إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللقاء الخامس عشر | لُغتي فريدة للدكتور رضـا السيـد | بصائر3

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللقاء الخامس عشر | لُغتي فريدة للدكتور رضـا السيـد | بصائر3



    أعتذر إليكِ، أعتذر إليكِ عن عقوقي لكِ وتقصيري في حقكِ وتَرَاجعي عن خدمتكِ وإمعاني في البُعْدِ عنكِ حتى أصبحنا غرباء أو كِدْنا أن نكون لكن عُذْرًا عائدون.

    واعتزازٌ،أعتز بأنكِ الهبة العظمى والمنحة الكبرى والجوهرة المصونة والدرة المكنونة فأنتِ الحياةُ وأنتِ الأمانُ وأنتِ الأمل، فما عرفتُ ربي إلا بكِ وما تدبرتُ كتابه إلى في محرابكِ وما عشت مع سيدي إلا في سطورك؛ لذا أعْتَزُّ بكِ.

    وأعتزم على شرف الخدمة وتلافي الجفوة وحُسْن الامتثال وجميل الإقبال تعلمًا وتعليمًا.

    فهل تقبليني سيدتي واحدًا من أبنائكِ، لغتي العربية؟

    اللقاء الخامس عشر | لُغتي فريدة للدكتور رضـا السيـد | بصائر3



    تفضلوا معنا في تحميل الدرس بجميع الصيغ


    رابط الدرس على الموقع وبه جميع الجودات
    http://way2allah.com/khotab-item-136593.htm

    رابط صوت mp3
    http://way2allah.com/khotab-mirror-136593-217560.htm


    رابط الجودة hd
    http://way2allah.com/khotab-mirror-136593-217559.htm



    رابط يوتيوب






    رابط ساوند كلاود
    https://soundcloud.com/way2allahcom/loghaty-farida

    رابط تفريغ بصيغة pdf
    http://way2allah.com/khotab-pdf-136593.htm



    رابط تفريغ بصيغة word
    هنـــا

    لمشاهدة جميع دروس الدورة وتحميلها على هذا الرابط:
    http://way2allah.com/category-585.htm


    | جدول دورة بصائر لإعداد المسلم الرباني | الجزء الثالث |


    موضوع مخصص للاستفسارات الخاصة بالدورة العلمية " بصائر3 "


    لقراءة التفريغ مكتوب
    تابعونا في المشاركة الثانية بإذن الله.


    التعديل الأخير تم بواسطة يسرا بنت الصالحين; الساعة 22-10-2017, 03:58 AM.
    اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.

    الداعية مهمته الأساسية أن يربح نفسه أولا.. ويحسن إلى نفسه أولا
    بقية المقال هنا

  • #2
    حياكم الله وبياكم الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات:
    يسر
    فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
    أن يقدم لكم تفريغ: لُغتي فريدة
    للدكتور رضـا السيـد
    ​​

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصَحْبِه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
    فهذه مجموعةٌ من المحاضرات تُلْقَى على شبكة الطريق إلى الله، بعنوان دورة بصائر لإعداد المسلم الرباني، فرعُ اللغةِ فيها عُنوانه: اللغةُ العربية بين التحديات واستشراف الآمال.

    رسالةُ اعتذارٍ واعتزاز واعتزام إلى اللغة العربية
    بين يَدَي المحاضرة رسالةُ اعتذارٍ واعتزازٍ واعتزام إلى ملكة القلب وأميرة العقل وتاج الرأس.
    أعتذر إليكِ، أعتذر إليكِ عن عقوقي لكِ وتقصيري في حقكِ وتَرَاجعي عن خدمتكِ وإمعاني في البُعْدِ عنكِ حتى أصبحنا غرباء أو كِدْنا أن نكون لكن عُذْرًا عائدون.
    واعتزازٌ، أعتز بأنكِ الهبة العظمى والمنحة الكبرى والجوهرة المصونة والدرة المكنونة فأنتِ الحياةُ وأنتِ الأمانُ وأنتِ الأمل، فما عرفتُ ربي إلا بكِ وما تدبرتُ كتابه إلى في محرابكِ وما عشت مع سيدي إلا في سطورك؛ لذا أعْتَزُّ بكِ.
    وأعتزم على شرف الخدمة وتلافي الجفوة وحُسْن الامتثال وجميل الإقبال تعلمًا وتعليمًا.
    فهل تقبليني سيدتي واحدًا من أبنائكِ، لغتي العربية؟



    محاور محاضرات اللغة
    المحاضرات لها محاور أذكر منها:
    المحور الأول: لغةٌ فريدةٌ في السمات والخصوصيات.
    المحور الثاني: المكانة السُّمْيا للغة العربية.
    المحور الثالث: شبهاتٌ وردود.
    المحور الرابع: كيف السبيلُ لعِزِّ العربية.



    وها أنا ذا أقتطف لكم من أزاهيرِ الفُصْحَى ومن دقائق اللغة ومن ما صَنَّفَه لنا علماؤنا من الأقدمين والمحدثين، وأسأل الله عز وجل أن ينفعنا جميعًا بهذه السلسلة وأن يبارك في القائمين على تلك الشبكة المباركة التي دائمًا تُتْحِفُ الأُمَّةَ بِكُلِّ جَدِيْدٍ مُفِيْدٍ ونافعٍ إنه خير مَن سُئِلَ وأكرم مَن أجاب.

    المحور الأول: لُغَةٌ فَرِيْدَةٌ فِيْ السِّمَاْتِ وَالخُصُوْصِيَّاْتِ

    المحور الأول حول السمات والخصوصيات التي مَيَّزَ الله -عز وجل- بها تلك اللغة المباركة العظيمة لغة القرآن الكريم، لغة الضاد، اللغة العربية. تلك السمات والخصائص التي مُنِحَت ووُهِبَت تلك اللغة أَذْكُرُها ذِكْرًا مُجْمَلًا ثم نُفَصِّلُ ما تَيَسَّر منها.

