إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللقاء السادس عشر | شهادات منصفة للدكتور رضـا السيـد | بصائر3

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللقاء السادس عشر | شهادات منصفة للدكتور رضـا السيـد | بصائر3




    وَشَهِدَ شَاْهِدٌ مِنْ أَهْلِهَاْ
    وقد وصل بنا المطاف في اللقاء الثاني لنتحدث عن اللغة، وشهادة أهلها لها، بل وشهادة مَن لا ينتسبون إليها، والحَقُّ مَاْ شَهِدَتْ بِهِ الأَعْدَاْءُ

    وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفْظًا وغايةً .. وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
    فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصْفِ آلة ٍ.. وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
    أنا البحر في أحشائه الدُّرُّ كامنٌ .. فهل ساءلوا الغَوَّاصَ عن صدفاتي


    فحَرِيٌّ بنا أن نعرف قَدْرَ لُغَتِنا، وأن نهتم بها الاهتمام الأمثل؛ لفهم الكتاب، وفهم السنة، وللتواصل مع التراث، والاقتداء بصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحفاظًا على هُويتنا.



    اللقاء السادس عشر | شهادات منصفة للدكتور رضـا السيـد | بصائر3




    تفضلوا معنا في تحميل الدرس بجميع الصيغ


    رابط الدرس على الموقع وبه جميع الجودات
    http://way2allah.com/khotab-item-136594.htm





    رابط الدرس على الموقع وبه جميع الجودات
    http://way2allah.com/khotab-item-136594.htm


    رابط يوتيوب



    رابط ساوند كلاود
    https://soundcloud.com/way2allahcom/shahadat-monsefa



    رابط تفريغ بصيغة word
    هنـــا

    لمشاهدة جميع دروس الدورة وتحميلها على هذا الرابط:
    http://way2allah.com/category-585.htm


    | جدول دورة بصائر لإعداد المسلم الرباني | الجزء الثالث |


    موضوع مخصص للاستفسارات الخاصة بالدورة العلمية " بصائر3 "


    لقراءة التفريغ مكتوب
    تابعونا في المشاركة الثانية بإذن الله.


    التعديل الأخير تم بواسطة يسرا بنت الصالحين; الساعة 22-10-2017, 09:45 PM.
    اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.

    الداعية مهمته الأساسية أن يربح نفسه أولا.. ويحسن إلى نفسه أولا
    بقية المقال هنا

  • #2
    حياكم الله وبياكم الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات:
    يسر
    فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
    أن يقدم لكم تفريغ: شهادات منصفة
    للدكتور رضـا السيـد
    ​​


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
    فهذا هو اللقاءُ الثاني مع حضراتكم عبر هذه السلسلة المباركة الميمونة، دورة بصائر، الموسم الثالث، عبر شبكة الطريق إلى الله.



    تذكير بسِمَات اللغة العربية
    وقد تناولنا في اللقاء الماضي خصوصيات اللغة العربية، وبعضًا من سِمَاتِها، وتحدَّثنا عن بعض هذه السِّمَات،

    وكان منها أنها لغة الفصاحة.

    ثانيًا: أنها لغة الترادف.
    ثالثًا: أن الكلمة في اللغة العربية يدل صوتها في أغلب الكلمات على معانيها.

    واتَّسَمَتْ أيضًا تلك اللغة بسعة مفرداتها، فهي بشهادة العرب والعجم والمُنْصِفِين منهم أنها أكثر اللغات سعةً ومفردات، فقد تَحَصَّلَ مِن المُسْتَخْدَم فيها حوالي خمسة ملايين كلمة تُسْتَخْدَم من ستة ملايين في اللغة العربية منها مُسْتَخْدَم ومنها ما لا يُسْتَخْدَم.

    اللغة العربية اختصت بعلم العروض الذي لا يوجد في أي لغةٍ من لغات الأرض، هذا العلم الذي خَصَّ الله -عز وجل- به تلك اللغة وتلك الأمة.

    من سماتها أيضًا الثبات والمرونة، فلا تجد لغةً على ظهر الأرض يتَحَدّثها البشر إلا وهي ربما يَعْتَرِيها التغيير على بضعة قرون، ربما تجد ما يتحدَّثه الآن المُثَقَّفُ الإنجليزي يختلفُ كُلَّ الاختلاف عَمَّا يتحدّثه أجداده منذ قرونٍ عدة، أما لغة العرب فهي لغة الثبات والاستقرار، رغم ما فيها من مُطَاوَعةٍ ومرونة إلا أننا مازلنا نقرأ الشعر الجاهلي والأدب الجاهلي بصفةٍ عامة، شعره ونثره وحِكَمَه وخُطَبَه، نقرأها ومازلنا نتفَهَّم معانيها، فهي لغةٌ ثابتةٌ متطورة.

    وهي لغةٌ تَتَّسِمُ بالتخفيف، والتخفيف فيها واضحٌ كُلَّ الوضوح، فإذا كانت أصول اللغة العربية من الكلمات الثلاثية والرباعية والخماسية فإن الأصل الثلاثي وهو أَخَفُّها يكونُ أَكْثَر اسْتِخْدَامًا مِنْ غَيْرِه.

    وهي لغة الإيجاز في رَسْمِها، وفي مُفرداتها، وفي جُمَلِها، وفي فِقَرِها، وتلك ميزةٌ من ميزات اللغة العربية، ميزةُ الإيجاز.
    ثم إن اللغة العربية تتَّسِم أيضًا بسِمَة الإعراب، وهذا الإعراب له دليلٌ أكبر على المعنى يُتيح للقارئ والكاتب أن يفهم المعنى بسهولةٍ ويُسْر، فيُقَدِّم ويُؤَخِّر ويَذْكُر ويَحْذِف ويُعَرِّف ويُنَكِّر، كل هذه الإجراءات تَتِمُّ إذا اتَّضحت علاماتُ الإعرابِ فتتَّضِح معها المعاني.
    وهي لغةٌ تُسَمَّى باللغة الشَّاعِرَة، كما قال الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابٍ خَصَّصَه لذلك الأمر "اللغة الشاعرة".




