الحلقة السابعة عشر من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني

[سلمى أم عمر]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

إذا كانت هناك قضيَّة تستحقُّ استنهاض الهِمَم وشحْذ العزائم، والتفاف الأمَّة بكلِّ حزم، فهي قضيَّة فِلَسْطين؛ لأنَّها في نظر المسلمين مسألةُ دين وعقيدة، إلى جانب التَّاريخ والجغرافيا ومعاني الأخوَّة الإيمانيَّة والقربى، بالإضافة إلى البعد الإنساني ورفض الظلم والعدوان، ومِن أنكرِ المنكر تقزيمها لتكون مجرَّد قضيَّة فلسطينيَّة داخليَّة، أو عربيَّة قوميَّة، أو رقعة ترابيَّة يستوي أن ترتفع فيها رايات إسلاميَّة ومسيحيَّة ويهوديَّة، كما ينادي بذلك العلمانيُّون العرب.


فلسطين في عهد السلاجفة

رابط مشاهدة الحلقة على اليوتيوب:

لتحميل الحلقة بجودات مختلفة من هنا:
http://way2allah.com/khotab-item-137758.htm


جودة عالية MP4
http://way2allah.com/khotab-mirror-137758-220020.htm


رابط صوت MP3
http://way2allah.com/khotab-mirror-137758-220021.htm



رابط الساوند الكلاود
http://way2allah.com/khotab-mirror-137758-220022.htm

رابط تفريغ بصيغة pdf
http://www.way2allah.com/media/pdf/137/137758.pdf


رابط تفريغ بصيغة word
https://archive.org/download/timeline17/timeline17.doc

[سلمى أم عمر]

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه مَن يَهْدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فأهلًا ومرحبًا بكم في هذا اللقاء المبارك، وأسأل الله -عز وجل- أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين، مع الحلقة السابعة عشرة من حلقات خط الزمن، وما زلنا مع قصة فلسطين.


نشأة دولة السلاجقة
في سنة ٤٣٢ من الهجرة ودا بيوافق سنة ١٠٤١ من الميلاد ظهر نور جديد في شمال أفغانستان، وفي شرق إيران، وهذا النور هو ميلاد دولة السلاجقة.
ودولة السلاجقة دولة سُنّيّة عظيمة جدًّا قام على إنشائها سلجوق بن دُقاق، وهو من الأتراك، وطبعًا الأتراك هو عرق كبير جدًّا، هو الذي يعيش حول بحر قزوين، المناطق اللي بتعيش حول بحر قزوين هي دي المناطق اللي فيها العرق التركي، مش منطقة الأناضول، مش منطقة تركيا الآن، بالعكس هم هاجروا من هذه المناطق إلى تركيا الموجودة الآن، لكن منبتهم ومنشأهم كان من حوالين بحر قزوين.
فهذه المنطقة ظهر فيها نوع من الأتراك أو قبيلة من الأتراك اسمها قبيلة سابيو، وهي اللي أنشأت دولة السلاجقة، اللي هي دولة سلجوق بن دقاق، والكلام دا كان في سنة ٤٣٢، وبدأت تتوسع تدريجيًّا في شمال أفغانستان وفي شرق إيران إلى أن كبرت وبالذات في عهد طغرل بك.

طغرل بك
وهو من أعظم الأمراء في تاريخ دولة السلاجقة، وهو المنشئ الحقيقي لهذه الدولة، هذا الرجل كما يصفونه في الكتب الإسلامية كان من القوَّامين لليل، من الصوامين، كان معتاد يصوم الاتنين والخميس، كان من القارئين للقرآن، كان من المجاهدين في سبيل الله، كان يبحث عن الكفار هنا وهناك يدعوهم إلى الله -عز وجل-، حياته كلها كانت لله -عز وجل-، فعلًا كان شخصية من الشخصيات المؤثرة إيجابيًّا جدًّا في تاريخ الأُمَّة الإسلاميَّة.

