إعـــــــلان

**لؤلؤة باسلامي** · 04-01-2018, 02:41 AM

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم،
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد؛ فأهلًا ومرحبًا بكم في هذا اللقاء المبارك، وأسأل الله -عز وجل- أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.

إيعاز بنو إسرائيل إلى الرومان بقتل عيسى –عليه السلام-
مع الحلقة الثامنة من حلقات برنامج خط الزمن، وما زلنا مع قصة فلسطين. في الحلقة اللي فاتت شفنا سيطرة الرومان على أرض فلسطين، وشفنا ظهور عيسى -عليه السلام-، وتعرضنا لما فعله اليهود مع عيسى -عليه السلام-، ثم ما فعله اليهود بعد ذلك مع أتباع عيسى -عليه السلام-، ومحاولات القهر المستمرة، والإيعاز إلى الرومان بقتل أصحاب عيسى -عليه السلام-، بل وأوعزوا إليهم قتل عيسى -عليه السلام- لكن رفعه ربنا سبحانه وتعالى "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ" النساء:157.شفنا المجزرتين اللي عملهم الرومان مع اليهود؛ مجزرة شيتوس سنة 70 م، مجزرة هيدريان أو إيليا هيدريان اللي عملها سنة 130 م وقضى بها على الوجود اليهودي تمامًا في أرض فلسطين، وأصبح الذي يعيش في أرض فلسطين إما من الرومان الوثنيين، وإما من النصارى المختفين نظرًا للبطش الشديد للرومان بالنصارى طوال فترة وجود النصارى.

تنصر الإمبراطور الروماني قسطنطين
طبعًا تقدم النصرانية كان في غاية البطء في الدنيا كلها طول الفترة دي، وقعد دين غير معروف عند ناس كتيرة، وزي ما قلنا أن كانت القضية كلها قضية رسائل ترسل من واحد إلى الثاني، ولم يكن هناك كتاب مجمع اسمه الإنجيل، ولم يُكتب الإنجيل إلا بعد حوالي 200 سنة من رفع عيسى -عليه السلام-، وفضل الوضع زي ما انتو شايفين كدا مدة طويلة من الزمن لحد سنة 324 ميلادية، عندما حدث حدثٌ غيَّر أحداث الدنيا بكاملها، وغيّر طبيعة الدنيا في ذلك الوقت؛ وهو تنصُّر الإمبراطور الروماني قسطنطين.قسطنطين طبعًا أحد أشهر القياصرة الرومانيين مطلقًا، كان عايش في روما، ويحكم الدولة الرومانية واسعة الأملاك، الدولة الرومانية دي كانت بتملك كل الدول اللي حوالين البحر الأبيض المتوسط، لدرجة أن البحر الأبيض المتوسط عبارة عن بحيرة في داخل الدولة الرومانية، ولذلك عُرف ببحر الروم، زي ما هو طبعًا مشهور في كل الكتابات القديمة ببحر الروم.

الانتشار السريع للنصرانية بعد تنصر قسطنطين
يعني كانوا بيسيطروا على منطقة إيطاليا وفرنسا وألمانيا وكل شرق أوروبا بكاملها، وسيطر طبعًا على ساحل الشام بكامله، سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، سيطر على مصر، سيطر على ليبيا، وعلى تونس والمغرب والجزائر، يعني –سبحان الله- دولة واسعة الأرجاء بشكل رهيب. في ذلك الوقت تنصّر قسطنطين سنة 324م بعد تنصُّر والدته، يعني والدته تنصّرت في البداية، ثم تنصّر هو بعد ذلك، ومن ثَمّ جعل الديانة النصرانية هي الدين الرسمي للدولة الرومانية، وهذا بداية الانتشار السريع للنصرانية في الدنيا سنة 324 م.