    وَشَهِدَ شَاْهِدٌ مِنْ أَهْلِهَاْ

    وقد وصل بنا المطاف في اللقاء الثاني لنتحدث عن اللغة، وشهادة أهلها لها، بل وشهادة مَن لا ينتسبون إليها، والحَقُّ مَاْ شَهِدَتْ بِهِ الأَعْدَاْءُ، تحت عنوان "وَشَهِدَ شَاْهِدٌ مِنْ أَهْلِهَاْ".

    وقفات مع أقوال العرب عن العربية

    اللغة العربية من أكثر اللغات ذِكْرًا، وهي أكثر اللغات التي كُتِبَ لها أن تبقى، لماذا؟ لأنها لغة الوَحْيَيْن، لغة القرآن ولغة السنة، واللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أنزل كتابَه المُحْكَم باللغة العربية، وفَصَّله تفصيلًا، وكتب له أن يبقى ويُحْفَظ، قال الله -عز وجل-: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" الحجر:٩، وقال الله -عز وجل-: "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا" الزخرف:٣، وقال الله -عز وجل-: "بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ" الشعراء:١٩٥، فالقرآنُ باللغة العربية، والقرآنُ محفوظ، معنى هذا أن اللغةَ محفوظةٌ.

    فصار تَعَلُّم اللغة العربية فَرْضًا من فروض الكفايات أن تُتَعَلَّم، بل وفرضًا من فروض الأعيان على كل مسلم؛ لتَصِحَّ صلاتُه ويَصِحَّ نُسُكُه.
    لذلك قال.. وهذا كتابٌ يُنْسَبُ إلى ابن القيم -رحمه الله- ولكن بالتحقيق العلمي ثَبتَ أن هذا الكتاب ليس له، بل لابن النقيب -رحمهما الله-، هذا الكتاب المشهور بالفوائد المَشُوْق، في علوم القرآن الكريم، كتاب من كُتُبِ علوم القرآن الكريم، يُنْسَب ومازال يُطْبَع وعليه اسم شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله-، مع أن التحقيق العلمي والدراسات التي اعتنت به أثبتت -وبلا رَيْب- أن هذا الكتاب لابن النقيب، وفي كُلٍّ خير.

    يقول -رحمه الله-: "وإنما يَعْرفُ فَضْلَ القرآن مَن عَرَف كلامَ العرب، فعرف علم اللغة، وعلم العربية، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب، وخُطَبها، ومقاولاتها، في مواطن افتخارها ورسائلها، فلا يُتَوَصَّلُ إلى فهم كتاب الله -عز وجل-، ولا تُدْرَكُ عظمة كتاب الله -عز وجل-، ولا تُسْتَنْبَطُ الأحكام من كتاب الله -عز وجل-، ولا يُؤَثِّرُ في القلب كُلَّ التَّأثير إلا بفقه اللغة، وفَهْمِ لغة العرب".



    ومن الأقوالِ التي سارت وانتشرت أقوالٌ كثيرة لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: "فإن اللسان العربي شعارُ الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون".
    فكل أمةٍ من أكبر علامات تَمَيُّزِها أن تكون مُحْتَفِظَةً بلغة، لذا لا تقوم حضارةٌ -كما قال علماءُ الاجتماع- إلا على أركانٍ ثلاثة: على دينٍ ولغةٍ وتاريخ، فكانت اللغة رُكْنًا رَكِيْنًا من قيام الحضارات، وتُثْبِتُ هُوية الأمة.

    أيضًا قال -رحمه الله-: "ومازال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب، حتى في المعاملات وهو التَّكَلُّم بغير العربية، إلا لحاجة، كما نَصَّ مالكٌ والشافعيُّ وأحمد، بل قال مالك: مَن تكلم في مسجدنا بغير العربية أُخْرِجَ منه".

    انظر إلى أنه كيف شَدَّد النكير أن مَن تَحَدَّث في مسجدنا، أيْ مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالإمام مالك كان إمام دار الهجرة، يجلس في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ليُحَدِّث بالموطأ، يقول: "مَن تكلم في مسجدنا بغير العربية أُخْرِجَ منه".
    هل التَّحَدُّث بغير العربية جريمةٌ وذنبٌ؟ أبدًا، ".. مع أن سَائِرَ الأَلْسُنِ يجوزُ النُّطْقُ بها لأصحابها، ولكن سَوَّغُوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحِفْظ شعائر الإسلام" كرهوها لغير الحاجة، لماذا؟ لأن هذا مِن حِفْظ شعائر الإسلام، كما قال في الفتاوى -رحمه الله-.

    وقال أيضًا -رحمه الله-: "اعلم أن اعتياد اللغة يؤثِّر في العقل والخُلُق والدين.." اللغة لها ارتباطٌ وثيقٌ بالعقل والخُلُق والدين ".. تأثيرًا قويًّا بَيِّنًا، ويؤثِّر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيدُ العقل والدين والخُلُق، وأيضًا فإن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجب، فإنَّ فَهْم الكتاب والسنة فرضٌ، ولا يُفهم إلا بلغة العرب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب". ذَكَرَه في "اقتضاء الصراط المستقيم".




