إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

3- فطنة النبي -صلى الله عليه وسلم-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • 3- فطنة النبي -صلى الله عليه وسلم-



    "من تأمل تدبير النبي –عليه الصلاة والسلام- في أمر الخلق وسياسته للخاصة والعامة
    فإنه يعلم أنه كان ذا حِكمة وفطنة، وهذه الفطنة: جودة القريحة والنظر في العواقب وصدق الظن وإصابة الصواب،
    وقد بلغ النبي في ذلك غاية لم يدفعها بشر قبله ولم يبلغها بشر بعد."

    "وينبغي للمؤمن أن يقتدي بالنبي –صلى الله عليه وسلم- في الحكمة والتأني والروية
    والبحث عن أحسن المخارج، وأن يتفطن للأمور ويأتي بها على أحسن الوجوه حتى يكون ذلك لطمأنينته وطمأنينة من حوله."



    وللتعرف على المزيد من فطنة النبي -صلى الله عليه وسلم-
    ندعوكم لمتابعة

    الحلقة الثالثة من سلسسلة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد صالح المنجد
    بعنوان: فطنة النبي -صلى الله عليه وسلم-






    رابط مشاهدة الحلقة على اليوتيوب:




    لتحميل الحلقة بجودات مختلفة من هنا:
    http://way2allah.com/khotab-item-128671.htm




    جودة عالية avi
    http://way2allah.com/khotab-mirror-128671-201501.htm



    ​​
    رابط صوت MP3
    http://way2allah.com/khotab-mirror-128671-201502.htm



    رابط تفريغ بصيغة pdf

    http://www.way2allah.com/media/pdf/128/128671.pdf


    رابط تفريغ بصيغة
    word


    https://archive.org/download/fetnat_...nat_annaby.doc
    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 07-02-2018, 01:07 AM.

    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36


  • #2


    حياكم الله وبياكم الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات: يسر
    فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
    أن يقدم لكم: تفريغ:

    الحلقة الثالثة من سلسسلة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد صالح المنجد
    بعنوان: فطنة النبي -صلى الله عليه وسلم-



    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمد وعلى آله وصَحْبِه أجمعين.
    فلا زلنا مع أحوال نبيّنا محمدٍ -صلَّى الله عليه وسلم-، وكذلك صفاته -عليه الصلاة والسلام-، ومنها الفطنة، ومَن تأمَّل تدبيره -عليه الصلاة والسلام- أَمْر الخَلْق وسياسته للخاصة والعامة، فإنه يعلم أنه كان ذا حكمةٍ وفِطْنة، وهذه الفطنة جودةُ القريحة، والنَّظَر في العواقب، وصِدْق الظَّنّ، وإصابة الصواب، وقد بلغ النبي -صلَّى الله عليه وسلم- في ذلك غايةً لم يبلغها بشرٌ قبله، ولا يبلغها بشرٌ بعده.

    فطنة النبي في حلّ خلاف قريش حول مَن يضع الحجر الأسود

    فمِن ذلك فطنته -عليه الصلاة والسلام- في حلّ ما صار بين بطون قريشٍ من الخلاف الذي أودى إلى الخصام الذي كادوا أن يقتتلوا من أجله في مسألة وضع الحجر الأسود مكانه.
    وذلك أنَّ سيلًا هدم الكعبة قبل بعثة النبي -صلَّى الله عليه وسلم- بخمس سنين، فبنت قريشٌ الكعبة وتعاونت في ذلك حتى بقي وضع الحجر الأسود في مكانه، فتنازعت القبائل حتى كادت أن يقتتلوا، ثم تراضوا بينهم بحَكَم، وقد ذكر هذه القصة ابن إسحاق -رحمه الله- في السيرة فقال: "إنَّ القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها، كل قبيلةٍ تجمعُ على حدة، ثم بنوها، حتى بلغ البنيان موضع الركن، فاختصموا فيه، كل قبيلةٍ تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتى تحاوروا وتحالفوا، وأعدوا للقتال. فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم الذي في الجفنة. فمكثت قريشٌ على ذلك أربع ليالٍ أو خمسًا تستعدّ للقتال. ثم إنهم تجمعوا في المسجد وتشاوروا وتناصفوا.."

