إعـــــــلان

**لؤلؤة باسلامي** · 04-01-2018, 02:42 AM

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.أما بعد، فأهلًا ومرحبًا بكم في هذا اللقاء المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين.

عظم قدر المسجد الأقصى في قلوب المؤمنين
مع الحلقة التاسعة من برنامج -خط الزمن- وما زالنا مع قصة فلسطين، في الحلقة اللي فاتت اتكلمنا على بعثة الحبيب –صلَّى الله عليه وسلم-، وعلى توجه الرسول -عليه الصلاة والسلام- والمؤمنون معه إلى بيت المقدس، إلى المسجد الأقصى في فلسطين بالصلاة مدة 15سنة متصلة، 13سنة في أرض مكة المكرمة، و17شهر تقريبًا في أرض المدينة المنورة بعد الهجرة، يعني توجه فترة طويلة جدًا، الكلام ده يا إخواني ويا أخواتي بيمثل 65% من فترة البعثة النبوية، يعني15سنة من أصل 23سنة، يعني معظم حياة الرسول –عليه الصلاة والسلام- أو الجانب الأكبر من حياة الرسول –عليه الصلاة والسلام- كان متوجهًا بالصلاة للمسجد الأقصى، وفي هذا دلالات كثيرة لعل من أهمها كما ذكرنا في الحلقة السابقة تعظيم قدر فلسطين في صدور المؤمنين.

قيمة المسجد الأقصى يجب أن يعلمها المسلمين في كل الأجيال
الكلام ده مش خاص بس بالجيل اللي صلى ناحية بيت المسجد إلى الآن وإلى يوم القيامة مازلنا نقول أولى القبلتين، المسجد الأقصى أولى القبلتين وهذه لا ننساها أبدًا، وده كان جزء مهم جدًا من ديننا زي ما قلنا 15سنة متتالية في عُمر حبيبنا أو في عُمر بعثة حبيبنا-صلَّى الله عليه وسلم-، والرسول –عليه الصلاة والسلام- مش بس كان بيعظّم المسجد الأقصى، ده كان بيعظّم المكان اللي حوالين المسجد الأقصى زي ما ربنا قال، ربنا قال: " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ.."الإسراء:1.

أرض الحشر يوم القيامة ستكون في بيت المقدس
السيدة ميمونة بنت سعد-رضي الله عنها- كانت تسأل الرسول -عليه الصلاة والسلام- وتقول له: "يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس" إيه قيمة بيت المقدس؟ أفتنا في بيت المقدس؟ قال_صلَّى الله عليه وسلم-: "أرض المحشر والمنشر". طبعا يقصد كل القدس وما حولها من أرض الشام، أرض المحشر والمنشر، الحديث " أنَّهُ سأل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ عَن الصَّلاةِ في بَيتِ المقدِسِ أفضلُ أو في مسجِدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فَقالَ صلاةٌ في مسجِدي هذا ، أفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيهِ ، ولنِعْمَ المصلَّى ، هوَ أرضُ المَحشرِ والمنشَرِ ، وليأتيَنَّ على النَّاسِ زمانٌ ولقَيْدُ سَوطِ أو قال : قوسِ الرَّجلِ حَيثُ يرى مِنهُ بيتَ المقدسِ ؛ خيرٌ لهُ أو أحبَّ إليه مِنَ الدُّنيا جميعًا ِ" صححه الألباني، تخيل أن بركة هذه الأرض وقيمة هذه الأرض ستظل إلى يوم القيامة، ربنا -سبحانه وتعالى-عندما يحشر الناس يوم القيامة لا يحشرهم في البيت الحرام، لا يحشرهم في مكة المكرمة، لا يحشرهم في المدينة المنورة، إنما يحشرهم في بيت المقدس، يحشرهم في أرض الشام.