    قال أيضًا -رحمه الله-، وابن تيمية هذا الرجل المَوْسُوعي الذي كان حريصًا على هُوية الأمة في كل مُحَدَّدَاتها، وكل أُطُرِها، وأُسُسِها، يقول: "معلومٌ أنَّ تَعَلُّمَ العربية وتَعْلِيْمَ العربية فرضٌ على الكفاية..".
    "أن تَعَلُّمَ" هذا في حق الطلاب، "وتعليم العربية" هذا في حق مَن آتاه الله علمًا من علوم اللغة فَرْضٌ عليه أن يُعَلِّمَ هذا العلم، وفرضٌ على مَن لا يُتْقِنُها من المسلمين أن يعرف على الأقل ما تَصِحُّ به صلاته وأن يقرأ كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

    ".. لذا كان السلف الصالح يُؤَدِّبون أولادهم على اللَّحْن، فنحن مأمورون أَمْرَ إيجابٍ أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي، وأن نُصْلِحَ الأَلْسُنَ المائلة عنه؛ فيُحْفَظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو تُرِكَ الناسُ على لَحْنِهم كان نَقْصًا وعَيْبًا".

    ولله دَرّ مَن قال يَنْصَحُ وَلَدَه، وهو عبد الملك بن مروان، يقول لابنه الوليد وكان كثير اللحن: "يا بُنَيّ، إن المرء تُصِيبُه المصيبة فيتَجَمَّل من هذا بثوبٍ، ومن هذا بمالٍ، ومن هذا بدَابَّةٍ، ولكن لا يَجِدُ مَن يُعِيْرُه لسانَه".

    وكان يقول له: "اتَّقِ اللحن في الكلام؛ فإنه كالجُدَرِيِّ في الوجه"، شَبَّه اللحن والخطأ في الكلام بالجُدَرِيّ في الوجه.

    فحَرِيٌّ بنا أن نعرف قَدْرَ لُغَتِنا، وأن نهتم بها الاهتمام الأمثل؛ لفهم الكتاب، وفهم السنة، وللتواصل مع التراث، والاقتداء بصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحفاظًا على هُويتنا.






    قال أديبُ الإسلامِ في العَصْرِ الحديث الأستاذ مصطفى صادق الرافعي -رحمه الله-: "ما ذَلَّت لُغَةُ شَعْبٍ إلا ذَلّ.." انظر إلى كلمات رَجُلٍ كان كأنه مَصْدُوْرٌ بسبب ما أصاب اللغة، يقول: "ما ذَلَّت لُغَةُ شَعْبٍ إلا ذَلّ، ولا انْحَطَّت إلا كان أمْرُه في ذهابٍ وإدبار، ومِن هذا يَفْرِضُ المُسْتَعْمِرُ لغته فرضًا على الأُمَّةِ المُسْتَعْمَرَة".

    انظر إلى بلاد المغرب العربي، تونس، والجزائر، وانظر إلى كثيرٍ من البلدان التي كان فيها الإسلام الأذانُ فيها يَرِنّ، وكان فيها القرآن يُتْلَى ليلَ نَهَار، انظر إلى كثيرٍ من هذه الدُّوَل، وتلتقي بعامَّة الناس منهم ربما يُحْسِنُ الفرنسية أو الإنجليزية أكثر من إجادته للغة العربية.

    أمس اتَّصَل بي رَجُلٌ يسألُ عن أَمْرٍ مع أنه من قاع الريف المصريّ، الرجل من قاع الريف ومع ذلك لا يُحْسِن أن يكتب جملةً واحدة باللغة العربية، فرأيتُه يكتب كلمةً بالعربية وأخرى بالإنجليزية مع أنه في مصر الأزهر، ومع هذا لا يجيد العربية، لماذا؟
    لأنه سافر فترةً إلى الدول الأوروبية وتعامل معهم؛ فنسي اللغة أو كاد أن ينساها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    اللغة العربية شعارٌ من شعائر الإسلام، يقول: ".. ومِن هُنا يفرض الأجنبي المُسْتَعْمِرُ لغته فَرْضًا على الأُمَّةِ المُسْتَعْمَرَة، بل ويَرْكبهم بها، ويُشْعِرُهم عظمته فيها، ويَسْتَلْحِقهم من ناحيتها، فيَحْكُم عليهم أَحْكَامًا ثلاثة في عَمَلٍ واحد.."

    ما الأحكام الثلاثة؟


    ".. أما الأول: فحَبْسُ لُغَتِهِم في لُغَتِه سجنًا مُؤَبَّدًا.." تُحْبَسُ لُغَةُ المُسْتَعْمَر في لُغَةِ المُسْتَعْمِر المُحْتَل تحبس اللغة في سجنه حبسًا مُؤَبَّدًا بلا خروجٍ كما يريد.
    ".. وأما الثاني: فالحُكْم على ماضيهم بالقَتْل مَحْوًا ونسيانًا.." انظر إلى أمتنا، تراثنا وتاريخنا وحضارتنا سُجِّلَت باللغة العربية، بلسانٍ عربيٍّ مبين، لو أن العُجْمة سَرَت -نَسْأَلُ اللهَ ألَّا تَسْرِيَ فينا-، ولو أنَّ اللغة تَغَيَّرَتْ، ولم نهتمّ بها الاهتمام الأمثل، كيف نتواصل مع تراثنا؟ كيف نتواصل مع قرآننا؟ كيف نتواصل مع سُنَّة نبينا؟ كيف نعرف آثار السلف لنقتدي بهم؟ فإنه في ذلك يحكم على ماضيهم بالقَتْل مَحْوًا ونسيانًا.
    ".. أما الثالث: فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها فأمرهم من بعد ذلك لأمره تَبعٌ".
    هذا إذا أُصِيبَت اللغة في مَقْتَلِها، حَفِظَ اللهُ لُغَةَ القُرْآنِ، لغة البيان، لغة الفصاحة.

    ثم ذَكَر الإمام الشافعي.. وأختم بهذا ثم أنتقل بعد ذلك إلى أقوال غير أهل العربية عن اللغة العربية.

