطلبون السَّلامة من عدوِّهم، وإنما طلبوا من ربِّهم الصَّبر على الفتنة، وأن يختم لهم على الإسلام،
                فهم يَعْلمون طبيعة المرحلة، وطبيعة المعركة؛ فهي معركةُ عقيدةٍ، فإمَّا كفر وإما إيمان، فالمعركة بين المؤمن وخصومهم هي في صميمها معركة عقيدة، وليست شيئًا آخر على الإطلاق، وأنَّ خصومهم لا ينقمون منهم إلاَّ الإيمان، ولا يسخطون منهم إلا العقيدة، وأنَّها قضيَّة عقيدة، معركة عقيدة.




                التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 17-11-2013, 09:21 PM.

                "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
                وتولني فيمن توليت"

                "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

                تعليق


                • #9
                  رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم

                  جزاكم الله خيرًا ... وتقبل الله منكم ،،،

                  تعليق


                  • #10
                    رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم

                    المشاركة الأصلية بواسطة أمة الرحيـم مشاهدة المشاركة
                    جزاكم الله خيرًا ... وتقبل الله منكم ،،،


                    جزانا الله وإياكم وتقبل الله منا ومنكم

                    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
                    وتولني فيمن توليت"

                    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

                    تعليق


                    • #11
                      رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم


                      سلسلة المكر في القرآن (4) المكر أسلوب لمواجهة الرسل ودعواتهم




                      إنَّ الكفارَ حاولوا بكل الطرُق والوسائل الصدَّ عن دينِ الله، وعن انتشار الحقِّ بكل الطرقِ والوسائل؛
                      ومن هذه الطرق المكرُ بالرسلِ ودعواتهم، سالكين مسلكَ الخفة الماكرة، ولقد وضح القرآنُ وبيَّن أساليبَهم، وكيف واجهوا الرسلَ بمكرهم؛ ومن هؤلاء الأنبياء: نوح - عليه السلام -
                      فقد قال الله - تعالى - مخبرًا عن موقفِ قوم نوح من نوح - عليه السلام - ومن دعوتِه، وكيف واجهوا نوحًا بتلك الأساليب الماكرة؛ قال - تعالى -: " وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا " [نوح: 22]، قال ابنُ عاشور في"التحرير والتنوير": "مكروا بنوحٍ والذين آمنوا معه بإضمار الكيد لهم، حتى يقعوا في الضرِّ، قيل: كانوا يدبرون الحيلةَ على قتلِ نوح، وتحريش النَّاسِ على أذاه وأذى أتباعِه"(
                      ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج 29، ص (207).





                      فهؤلاء لم يكتفوا فقط بالإضلالِ كما دلتْ على ذلك الآيات: " وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا " [نوح: 24]، بل " وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا "؛ مكرًا متناهيًا في الكِبرِ، وكان مكرُهم من أجلِ إبطالِ الدعوة، وإغلاق الطريقِ أمامها؛ للحد من انتشارِها للنَّاس، ومكرهم هذا من أجلِ تزيين الباطل والكفر والضَّلال، وزيادة على هذا فقد حرَّضوا النَّاسَ على عدم ترك أصنامهم؛ " وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ " [نوح: 23](
                      سيد قطب، الظلال، ج 6، ص (3716)، بتصرف)



                      قال الألوسي في قولِه: " كُبَّارًا ": مبالغة في الكبر؛ أي:
                      بيرًا في الغايةِ؛ وذلك احتيالهم في الدِّين، وصدهم النَّاسَ عنه، وإغراؤهم وتحريضهم على أذيةِ نوح - عليه السلام"(
                      روح المعاني، 29/ 26.) فمكرهم مكرٌ بليغ وكبير في معاندةِ الحق.