    قال ابن إسحاق: ".. فزعم بعض أهل الرواية: أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم -وكان عامئذ أسنّ قريشٍ- قال: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول مَن يدخل من باب هذا المسجد، يقضي بينكم فيه. ففعلوا، فكان أول داخلٍ عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فلما رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا، هذا محمد، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر، قال -عليه الصلاة والسلام-: هلم إليَّ ثوبًا. فأُتي به، فأخذ الركن، فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحيةٍ من الثوب ثم ارفعوه جميعا. ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده، ثم بنى عليه". انتهى.
    وبهذه الطريقة من فطنته -عليه الصلاة والسلام- عُصِمَت دماءٌ كادت أن تُراق بسبب ذلك.



    من فطنته -عليه الصلاة والسلام- تفطُّنه لعدد مشركي بدر
    ومن فطنته -عليه الصلاة والسلام- تفطنه لعدد مشركي بدرٍ، كما روى عروة بن الزبير،"بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، في نفرٍ من أصحابه، إلى ماء بدرٍ، يلتمسون الخبر له، فأصابوا راويةً لقريش.." والراوية هي الإبل التي يُسقى عليها الماء، ".. وهذه الراوية فيها أسلم غلام بني الحجاج، وعريض أبو يسار، غلام بني العاص بن سعيد، فأتوا بهما.." أتوا بهذين العبدين لقريش، ".. فسألوهما.." الصحابة كانوا يتمنون أن يكون هؤلاء لقافلة أبي سفيان أو لجيش قريشٍ الذي خرج؟ كان الصحابة يتمنون أن يكون هذان العبدان لقافلة قريش، لأنها غنيمة سهلة وعدد قليل، ولم يكونوا يريدوا، ولم يكونوا يتمنوا أن يكون هذان لجيش قريش، ألف.
    ".. فسألوهما، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمٌ يصلي، فقالا: نحن سقاةٌ لقريش، بعثونا نسقيهم من الماء. فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما. فلما أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما. وركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسجد سجدتيه، ثم سلم، وقال: إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا، والله إنهما لقريش.."
    ثم قال -عليه الصلاة والسلام- لهذين الرجلين: "أخبراني عن قريش؟ قالا: هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم القوم؟ قالا: كثير، قال: ما عدتهم؟ قالا: لا ندري؛ قال: كم ينحرون كل يوم؟" وهذا موضع الفطنة ".. قال: كم ينحرون كل يوم؟ قالا: يومًا تسعًا، ويومًا عشرًا.." من الإبِل للطعام، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- لأصحابه: ".. القوم فيما بين التسع مئة والألف".
    وهذا الحديث قد ذكره ابن هشام في السيرة النبوية عن عروة بن الزبير مُرْسَلًا.
    فالنبي -عليه الصلاة والسلام- استطاع تحديد عدد قريش بفطنته من سؤال كم يذبحون في اليوم، لأنَّه من المعروف عند العرب أنَّ البعير يكفي مئة، يعني في الطعام البعير يكفي مئة، فإذا كانوا ينحرون في اليوم ما بين التسعة إلى العشرة، يومًا تسعة ويومًا عشرة، معناها أنَّ القوم هؤلاء عددهم بين التسعمائة والألف، وهكذا كانت قريش فعلًا.



    من فطنته -عليه الصلاة والسلام- أنه عيَّن قاتل أبي جهلٍ
    ومن فطنته -عليه الصلاة والسلام- أنه عيَّن قاتل أبي جهلٍ مَن هو من بين المُعاذين.
    فعن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: "بينا أنا واقفٌ في الصفِّ يومَ بدرٍ، فنظرتُ عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامينِ من الأنصارِ، حديثةٌ أسنانهما، تمنيتُ أن أكونَ بين أضلعٍ منهما.." أقوى وأكبر ".. فغمزني أحدهما فقال: يا عمِّ هل تعرفُ أبا جهلٍ؟ قلتُ: نعم ، ما حاجتكَ إليهِ يا ابنَ أخي؟ قال: أُخْبِرْتُ أنَّهُ يَسُبُّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، والذي نفسي بيدِهِ، لئن رأيتُهُ لا يُفارقُ سوادي سوادَهُ حتى يموتَ الأعجلُ مِنَّا، فتعجبتُ لذلك، فغمزني الآخرُ، فقال لي مثلَها، فلم أَنْشِبْ أن نظرتُ إلى أبي جهلٍ يجولُ في الناسِ.." في الجيش ".. قلتُ: ألا، إنَّ هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراهُ بسيفهما.." انقضَّا عليه بقوّة الاختراق الإيماني للصفوف ".. فضرباهُ حتى قتلاهُ، ثم انصرفا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأخبراهُ، فقال: أيكما قتلَهُ؟" ينبني عليها أحكام مثل إعطاء السلب، ".. قال كلُّ واحدٍ منهما: أنا قتلتُهُ، فقال -عليه الصلاة والسلام-: هل مسحتما سيفيْكما؟ قالا: لا، فنظرَ في السيفيْنِ، فقال: كلاكما قتلَهُ.." هذه جملة تطييب الخاطر لأنهما اشتركا فعلًا في قَتْله ".. سلَبُهُ لمعاذِ بنِ عمرو بنِ الجموحِ. وكانا معاذَ بنَ عفراءَ ومعاذَ بنَ عمرو بنِ الجموحِ". والحديث رواه البخاري ومسلم.