    يقول الشافعيُّ -رحمه الله-: "يجب على الخاصة التي تقوم بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهاد في تعلم لسان العرب ولغاتها.." واجبٌ على كُلِّ مَن فَتَحَ اللهُ عليه ببابٍ من أبواب اللغة وَجَبَ عليه أن يُعَلِّمه لِمَنْ لم يُحْسِنه مِن الناس.
    ".. والتي بها تمام التَّوَصُّل إلى معرفة ما في الكتاب والسُّنَن والآثار وأقاويل المُفَسِّرِين من الصحابة والتابعين، من الألفاظ الغريبة، والمخاطبات العربية، فإنَّ مَن جَهِلَ سعة لسان العرب، وكَثْرَة ألفاظها، وافتنانها في مذاهبها، جَهِلَ جُمَلًا مِنْ عِلْمِ الكتاب، ومَن عَلِمَها، وَوَقَفَ على مَذَاهِبِها، وفَهِمَ ما تَأَوَّلَه أَهْلُ التفسير فيها، زَاْلَتْ عنه الشُّبَه".
    أيْ يقول -رحمه الله-: ربما تكون الشُّبْهَةُ دَاْخِلَةً على كتاب الله أو على سُنَّة رسول الله؛ لعدم الفِقْه في لغة العرب، لكن الفِقْه في لغة العرب وفهم أصول العربية يحفظ الإنسان من كثير من الشُّبَه التي يَسُوْقُها أَعْدَاْءُ الأُمَّةِ.





    وقفات مع أقوال المُسْتَشْرِقين عن العربية

    ثم أذكر نُبَذًا من أقوال المستشرقين، ومَن ليسوا عَرَبًا، وبعضهم لا يحب اللغة ولكن شهد شاهدٌ من أهلها، والحق ما شهدت به الأعداء، بعضهم نعم حريصٌ على اللغة، ومُحِبٌّ لها، ولكن البعض الآخر يضع السُّمَّ في العسل كما يقال من المستشرقين الذين ما قامت دراساتهم إلا لفهم العقلية المسلمة وفهم لغة الإسلام، والتعرف على مواطن الضعف في مجتمعات المسلمين؛ ليأتي من بعده جيشٌ ممن يغزون الأمة في أفكارها وفي عقيدتها وفي لغتها.

    من هؤلاء، لا أقول ممن يُتَّهَمون بل ممن حرصوا على اللغة، منهم عبد الكريم جرمانوس، يقول:
    "إن في الإسلام سَنَدًا هامًّا للغة العربية أبقى على روعتها وخلودها فلم تَنَل منها الأجيال المتعاقبة على نقيض ما حدث للغات القديمة المماثلة كاللاتينية حيث انزوت تمامًا بين جدران المعابد، ولقد كان للإسلام قوة تحويلٍ جارفة أثَّرت في الشعوب التي اعتنقته حديثًا، بل وكان لأسلوب القرآن الكريم أثَرٌ عميقٌ في خيال هذه الشعوب؛ فاقتبست آلافًا من الكلمات العربية ازدانت بها لغاتهم الأصلية فازدادت قوةً ونماءً".

    يقول أيضًا -رحمه الله-: "والعنصر الثاني الذي أبقى على اللغة العربية مرونتها التي لا تُبارى، فالألمانيُّ المعاصر مثلًا لا يستطيع أن يفهم كلمةً واحدة من اللهجة التي تحدث بها أجداده منذ ألف سنة، بينما العرب المُحْدَثون يستطيعون فهم آداب لغتهم التي كُتبت بها في الجاهلية قبل الإسلام".

    ومَرَّ معنا أمثلةٌ على ذلك، فإنني مثلًا أقرأ قَوْل عنترة بن شداد وهو الشاعر الجاهلي المعروف صاحب المُعَلَّقَة يقول:
    وأَغُضُّ طرفي ما بدت لي جارتي حتى يُوارِيَ جارتي مأواها
    لا تحتاجُ شَرْحًا.





    وكما قال السموأل بن غريض بن عادياء:
    إذا المرءُ لم يَدْنَسْ من اللؤمِ عِرْضُه فكُلُّ رِدَاءٍ يرتديه جميلُ

    بيتٌ يُدَرَّس للطلاب الصغار، ويفهمونه بلا تَلَعْثُم، وبلا غرابة في الفهم، مع أنه بين الطالب الصغير وهذا البيت أكثر من خمسة عشر قَرْنًا، لكن اللغة لغةٌ محفوظة.

    يقول لويس ماسينيون، وماسينيون من كبار المستشرقين، معروف جدًّا، يقول: "استطاعت العربية أن تُبْرِز طاقة السَّاميين في معالجة التعبير عن أدَقّ خلجات الفِكْر".
    اللغة العربية اللغة الوحيدة على ظهر الأرض التي تُعَبِّرُ عن كل خلجات النفس، وعن كل دفائن الضمير، وغيرها من اللغات العالمية لا تستطيع أن تعبر عن كل هذا بعُشْر معشار اللغة العربية.

    قال: "تعبر عن أدق خلجات الفكر سواء كان ذلك في الاكتشافات العلمية والحسابية، أو وصف المشاهدات أو في خيالات النفس وأسرارها، واللغة العربية هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي..".
    فالغرب ما عرف التفكير العلمي إلا بلغة العرب، واسألوا التاريخ يُجِبْكم، تاريخ الأمة تاريخٌ مُشَرِّفٌ، ولكنه يُخْفَى عن أبنائها؛ لأمرٍ بُيِّتَ له بِلَيْل، تاريخ الأمة حكمت الأمة الإسلامية الأرض شبه الأرض، شبه أكملها، حكمتها أكثر من ثمانية قرون تُعْلِي فيها شعائر العربية ولغتها.