دعوة الخليفة العباسي طغرل بك لدخول بغداد
سمع به الخليفة العباسي، طبعًا زَيّ ما قُلنا الخليفة العباسي كان مجرد صورة وَهْم لا معنى له، فبمجرد ما سمع الخليفة العباسي عن هذا الرجل طغرل بك، وعن قوّته، وعن جدارته بالسيطرة على الأمور في البلاد الإسلاميَّة، أرسل إليه رسالة يدعوه إلى دخول بغداد.
وبالفعل طغرل بك من منطلق ديني واضح، ومن منطلق جهاد في سبيل الله، ومن منطلق حفاظ على شريعة الله، أخذ جيشه وأتى إلى بغداد، وبالفعل استطاع أن يدخل بغداد في سنة ٤٤٧ من الهجرة، وهو يقيم حكم السلاجقة، والكلام دا كان موافق سنة ١٠٥٦ من الميلاد.

الدولة العباسية تحت حكم السلاجقة
عاشت بقى الدولة العباسية فترة جيدة جدًّا في حُكْم السلاجقة، فترة قوة السلاجقة، ورجع ليها من جديد كل العلامات الإسلامية الواضحة في شرع الله -عز وجل-، وإن كان الخليفة العباسي ليس له أيّ دور في القضية، الحُكْم كله لسلطان السلاجقة، لكن في الصورة الخليفة العباسي، أُعيد له مكانته الدينية، ومكانته الاقتصادية، وله قصر فخم، وله معاملة يعني فيها نوع من الرُّقِيّ والاحترام، لكن ليس له رأي في إدارة البلاد، والرأي كله إلى سلطان السلاجقة.
وقعد السلاجقة فترة من الزمن يحكمون العراق وما حولها من بلاد العالم الإسلامي، وظهرت فيهم سنة ٤٥٥ من الهجرة -والكلام دا بيوافق سنة ١٠٦٤ من الميلاد- شخصية من أروع الشخصيات في تاريخ المسلمين، وهي شخصية ألب أرسلان -رحمه الله-.


عهد ألب أرسلان
وجايز بعض المسلمين ما يسمعوش عن الاسم أصلًا، لكن ألب أرسلان من الشخصيات المحوريَّة في تاريخ الأمة الإسلامية، ومن أعظم السلاطين في دولة السلاجقة، ووسَّع جدًّا من أملاك دولة السلاجقة.

والتقى مع الروم في موقعة فاصلة الدولة البيزنطية سنة ٤٦٣ من الهجرة بيوافق ١٠٧١ من الميلاد، وهذه الموقعة اسمها موقعة "ملاذكرد"، واستطاع هذا البطل المغوار أن ينتصر بعشرين ألف مقاتل مسلم على مائتي ألف بيزنطي، وبذلك كُسِرَت تمامًا شوكة الدولة البيزنطية، اللي كان طبعًا مقرَّها أو عاصمتها القسطنطينية، ولم تكن قد فُتحت بعد بالإسلام، وكُسرت الشوكة تمامًا، وأُسِر رومانوس الرابع اللي هو إمبراطور الدولة البيزنطية، وأُخذ معظم الجيش البيزنطي أسرى، وقُتل الآخر، يعني انهارت تمامًا القوة العسكرية للدولة البيزنطية، وارتفع نجم الدولة السلجقية وبالذات ألب أرسلان.

قُتل ألب أرسلان -رحمه الله-، استُشهد بعد سنتين من هذه الموقعة سنة ٤٦٥ من الهجرة ١٠٧٣ من الميلاد، ليتولَّى من بعده ملكشاه ابنه.

عهد ملكشاه بن ألب أرسلان
ملكشاه ابن ألب أرسلان، وبرضه دا من أعظم الشخصيات في تاريخ الإسلام، وحكم تقريبًا من الصين للشام دولة واحدة، وكان يُلَقَّب بسلطان العالم، وكان عادلًا، وكان تقيًّا، وكان وَرِعًا.
وكان أيضًا من أعظم وزرائه في ذلك الوقت نظام المُلك الطوسي -رحمه الله-، وكان برضه من المحبّين للعلم والجهاد والدعوة ونشر الإسلام.
وكل دا طبعًا أثَّر تأثيرًا إيجابيًا رائعًا على كل المناطق اللي تحت حُكم الدولة السلجقية.
كل دا بعيد عن أرض فلسطين.