    قال المُهلَّب من شُرَّاح صحيح البخاري: "ونظره -صلَّى الله عليه وسلم- إلى سيفيهما واستدلاله منهما على أيّهما قَتَلَه، دليلٌ على أنه لم يُعْطِ السَلب إلا لِمَن أثخنه.." الذي طعنَتُه وضربته فيه كانت هي القاضية ".. وله مزيَّة في قَتْلِه، وموضع الاستدلال منه.." يعني كيف عرف ".. أنه رأى في سيفيهما مبلغ الدم من جانبي السيفين، ومقدار عمق دخولهما -يعني السيفين- في جسم أبي جهلٍ، ولذلك سألهما: هل مسحاهما، لأنه لو مسحاهما لتغيَّر مقدار ولوجهما في جسمه.." انتهى من شرح ابن بطال لصحيح البخاري.
    إذن أثر الدم يُنبئ عن عُمْق الدخول الذي ينبئ عن الطعنة القاتلة لأيّهما كانت.

    قال الإمام النووي -رحمه الله-: "اشترك هذان الرجلان في جراحته، لكن معاذ بن عمرو بن الجموح ثخنه أوَّلًا فاستحق السَلب، وإنما قال النبي -صلَّى الله عليه وسلم- كلاكما قتله تطييبًا لقلب الآخر من حيث إنَّ له مشاركة في قتله، وإلا فالقتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السَلب وهو الإثخان وإخراجه عن كونه متمنعًا إنما وُجد من معاذ بن عمرو بن الجموح، فلهذا قضى له بالسَلب.
    قالوا: وإنما أخذ السيفين ليستدل بهما على حقيقة كيفية قتلهما، فعلم أن ابن الجموح أثخنه، ثم شاركه الثاني بعد ذلك، وبعد استحقاقه السَلب، فلم يكن له حقٌ في السَلب" انتهى.



    من فطنته -عليه الصلاة والسلام- طريقة تسكينه للفتنة
    ومن فطنته -عليه الصلاة والسلام- طريقة تسكينه للفتنة التي حصلت بين الأنصار والمهاجرين، لما كانوا في غزاةٍ فكسَع رجلٌ من هولاء رجلًا من هؤلاء، والكَسْع ضَرْب الدُّبُر باليد أو الرجل، وكانت العرب تعتبر ذلك إهانة أيَّما إهانة، وممكن يؤدي إلى قتال، فقال الأنصارِيُّ: يا لَلأنصارِ، وقال المهاجرِيُّ: يا للمهاجرينَ، فسمِع ذلك النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقال: "ما بالُ دَعوى الجاهلية؟" قالوا: يا رسولَ اللهِ، كسَع رجلٌ من المهاجرينَ رجلًا من الأنصارِ، فقال: "دَعوها فإنها مُنتِنَةٌ" يعني دعوى الجاهلية، ومعروفة قصة عبد الله بن أُبَيّ بعد ذلك، عُمَر لَمَّا قال: "يا رسول الله دَعْني أضرب عُنُق هذا المنافق"، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "دَعْهُ. لا يتحدثُ الناسُ أنَّ محمدًا يقتلُ أصحابَه" صحيح مسلم.