                      " وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا " [نوح: 23-24]؛ قال سيد قطب: "إضافة " آلِهَتَكُمْ " لإثارةِ النخوة الكاذبة، والحمية الآثمة في قلوبهم"،(الظلال، سيد قطب، ج 6، ص (3616) وخصصوا هذه الحمية بأصنامهم التي كانوا يعبدونها - وهي أكبر أصنامِهم - لشدة كفرِهم وتعنُّتهم في قَبولِ الحق،(حاشية الصاوي بتصرف 4 /251

                      "وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا " ككلِّ قيادةٍ ضالة تجمعُ النَّاسَ حول الأصنام - فأصنام الأحجارِ وأصنام الأشخاص وأصنام الأفكار سواء - للصَّدِّ عن دعوةِ الله، وتوجيه القلوب بعيدًا عن الدُّعاةِ بالمكر الكبار، والكيد والإصرار (
                      الظلال، سيد قطب، ج 6، ص (3761)



                      فهؤلاء الكبار أضلُّوا كثيرًا من الخلقِ؛ لأنهم زيَّنوا لهم طرقَ الضلال، فشرع نوحٌ - عليه السلام – في دعائه عليهم بقوله: " وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا"، فقد دعا عليهم بعد أن يئسَ من استجابتِهم، لما أخبره الله بأنَّه " لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ" [هود: 36]، فاستجاب الله دعاءَ نبيه؛ فأغرقهم بالماء.




                      وقد ذكر ابنُ عاشور أن معنى الضَّلال: "عدم الاهتداءِ إلى طرائقِ المكر، وأن يحولَ الله بينهم وبين مكرهم، وألا يزدهم إمهالاً في طغيانهم عليهم، إلا أن تضللهم عن وسائلِهم"(انظر التحرير والتنوير، ج 29، ص (211) ولم يأتِ هذا الدُّعاء إلا بعد أن عانى نوحٌ - عليه السلام - كثيرًا من قومِه، وبعد أن يئس من قلوبِهم الظالمة الباغية، فهم لا يستحقون الهدى.






                      لقد حدَّث القرآنُ بما وَقَع مع نوحٍ، وأيضًا حدَّث بما وقع مع نبي آخر من مكرِ قومه وبدعوته؛ وهو نبي الله صالح - عليه السلام - قال - تعالى -: " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ * قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ *
                      وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " [النمل: 45 - 50].




                      فأخبر الله في بدايةِ الآيات أنَّه أرسل لهم أخاهم في النَّسبِ صالحًا - عليه السلام - يدعوهم إلى دينِ الله، شأنه كشأن كلِّ نبي ورسول؛ " فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ" قال مجاهد:"فريقان؛ فريقٌ مؤمن، وفريق كافر، وكان معظمهم كفارًا".






                      إنَّ المعرضين المكذبين استعجلوا العذابَ الذي يحذرهم منه صالح - عليه السلام - فهم بدلاً من أن يطلبوا هدى اللهِ ورحمتَه، فأنكر عليهم استعجالهم بالعذابِ وعدم طلبِهم الهداية، وحاول أن يوجهَهم إلى استغفارِ الله والتوبة " لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" فماذا كان جوابهم؟ لقد قالوا: "اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ"، والتطيُّر هو التشاؤم،
                      فهم زعموا أنهم لم يروا خيرًا قط على وجهِ صالح ومن معه في أمورِهم الدنيوية، قبحهم الله بهذا الاتهام الزَّائف، قال سيد: "فلمَّا قال قوم صالح - عليه السَّلام - قولتَهم الجاهلة الساذجة الضَّالة في تيه الوهمِ والخرافة، ردَّهم صالح إلى نورِ اليقين، وإلى حقيقتِه الواضحة البعيدة عن الضَّباب والظَّلام: " قَالَطَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ "،(
                      الظلال، سيد قطب، ج 5، ص (2645).فما أصابهم كان بسببِ ذنوبهم!



                      " قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ" : فحظكم ومستقبلكم ومصيركم عند الله، والله قد سنَّ سننًا، وأمر النَّاسَ بأمور، وبيَّن لهم الطريقَ المستنير، فمن اتبع سنةَ اللهِ وسار على هداه فهناك الخير بدون حاجةٍ إلى زجرِ الطير، ومن انجرف عن سنةِ الله وحاد عن السَّواء فهناك الشر، بدون حاجةٍ إلى التشاؤم والتطير.