بداية دخول الوثنية في النصرانية
وطبعًا ده بردو بداية دخول أشياء كثيرة جدًا جدًا جدًا من الوثنية الرومانية داخل الديانة النصرانية، لأن قسطنطين لما تنصر، تنصر بكل ميراث الدولة الرومانية، بكل الخرافات اللي كانت موجودة في الدولة الرومانية، بالآلهة المتعددة في الدولة الرومانية، بتجسيم الآلهة اللي موجود في الدولة الرومانية، بكون الآلهة يتوالدون ويتزاوجون في الدولة الرومانية، هذه معتقدات الوثنية التي عاشوا عليها قرونًا طويلة، فنقل أجزاء كثيرة من هذه الأشياء إلى الديانة النصرانية، وبالتالي الديانة النصرانية التي انتشرت بعد ذلك في أوروبا ومنها إلى العالم بكامله كانت بهذه الصورة المحرفة التي تعلمون.

دخول فلسطين بأكملها في النصرانية بعد تنصر قسطنطين
الإمبراطور قسطنطين لما تنصر وجعل ديانته النصرانية هي ديانة الدولة بكاملها، بدأت تنتشر النصرانية في أملاك الدولة الرومانية ومنها فلسطين، وفي هذه الآونة تنصّر أهل فلسطين بكاملهم، الكلام دا كان سنة 324 م زي ما قلنا وهيستمر معانا أكثر من 300 سنة إلى أن يبعث نبينا وحبيبنا محمد -صلَّى الله عليه وسلم-، هذه الفترة أصبحت فترة نصرانية فلسطين مش فترة ميلاد عيسى -عليه السلام- وال 300 سنة اللي تبعوه، طول الفترة ديه لم يتنصر من أهل فلسطين إلا قليل القليل، لكن دخول فلسطين حقيقة في النصرانية كان بعد تنصر الإمبراطور المشهور قسطنطين.

ادّعاء أن عيسى-عليه السلام- مات ثلاثة أيام ثم قام
طبعًا قسطنطين هو الذي بنى مدينة القسطنطينية، اللي هي بعد كده أصبحت عاصمة الدولة البيزنطية المشهورة اللي هي دلوقتي إسطنبول في تركيا، نسأل الله -عز وجل- أن يعزها بالإسلام. هو الذي بنى مدينة القسطنطينية، وأمه زارت فلسطين وهي التي بنت كنائس كثيرة في أرض فلسطين، لأنها دخلت النصرانية حديثًا وتريد أن تقدم كل ما تستطيعه لخدمة هذا الدين الجديد، فبنت كنيسة القيامة، وكنيسة القيامة طبعًا مشهورة في القدس، وهي التي يدَّعون أن بعد قتل عيسى -عليه السلام – وحاشاه من هذه التهمة برأه ربنا -سبحانه وتعالى- وقال: "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ" النساء:157، ادَّعوا عليه أنه قُتل، وأنه مات 3 أيام، ثم قام من مكانه في مكان معين محدد في أرض فلسطين، وعند هذا المكان الذي قام فيه عيسى -عليه السلام- بنوا كنيسة القيامة، أي قيام عيسى بعد مقتله بثلاثة أيام.

كيف يستقيم حال دنيا غاب عنها الإله ثلاثة أيام؟
واحنا بنتساءل يا ترى حال الدنيا كان شكله إيه إذا كان الإله غاب عنها ثلاثة أيام؟ يعني حتى في المعتقدات البيزنطية الرومانية بيقولوا عندهم أن الزلازل بتحصل لما الإله عندهم في معتقداتهم تأخذه السِّنة من النوم، لما بس يروح كده شوية في النوم يحصل الزلازل والبراكين وما إلى ذلك من تقلبات في الدنيا وكوارث طبيعية، لكن تخيل أنه يغيب خالص عن الدنيا يموت عن الدنيا كلها هذه الثلاثة أيام، هذا طبعًا شيء لم يأتِ به الأولون ولا الآخِرون للأسف الشديد.