    أولًا: هي لغة الفصاحة. ثانيًا: لغة الثراء والترادف. ثالثًا: لغةٌ دلالة أصواتها على المعاني لا يُنْكَر.
    رابعًا: سعة المفردات. خامسًا: هي لغة العَروض، والموسيقى -موسيقى الشعر-، فهي كما وُصِفَت بأنها اللغة الشاعرة كما قال الأستاذ عباس محمود العقاد.
    سادسًا:هي لغة الثبات والمرونة والمطاوعة. سابعًا: هي لغة التخفيف والتيسير.
    ثامنًا:هي لغة الإيجاز، وأفضل ما في بلاغة العرب الإيجاز، كما سُئِلَ العَتَّابِيُّ: ما البلاغة؟ قال: "البلاغةُ الإيجاز".
    تاسعًا: هي لغةُ الإعراب، الذي يدلُّ على المعاني.
    تلك بعضُ السِّمَاتِ التي اتَّسَمَت بها لغةُ العرب، ولم تُوْهَب لغيرها من اللغات إلا نَذْرًا يسيرًا، لكن وُجِدَت مُتَكَاثِرَةً في تلك اللغة، لا يُنْكِرُها مُنْكِرٌ عنده مِسْكَةٌ مِنْ عِلْم.



    اللغة العربية لغة الفصاحة
    الخاصية الأولى من خواص تلك اللغة هي الفصاحة، الميزة الأولى ميزة الفصاحة، فما الفصاحة؟
    الفصاحة في اللغة هي الوضوحُ والبيان.

    يُقَال: أفصح الصبي إذا نطق، وأفصح الأعجمي إذا تحدث بالعربية، وأفصح الصُّبْحُ أيْ بدا وظهر، وأفصح اللبن إذا نُزِعَت منه رغوته.
    وفي المَثَل العَرَبِيِّ القديم: "وتحت الرَّغْوَةِ اللَّبَنُ الفصيح"، مَثَلٌ يُضْرَب عند انجلاء الأمور واتِّضَاحِها.
    ونَزَل ذلك في الذِّكْرِ الحكيم في قَوْلِ الله -تبارك وتعالى-: "وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا" القصص:٣٤.
    فالفصاحةُ هي سمةٌ واضحةٌ في مفردات اللغة، وفي تراكيبها، وجُمَلِها، وفي أهل اللغة العربية الخُلَّص ممن وُصِفُوا بتلك الصفات.


    • شُرُوْطُ الفَصَاْحَةِ فِيْ الكَلِمَةِ المُفْرَدَة
    ما معنى قولنا كلمةٌ فصيحة؟ الفصاحةُ في الكلمةِ المُفْرَدَة لا تتحقق إلا بخُلُوّ المُفْرَدَة من ثلاثة عيوب: من تنافرٍ في الحروف، ومخالفة الوضع، والغرابة. طبعًا هذا موضوعٌ يَطُوْل شَرْحُه، ولكن نأخذ منه برؤوس الأقلام وأمثلةٍ سريعة.

    ١. ألا تكون حروفها متنافرة
    لا تكونُ الكلمةُ فَصِيْحَةً إلا إذا خَلُصَتْ من ثلاثةِ عيوب: من تنافُرِ الحروف، ما معنى تَنَافُرِ الحروف؟ أيْ يَصْعُبُ على الإنسانِ أن يقرأها دون تَلَعْثُمٍ أو تتعتُع، من ذلك مثلًا عابوا على الأعرابيّ قَوْلَه لما سُئِلَ عن ناقَتِه كيف تركتها؟
    قال: "تركتُها ترعى الهعخع"، فكلمة هعخع عَيْبٌ فيها من عيوبِ الفصاحة وهو تنافرُ حروفِها.
    وقد يكون هذا التنافرُ شديدًا ككلمة الهعخع، وقد يكون التنافر خفيفًا ككلمة مُستشزرات التي وصف بها امرؤ القيس شَعْر محبوبته، "جدائله مستشزراتٌ إلى العُلا"، وإن كان مُحِقًّا في هذا الوصف، ولكن عِيْبَ عليه ذلك؛ لِخُلُوِّه من الفصاحة، وتنافرت حروفها.

    ٢. ألا تخالف الوضع
    ثانيًا تكون الكلمة مُخِلَّةً بالفصاحة إذا خالَفَت الوضع، أيْ جاءت على غير قوانين الصرف العربي، من ذلك مثلًا قَوْلُ الشَّاعِرِ: الحمد لله العَلِيِّ الأجلل، فكلمة الأجلل فك التضعيف والصواب فيها أن يقول الأَجَلّ، ولكن ربما اضطر إلى ذلك؛ لضرورات الوزن والقوافي.
    فتنافر الحروف عَيْبٌ مُخِلٌّ بالفصاحة، ومخالفة الوضع عيبٌ يُخِلُّ بالفصاحة.

    ٣. ألا تكون غريبة
    كذلك من العيوب التي يُعاب عليها الغرابة، والغرابة أيْ أنْ يحتاج الإنسانُ أن يبحث عن الكلمة في معاجم اللغة وقد يجدها أو قد لا يجدها، لكن الإنسان الفصيح يتخير الكلمة سَلِسَة المخارج، سهلة النُّطْق، تُطَابِق الوضع الصرفي وقوانين العربية، ثم لا تكونُ غريبةً؛ لذا عِيْبَ الشاعرُ أبو يونس النحوي لما قال:
    ما لَكُم تَكَأْكَأْتُم عَلَيَّ كَتَكَأكُئِكُم على ذي جِنَّةٍ افرنقعوا
    فالتكأكُؤ والافرنقاع لا يدور كثيرًا على الألسنة فهي كلماتٌ غريبة؛ لذا عِيْبَ في فصاحته.

    تلك هي شروط فصاحة الكلمة: ألا يكون فيها تنافُرٌ في الحروف، وألا يكون فيها مخالفةٌ للوضع الصرفي وألا تكون غريبةً على الأسماع.


