إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

روائع الأوقاف في الحضارة الإسلامية .. د/ راغب السرجاني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • روائع الأوقاف في الحضارة الإسلامية .. د/ راغب السرجاني






    إنَّ عظمة التشريع الإسلامي تتمثَّل في كونه استطاع أن يُحَقِّقَ المعادلة الصعبة، التي لم يستطع أيُّ تشريع سابق أو لاحق أن يُحَقِّقَها؛ فهذا التشريع رسم لنا الصورة المثاليَّة لأي مجتمع إنساني؛ من خلال الخوض في كافَّة التفاصيل المتعلِّقَة به، بل وتقديم الحلول الناجعة لكافَّة المشكلات الأخلاقيَّة والاجتماعيَّة والإنسانيَّة.. وغيرها من خلاله؛ وما استطاع ذلك إلا لكونه {
    تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [يس:5].

    هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فإنه أدرك أن هناك واقعًا يعشيه الإنسان.. يتغيَّر هذا الواقع تبعًا لتصرفات البشر ورغائبهم؛ ومن ثَمَّ حرصت الشريعة الإسلاميَّة على أن يُعْمِل المجتهدون من بني الإسلام كافَّة أدواتهم الاجتهاديَّة؛ من أجل استنباط الأحكام الشرعيَّة والمصلحيَّة، التي تساعد في حلِّ ما استجدَّ من قضايا، بل وتقديم حلول لمشاكل مستقبليَّة، وهو ما عُرف عند الفقهاء بالمسائل الافتراضيَّة!

    ولقد كانت مسائل الأوقاف من أهمِّ القضايا التي تناولتها المصادر التشريعيَّة وكُتب الفروع؛ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أوَّل واقف في الإسلام، ثم تبعه الصحابة -غنيُّهم وفقيرهم- في هذا الأمر المهمِّ؛ وما فعلوا ذلك إلاَّ تحقيقًا للغاية التي من أجلها وُجِدَ الوقف؛ ألا وهي ابتغاء وجه الله عزَّ وجلّ ورضوانه.

    ثم سارت الأُمَّة الإسلاميَّة على درب هؤلاء الأفذاذ، ومع مرور العصور وتوالي الأزمان بدأت تتكشَّف القيمة الحقيقيَّة للأوقاف؛ إذ إنها ساعدتْ بل أسهمت بدور حيوي في حلِّ المشاكل التي واجهتها الأُمَّة عبر تاريخها الحضاري الطويل؛ من أدواء مادِّيَّة وأخلاقيَّة واجتماعيَّة ونفسيَّة وعلميَّة وعسكريَّة.. وغيرها، وهو ما لم نجده في أي حضارة أخرى، ومن ثَمَّ حرص فقهاؤنا على ضبط العمليَّة الوقفيَّة برُمَّتِهَا، وأدركوا أنها عمليَّة تتكوَّن من عناصر مهمَّة؛ هي: الوقف والواقف والموقوف عليهم، فبدأ الفقهاء في وضع الضوابط العامَّة التي تُفَصِّل العلاقة بين هؤلاء، ثم رأينا من روعة فقهائنا وتشريعنا أنهم أدركوا أن الوقف من الأمور المصلحيَّة، وليس من الأمور التوقيفيَّة التي نزلت من عند الله عزَّ وجلَّ فتُطَبَّق على هيئتها التي نزلت عليها، ومن ثم تجلَّت العبقريَّة الإسلاميَّة في مسائل الأوقاف في كافَّة مذاهب أهل السُّنَّة والجماعة، فرغم اختلافاتهم الفقهيَّة التي كانت تبغي المصلحة الشرعيَّة أوَّلاً وآخرًا؛ إلا أن الغاية التي حرَّكتهم كانت واحدة متمثِّلة في رضا الخالق عزَّ وجلَّ.

    وتجلَّت روعة الأوقاف في التطبيق العملي لهذه المنظومة الفقهيَّة الرائعة، التي وضعها فقهاؤنا من خلال الحضارة الإسلاميَّة، التي امتدَّت على مدار أربعة عشر قرنًا، وإننا سنجد في هذا الكتاب تغلغل الأوقاف في كافَّة تفاصيل الحياة؛ فمن أوقاف المساجد إلى أوقاف المستشفيات إلى أوقافٍ تُراعي راحة المسلمين ودواخلهم النفسيَّة؛ مثل: وقف يُشترى منه نوع معيَّن من الأسماك لا يأتي إلا مرَّة واحدة في العام في تونس، فيأكل منه الفقراء كما يأكل الأغنياء!

    إنَّ فلسفة الأوقاف الإسلاميَّة تكمن في كونها للناس عامَّة؛ لا فرق فيها بين غني وفقير، ورئيس ومرءوس، إنها تُؤَكِّد على حقيقة الإسلام ذاته، الذي جاء بكل ما هو خير للبشرية على سبيل التنظير من خلال نصوص القرآن الكريم وسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال التطبيق العملي لهذه النصوص، وما ذلك إلا دليل لا مشاحة فيه على صدق الرسالة الإسلاميَّة ورحمتها وتيسيرها لكل الخلق؛ إذ لم تكن هذه الأوقاف حكرًا على المسلمين دون غيرهم؛ فقد كان المستحِقُّون -في كثير من الأوقاف- من أهل الكتاب وبقيَّة الملل الأخرى، ووجدنا كثيرًا من الفتاوى عبر تاريخ التشريع الإسلامي تُجِيز أكل أهل الكتاب وفقراء الملل الأخرى من الأوقاف، بل إننا وجدنا عشرات الأوقاف الإسلاميَّة التي أُوقِفَتْ للحيوانات المريضة والعاجزة والجائعة؛ وما ذلك إلا انعكاس حقيقي لمرآة الإسلام العظيم!