حفظ الله –سبحانه وتعالى- للمسجد الأقصى
فبيقولوا أن هذا المكان أنشأت فيه أم قسطنطين كان اسمها هيلانا أنشأت فيه كنيسة القيامة، وأنشأت بردو كنيسة المهد في بيت لحم، وأنشأت كنيسة البشارة في الناصرة حيث ترعرع ونشأ عيسى -عليه السلام-، يعني أصبح الجو العام في داخل فلسطين نصرانيًا، و-سبحان الله- مقربوش من المسجد الأقصى، المسجد الأقصى المكان الذي عُبد فيه ربنا -سبحانه وتعالى- كل هذه السنوات الطويلة والقرون الطويلة السابقة، وعَبَد عيسى -عليه السلام -ربنا -سبحانه وتعالى- فيه، وعبد يوشع -عليه السلام –اللي هو أول أنبياء بني إسرائيل الذي دخل إلى أرض فلسطين ربنا -سبحانه وتعالى- فيه، وكذلك داود وسليمان وكل أنبياء بني إسرائيل فيه، لم يقتربوا منه، ونحمد الله -عز وجل- أنهم لم يقتربوا منه، وإلا كان تحول إلى كنيسة، وكان يصعب بعد ذلك على المسلمين أن يحولوه إلى مسجد، لكن هذا تقدير رب العالمين -سبحانه وتعالى-.

الاجتماع على أربعة أناجيل
استمر العهد النصراني في فلسطين حوالي 312 سنة لحد دخول الفتح الإسلامي لأرض فلسطين، لكن أنا عايز أقف وقفة بردو هي تعتبر استطرادة لكن شيء مهم في قصة النصرانية، أن بعد قسطنطين ما تنصر في سنة 324 م ولقى أن في 50 إنجيل وأكثر من 50 إنجيل، وما لا يُحصى من الرسائل التي ذُكرت فيها آيات يقال أنها من الآيات التي أُوحِي بها إلى عيسى -عليه السلام-، أو قالها عيسى -عليه السلام-، أمر قسطنطين بعمل مؤتمر نجمع فيه النصارى من كل العالم، ونطلع من المؤتمر دا بإنجيل نقدر نعبد ربنا بيه، وعملوا فعلًا مؤتمر نيقية، نيقية دي طبعًا مدينة موجودة في تركيا الآن، وجمعوا فيه أكثر من 300 أو 400 على اختلاف الروايات، بعضهم يصل بهم إلى 500 من أساقفة وقساوسة العالم، وبدأوا يقولوا يا ترى مين هو الإنجيل الذي يجب أن يُتبع، وكل واحد خرّج اللي معاه، وخرجوا أكثر من 50 إنجيل زي ما قلنا، ورسائل كثيرة جدًا، ومن هذه الأناجيل الكثيرة جدًا انتخبوا 4 أناجيل هي إنجيل متّى وإنجيل مرقص وإنجيل لوقا وإنجيل يوحنا.

التحريفات الشديدة في الإنجيل والتوراة
طبعًا في أناجيل أخرى كثيرة ومشهورة ومعروفة لم تُختر في مجمع نيقية هذا، وبالتالي قالوا أن هي دي الأناجيل التي ستتُبع، طبعًا هناك تضارب كبير جدًا جدًا بين هذه الأناجيل بعضها وبعض، بل هناك تضارب كبير في داخل الإنجيل الواحد، يعني المعلومات اللي تلاقيها في أول الإنجيل مختلفة عن آخره، وطبعًا هذه كتابة بشرية اتسجلت بعد عيسى -عليه السلام- زي ما قلنا بعشرات بل ومئات السنوات.وقبل كده كنا قلنا على التوراة أن هي اتسجلت بعد وفاة موسى -عليه السلام –الذي أُنزلت عليه التوراة سُجلت بعد وفاته ب 700 سنة وأكثر، وقعدوا يكتبوا فيها 400 سنة، فانظر إلى مدى التحريف الشديد الذي تعرض له العهد القديم اللي هو التوراة والذي تعرض له كذلك العهد الجديد اللي هو الإنجيل.

