إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يومَ شدَدْتُ الرِّحَال إلى الزَّمن الماضي...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [منقول] يومَ شدَدْتُ الرِّحَال إلى الزَّمن الماضي...

    يومَ شدَدْتُ الرِّحَال إلى الزَّمن الماضي...
    بعد أن هجرتُ وسادتي وطلّقتُ السرير،

    وسهرتُ الليالي الطوال في التأمل والتفكير،

    أدركتُ بأن الوقت قد حان للتغيير،

    والتغيير الحقيقي يحتاج إلى تطهير،

    فما كان مني إلا أن توجهتُ إلى ميناء السفر عبر الزمن

    لأحجز مقعداً في السفينة المتوجهة إلى الماضي..

    لعلّي أمحو أخطاءً ارتكبتُها في سن الطيش وغياب الضمير..
    أخذتُ تذكرتي وجلستُ في قاعة الانتظار أرتشف كأساً من قهوةِ الحاضر..

    حذّقتُ في وجوه المسافرين، فإذا جميعهم تعلو محيّاهم

    تعابير الفرح والسرور بهذه الرحلة وبذلك العبور،

    باستثناء شابٍّ أبى إلا أن ينزوي وحيداً والكآبة باديةٌ على وجهه النحيف..

    وبينما تهِمُّ شفتايَ بمغازلة كأس القهوة، بادرني أحد الجالسين بجواري بإلقاء التحية..

    رددتُ تحيته بأحسن منها .. وبدون مقدماتٍ، سألني قائلاً :

    لماذا يا أخي الكريم لا ترتدي جلباباً أبيض مثلي ؟

    قلتُ له ولماذا عليّ أن أفعل ؟

    قال .. ألا تريد أن تسافر معنا إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم

    وتنال شرف أن تكون صحابيّا ؟

    فعقَّبتُ : ذاك شرفٌّ لا أستحقه .. وقد رحم الله من عرف قدر نفسه..

    وأنا عبْدٌ كبّلتني الذنوب، ومن رأسي إلى أخمص قدَمَيَّ عيوبٌ في عيوب،

    ثمّ إنّ من يطالع سيرة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام،

    يدرك بأنه لا يهتم لا بالشكل ولا بالهندام بقدر ما يهتم بصفاء القلوب..

    على إثر هذه الكلمات، استأذنتُ صاحبنا في القيام وتوجهتُ صوب ذلك الشابّ الكئيب..
    أقرأتُه السلام وعزمتُهُ على كأس قهوة وسألتُه :


    لماذا كل هذا الحزن الذي يخيم على وجهك ويبديك أكبر من سنك ؟

    واصل الشابّ صمتَهُ .. وما كان مني إلا أن احترمتُ رغبتَهُ في عدم الحديث..

    فتابعتُ شرب القهوة، وإذا به ينطق بصوتٍ لا يكادُ يُسمع : كرهتُ الحياة!..

    قلتُ له : كيف ؟!

    قال : كرهتُ حياتي وحاولتُ الانتحار مراراً ولكنني جبان..

    قلتُ : وهل سفرك إلى الماضي سوف يجعلك تحبُّ الحياة ؟

    قال : طبعاً لا .. ولكن بعودتي إلى زمن أجدادي سوف أحلُّ الإشكال من الأصل..

    قلتُ له - والفضول يأخذ منّي مأخذه - : كيف ؟!!

    أجاب بنرة حادّة : سوف أقتل جدتي قبل أن تَحْمِل بوالدتي! وبهذا لا أكون..

    لم تتحمل أصابع يدي وقْع هذا الرّد الصاعق، فسقط كأس القهوة أرضاً وانكسر

    وعلى صوتِ فرقعة الزجاج فارق النوم عينيّ وانحسر،

    فقمتُ من الفراش أحمدُ الله أنّ حاجز الزمن لا يزال عَصِيّا على عبث الإنسان ولَهْوِه.

    ماذا لو تمَكّن العلمُ من كسْر حاجز الزمن ؟

    هل ستشدُّ الرحال إلى الماضي ؟ ولماذا ؟




يعمل...
X