    • شروطُ فَصَاحَةِ الكلام
    ثم هناك فصاحة الكلام، يكون الكلام فصيحًا إذا خلا أيضًا من عيوب، منها تنافرُ الكلماتِ مُجْتَمِعَة، فإذا كان الكلام يَصْعُبُ النُّطْقُ به مجتمِعًا فيكون عيبًا أخَلَّ بالفصاحة، مِنْ ذلك ما قال الشاعرُ الذي يُجْهَلُ مَن هُو ولم يتعرف عليه أحدٌ من كُتَّابِ الشِّعْرِ ومن كُتَّابِ الدَّوَاوِيْن، بيتٌ مَشْهُوْر يَسْتَدِلُّوْنَ به على تنافر الكلمات مُجْتَمِعَة والبيت مشهوٌ قَوْله: وقبرُ حربٍ بمكانٍ قفر وليس قُرْبَ قبر حربٍ قبر.
    كلمة قبر، وحرب، ومكان، وقفر، على انفرادها سَهْلَةُ النُّطْقِ، تكون سَهْلَةَ النطق، أما إذا اجتمعت يكون فيها الصعوبة ومخالفة قواعد وأصول الفصاحة العربية.

    كذلك يُعابُ الكلامُ إذا كان ضعيفًا في التأليف، أو إذا كان فيه تعقيدٌ لَفْظِيٌّ أو تعقيدٌ معنوي.

    خُلاصَةُ الكلام: اللغة العربية هي لغة الفصاحة، وضعوا لها ضوابطَ وقواعدَ يُقاس عليها مَن خالف القواعد تلك فكأنما قد خرج عن فصاحة العرب.




    اللغة العربية لغة الثراء والترادف

    من الأمور التي تَمَيَّزَت بها اللغة العربية ظاهرة التَّرَادُف، وللترادف مقالٌ ومقال، لغة العرب مع أن هذه الظاهرة ربما تُعْجِزُ مَن أراد تَعَلُّم العربية في أول الأمر وقد تُشَكِّل عليه صعوبة، إلا أن الصعوبة ليست دائمًا دليلًا على ضَعْفِ الشيء، فربما كانت الصعوبة هي الدليل الأكبر على جودة الشيء وعظمته.
    مثلًا من الواقع: إن الذي يصطادُ سمكةً رُبَّما لا تُجْهِدُه، أما مَن يَتَحَيَّنُ ويَتَرَبَّصُ؛ ليصطاد جوهرةً ولؤلؤة ربما أتعبه الطَّلَب، لكن شتان شتان بين مَن يصطادُ سَمَكَةً ومَن يصطادُ جوهرةً أو لؤلؤة.

    الترادف في اللغة العربية أمرٌ لا يُنْكَر، ومَزِيَّةٌ من مزاياها لا تُجْحَد، لدرجة أن علماءنا -علماء اللغة العربية- تحدثوا عن ذلك وعدَّدوا أسماء كثيرة لبعض المفردات، فمثلًا السيف ذُكِرَ له مئات الأسماء، والأسد، والعسل، حتى أنهم صَنَّفوا كُتُبًا كاملة في بعض هذه الأشياء ليُعَدِّدوُا أسماءها. من ذلك مثلًا:
    المُصَنَّفُ الذي كَتَبُه صاحب القاموس الفيروز آبادي -رحمه الله- صاحب القاموس المحيط، أَلَّفَ كتابًا سَمَّاه "الرَّوْضُ المَسْلُوف فيما له اسمان إلى ألوف"، وكأنه يقول هناك من أسماء اللغة ومفرداتها ما له أكثر من مئات الأسماء.
    ابن خالوَيْه -رحمه الله- وهو من علماء النحو صَنَّفَ كتابًا في أسماء الأسد، وكتابًا آخر في أسماء الحيَّة، وأيضًا ذكروا كتابًا في أسماء العسل اسمه "ترقيقُ الأَسَل لتصفيق العسل".
    وابن فارس ذكر أنه جمع للأسد أكثر من مئة وخمسين اسمًا.

    وتَحْضرني طرفةٌ أدبيةٌ في هذا المقام عَرَضَت للشاعر المشهور أبو العلاء المعري، وهو شاعرٌ معروفٌ بفلسفته، وصُنِّفَت فيه الكتب، والرسائل دُرِست فيه، يروى أنه أراد يومًا أن يدخل على الشريف المرتضى، فعثر برِجْلِ رَجُلٍ جالِس، هذا الشاعر أبو العلاء المعري كان كفيف البصر، أعمى، بينما هو يمشي إذ به يصطدم برَجُلٍ جالس فتعثَّر برجليه، فقال الرجل الجالس: مَن هذا الكلب؟ فرد عليه قائلًا أبو العلاء، على البديهة والسرعة: "الكلبُ مَن لا يعرفُ سبعين اسمًا للكلب"، فكان رَدًّا مُفْحِمًا، قال له: "الكلبُ مَن لا يعرفُ سبعين اسمًا للكلب".

    جاء الإمام السيوطي -رحمه الله- وصَنَّفَ منظومةً معروفة ووسمها بقَوْله: "التَّبَرِّي مِن مَعَرَّة المَعَرِّي"، كأنه يتبرأ من عار أبي العلاء المعري؛ حتى لا يُسَبّ لما قال: "الكلبُ مَن لا يعرفُ سبعين اسمًا للكلب"، وتلك قصيدةٌ مشهورةٌ بدأها بقَوْلِه:
    لله حمدٌ دائمُ الوَلِيّ ... ثمّ صلاتُه على النبي
    قد نقل الثقاتُ عَن أبي العلا ... لما أتى للمُرتَضى ودخلا
    قال له شخصٌ بهِ قَد عَثَرا ... مَن ذلِكَ الكلبُ الذي ما أبصَرا
    فقال في جوابه قولًا جلِي ... مُعَبِّرًا لذلك المجهّلِ
    الكلبُ مَن لَم يَدرِ من أسمائِهِ ... سبعينَ موميا إلى علائِهِ
    واسترسل في هذه القصيدة حتى أتى على قريبًا من سبعين اسمًا للكلب.