لن تسقط راية الإسلام أبدًا إلى يوم القيامة
هذه يا إخواني دلالات في غاية الأهمية، على عظم قدر هذه الأرض، ولم يعظّم رسولنا –صلَّى الله عليه وسلم- فقط الأرض التي هناك، وإنما عَظَّم البشر الذين يعيشون على هذه الأرض، قال -صلَّى الله عليه وسلم-: في أحد الأحاديث العظيمة التي تنبئ بالمستقبل الذي سنأتي عليه، قال: "لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ لعدوِّهم قاهرين لا يضرُّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأْواءَ فهُم كالإناءِ بين الأَكَلةِ حتى يأتيَهم أمرُ اللهِ وهم كذلك قالوا يا رسولَ الله وأين هم قال ببيتِ المقدسِ وأكنافِ بيتِ المقدسِ" صححه الطبري، ستظل يا إخواني ويا أخواتي هناك طائفة من المؤمنين تحمل الراية، لن تسقط راية الإسلام أبدًا هذا وعد من رب العالمين -سبحانه وتعالى-، وبشر به حبيبنا في أكثر من رواية، دايمًا هيكون في ناس فاضلة شايلة الراية وحاملة اللواء ومكملة لحد يوم القيامة.

الصراع بين الحق والباطل في أرض فلسطين في كل العهود
وأحد الصحابة في أحد الروايات في مسند أحمد بن حنبل-رحمة الله-قال: أين هم يا رسول الله؟ -شوف الإجابة شكلها إيه؟- قال: "قال ببيتِ المقدسِ وأكنافِ بيتِ المقدسِ"، في أرض فلسطين في القدس وحوالين القدس، حوالين القدس أرض رباط يا إخواني ويا أخواتي، ولعل اللي يراجع التاريخ هيلاحظ هذه الملحوظة، واحنا ماشين مع بعض إن شاء الله في قصة فلسطين وشايفين الملاحم الكبرى التي عاشها أنبياء الله –عز وجل- في أرض فلسطين، الصدام بين الحق والباطل المستمر في كل عهود الأنبياء، ثم في عهد نبينا -صلَّى الله عليه وسلم-، ثم في عهد الفتوحات الإسلامية وإلى زماننا الآن، وهنمر بمراحل كثيرة جدًا ولسه هنمر لحد يوم القيامة، هذه نقطة صدام دائمة بين الحق والباطل في أرض فلسطين، عشان كده ربنا -سبحانه وتعالى- زرع فيها الذين يحملون اللواء ولا يتركونه أبدًا، فين؟ في أرض فلسطين، ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس، بلْ عَمَّت بركة المسجد الأقصى وبيت المقدس كل بلاد الشام.

الملائكة تبسط أجنحتها على أرض الشام
الرسول -عليه الصلاة والسلام- في يوم من الأيام يقول: " يا طوبَى للشَّامِ يا طوبَى للشَّامِ يا طوبَى للشَّامِ ، قالوا يا رسولَ وبم ذلك قال : تلك ملائكةُ اللهِ باسطوا أجنحتِها على الشَّامِ " صححه الألباني، انظر يعني هذا المكان تظلله ملائكة الرحمن، الشام كله المركز بتاعه فين؟ في بيت المقدس في القدس الشريف في المسجد الأقصى. طبعًا الأحاديث أكثر من ذلك بكثير، أنا بس باخذ بعض الشواهد من بعض أحاديث الرسول –عليه الصلاة والسلام- وفي كتب أُلفت في فضل البيت المقدس، في فضل المسجد الحرام، في فضل المسجد الأقصى، في فضل أرض فلسطين، في مؤلفات ضخمة في هذا المجال فليُرجع إليها عند إرادة الاستزادة.