سيطرة أحد قوَّاد ألب أرسلان على فلسطين وانفصاله عن دولة السلاجقة
وفي سنة من السنوات في أيام ألب أرسلان -رحمه الله- أقطع منطقة فلسطين أو أوكل أحد قوَّاد ألب أرسلان الأتراك أن يذهب إلى منطقة فلسطين ليحرّرها، وهذا الرجل كان اسمه أتسز بن أوق الخوارزمي، طبعًا أسماء صعبة لإنّ كلها أسماء تركيّة، فهذا الرجل كان عسكري من العسكريين اللي مع ألب أرسلان.

فساد حكم أتسز بن أوق الخوارزمي وسوء معاملته لأهل فلسطين
والحقيقة كان اختلف عليه كتير أوي الحكام المؤرّخين المسلمين في وصف طبيعته، وأغلب المؤرّخين على أنه كان رجلًا ظالمًا فاسدًا مع إنه كان أحد القادة في جيش ألب أرسلان، لكن يبدو أنه لم تظهر عليه هذه الأمارات إلا بعد أن تولَّى الحُكْم، فذهب أتسز بن أوق الخوارزمي إلى أرض فلسطين، والكلام دا كان سنة ٤٦٣ من الهجرة في نفس السنة اللي انتصر فيها ألب أرسلان على البيزنطيين في ملاذكرد، سيطر أتسز بن أوق الخوارزمي على فلسطين وانفصل بها عن السلاجقة.
وبدأ يعامل شعب فلسطين للأسف الشديد بنوع من الإيذاء ونوع من الظلم وفَرْض الضرائب، والبُعْد عن المنهج الإسلامي الأصيل، يعني خرجت فلسطين من أزمة إلى أزمة، ولكنها أزمة أهون من الأزمة السابقة.

توَلِّي تتش بن ألب أرسلان الحُكْم
الكلام دا طبعًا استمرّ مع فلسطين فترة من الزمن إلى أن ظهر شخصية اسمها تتش بن ألب أرسلان، وبرضه كانت شخصية للأسف الشديد مع إنه ابن ألب أرسلان إلا إنه كان شخصية فاسدة وظالمة وليست على منهج أبيه مطلقًا، وليست على منهج أخيه، أخوه كان اسمه ملكشاه زَيّ ما قُلنا وكان سلطان العالم، وكان من الأتقياء الوَرِعين، وكان بيحكم من الصين إلى الشام، لكن تتش بن ألب أرسلان أُقْطِع أرض الشام وله ما يفتحه من أرض الشام، وكان من ضمن هذه البقاع طبعًا منطقة فلسطين، وبالتالي طمع إن هو يدخل أرض فلسطين، واصطدم مع أتسز بن أوق الخوارزمي، ووصل الأمر إلى قتل أتسز بن أوق الخوارزمي، وتولَّى الحكم تتش بن ألب أرسلان، وأقطع أرض فلسطين لأحد قوَّاده كان اسمه أرتق بن أكسب، والكلام دا كان في سنة ٤٧٠ من الهجرة.

ولاية أرتق بن أكسب على فلسطين
٤٧١ من الهجرة وبعد قَتْل أتسز بن أوق الخوارزمي، وولاية أرتق بن أكسب، من طرف تتش بن ألب أرسلان، بدأ أرتق بن أكسب يحكم أرض فلسطين من ٤٧١ من الهجرة لحدّ سنة ٤٨٩ من الهجرة، يعني حوالي ١٨ سنة مُتَّصِلَة.
الفترة دي الحقيقة يا إخواني كانت فترة جيّدة جدًّا في تاريخ فلسطين، إحنا بنقول إنّ فلسطين مرّت بفترات سيّئة جدًّا للغاية، فترة أتسز بن أوق نفسه كانت فترة فاسدة، وحتى تتش الحاكم العام لمنطقة الشام بكاملها لما تولَّى حكم منطقة الشام، وأقطع أرتق بن أكسب أرض فلسطين، حتى هذا الحاكم كان ظالمًا وكان فاسدًا، لكن القطاع الفلسطيني بالذات تولَّى عليه والي يتَّقي الله ويرعى الله -عزَّ وجلَّ- في الرعيَّة، فكانت فترة جيّدة استريَّحت فيها فلسطين نسبيًّا.


