إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

1- هدي النبي صلى الله عليه وسلم في إنصاته وإستماعه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • 1- هدي النبي صلى الله عليه وسلم في إنصاته وإستماعه



    الحمدلله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم



    قد يعيش الواحد منا 100 سنة ...
    ولكن ...قد يكون هذا العمر ...ماهو إلا عبارة عن سنة واحدة مكرر مئة مرة !!
    إلا حياة النبي ﷺ... لم تكن حياةً نمطية رتيبة
    بل كانت ... حياة واسعة ..ثرية .. حافلةً بتنوع وتجدد الأحوال

    فـ للنبي ﷺ حال ... مع كل الأحوال
    أحوال تصل إلى حد الإنبهار ...

    تعالوا لنعش مع بعض مع أحوال النبيﷺ
    مع الشيخ ((محمد صالح المنجد ))



    الحلقة الأولى من سلسسلة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم

    للشيخ محمد صالح المنجد




    هذه الحلقة بعنوان
    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في إنصاته وإستماعه






    رابط مشاهدة الحلقة على اليوتيوب:




    لتحميل الحلقة بجودات مختلفة من هنا:
    http://way2allah.com/khotab-item-128664.htm
    ​​



    جودة عالية avi

    http://way2allah.com/khotab-mirror-128664-201487.htm


    ​​
    رابط صوت MP3

    http://way2allah.com/khotab-mirror-128664-201488.htm

    ​​


    رابط تفريغ بصيغة pdf

    http://www.way2allah.com/media/pdf/128/128664.pdf



    رابط تفريغ بصيغة word

    https://archive.org/download/hady_an...ady_annaby.doc

    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 07-02-2018, 01:50 AM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.


  • #2


    بسم الله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله أيها الإخوة والأخوات في هذه الليلة من ليالي هذا الشهر، نسأل الله تعالى أن يتقبَّلنا فيه، وأن يأجرنا على صيامنا وقيامنا، وأن يُثيبنا على عملنا بالجزاء الأوفى.
    وحديثنا في هذه السلسلة من الدروس بمشيئة الله تعالى عن الأحوال النبويَّة الشريفة، وكُنَّا قد تكلَّمنا سابقًا عن أمورٍ من أحواله -عليه الصلاة والسلام- في بكائه وضحكه وغضبه وفرحه وحزنه وما يحبّه وما يبغضه وعن ذكرياته وتعجُّبه ورُؤَاه في منامه ونسيانه وكلامه وصمته.
    وسنكمل في هذه المواقف والأحوال النبوية وسيكون حديثنا بمشيئة الله تعالى في هذه الليلة عن إنصاته واستماعه وأدبه في ذلك وسَمْته وهَدْيه.

    أهمية معرفة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم
    وتعرُّف المسلم على الأحوال النبويَّة، وكيف كان النبي -عليه الصلاة والسلام- في شؤونه المختلفة، وما مَرَّ به من مواقف، وطريقة التعامُل مع الناس، هذا في غاية الأهمية حتى يُلِمَّ بتلك الشمائل العَطِرَة، والصفات الجميلة، والمواقف الجليلة لمحمدٍ -عليه الصلاة والسلام-.

    نعمة السَّمْع
    أما السَّمْع فإنه نعمة من الله "وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ" النحل:٧٨، هذا السمع وسيلةٌ عظيمة للتعلم، هذه حاسة، حاسة لو أنها سُدَّت نام الإنسان، ولذلك قال تعالى عن أهل الكهف: "فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا" الكهف:١١.
    ولأجل أهمية السمع كان -عليه الصلاة والسلام- يقول: "اللهم عافني في بدني، الله عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت"، وكان يقول في الدعاء ونكرر في التراويح: "ومتعنا بأسماعنا، واجعله الوارث منا" ما معنى "واجعله الوارث منا"؟
    يعني اجعل هذه الحواس وافرةً حتى مماتنا كاملةً كأنها تفيض وتُوَرَّث لِمَن بعدنا، لأنَّ الإنسان لو كان عنده فائضٌ من المال فعاش به حتى الموت ماذا يحدث للفائض؟ يَرِثُه مَن بعده، وكذلك السمع والبصر إذا كان مُوَفَّرًا اجعله الوارث مِنَّا كأنَّه يقول: اجعل ما أعطيتنا من السمع والبصر مُوَفَّرًا حتى تجعل بقيَّته في وَرَثَتنا، إذا متنا تجعل قوَّة السمع التي كانت عندنا في آخر العمر مُوَفَّرة في ورثتنا بعد الموت، بخلاف مَن ذهب سمعه وضَعُف جدًّا عند كبر سنّه، وكذلك البصر، فإذن اجعله الوارث مِنَّا اجعله فائضًا موفورًا واجعلنا مُمَتَّعين به إلى آخر حياتنا كأنه يزيد ونُوَرِّثُه في أولادنا مِن بعدنا، اجعله الوارث مِنَّا.