الحكمة من رحلة الإسراء والمعراج
وكأن يا إخواني ويا أخواتي الكلام ليس كافيًا، يعني كأن الكلام ليس كافيًا، كان كلام الرسول-عليه الصلاة والسلام- بوصف الأحوال التي يعني القيمة العظيمة لأرض فلسطين وصف لدرجة الناس اللي عايشة هناك، وصف قيمة أرض الشام، وكأنه ليس كافيًا فبعث أو أرسل ربنا-سبحانه وتعالى-، رسولنا الكريم-صلَّى الله عليه وسلم-، إلى أرض فلسطين بنفسه لتزداد تشريفًا وتعظيمًا وبركة بزيارة الحبيب إلى هذه البلاد، وأرسله -سبحانه وتعالى-، إلى هذه البلاد بمعجزة خارقة، تلك هي معجزة الإسراء والمعراج، وكلنا طبعًا عارفين الإسراء والمعراج والدلالات فيه أكثر من أن تحصى وطبعًا الناس بتختلف في تحديد زمان الإسراء والمعراج، وهو طبعًا يقينًا كان في فترة مكة المكرمة، بيختلفوا في تحديد السنة العاشرة ولا الحادية عشرة ولا الثانية عشرة، أنا أميل أنه كان في الثانية عشرة بين بيعة العقبة الأولى وبين بيعة العقبة الثانية، وهذه طبعًا من أصح الأقوال.

رحلة الإسراء والمعراج كانت بالروح والجسد
وعلى فكرة رواية أن الإسراء و المعراج كان في 27رجب هذه من أضعف الروايات يعني هذا بالمناسبة، وليس مؤكدًا أو ليس يعني على الأغلب أنه ليس في هذا اليوم مع شهرة هذا اليوم عند المسلمين. الشاهد من القصة أن الإسراء يا إخواني ويا أخواتي كان بالروح والجسد، الرسول-عليه الصلاة والسلام-، انتقل بجسده هكذا وكما وصف -صلَّى الله عليه وسلم-، وقال أنه ترك فراشه دافئًا وذهب إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به إلى السماوات العلا ثم عاد إلى فراشه ومازال الفراش دافئا والكلام ده ميتعلقش عليه في الأحلام أو في الرُّؤى بدون الجسد، وطبعا الناس اللي بتقول أن الإسراء كان بالروح فقط وليس بالجسد مهزومة نفسيًا أمام ما يقوله الغرب وما يقوله الشرق من أن مش معقول الرسول-عليه الصلاة والسلام-ينتقل من هذا المكان إلى البيت المقدس ثم إلى السماء العلا كل ده في لحظات أو في جزء من الليل، إحنا بنقول من الذي أسرى به؟ - "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ" الإسراء:1.

يقين المؤمنين في رحلة الإسراء والمعراج
عندما تتفكر في قدرة رب العالمين كل هذه الأشياء تهون، وكما قال الصديق -عليه رضوان الله-، قال: أصدقه في خبر السماء يأتيه في لحظة، الحديث " لما أُسرِيَ بالنبيِّ إلى المسجدِ الأقْصى ، أصبح يتحدَّثُ الناسُ بذلك ، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به ، و صدَّقوه ، و سَعَوْا بذلك إلى أبي بكرٍ ، فقالوا : هل لك إلى صاحبِك يزعم أنه أُسرِيَ به الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ ؟ قال : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم ، قال : لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ ، قالوا : أو تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ و جاء قبل أن يُصبِحَ ؟ قال : نعم إني لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك ، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ في غُدُوِّه أو رَوْحِه ، فلذلك سُمِّي أبو بكٍر الصِّديقَ" صححه الألباني، يعني جبريل ينزل عليه من السماء العليا إلى الأرض ثم يعود إلى رب العالمين ثم يعود إليه كل هذا في لحظات يعني فريدة، ثانية أوأقل من الثانية، ومع ذلك نصدقه أفلا نصدقه في هذا الخبر؟ فهذا هو يقين المؤمنين.

