إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية


    توطئة:
    الحمد لله رب العالمين، الكريم المنان ذي النعمة، جليل الامتنان، أحمده ربي حق حمده، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، وأصلُّي وأسلِّم على خير مَن عبد ربه حق العبادة، وخشي ربه في السرِّ والعلانية، محمدٍ سيد الأولين والآخرين، وإمام المتقين، سيد العارفين على رأسه تاج الفخار والعلم، وفي صدره حوى الفقه والفهم، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الأطهار، وصَحْبه الأخيار.

    أما بعدُ:
    فهذه باكورة مجالس نورانية، تمَّ فيها تدارُس "متن البيقونية"، ارتأينا أن تجمع وتعد لِمَنْ شَمَّر عن ساعد العلم والكد؛ فهي للمُبتدئ خير نفع وزاد، وللمستزيد من العلم هي نور ورشاد، فهيا يا مَن تحملت بهذا العلم النفيس، ونأَيْت بنفسك عن كل دَنِيء وخسيس، هاك علمَ سيد الأخيار في سطور ملاح، تزود من علم الحديث والاصطلاح؛ فهو سبيلك لكل خير وفلاح، سَمَّيْناه بـ"المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية"

    عبدالصمد المومني

    قال صاحب البيقونية - رحمه الله تعالى:

    أَبْدَأُ بِالْحَمْدِ مُصَلِّيًا عَلَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ نَبِيٍّ أُرْسِلاَ
    وَذِي مِنَ اقْسَامِ الحَدِيثِ عِدَّةْ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَتَى وَحَدَّهْ

    افْتَتَحَ البيقوني درته المسماة بـ"البيقونية" - نسبة له - بالحمد، وهذا على عادة العلماء والمصنفين؛ تيمُّنًا بلفْظ الجلالة، وعملاً بقوله - عز وجل -: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} [النمل: 59]، ثُمَّ ثَنَّى الحمد بالصلاة على النبي المختار - صلى الله عليه وسلم - لأنَّ الله قد أَمَرَنَا بهذا؛ فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، ثمَّ أشار - رحمه الله - إلى مضمون منظومته، وهو: بيان أقسام الحديث، والتي سيعرِّف كل نوع منها على حدة.


    الحديث الصحيح
    قال صاحب البيقونية - رحمه الله تعالى:
    أَوَّلُهَا الصَّحِيحُ وَهْوَ مَا اتَّصَلْ إِسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلّْ
    يَرْوِيهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَنَقْلِهِ

    عَرَّف البيقوني الحديثَ الصحيح حاويًا في حدِّه الشروط الخمسة المعروفة عند أهل العلم، وهي كما قال الحافظ الذهبي: "الحديث الصحيح: هو ما دار على عدْل متقن، واتَّصَل سنده، فإنْ كان مرسلاً ففي الاحتجاج به اختلاف، وزاد أهل الحديث: سلامته من الشذوذ والعلة، وفيه نظر على مُقتضى نظر الفقهاء؛ فإن كثيرًا من العِلَل يأبونها، فالمجمع على صحته إذًا المتصل السالم من الشذوذ والعلة، وأن يكون رواته ذوي ضبط وعدالة وعدم تدليس"[1].

    أولاً: الاتِّصال:
    اتصال السند: ضده الانقطاع، فإذا رُمت إثبات الاتصال وَجَبَ عليك نفيُ كلِّ وجوه الانقطاع، وهي: ألاَّ يكون الإسناد معلقًا، أو معضلاً، أو منقطعًا، أو مرسلاً، أو مدلسًا، فإذا أردتَ إثبات اتِّصال الإسناد وَجَبَ عليك نفْي هذه الوُجُوه الخمسة من الانقطاع: (التعليق، الإعضال، الانقطاع، الإرسال، التدليس).