    الفرق بين السماع والاستماع والإنصات
    والفرق بين السماع والاستماع أنَّ السَّماع غير مقصود، يعني يسمع الإنسان صوتًا لكن قد لا يُدْرِك ما المعنى وما المقصود، أما الاستماع فهو تركيزٌ، وإنصات، ولذلك قالت الجن لبعضهم المسلمين "فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا" الأحقاف:٢٩، لأنَّ الله قال في كتابه: "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا" الأعراف:٢٠٤. فلذلك الجِنّ المسلمين لما حضروه قالوا أنصتوا، فالإنصات سكوتٌ مع تفكُّر، وكذلك الاستماع سكوت، نعم قد يستمع ويتكلم، ولكن هذا الغالب أنه يكون مع سكوت، أمَّا الإنصات فهو استماع بلا كلامٍ وبلا نُطْق، فهذا الفرق بين استمعوا له وأنصتوا، أن الإنصات لا بُدَّ أن يكون معه صَمْت.



    إنصات النبي صلى الله عليه وسلم للوحي
    وهذا الاستماع كان من سمات نبينا -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يستمع كان يُنْصِت -صلى الله عليه وسلم-، كان إذا نزل عليه الوحي يُحَرِّك شفتيه بالآيات التي نزل بها الوحي ليستذكرها فأمره ربّه بالإنصات والاستماع.
    فعن ابن عباسٍ -رضي الله عنه- قال: "كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعالِجُ منَ التنزيلِ شدةً.." صحيح مسلم، ما كان نزول الوحي عليه شيئًا يعني ترفيهيًّا أو شيئًا هكذا سهلًا، لا، كان -عليه الصلاة والسلام- إذا نزل عليه الوحي يعاني، فيه شدة، فيه ثِقَل، عند نزول الوحي.
    قال: ".. وكان يُحرِّكُ شفتَيه.." كثيرًا ما يحرك شفتيه إذا نزل الوحي يخشى أن ينسى، فيسمع ويكرر، فأنزل الله: "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ" اطمئن، "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ.." في صدرك ".. وَقُرْآنَهُ" فلا يحتاج أنك تبادر بأن تتلو ما تسمع مباشرةً فيأتيك الوحي من هنا وأنت مباشرةً تتكلم بذلك وتخشى أن تنسى، سنجمعه في صدرك فلا تنسى منه حرفًا، اطمئن. لذلك قال: "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ" يعني عند نزول الوحي.
    "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ" القيامة:١٨:١٦، فعليك الاستماع والإنصات وعلينا أن نجمعه في صدرك، قال: ".. فكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أتاه جِبريلُ عليه السلامُ استمَع، فإذا انطَلَق جِبريلُ قرَأه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما أقرَأَه" صحيح البخاري ومسلم، يجده في صدره محفوظًا.
    وكان -عليه الصلاة والسلام- من شِدَّة حِرْصه على حِفْظ القرآن يحاول أن يقرأ مع نزول الوحي فأرشده الله إلى الأسهل والأخَفّ لئلا يشقّ عليه، وقال له: "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ" فسنجمعه في صدرك وأنت ستقرأه على الناس من غير أن تنسى منه شيئًا.
    "فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" القيامة:١٩،١٨.
    وقال في الآية الأخرى: "وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا" طه:١١٤. فأنصِت فإذا فرغ المَلَك من قراءته اقرأه بعد ذلك.
    ويؤخذ من هذه الآية الكريمة الأدب في تَلَقِّي العلم، وأنَّ المُسْتَمِع للعلم ينبغي له أن يتأنَّى ويصبر حتى يفرغ المعلم أو الشيخ أو المُمْلِي من كلامه المُتَّصِل بعضه ببعض، فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال، ولا يبادر بقَطْع كلام المعلم أو الشيخ لأنَّه قد يكون سببًا لحرمان فائدة ستأتي فاستعجل فحَرَم نفسه منها.



    التذاذ النبي صلى الله عليه وسلم بسماع القرآن
    وكان -عليه الصلاة والسلام- يلتذّ بسماع القرآن، فقال لعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- مرةً: "اقرَأْ عليَّ. قال: قلتُ: أَقرَأُ عليكَ وعليكَ أُنزِلَ؟ قال: إني أشتَهي أن أسمَعَه مِن غيري. قال: فقرَأتُ النساءَ حتى إذا بلَغتُ: "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا" النساء:٤١. قال لي: كُفّ، أو أمسِكْ. فرأيتُ عينَيه تَذرِفانِ" رواه البخاري. عليه الصلاة والسلام.