الحكمة من أن الإسراء كان في المسجد الأقصى
ذهب الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى في الإسراء ولازم نقف وقفة ونسأل ليه الإسراء؟ إذا كان الغرض أن أنا أشوف الجنة والنار، وأن أنا أتعرف على أحوال الغيب، وأن أنا أقابل الأنبياء في السموات العلا، وأن أنا في الآخر أصل إلى سدرة المنتهى ويلتقي مع رب العزة -سبحانه وتعالى-، في هذا اللقاء الفريد الذي ما حدث مع بشر ولا مع خلق قط، كيف يعني لماذا هذه الانتقالية؟ ليه ميطلعش مباشرة من الكعبة المشرفة من مكة المكرمة إلى السموات العلا؟ وحتى لو قلنا بعض المفسرين بيقولوا: خلاص عشان يقابل الأنبياء، طيب ما ربنا -سبحانه وتعالى-، يأتي بالأنبياء إلى مكة المكرمة، ومكة المكرمة أعظم قدرًا من القدس، والبيت الحرام أعظم قدرًا من المسجد الأقصى، لماذا هذه الانتقالية؟

انتقال القيادة إلى أمة الإسلام
هذه الانتقالية لأهداف كثيرة وأحكام كثيرة، أذكر منها هدفين أو حكمتين: الحكمة الأولى: هو تسلم مقاليد أو مفاتيح قيادة البشرية، البشرية دينيًا كانت تُقاد من فلسطين، كل الأنبياء السابقين أنبياء بني إسرائيل، ونبي النصارى عيسى –عليه السلام-، بُعث في هذا المكان، وكان العالم يُقاد دينيًا وتوحيد ربنا -سبحانه وتعالى-، يبدأ من هذا المكان من أرض فلسطين، الآن ستنتقل القيادة إلى أمة الإسلام، أمة الإسلام الأمة الخاتمة، أمة الإسلام الذي بُعث فيها النبي الخاتم –صلَّى الله عليه وسلم-، وكتابنا القرآن الكريم آخر الكتب السماوية، آخر منهج تشريعي أوحى به ربنا –سبحانه وتعالى- إلى العباد وهو اللي ارتضاه لهم ليكون حاكمًا لحياتهم إلى يوم القيامة، فلذلك ذهب -صلى الله عليه وسلم-، ليستلم مفاتيح قيادة الدنيا بكاملها وإلى يوم القيامة، من المكان الذي ظل يقود الدنيا سنوات وسنوات ومئات السنوات من الزمن كما نعلم جميعًا، ده هدف.

عظم قدر فلسطين في عيون المسلمين
الهدف الثاني: في غاية الأهمية هو تعظيم قيمة فلسطين في عيون المسلمين المؤمنين إلى يوم القيامة، يعنى القبلة إلى المسجد الحرام، المسجد الأقصى الصلاة فيه أكثر من500، لا تشد الرحال إلا إليه وفوق ده كله الإسراء إلى هذا المكان، فيصبح مسرى رسولنا –صلَّى الله عليه وسلم-، يصبح هذا المكان مكرمًا ومعظمًا عند عامة المسلمين، ونتوق إليه ونتذكره في كل عام على الأقل مرة، عندما نتحدث عن الإسراء والمعراج لا يمكن أبدًا أن يخلوا الحديث من حديثنا عن فلسطين، كل ده عشان ربنا –سبحانه وتعالى-، يعظّم عندنا قدر هذا المكان العظيم المسجد الأقصى، والقدس وأرض فلسطين.

فلسطين ستظل بؤرة صراع بين أقوام كثيرة
لأن ربنا – سبحانه وتعالى-، بسابق علمه يا إخواني ويا أخواتي يعلم أن هذا المكان سيظل بؤرة صراع، سيطمع فيه الفرس ويطمع فيه الرومان، ويطمع فيه الصليبيون، ويطمع فيه التتار، ويطمع فيه الإنجليز، ويطمع فيه اليهود، ويطمع فيه غيرهم وغيرهم، ممن عرفنا وممن لم نعرف بعد، فلذلك وضع كل هذه المقومات لتحميس المسلمين بالدفاع عن هذا البيت العظيم وعن هذا المكان العظيم. وليست هذه فقط هي فضائل فلسطين أو بيت المقدس، نعرف طرفًا آخر منها بإذن الله بعد الفاصل فابقوا معنا.

