إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللقاء الثامن عشر | بين اللغة والشريعة للدكتور رضا السيد | بصائر3

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللقاء الثامن عشر | بين اللغة والشريعة للدكتور رضا السيد | بصائر3


    حُكْم تَعَلُّم النحو
    حكم تعلم النحو، العلماء نظروا في تلك المسألة وقسَّموها إلى قسمين: حكم تعلم النحو لعموم المسلمين، وحكم تعلم النحو لطلبة العلم خاصَّة، فهناك حكمٌ عام لعموم المسلمين، وحكمٌ خاص لطلبة العلم وطلبة الفقه والشريعة والعقيدة والتفسير.

    قال ابن تيمية -رحمه الله-: "معلومٌ أن تعلم العربية وتعليمها فرضٌ على الكفاية"، نص في هذا الحكم أن تعلم العربية وتعليمها، تعلمًا للنفس، وتعليمًا للغير، تأخذ حكم الفرض الكفائي.
    وقال ابن حزم الأندلسي -رحمه الله-: "أما النحو ففرضٌ على الكفاية".
    وقال الإمام الرازي -رحمه الله-: "معرفة النحو والصرف فرضٌ على الكفاية".
    والعلماء نقلوا الإجماع على ذلك أن تعلم اللغة العربية وتعلم علومها من باب فروض الكفايات.




    اللقاء الثامن عشر | بين اللغة والشريعة للدكتور رضا السيد | بصائر3




    تفضلوا معنا في تحميل الدرس الأول بجميع الصيغ



    رابط الدرس على الموقع وبه جميع الجودات

    http://way2allah.com/khotab-item-136596.htm

    رابط صوت mp3

    http://way2allah.com/khotab-mirror-136596-217569.htm


    رابط الجودة hd

    http://way2allah.com/khotab-mirror-136596-217568.htm

    رابط يوتيوب




    رابط ساوند كلاود


    https://soundcloud.com/way2allahcom/...gha-wa-shari3a

    رابط تفريغ بصيغة pdf

    هنا

    رابط تفريغ بصيغة word


    https://up.top4top.net/downloadf-6629ttpe1-doc.html


    لمشاهدة جميع دروس الدورة وتحميلها على هذا الرابط:

    http://way2allah.com/category-585.htm


    | جدول دورة بصائر لإعداد المسلم الرباني | الجزء الثالث |


    موضوع مخصص للاستفسارات الخاصة بالدورة العلمية " بصائر3 "


    لقراءة التفريغ مكتوب
    تابعونا في المشاركة الثانية بإذن الله.
    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 31-10-2017, 11:59 PM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.


  • #2
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له ومَن يُضْلِل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، ثم أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الرابع مع حضراتكم في هذه السلسلة المباركة بصائر التي تُذاع عبر شبكة الطريق إلى الله، أسأل الله عز وجل أن ينفعنا جميعًا بتلك السلسلة المباركة وأن ينفع بها عموم المسلمين.
    وصل الحديث معنا حول نقطة مهمة جدًّا وهي حُكْم تَعَلُّم النحو، ولماذا سَطَّر العلماء هذا الحُكْم، وصُوَر مِن كَيْد الأعداء للغة العربية، وكيف يُرَدُّ عليهم.


    حُكْم تَعَلُّم النحو
    أولًا حكم تعلم النحو، العلماء نظروا في تلك المسألة وقسَّموها إلى قسمين: حكم تعلم النحو لعموم المسلمين، وحكم تعلم النحو لطلبة العلم خاصَّة، فهناك حكمٌ عام لعموم المسلمين، وحكمٌ خاص لطلبة العلم وطلبة الفقه والشريعة والعقيدة والتفسير.
    • حكم تعلم النحو لعموم المسلمين
    أولًا الحكم المتعلق بعموم المسلمين، قال العلماء أجمعوا على أنه من واجب الكفايات، فهو وجوبٌ كفائيّ كغيره من شتَّى العلوم، كأصول الفقه، وعلم مصطلح الحديث، وأصول التفسير، قالوا: إن علوم اللغة العربية تأخذ نفس الحكم من أنه فرضٌ على الكفاية.

    وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "معلومٌ أن تعلم العربية وتعليمها فرضٌ على الكفاية"، نص في هذا الحكم أن تعلم العربية وتعليمها، تعلمًا للنفس، وتعليمًا للغير، تأخذ حكم الفرض الكفائي.
    وقال ابن حزم الأندلسي -رحمه الله-: "أما النحو ففرضٌ على الكفاية".
    وقال الإمام الرازي -رحمه الله-: "معرفة النحو والصرف فرضٌ على الكفاية".
    والعلماء نقلوا الإجماع على ذلك أن تعلم اللغة العربية وتعلم علومها من باب فروض الكفايات.


    • حكم تعلم النحو لطلبة العلم
    أما الشِّقّ الآخر من المسلمين وهم طلبة العلم خاصَّة، طلبة التفسير، طلبة الفقه، طلبة الحديث، فقد نص أهل العلم على وجوب تعلم طلبة العلم لعلوم اللغة لا سيما النحو والصرف وعلم التراكيب أيْ شطر من علوم البلاغة، نص أهل العلم على وجوب تعلم طلبة العلم لعلوم اللغة.

    من هؤلاء مثلًا ممن ذكر هذا الرأي سلطان العلماء العز بن عبد السلام -رحمه الله- يقول: "يجب تعلم النحو على طالب العلم لأن فهم الكتاب والسنة وحفظ الشريعة واجبٌ".
    قال العز بن عبد السلام: "يجب تعلم النحو على طالب العلم لأن فهم الكتاب والسنة وحفظ الشريعة واجبٌ"، ولا يتأتَّى حفظ الكتاب وفقهه وحفظ السنة وفهمها، لا يتأتَّى كل ذلك إلا بفقه لغة العرب ولسان العرب.

    وقال ابن حزم الأندلسي الظاهري -رحمه الله-: "ولو سقط علم النحو لسقط فهم القرآن، وفهم الحديث، ولو سقط ذلك لسقط الإسلام" نعوذ بالله من هذا المصير.

    قال الذهبي -رحمه الله-: "وينبعي الاعتناء بلغة الكتاب والسنة؛ ليُفهم الخطاب" يعني خطاب الله لخلقه وخطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته. قال الذهبي: "وينبغي.." وكلمة ينبعي معلومة أنها بمعنى يجب، "ينبغي الاعتناء بلغة الكتاب والسنة ليُفهم الخطاب" يعني خطاب الله لخلقه، وخطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة.