ولاية أولاد أرتق بن أكسب على أرض فلسطين
وبعد ما مات أرتق بن أكسب -رحمه الله- اتولَّى من بعده الحُكْم على فلسطين أولاده، وكان أولاده واحد اسمه سقمان بن أرتق، والتاني اسمه الغازي بن أرتق، وكانوا على نفس الدرجة من الورع والتقوى، وفضلوا في أرض فلسطين هذه المدة.
المهم إنّ سقمان بن أرتق والغازي بن أرتق هاجروا إلى شمال الجزيرة، والجزيرة هي المنطقة الواقعة بين نهر دجلة ونهر الفرات، يعني هاجروا إلى المناطق الجنوبية من تركيا، وأقاموا هناك مملكة ليهم اسمها مملكة الأراتقة، والمملكة دي هيكون لها بعد كدا شأن في جهاد الصليبيين زَيّ ما هنعرف، طبعًا الكلام دا كله هيسَلّم لأوضاع مؤسفة جدًّا جدًّا هنعرفها بإذن الله بعد الفاصل، فابقوا معنا.


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
كنا قبل الفاصل بنتكلم على الوضع الذي وصلت إليه فلسطين في القرن الخامس الهجري، شُفنا المشاكل الكتير اللي حصلت لحد سنة ٤٦٣ من الهجرة عندما دخلها أتسز بن أوق الخوارزمي أحد القواد العسكريين لجيش ألب أرسلان، لكنه للأسف انفصل عن جيش ألب أرسلان وبدأ يمارس الظلم والقهر في شعب فلسطين، فخرج المسلمون في فلسطين من أزمة إلى أزمة.
ثم بعد ذلك أُقطعت أرض فلسطين لأرتق بن أكسب ودا الحقيقة حكم فترة جيدة جدًّا في تاريخ فلسطين استمرت حوالي ١٨ أو ١٩ سنة هو وأولاده من بعده؛ سقمان بن أرتق، والغازي بن أرتق، وكانت فترة راحة نسبيَّة لأهل فلسطين وشعب فلسطين من الظلم الذي وقع عليهم من أتسز بن أوق الخوارزمي.

الحروب الصليبية
وانتهت هذه الفترة من أرض فلسطين باحتلال جديد، وعشان نتكلّم عن الحروب الصليبيَّة لازم نرجع شويَّة قبل هذه الأحداث بكام سنة عشان نتكلم عن جذور الحروب الصليبية، وليه خرجت الحروب الصليبية من أوروبا الغربية إلى العالم الإسلامي بصفة عامة وإلى فلسطين بصفة خاصة، وطبعًا دي فترة في غاية الأهمية كان نفسي أُفرد ليها عشرات الحلقات معاكم لشدّة أهمّيّتها ولكثرة التفصيلات فيها، لكن إحنا زَيّ ما قُلنا مجرّد بنفتح صفحات في هذا التاريخ، وإن شاء الله ندخل في التفصيلات في حلقات أخرى، وندعو جميعًا المشاهدين والمشاهدات إلى القراءة المتأنية في هذا التاريخ المهم لأرض فلسطين.