                      " بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ " تفتنون بنعمةِ الله، وتختبرون بما يقع لكم من خيرٍ ومن شر، فأنتم تفتنون بالسَّراءِ والضَّراء، وبالخيرِ والشر، لينظر هل تقلعون وتتوبون إلى الله أم لا؟".(انظر الظلال، سيد قطب، ج 5، ص (2645).



                      وقد ذكرت الآياتُ أنهم كانوا رهطًا، ووَصَفَهم القرآنُ بأنهم مُفْسِدون في الأرضِ فقصدهم وفعلهم الإفساد فقط، وأخبر أنهم قد استعدوا لمعاداةِ صالح والطعنِ في دعوتِه؛ ذكر الضَّحاكُ أنَّ هؤلاء هم أشرافُ وعظماءُ أهلِ المدينة، وشأنهم الإفساد، وإيذاء العباد بكلِّ طريقةٍ ووسيلة، وقال ابنُ عباس - رضي الله عنهما -: هم الذين عقروا الناقة،(بتصرف صفوة التفاسير) وهؤلاء الرهطُ لم يعد في قلوبهم متسع للصَّلاحِ والإصلاح، وبيتوا فيما بينهم أمرًا،(انظر الظلال، سيد قطب، ج5، ص (2645).



                      لقد بيتَ هؤلاء قتلَ صالح وأهلَه بياتًا، وبيتوا هذا العملَ وذهبوا إلى بيتِ صالح وأهله لقتلِه، إلا أنَّ الملائكة رمتهم بالحجارة؛
                      " وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ".


                      فهم دبروا المكيدةَ لقتل صالح وتصفيته، إلا أنَّ الله جازاهم على مكرِهم بأنْ عجَّل لهم العقوبةَ والهلاك " وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"، فأين مكرُهم من مكرِ الله؟! وأين تدبيرهم من تدبيرِ الله؟! وأين قوتهم من قوةِ الله؟! وأين جندهم من جند الله؟! " وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " فأتاهم الله من حيثُ لا يشعرون، فباغتهم الله وهم لا يشعرون، وأتاهم من حيث لا يدرون؛

                      قال أبو حيان:
                      "مكرُهم هو تدبيرُهم لقتلِ صالح، ومكر الله إهلاكُهم وهم لا يشعرون"(انظر البحر المحيط، 7 / 85.)


                      " فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا " [النمل: 51- 52]، فمن لمحةٍ إلى لمحة إذا التدمير والهلاك، وإذا الدور الخاوية والبيوت الخالية، وقد كانوا منذ لحظةٍ واحدة.






                      ففي الآيةِ السابقة من السورةِ يدبرون ويمكرون، ويحسبون أنهم قادرون على تحقيقِ ما يمكرون (الظلال، سيد قطب، ج 5، ص (2646).، فحصل هذا بسرعةٍ ليدلَّ على المباغتة، وحسن التدبير، وأنَّ في هذا لعبرة "لِقَوْمٍ يَعْلَمُون" حتى يتعظوا بما حصل.


                      ومعلوم أنَّ المكرَ في كلِّ زمانٍ ومكان، فقد قاموا بهذا ضد الأنبياء والرسلِ، وليس ببعيدٍ أن يمكروا بحملةِ الدَّعوةِ بعد الرسل والأنبياء، وعرفنا كيف فعلوا ودبروا كلَّ مرةٍ ضد الأنبياء؛ منهم نوح وصالح، ولم تقتصر عليهم فقط، وإنما استعملها فرعونُ ضد موسى - عليه السلام - عندما قال: " وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ " [غافر: 26]،

                      وكذلك مع عيسى - عليه السَّلام -: " فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " [آل عمران: 52 - 54]، إلا أنني اقتصرتُ الحديثَ على نوح وصالح،



                      وسأختتم بمكرِ قريش بسيدِنا محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكفار عصره، فالمؤامرة التي استعملها الكفارُ قديمًا في عصر نوحٍ ضد نوح هي نفسها التي استعملها الكفَّارُ في كلِّ زمانٍ ومكان؛ من أجلِ التخلص من دعوةِ الحق، وذلك باغتيال حامل الدعوة؛ قال - تعالى -:
                      " وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْيُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " [الأنفال: 30]