    زِدْ على ذلك أن العلماء الأصوليين قاطبةً أجمعوا على أنه لا يبلغ درجة الاجتهاد في الدين إلا من كان متبحرًا لا أقول ملمًا ولكن إلا من كان متبحرًا بعلوم اللسان العربي من نحوٍ وصرف وبيانٍ وبديعٍ ومعانٍ ولغةٍ وإعراب، يكون متبحرًا فيها أيْ عالمًا بلغ درجةً كبرى في هذا العلم.
    ومن هؤلاء مثلًا الإمام الشافعي -رحمه الله- والغزالي وإمام الحرم الجويني والآمدي والقرافي والشوكاني كلهم اشترطوا مَن أراد التفقه في الدين وفهم الوحيين يجب عليه أن يتعلَّم النحو والصرف والغريب والتراكيب العربية.

    من هنا يتضح لنا جليًّا أن العلماء قسموا المسلمين قسمين:
    قسم يتعلق بعموم المسلمين، وحكم تعلمه للغة العربية وعلومها فهو فرضٌ على الكفاية.
    أمَّا طلبة العلم خاصة يجب عليهم وجوبًا عينيًّا أن يتبحَّروا في جُلّ علوم اللغة العربية.




    أهمية دراسة علوم اللغة لطالب العلم الشرعي
    ولعَلَّ سائلًا يسأل: لماذا أصدروا هذه الأحكام خاصةً لمن كان مُتصدرًا للفتوى، أو كان متصدرًا للتفسير، أو كان متصدرًا للقراءة والإقراء والإمامة؟
    إليكم طرفًا من أقوال أهل العلم في أهمية دراسة اللغة لهذه العلوم، مِن ذلك قَوْل عمر وقد مَرَّ معنا فيما مضى -رضي الله عنه- الفاروق قال: "تعلموا العربية فإنها من دينكم وإنها تزيد المروءة وتُثَبِّت العقل". عمر بن الخطاب يقول: "تعلَّموا العربية فإنها من دينكم، وإنها تزيد المروءة وتثبت العقل".
    هذا مِن باب تعلُّم اللغة عامةً لعلوم الشريعة ولتقويم الأخلاق.

    وقال الشافعي -رحمه الله-: "ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتَرْكِهم لسان العرب"، فكأنَّ الإمام الشافعي -رحمه الله- يُرْجِع جهل الناس واختلافهم إلى أمرٍ واحد وهو أنهم تركوا لسان العرب ولم يتفقهوا في لغتهم.

    والسيوطي -رحمه الله- يقول: "مَن فاته النحو فاته المُعَظَّم". فاللغة وعلومها لها أهميةٌ لعلوم الشريعة عامَّة.

    قال الشافعي -رحمه الله-: "مَن تبحَّر في علم النحو اهتدى إلى كل العلوم"، وبالطبع الإمام يقصد علوم الشريعة.

    وقال الإمام مالك إمام دار الهجرة -رحمه الله-: "لا سبيل إلى علم الكتاب والسنة والرسوخ فيهما إلا بالتبحر.." لم يقل الإلمام ولا المعرفة السطحية أبدًا قال: ".. إلا بالتبحر في علوم اللسان العربيّ".

    وقال الشاطبيُّ -رحمه الله- صاحب الموافقات: "إن هذه الشريعة مبارَكَةٌ فمن أراد تَفَهُّمها فمن جهة لسان العرب"، وعقَّب بقَوْله: "ولا سبيل له إلى فهم الشريعة بغير فهم لسان العرب".

    علوم اللغة لازِمَة لتعلم باقي العلوم الشرعية
    أمَّا عن تعلُّم علوم اللغة بفروعها فهي مهمةٌ جدًّا ولازمةٌ لكل مَن أراد أن يقرأ القرآن أو أن يُقرئ القرآن أو أن يكون إمامًا في الصلاة، ومَن أراد تعلُّم العقيدة أو تعليمها ومن أراد تعلم ضبط الحديث أو الرواية، ومَن أراد الفقه وتدريس الفقه وأصول الفقه يجب عليه أن يتبحر في كل علوم اللغة العربية.


    • تعلم اللغة شرطٌ لإقراء القرآن
    من ذلك مثلًا: أنهم اشترطوا للمقرئ وللذي يُقرئ الناس القرآن أن يكون عالمًا باللسان العربي.
    قال عمر -رضي الله عنه-: "لا يقرئ القرآن إلا عالِمٌ باللغة"، لم يقل عارف، ولا عرف معرفةً سطحية مُجْمَلَة بل قال عالِم، وعمر بن الخطاب عندما يضع الكلمة يضعها في نصابها الصحيح، يقصدها لفظًا ومعنى. يقول عمر: "لا يُقرئ القرآن إلا عالمٌ باللغة" لماذا؟ سبق معنا ذلك الأعرابيُّ الذي أُقرئ قول الله -تبارك وتعالى-: أن الله بريء من المشركين ورسولِه، فقال: "تبرأت ممن تبرأ الله عز وجل منه"، فلمَّا رُفِع الأمر إلى عمر قال: ما هكذا أُنزلت، بل أُنزل قَوْل الله -تبارك وتعالى-: "أَنَّ اللَّـهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ" التوبة:٣، أيْ ورسوله بريءٌ منهم.
    والقصة سلفت معنا. عقَّب عمر بن الخطاب بقَوْلِه: "لا يُقْرِئُ القُرْآنَ إلا عالمٌ باللغة".
    • تعلم اللغة شرطٌ للإمامة في الصلاة
    وقال الحسن -رحمه الله- يُشَنّع على كل إمامٍ صلَّى بالناس، ودخل المحراب مكان النبي -صلى الله عليه وسلم- حفظ بعض الآيات لكنه لم يَعْلَم لغة العرب شنَّع عليه لما سُئِل إنَّ إمامنا يصلي ويلحن في الصلاة، الرجل الذي يؤدي بنا الصلاة في الصلوات الجهرية يلحنُ في الصلاة، فبِمَ رَدَّ الحسن -رحمه الله-؟ قال: "أميطوه عنكم"، ومعلومٌ أن الإماطة لا تكونُ إلا للأشياء التي لا تُحَب، ولا ينبغي أن يتعلق الإنسان بها، ولا أن يتَّصل بها.
    قال الحسن: "أميطوه عنكم".