    اللغة العربية لغة المفردات، لغةٌ تُحْمَدُ على ذلك، وقد شهد بذلك القاصي والداني، فذلك أستاذنا -رحمه الله- الأستاذ علي عبد الواحد وافي يقول: "إن البروفيسور دوهامر جمع المفردات العربية المتصلة بالجملة وشؤونها فتجاوزت أكثر من خمسة آلاف وستمائة وأربعٍ وأربعين كلمة".

    ثم بعد ذلك يقول المستشرق الألماني نولدكه وهو معروفٌ بدراسته للغة العربية وأدب العرب وحضارتهم، يقول: "إنه لا بد أن يزداد تعجب المرء من وفرة مفردات اللغة العربية عندما يعرف أن علاقات المعيشة لدى العرب بسيطةٌ جدًّا.." علاقات المعيشة عند العرب كانت بسيطة جدًّا، ماذا يعني العربيُّ البَدَوِيّ؟ خيمة تأويه وتحميه من حر الشمس ومن مطره، وعنده حياة بدائية جدًّا، أغنامه يرعاها، حياة قمة البدائية والبساطة ومع ذلك كانت لغته قمة، فإذا كانت حياتُه قمَّةً في التقتير، فإن لغته كانت قِمَّةً في العطاء والوفرة، يقول: حياته بسيطةٌ جدًّا ".. ولكنهم في داخل هذه الدائرة يرمزون للفرق الدقيق في المعنى بكلمةٍ خاصة".

    والعربيةُ الكلاسيكية ليست غنيةً فقط بالمفردات ولكنها غنيةٌ أيضًا بالصِّيَغِ النحوية، عَدَّدوا الألفاظ المُسْتَعْمَلَة والألفاظ المهملة في اللغة العربية كما ذكر الخليل بن أحمد الفراهيدي -رحمه الله- وما أدراك ما الخليل! عندما يُذكر الخليل تُذْكَر محاسنُ اللغة، ومفاتيح علوم اللغة، الخليل بن أحمد الفراهيدي -رحمه الله- ذلك الرجل الذي قال عن نفسه: "لقد كنتُ بجوار الكعبة؛ فشربتُ من زمزم، ودعوتُ الله أن يفتح عليَّ بعلمٍ لم يُفْتَح على أحَدٍ به من قَبْلِي، ففتح الله عليه بعلم العَرُوض".
    وكلمة العَرُوض كما هو معلوم مكانٌ في مكة، وهذا العلم المختصّ -وسيأتي معنا حديثٌ عنه مختصر- علمٌ يختصّ بوَزْن الشعر، وضَبْطه، ونَظْمِه.

    الخليل بن أحمد الفراهيدي لما نظروا في معجم العين وفي غيره من المعاجم وجدوا أن هذه الألفاظ المُسْتَعْمَلَة في اللغة العربية بَلَغَتْ رقمًا قد يُدْهَشُ الإنسانُ عندما يسمعه لأول مرة، بلغت خمسة ملايين وتسعةٍ وتسعين ألفًا وأربعمائة كلمة، خمسة ملايين وتسعةٍ وتسعين ألفًا وأربعمائة كلمة مُسْتَخْدَمَة في اللغة العربية، والأصلُ هذه الخمسة ملايين أُخِذَت من أصل ستة ملايين وستمائة وتسعين ألفًا وأربعمائة كلمة.
    فانظر إلى ثراء اللغة العربية في مفرداتها لن تجد لغةً أخرى مثلها أبدًا، فإذا كان السيفُ له اسمٌ واحدٌ في كُلِّ اللغات نجد له مئات الأسماء، وهكذا في كثيرٍ من المفردات.




    اللغة العربية تتفرد بعلم العروض وبأنها اللغة الشاعرة

    اللغة العربية لها مَزِيَّةٌ أخرى تَفَرَّدَت بها على كثيرٍ من اللغات، من تلك الميزات أنها -اللغة العربية- تميزت بعلمٍ ليس في أي لغةٍ أخرى وهو علمُ العَرُوْضِ، وليس هذا الكلامُ كلامَ مُحِبٍّ لِلُغَتِهِ، ولكنه كلامُ مَن لا يُحِبُّون اللغة العربية وإنْ دَرَسُوها من المستشرقين.
    قلتُ آنِفًا أن الذي وضع علم العَرُوْضِ هو الخليل بن أحمد الفراهيدي -رحمه الله-، الخليل بن أحمد الفراهيدي وضع هذا العلم خمسة عشر بحرًا، ثم جاء الأخفش وزاد بحرًا واحدًا، وهو يُسَمَّى بحر المُتَدَارَك؛ كأنه تدارك على الخليل وزاد بحرًا واحدًا.

    عجيبٌ في أمر هذا الرجل، إن العلوم تُشْبِهُ النَّبْتَة، تكونُ بذرةً، ثم فسيلةً، ثم تنمو لتكونَ شجرةً، إلا أن هذا الرجل وضع علمًا، بل عِلْمَيْن، بل ثلاثة علومٍ، واستقرت من يومها لم يُضَف إليها إلا النَّذْرُ اليسير جدًّا، مِن ذلك علم العَرُوض الذي وضعه، كذلك هو أول مَن وضع مُعْجَمًا على ظهر الأرض، لا أقول في اللغة العربية أبدًا بل أول مُعجم وُضِع من معاجم اللغات هو معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي -رحمه الله-، وهو صاحب الضَّبْط والتشكيل الذي نعرفه الآن مِن الضَّمَة والفتحة والكسرة والشَّدَّة والسكون، هو صاحبُ هذا العلم، وكأن الله -عز وجل- مَنَح هذا الرَّجُل من الفضل ما لم يُمْنَح لكثيرٍ من علماء اللغة.
    عجيبٌ في أمر هذا الرجل أنه مات فقيرًا شديد الفقر، وطلابُه كانوا يأكلون ما لَذَّ وطاب مما يحبون من الطعام ويلبسون ما يشاؤون من الثياب.