الحروب الصليبية فترة تعكس خلفيَّات الفكر الأوروبي
الحقيقة فترة الحروب الصليبية فترة مهمة جدًّا لأيّ محلل في التاريخ الإسلامي بصفة عامة والتاريخ الإنساني يعني بصفة أكثر عمومية، وطبعًا تاريخ فلسطين بصفة خاصة، فترة طويلة إحنا قعدنا في الحروب الصليبية تقريبًا ۲۰۰ سنة، فترة طويلة جدًّا، مهمة جدًّا من تاريخ الإنسانيَّة، هذه الفترة بتعكس خلفيات الفِكْر الأوروبي لإنّ هي مش مجرد حملة أو حملتين، مش مجرد سنة أو سنتين من القتال، مش مجرد معركة زي ملاذكرد أو غيره، لأ، دا سلسلة متتالية من العلاقات المستمرة، حروب متتالية، علاقات متبادلة، يعني أشياء كثيرة جدًّا تمّت في غضون ۲۰۰ سنة، فأقدر بيها أقيّم الفكر الأوروبي اللي ما زلنا إلى الآن نتعامل مع نفس الفِكْر بشكل أو آخر من الذي كان موجودًا من أيام الحروب الصليبية.


الحروب الصليبية فترة تشبه واقعنا هذا
الحروب الصليبية الحقيقة فترة تشبه إلى حدٍّ كبير الواقع الذي نعيشه الآن، لو عايزين نخرج من أزماتنا دلوقتي لازم نعرف إزّاي المسلمين خرجوا من أزماتهم أيام الحروب الصليبية.

الحروب الصليبية فترة تعرضت لتشويه كبير جدًّا من المؤرخين
الحروب الصليبية فترة تعرضت لتشويه كبير جدًّا من المؤرخين، وللأسف الشديد كتير منهم للأسف مسلمين، وطبعًا فترة الحروب الصليبية فترة ثريَّة جدًّا جدًّا لأيّ أديب؛ لإنّ فيها قصص كتيرة جدًّا وحكايات وروايات فمعظم الأدباء خدوا منها قصص وكتبوا مُؤَلَّفَات وخارجة تمامًا عن السياق التاريخي السليم، لكن كانوا بيحاولوا يُجَمِّلوا القصة، أو يكمّلوا المعلومة، دا كلام ليس من الواقع، والكلام دا اختلط علينا في الآخر، ومابقيناش عارفين الحقيقة فين والضلال فين.

الآثار الناتجة عن الحروب الصليبية
الآثار التي نجمت عن هذه الحروب الصليبية آثار ضخمة جدًّا:
يعني أوروبا قامت على أقدامها، وقامت النهضة الأوروبية بعد الحروب الصليبية، ونَقْل عدد كبير جدًّا من التراث العلمي الإسلامي إلى أوروبا.
والأمة الإسلامية بدأت في مراحل التَّخَلُّف العلمي بعد الحروب الصليبية.

لماذا تقدَّمت أوروبا وتخلَّفت الأمة الإسلامية بعد الحروب الصليبية؟
- لإنّ الحروب الصليبية شغلت المسلمين فترة كبيرة جدًّا زَيّ ما قُلنا ۲۰۰ سنة عن الإنتاج العلمي أو الفكري أو الاقتصادي، ۲۰۰ سنة واحنا تحت الحُكْم الصليبي فعندنا مشاكل كتيرة.
- والحاجة التانية إنّ دمَّروا إلى حَدٍّ كبير معظم التراث العلمي الإسلامي.
على سبيل المثال في طرابلس عندما اقتحم الصليبيُّون مدينة طرابلس حرقوا في ميادين طرابلس أكتر من تلاتة مليون كتاب إسلامي، وتلاتة مليون كتاب مابَقُلش إنّ كلهم في الشريعة، تلاتة مليون كتاب في الطّبّ والهندسة والفلك والكيميا والجغرافيا، تخيَّل الميراث الضَّخم الذي فَنِيَ بعد دخول الصليبيين إلى أرض الإسلام. فطبعًا فترة نحتاج إلى دراستها بعُمْق وبالذات لما نيجي نتكلم على تاريخ فلسطين التي عانت معاناة شديدة من الحروب الصليبية.