انقسام الدولة الرومانية إلى شرقية و غربية
المهم الوضع ده استمر زي ما قلنا فترة طويلة من الزمن، يهمنا في سنة 395 نعرف أن الدولة الرومانية انقسمت إلى شرقية وغربية، طول قصتنا دي بنتكلم على الدولة الرومانية ككيان واحد بيحيط بالبحر الأبيض المتوسط من كل مكان، كيان دولة واحدة، سنة 395 م انقسمت الدولة الرومانية إلى شرقية وغربية، أصبحت الشرقية عاصمتها القسطنطينية، والغربية عاصمتها روما، الدولة الرومانية الغربية، والدولة الرومانية الشرقية، وحصل في سنة 476 م يعني تقريبًا قبل ميلاد الرسول -عليه الصلاة والسلام- بحوالي 100 سنة تقريبًا حصل سقوط الدولة الرومانية الغربية تمامًا، وبذلك آلت أملاكها بكاملها إلى الدولة الرومانية الشرقية اللي عاصمتها القسطنطينية هي التي تشرف إشرافًا مباشرًا على فلسطين وما حولها من أراضي الشام.

الصراع بين الفرس والرومان على أرض فلسطين
يبقى حكم الدولة البيزنطية الشرقية لفلسطين بدأ تقريبًا من سنة 476 وفضل موجود معاها فترة من الزمن قبل البعثة النبوية تقريبًا بحوالي 160 سنة، طبعًا الرسول -عليه الصلاة والسلام- وُلد بعد كده ب 100 سنة أو أكثر شوية، وبعد كده بُعث بعد ميلاده ب 40 سنة زي ما انتو عارفين. فضل بردو أرض فلسطين مع كونها تحت السيطرة الرومانية محل صراع بين الفرس وبين الرومان، ومن هذا الصراع ما حدث في سنة 614 م يعني في زمن البعثة النبوية وانتصر فيه الفرس وأخذوا أرض فلسطين من الرومان، وهو ما ذكره ربنا -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم عندما قال: " الم * غُلِبَتِ الرُّومُ* في فِي أَدْنَى الْأَرْضِ" ، في فلسطين،"وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ" الروم 4:1، إلى آخر الآيات، غُلبت الروم، وهذه الهزيمة التي تعرض لها الروم كان لها وقع على مكة، وعلى المؤمنين، وعلى المشركين، ترى ماذا حدث في هذا الأمر؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله.

انتصار الروم مرة أخرى وسيطرتهم على أرض فلسطين
كنا بنقول قبل الفاصل أن فلسطين تنصّرت، وأن فضل الوضع فيها حوالي 312 سنة قبل دخول الإسلام إلى أرض فلسطين، ومر بنا السيطرة الرومانية الكاملة على أرض فلسطين، سواء كانت سيطرة رومانية للدولة الأم الرومانية قبل أن تنقسم، ثم سيطرة للدولة الرومانية الغربية، ثم سيطرة للدولة الرومانية الشرقية، ابتداءً من سنة 476 يعني قبل ميلاد الرسول -عليه الصلاة والسلام- بحوالي 100 سنة تقريبًا، وقلنا أنه حصل انتصار للفرس على الرومان، الذي ذكره ربنا -سبحانه وتعالى- في سورة الروم، انتصار سنة 614 م تقريبًا، وطبعًا دا كان في فترة مكة المكرمة، وحصل بعده من 7 ل 9 سنوات على اختلاف الروايات نصر مرة أخرى للرومان، كما ذكر ربنا -سبحانه وتعالى-: " وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ" انتصر الرومان مرة ثانية واستعادوا السيطرة على أرض فلسطين.