    الخليل بن أحمد الفراهيدي وضع علم العَرُوض، ذلك العلم الذي قال عنه ابن فارس -رحمه الله- وهو من كبار علماء اللغة صاحب كتاب مقاييس اللغة، معجم قَيّم أيضًا، يقول: "ثم للعرب العروض الذي هو ميزانُ الشعر، وبه يُعْرَفُ صحيحه من سقيمه".
    وقد أشار كثيرٌ من المستشرقين إلى اختصاص العربية بعلم العَرُوض، فقال المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون في بحثٍ له بعنوان "مقامُ الثَّقَافَةِ العربية بالنسبة إلى المَدَنية العالمية"، يقول المستشرق ماسينيون: "وأما في علومِ اللغةِ فإن الفِكْرَ السَّامِي لم يَصِل إلى علم العروض إلا عند العرب لا غير".
    وقد أفاض وزاد في هذا الأمر الأستاذ عباس محمود العَقَّاد في كتابه "اللغة الشاعرة" يُبَيّنُ خصائصَ تلك اللغة وأنها لغةٌ شاعرية لا تجد لها مثيلًا في كل لغات العالم.




    تتميز اللغة العربية بالثبات الحر

    من ميزات اللغة العربية أيضًا أنها تَتَّسِمُ بالثباتِ الحُرّ، ماذا نعني بالثبات الحر؟
    لو نظرنا في أيِّ لُغَةٍ من لغات العالم ولتَكُن مثلًا اللغة الإنجليزية، وهي بالتصنيف العالمي هي رقم واحد في العالم، الذي يريد أن يقرأ رواية مثلًا لشكسبير الذي لم يَمُرّ عليه إلا قرون تُعَدّ على أصابع اليد الواحدة، هو مُضطَر إذا كان
    مُثَقَّفًا إنجليزيًّا مضطر أن تُتَرْجَمَ له الروايةُ بلُغَةٍ تُشْبِهُ لُغَةَ عَصْرِه؛ كَيْ يَفْهَمَهَا.

    أما اللغة العربية فرغم أنها تتسم بالمرونةِ إلا أن فيها الجذور والأصول التي تَحْفَظ اللغة من التغيير حتى تبقى لغةً ثابتة، لذلك مثلًا ربما تقرأُ قصيدةً لواحدٍ من الشعراء الجاهليين، تقرأُ قصيدةً مثلًا لامرئ القيس أو لزُهَيْر بن أبي سُلمى فتجد عوام الناس يقرؤون الأبيات ويفهمونها، من ذلك مثلًا قَوْلُ زهير بن أبي سُلمى:
    سئمتُ تكاليفَ الحياةِ ومَن يَعِش ثمانين حولًا -لا أبا لك- يَسْأَمِ
    وأعلمُ عِلْمَ اليَوْمِ والأمسِ قَبْلَهُ ولكنني عن عِلْمِ ما فِي غَدٍ عَمِ
    ومَن يجعل المعروفَ في غير أهله يكُن حَمْدُه ذَمًّا عليه ويَنْدَمِ


    اقرأ قصيدتَه بِطُوْلِها تَجِد المعانِيَ واضحةً لا تحتاجُ إلى مُتَرْجِمٍ لك مع أن بيننا وبين زهير بن أبي سُلمى قرون متطاولة تزيد على الأربعة عشر قرنًا؛ لأنه شاعرٌ جاهليّ قبل الإسلام، فعلى أقل تقدير مَرَّ عليه قريبًا من خمسة عشر قَرْنًا، ومع ذلك لُغَته ما زالت تُفْهَم.

    واقرأ للسموأل بن غريض بن عادياء وهو أيضًا شاعرٌ جاهليّ يتحدثُ عن الشَّرَفِ والعِرْض يقول:
    إذا المرءُ لَم يَدْنَس من اللؤم عِرْضُهُ فكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيه جميلُ
    لو تُلِيَت على طالبٍ في الصفوف الأولى من التعليم الابتدائي لَفَهِمَها، لماذا؟ لُغَةٌ لها أصول.

    فاللغة العربية من سماتها وخصوصياتها الثبات الحر؛ فهي ثابتةٌ في أصولها وإن كانت فيها قَدْرٌ كبير من المرونة والتَّطَوّر والاتّساع لتَقْبَلَ كل جديدٍ يُوْضَعُ في جُعْبَتها.

    فقلنا أن اللغة العربية ربما تَقْرَأُ أشعارًا أو حِكَمًا أو خُطَبًا أو أمثلةً، أمثالًا للعرب، تقادَمَ عليها العهدُ منذُ قُرونٍ عِدَّة، ومع ذلك تجدُ القارئ العادي يفهمها ويتدبرها، من ذلك مثلًا قَوْلُ عنترة بن شداد لما قال:
    وأَغُضُّ طرفي ما بدت لي جارتي حتى يُوارِيَ جارتي مأواها
    هذا الشاعر الجاهلي كان شاعرًا عفيفًا، والشاهد فيه أن البيت هذا مع أنه بيننا وبينه قرونٌ عِدَّة إلا أننا نقرأُ البيت ونفهمه دون مشقَّة، وتلك ميزةٌ للغة العربية لا نجدها في سواها.

    يقول الدكتور حسين نَصَّار -رحمه الله-:
    "إنَّ أَكْبَرَ تَحَدٍّ وَاْجَهَتْهُ العربية كان عندما أخرجها الإسلام من جاهليَّةٍ غَنِيَّةٍ كُلَّ الغِنَى في الإبداع الأدبيّ، كانت فقيرةً كُلَّ الفَقْرِ إلى حدّ الإملاق في الإنتاج العلمي، ثم ألقى بها في القَرْنَيْن الثاني والثالث الهجري، في بَحْرٍ زاخِرٍ من الحضارات والعلوم والفلسفات والفنون وكل صنوف المعرفة التي ابتكرتها الأُمَم المُتَاخِمَة للجزيرة العربية كالفرس والروم والسريان والمصريين، والأمم البعيدة كالهند والصين والتُّرْك والبربر وشعوب أسبانيا، ولكن العربية صمدت
    ولم تتغير ولم تُغَيِّر هُويّتها بل قَبِلَت التَّحَدِّي وعاشت وبَقِيَت كشجرةٍ عظيمةٍ ضَاْرِبَةٍ بجذورها في عُمْقِ الأرض".