    فعلم اللغة النحو والصرف لا ينبغي أن يفارقه كل قارئ للقرآن، أو مُقرئ للقرآن أو كان إمامًا للمسلمين في صلواتهم لا سيَّما الصلاة الجهرية.


    • تعلم اللغة ضروري لفهم وتعلم العقيدة الصحيحة
    كذلك علوم اللغة مفيدةٌ وضروريَّةٌ لكل مَن طلب العقيدة الصحيحة، عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، قال عليٌّ -رضي الله عنه-: "إنما كفرت بنو إسرائيل بحرفٍ واحدٍ كان مسطورًا في الإنجيل" إنَّما كفرت، وأسلوب "إنما" هذا معلومٌ أنه أسلوب اختصاص أيْ لم يكفروا إلا بهذا، طبعًا هذا في بداية كُفرهم وانحرافهم وضلالهم، قال: "إنما كفرت بنو إسرائيل بحرفٍ واحدٍ كان مسطورًا في الإنجيل"، وهي قَوْله "إني وَلَّدت عيسى" بتشديد اللام، فكفروا وحرَّفوا وقالوا: "إني ولَدْتُ" بسكون اللام، ولَدتُ اختلافٌ كبير بين ولَّد وولَد. ولَّد أيْ أخرجه الله -عز وجل- بكلمته من مريم، أمَّا ولَدتُ والعياذ بالله فقد نسبوا بذلك الولد لله عز وجل.
    قال الإمام علي: "إنما كفرت بنو إسرائيل بحرفٍ واحدٍ كان مسطورًا في الإنجيل، قوله: إني ولَّدت عيسى، فقالوا: إني ولَدت عيسى".

    وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي -رحمه الله- إمامٌ من أئمة السلف في اللغة، وعَلَم من أعلامها، وقُطْب من أقطابها قال -رحمه الله-: "عامَّةُ مَن تزندق بالعراق لقلة علمهم بالعربية"، فكأنَّ الجهل باللغة العربية دفع بني إسرائيل أنْ يكفروا بالله -عز وجل-، ودفع بعض المسلمين أن يتزندق وأن يجاهر بمخالفة الشرع في وضح النهار أمام المسلمين.

    واللغة بها تَثْبتُ أصول علم العقيدة، وأفضل ورأس علم العقيدة أن يعلم الإنسانُ صفات الله -عز وجل- وأسماءه، فالأسماء والصفات كثيرٌ منها لا يثبت إلا بالفهم الثاقب للغة العرب.
    من ذلك مثلًا ما ذَكَره العلماء، جعلوا من أسماء الله -عز وجل- وصفاته: المجيد، أين وجدوا ذلك؟ في سورة البروج، في قَوْل الله -تبارك وتعالى-: "وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ" البروج:١٤،١٥، بضَمّ الدال، أيْ برفع كلمة المجيد، فإذا أعربتَ الآية: "هو الغفورُ" مبتدأٌ وخبر، "الودود" خبرٌ ثانٍ، "ذو العرشِ" خبرٌ ثالث، "المجيدُ" خبرٌ رابع، فالمجيدُ هنا بهذه القراءة قراءة الرفع وهي قراءةٌ متواترة تُثْبِتُ لله -عز وجل- أنَّه مجيد.
    وثمَّة قراءةٌ أخرى "وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ" فبجَرِّ المجيد يكون المجيد صفةً لعرش الله -عز وجل-، قال علماؤنا -رحمهم الله-: "والمجيد هنا بالرفع تسميةٌ لله -عز وجل-، وبالمجيدِ صفة للعرش، وكلاهما مجيد".

    وقَوْل الله -تبارك وتعالى- مُخَاطِبًا نبيه -صلى الله عليه وسلم-: "بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ" الصافات:١٢، بل عجبت يا محمد -صلى الله عليه وسلم- ويسخرون ببناءِ التاء على الفتح أيْ تاء الخطاب، فالخطابُ هنا مُوَجَّهٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- "بَلْ عَجِبْتَ".
    وهناك أيضًا قراءةٌ سبعية متواترة أخرى "بَلْ عَجِبْتُ" بضَمّ التاء، ببنائها على الضم، فهي تاءُ للمتكلم، أيْ أن الله -عز وجل- نسب لنفسه التعجب من هؤلاء القوم، "بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ"، هنا استنبط أهل العلم أن الله -عز وجل- من صفاته أنه يتعجب، وذلك ثابتٌ بالقرآن، وثابتٌ بالسنة.
    ما الذي أوصلنا إلى استنباط تلك الصفة ونسبتها إلى الله -عز وجل-؟ رَفْعُ التَّاء أو بناؤها على الضَّمّ، نُسِب ذلك إلى الله -عز وجل-. فنُثْبِت لله -سبحانه وتعالى- صفة التَّعَجُّب، نثبت لله -عز وجل- ما أثبته لنفسه في كتابه، وما أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح السُّنَّة، وننفي عن الله -عز وجل- ما نفاه عن نفسه في كتابه، وما نفاه عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح السُّنَّة بغير تكييفٍ ولا تشبيهٍ ولا تأويلٍ ولا تعطيل.

    مِن ذلك مثلًا العلماء استنبطوا أن الله -عز وجل- كلَّم موسى بالصوت والحرف مِن قَوْل الله -تبارك وتعالى-: "وَكَلَّمَ اللَّـهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا" النساء:١٦٤، كَلَّم الله كلم هنا فعلٌ ماضٍ مبني على الفتح، اللهُ فاعلٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضمة، فالذي تكلَّم هو الله.
    ذهب الزنادقة لكي يُعطِّلوا تلك الصفة، أرادوا أن ينفوا عن الله -عز وجل- صفة الكلام فقالوا "وكلم اللهَ موسى" فجعلوا الله مفعولًا به مُقَدَّم، وموسى هو الفاعل وعلامة الإعراب تخفى عليه للتَّعَذُّر، فمعلومٌ أنَّ الاسم الذي يكون مُعْتَلَّ الآخر بالألف إذا رُفع وإذا نُصِب وإذا جُرَّ تكون العلامات كلها ضمًّا وفتحًا وكسرًا مُقَدَّرَةً للتَّعَذُّر.
    انظر إلى الفارق الكبير بين أهل السُّنَّة وأهل التعطيل وأهل الزَّيْغ والفساد، يقرأ أهل السُّنَّة: "وَكَلَّمَ اللَّـهُ" فنُسِب الكلام إلى الله -عز وجل-، وردوا على الزنادقة بقَوْلهم: إنَّ هذا خرج على سبيل الحقيقة ولم يخرج على سبيل المجاز، وذلك لأنَّ الله -عز وجل- أكَّدَ الفعل توكيدًا بالمفعول المُطْلَق، قال الله: "وَكَلَّمَ اللَّـهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا" فنسبة المجاز منتفية بهذا التوكيد، من أين عرفنا ذلك؟ من فهمنا للغة العرب.