الربط بين قضيتين في غاية الأهمية
بسم الله والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، نرجع تاني كنا بنتكلم قبل الفاصل على وضع فلسطين في عين الحبيب –صلَّى الله عليه وسلم-، واتكلمنا على الإسراء والمعراج، واتكلمنا على قضية أن يُسرى بالرسول -عليه الصلاة والسلام- أولًا إلى المسجد الأقصى، ثم بعد ذلك يُعرج به إلى السموات العلا، وليه ربنا –سبحانه وتعالى-، معملش المعراج مباشرة من مكة المكرمة إلى السموات العلا. آخر حاجة نعلق عليها بالنسبة لحادث الإسراء والمعراج هي اللي يقرأ السورة يجد في أول السورة آية تتحدث عن الإسراء والمعراج ثم متبوعة بعدة آيات كثيرة مباشرة، وإلى آخر السورة تتكرر هذه المرة الثانية الحديث عن إفساد بني إسرائيل في الأرض، ولا شك أن العلاقة بينهما واضحة، الحديث عن الإسراء والمعراج وقضية انتماء المسلمين والمؤمنين إلى هذا المكان إلى المسجد الأقصى والأرض التي بارك ربنا –سبحانه وتعالى- فيها حول هذا المسجد الأقصى، وقضية الحديث عن بني إسرائيل وإفساد اليهود في الأرض، هذه قضية واضحة الربط تمامًا.

سيظل الصراع مستمر بين اليهود والمسلمين على أرض فلسطين
وربنا –سبحانه وتعالى- بيقول لنا بشكل واضح أن الصراع على هذه المنطقة سيظل طويلًا إلى يوم القيامة بين المسلمين وبين اليهود، نعم قد يحدث صدام بين المسلمين وبين أعداء أُخر كثيرين، بين الرومان، بين الصليبين، بين كذا أو كذا، لكن ستظل كلمة اليهود أو صراع اليهود مع المسلمين حول هذا المكان، سيظل هذا الصراع دائرًا إلى يوم القيامة، ولعل من يشاهد الأحداث التي تمر بها الأمة في زماننا الآن يفهم جيدًا هذا الربط الذي في سورة الإسراء.

الصراع على أرض فلسطين أمر كان يشغل رسولنا-صلَّى الله عليه وسلم-
هما طبعًا عندهم يدَّعون الهيكل مكان المسجد الأقصى أو تحت المسجد الأقصى، هذه عقيدتهم المحرفة كما يقولون، ونحن عقيدتنا أن المسجد الأقصى هو الذي أُسري بالرسول –صلَّى الله عليه وسلم-، إليه، والمكان المشرف المعّظم الذي تحدثنا عنه، هذه عقيدتهم وهذه عقيدتنا، عقيدتنا فهي عقيدة في مواجهة عقيدة، يقولون هيكلهم ونحن نقول مسجدنا. الاهتمام بالمسجد الأقصى أو فلسطين مكنش مجرد اهتمام بالمكان وبالبشر الذين يعيشون هناك، أو بتطلعات للمستقبل الذي يكونوا عليه، ولكن كان الرسول –صلَّى الله عليه وسلم-،كان يهتم أيضًا حتى في زمن مكة المكرمة بالقوة المتصارعة على هذا المكان من القوى العالمية، زي ما قلنا قبل كده الفرس والرومان كان بيتخانقوا على المسجد الأقصى، بيتخانقوا على القدس، بيتخانقوا على أرض فلسطين، هذا الصراع الذي كان يدور بين هذه القوى العظمى كان يشغل الرسول –صلَّى الله عليه وسلم-، ويشغل الصحابة معه، تخيلوا.