                      والمعنى أنهم كان لديهم ثلاثة خيارات؛ إمَّا الإثبات: وهو الحبس والوثاق، والطريقة الثانية: وهي التصفية الجسدية بالاغتيال والقتل، والطريقة الثالثة: وهي الإخراجُ والطرد والإبعاد من محلِّ الدعوةِ، ليحولَ وصول الدعوةِ للناس

                      وهذه الطرقُ الثلاثة كانت قديمة حديثة، ففي القتلِ قال الله - تعالى -: "وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْمُوسَى" وفي االحبس والوثاق: قول فرعون لموسى - عليه السلام -: " لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ" [الشعراء: 29] وفي الإخراج قال تعالى: " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِيمِلَّتِنَا " [إبراهيم: 13]


                      قال
                      الطبرى في تفسيرِه لهذه الآية: "رُوِيَ عن ابن عباس - رضي الله عنهما –أنه قال: لما عرفتْ قريش أنَّ رسولَ اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد كانتْ له شيعة وأصحاب من غير بلدِهم، ورأوا خروجَ أصحابِه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا دارًا أصابوا منهم منعة، فحذروا خروجَ رسول اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فاجتمعوا له في دارِ النَّدوة؛ وهي دارُ قُصي بن كِلاب؛
                      التي كانت قريش لا تقضي أمرًا إلا فيها، فيتشاورون فيها ما يصنعون من أمرِ رسولِ اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين خافوه، فلمَّا اجتمعوا لذلك، في ذلك اليوم الذي اتعدوا له، وكان ذلك اليوم يُسمَّى: يوم الزحمة، اعترض لهم إبليس في هيئةِ رجلٍ شيخ جليل، عليه بت - يعني: كساء غليظ من صوفٍ أو وبر - فوقف على بابِ الدَّارِ، فلمَّا رأوه واقفًا على بابها،

                      قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخٌ من أهل نجدٍ، سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى ألا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا، قالوا: أجل، فادخل، فدخل معهم، وقد اجتمع فيها أشرافُ قريش من كل قبيلة بني عبد شمس: عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب، ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي وجُبير بن مطعم والحارث بن عامر بن نوفل
                      ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة، ومن بني أسد بن عبد العزى: أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب وحكيم بن حزام، ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام، ومن بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج، ومن بني جمح: أمية بن خلف، ومن كان معهم، وغيرهم ممن لا يُعدُّ من قريش، فقال بعضُهم لبعض: إنَّ هذا الرجل قد كان من أمرِه ما قد رأيتم،
                      فإنَّا والله ما نأمنه على الوثوبِ علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأيًا، قال: فتشاوروا ثم قال قائلٌ منهم: احبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه بابًا، ثم تربصوا ما أصاب أشباهه من الشُّعراء الذين كانوا قبله؛ زهيرًا والنابغة، ومن مضى منهم من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم،

                      فقال الشيخ النجدي:



                      لا واللهِ، ما هذا لكم برأي، والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجنَّ أمرُه من وراءِ الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابِه، فلأوشكوا أن يثِبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمرِكم، ما هذا لكم برأي، فانظروا في غيره، فتشاوروا عليه.



                      ثم قال قائلٌ منهم: نخرجُه من بين أظهرِنا فننفيه من بلادِنا، فإذا خرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه، فأصلحنا أمرنا،
                      قال الشيخ النجدي:




                      لا والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسنَ حديثِه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوبِ الرِّجال بما يأتي به؟ والله لئن فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحلَّ على حيٍّ من العربِ، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسيرُ بهم إليكم حتى يطأكم في بلادِكم بهم، فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه أمرًا غير هذا.