    لماذا أَحَبَّ أن يسمعه من غيره؟
    - لأنه كان يقرؤه ويريد أن يسمعه عرضًا، واحد آخر يعرض عليه، فهو يقرأ ويريد أن يسمعه العرضة، عرضة القرآن عليه.
    - والإنسان أحيانًا يفهم في حال السَّمَاع أكثر أو غير ما يفهم في حال القراءة، يعني أنت جرّب اقرأ وفكّر وأنت تقرأ، وجرّب اسمع وفكّر وأنت تسمع، ولذلك من قواعد الحفظ من القواعد عند بعض أهل العلم يقولون: "القارئ حالب والسامع شارب"، القارئ حالب، يحلب، والسامع شارب، يشرب، فكأنَّ السامع عنده من قوّة التركيز أكثر، فلذلك نحن نجمع في القرآن ما بين القراءة والاستماع، يعني لو قال واحد: إيش الأفضل أقرأ ولا أسمع؟ نقول: اجمع بينهما، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    - وأحيانًا الإنسان يقرأ فيشتغل بمراعاة الحروف والتجويد والحركات فينصرف جزءٌ من التَّركيز لها، فلا يكون كُلُّ التركيز في الفهم والتَّدَبُّر، ويأتي السماع فيه مزايا من هذه الجهة.



    بخلاف قراءته -عليه الصلاة والسلام- على أُبَيّ بن كعب فإنَّه أراد أن يُعَلِّمَه كيفية أداء القراءة ومخارج الحروف ونحو ذلك.

    وقَوْلُه -عليه الصلاة والسلام- لابن مسعود: "أشتهي.." ما قال أحب أو أُفَضِّل، ما معناه؟ أنَّ سماع القرآن عنده بلغ من اللَّذَّة أنْ صار شهوةً، يعني صار يشتهيه، يعني صار له في نفسه لذّة لدرجة أنه صار له شهوة في الالتذاذ بسماعه، وأنَّ الشهوة إذا كانت في سماع كلام الله فإن هذا والله غاية المُبْتَغَى، لأنَّ الناس أكثر شهواتهم في ماذا؟ في الحرام، فإذا صارت شهوة الإنسان في سماع القرآن فأنْعِم وأَكْرِم.
    لَمَّا وصل ابن مسعود -رضي الله عنه- إلى قَوْله: "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا"، طلب منه -عليه الصلاة والسلام- أن يتوقَّف، قال: حَسْبك يكفيك، فنظرتُ إليه فإذا عيناه تذرفان.
    فلماذا بكى؟
    - لأنه تمثَّلت له أهوال يوم القيامة "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ" يعني يوم القيامة، وجئنا من كل أمةٍ بنَبِيِّها ليشهد عليها، "وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ" على أمتك "شَهِيدًا"، فلمَّا تمثَّل له ذلك واستحضره وتفكَّر فيه وفي الأحوال التي تكون يوم الدين، والشفاعة، والميزان، والحوض، والصراط، والحساب، والأهوال، وتطايُر الصُّحُف، وانشقاق السماء، ومجيء الربّ -عزَّ وجلّ-، وصفوف الملائكة التي تنزل وتحيط بالناس في أرض المحشر، أوجد ذلك له بُكاءً وتأثُّرًا لِمَا حضره من خشية الله.
    - وقيل إنَّه بكى؛ رحمةً بأُمَّته لَمَّا سمع "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا" بكى رحمةً بأمّته، من هَوْل ذلك الموقف، وأنه سيشهد عليهم، وأنَّ بعضهم سيدخل النار.



    إنصات النبي صلى الله عليه وسلم لقراءة أصحابه في الصلاة
    كان -عليه الصلاة والسلام- أيضًا من إنصاته يُنْصِتُ لقراءة أصحابه في الصلاة، فعن علقمة: "جاء رجلٌ إلى عمر -رضي الله عنه- وهو بعرفة، فقال: جئتُ يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركتُ بها رجلًا يُمْلي المصاحف عن ظهر قلبٍ، فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل.." يعني من الغضب.
    يعني مَن الذي يتجرَّأ أن يُمْلِي المصاحف على الناس؟ قال له خلاص أيّ خطأ يعني إذا أخطأ أيّ شيء راحت في الكتابة راحت في الناس، صارت هذه أصول المصاحف، فمَن هذا الذي يجترئ أن يُملي مِن حِفْظه على كَتَبَة مصاحف؟ يملي عليهم، فانتفخ عمر من الغضب.
    "فقال: ومن هو ويحك؟ فقال عبد الله بن مسعود، فما زال عمر يُطفَأ ويُسَرَّى عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها.." لماذا؟ لأنَّ عبد الله بن مسعود هذا من سادة المُتْقِنين، يعني إذا عبد الله بن مسعود خلاص، هذا مَرْجِع، حُجَّة، حُجَّة هذا، هذا ما يُخشى، كان عمر ظنّ واحد آخر يعني أدنى من هذا المستوى يُملي على الناس مصاحف، لكن لَمَّا قال عبد الله بن مسعود عمر هدأ هدأ هدأ حتى رجع للحالة الطبيعية.