لماذا حزن الرسول –صلَّى الله عليه وسلم- حينما هُزم أهل الكتاب؟
مع أن الرسول –صلَّى الله عليه وسلم-، عايش في ذلك الوقت في مكة المكرمة، ومعه قلة قليلة جدًا من المؤمنين، وفين بقى قوة فارس وفين قوة الرومان، هذه القوة لا يمكن بحال من الأحوال أن تُقارن بحال المؤمنين أو بقوة المؤمنين في ذلك الوقت، ومع ذلك الرسول –صلَّى الله عليه وسلم-، مشغول بصراع القوى العالمية حول هذا البيت العظيم، وحول هذا المكان المبارك أرض فلسطين، ولما انتصر الفرس على الرومان في أرض فلسطين ماذا حدث؟ الرسول –عليه الصلاة والسلام-، حزن حزنا شديدًا وكذلك حزن الصحابة، وفرح المشركون، لماذا فرح المشركون؟ ولماذا حزن الرسول –عليه الصلاة والسلام-؟ حزن الرسول –عليه الصلاة والسلام-، لأن الذين هُزموا أهل كتاب، النصارى في ذلك الوقت، النصارى الذين كانوا يحكمون فلسطين اللي هما الدولة الرومانية، مع التحريف الذي كان عندهم، ومع الخلاف الشديد الذي كان بينهم وبين ما يجب أن يكون عليه الاعتقاد السليم، إلا أن الرسول –عليه الصلاة والسلام-، حزن لأنه أقرب إلى المؤمنين من أولئك الذين يعبدون النار من دون الله -عز وجل- وليسوا من أهل الكتاب،

الطعن في القرآن
وفرح المشركون لأن الفرس وثنيون كالمشركين، فاعتبروا أن ذلك بشارة خير للمشركين، لكن نزل قول ربنا -سبحانه وتعالى- "غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ" الروم 3:2، بشارة للمسلمين أن الرومان سينتصرون على الفرس، تخيل لما ربنا -سبحانه وتعالى- يبشر المؤمنين أن النصارى سينتصرون على عبّدة النار من دون الله -عز وجل- وحمل المسلمون هذه البشارة وآمنوا بها بكل يقين، حتى أن الصديق كما هو معروف -رضي الله عنه وأرضاه- راهن أحد المشركين على هذا النصر الذي سيحدث من قبل الرومان على الفرس طبعًا في ذلك الوقت لم يكن الرهان حرام فراهن على هذا الرهان وكان على عدد كبير جدًا من الإبل، و-سبحان الله- كان الرهان ده معمول لمدة خمس سنوات، ومرت الخمس سنوات ولم يحدث انتصار للرومان على الفرس، ففرح المشركون وقالوا أن القرآن لم يتنبأ بالحقيقة السليمة، فهذا طعنًا في القرآن الكريم.

صدق القرآن
فقال -صلَّى الله عليه وسلم-: ماذا تقولون للبضع عندكم؟ ربنا يقول:"فِي بِضْعِ سِنِينَ" الروم:4، قالوا هو ما دون العشرة، فقال فراهن على ما دون العشرة وزدهم في الرهان يعني زود اللي انتوا بتتراهنوا عليه الرقم اللي بتتراهنوا عليه وأعطى رقم أقل من عشرة و-سبحان الله- في 7 أو 9 سنوات على اختلاف الروايات تم نصر الرومان على الفرس في أرض فلسطين، وعادت الأرض الفلسطينية تُحكم بالنصارى الرومان إلى أن يتسلم الحكم بعد ذلك المسلمين كما هو معروف. لكن الشاهد أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان بيتابع الأحداث في أرض فلسطين حتى وهو في مكة المكرمة.