    اللغة العربية لغةٌ جديرةٌ بالبقاء والخلود

    اللغة العربية لغةٌ تَمَيَّزَت بالاشتقاق، والترادف، والتعريب، فهي لُغَةٌ جَدِيْرَةٌ بالبقاء، وقَدْ نُشِرَ منذ سنواتٍ قليلة أن اللغَةَ العربية لُغَةٌ مُهَدَّدَةٌ بالانقراضِ بعد حين، فقامت دراسةٌ كبرى في أوروبا أيضًا تُثْبِت عكس ذلك تمامًا، اللغة الوحيدة على ظهر الأرض التي ستبقى بمرونتها وقُدْرَتها على الاستيعاب هي اللغة العربية.
    لذا وجدنا كثيرًا من الأُمم بدؤوا يسجلون تاريخهم وتراثهم وحضارتهم باللغة العربية، كأوروبا، جُلُّ الدُّوَلِ الأوروبية بدأت تُسَجِّلُ تاريخها باللغة العربية، روسيا بدأت تُسَجِّلُ تاريخها باللغة العربية، لماذا؟ لأنها اللغة التي كُتِبَ لها البقاء والصمود ببقاء كتابِ الله -عز وجل-، ولِمَ لا؟ وقد قال الله في حق كتابه: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" الحجر:٩، والقرآن باللغة العربية "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا" الزخرف:٣، فإذا كان القرآن محفوظًا بحِفْظِ الله، والقرآن باللغة العربية، معنى هذا أن اللغة العربية محفوظةٌ بحِفْظِ الله -عز وجل-.

    تتميز اللغة العربية بالتخفيف واليُسر والإيجاز

    ميزةٌ أخرى من ميزات اللغة العربية وسمة من سماتها هي سمة التخفيف، سِمَةُ التَّخْفِيْفِ سِمَةٌ لا تُنْكَرُ في اللغة العربية أبدًا، وكُلُّ دَاْرِسٍ للعربية ودارسٍ لغيرها يوقِنُ بهذا تمام اليقين.

    معلومٌ أن الأصول اللغوية لكل كلمة في العربية من الاسم والفعل إما أن تكون ثلاثية أو رباعية أو خماسية، الأصول الثلاثية للكلام في العربية للأسماء والأفعال إما أن تكون من ثلاثة أَحْرُفٍ أو أربعة أو خمسة، هذه هي الأصول ولا تزيد على ذلك، وأكثر هذه استخدامًا هي الأصول الثلاثية، لو نظرنا إلى العربية تجد أكثر كلام اللغة العربية يكونُ ثُلاثيَّ الأصل، وقِلَّةٌ رُبَاعي، وأقلُّ القليل يكونُ خُمَاسِيًّا.

    الفعل بالزيادات التي تَسْبِقُ الفِعْلَ أو تَلْحَقه لا يصل إلا إلى ستة أحرف، فأكثر فعلٍ في اللغة العربية ستة أحرف، وأكثر اسمٍ في اللغة العربية سَبْعَةُ أَحْرُفٍ.

    وإذا نَظَرْنا بالمُقَارَنَةِ اليَسِيْرَةِ بين بعض المفردات في اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية نجدُ البَوْنَ شاسِعًا، فمن ذلك مثلًا: كلمة أب، بالعربية كم حرف؟ حرفان، "أبٌ" وإن كان هناك حرفٌ محذوف هو الواو حُذِفَت لكنها كلمة "أب" حرفان.
    بالإنجليزية father، كم حرف؟ بالعربي حرفان، وفي الإنجليزية تقريبًا ستة أحرف.
    وفي الفرنسية Le père.
    أُمّ، Mother بالفرنسية La mere.
    كلمة جدّ، بالعربية جدّ، بالإنجليزية grandfather. طيب جدة Grandmother، لو نظرت إلى كلمة "جد" من حرفين فقط، التي تُكتب وتُنطق حرفان فقط، انظر إلى الإنجليزية والفرنسية وغيرها من اللغات تجدُ البَوْنَ شاسِعًا بين يُسْر وخِفَّة اللغة العربية وثِقَل وطول الحروف في اللغات الأخرى.

    اللغة العربية إذًا هي لُغَةٌ تعتمدُ على اليُسْرِ والإيجازِ وتلك مَزِيَّةٌ أخرى من مزايا اللغة العربية وهي سمة الإيجاز، وقديمًا سُئِلَ بعضهم وهو العتَّابِيّ: ما البلاغة؟ قال: "البلاغةُ الإيجاز".
    والإيجاز في اللغةِ العربية وبلاغتها بمنزلة القلادة من العقد، والسوار من المعصم، فالعربيةُ هي لُغَةُ الإيجاز، جميلةٌ في إيجازها. والإيجازُ في اللغة له أشكالٌ كثيرة قد يكونُ إيجازًا في رسم الكلمة موجزة، إيجازًا في نُطْقِ الكلمة، إيجازًا في الجملة، إيجازًا في العبارة، إيجازًا في كل شيء، حتى أنهم عَدّوا الإيجاز رأس بلاغة العربية.




    أنواع الإيجاز:

    والإيجاز كما هو معلوم قسمان، وسيأتي إن قَدَّرَ الله لنا دورةً في البلاغة، الإيجازُ نوعان: إيجازٌ بالقِصَر، وإيجازٌ بالحذف،
    ما الفارقُ بين إيجازِ القِصَرِ وإيجازِ الحَذْف؟


    -إيجاز القِصَر أن يُؤَدَّى المعنى الكبير بلَفْظٍ قليل، أداءُ المعنى الكبير بلفظٍ قليل، من ذلك مثلًا قَوْلُ الله -تبارك وتعالى-: "وَاللَّـهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" البقرة:٢١٢، قِفْ عند كلمة "بِغَيْرِ حِسَابٍ" وانظر إلى كلام العلَّامَة الراحل -رحمه الله- الشيخ محمد عبد الله دراز في كتابه القَيِّمِ المَاتِع "النبأ العظيم" وهو من أجمل ما كُتِبَ في العصر الحديث في بلاغة القرآن الكريم، كتاب النبأ العظيم للشيخ الراحل الدكتور محمد عبد الله دراز وهو من كبار علماء الأزهر، يقول في قَوْلِ الله -تبارك وتعالى- "وَاللَّـهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ": "إن الكلمة في كتاب الله مَثَلُ الفَصِّ من الماس، كلما نظرت إليها من زاويَةٍ أعطَتْكَ شعاعًا مُعَيَّنًا، فإذا نظرتَ من زاويةٍ أخرى وجدتَ شعاعًا آخر، فإذا نظرتَ إليها مُكْتَمِلَةً أخَذَتْ عينَك أطيافُها وأضواؤها التي لا تُحْصَرُ ولا تُعَدّ".