    • تعلم اللغة ضروري لضبط وتعلم علم الحديث
    واللغة ضروريةٌ جدًّا لمن أراد علم الحديث، وضَبْط الحديث، والأمة الإسلامية تشرُف بهذا العلم، فهي الأمة التي لا تعرف الأخبار إلا بالأسانيد، الأمة التي حفظت متونها، وحفظت أسانيدها، ليست هناك أمة.. حتى صارت ميزة وخصوصية لتلك الأمة، صارت مزية عظمى، وخصوصية لتلك الأمة أنها أمةُ الإسناد، قال عمر منذ القِدَم: "سموا لنا رجالكم"، وقد وردت السنة صحيحة محقَّقَةً حتى قال أعداء النبي -صلى الله عليه وسلم- ورفعوا الصوت بذلك: "إن الشخص الوحيد على ظهر الأرض الذي وُلِدَ في ضوء الشمس محمدٌ صلى الله عليه وسلم" لماذا؟ لأننا اهتممنا بسنته وبسيرته ونُقِلَت لنا نَقْلًا عِلْميًّا دقيقًا مُحْكَمًا، وصار علمُ الحديث وما تفرَّع منه مِن أكبر علوم أهل الأرض.

    اللغة ضرورية جدًّا لطالب الحديث، مِن ذلك قول الخطيب البغدادي -رحمه الله- وهو من أئمة الحديث يقول: "ينبغي -أيْ يجب- للمحدث أن يتَّقي اللحن في روايته.."، ينبغي للمحدث أن يتَّقي، يبتعد كُل البُعْد عن اللحن في روايته، ".. لأنه إذا لحن فقد قال على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما لم يَقُل" ولو كان مُتَعَمِّدًا فقد صار مُهَدَّدًا وواقِعًا تحت قَوْل النبي -صلى الله عليه وسلم- "مَن كذبَ عليَّ متعمدًا فليتبوَّأْ مقعدَهُ من النارِ" صحيح البخاري.
    فينبغي للمُحَدِّث وطالب الحديث ودارس الحديث أن يُتقن لغة العرب حتى لا يكون ممن يكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيرفع المنصوب، وينصب المرفوع، ويجر المنصوب، وينصب المجرور، إلى آخر تلك الأخطاء التي نسمعها من كثيرٍ من الناس.

    قال الإمام ابن الصلاح -رحمه الله-: "حَقٌّ على طالب الحديث أن يتعلم اللغة والنحو" لماذا؟ ".. ليتخلَّص من التحريف ومَعَرَّته". انظر إلى تلك العبارة الجميلة البليغة، يقول ابن الصلاح -رحمه الله-: حقٌّ على طالب الحديث أن يتعلم، فرضٌ عليه أن يتعلم، واجبٌ عليه أن يتعلم اللغة والنحو، طب ما علاقة النحو باللغة؟ هذا من باب عطف الخاص على العام، عطف الخاص على العام وهو صورةٌ من صور الإطناب التي تُدْرَسُ في علم المعاني، لماذا خَصَّ النحو؟ لأهميته القصوى والبالغة في صحة التحديث وصحة الرواية بالتالي صحة الفهم والاستنباط من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    يقول ابن الصلاح: حقٌّ على طالب الحديث أن يتعلم اللغة، خاصةً النحو، اللغة والنحو، لماذا؟ ليتخلَّص من ماذا؟ من التحريف ومعرته، ابن الصلاح يرى أنَّ الذي يلحن في قراءته ويلحن في تحديثه ويُخطئ في كتابته وحديثه كأنما أُصيب بالمَعَرَّة، أصيب بماذا؟ بالمعرة، أن يتخلَّص من التحريفِ ومعرَّته.

    وهذا هو الإمام النووي ينُصُّ على كلامٍ قريبٍ من ذلك، وذلك الإمام الأوزاعي -رحمه الله- يقول: "أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عَرَبًا" هذا الحديث مَن الذي قاله؟ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وصحابته الكرام، وهؤلاء هم العرب الخُلَّص، فإذا أردت أن تُحَدِّث عن العرب فحَدِّث بلغة العرب ولا تخرج عن حدودها التي رُسِمَت وطريقها الذي ضُرِب وسُكَّ ليسير عليه أهل اللغة وأهل الحديث.
    يقول الأوزاعي: "أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عربًا".
    فاللغة ضروريةٌ لقارئ القرآن، ولمُقرئ القرآن، وللإمام الذي يَؤُمُّ الناس في الصلوات بالقرآن، اللغة ضرورية جدًّا لطالب العقيدة، ولطالب الحديث، ولراوي الحديث.


    • تعلم اللغة ضروري لطالب الفقه
    كذلك اللغة لا يستغني عنها طالبُ الفقه، ولا شيوخ الفقه، لماذا؟ لأنَّ السلف أجمعوا والخلف كذلك، أجمع السلف والخلف أن المرء لا يبلُغ درجة الاجتهاد إلا بعلم اللسان العربي، بالعلم فقط؟ أبدًا، بل والتَّبَحُّر فيه، أجمع السلف والخلف أنه لا يبلغ المجتهد درجة الاجتهاد إلا بعلم اللسان العربي والتبحر فيه.