    ثم قال عمر للرَّجُل: "ويحك، والله ما أعلمه بقي أحدٌ من الناس هو أحقّ بذلك منه.." ما أعرف واحد يحقّ له هذا مثل عبد الله بن مسعود ".. وسأُحَدِّثك عن ذلك، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يزال يسمُر عند أبي بكرٍ -رضي الله عنه- الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين.." إذن كان النبي -عليه الصلاة والسلام- له ليالٍ يسمُر فيها، لكن يسمُر في إيش؟ في أمر المسلمين، نقاش في أمر المسلمين، عند أبي بكر الصديق، قال: ".. وإنه سمرَ عنده ذات ليلةٍ وأنا معه.." يقول عُمَر للرَّجُل إنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- سمر عند أبي بكر وأنا معه ذات ليلة ".. فخرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وخرجنا معه، فإذا رجلٌ قائمٌ يصلِّي في المسجدِ، فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يستمعُ قراءته.." وقف -عليه الصلاة والسلام- يستمع قراءة المُصَلِّي، قال: ".. فلمَّا كِدْنا أن نعرفه.." نعرف ونميّز مَن صاحب هذا الصوت لأنه ظلام، ".. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَن سرَّه أن يقرأ القرآن رطبًا كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبدٍ، قال: ثم جلس الرجل يدعو.." بعد ما صَلَّى، ".. فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: سَلْ تُعْطَه.." سَلْ تُعْطَ، سَلْ تُعْطَ.



    طبعًا الرجل ما كان يحسّ لإنه ظلام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معه أبو بكر وعمر ويستمع، سمع الصوت ووقف يستمع، ثم رأى الرجل يدعو، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- بصوتٍ خافت: سَلْ تُعْطَ، سَلْ تُعْطَ، ادعُ تأتِك الإجابة، سَلْ تُعْطَ، ولم يُخبره بشيء ولم يرفع صوته -عليه الصلاة والسلام-، انصرف.
    فقال عمر -رضي الله عنه-: ".. قُلْتُ: والله، لأغدون.." يعني ثاني يوم الصبح، ".. لأغدون إليه فلأبشّرنَّه.." سأقول لابن مسعود: ترى النبي -عليه الصلاة والسلام- لَمَّا خرج سمعك تقرأ ووقف يستمع إليك طيلة الوقت حتى انتهيت من صلاتك وجلست تدعو وقال: سَل تُعْطَ، قال عمر: قُلتُ: "والله لأغدون إليه فلأبشّرنه، فغدوت إليه لأبشره.." فماذا وجد عمر؟ قال: "فوجدت أبا بكرٍ قد سبقني إليه فبَشَّره، ولا والله ما سبقتُه إلى خيرٍ قطّ إلا وسبقني إليه" الحديث رواه أحمد بإسنادين صحيحين، الأول على شرط الشيخين.



    استماع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصَّوْت الحَسَن
    كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحبّ أن يستمع إلى الصوت الحَسَن بالقرآن؛ لأن هذا يحمل على التَّدَبُّر والتَّفَهُّم، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى: "لو رأيتني وأنا أستمعُ لقراءتِكَ البارحةَ! لقد أُوتيتَ مزمارًا من مزاميرِ آلِ داودَ" رواه البخاري ومسلم.
    مزامير جمع مزمار، المزمار يُطْلَق في اللغة العربية على شيئين: الآلة المزمار المعروف التي يُنفخ فيها، ويُطلق المزمار على الصوت الحَسَن بدون آلة، إذا واحد صوته جميل في اللغة العربية يُطْلَق عليه مزمار، فقَوْله -عليه الصلاة والسلام-: "لقد أوتيت مزمارًا.." ما المقصود به؟ لقد أوتيتَ صوتًا حَسَنًا جميلًا يا أبا موسى، هذا معناه.



    وفي روايةٍ: "مرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بأبي موسى ذات ليلةٍ يقرأ ومع النبي -عليه الصلاة والسلام- عائشة، فقاما.." النبي -عليه الصلاة والسلام- وعائشة زوجته ".. فاستمعا لقراءته.." لقراءة مَن؟ أبي موسى، ".. ثم مضيا، فلما أصبح أبو موسى وأتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: مررتُ بك يا أبا موسى البارحة وأنت تقرأ، فاستمعنا لقراءتك، فقال أبو موسى: يا نبيَّ الله، لو علمتُ بمكانك لحبَّرتُ لك تحبيرًا.." رواه الحاكم وصححه. كان بالغت في تحسين الصوت وجمَّلته لمقامك الشريف، حتى تصير قراءتي تليق بمقامك وأنت تستمع، لو أعرف إنّك تستمع كان بالغت في التحسين حتى تُسَرّ أكثر.
    ولم يُنْكِر النبي -عليه الصلاة والسلام- قَوْله "لحبَّرتُه لك تحبيرًا" مما يدلّ على جواز المبالغة في تجميل الصوت بالقرآن بدون تكلُّف، ولا مشابهة أصوات المغنيين طبعًا، ولا بُدَّ أن نقول إننا نربأ بأبي موسى -رضي الله عنه- أن يُشَابه أصوات المغنين في قراءته، وترتيله.
    فإذن لا يُشْتَرَط لِمَن يُجَمِّل صوته بالقرآن أن يشبه صوت المغنين، ما هو شرط، ممكن يأتي به على نحوٍ وطريقةٍ جميلة جدًّا وما تشبه الأغاني، أمَّا أن يقرأ على الألحان، أو على السُّلَم، أو على المقامات، هذا لا، لأنَّ المقامات هذا شغل أهل الغناء، إذا قُلت مقامات دخلنا علطول في شغل أهل الغناء، فلمَّا تسمع تقول مثلًا هذا مدري حجاز، وهذا سيكا، وهذا صبا، هذا شغل أهل الغناء، هم أصلًا لَمَّا كانوا يعلّموا الجواري الغناء بالأندلس أو بغيرها كانوا يتعلَّمون على المقامات هذه، فلذلك القرآن ما يُقرأ على طريقة أهل الغناء، ولا يليق بالقرآن أن يُقرأ على طريقة أهل الغناء، ولا على مقامات أهل الغناء، لكن ييجي واحد يقرأ على سجيَّته، على السَّليقة، ويُجَمِّل ويُحَسِّن هذا هو المشروع، هذا الذي فعله أبو موسى -رضي الله عنه-.