                      قال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد، قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كلِّ قبيلة شابًّا فتى جلدًا نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نعطي كلَّ فتى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا عليه فيضربوه ضربةَ رجلٍ واحد، فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إن فعلوا ذلك تفرَّق دمُه - يعني الدية؛ وهي المالُ الذي يُعطى لولي القتيل - فعقلناه لهم، قال الشيخ النجدي:

                      القولُ ما قال الرجل، هذا الرأي، لا أرى غيره، فتفرَّق القوم على هذا وهم مجمعون له".اهـ (الطبري، ج 13 ص (495) الحديث الذي جاءت به هذه القصة أخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص63- 64).





                      " وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" [الأنفال: 30]؛ قال سيد: "والصورةُ التي يرسمها قولُه: " وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ" صورة عميقة التأثيرِ، ذلك حين تتراءى للخيالِ ندوة قريش، وهم يتآمرون ويتذاكرون ويدبِّرون ويمكرون، والله من ورائهم محيط؛ يمكرُ بهم، ويبطل كيدَهم، وهم لا يشعرون(الظلال، سيد قطب، ج 3، ص (1501).


                      وفي هذه الآية إشارةٌ إلى أنَّ المكرَ مستمرٌّ، إلا أنَّ المكر الإلهي متربصٌ بهم " وَيَمْكُرُ اللَّهُ "، ومكر الله أبلغ وأعظم، والله يمكر بهم من حيثُ لا يشعرون.


                      والحمدُ لله والصَّلاة والسلام على رسولِ الله محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.



                      التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 10-02-2017, 05:30 PM. سبب آخر: فك حرف متشابك

                      "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
                      وتولني فيمن توليت"

                      "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

                      تعليق


                      • #12
                        رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم

                        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

                        بارك الله فيكم ونفع بكم وجزاكم خير الجزاء
                        إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                        والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                        يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                        الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                        تعليق


                        • #13
                          رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم

                          المشاركة الأصلية بواسطة أبو أحمد خالد المصرى مشاهدة المشاركة
                          وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

                          بارك الله فيكم ونفع بكم وجزاكم خير الجزاء
                          اللهم آمين وإياكم، بوركتم على مروركم الطيب

                          "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
                          وتولني فيمن توليت"

                          "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

                          تعليق


                          • #14
                            رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم


                            سلسلة المكر في القرآن (5) المكر بآيات الله




                            هذا نوعٌ مِن أنواع المكر التي تصدُر عن الكفَّار والمشركين، وهي المكرُ بآيات الله؛ قال تعالى: " وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ " [يونس: 21].




                            فهذا حالُ الناس في النِّعمة بعدَ المرض، والغِنى بعد الفقر، والأُنس بعد الوحشة، والأمن بعدَ الخوف، لا يَتذكَّرون ما أصابَهم في الماضي؛ ليشكروا الله على الرَّخاء والرَّحمة، بل يفعلون العكسَ تمامًا، يزدادون مكرًا وطغيانًا، ويَسعَون بمكرِهم مِن أجل إبطالِ آيات الله، وإبطال الحقِّ، وإطْفاء نور الله؛



                            قال القرطبي: "وإذا رَزَقْنا المشركين بالله فرجًا بعد كَرْب، ورخاءً بعدَ شدَّة أصابتهم، إذا لهم استهزاءٌ وتكذيب بآيات الله" "
                            جامع البيان، الطبري، ج 11، ص 99" وإنَّ المقصود بالكفَّار هم كفار مكة، فذَكَر أنَّ الله سلَّط عليهم الجدْبَ والقحط حتى خافوا الهلاك، فجاؤوا إلى سيِّدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليدعو لهم وقدْ وعَدوه بالإيمان، فلمَّا رحمهم الله رجَعوا إلى كُفرهم وعِنادِهم ومكرِهم بآيات الله ".انظر الظلال، ج 3، ص 1773





                            قال ابنُ عاشور في تفسير هذه الآية: "ومعنى مكرِهم في الآيات أنَّهم يَمكُرون مكرًا يتعلَّق بها؛ وذلك أنهم يُوهِمون أنَّ آياتِ الله غيرُ دالَّة على صِدق الرسول محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وزَعموا أنَّه لو أُنزلتْ عليهم آية أُخرى لآمَنوا، وهم كاذبون في ذلك، إنَّما يكذبون عنادًا ومكابرةً وحفاظًا على دِينهم في الشِّرْك""التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 11، ص 133 .