    هنا زاد ابن إسحاق: ".. قال: لا، لا تقتله ولكن أذِّن بالرحيل فورًا.." أخبِر الناس بالانصراف والرحيل، وكل واحد يحمل رَحْلَه ومتاعه على دابّته وانطلاق ".. قال: فراح في ساعةٍ ما كان يرحل فيها، فلقيه أُسيد بن حضير، فسأله عن ذلك، فأخبره بما حصل، وكلام عبد الله بن أُبَيّ، فقال: يا رسول الله، أنت يا رسول الله الأعزّ وهو الأذلّ، ثم مشى رسول الله -صلَّى الله علي وسلم- بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصَدْر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مَسّ الأرض فوقعوا نيامًا".
    فإذن أشغلهم بالمسير، أشغلهم عن الفتنة، والكلام الذي حصل، ومحاولة عبد الله بن أُبَيّ الاختراق واستغلال الموقف، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر الجيش بالرحيل في ساعة راحة طول اليوم، وطول الليل، وفي الصباح حتى آذتهم الشمس، ثم أمر بالنزول، ما وجدوا مسّ الأرض إلا وقعوا نيامًا. فكانت الحركة، حركة الانتقال مُشْغِلَة، ثم النوم بعدها، وبعد ذلك تنطفئ، خلاص مَرَّ وقتٌ على الحَدَث كافٍ ليبرُد.
    فهذا كان من فِطْنَتِه -عليه الصلاة والسلام-.



    ملازمة الفطنة للنبي -صلَّى الله عليه وسلم- في كل تصرفاته
    ومن ذلك أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "إذا أحدَثَ أحدُكمْ في صلاتِه فلْيأخذْ بأنْفِه ثمَّ لِينصرِفْ" صححه الألباني، فهنا لا يُدْرَى هل معه رعاف أو لأجل الحَدَث، فيظنّ الناس أنَّ معه رعافًا، ومَن يعرف الحديث يقول قد يكون وقد يكون، ولا شكَّ أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- مُؤَيَّد بالوحي وأن ما يفعله ليس يعني بالضرورة أنه من فِكْرِه فهناك من الوحي ما هناك، ولكن لا تخلو تصرفاته من فطنةٍ، لا تخلو تصرفاته من فطنةٍ، فإذن الفطنة كانت ملازمة للنبي -صلَّى الله عليه وسلم-.

    ومن هذا ما جاء في حديث أبي هريرة قال: "جاء رجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يشكو جارَهُ، فقال: اذهَبْ فاصبِرْ.." يعني هذا جارك ".. فأتاه مرَّتَيْنِ أو ثلاثًا.." ما صبر، من شدة أذى الجار ما صبر، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذا الشخص: ".. اذهَبْ فاطرَحْ متاعَكَ في الطَّريقِ.." نزّل العفش كله، عفش البيت حُطّه في الطريق، نزّله من البيت حطّه في الشارع تحت، فالرجل امتثل، ذهب ونزّل عفش البيت كله حَطّه في الشارع، ".. فطرَح متاعَهُ في الطَّريقِ، فجعَل النَّاسُ يسألونه فيُخبِرُهم خبَرَهُ.." فجعل الناس يمرّون ويسألونه إيش هذا؟ يقول جاري آذاني، ما أستطيع، كل ما جاء واحد مرّ: إيش هذا؟ يقول: جاري آذاني..
    فجعل الناس يلعنون جاره، الأول، الثاني، العاشر، كل ما مرّ واحد: إيش فيه؟ كذا، فدَعَوا على جاره، يدعون عليه: فعل الله به، وفعل وفعل، ".. فجعَل النَّاسُ يلعَنونه: فعَل اللهُ به، وفعَل، وفعَل، فجاء إليه جارُهُ فقال له: ارجِعْ لا ترى منِّي شيئًا تكرَهُهُ". جاره انهار خلاص، شاف الوَضْع خلاص سُمْعَة في المجتمع، فجاء إليه فقال: ارجع ارجع لا ترى مني شيئًا تكرهه، ارجع. والحديث رواه أبو داود وهو حديثٌ صحيح.
    قال ابن القيّم -رحمه الله- مُعَلِّقًا على القصة: "فهذا مِن أحسن المعاريض الفعلية وألطف الحيل التي يُتَوَصَّل بها إلى دَفْع ظُلْم الظَّالِم"، إلى دَفْع ظُلْم الظَّالِم.