    المعلَّق:
    ما حُذف من أول إسناده راوٍ، أو راويان، أو ثلاثة على التوالي؛ أي: ما حُذف راوٍ مِن أول سنده، أو راويان، أو ثلاثة رواة.
    إذًا الفائدة: المعلَّق حذف الراوي من أول السند على التوالي.
    والسند هو: الإخبار عن طريق المتن (سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن).
    والإسناد هو: رفع الحديث إلى قائله.
    والمتن هو: ألفاظ الحديث التي تتقوم بها المعاني.

    والسند له طرفان: علوي ودنيوي، مثلاً: قال مسلم: حَدَّثَنا يحيى بن يحيى، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، فالدنيوي هو: يحيى بن يحيى، والعلوي هو ابن عمر.

    ولكن إذا قال مسلم: حَدَّثَنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، سقط يحيى بن يحيى من أول السند، هذا هو المعلق.

    المعضل:
    الذي سَقَطَ منه راويان على الأقل وعلى التوالي من أيِّ مكان من السند، من أعلاه، أو وسطه، أو أدناه، فلو سَقَط مالك ونافع، لا يُسَمى هذا معلقًا، وإنما معضلاً، ولو سقط يحيى بن يحيى ومالك نسمِّيه المعلق المعضل.

    المنقطع:
    ما سقط منه راوٍ في موضع من السند، فإذا كان السقوط من أوله، فهو: المعلق المنقطع.

    المرسل:
    ما قال فيه التابعي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ أي: كأنه أرسل الحديث مباشرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتجاوز الواسطة اللازمة، وليس للتابعي سبيل إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بواسطة الصحابي.

    وبعض علماء الاصطلاح وطَلَبة العلم يقولون: المرسَل: ما سقط منه الصحابي، وهذا فيه نَظَر؛ إذ لو تيقَّنَّا أن الساقط هو الصحابي، لَحَكَمْنَا على الحديث بالاتِّصال؛ لأننا لا نبحث عن عدالة الصحابة، فهم عدول بتعديل الله لهم، ولكن حينما يروي الحديث التابعي، ويقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمكن أن يكون رواه عن تابعي مثله، أو رواه عن مجهول الحال، وتسمَّى برواية الأقران.

    والتابعون منهم الكبار، وهم: الذين تتلمَذوا وعاصَروا الصحابة، وكان شيوخهم هم الصحابة، والصغار من تتلْمَذوا على التابعيين الكبار.

    المدلس:
    والتدليس هو عمل شيء في الخفاء، وهو أنواع؛ نذْكُر منها:
    - تدليس الإسناد: وهو أن يروي الراوي عن شيخه الذي سمع منه ما لم يسمع منه.
    - تدليس الشيوخ: وهو أن يعمد الراوي إلى شيخه فيسميه بكنية مجهولة حتى يعمي أمْره.

    ثانيًا: العدالة:
    والعدالة هي ملَكة تحمل صاحبها على ملازمة الدين والوَرَع، مع البراءة من أسباب الفسق وخوارم المروءة.
    شروط العدالة تنقسم إلى: شروط تحمُّل، وشروط أداء.

    الإسلام:
    هل الإسلام شرط تحمُّل وأداء معًا؟ أو في أحدهما؟
    الصحيح أنه شرط أداء فحسب؛ لأنه يُمكن أن يكون الراوي تحمل وهو كافر، و التحمُّل هو التلقِّي والأداء هو الإلْقاء.

    البلوغ:
    من علامات البلوغ الإنبات؛ لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني قريظة كان يكشف عن عانة الغلام، فإن وجده قد أنبت ضرب عنقه، وإلا فيسرحه...؛ الحديث رواه أبو داود في سننه بسند صحيح، ومن علاماته أيضًا الاحتلام، والحيض بالنسبة للإناث.
    وعلى الصحيح، فالبلوغُ ليس بشرط تحمُّل ولا أداء؛ لأنَّ المحدِّثين خرجوا أحاديث محمد بن الربيع وعمره خمس سنين.

    العقل:
    أي: عدم الغفلة والجنون أو الاختلاط، وهو شرط تحمُّل وأداء معًا.