    قال ابن كثير -رحمه الله-: "دَلَّ هذا على جواز تعاطي ذلك وتكلُّفه، وقد كان أبو موسى قد أُعْطِي صوتًا حَسَنًا مع خشيةٍ تامَّة ورقَّة أهل اليمن فدلَّ على أنَّ هذا من الأمور الشرعيَّة".
    وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله- في شرح رياض الصالحين: "وفي هذا دليلٌ على أنَّ الإنسان لو حَسَّن صوته بالقرآن لأجل أن يتلذَّذ السامع ويُسَرّ به فإنَّ ذلك لا بأس به ولا يُعَدُّ من الرياء، بل هذا مما يدعو إلى الاستماع لكلام الله -عز وجل- حتى يُسَرَّ الناس به".
    وقال الحافظ بن حجر -رحمه الله- في الفتح: "ولا شكَّ أنَّ النفوس تميل إلى سماع القراءة بالتَّرَنُّم أكثر مِن مَيْلِها لِمَن لا يترنَّم لأنَّ للتَّطريب تأثيرًا في رِقَّة القلب وإجراء الدمع، والذي يتحصَّل من الأدلة أن حُسْن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكُن حَسَنًا فليُحَسِّنه ما استطاع كما قال ابن أبي مُليكة".
    وعن عبد الجبار بن الورد قال: "سمعتُ ابن أبي مُليكة يقول: قال عبد الله بن أبي يزيد: مَرَّ بنا أبو لبابة فاتَّبعناه حتى دخل بيته، فإذا رجلٌ رثّ الهيئة فسمعتُه يقول: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس منا مَن لم يتغنَّ بالقرآنِ" صحيح البخاري، فقلتُ لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يَكُن حَسَن الصوت؟ -يعني الله ما أعطاه-، قال: يُحَسِّنه ما استطاع" زاد المعاد.



    إذن التلحين جائز، لكن لا على طريقة ألحان الغناء، لأنّ أيّ واحد يقرأ عنده لحن، أيّ واحد، يعني لو قُلت لك يلا اقرأ علينا يا أخي، أنت لن تقرأ القرآن كالجريدة، ستُلَحِّن، هذا التَّلْحِين إذا ما كان على طريقة أهل الغناء ولا على المقامات، كان على سجيّتك وطبيعتك أنت، فجَمَّلت صوتك، وحسَّنت صوتك؛ لأجل تجويد القرآن، وترتيل القرآن، والصَّوت الحَسَن يزيد القرآن حُسْنًا، هذا المطلوب، هذا ما فيه شيء، وما هو غلط.
    وين الغلط؟ الغلط مثلًا كما قُلنا القراءة على طريقة أهل الغناء، يأخذ مثلًا طريقة مثلًا مقام مُعَيَّن من مقامات المُغَنّين ويمشي عليها ويلتزمها.
    ولذلك ترى هؤلاء -وهم أصحاب طبعًا انحراف وإنْ كان بعضهم ممكن يكون حَسَن النيّة- يروح عند واحد من أصحاب المقامات ويقرأ عليه ويصحّح له على المقامات، يقول له كده، يحصل أصلًا إذا جاء يعلّمه القرآن القراءة، هذا يقرأ أمام هذا خبير المقامات، وهذا إيش يسوّي؟ يسوي كذا.. اطلع.. انزل.. اطلع.. فيطلّعه وينزّله على المقام ويدرّبه عليها، يدرّبه عليها وهذا يلتزم معه بالقراءة على المقامات، هذا المذموم، هذا بلا شكّ أنه لا يجوز؛ لأنه تشبُّه بالفُسَّاق، لأنّ هؤلاء المُغَنُّون من أكبرهم إلى أصغرهم وقديمهم وحديثهم كلهم أصحاب مقامات، هذا لَمَّا يقول لك معهد الموسيقى إيش يعني؟ معهد الغناء، هذا التدريس، يدرّسونهم هكذا، فيطلع مغني، تطلع مغنية، ويقرأ على مقامات، فيأتي بعضهم يروح يمشي بالقرآن على مقامات أهل الغناء، وهذا الذي لا يجوز.