بعثة النبي –صلَّى الله عليه وسلم- برسالة التوحيد
أنا شايف أن تفصيلات هذا الموضوع نخليها أفضل بعد ما نتكلم على رسولنا -صلَّى الله عليه وسلم-، ومبعث الرسول -صلَّى الله عليه وسلم-، وعلاقة الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأرض فلسطين. بنقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- وُلد في سنة 570 م تقريبًا، وطبعًا زي ما قلنا أرض فلسطين ساعتها كانت تحت الحكم الروماني، وبُعث الرسول -عليه الصلاة والسلام- سنة 609 م تقريبًا، وطبعًا بُعث بدعوة التوحيد، وده كان شيء مُستغرب جدًا في الأرض بكاملها، حتى مُستغرب في أرض فلسطين، مُستغرب عند النصارى وعند اليهود وعند عامة الدنيا بكاملها، إلا عند قليل جدًا جدًا من علماء بني إسرائيل، ومن علماء النصرانية.

مقت الله لأهل الأرض في هذه الحقبة الزمنية
القليل هو الذي كان يؤمن بأن ربنا -سبحانه وتعالى- واحد، وأنه يجب أن تُوجه إليه العبودية الكاملة، ويعترف أن هناك نبي سيُبعث في هذا الزمن، وكانوا يعرفونه بصفاته وآياته -صلَّى الله عليه وسلم-. الوضع كان شديد التدهور في العالم بكامله في كل مكان، وصوّر ذلك رسولنا -صلَّى الله عليه وسلم- في كلمات قليلة رائعة أوتي جوامع الكلم قال -صلَّى الله عليه وسلم- كما جاء في صحيح مسلم: " وإنَّ اللهَ نظر إلى أهلِ الأرضِ فمقتَهم ، عربِهم وعجمهم ، إلا بقايا من أهلِ الكتابِ ." صحيح مسلم، إلا عدد قليل جدًا، حتى الكلمة"بقايا" توحي بالأثرية، يعني مفيش مجتمعات، في فرد اثنين ثلاثة عشرة في الدنيا مبعثرين، يعبدون الله -عز وجل-، أما بقية العالم فوصلوا إلى درجة من الوثنية والكفر والإلحاد والبعد عن الجادة إلى الدرجة التي مقتهم فيها ربنا -سبحانه وتعالى-، مقتهم أي كرههم بشدة، المقت هو شدة الكراهية، ده كان الوضع في الدنيا كلها.

أفراد معدودون فقط كانوا يعبدون الله حق العبادة في كل الدنيا
ولعل اللي يراجع قصة سلمان الفارسي -رضي الله عنه وأرضاه-، وتنقله من أرض فارس بحثًا عن الحقيقة في أكثر من مدينة، كان بينتقل من مدينة إلى مدينة فيجد رجلًا واحدًا على الحق، رجل موجود في الشام، رجل موجود في عمورية، رجل موجود في نصيبين، إلى أن أُخبر بأن هذا الزمن سيظهر فيه نبي آخر الزمان، وبالتالي سعى إلى الانتقال إلى مكانه حتى جاء إلى المدينة المنورة كما نعلم من القصة، الشاهد من هذه القصة أن الذي كان يعبد ربنا -سبحانه وتعالى- حق العبادة في الدنيا بكاملها كانوا أفرادًا معدودين نستطيع أن نذكرهم بأسمائهم في أماكن معينة من الدنيا.