                            " قَلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا " فكَما هو معلومٌ ومعروفٌ للكلِّ أنَّ المكر السيِّئ لا يَحيق إلا بأهلِه، وأنَّ مَكرَهم مَردودٌ عليهم، ومقصودهم منعكس عليهم، بل إنَّ عقوبةَ الله أسرعُ مِن مكرهم.




                            " إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ " قال سيِّد قطب: "فلا شيءَ منه يخفَى ولا شيءَ منه ينسَى" "الظلال"، سيِّد قطب، (3/ 1773)"،
                            ثم أعقبَ الله سبحانه هذه بقوله: " هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ " ليدلَّ على القُدرة الإلهيَّة العجيبة المتَّصفة بالدقَّة، وبأنَّ الأمور تقَع في مقدورِ الله وحْده، وهذا يردُّ على مَن يفسرون الأمورَ بأنَّها حوادثُ طبيعيَّة،

                            وبأنَّ ما يحصُل ويقَع هو مِن تفكير البشَر ومِن ذكائهم، وأنَّ ما يحدُث مِن زلازل وبراكين وأعاصير، هذا مِن الطبيعة وغضبها، واختلافات الأحوال الجويَّة، وأنَّ ما يحصُل مِن أمراض وأوجاع لم تكُن في أسلافِنا ولم تقعْ على أحدٍ مِن قبل،

                            قالوا: أخطاء وبسببِ تأثيرات فيروسيَّة! وما عَلِموا أنَّ الله هو الذي يُسيِّركم في البرِّ والبحر، وبهذا تطور المكر عما كان عليه قديمًا، فالآن يَمكُرون في آياتِ الله وكتابه بوسائلَ لم تكُن متاحةً للماكرين السابقين مِن أسلافهم،



                            قال المبشِّر تاكلي: يجب أن نَستخدِم القرآن، وهو أمْضَى سلاح في الإسلام ضدَّ الإسلام نفْسِه، حتى نَقضي عليه تمامًا، يجب أن نبيِّن للمسلمين أنَّ الصحيح في القرآن ليس جديدًا، وأنَّ الجديدَ فيه ليس صحيحًا "
                            "قادة الغرَب يقولون: دمِّروا الإسلام أَبيدوا أهلَه"؛ عبدالسلام يوسف (جلال العلم)، دار السلام، (ص: 47)
                            .



                            ، فما يقوم به المبشِّرون (المنصِّرون)، والمستشرقون وما يقوم به مِن حملات التغريب اليومَ ما هي إلا إكمال لتلك السِّلسة الماكِرة على الإسلام وآياته؛ لأنَّهم يُدرِكون تمامًا أنَّ هذا الكتاب هو سرُّ قوَّة المسلمين،



                            قال غلادستون: ما دام هذا القرآن موجودًا، فلن تَستطيع أوروبا السيطرةَ على الشَّرْق، ولا أنْ تكونَ هي نفسها في آمانٍ كما رأينا "
                            "قادة الغرَب يقولون: دمِّروا الإسلام أَبيدوا أهلَه"؛ عبدالسلام يوسف (جلال العلم)، دار السلام، (ص: 47).



                            ، فهُم يعلمون تمامًا أنَّ القرآن وآياته هي سرُّ تمكُّن المسلمين؛ ولهذا يَمكُرون بآياتِ الله تعالى وستبقَى هذه الحَمْلة، لكن الله أسرعُ مكرًا.







                            "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
                            وتولني فيمن توليت"

                            "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

                            تعليق


                            • #15
                              رد: سلسلة المكر في القرآن الكريم

                              وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                              مجهود رائع
                              جعله الله ثقلا في ميزان حسناتكم
                              جزاكم الله خيرًا ،، وبارك الله فيكم

                              اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X