    أمَّا إنّ الواحد يخترع لحن من عنده، من على سجّيّته، من طبيعته، لا فيها دراسة ولا تدريب، يعني ما فيها صناعة وعلى طبيعته ويجمّل ويحسّن، هذا هو المطلوب.
    طيب وإذا وافق بدون قَصْد وافَق مقامًا، ما عليه شيء لأنَّه لم يتقَصَّد.



    من إنصاته صلى الله عليه وسلم أنه لا يُقاطِع مُحَدِّثه
    طيب كان -عليه الصلاة والسلام- من إنصاته أنَّه لا يُقاطع مُحَدِّثه، وينتظره حتى يَفْرغ من كلامه ولو قال كلامًا لا يليق، لَمَّا جاء أبو الوليد لما جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- أنصت له مع أنَّ الرجل قال كلامًا باطلًا، قال: "إنَّك قد أتيتَ قومَك بأمرٍ عظيم، فَرَّقْتَ به جماعتهم، وسَفَّهت به أحلامهم، وعِبْت به آلهتهم، ودينهم، وكَفَّرت به مَن مضى مِن آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلَّك تَقْبَل مِنَّا بعضها"، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "قُل يا أبا الوليد، أسمع"، أسمع، قُل.
    قال: "يا ابن أخي، إنْ كُنت إنَّما تريدُ بما جئتَ به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك مِن أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإنْ كنت تريد به شَرَفًا سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإنْ كنت تريد مُلْكًا مَلَّكْنَاك علينا، وإنْ كان هذا الذي يأتيك رئيًا من الجنّ.." التَّابِع الذي يتراءى لِمَتْبُوعِه هذا كان إذا كنت يعني مُبْتَلَى برئي من الجنّ ".. تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطِّبّ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبْرِئك منه، فإنه ربّما غلب التابع على الرجل حتى يُداوَى منه".
    حتى إذا فرغ عُتْبَة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمع منه، قال: "أَقَد فرغتَ يا أبا الوليد؟" قال: "نعم"، قال: "فاسمع مني"، قال: "أفعل"، خلاص ما فيها..، لأنه ما دام قُوبِل بالإنصات لا بُدّ يُقابِل هو بالإنصات، وهذا كلام فارغ والنبي -عليه الصلاة والسلام- لن يتأثَّر بذلك، لكن الآن إذا جاء الكلام المليان فلا بُدَّ أن يتأثَّر هذا أبو الوليد، فقال: أفعل.
    فقال -عليه الصلاة والسلام-:
    بسم الله الرحمن الرحيم، "تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ" فصلت:٤:٢. ثم مضى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها عليه، فلمَّا سمعها عُتْبَة منه أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يستمع منه، ثم انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السجدة منها؛ فسجد، ثم قال:
    "قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعتَ فأنت وذاك" أخرجه ابن إسحاق في المغازي وحسَّنه الألباني.
    فإذن استَمَع له حتى يستَمِع له الآخر، وهذا فيه تعليم الأدب في الإنصات، وفيه تعليم الحكمة في الدعوة، وكذلك فيه بيان العناية بحديث الطرف المقابل، ومَن أحسن الاستماع أحسن الردّ، وقال الحكماء: "رأسُ الأدب حُسْنُ الفَهْم والتَّفَهُّم والإصغاء للمُتَكَلِّم"، وقال الأصمعي -رحمه الله-: "من علامة الأحمق الإجابة قبل استقصاء الاستماع".
    والنبي -صلى الله عليه وسلم- رغم أنَّه يعلم بطلان ما جاء به عُتْبَة إلا أنَّ حِرْصَه على هدايته جعله يَسْمَعه ولا يعجّل بمقاطعته.




    وقَوْله "فرغت" دون انتهيت، يعني يا أبا الوليد فرغت؟ ما قال انتهيت، قال فرغت، إشارة إلى أنَّه يريدُ منه أنْ يقولَ كُلَّ ما عنده حتى ما يبقى عنده في نفسه شيء، حتى لما يأتي الدور المقابل ذاك ما عنده أيّ مقاطعة.
    هذا أدب الحوار وأدب المناظرة وإمهال الخصم في الدعوة.



    كان عليه الصلاة والسلام إذا أنصت لشخصٍ أَقْبَلَ عليه بكُلّيّته
    وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا أنصت لشخصٍ أَقْبَلَ عليه بكُلّيّته كما قال عمرو بن العاص: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُقْبِل بوجهه وحديثه على أشرّ القوم يتألَّفهم بذلك، فكان يُقْبِل بوجهه وحديثه عليَّ حتى ظننتُ أني خير القوم، فقلتُ: يا رسول الله، أنا خيرٌ أو أبو بكرٍ؟ قال أبو بكر، فقلت: يا رسول الله، أنا خيرٌ أم عمر؟ قال: عمر، فقلتُ: يا رسول الله، أنا خيرٌ أو عثمان؟ قال: عثمان، فلمَّا سألتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصَدَقَني فلوددتُ أنني لم أَكُن سألتُه" رواه الترمذي وهو حديثٌ حَسَن.