    فطنته -صلى الله عليه وسلم- في إيهام المشركين بقوّة المسلمين
    ومن فطنته -عليه الصلاة والسلام- دعوته للمسلمين للهرولة والرمَل في الطواف لإظهار القُوّة للمشركين. لماذا؟
    لأنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- لَمَّا دخل مكة بعد الاتفاقيَّة مع قريش، جعل المشركون يقولون: "إنه يقدُمُ عليكم غدًا قومٌ قد وهنَتْهُمُ الحُمَّى. -يعنى حمى المدينة- ولقُوا منها شدةً. فجلسوا مما يلي الحجرَ. وأمرهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن يرمُلوا ثلاثةَ أشواطٍ. -يعني أمر المسلمين- ويمشوا ما بين الركنيْنِ. ليرى المشركونَ جَلَدَهُمْ.."
    فإذن أين جلس المشركون؟ من جهة الحِجر، وبماذا أمر النبي -صلَّى الله عليه وسلم- المسلمين؟ أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين، لأنّ ما بين الركنين هي المنطقة التي لا يرى.. الشخص اللي وراء الحِجر لا يرى ماذا يحدث فيها، صح؟ ولذلك لما جلست قريش خلف الحِجر من بُعْد، النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه، مع إنهم جاؤوا من سفر مُتْعَبِين، لإثبات العكس لقريش، ومع ذلك يريد أن يراعي أصحابه، فيأتوا بحركة سريعة وفي نفس الوقت يرتاحوا، كيف؟
    أمرهم أن يرملوا ثلاثة أشواط في البداية، ويمشوا ما بين الركنين، إذا وصلوا منطقة ما بين الركنين مَشْي عادي، هي المنطقة التي لا يراهم قريش فيها، وبقية المسافة رمَل هرولة، ليرى المشركون جلدهم.
    فلمَّا رأى المشركون هذا قالوا:
    ".. هؤلاءِ الذين زعمتم أنَّ الحُمَّى قد وَهَنْتهُمْ. هؤلاءِ أجلَدُ من كذا وكذا -أنشط من كذا وكذا- قال ابن عباس: ولم يمنعْ أن يأمُرهم أن يرمُلوا الأشواطَ كلَّها، إلا الإبقاءَ عليهم"، رواه البخاري ومسلم.

    وفي روايةٍ عن ابن عباس "أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اضطبع فاستلم وكبر ثم رمل ثلاثة أطواف.."، إذن السُّنَّة أوّل شيء الواحد يكشف كتفه الأيمن، ثم يستلم الحجر، ويكبّر، ويبدأ الشوط الأول رمَلًا إلى ثلاثة أشواط، قال: ".. وكانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا من قريش مشوا.." مَشْي عادي من تلك الجهة،".. ثم يطلعون عليهم يرملون.."، بعد الحجر مرة ثانية، ".. تقول قريش: كأنهم الغزلان، قال ابن عبَّاس: فكانت سنة.." سنن أبي داود.

    لكن طبعًا السُّنَّة الآن استقرَّت على ماذا؟ الرَّمَل كل الأشواط الثلاثة، وكان المشي للإبقاء على المسلمين للحاجة، فاستقرَّت السنة بعد ذلك على الرمل في كل الأشواط الثلاثة حتى بين الركنين.


    من فطنته -عليه الصلاة والسلام- مراعاة الأماكن
    وكذلك من فطنته -عليه الصلاة والسلام- مراعاة الأماكن؛ أماكن النزول، أماكن الانطلاق، نزول الأبطح مثلًا ".. نزله رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لأنه كان أسمحُ لخروجِه إذا خرج" صحيح مسلم، يعني أسهل، فيه مراعاة للبطيء والمعتدل ومبيت الناس وقيامهم ورحيلهم.

    من فطنته -عليه الصلاة والسلام- أنَّه كان إذا أراد غزوة وَرَّى بغيرها

    من فطنته -عليه الصلاة والسلام- أنَّه كان إذا أراد غزوة وَرَّى بغيرها، واستعمل التورية، يُوهِم أنَّه ذاهبٌ إلى مكان وهو في الحقيقة ذاهبٌ إلى مكانٍ آخر.
    من فطنته -عليه الصلاة والسلام- جودة التمثيل
    من فطنته -عليه الصلاة والسلام- جودة التمثيل، رواه"مثَلي ومَثَلُ الأنبياءِ، كرجلٍ بنى دارًا، فأكمَلها وأحسنَها إلَّا موضِعَ لَبِنةٍ، فجعَل النَّاسُ يدخُلونَها ويتعجَّبونَ ويقولونَ: لولا موضِعُ اللَّبِنةِ" البخاري ومسلم. طبعًا نحن نعرف أنَّ هذا من الوحي لكن فيه أيضًا واضح فيه الفطنة والحكمة، وهذا من إيتاء الله تعالى لنبيّه.