    يقول: ".. وتلك اللغة العربية من أنقى اللغات فقد تفرَّدَت بتَفَرُّدِها في طُرُقِ التعبير العلميّ والفنيّ والصوفيّ، إن التعبير العلمي الذي كان مُسْتَعْمَلًا في القرون الوسطى لم يتناوله القدم ولكنه بقي ولم تخلق جدته".

    لم تبقَ لغةٌ أوروبيةٌ واحدة لم يصلها شيءٌ من اللسان العربيّ، كل لغات أوروبا وصلتها كلمات بل وجُمَل من اللغة العربية ومازالوا يتحدثون بها، حتى أنه يقول: "صارت وعاءً لنَقْل المفردات العربية". تلك اللغة اللاتينية الأم صارت وعاءً لنقل بعض المفردات اللغوية.

    أَذْكُرُ من ذلك مثلًا كلمة بنان هي كلمة الموز بالإنجليزية يقال له بنان، البنان هو أصلًا كلمةٌ عربية ووردت في كتاب الله -عز وجل- "بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ" القيامة:٤، والبنان هي الأصابع، نُقِلَت الكلمة وكثير من كلمات المعيشة، حتى بعض آلات الموسيقى التي كان العرب يترنَّمون بها في القِدَم، ولا أُحَلِّلُ ذلك ولكن حتى هذه أسباب المعيشة من المأكل والمشرب والثياب وأدوات الحِرَف والصناعات وكثير من هذه الأشياء نُقِلَت إلى اللغات الأوروبية وصارت تُسْتَعْمَلُ عندهم.




    شهادةٌ أخرى من رَجُلٍ يُسَمَّى جاك بيرك، فرنسي، يقول: "إن أقوى القُوى التي قاومت الاستعمار الفرنسي في المغرب هي اللغة العربية..". إن أقوى القوى التي قاومت الاستعمار لم يَقُل سلاحًا، لم يَقُل جيوشًا مُنَظَّمَة، لم يَقُل رجالًا أشِدَّاء، بل قال اللغة، كانت أقوى العوامل التي قاومت المستعمر الفرنسي.

    ".. بل اللغة العربية الكلاسيكية الفصحى، القديمة الفصيحة بالذات، فهي التي حالت دون ذوبان المغرب في فرنسا، إن الكلاسيكية العربية هي التي بلورت الأصل الجزائري، وقد كانت هذه الكلاسيكية العربية عاملًا قويًّا في بقاء الشعوب العربية" فاللغة أساسٌ في بقاء الشعوب.

    يقول مستشرقٌ آخر يُسَمَّىريجستير بلاشير أيضًا هو فرنسي، يقول: "اللغة العربية مبنيةٌ على المفاهيم، على خِلاف لغتنا مثلًا، لذلك ينبغي أن تبقى المعاجم اللغوية على حالتها القديمة؛ لأنها الأساس".

    يقول أيضًا: "إن من أهم خصائص العربية هي قدرتها على التعبير عن معانٍ ثانوية لا تعرف الشعوب الغربية كيف تعبر عنها".

    علم اللغة المقارن فعلًا يُثْبِت أن لغة العرب تُعَبِّر عن كل شيءٍ في الضمير والنفس والمشاعر والأحاسيس، غيرها من اللغات تكتفي ببعض الجُمَل وليس فيها تلك السعة.

    فيقول: "فالفرنسية مثلًا لا تُعنى إلا بالتعبير الواحد، أما في العربية مذاهب وأساليب تُعْرِبُ عن مُخْتَلَف الأحاسيس فضلًا عن استعمال العربية للحركات الطويلة.." أيْ حروف المَدّ: الألف والواو والياء ".. والحركات القصيرة.." أيْ الضمة والفتحة والكسرة.
    ".. فتحصل على مشتقات لأنها عديدة مختلفة المعاني، مع بقاء الأصل واضحًا ثابتًا للعين".

    يقول: "وإني أشد الناس حفاظًا على وحدة اللغة العربية.." سبحان الله،
    رجلٌ ليس من أهل العربية، وليس من أهل الإسلام، بل من المستشرقين ومع ذلك يشهد لها هذه الشهادة ويقول:

    "وإني أشد الناس حفاظًا على وحدة اللغة العربية".






    رسالةٌ أوجهها إلى أهل اللغة،
    إلى مَن طالبوا بكتابة اللغة العربية بالأحرف اللاتينية، إلى مَن نادوا بأن تَسُود اللهجات العامية في بلاد العرب،
    إلى مَن يُدَرِّسون لطلاب العرب المسلمين في بلاد المسلمين المواد العلمية ككليات الطب والهندسة والعلوم ويُصِرُّون على تدريسها بغير لغتهم، فيتحمل الطالب مشقتين: مشقة الفهم باللغة، ومشقة فهم المادة العلمية!


    رغم أن مجمع اللغة العربية في القاهرة بل وجُلّ المجامع العربية تُصْدِرُ كُلَّ عامٍ قرارات متعددة بوجوب تعريب التعليم؛
    لتيسير طلب العلم على الطلاب في الكليات العلمية، ولبقاء الثقافة العربية، وللحفاظ على الهُوية، ولربط الطالب بماضيه؛ ليستشرف مستقبله، ولكن ليس هناك مُجِيب؛ لأن القرار ليس في أيديهم.


    أُوَجِّهُ تلك الرسالة إلى مَن كان بيده الأمر، أقول له:
    قال ريجستير بلاشير الفرنسي: "وإني أشد الناس حفاظًا على وحدة اللغة العربية..".

    قال: "ولي حجة تغاير بعض المغايرة ما عندكم وما في أفكاركم فيما يتعلق بمعنى الوحدة العربية، إني ألاحظُ أن هذه الوحدة هي لغةٌ لغوية أخلاقية دينية..".

    كأن تعلم اللغة يُكْسِبُ الإنسانَ الأخلاق.