    كان عليه الصلاة والسلام يُنْصِت لحديث زوجاته
    وكان -عليه الصلاة والسلام- يُنْصِت حتى لزوجته إذا سَمُر معها يستمع لها، كما استمع لها قصة الأحد عشر امرأة اللاتي تعاهدن وتعاقدن ألا يكتُمن من أخبار أزواجهن شيئًا، وهذا هو حديث أم زرع المشهور، استمَع لكَامِل القصة، القصة هذه قصة عجيبة، وغريبة، وفيها أشياء مشكّلة، وأشياء فيها قصص جمعة لزوجات مع أزواجهن، هذه تقول أنا إذا دخل زوجي كذا شكله، وكذا كذا، ويفعل كذا في البيت، وإذا خرج كذا صفته، وإذا أقبل كذا، وإذا أدبر كذا.

    كان عليه الصلاة والسلام يستمع إلى الشِّعْر الحَسَن ويستحسنه
    وكان -عليه الصلاة والسلام- يستمع إلى الشعر الحَسَن ويستحسنه ويقول: "إنَّ من الشعر حكمة" صححه الألباني. وقال: "أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله بَاطل، وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم" رواه البخاري ومسلم.

    ومِن استماعه للشعر ما جاء في قصة عمرو بن الشريد عن أبيه قال: "ردفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا وقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قلتُ: نعم.." طيب ليش كان يحب شِعْر أُمَيِّة؟ لأنَّ أُمَيَّة كان عنده نزعة التوحيد في الجاهلية، وكان "كاد أمية أن يسلم"، كاد، رجل عنده يعني فطرة، ".. فقال هل معك من شعر أُمَيَّة بن أبي الصلت شيء؟ قلتُ: نعم، فقال: هيه.." هيه هذه كلمة تقال للاستزادة، هيه، يعني هات المزيد، ".. فأنشدتُه بيتًا، فقال هيه.." هات "ثم أنشدتُه بيتًا، فقال: هيه، حتى أنشدتُه مائة بيت" رواه مسلم.
    شعر أُمَيَّة فيه إقرار بالوحدانيَّة، وفيه اعتراف بالبعث على عكس ما كانت العرب تفعله من الشِّرك، ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "إن كاد ليُسلم في شعره" رواه مسلم.
    وأُمَيَّة هذا رجل كان يبحث عن الدين الحَقّ، كان يبحث، حتى وصل إلى معلومة عند أهل الكتاب أنَّ هذا زمن نبي، وهو يبحث في صفته، وأين يخرج، ولما أخبروه بسِنّه قال: قد عَبَرْتُ هذا السِّنّ، يعني كان يمكن يعني يرجو أن يكون هو النبي، فلمَّا سأل عن سِنّه قال أنا عدّيت هذا السِّنّ لَمَّا أخبروه، ومات ولم يَمُت على الإسلام.



    والنبي -عليه الصلاة والسلام- استنشد حسَّان، أَمَرَه بهجاء المشركين في شعره، وأنشده أصحابه بحضرته في الأسفار، واستمع إلى شعر حسان في المسجد، لماذا؟ لأنّه كان شعر حقّ، في مدح الحقّ وذمّ الباطل، ولذلك عمر لما مرّ في المسجد وحسان ينشد قال حسان: "كنتُ أُنْشِد فيه وفيه مَن هو خيرٌ منك"، وسأل عمر أبا هريرة وصدَّقه، قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لحسان: "أجب عني، اللهم أيّده بروح القدس" صحيح مسلم.

    وعن سماك بن حرب: قلتُ لجابر بن سمرة: كنتَ تُجَالِس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "نعم، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلَّى الفجر جلس في مُصَلَّاه حتى تطلع الشمس، فيتحدث أصحابه يذكرون -يعني أحيانًا- حديث الجاهليّة.."، إيش القصص اللي مرّت عليهم في الجاهلية، يعني ذكريات ".. وينشدون الشعر ويضحكون ويتبسم -عليه الصلاة والسلام-" رواه مسلم.
    فإذا ما كان كلامًا باطلًا لكن ذكريات؛ ذكريات طفولة، إنشاد، واحد راح يصيد وأنشد قصيدة في صيدٍ، ويصف شكل الغزال وهو يصيده، والأرنب وهو يصيده، يعني في المباحات، لكن كانت ذكريات من زمان.

    والنبي -عليه الصلاة والسلام- سمع قصيدة كعب بن زهير في المسجد وهي أكثر من أربعين بيتًا، وفيها:
    إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ .. مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ

    وكان -عليه الصلاة والسلام- يسمع إلى الحُداء بهذه الألفاظ التي فيها الدين والطاعة، ولذلك لما كانوا مرة في غزوة قال رجل: يا عامر، ألا تُسمعنا من هُنيهاتك؟ وكان عامر رجلًا شاعرًا، فجعل يقول:
    "اللهم لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فاغفر فداءً لك ما أبقينا، وثبّت الأقدام إن لاقينا، وألقين سكينةً علينا، إنا إذا صيح بنا أبينا، وبالصياح عوَّلوا علينا".
    فقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن هذا السائق؟" قالوا: "عامر بن الأكوع"، قال: "يرحمه الله"، قالوا: "وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به"!
    لإنهم كانوا يعرفوا إذا واحد قال له -عليه الصلاة والسلام-: يرحمك الله ولَّا يرحمه الله هذا معناه أنَّ موته سيكون قريبًا، وفعلًا هذا ما حصل فقد استُشهد رضي الله تعالى عنه.