    مِن فطنته -عليه الصلاة والسلام- أَقْيِسَتُه وإقناعه

    وكذلك مِن فطنته -عليه الصلاة والسلام- أَقْيِسَتُه وإقناعه، يعني فطنة حتى في الإجابة على الشبهات، والإقناع، ومعالجة الأمراض والأدواء والعلل النفسيَّة والوسوسة.
    فمثلًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- "أن رجلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ، وُلِدَ لي غلامٌ أسودُ، فقال:هل لك من إبلٍ؟" يعني يقول الرَّجُل: أنا أبيض، وزوجتي بيضاء، وجانا الآن مولود أسود، أنا صار في نفسي شيء، من وين جاء الولد هذا؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "هل لك من إبلٍ؟ قال: نعم، قال: ما ألوانُها؟ قال: حُمْرٌ، قال: هل فيها من أوْرَقَ؟" الأورق الذي لونه أبيضٌ خالطه سواد، سواد فيه غَبْرَة، مُغبَرّ، سواد وبياض، مختلط، هل فيها من أورق؟ هي كلها حُمْر ما فيها أَوْرَق؟ قال: نعم، فيه واحد، "قال: نعم، قال: فأنَّى ذلك؟" إذا كلها حُمْر من وين جاء هذا الأَوْرَق؟ "قال: لعلَّه نَزَعَه عِرْقٌ" يكون فيه واحد من أجداده مثلًا طلعت في هالمولود، حظّه، "قال: فلعل ابنَك هذا نَزَعَه" صحيح البخاري.

    فأتى هذا الرجل بشيء من البادية يعرفه وهو صاحب إبل، أتى بمثال واضح عنده بالتجربة والخبرة ورَأْي العين، قال: إبلك إيش ألوانها؟ كذا، طيب ما فيها واحد كذا؟ فيها، طيب من وين جاء؟ يمكن نزعه عرق، طيب وابنك هذا يمكن نزعه، وفعلًا فقد جاء في بعض الطرق أنَّ جدَّةً لهذا الغلام كانت جاريةً سوداء، نزعه عرق يعني يكون في أصوله أو في أصول المرأة، فاجتذبه هذا الآن.
    شوف هذه كلمة "نَزَعه عِرْق" هذه تصلح، يعني لو فيه طبيب وراثة، طبيب أمراض وراثيَّة، أو طبيب هندسة وراثيَّة، جينات، يمكن يصلح يسوّي بحث على هذا الحديث، لأنّ الكلمة يعني هذه يمكن لو أراد الخبير أو العالم بالطّبّ أنْ يُعَبِّر عنها ما يجد أحسن من هذا التعبير، نَزَعَه عِرْق، اجتذبه، طلعت الطفرة الجينيَّة في هذا الجيل، في هذا الولد، ما طلعت في الأب، ولا في الجدّ، طلعت في هذا الولد، فهذا معروف يعني في الوراثة معروف، يطلع واحد من الأجداد فيه هذه الصفة.