    ".. ولكنها قبل كل شيء مؤسَّسَةٌ على وحدة تاريخ اللغة، إننا كلما درسنا اللغة الفرنسية لاحظنا أنها قد تطورت عبر العصور، بحيث نجد لها أطوارًا، فإذا قارنَّا اللغة الفرنسية في القرون الوسطى وجدنا أنها مغايرَةٌ كُلَّ المغايَرَة للغة المُسْتَعْمَلَة في القرن السابع عشر".

    فانظر إلى قَوْل ريجستير بلاشير وهو يقول: "فإذا قارنَّا اللغة الفرنسية في القرون الوسطى وجدنا أنها مغايرَةٌ كُلَّ المغايرة للغة المُسْتَعْمَلَة في القرن السابع عشر، وهذه مختلفةٌ أيضًا عن لغتنا اليوم".

    يريد أن يشير إلى أن اللغة العربية لغةٌ ثابتة منذ قرون متطاولة، والعجيب في أمر هذه اللغة العربية أن أول النصوص التي وصلت إلينا كأنها وُلدت قويةً شابَّة، إذا كان كل شيءٍ في هذا الوجود يولد طفلًا صغيرًا، ثم يحبو ويدرج، ثم يقف على قدمين، ثم يكون صبيًّا يافعًا، ثم شابًّا قويًّا، وتكون له دورات الحياة المعروفة، إلا إن لغة العرب أول ما وصل إلينا منها جاء في قمة القوة والنضج والازدهار، كانت وبقيت كما هي في مدوناتها.

    يقول: "هذه الوحدة في اللغة الفرنسية لا تتضح إلا بالبحث والمقارنة، في حين أن وحدة اللغة العربية تتضح للقارئ ولو كان أجنبيًّا لأول وهلة، فلغة القرآن هي هي لغة العربي التي يتحدث بها الآن".





    وذلك كارل بروكلمان وهو أيضًا من كبار المستشرقين، له موسوعةٌ كبرى في الأدب العربي معروفة طبعة دار المعارف، يقول:

    "بفضل القرآن الكريم بلغت العربيةُ من الاتّساع مدى لا تكاد تعرفه في أي لغةٍ أخرى من لغات الدنيا، المسلمون جميعًا من المحيط إلى المحيط يؤمنون بأن العربية هي وحدها اللسانُ الذي أُحِلَّ لهم أن يستعملوه في صلواتهم، وبهذا اكتسبت العربية منذ زمانٍ طويل مكانةً رفيعة فاقت جميع لغات الدنيا بأسرها".

    وذلك جورج سارتون يقول: "إن الوحي نزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- باللغة العربية، وهكذا كانت العربية لغة الله، ولغة الوحي، ولغة أهل الجنة، وقد أَكَّدَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجوب قراءة القرآن باللغة العربية فكان من نتائج هذا ذلك الاتجاه العقلي الواحد في التأكيد على الصحة المطلقة للغة العربية".

    والشيء بالشيء يُذكر أن بعض المستشرقين وبعض من تَهَوَّسَ فِكْرُهم يقول: إنني وجدتُ بعض الأخطاء في القرآن الكريم، مستشرق لا يدري رأسه من رجله يقول وجدتُ أخطاءً في لغة القرآن الكريم!
    فرد عليه بعضهم: إذا كنت لم تؤمن بمحمدٍ نبيًّا ألم يكن عربيًّا؟ يعني هَب أن هذا الرجل ليس نبيًّا من باب التسليم الجدلي، وهذا بابٌ معروف في المناظرات والمحاورات، كَقَوْل الله -تبارك وتعالى-: "قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ" الزخرف:٨١.
    قال: هَب أنه ليس نبيًّا، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس نبيًّا وأنه أتى بهذا القرآن من عنده، ألم يكن عربيًّا؟ والعربي بِطَبْعه لا يَلْحَن.

    اللغة كانت عندهم كالأنفاس عندنا، شهيقٌ وزفير، دون تفكير كانوا يتحدثون اللغة ولا خلل ولا خطل في لغة العرب الخُلَّص الأُصَّل في عصور الاحتجاج.

    يقول: "وقد أَكَّدَ الرسول وجوب قراءة القرآن باللغة العربية فكان من نِتَاجِ هذا ذلك الاتجاه العقلي الواحد في التأكيد على الصحة المطلقة للغة العربية أنْ أصبحت اللغة العربية من اللغات البارزة في العالم وإحدى الوسائل الأساسية للثقافة في العصور الوسطى. وهي اليوم لم تَزَل لغة أمةٍ مُوَزَّعَة في جميع بقاع الأرض، ولقد اتُّفِقَ أن اللغة الوحيدة التي عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت -انظر إلى قَوْلِه- من أجمل اللغات في الوجود. إن خزائن المفردات في اللغة العربية غنيةٌ جدًّا، ويُمْكِنُ لتلك المفردات أن تُزَاد بلا نهاية، ذلك لأن الاشتقاق المتشابك والأنيق يُسَهِّل إيجاد صِيَغٍ جديدة من الجذور القديمة".

    أضرِبُ لذلك مَثَلًا: الأصل الثلاثي "كَتَبَ" ثلاثة أحرف، بإمكانك أن تستخرج من هذا الأصل والجذر اللغوي مشتقات عديدة قد يعجز الواحد عن حصرها في دقائق.
    فمنها الفعل "كتب" في الماضي، وتقول: كتبتُ، أنا كتبتُ فهل كتبتَ؟ وهل كتبتِ؟ هل كتبتما؟ هل كتبتم؟ هل كتبتن؟ هذا في الماضي فقط. ويقول: أنا أكتبُ، وأنت تكتب، وهو يكتب، وهي تكتب، وهم يكتبون. وقد تقول اكتب. اكتبوا هكذا في الصيغ الثلاثة في الماضي والمضارع والأمر.
    ثم هناك سوابق تُحَدِّد المضارع للاستقبال، وتحدد المضارع للمضي، مَثَلٌ لذلك: يكتب هذا فعلٌ مضارع، لو قلتَ "لم يكتب" نقلتَ معنى المضارعة إلى معنى المضي، فإذا قلت "لن يكتب" نقلت معنى المضارعة إلى معنى الاستقبال.
    هذا في الفعل فقط بلواصقه ولواحقه وأشكاله، فإذا تخطّيتَ إلى باب الاسم فتقول: كاتب، وكاتبةٌ، وكاتبان، وكاتبتان، وفي الرفع والنصب والجر، كاتبان كاتبين، كاتبتان كاتبتين، كاتبون كَتَبَة كُتَّاب، وتقول مكتب وتقول مكتبة، وتأتي المشتقات لا تُعَدّ ولا تُحْصر.