    فاللغة العربية تتسم بأنها لغة الإيجاز، ومعلوم أن الإيجاز في اللغة العربية نوعان: إيجازٌ بالقِصَر وإيجازٌ بالحذف، إيجاز القِصَرِ أن يُحَمَّلَ اللفظُ القليل معاني كثيرة.
    ضرب الشيخ محمد عبد الله دراز لهذا مثلًا في كتابه "النبأ العظيم" في قَوْل الله -تبارك وتعالى- "وَاللَّـهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ"، فقال: "وانظر إلى قَوْلِه "بغير حساب" هل يا ترى بغير حسابٍ على ذَنْبٍ ارتكبه فيأتيه الرزق، أم بغيرِ حسابٍ أيْ رِزْقٌ كثيرٌ لا يدخُلُ في بابِ العَدِّ والحساب، أم بغيرِ حسابٍ أن يأتيه الرزق من هذا الباب".
    انظر تلك الكلمات القليلة تتحملُ معاني كثيرة، فهذا إيجازُ القِصَر، يُحَمَّلُ اللفْظُ القليل المعانِيَ الكثيرة.

    -وهناك إيجازٌ بالحذف، والحذفُ هذا بابٌ من أبوابِ بلاغةِ القرآن الكريم.
    قال الإمام عبد القاهر الجرجاني -رحمه الله- في كتابه دلائل الإعجاز: "والحَذْفُ بابٌ يُشْبِهُ السِّحْرَ، عجيبُ الأمر، ترى به تَرْكَ الذِّكْرِ أفصَحَ من الذِّكْر، والصَّمْتَ عن الإفادَةِ أَبْيَنَ للإفادة، فتراكَ أنْطَق ما تكون إذا لم تَنْطِق، وأَبْيَن ما تكون إذا لم تُبِنْ".

    فالإيجاز سمةٌ كبرى وعظيمة واضحة من سمات اللغة العربية، فمن ذلك مثلًا أن اللغة العربية لا تعرفُ الأفعالَ المساعدة كما تعرفها اللغات الأخرى، مثلًا الذي يُسَمَّى في الإنجليزية verb to beأو verb to do، اللغة العربية تقول مثلًا: "مُحَمَّدٌ سَعيْد"، لا تقول: "مُحَمَّدٌ يكون سعيدًا".
    "هو سعيد"، لكن بالإنجليزية he is happy، فهذا الفعل المساعد ليس في اللغة العربية لأنه بابٌ من أبواب الإيجاز.

    اللغة العربية رُبَّما عَبَّرَت بِرَسْمِ حُرُوْفِها بإيجاز، فمثلًا الشَّدَّة في اللغة العربية ككلمة رَدَّ أو مَرَّ أو حَبَّ أو قَدَّمَ، تلك الشَّدَّة التي تُوْضَع على الحرف نَوْعٌ من أنواع الإيجاز في رَسْمِ الكلمات.
    ومن ذلك مثلًا: التثنية، تقول: مُثَنَّى رَجُل رَجُلان، مثنى امرأة امرأتان، فالتثنية علامةٌ تُلْحَقُ بآخر المثنى، كذلك الجمع، أما في كثيرٍ من اللغات لا تعرف علامة التثنية بل تضع الكلمة بشَكْلٍ آخر ليست كهذه اللواصق واللواحق في اللغة العربية.

    اللغة العربية قد يأتي فيها الفاعلُ مُسْتَتِرًا، فربما عُبِّرَ عن جُملةٍ كاملة بكلمةٍ واحدةٍ مُتَّصِلَة، ربما عُبِّرَ عن جملةٍ متكاملة من الفعل والفاعل والمفعول الأول والمفعول الثاني في رسمة كلمةٍ تُرْسَم مُتَّصِلَةً في حُرُفِها، كقَوْل الله -تبارك وتعالى- "فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّـهُ" البقرة:١٣٧، سَيَكْفِيكَهُم، أو قَوْله: "أَنُلْزِمُكُمُوهَا" هود:٢٨، أنُلْزِم هذا الفعل فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر والكاف مفعولٌ به أول، والهاء مفعول به ثاني.
    اللغة العربية تعرفُ الإيجاز في كتابتها وفي جُمَلِها بما لا تعرفه لُغَةٌ أخرى، اللغة العربية لغةُ الإيجاز في تراكيبها، لغة الإيجاز في رسمها، لغة الإيجاز في مفرداتها.




    تتميز اللغة العربية بوجود الإعراب ودلالته على المعاني

    اللغة العربية أيضًا تتَّسِم بسمةٍ أخرى وهي الإعراب ودلالته على المعاني، نعم هناك بعض اللغات السَّاميَّة تعرف الإعراب لكن لا يُعْرَف لُغَةٌ على ظهر الأرض تعرف الإعرابَ وتشكيل الكلمة وتحفل به كاللغة العربية، والإعراب هذا أيضًا ضربٌ من ضروب الإيجاز، وضربٌ من ضروب تَفَرُّدِ اللغة العربية، اللغة العربية بهذا الإعراب تعطي الجملة سعة ليست في أي لغةٍ أخرى.

    لو أخذنا مثلًا يُضْرَب ويُذْكَر في هذا الباب: في الإنجليزية عندما نقول "أعطى محمدٌ خالدًا كتابًا". هي جُملة لا تُصاغ إلا كما يُقالverb_ object” _”subject تبدأ Mohamed gave Khaled a book، لا تُصاغ إلا بهذه الطريقة، لو أردنا أن نُعَبِّرَ بصيغَةٍ أخرى في اللغة الإنجليزية أو الفرنسية لن تجد إلا صورةً واحدة، لماذا؟
    ليس عندهم إعراب.