    مِن ذلك مثلًا ما رواه محمد بن إدريس -رحمه الله-، ومحمد بن إدريس كان من أكابر أهل اللغة، وكان إذا أرادَ الشِّعْرَ لأنشده كما يُنْشِد فحول الشعراء من العرب الجاهليين، وهو الذي قال عن نفسه:
    وَلَوْلا الشِّعْرُ بِالعُلَمَاءِ يُزرِي لَكُنْتُ الْيَوْمَ أَشْعَرَ مِنْ لَبِيدِ
    يعني يعرف في نفسه القدرة والكفاءة أنْ يكون واحدًا من الشعراء الذين عُلِّقَت أشعارهم مُعَلَّقات على أستار الكعبة، يقول:
    ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد
    أيْ لبيد بن ربيعة، وذلك رجلٌ كان من الجاهليَّة وكان مُعَمِّرًا، إلا أنه أدرك الإسلام وأسلم واتَّبع النبي -صلى الله عليه وسلم- وتنَسَّك وحفظ القرآن الكريم وترك الشعر، فلما سُئِل لِمَ تركتَ الشعر يا لبيد مع قدرتك فأنت واحد من فحول الشعر الجاهلي؟ قال: "وماذا أقولُ بعد أن قرأنا كلام الله -عز وجل-"، كأنه استحيا من بلاغة القرآن، ولا يعرفُ كلام الله -عز وجل- في لغته حَق المعرفة إلا القوم الذين تنَزَّل عليهم القرآن.

    فاللغة ضروريَّةٌ لطالب الفقه، مهمَّةٌ له، قال الجويني: قال الشافعي -رحمه الله-، بعد أن قام في تعلم العربية عشرين سنة، تخيَّل الإمام الشافعي محمد بن إدريس الذي نشأ في بيئة اللغة وتَشَرَّبَ اللغة من أفواه أصحابها، أقام في العربية عشرين سنة، فلمَّا قيل له عشرين عامًا؟! تبقى في تعلم اللغة عشرين عامًا؟!
    قال: "ما أردتُ بذلك إلا الاستعانة على الفقه".
    فالإمام الشافعي رأى أن الآلة الكبرى للوصول إلى فقه كتاب الله وفقه سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورأى أنَّ استنباط الأحكام لا يَتِمّ إلا بأن يعرك لحييه بلغة العرب وأن يجيدها.

    قال الجويني -رحمه الله-: "لن يستقل المرء بالنظر في الشرع ما لم يكن ريَّانًا من النحو واللغة" العبارة مرة ثانية: قال الجويني -رحمه الله-: "لن يستقل المرء بالنظر في الشرع.." لن يستطيع أن ينظر في النصوص الشرعية ليستنبط ويفهم ويُحَدِّث ويَحْكُم، لن يستطيع أبدًا ".. ما لم يكن رَيَّانًا.." ما معنى ريَّان؟ يعني ممتلئ ريًّا، كأنَّ النحو وكأن علوم اللغة اختلطت بعظمه ودمه فأصبح ريَّانًا بها ".. ما لم يكن ريَّانًا من النحو واللغة".
    وإذا أردت أن تُحَدِّث عن أهمية اللغة في نحوها وصرفها وجُل علومها لعلماء الأصول فحدِّث ولا حرج، ويستحيل، أقول يستحيل أن يُدَرِّسَ أحدٌ أصول الفقه إلا إذا كان مُتَبَحِّرًا كُلَّ التَّبَحُّر في علوم اللغة فجُلُّ أبواب أصول الفقه قائمةٌ على علم العربية وفروعها وأصولها.
    علماؤنا واللغة العربية
    انظر إلى علمائنا الصالحين من السلف الصالح كيف أنهم بلغوا الدرجة القصوى من علوم اللغة، فالشافعيُّ -رحمه الله- كان يؤخَذُ عنه اللغة، أصبح حجة في اللغة.





    وذلك الإمام أحمد إمام أهل السُّنَّة -رحمه الله- كان لغويًّا بارعًا في النحو والبلاغة وشتَّى علوم اللسان العربيّ، الإمام أحمد شُهِرَ بالحديث، صاحب المُسْنَد، إمام أهل السُّنَّة الذي ثبت في المحنة، فنصر الله الأمة بأبي بكر يوم الردة ونُصِرَت الأمة بالإمام أحمد يوم فتنة خلق القرآن، الإمام أحمد المشهور عنه والمعلوم أنه من أئمة السنة ومع ذلك كان بارِعًا في اللغة، كان بارعًا في البلاغة،كان بارعًا في النحو، كان بارعًا في شتى علوم اللسان العربيّ.

    وذلك الإمام الطبري، انظر إلى تفسير الطبري أودع في تفسيره جُلَّ آراء النُّحَاة من لدن سيبويه ومَن بعده، ومَن قبله، تفسيره التفسير الكبير للإمام الطبري ذلك التفسير الكبير الجامع، كتابه التفسير تحدث فيه عن كثير جدًّا جدًّا من أبواب النحو والصرف وعلوم البلاغة حتى أنَّ كثيرًا من الباحثين نال في كتابه درجات التخصص في الماجستير والدكتوراه في اللغة والنحو والصرف والبلاغة إلى آخره، فكان عَلَمًا من أعلام السنة، علمًا من أعلام التفسير، علمًا من أعلام اللغة، علمًا من أعلام الحديث، فهو شيخ من شيوخ التفسير، ومن شيوخ التاريخ، ومن شيوخ التحديث، ومن شيوخ اللغة.

    ابن تيمية -رحمه الله- بلغ من فقهه للنحو والصرف أنه قال: "لقد وجدت أكثر من أربعين خطأً في الكتاب لسيبويه" ومَن ذا الذي يُخَطِّئ سيبويه؟ سيبويه إمام أهل اللغة، إمامٌ كبير من أئمة اللغة، حتى أنني سمعتُ أستاذي الدكتور عبده الراجحي -رحمه الله ورحم كل أساتذتنا ومشايخنا رحمهم جميعًا- يقول: يُشَبِّهُ تشبيهًا عجيبًا أعجبني جدًّا والله، يقول: إن الكتاب الذي وضعه سيبويه، كتاب سيبويه في النحو اسمه الكتاب، لم يضع له اسمًا فلما توفي عنه في ريعان الشباب رحمه الله سيبويه سَمَّوا كتابه الكتاب، فصار عَلَمًا بالغلبة على ذلك الكتاب من كتب النحو، قال عبده الراجحي -رحمه الله-: "وإن هذا الكتاب للغة العربية أشبه بالغلاف للكرة الأرضية".
    كان ابن تيمية -رحمه الله- يقول: "إنني أُخَطِّئ سيبويه في أكثر من أربعين مسألة".