    ولعلنا نتناول في عدة مقالات قادمة مجموعة من القضايا المهمَّة، نبدأ فيها بتوضيح بعضًا من روائع التشريع الإسلامي في مسائل الأوقاف، ثم الحديث عن روائع استنباطات فقهاء المسلمين في الوقف؛ كدليل على حيوية التشريع الإسلامي، ثم نتحدث عن عظمة المسلمين وعبقريتهم في إدارة هذه الأوقاف عبر تاريخ الحضارة الإسلاميَّة، والآليات المستحدثة التي استخدموها في كل عصر على حدة؛ بدءًا من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وانتهاءً بعصر الخلافة العثمانيَّة، ثم نعرض بعد ذلك لكيفية إنشاء المسلمين للأوقاف المتنوِّعة في الحضارة الإسلامية عبر عصورها المختلفة، ودورها العظيم في المجتمعات الإسلاميَّة، وكيف أنهم، "أي: المسلمين" ساروا أفقيًّا ورأسيًّا في إنشاء الأوقاف؛ فرأسيًّا من حيث التنوُّع المجتمعي والطبقي الإسلامي، الذي اشترك في إنشاء هذه الأوقاف، بكل ما أوتي من قوَّة ورغبة وعزم؛ من رجال وشيوخ ونساء وعلماء وأثرياء وقادة وسلاطين.. وأفقيًّا حيث تنوَّعت هذه الأوقاف من مساجد ومستشفيات ومدارس ومكتبات عامَّة وفنادق.. وغيرها.

    ثم نعرج على عصرنا الحاضر وكيف أنه قد شهد طفرة حقيقيَّة في التعامل مع الأوقاف، حيث نأتي بنماذج رائعة تَبْرُز فيها طرائق الاستثمار الحديث للأوقاف،

    وأخيرًا وليس آخرًا؛ نسأل الله أن يكون هذا العمل ابتغاءً لوجهه ورضوانه، ونسأله أن يُحيي دور الأوقاف في مجتمعاتنا، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 03-03-2017, 07:46 AM.

  • #2
    رد: روائع الأوقاف في الحضارة الإسلامية .. د/ راغب السرجاني

    عرف الوقف بتعاريف كثيرة، وأقرب تلك التعاريف لمعنى الوقف ما ذكره ابن قدامة في المقنع بأنه:
    تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، لكونه مقتبساً من قول أفصح البشر لساناً وأبلغهم بياناً صلى الله عليه وسلم، حينما سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن أرض أصابها بخيبر.
    فقال له:
    (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها).




    وللوقف أركان أربعة ذكرها أهل العلم في مقدمة ذكرهم أحكام الوقف الإسلامي.
    والركن الأول هو: الواقف، وهو المحسن أو المتبرع الذي يوقف ما قدره الله عليه وهو الحابس للعين.
    والركن الثاني: هو الموقوف: أي الشيء الذي حبسه أو أوقفه من مال أو عقار أو ما أشبه ذلك.
    والركن الثالث: هو الموقوف عليه: وهي الجهة المنتفعة بالعين المحبوسة كمسجد أو دار علم، أو بيت لابن السبيل، أو للجهاد في سبيل الله، أو لحفر بئر، أو لإجراء نهر، أو لشق طريق، أو ما أشبه ذلك. وكذلك قد يكون الوقف لمراكز العلم الشرعي ومدارس التحفيظ. حتى يدوم استمرارها وعطاؤها.

    الركن الرابع: هو الصيغة، ويقصد بها لفظ الوقف، وما في معناه.



    من حِكَم الوقف:

    إن الله لم يشرع أي عبادة إلا ولها حكم بالغة، وفوائد جمة، وللوقف الإسلامي عظيم الفوائد ,أجل الحكم، ومن أبرز ذلك:

    الوقف أنه وعاء يصب فيه خيرات العباد، ومنبع يفيض بالخيرات على البلاد والعباد تتحقق به مصالح خاصة ومنافع عامة، ولا ريب أن هذه الخيرات تكون من أموال المسلمين، وممتلكاتهم وأن حصولهم عليها يجب أن يكون من جهة حلال.

    أنه أوسع أبواب الترابط الاجتماعي بما ينسجه داخل المجتمع الإسلامي من خيوط محكمة في التشابك، وعلاقات قوية الترابط يغذي بعضها بعضاً، تبعث الروح في خلاليا المجتمع حتى يصير كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. مصداق قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
    "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " رواه البخاري ومسلم

    استرارية الأجر والثواب وتكفير الذنوب لأنه أجر لا ينقطع، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
    " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم

    استمرار الانتفاع به في أوجه الخير، وعدم انقطاع ذلك بانتقال الملكية.

    البقاء والمحافظة على المال الذي هو عصب الحياة..

    وغير ذلك من المصالح الانسانية


    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 03-03-2017, 07:45 AM.

    تعليق


    • #3
      رد: روائع الأوقاف في الحضارة الإسلامية .. د/ راغب السرجاني



      جزاكم الله كل خير وبارك فيكم


      تعليق


      • #4
        رد: روائع الأوقاف في الحضارة الإسلامية .. د/ راغب السرجاني

        جزاكم ربي الجنة ..

        تعليق


        • #5
          رد: روائع الأوقاف في الحضارة الإسلامية .. د/ راغب السرجاني

          للرفع
          بارك الله فيكم

          تعليق


          • #6
            رد: روائع الأوقاف في الحضارة الإسلامية .. د/ راغب السرجاني

            وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيرًا، وبارك فيكم

            تعليق

            يعمل...
            X