ما الذي دفع أوروبا للحروب الصليبية؟
بنقول إنّ أوروبا إيه اللي دفعها للحروب الصليبية، عشان نعرف ليه أوروبا فكَّرت في الحروب الصليبية، وليه فكَّروا ييجوا من آخر الدنيا من أوروبا الغربية إلى أرض الشام ليحاربوا المسلمين في فلسطين وفي سوريا ولبنان وفي مصر، لماذا؟! لازم أقول إنّ فيه خلفيَّات للشعب والقيادة الأوروبية في ذلك الوقت، لو نرجع قبل الحروب الصليبية بخمسين ستين سنة ونشوف طبيعة أوروبا هنلاقي إنّ فيه خلفيات كثيرة جدًّا جدًّا كانت بتحكم حركة الجيوش الصليبية من أوروبا إلى بلاد الإسلام.

• الخلفية الدينية

من أوائل هذه الخلفيَّات المهمة: الخلفية الدينية
طبعًا أوروبا في ذلك الوقت كانت تعيش تمامًا تحت السيطرة الكنَسِيَّة مش زَيّ دلوقت، الكنيسة دلوقت ليس لها اعتبار في أعراف الأوروبيين تقريبًا، لكن في ذلك الوقت الكنيسة كانت تسيطر سيطرة كاملة على أوروبا سواء كانت سيطرة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية عقائدية.
وشاع في أوروبا في ذلك الوقت أن العالم سينتهي وإنّ يوم القيامة خلاص قريب، وكانوا يتوقعوا يوم القيامة مع الألفية الأولى لمرور ألف سنة على ميلاد المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام-، لكن لم يحدث، ومع ذلك ظل الاعتقاد دا موجود عندهم.
وهذا الذي دفعهم إلى السَّعي إلى طلب الغفران، وطلب الغفران كان في يد القساوسة والرهبان، ودا إدَّالهم قوَّة أكبر في حُكْم أوروبا.
ومش بس كدا، دا الرهبان والقساوسة قالوا اللي مايقدرش يدفع تمن الغفران بتاعه ممكن يستبدل هذا الغفران بشيء تاني وهو الذهاب إلى أرض فلسطين للحجّ، ومن هنا كان اسم فلسطين اسمًا متداولًا بشدة في أرض أوروبا في ذلك الوقت، ودا اللي خلَّى لما نيجي بعد كدا نتوجَّه للحروب الصليبية إنّ الناس مش مستغربة الاسم مع إنّ البلاد دي كانت بتعيش في جهل شديد جدًّا في ذلك الوقت.
برضه حصل حدث كبير في أوروبا في سنة ٤٤٥ من الهجرة ودا يوافق ١٠٥٤ من الميلاد وهو انقسام أوروبا إلى قسمين دينيين: قسم شرقي أرثوذكسي، وقسم غربي كاثوليكي، وكان عند الباباوات في إيطاليا خاصة وفي فرنسا طبعًا كانت فرنسا متدينة جدًّا في ذلك الوقت، عندهم رغبة شديدة في توحيد الكنيستين مع بعضهم البعض بعد هذا الانفصال الذي حدث، وهذا الانفصال تم قبل الحروب الصليبية بخمسين سنة، وكان ليه أثر بعد كدا على الحروب الصليبية زَيّ ما هنشوف.

يبقى دي خلفية دينية، الكنيسة لها سيطرة كبيرة، الناس مُغَيَّبَة تمامًا، اسم فلسطين متداوَل في أوروبا في ذلك الوقت، وأوروبا فقدت نصّها الشرقي دينيًّا، أوروبا الغربية كاثوليكية وفقدت النص الشرقي اللي أصبح كله أرثوذكسي مذهب تاني خالص بعيد عن الكاثوليكية، الكلام دا كله هيؤدّي بعد كدا للحروب الصليبية أو هيبشّر بعد كدا بقدوم الحروب الصليبية عند النصارى.

• الخلفية الاقتصادية

الخلفية الاقتصادية التي كانت تحكم أوروبا في ذلك الوقت
- أوروبا للأسف في ذلك الوقت طبعًا تعيش مجاعات هائلة، وبقول للأسف لإنّ دا كان بيتعرض ليه موت أعداد كبيرة من الإنسان، وكان فيه ظلم شديد بيقع على الأوروبيين بصفة عامة، الأموال مكدسة في أيدي عدد قليل جدًّا من الأمراء والحكام والكنيسة، وعامة الشعب يعيش في فقر شديد جدًّا لدرجة إنّ لما بتقوم مجاعة يموت منها ملايين البشر. ومن أشهر المجاعات التي قامت مجاعة قبل الحروب الصليبية بعشر سنوات فقط وقامت في شمال فرنسا وفي غرب ألمانيا، وأثَّرت تأثير مباشر على قصة الحروب الصليبية.