    هذا هو العلم الشرعيّ لا يكتملُ أبدًا في قراءةٍ للقرآن أو إقراء أو إمامة أو تفسير أو فقه أو حديث أو أصول فقه وجُلّ علوم الشريعة لا تكتمل أبدًا إلا لإنسانٍ ولطالب علم أدرك اللغة وعلومها وتشرَّبَها.
    هذا غيضٌ من فيض لأئمتنا الذين درسوا اللغة وفهموها.

    فاللغة العربية لازمة كما رأينا لكل علوم الشريعة، بل تلزم مَن أراد أن يرقق ذوقه، وأن يطلق خياله، وأن يهذب مشاعره. كما قال عمر بن الخطاب: "الشعر ديوان العرب وبه تزداد المروءة".
    محاولات الأعداء لهدم اللغة العربية
    لكن أعداء هذه الأمة لم يرضوا أبدًا ولم يتركوا اللغة وشأنها بل حاولوا هدم اللغة بشتى الطرق وحاولوا اتّهامها بشتى التُّهَم؛ حتى تصغر في عينَي أبنائها فيزهدون فيها وتُترك تلك اللغة العربية العظيمة، مع أننا نعلم أن اللغة ركنٌ ركينٌ من هُوية هذه الأمة، فالأمة تقوم هُويتها على أركانٍ ثلاثة: على دين ولغة وتاريخ، فهي ركنٌ من أركان الحضارة الإسلامية والهُوية الإسلامية.
    فالأعداء أطلقوا كثيرًا من الأراجيف والاتّهامات للغة العربية، وتلك بعض الصور التي حرصوا عليها:
    • نشر اللغات الأجنبية في ديار المسلمين
    حرصوا على نشر اللغات الأجنبية في ديار المسلمين، حرص أعداء تلك اللغة وأعداء الأمة على نشر لغات عدَّة أجنبية، وأصبحت تُدَرَّس للطلاب في سنوات عمرهم الأولى، ومعلوم -كما يرى علماء التربية- أن اللغة الأم إذا دُرِّست حتى تشرَّبها الإنسان وصار يتقنها إذا تعلَّم لغةً أخرى لا تضر باللغة الرئيسة اللغة الأم، أما إذا تعلم لغة أجنبية قبل أن يتعلم اللغة الأم التي يعيش في بيئتها فإنها بالطَّبع ستزاحمها ولن يستقل أبدًا بفهمها.
    نشر اللغات الأجنبية في ديار المسلمين عبر العُمَّال الوافدين والمطبوعات والمدارس، بل وكانوا خلف كتابة الطب والهندسة والعلوم وعلوم الآلة وكثير من العلوم التي يحتاجها المجتمع أصبحت تُدَرَّس في جُلّ بلاد المسلمين بغير اللغة العربية، وكانت هذه خطوة كبرى في نزع علوم اللغة من هذا المجتمع.
    • ترويج اللهجات العامية
    عملوا أيضًا على ترويج اللهجات العامية، فهذا شعر نبطي، وتلك إعلاناتٌ تجارية ورسوم ومقالات هزلية تروِّج للعامية، وأحاديث إذاعية أيضًا لا تكون باللهجة الفصحى.
    عملوا على إحياء النعرات في كثير من أبناء الوطن العربي وبلدانهم حتى تَشُبَّ اللهجات العامية وتنبت على ضفاف اللغة الفصحى؛ فتتآكل تلك اللغة شيئًا فشيئًا.
    • سخروا من أهل اللغة
    سخروا في برامجهم من اللغة الفصحى ومن أهلها في فترات سابقة، وما زالوا يسخرون منها، فهذا هو المدرس الذي يُسخر منه أبجد هَوَّز حطي كلمن، ويُسخر من أستاذها، ويأتي المدرس في صورةٍ لا سيَّما مدرس اللغة العربية يأتي في صورة هزلية مُضْحِكَة لكي يستفز الناس عن اللغة ويتركوها.
    وهناك صورة المأذون الشرعي والإمام وحدِّث ولا حرج عنه إذا تكلم باللهجة الفصيحة يتقعر في الكلام ويتشدق ويهز أكتافه ويحملق في الذي يُحَدِّثه بطريقة تثير السخرية وتدعو إلى العجب من تلك اللغة.
    • نشروا بين الطلاب أن لا حاجة للإعراب لصعوبته
    نشروا بين الطلاب ألا داعي أصلًا للإعراب، فالإعراب يقولون مُرْهِق ومُتْعِب فاتركوا الإعراب، واللغة إذا تُرك إعرابها ضاعت اللغة بالكلية.

    هؤلاء يحاولون بشتى المحاولات أن يطمسوا هُوية الأمة بطَمْس لغتها، ولكن نقول لهم:
    هل يضيرُ البحرَ أمْسى زاخِراً أنْ رمى فيهِ غلامٌ بحجر؟
    هل يُضَرُّ البحر إذا ألقى طفلٌ وغلامٌ صغير ألقى حجرًا في هذا البحر الزاخر لن يُضَرّ البحرُ أبدًا.
    • حاولوا فتنة العرب بغير لغتهم
    ثم حاولوا فتنة العرب بغير لغتهم، فأصبحت البيئة المُثَقَّفَة وكبار القوم وعليتهم يفخر الواحد أن ابنه يتحدث لغتين وثلاث لغات وأربع لغات، أما العربية فلا يفتخر أبدًا بانتمائه إليها، مع أن ماضينا العريق كانت اللغة العربية اللغة السائدة، سادت الأرض كلها أكثر من ثمانية قرون، حتى قال المستشرق دوزي في كتابه الإسلام والأندلس: "إن أرباب الفطنة والتذوق من النصارى.." هذا المستشرق دوزي في كتاب الإسلام في الأندلس يتحدث أن كبار المثقفين في أوروبا لا سيَّما في الأندلس كان الواحد منهم إذا تحدث العربية كانت له آية من آيات الفخر والإعجاب يقول: "إن أرباب الفطنة والتذوق من النصارى سحَرَهم رنينُ الأدب العربي، فاحتقروا اللاتينية، وصاروا يكتبون بلغة قاهريهم دون غيرها".

    وقال أحد رجال الدين النصارى: "وا أسفاه إن الجيل الناشئ من المسيحيين الأذكياء لا يُحسنون أدبًا أو لغةً غير الأدب العربي واللغة العربية، وإنهم ليلتهمون كتب العرب، ويجمعون منها المكتبات العظيمة الكبيرة بأغلى الأثمان".