المعاناة الشديدة لنبينا-صلَّى الله عليه وسلم-
بُعث -صلى لله عليه وسلم- بدعوة التوحيد، كما بُعث قبل ذلك الأنبياء بنفس الدعوة، ومنهج الأنبياء جميعًا واحد منذ آدم عليه السلام وإلى نبينا محمد -صلَّى الله عليه وسلم-، ولاقى العنت الشديد في أرض مكة المكرمة كما نعلم جميعًا، اضطُهد اضطهاد شديد جدًا داخل مكة على مدار 13 سنة متتالية إلى أن جاءت البعثة النبوية.لكن في وقفة، طبعًا إحنا في هذه الحلقات مش بصدد شرح قصة الرسول -عليه الصلاة والسلام- أو حياته أو أي نوع من القصص خارج أرض فلسطين، إنما نذكر فقط ما له علاقة بأرض فلسطين حتى لو كان تم في خارج الأرض المباركة أرض فلسطين، لكن له علاقة بشكل مباشر أو غير مباشر بالقصة، وطبعًا حتى ما نذكره مما له علاقة بأرض فلسطين فنذكر فقط نوع من فتح الصفحات لكن التفصيلات تحتاج إلى حلقات أخرى كثيرة، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا إلى الخير كله.

علاقة النبي –صلَّى الله عليه وسلم- بأرض فلسطين
فبنقول علاقة الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- بأرض فلسطين، تخيلوا من أوائل أيام البعثة النبوية والرسول –عليه الصلاة والسلام- مربوط بقضية فلسطين، حاجة غريبة جدًا، من أول أيام الدعوة الإسلامية والمسلمون يصلون تجاه بيت المقدس، تجاه المسجد الأقصى، ده شيء غريب جدًا، يعني الصلاة من أوائل الأشياء التي فُرضت على المسلمين، حتى قبل أن يجهر رسولنا -صلَّى الله عليه وسلم- بالدعوة في مكة المكرمة وهم يصلون، وفي بعض الروايات تذكر أن بعض المشركين كانوا يشاهدونهم يصلون صلاة عجيبة ليست كالتي يصليها أهل الشرك من مكة المكرمة، فكانوا يسألون، فقالوا يزعم أنه يأتيه الرؤيا أو يأتيه وحي من السماء، لكن لم يجهر بعد الرسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- بالرسالة وهم يصلون.

المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى
إلى أين يصلون؟ يصلون وهم في مكة المكرمة، وهم في بلد الكعبة، يصلون إلى المسجد الأقصى في أرض فلسطين، وهذا فعلًا عجيب من عدة وجوه: أولًا: عجيب لأن الكعبة أعلى قدرًا، يعني أنا جنب الكعبة بذاتها لماذا يأمر ربنا -سبحانه وتعالى- بالتوجه إلى المسجد الأقصى وكلنا يعلم أنه أقل في المنزلة على عِظم قدره أقل في المنزلة من الكعبة، لكن يأمر ربنا -سبحانه وتعالى- أن يتوجه إلى المسجد الأقصى، دا شيء يخلينا نستغرب.

المسجد الأقصى كان أنقاضًا في عهد النبي –صلَّى الله عليه وسلم-
الحاجة الثانية: أن عامة الناس لا تعرف المسجد الأقصى، يعني عامة الناس في داخل مكة المكرمة وفي الجزيرة العربية لما حد ييجي يسأل عن هذا الدين ونقول له إحنا بنصلي صلاة، بتوجهه إلى أي مكان في الصلاة؟ إلى المسجد الأقصى، طب اشمعنى المسجد الأقصى؟ وهذا سؤال ممكن يجي على أذهان ناس كثيرة، لو قلنا أن الكعبة محدش هيسأل لأن الكعبة معروفة معظمة ومشرفة في داخل مكة وفي داخل الجزيرة العربية بكاملها، لكن لما نقول المسجد الأقصى هذا يكون مثار سؤال وبالتالي استغراب عند الناس، وخاصة أن المسجد الأقصى في ذلك الوقت كان أنقاضًا، نعم كان موجودًا، ولما أُسري بالرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى المسجد الأقصى شاف بناء معين، وكان يستطيع أن يصف هذا البناء، لكن كان خراب، وكان متروك من قرون طويلة، لم يُعمّر، ولما جاء الدين النصراني في أرض فلسطين لم يهتموا بالمسجد الأقصى ولكن اهتموا بالكنائس الموجودة في القدس وما حولها من مدن.