    كان عليه الصلاة والسلام يتسَمَّع أحيانًا للتَّوَصُّل لحقيقة دجال أو صاحب فتنة
    والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتسمَّع أحيانًا في التَّوَصُّل إلى حقيقة دجال أو شخص صاحب فتنة على المسلمين، مثلما حصل في قصة ابن صياد، أو ابن صائد، ابن صائد أو ابن صياد هذا غلام يهودي، كان تظهر منه أشياء، وكلام كأنَّ له اتّصال بالشياطين، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- خَشِيَ أن يكون هذا هو الدجال فأراد أن يستخرج الحقيقة.

    فذهب -عليه الصلاة والسلام- مختبئًا في نخلٍ لعله يظفر من ابن صياد بكلامٍ يكشف حقيقته، وجعل -عليه الصلاة والسلام- يتَّقي بجذوع النخل ويستتر وهو يختل أن يسمع من ابن صيادٍ شيئًا قبل أن يراه، يعني قبل أن ينتبه ابن صياد، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفةٍ له فيها رمرمة، ابن صياد كان مضطجعًا وله رمرمة، يعني صوت خفي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يريد أن يتحسس، ويستمع، لعله يظفر بشيء من كلام ابن صياد يكشف حاله، له رمرمة أو زمزمة، لكن قضاء الله وقدره إنّ أم صياد أبصرت النبي -عليه الصلاة والسلام-، كشفت مكانه، فرأت أم ابن صيَّاد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتَّقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: أيْ صافِ، صافِ اسمه، هو صافِ ابن صيَّاد، قالت الأم: أيْ صافِ هذا محمد انتبه، فتناهى ابن صياد، سكت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لو تَرَكَتْه بَيَّن، لو تَرَكَتْه بَيَّن، كان اطَّلعنا على حقيقته.



    يعني هذا الرجل فعلًا أمره مُشْكِل، يعني كان فيه علامات ممكن يُفْهَم منها يعني ممكن يعني هي مُحَيِّرَة، كأنه فيها من صفات الدَّجال أشياء، إنه يهودي، وبين يهوديين، وأنه يأتيه أخبار، ويجيب أخبار، ويحدّث عن أمور يعني أمور من مُغيَّبات، له اتصال بالجن، بالشياطين، بالذين يأتون الخبر من السماء، كذا يعني فيه..، فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يخشى أن يكون هذا الدجال، فلذلك كان يتحسَّس، وفي هذا جواز الاستماع لكشف الشَّرّ.
    بس ما هو يتجسس على مسلمين، لا، هذا كافر ابن كافر، والتهمة ظهرت، والكلام ظهر من الرجل هذا، من ابن صياد، ما هو واحد مثلًا الأصل في المسلمين السلامة وحسن الظن، لا لا، القرائن موجودة، لكن كان يريد يعرف هل هذا هو الدجال الأكبر؟
    ولذلك رَجَّح كثير من العلماء أنَّ ابن صياد هو دجَّالٌ من الدجاجلة وليس الدجال الأكبر.

    وقد ترجم لحديث ابن صياد البخاري -رحمه الله- في كتاب الجهاد باب ما يجوز من الاحتيال والحَذَر على مَن تُخشى معرَّتُه، يعني تسقّط أخبار مَن يُخشى منه على المسلمين، لعله يؤخذ منه أخبار تنفع في معالجة وضع معين أو اتّقاء شر معين.



    الخاتمة
    هذه أيها الإخوة والأخوات طائفة من استماع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذه حال من أحواله الشريفة.
    نتابع معكم بمشيئة الله تعالى في الدروس القادمة عَرْض بعض هذه الأحوال.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



    تم بحمد الله

    شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
    https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36
    ​​​​​​​


    وللمزيد من تفريغات الفريق تفضلوا:

    هنـــا
    ونتشرف بانضمامكم لفريق عمل التفريغ بالموقع
    فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
    رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.
    في أمان الله

    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 04-02-2018, 10:25 PM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

    تعليق


    • #3
      للرفع
      اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

      تعليق


      • #4
        جزاكم الله خيرا


        تعليق


        • #5
          وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
          جزاكم الله خيرًا ونفع بكم

          "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
          وتولني فيمن توليت"

          "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة امة الله 2015 مشاهدة المشاركة
            جزاكم الله خيرا
            المشاركة الأصلية بواسطة بذور الزهور مشاهدة المشاركة
            وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيرًا ونفع بكم
            آمين واياكم , جزاكم الله خيرا
            اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

            تعليق


            • #7
              عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              جزاكم الله خيرًا ونفع بكم

              تعليق


              • #8
                جزاكم الله خيرًا

                تعليق

                يعمل...
                X