    اللغة العربية كانت ولا تزال إن شاء الله وستكون بإذن الله لغة الدين لغة العلم لغة الحياة لغة الحضارة التي تتسع لكل جديدٍ في العلم وفي الحياة، ولله در شاعر العربية -رحمه الله- يوم أنْ قال:
    وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظًا وغايةً وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
    فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلةٍ وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
    أنا البحر في أحشائه الدُّرُّ كامنٌ فهل ساءلوا الغَوَّاص عن صدفاتي




    لماذا يشعر البعض بصعوبة اللغة العربية؟
    إذن لماذا تلك الهجمة؟ ولماذا شعر بعض الناس فعلًا بصعوبة اللغة العربية؟ السؤال لماذا يشعر البعض فعلًا بصعوبة اللغة العربية وصعوبة النحو والصرف وعلوم البلاغة؟
    ذلك لأسباب كثيرة وكلها أسبابٌ مُصْطَنَعة مُخْتَلَقة لكي يُصَدّ الناس عن لغتهم، فإذا ما صُدُّوا عن لغتهم صُدُّوا عن دينهم وذابت وضاعت هُويتهم.
    • ضعف الغيرة لدى أبناء المسلمين
    من ذلك ضعف الغيرة لدى أبناء المسلمين على اللغة، والإنسان إذا ضَعُف الدافع عنده لتعلم اللغة فلماذا يُجْهِد نفسه في تعلُّمها؟ ومعلومٌ أن جُلّ العلوم لا تُنَال إلا بصبر ومصابرة، وتحتاج الجهد الذي يُبذل حتى تُتَعَلَّم، أيّ علم من العلوم يحتاج إلى هذا الجهد، فضَعْف الغيرة لدى أبناء المسلمين أدَّى إلى الإحساس بصعوبة اللغة.
    • تصديق ما رُوِّج عن اللغة
    أيضًا صَدَّق بعضهم وانخدع بما رُوّج عليه لأنه مَكْر الليل والنهار.
    • سوء إعداد المناهج التعليمية
    وكذلك سوء إعداد الكتاب الذي يُدرَّس للطلاب في التعليم بكل مراحله الجامعي وما قبل الجامعي فإذا أُسِيء إعداد الكتاب فأنَّى يتعلَّم الطلاب، اللغات الأخرى تُصنع على أيدي خبراء وعلى أعينهم فيأتي الكتاب بما فيه من علومٍ يَسْهُل تدريسها ويسهل التدريب عليها، مخدومة خدمة عالية جدًّا، أما كتب اللغة العربية ففيها القصور الذي يعرفه أهل الدراسة والعلم.
    • سوء إعداد المُعَلِّم
    كذلك أيضًا سوء إعداد المدرس وإسناد اللغة العربية لغير ذوي الكفاءات، لماذا يُنتقى لكثيرٍ من العلوم الأكفاء وأصحاب العقول الناضجة والمواهب المتفتحة والقدرات الخاصة، لماذا لا يُختار للغة العربية أرقى العقول وأنضج الأفهام؟ لماذا لا يُختار لها أرقّ القلوب وأفهمها ويخضع لاختبارات حتى يُقبل لتدريس هذه اللغة؟
    فإذا ما أُسْنِدَ التدريس لغير الأكفاء فحدّث ولا حرج عمَّا تسمع من هؤلاء وهم يُدَرّسون إلا القلة القليلة تجد فعلًا الخير موجود في الأمة والعلماء موجودون والأساتذة المتخصصون ما زالوا، ولكننا في حاجة إلى زيادة الرقعة واختيار أفضل العناصر لتدريس اللغة.
    • حَذْف الكثير من محتوى النحو من المناهج الدراسية
    من ذلك أن مادة النحو أو أصبح فرع النحو بل أصبح أجزاء يسيرة، فَتِّش في الكتاب الدراسي في مراحل التعليم ما قبل الجامعي عن دروس النحو وارسم خريطة منذ عشرين سنة إلى وقتنا هذا تجد المنحنى التكراري هابطًا جدًّا، أصبح الطالب يَدْرُس أشياء يسيرة جدًّا جدًّا في النحو تحت حجة التخفيف والتيسير والتنحيف والأقزمة حتى أصبح النحو يُبحَثُ عنه كما تَبحث عن إبرة في كومةٍ من القش، لذلك نجد البعض يشكو من صعوبة النحو.

    لا بُدّ من الصبر على العلم وبَذْل الجهد لتحصيله
    ولكن اللغة العربية إذا ادّعوا صعوبتها، وهي فعلًا تحتاج إلى مجهود
    أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان
    ذكاء وحرص واجتهاد وبُلْغَة -أيْ ما يُبَلِّغُك- وصحبة أستاذ وطول زمان.
    العلم يحتاج إلى مجهود ويحتاج إلى صبر ومجالدة، لا سيّما هذه العلوم أيضًا من العلوم الكبيرة المتشعّبة وليست الصعوبة دليلًا على أنها تُترك، فعلم الطب بالغ الصعوبة لماذا لا ينادون بتركه؟ والهندسة والفلك والرياضيات وكثير من العلوم تحتاج إلى مشقَّة ومجهود بالغ، فلماذا لا ينادي هؤلاء بترك تلك العلوم لمشقتها؟ لو نادى إنسان بترك الرياضيات لصعوبتها وما فيها من معضلات لاتُّهِمَ بالجنون، لو نادى إنسان بترك الطبّ لمشقة دراسته وشدّتها على الطلاب لاتُّهم أيضًا بالحُمق والغفلة، فلماذا يُنادى بترك اللغة العربية وترك علومها؟

    رغم إصابتهم أتقنوا اللغة
    إن كثيرًا من علمائنا الأفاضل الذين كانوا مصابين ببعض العاهات بلغوا درجة الحذق والإتقان للغة العربية، مِن هؤلاء مثلًا الإمام العلّامة ابن سيده -رحمه الله-، وابن سيده وسيأتي إن شاء الله في لقاءٍ خاص لنتحدث عن بعض هؤلاء الأعلام، ولعله اللقاء القادم إن شاء الله نختم به السلسلة المباركة التي أسأل الله أن ينفع بها عموم المسلمين وأن ينفعنا جميعًا، أختم بترجمة لبعض علماء اللغة وبعض أركانها وجبالها الأثبات كيف عاشوا وكيف ألَّفوا وكيف أفنوا حياتهم خدمةً للغة الوحيين اللغة العربية.