حكمة الله –سبحانه وتعالى- من تغيير القبلة
بردو من الحاجات الغريبة: أن ربنا -سبحانه وتعالى- يعلم أن القبلة الأخيرة للمسلمين ستكون الكعبة في بيت الله الحرام في مكة المكرمة، فلماذا هذه الفترة الانتقالية؟ لماذا يتوجه المسلمون فترة من الزمن إلى أرض فلسطين أو إلى المسجد الأقصى ثم بعد ذلك ينتقلون إلى القبلة الأبدية؟ اللي هتقعد معاهم بعد كده بقية حياة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وبقية حياة الدنيا بكاملها، لحد يوم القيامة خلاص هي الكعبة هي القبلة الوحيدة للمسلمين، فلماذا هذه الفترة الانتقالية؟

الشرائع كلها تدعوا لتوحيد الله وحده –سبحانه وتعالى-
يا إخواننا هذا توجيه من رب العالمين -سبحانه وتعالى- للصلاة تجاه المسجد الأقصى، كان بيحمل معاني كثيرة جدًا، أخترلكم منها معنيين في غاية الأهمية المعنى الأول: هو أن دعوة هذا النبي الخاتم -صلَّى الله عليه وسلم- هي استكمال لدعوة من سبقه من الأنبياء، نفس التوجه، نفس العبادة، نفس الرب الذي نتوجه إليه بالعبادة، نفس التوحيد لرب العالمين -سبحانه وتعالى-، ومهبط الوحي بالنسبة لعامة الأنبياء قبل الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت في أرض فلسطين، فبهذا التوجه إلى أرض فلسطين ينقل ربنا -سبحانه وتعالى- العالم بكامله نقلة هائلة إلى تصور واحد، فجميع الأنبياء يتوجهون إلى إله واحد، ويعبدون ربًا واحدًا، وبشريعة تأتي حسب اختلاف الزمان، لكن كلها تتوجه إلى عبادة الإله الواحد رب العالمين -سبحانه وتعالى-.

الإيمان بجميع الأنبياء ركن أساسي من دين الإسلام
رب سليمان، ورب داود، رب موسى ويوشع -عليهم السلام-، رب عيسى -عليه السلام-، رب كل من عاش في هذه الأرض وبُعث في هذه الأرض المباركة أرض فلسطين، وما أكثر الأنبياء الذين عاشوا فيها. ده المعنى الأولاني، وهو معنى في غاية الأهمية، وفيه من التبجيل والتوقير والتعظيم لعامة أنبياء الله ما فيه، نتوجه إلى نفس المكان، ولا نقول أن ديننا قد نقض الأديان الأخرى فنقلل من شأن الأنبياء هؤلاء، بالعكس نرفع من قدرهم، ونجعل ركنًا رئيسيًا من أركان إيماننا أن نؤمن بهؤلاء الأنبياء الكرام.

ظلت قبلة المسلمين تجاه المسجد الأقصى 15 سنة متتالية
المعنى الثاني المهم أوي أوي: إعلاء قيمة فلسطين وإعلاء قيمة المسجد الأقصى والقدس في عيون كل المسلمين، لما أنا اقعد فترة من الزمن، أنتوا عارفين قد إيه قعدنا نتوجه للمسجد الأقصى بالصلاة؟ قعدنا 15 سنة متتالية، يا الله، دا رقم ضخم جدًا، يعني أنا من سنة البعثة الأولى من أول ما بُعث الرسول -عليه الصلاة والسلام- طول فترة مكة المكرمة 13 سنة ونحن نصلي تجاه المسجد الأقصى، حتى الرسول –عليه الصلاة والسلام- كانت تتوق نفسه إلى الصلاة للكعبة وهي أكثر عظمة وأعلى قدرًا فكان يتمنى أن يصلي للكعبة، فكان بيقف يجعل الكعبة بينه وبين فلسطين، أنتوا عارفين فلسطين في شمال مكة المكرمة، فإذا وقف-عليه الصلاة والسلام- وجعل الكعبة قدامه في اتجاه الشمال هيبقى متوجه للكعبة، وهيبقى متوجه بردو لفلسطين للمسجد الأقصى، فكان بيعمل كده، لكن ميقدرش يخالف وجهة الصلاة إلى المسجد الأقصى طول فترة مكة المكرمة.