- في نفس الوقت اللي كنا شايفين فيه هذه الشعوب المطحونة تموت جوعًا في أوروبا كان هناك تنافُس تجاري ضخم جدًّا ما بين كبار التجار في أوروبا وكبار الملوك والأمراء وخاصةً في منطقة إيطاليا، إيطاليا قامت فيها أكثر من منطقة أو أكثر من جمهورية إيطالية اقتصادية تجارية، ومن أشهر هذه المناطق منطقة جنوة، ومنطقة بيزا، وكذلك منطقة البندقية اللي هيا فينيسيا دلوقتي.

فطبعًا دا الوضع اللي كان موجود في أوروبا اقتصاديًّا، ناس في أعلى القائمة ويتصارعون سويًّا من أجل تحصيل المال وناس مطحونة مش لاقيه تاكل.

• الخلفية السياسية

الخلفية السياسية في أرض أوروبا:
- تحوَّلت أوروبا إلى الشكل العسكري لكثرة الحروب في أوروبا سواء مع المسلمين في الأندلس أو سواء مع الفايكنج في شمال أوروبا، وأصبح المثال الطبيعي للشخصية الجيدة في أوروبا هي مثال الفارس، وبقوا لما يصوروا شخصية نبيلة يصوروها في هيئة فارس، فالجوّ العسكري دا هيمن على أوروبا، وأدَّى برضه إلى قيام الحروب الصليبية.

- كان فيه تنافُس كبير بين الأمراء وبين الملوك في داخل الدولة الواحدة، الملك كان بيحكم الدولة كلها زَيّ مثلًا فرنسا، وجُوَّة تحت حُكْم الملك فيه إمارات كتيرة جدًّا تكاد تكون منفصلة عن حُكم الملك، وكل واحد ليه أطماعه الخاصة، وكل واحد ليه توسُّعاته الخاصة، ودا هيخلّي عند الجميع طموح إنّ هو يذهب لأرض فلسطين عشان يوسّع من الأملاك بتاعته بعد كدا.

• الخلفية الاجتماعيَّة

كان فيه خلفية اجتماعيّة، كان فيه جهل شديد جدًّا في البلاد، كان فيه أُمّيّة شديدة جدًّا، كان فيه نوع من القهر، كان فيه قوانين وراثة جائرة تحكم البلاد.

ظهور شخصية جمعت كل الأطماع التي أدت إلى الحروب الصليبية
كل هذه الخلفيات المُعَقَّدَة أدَّت إلى نشوء الحروب الصليبية، كل واحد عنده أطماع مختلفة لكن سبحان الله ظهر في التاريخ الأوروبي شخصية جمعت كل هذه الأطماع، جمعت أطماع الأمراء، وأطماع الملوك، وأطماع القساوسة والرهبان، وأطماع الشعوب الجائعة والمطحونة، جمعت دا كله في هدف واحد هو الحرب الصليبية على فلسطين عشان تحلّ كل مشاكل أوروبا.


الخاتمة
يا ترى مين هي الشخصية دي؟! ويا ترى عمل إيه؟! ويا ترى إيه أثر الكلام دا على الدولة الإسلامية، وعلى الإمارات الإسلامية؟! هذا ما سنعرفه بإذن الله في الحلقة القادمة.
أسأل الله -عز وجل- أن يُفَقّهنا في سننه، وأن يعلّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تم بحمد الله
شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36

[عطر الفجر]

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا ونفع بكم

[آمــال الأقصى]

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكِ الله خيرًا و بارك فيكِ.

[*أمة الرحيم*]

جزاكم الله خيرًا وبارك الله فيكم