بشارة النبي –صلَّى الله عليه وسلم- لأصحابه
لكن كلنا عارفين أن النصارى حرفوا وبدلوا كثيرًا كثيرًا، لذلك حرص الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن يزرع في قلوب المسلمين أن هذه الأرض المباركة لن تظل طويلًا في أيدي النصارى المبدّلين في ذلك الوقت، الذين غيروا شريعتهم، والذين لم يتبعوا أقوال نبيهم عيسى -عليه السلام- ولم يتبعوا البشارة التي جاء بها عيسى –عليه السلام- أن هذا الرسول حق وأنه عندما يُبعث لابد لكم أن تتبعوه. لذلك الرسول -عليه الصلاة والسلام- في يوم الأحزاب بشَّر الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- أن الشام بكاملها ستُفتح بالإسلام، وعندما اعترض الصحابة صخرة شديدة وذهبوا إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- أتى بالمعول وبدأ يكسر في هذه الصخرة وقال بسم الله، الله أكبر تطاير الشرر من الصخرة قال: أُعطيت مفاتيح الشام، ها أنا أرى قصورها الحمراء من مكاني هذا، الحديث" لما كان حين أمرنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بحَفْرِ الخَنْدَقِ عَرَضَتْ لنا في بعضِ الخَنْدَقِ صخرةٌ لا نأخذُ فيها المَعَاوِلَ، فاشتَكَيْنا ذلك إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فجاء فأخذ المِعْوَلَ فقال : بسمِ اللهِ، فضرب ضربةً فكسر ثُلُثَها، وقال : اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ الشامِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصورَها الحُمْرَ الساعةَ، ثم ضرب الثانيةَ فقطع الثلُثَ الآخَرَ فقال : اللهُ أكبرُ، أُعْطِيتُ مفاتيحَ فارسٍ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصرَ المدائنِ أبيضَ، ثم ضرب الثالثةَ وقال : بسمِ اللهِ، فقطع بَقِيَّةَ الحَجَرِ فقال : اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ اليَمَنِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني هذا الساعةَ" حسنه ابن حجر.

أرض فلسطين يعطيها الله –سبحانه وتعالى- لمن يتبع شريعته
يبشر الصحابة -وهم محصورن في الأحزاب في المدينة المنورة- أنه سيأتي زمان يفتح الله -عز وجل- للمسلمين للمؤمنين لأتباع النبي الخاتم -صلَّى الله عليه وسلم- أرض فلسطين فيحكمونها بالإسلام كما بشر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يريد أن يزرع فيهم المعنى الدقيق أن فلسطين هدية للمؤمينن يا إخواني وأخواتي، الذي يتبع شرع ربنا -سبحانه وتعالى- يُعطى هذه البلاد والذي يفرط تضيع منه هذه البلاد، وإذا فرط النصارى وبدلوا وغيروا فلابد أن تُنزع من الرومان حتى لو انتصروا على الفرس، أعظم قوتين في الأرض تُنزع من يد الرومان وتعطى للمؤمينن ولو كانوا قلة ولو كان عددهم قليلًا وقوتهم ضعيفة.

معجزة من معجزات القرآن الكريم
في إشارة سريعة في كلمة لطيفة جدًا على كلمة أدنى الأرض"غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ"، والعلماء -سبحان الله- يثبتون الآن أن أدنى الأرض بمعنى أكثر النقاط انخفاضًا عن سطح البحر في الدنيا هي هذا المكان الذي هُزم فيه الرومان، 400 متر تقريبًا تحت مستوى سطح البحر، في أدنى الأرض يعني في أقل نقطة في المستوى في العالم أجمع، وهي من معجزات القرآن الكريم.

رسائل النبي –صلَّى الله عليه وسلم- لزعماء العالم
بعد صلح الحديبية طبعًا صلح الحديبية كان في أواخر العام السادس من الهجرة- بدأ الرسول-عليه الصلاة والسلام- يراسل ملوك وأمراء العالم وقادة العالم، وكان ممن أرسل إلى القادة الذين يحكمون فلسطين وما حولها من أرض الشام، فلسطين زي ما قلنا كانت تحت الحكم الروماني وكان بيتولى قيادة الأرض الفلسطينية وما حولها الغساسنة النصارى التابعين بعد ذلك للدولة الرومانية، فممن أرسل إليهم الرسول –عليه الصلاة والسلام- الرسائل، أرسل إلى هرقل اللي هو كان قيصر الروم في زمن بعثة الرسول –عليه الصلاة والسلام-، وأرسل كذلك إلى شرحبيل بن عمرو الغساني اللي هو كان ملك الغساسنة بيحكم دمشق وما حولها من أرض فلسطين وأرض الشام فأرسل إليهم رسائل تدعوهم إلى الإسلام، وكلنا يعرف الرسالة المشهورة التي أرسل بها الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل وإلى عامة القادة في العالم .