    فإن كانت أيضًا هي في ثراء في عدد المفردات فيزداد هذا الثراء أضعافًا مضاعفة بالاشتقاقات.
    يقول: "وهذا الاشتقاق المتشابك والأنيق يُسَهِّل إيجاد صيغ جديدة من الجذور القديمة بحسب ما يحتاج إليه كل إنسان على نظام معين".

    هذا الاشتقاق، وهناك النحت، ثم يأتي علم التراكيب، الجملة في غير العربية يُعَبَّرُ عنها بصيغَةٍ واحدة، في الإنجليزية مثلًا يُقال: verb_ object” _”subject ترتيب لا يختل، أما العربية فقَدِّم وأَخِّر كيفما تشاء ما دامت علامات الإعراب مُتَّضِحَة، وتلك أيضًا خزائنُ أخرى تُضافُ إلى ثراء اللغة العربية.

    "ولغة القرآن على اعتبار أنها.." وكلمة اعتبار هذه كلمةٌ ليست من الصواب، والأفضل أن يقول: ولغة القرآن تُعَدُّ بدلًا من كلمة اعتبار يُقال تُعَدُّ.
    ".. لغة العرب كانت بهذا التجديد كاملةً، وها نحن هنا أيضًا أمام اتفاقٍ عجيب، فإن الرسولَ مع أنه أُميٌّ كان يملك ناصية اللغة إذ آتاه الله بيانًا، ووهب اللغة العربية مرونةً جعلها قادرة على تدوين الوحي الإلهي أحسن تدوين بجميع دقائق معانيه ولفتاته، وأن يعبر بعباراتٍ عليها طلاوة وفيها متانة. وهكذا يساعد القرآن على رفع اللغة العربية إلى مقام المَثَل الأعلى في التعبير عن المقاصد".

    الذي حَفِظَ العربية هو الله -عز وجل-، وليس لشيءٍ إلا لأنه حفظ القرآن فحُفِظَت لغة القرآن. ".. وهكذا جعل القرآن الكريم من اللغة العربية وسيلة دولية للتعبير عن أسمى مقتضيات الحياة".



    اللغة العربية يشهد لها أيضًا جوستاف جرونيباوم، يقول: "عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمد أنزلها قرآنًا عربيًّا، والله -تعالى- يقول لنبيه: "فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ" أيْ بلغتك "لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا" مريم:٩٧، واللدَد هو شدة الخصومة.

    وما من لغةٍ تستطيع أن تُطَاوِلَ اللغة العربية في شرفها، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على غيرها من اللغات، بل أودع الله في سائر اللغات من قوةٍ وبيان، أما السعة فالأمر فيها واضحٌ، ومَن يتّبع جميع اللغات لا يجد فيها على ما سمعتُه لغةً تضاهي اللغة العربية، يُضافُ إلى ذلك جمالُ الصوت، والثروة المُدْهِشَة في المترادفات وتُزَيَّن بالدقة والوجازة، وتمتاز العربية بما ليس له ضريبٌ من اليُسْر.." ليس له ضريب أيْ ليس له مثيلٌ أو نظير ".. ليس له ضريبٌ من اليُسْر في استعمال المجاز".

    انظر إلى هذا الرجل، ليس من أهل العربية ولكنه تَبَحَّرَ في علومها، واستشعر عظمتها، فذَكَر سعتها، وذَكَر الثروة المُدْهِشَة في مترادفاتها، وذكر جمال صوتها، ودقة تعبيرها وإيجازها، ومجازها، ويُسْرَها.

    ".. وللغة خصائص جَمَّة في الأسلوب والنحو، ليس من المستطاع أن يُكْتَشَفَ لها نظائر في أي لغةٍ أخرى، وهي مع هذه السعة والكثرة أخصر اللغات في إيصال المعاني وفي النقل إليها.." قد تُعَبِّر الكلمة الواحدة من اللغة العربية عن جملةٍ متكاملة بلفظةٍ واحدة، سمة الوجازة في اللغة العربية.
    ".. يبين ذلك أن الصورة العربية لأي مَثَلٍ أجنبي أقصر في جميع الحالات.." لو أردت أن تترجم مَثَلًا أجنبيًّا إلى اللغة العربية فقد تضعه في نصف حجمه، أما إذا نقلت مثلًا من أمثال العرب أو بيت شعر، ربما تجد الضعف بل والأضعاف، حتى يُنْقَلَ إلى لغةٍ أخرى.

    والعجيب أن بعض مَن ليسوا بالعرب يقول عن نفسه، والفارابي مثلًا على حق حين يُبْرِز مدحه للعربية ويقول: "لأنْ أُهْجَى بالعربية أَحَبُّ إليَّ من أن أُمْدَحَ بغيرها" انظر إلى هذه العبارة، يقول لأن أهجى يعني أُسَبّ أو أُشْتَم أو أُذَمّ "لأن أُهْجَى بالعربية أحبُّ إليَّ من أن أُمْدَحَ بغيرها" أناسٌ عرفوا قيمة اللغة.