    الإمام ابن سيده -رحمه الله- كان ضريرًا ومع ذلك ذلك الرجل العلامة الذي تُوفي سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة هجرية ألَّف تآليف كثيرة منها "المُخَصَّص" كتاب قَيِّم جدًّا، والمحكم والمحيط الأعظم في اللغة، والأنيق في شرح الحماسة، والوافي في علم القوافي، وشَرَح كتاب الأخفش، وكتاب شاذّ اللغة.

    قال عنه العلامة الدكتور محمد عبد الخالق عضيمة -رحمه الله-، رجل عاش في عصرنا الحديث إلا أنك تشعر أنك أمام جبل من جبال العلم في اللغة العربية، رحمه الله الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة صاحب كتاب دراسات لأسلوب القرآن الكريم، هذا الكتاب الموسوعة الذي لا يستغني عنه أبدًا طالب الفقه والأصول، لا يستغني عنه أبدًا، ولا طالب الحديث، ولا يستغني عنه طالب التفسير، لماذا؟
    موسوعة في دراسات القرآن الكريم، في الحروف، والأساليب، وما يتعلق بجُلّ علوم النحو والصرف، حتى قال عنه الشيخ محمود شاكر -رحمه الله-: "ذلك معجم قام به شخصٌ واحد، كتابٌ قام به شخصٌ واحد لو قامت به هيئةٌ من كبار العلماء لكان مَفْخَرَةً باقية لها".
    يقول الشيخ عضيمة -رحمه الله-: "ينبغي لنا أن نعترف بالتفاوت بيننا وبين مَن سبقنا، وانظروا إلى آثارهم تتحدث عن مواهبهم"، قال هذا الرجل من باب التواضع ووالله إنه لا يقل خطرًا عن كبار أئمة اللغة في العصور الذهبية الأولى، يقول: "ونُشِيد بعِظَم قَدْرهم، فهذا ابن سيده عالمٌ وُلِد مكفوف البصر، واستطاع مع ذلك أن يضع في ذهنه وفي فكره كُتُبًا ضخمة كالمخصص والمحكم".
    وكثيرٌ آخرون غير ابن سيده ألَّفوا وصَنَّفوا فهذا ابن منظور -رحمه الله- صاحب اللسان، ذلك الرجل العالم الكبير المُتوفَّى سنة ١١ وسبعمائة أيضًا قد كُفَّ بصرُه.

    ومنهم أيضًا يوسف بن سليمان الأندلسي الشنتمري الأعلم النحوي المُتَوَفَّى سنة ستة وسبعين وأربعمائة أيضًا كان من كبار علماء اللغة والنحو.
    وهذا ابن الدهان النحوي -رحمه الله- كان مكفوف البصر.
    وعبد الصمد بن يوسف النحوي.
    وعبد الكريم بن علي، المُلَقَّب بالبارع.

    وخالد بن عبد الله الأزهري الذي كان يعمل وقَّادًا للسراج في الأزهر، وبينما كان يُشعل إحدى الفتائل سقطت، رجل يعني عامل في الجامع الأزهر كل عمله أنه يوقد المشاعل، يضع فيها الزيت ويُشعل الفتائل لطلاب العلم، هذا كل عمله، خادم في الجامع فقط للعلم وطلابه، سقط الفتيل منه على كرسي أحد الطلاب فشتمه ذلك الطالب، سوء أدب منه، وعيَّره بالجهل، سوء أدب آخر، فترك خالد الأزهري الوقادة، واشتغل بطلب العلم وهو ابن سِتٍّ وثلاثين سنة، لا تقُل إني كبرت، أبدًا، بل غيرك بلغ من السن مبلغًا، وطلب العلم على كبر وفاق وراق على غيره من الأقران، ففاق أقرانه وصار يُشارُ إليه بالبنان، وإلى مؤلفاته القيّمة كالتصريح بمضمون التوضيح، وتمرين الطلاب في صناعة الإعراب، أعرب الألفية ألفية بن مالك أعربها إعرابًا كاملًا بليغًا مُتْقَنًا، وله الألغاز النحوية، وشَرْح الآجرومية، وظل يكتب لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمُقْعَد.




    الخاتمة
    هَلُمَّ إلى طلب العلم، هَلُمَّ إلى فقه اللغة، هَلُمَّ أيها الأخ الحبيب هَلُمَّ إلى دراسة النحو والصرف والبيان والبديع والمعاني واللغة والمحاضرة والمسامرة، اللغة بحرٌ زاخر، وما نحن في مَن مضى إلا كما قال الإمام أبو عمرو بن العلاء -رحمه الله- يوم قال: "مَا نَحْنُ فيمن مَضَى إلا كبَقْلٍ في أُصولِ نَخْلٍ طوال وأنا أقول: إن لم تكونوا مثلهم فتشبَّهوا إن التَّشَبُّه بالرجال فلاح.
    أسأل الله -عز وجل- أن يُفَقّهنا في اللغة، وأن يُصَحّح ألسنتنا، وأن يرزقنا فقه اللغة، وعلومها، وأن يحفظ للأمة هُويتها بأيدينا وأيدي الحريصين على اللغة، وعلى القرآن والسُّنَّة، إنه خير مَن سُئل وأكرم مَن أجاب.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



    تم بحمد الله

    شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
    https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36


    وللمزيد من تفريغات الفريق تفضلوا:
    هنـــا
    ونتشرف بانضمامكم لفريق عمل التفريغ بالموقع
    فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
    رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.


    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

    تعليق


    • #3
      و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

      جزاكم الله خيرا، محاضرة قيمة و مهمة جدا
      اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.

      الداعية مهمته الأساسية أن يربح نفسه أولا.. ويحسن إلى نفسه أولا
      بقية المقال هنا

      تعليق


      • #4
        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكِ الله خيرًا ونفع بكِ.


        رحمــــةُ الله عليـــكِ أمـــي الغاليــــــــــــة

        اللهــم أعني علي حُسن بِــــر أبــي


        ومَا عِندَ اللهِ خيرٌ وأَبقَىَ.

        تعليق


        • #5
          جزاكم الله خيرًا كثيرًا -- رابط ملف Word لا يعمل

          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة *أمة الرحيم* مشاهدة المشاركة
            جزاكم الله خيرًا كثيرًا -- رابط ملف Word لا يعمل
            وخيرا جزاكم
            تم تعديل الرابط
            اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

            تعليق

            يعمل...
            X