الدليل على أن صفات نبينا مذكورة في التوراة والإنجيل
هرقل لما جائته رسالة الرسول -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يستوثق من طبيعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو يذكر أنه نبي مبعوث من ربنا -سبحانه وتعالى- فسأل عن بعض العرب وكان أبوسفيان في تجارة في منطقة الشام فأتوا به إلى هرقل للحوار معه حول قضية بعثة الرسول -عليه الصلاة والسلام، وكلنا عارفين الحوار، والحوار طبعًا مشهور وجاء في صحيح البخاري، وفي هذا الحوار يسأل هرقل أسئلة معينة، ويا إخواني ويا أخواتي هذا دلالة واضحة على أن هناك صفات معينة موجودة في كتب التوراة والإنجيل تصف رسولنا -صلَّى الله عليه وسلم- وتحدد صفات معينة للنبي الذي يُبعث في آخر الزمان، وبيسأل على أشياء معينة في نسبه، وأشياء معينة في صفته، وأشياء معينة في أتباعه، وأشياء معينة في طريقة حياته، وأشياء معينة في اتباع الناس له أو إنكارهم عليه.

موقف هرقل من رسالة النبي –صلَّى الله عليه وسلم-
-سبحان الله- أسئلة واحد ورا الثاني ورا الثالث، وأبوسفيان يجيب على أسئلة هرقل، في آخر الكلمات أعلن هرقل أنه لو كان عند هذا النبي لغسل عنه قدميه والحديث يا إخواني في البخاري، لغسل عنه قدميه، ولتجشم المصاعب حتى يلقاه، لكن -سبحان الله- مع مرور الوقت هرقل حسبها في دماغه لقى الملك بتاعه هيضيع، ولقى الناس هتقتله في أرض الرومان، ولقى القساوسة كلهم أو معظمهم يهاجمون النبي –صلَّى الله عليه وسلم- فخاف على ملكه وضنَّ به وكفر بمحمدٍ -صلَّى الله عليه وسلم- مع يقينه التام أنه مبعوث من رب العالمين -سبحانه وتعالى-. هذا كان موقف هرقل لكنه حمّل الرسول بالهدايا، ورده الرسول -عليه والصلاة والسلام- ورفض أن يدخل في الإيمان خوفًا من أتباعه وخوفًا من سلطانهم.

ماذا فعل شرحبيل ابن عمرو الغساني الذي كان يحكم دمشق في ذلك الوقت؟ وما هو رد فعل الرسول -عليه الصلاة والسلام- على هذا الذي فعل شرحبيل بن عمرو الغساني؟ هذا حديث يطول نؤجله إلى الحلقة القادمة.
أسأل الله -عز وجل- أن يفقهنا في سننه وأن يعلمنا من ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تم بحمد الله
شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
http://forums.way2allh.com/

**آمــال الأقصى** · 06-01-2018, 10:15 PM

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.

**عطر الفجر** · 07-01-2018, 07:08 PM

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم

***أمة الرحيم*** · 14-01-2018, 05:38 PM

جزاكم الله خيرًا وبارك الله فيكم

**لؤلؤة باسلامي** · 19-01-2018, 02:32 AM

المشاركة الأصلية بواسطة آمــال الأقصى مشاهدة المشاركة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.

المشاركة الأصلية بواسطة *أمة الرحيم* مشاهدة المشاركة

جزاكم الله خيرًا وبارك الله فيكم

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وخيرا جزاكم اللهم آمين

إعـــــــلان

الحلقة التاسعة من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني

الحلقة التاسعة من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني

تعليق

تعليق

تعليق

تعليق

تعليق