    يقول إرنست رينان:
    "إن من أغرب ما وقع في تاريخ البشر وصَعُبَ حَلُّ سِرِّه انتشار اللغة العربية، فقد كانت هذه اللغة غير معروفةٍ بادئ ذي بدءٍ فبدأت فجأة في غاية الكمال سلسة كل السلاسة، غنية أي غنى، كاملة بحيث لم يدخل عليها منذ يومها ذاك أي تعديل مهم، فليس لها طفولةٌ ولا شيخوخة، ظهرت لأول أمرها تامةً مُسْتَحْكَمَةً ولم يَمْضِ على فتح الأندلس أكثر من خمسين سنة حتى اضطر رجال الكنيسة أن يترجموا صلواتهم بالعربية ليفهمها النصارى، ومن أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة العربية القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمةٍ من الرُّحَّل.." إذا كان العرب في حياتهم المادية والاجتماعية بلغوا القمة من التقتير، فإن لغتهم قد بلغت القمة من العظمة والانتشار، ".. كانت هذه اللغة مجهولةً عند الأمم، ومن يوم أنْ عُلِمَتْ ظهرت لنا في حُلَل الكمال إلى درجة أنها لم تتغير أي تغيير يُذْكَر حتى أنه لم يُعرَف لها في كل أطوار حياتها لا طفولة ولا شيخوخة، بل هي في شبابٍ دائم".

    يقول فنيجو: "على العرب أن يقاوموا الدعاية المؤلمة.." عجيبٌ هذا الرجل، ينصحُ أهل العرب وأهل اللغة العربية أن يحافظوا على لغتهم، وأن يقاوموا الدعايات المشؤومة التي تتهم اللغة بالعُقْم، رموها بالعقم ورموها بأنها ليست لغة علم وليست لغة حضارة، ولله درُّ حافظ عندما قال:

    وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفْظًا وغايةً .. وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
    فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصْفِ آلة ٍ.. وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
    أنا البحر في أحشائه الدُّرُّ كامنٌ .. فهل ساءلوا الغَوَّاصَ عن صدفاتي


    يُوَجِّه الرجلُ رسالةً إلى أهل العربية "على العرب أن يقاوموا الدعاية المؤلمة التي تطالبهم بالتخلي عن شرفهم.."، فاللغة عنده شرف، فلنحافظ على شرفنا في لغتنا.
    ".. بالتخلي عن شرفهم وتقاليدهم وإبائهم، وأن يستسلموا إلى القوى المستعمِرة ورؤوس أموال البنوك، وألا يُخضعوا طريقتهم في التفكير والعمل إلى تلك المَدَنية الزائفة التي لا تؤمن بالله، وتطمح إلى إخضاع العالم لجَوٍّ من المُختارات المكتوبة بلغةٍ إنجليزية سقيمة.
    وستسقط جميع هذه المصنوعات المُقَلَّدَة الزائفة في وقتٍ قريب، وليقاوم العرب وليثابروا فالعالَم في حاجةٍ إليهم.."، في حاجةٍ إلى عقيدتهم، في حاجةٍ إلى أخلاقهم، في حاجةٍ إلى لغتهم،
    "وعلى العرب أن يتمسكوا بلغتهم، تلك الأداة الخالصة من كل شائبة والتي نقلت الإنتاج الفكري العالمي من غير محاولة نقصه أو خفضه".



    ثم هناك مستشرق آخر جورج بوست يقول: "لغة العرب تفوق كل لغةٍ في الانتشار إذا نظرنا إلى اتساع الأقطار التي لها فيها سلطان، وهي تفوقُ أيضًا كُلَّ لُغَةٍ إذا نظرنا إلى التأثير في مستقبل أعمال البشرية".

    يقول كارلو نلينو: "اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقًا وغنى، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها". هذا الرجل أوجز وأتى بما نُرِيْد في كلماتٍ قليلة.

    يقول فان دَيك وهو من كبار علماء اللغة الأوروبيين يقول: "العربيةُ أكثر لغاتِ الأرض امتيازًا، وهذا الامتيازُ من وجهين؛ الأول: من حيث ثروة معجمِها، والثاني: من حيث استيعابها آدابها".

    ولو أردنا أن نستقصي أخبار هؤلاء الذين شهدوا للغة العربية بفضلها وثرائها وخصوبتها وثباتها ومرونتها وما فيها من جمالٍ وسِحْرٍ وجاذبيةٍ لطال بنا المقام، ولكن نكتفي بهذه الاستدلالات.

    وأختِمُ قَوْلِي: والحق ما شهدت به الأعداء، فهلا انتبهنا للغتنا، وهَلَّا أفدنا منها، وهلا نفضنا الغبار عن تراثنا، وعاودنا الكَرَّةَ؛ لنكون مثل هؤلاء العِظَام الذين بنوا لغةً وتحدثوا بها وفتحوا بها قلوب العالم وبلدانهم!

    أُولَئِكَ آبَائي فَجِئْني بمِثْلِهِمْ .. إذا جَمَعَتْنا يا جَرِيرُ المَجَامِعُ

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    تم بحمد الله





    وللمزيد من تفريغات الفريق تفضلوا:
    ​​​​​هنـــا​​​​​
    ونتشرف بانضمامكم لفريق عمل التفريغ بالموقع
    فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
    رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.

    التعديل الأخير تم بواسطة يسرا بنت الصالحين; الساعة 22-10-2017, 09:42 PM.
    اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.

    الداعية مهمته الأساسية أن يربح نفسه أولا.. ويحسن إلى نفسه أولا
    بقية المقال هنا

    تعليق


    • #3
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      جزاكم الله خيرا ونفع بكم
      اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

      تعليق


      • #4
        جزاكم الله خيرا
        رابط المادة علي الموقع المادة غير موافق عليها

        تعليق

        يعمل...
        X