    أما اللغة العربية لأنها تعرف الإعراب فأعطتنا طُرُقًا عِدَّة، قريبًا من عشر طُرُق للتعبير عن هذه الجملة، فمثلًا تقول: أعطى محمدٌ خالدًا كتابًا، انظر، وتقول: محمدٌ أعطى خالدًا كتابًا، وتقول: خالدًا أعطى محمدٌ كتابًا، وتقول: كتابًا أعطى محمدٌ خالدًا، وتقول: كتابًا خالدًا أعطى محمدٌ، وتقول: كتابًا خالدًا محمدٌ أعطى.. وهكذا طُرُق عديدة ومتكاثرة، لماذا؟ الإعراب يُمَكِّنُ صاحبَ اللغة العربية من أن يُقَدِّم ويُؤَخِّر دون حَرَجٍ عليه، أما في غيرها من اللغات لا يستطيع أن يُقَدِّم ولا يستطيع أن يُؤَخِّر.

    ربما يسأل سائل: وهل جملة "أعطى محمدٌ خالدًا كتابًا" هي هي "محمدٌ أعطى خالدًا كتابًا"؟ أقول: لا.
    جملة "أعطى مُحَمَّدٌ خالدًا كتابًا" جملةٌ فعلية، لماذا؟ تبدأُ بفعل، فهنا أُسْنِدَ الإعطاء إلى محمد مرة واحدة، "أعطى مُحَمَّدٌ خالدًا كتابًا" الإسناد هنا أيْ العلاقة بين الفعل والفاعل لم تحدث إلا مرةً واحدة.
    لكن عندما أقول "محمدٌ أعطى خالدًا كتابًا" محمد في المثالين هو الذي يعطي، لكن الفارق بينهما أنَّ المثال الثاني "محمدٌ أعطى.." أصبحت الجملةُ جملةً اسمية، لها مبتدأ وخَبَرٌ جملة فعلية، فهي جملةٌ داخل جملة، فأصبح الإسناد هنا إسنادَيْن، ليس إسنادًا واحدًا.

    ويقول البلاغيُّون: "وإسنادان أقوى من إسناد"، فعندما تقول: "أعطى مُحَمَّدٌ خالدًا كتابًا" هذا يختلف تمامًا عن "محمدٌ أعطى خالدًا كتابًا"، وهذا معروفٌ في البلاغة، التعبير بالفعل يختلفُ كثيرًا عن التعبير بالاسم، والتعبير بالجملة الفعلية يختلف كثيرًا عن التعبير بالجملة الاسمية.

    لذا نجد إبراهيم -عليه السلام- كان أكرم من الملائكة في قَوْل الله -تبارك وتعالى-: "إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖقَالَ سَلَامٌ" الذاريات:٢٥، وانظر إلى الفارق بين الجملتين، "إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا" أيْ نُسَلِّمُ عليك سلامًا، جُمْلَةٌ فعلية، فلما رَدَّ عليهم قال: "سلامٌ" أيْ أمري سلامٌ، عَبَّروا هم بإلقاء السلام بالجملة الفعلية، والفعلية لها زمنٌ مُحَدَّد لا تتجاوزه، أما رَدُّ إبراهيم -عليه السلام- فكان بالجملة الاسمية، والجملة الاسمية لا تعرف الزمان، بل يدل على عموم السلام في كُلِّ وَقْتٍ، فيما مضى وفيما سيأتي وفي حاله الذي يكونُ فيه، لذلك قالوا: "كان إبراهيمُ عليه السلام أبلغَ من الملائكة وأكرم في رَدِّه".

    ذلك لا يكونُ إلا في اللغة العربية وهو الإعراب، ذلك الإعراب الذي يُمَكِّنُ من تَقْدِيْمٍ وتأخير، ومن ذِكْرٍ وحَذْفٍ، ومن طَيٍّ للجُمَل لا يكونُ إلا في اللغة العربية.

    إذًا هي لغةٌ مميزة، زادها فخامةً وزادها عِزًّا وزادها فضلًا أن كتاب الله -عز وجل- ذلك الكتاب الخاتم الذي هَيْمَن على كل ما سبق نزل بها؛ تشريفًا لها، وتشريفًا لأهلها.



    الخاتمة
    أسأل الله -عز وجل- في نهاية هذه الحلقة أن نكون قد بيَّنَّا بعضًا من سمات وصفات اللغة العربية، ومَن أراد أن يعود إلى تلك المادة فهي شبه مأخوذة من كتابٍ وجدتُه وهو منشور ومُتَدَاوَل، كتاب قَيِّم جدًّا اسمه "عبقرية اللغة العربية"، الكاتب الأستاذ محمد عبد الشافي القوصي، طبعة المُنَظَّمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، أسأل الله أن ينفعنا بما كتب أساتذتُنا وعلماؤنا قديمًا وحديثًا، وأن يحفظ جناب اللغة، وأن يحميها من كل كَيْدٍ وسوء.
    وإلى لقاءٍ آخر.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    تم بحمد الله




    وللمزيد من تفريغات الفريق تفضلوا:
    ​​​​​هنـــا​​​​​
    ونتشرف بانضمامكم لفريق عمل التفريغ بالموقع
    فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
    رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.

    ​​
    التعديل الأخير تم بواسطة يسرا بنت الصالحين; الساعة 22-10-2017, 02:14 PM.
    اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.

    الداعية مهمته الأساسية أن يربح نفسه أولا.. ويحسن إلى نفسه أولا
    بقية المقال هنا

    تعليق


    • #3
      جزاكم الله خيرا

      تعليق


      • #4
        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا.


        رحمــــةُ الله عليـــكِ أمـــي الغاليــــــــــــة

        اللهــم أعني علي حُسن بِــــر أبــي


        ومَا عِندَ اللهِ خيرٌ وأَبقَىَ.

        تعليق

        يعمل...
        X