أهمية المسجد الأقصى عند المسلمين
وحتى بعد أن هاجر إلى المدينة المنورة فضل 17 شهر كاملة يصلي اتجاه المسجد الأقصى إلى أن حدث تغيير القبلة في 15 شعبان سنة 2 ه. طبعًا لما راح المدينة المنورة أصبحت مكة في جنوب المدينة المنورة والقدس في الشمال، فقعد 17 شهر متصلة يصلي للمسجد الأقصى والكعبة في ظهره، كل ده تركيز كبير جدًا لأذهان المسلمين أن المسجد الأقصى وأرض فلسطين في غاية الأهمية بالنسبة للمسلمين.وحتى بعد ما حُولت القبلة إلى الكعبة من المسجد الأقصى لم يقل اهتمام الرسول -عليه السلاة والسلام- بالمسجد الأقصى، بل كان دائم الربط بينه وبين الكعبة الحرام، وكلنا عارفين الحديث المشهور: "لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ : المسجدِ الحَرامِ، ومسجدِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومسجدِ الأقصى" صحيح البخاري، فبجملة واحدة قصيرة أوتي جوامع الكلم -صلَّى الله عليه وسلم- ربط بين الثلاثة مساجد الكبرى.

حرمة المسجد الأقصى وأرض فلسطين وما حولها
وأنا عايزك تتخيل دلوقتي أن حد احتل الكعبة المشرفة، أو حد احتل المسجد النبوي، إيه هيكون شعورك؟ مفروض يكون شعورك هو نفس الشعور إذا احتُل المسجد الأقصى، الرسول صلى الله عليه وسلم ربط بينهم هما الثلاثة في هذا الحديث، وقال في حديث آخر: " فضلُ الصَّلاةِ في المسجدِ الحرامِ على غَيرِهِ مائةُ ألفِ صلاةٍ ، وفي مَسجدي ألفُ صلاةٍ وفي مسجدِ بيتِ المقدسِ خمسمائةِ صلاةٍ " حسنه البزار، يعني مش أي صلاة، مش 27 صلاة، أو 25 صلاة زي أي مسجد في الدنيا، مسجد له خصوصية خاصة جدًا، الخصوصية دي يا إخواني ليست فقط للمسجد الأقصى، ولكن لعامة أرض فلسطين، ولعامة شعب فلسطين، ولعامة من أحاط بفلسطين من الأراضي التي حولها من الشام، من الأردن وسوريا وفلسطين، ولهذا أدلة كثيرة لكن أشعر أن الوقت قد طال بنا فأؤجله إلى الحلقة القادمة بإذن الله.
أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تم بحمد الله
شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
http://forums.way2allh.com/forumdisplay.php?f=36

**آمــال الأقصى** · 05-01-2018, 10:23 PM

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.

**عطر الفجر** · 07-01-2018, 07:07 PM

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم

***أمة الرحيم*** · 14-01-2018, 05:36 PM

جزاكم الله خيرًا

**لؤلؤة باسلامي** · 17-01-2018, 03:09 AM

المشاركة الأصلية بواسطة آمــال الأقصى مشاهدة المشاركة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.

المشاركة الأصلية بواسطة *أمة الرحيم* مشاهدة المشاركة

جزاكم الله خيرًا

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وخيرا جزاكم اللهم آمين

إعـــــــلان

الحلقة الثامنة من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني

الحلقة الثامنة من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني

تعليق

تعليق

تعليق

تعليق

تعليق