    وعن جابرٍ -رضي الله عنه- قصة أخرى تبيّن كيف النبي -عليه الصلاة والسلام -كانت فطنته في الإجابة على الأسئلة ويرتاح السائل حتى يعالج الوسوسة، بعض الناس عندهم وسوسة، فروى جابر -رضي الله عنه- "أنَّ رجلًا جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هششتُ يومًا فقبَّلتُ وأنا صائم، قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: صنعتُ اليوم أمرًا عظيمًا قَبَّلتُ وأنا صائم.." فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أنْ يُطَمْئِنَه أنَّ المسألة ما دامت ما تعدَّت القُبْلَة، ما نزل شيء، ولا جامَع، ولا..، ما أفسد الصيام، هي كانت فقط قُبْلَة، وللزوجة طبعًا، قال -عليه الصلاة والسلام-: "أرأيتَ لو تمضمضت بماءٍ وأنت صائم؟ قال: لا بأس بذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففيمَ؟" رواه أبو داود.
    يعني أرأيتَ لو تمضمضت بماءٍ ثم مَجَجْتَه أكان يَضُرُّك شيئًا في الصّيام؟ قال: لا، قال: فكذلك هذه القُبْلَة، فالمضمضةُ أوَّل الشُّرْب ومفتاحه، كما أنَّ القُبْلَة أوَّل الجِماع ومفتاحه، ففي هذا فِقْهٌ بديع، وهي أنَّ أوَّل الشيء ومفتاحه لا يُعْطَى حُكْم نهايته، ولذلك المضمضة نحن الآن في الوضوء ونحن صيام نتمضمض ثم نُخْرِج الماء، فهذا البداية والمفتاح للشُّرْب لكنَّه ليس شُرْبًا، وذاك نعم هو بدايةٌ ومفتاحٌ لكنه ليس جِمَاعًا، وهذا من القياس البديع، والفِطْنَة العظيمة.

    وعلاج الأسئلة التي تأتي من هذا النوع يفتح الله بها على مَن يفتح مِن أهل العلم؛ فيرتاح السائل، ومِن ذلك ما وقع لأبي حازم -رحمه الله-، فقد جاءه رجل، فقال: إنَّ الشيطان يأتيني فيقول: إنك قد طلَّقت زوجتك، فيُشَكِّكني، وهذه حالة معروفة عند الموسوسين في موضوع الطلاق، يجيه الشيطان في الطلاق يشكّكه ويوسوس إليه إنّه طلّق وهو ما طلّق، لأن الشيطان يريد أن يُفَرِّق بين الإنسان وبين زوجته بأيّ طريقة.
    فجاء رجل من هؤلاء إلى أبي حازم -رحمه الله-، قال: إن الشيطان يأتيني فيقول إنك قد طلَّقْتَ زوجتك فيشكّكني، يعني وأنا الآن ما أدري أنا أعيش معها في الحلال ولا في الحرام، فقال أبو حازم: أَوَلَيْس قد طلَّقتها؟ قال: لا، قال: ألم تأتِني بالأمس فطلَّقتها عندي أمامي، قال: لا، والله العظيم، والله ما طلّقتها، وين؟ ما حصل، ولا والله، فقال: فإذا جاءك الشيطان فاحلف له كما حلفت لي، وأنت في عافية.
    فانظر كيف أثاره، قال: خلاص ما دام طلّقتها يلا فارقها، قال: لا ما طلّقتها، قال: أنت أمس جاي عندي مطلّقها أمامي هنا في المجلس، قال: والله ما حصل، والله العظيم، أقسم بآيات الله، بعض الناس إذا استُثِير، قال طيب خلاص إذا جاءك الشيطان يوسوس لك فاحلف له كما حلفت لي.



    الخاتمة

    فالفطنة صفةٌ من الصفات يُنْعِمُ الله بها على مَن يشاء مِن خَلْقِه، وقد أوتي نبيّنا -عليه الصلاة والسلام- مِن ذلك القَدْر العظيم، فينبغي للمؤمن أن يقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في الحكمة والتَّأنّي والرَّوِيَّة والبحث عن أَحْسَن المخارج، وأن يتفطَّن للأمور ويأتي بها على أحسن الوجوه؛ حتى يكون ذلك لطمأنينته وطمأنينة مَن حوله.
    نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا اتّباع سُنَّة نبيّنا، والشُّرْب من حَوْضِه، وأن يجعلنا مِن أهل شفاعته.
    وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    تم بحمد الله

    شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
    https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36


    هنـــا
    ونتشرف بانضمامكم لفريق عمل التفريغ بالموقع

    فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
    رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.
    في أمان الله
    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 07-02-2018, 01:31 AM.

    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

    تعليق


    • #3
      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      جزاكم الله خيرًا ونفع بكم
      اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

      تعليق


      • #4
        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا ونفع بكم

        تعليق


        • #5
          صلى الله عليه وسلم
          جزاكم الله خيرا


          تعليق


          • #6
            اللهم آمين وإياكم
            جزاكم الله خيرًا على مروركم الكريم

            "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
            وتولني فيمن توليت"

            "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

            تعليق


            • #7
              جزاكم الله خيرًا

              تعليق

              يعمل...
              X