    خاليًا من أسباب الفسْق:
    لا يرتكب الكبائر، ولا يجاهر بالذنوب، ولا بالبِدْعة، يراعي عُرف وأحوال الناس في اللباس والعادات ولا يكذب، و هو شرط تحمُّل وأداء معًا.

    ثالثًا: الضبط:
    ضبط الراوي؛ أي: حِفْظه للأسانيد والمتون، وهو ضبط صدر؛ أي: ضبْط الرِّوايات عن ظهْر قلب، وضبْط كتاب؛ حيث يحفظ الكتاب بالصفحات؛ إذ لو أدخل في الكتاب زيادات علمها الحافِظُ.

    نكتة: يقول ابن معين: أنا لا أعجب من الذي يخطئ، وإنما أتَعَجَّب مِن الذي لا يخطئ، (يُشير إلى انعدام الذي لا يخطئ).

    وضبْط الصَّدْر أعلى رُتبة من ضَبْط الكتاب، وضبْط الكتاب أتْقَن مِن ضبْط الصدر، (قصة أبو نعيم رواها ابن حبان في صحيحه، تجدها في آخر البحث - إن شاء الله).

    رابعًا: الشذوذ والعلَّة:
    الشذوذ: الانْفِرَاد عن الجماعة، والحديث الشاذ هو: ما انْفَرَدَ به الراوي؛ سواء كان ثقة أو غير ثقة، والشاذ ما خالف فيه الثقة الأوثق منه.العلة: هي أسباب خفية غامضة، تقدح في الحديث، إما سندًا أو متنًا، وتدرك بتفرُّد الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنبِّه العارف المتقن على وهْم أو إرسال.

    مثال الحديث الصحيح:

    ما أخرجه البخاري في صحيحه، قال: حدثنا الحميدي عبدالله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان، قال:حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم التيمي: أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعتُ عمر بن الخطاب على المنبر قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَو إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)).

    - فإسناد الحديث متصل؛ إذ كل راوٍ من الرواة صَرَّح بلفظ تحمُّل الحديث عن شيخه.

    - رواة الحديث عدول ضابطون، وهذا بيان حالهم.

    أ- أبو بكر عبدالله بن الزبير بن عيسى القرشي الحميدي المكي: شيخ البخاري، ثقة حافظ فقيه، مصنف ت 219 هـ.
    ب - أبو محمد سفيان بن عُيينة الكوفي المكي: ثِقة حافظ فقيه، إمام حجة ت 198 هـ.
    ج - أبو سعيد يحيى بن سعيد الأنصاري النجاري، ثقة كثير الحديث، حجة ثبت، من صغار التابعين ت 144 هـ.
    د - أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد القرشي التيمي المدني: ثقة كثير الحديث، من التابعين ت 120 هـ.
    هـ - أبو يحيى علْقمة بن وقاص الليثي المدني: ثقة ثبت من كبار التابعين، توفِّي في خلافة عبدالملك بن مروان.
    و - أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - والصحابة كلهم عدول.

    والحديث انتفى عنه الشذوذ والعلة القادحة.

    أنواع الحديث الصحيح:
    أ - صحيح لذاته: وهو الذي تقدَّم الحديث عنه.
    ب - صحيح لغَيْره:
    شروطه: اتصال الإسناد - عدالة الراوي - خفَّة ضبط الراوي - السلامة من الشذوذ - السلامة من العلة القادحة - تعدُّد الأسانيد لتنجبر خفة ضبط الراوي.

    - ما هي الشروط المشتركة والفروق بينهما؟
    الشروط المشتركة: اتصال الإسناد - عدالة الراوي - السلامة من الشذوذ - السلامة من العلة القادحة.

    الفروق: خفة ضبط الراوي - تعدد الأسانيد لتنجبر خفة ضبط الراوي.
    فالصحيح صحيح لذاته: أتته الصحة من نفسه، والصحيح لغيره: يحتاج لتعدُّد الأسانيد ليصح، فصحته جاءتْه من الخارج.مثال الصحيح لغيره:
    أخرج الترمذي وابن حبان وغيرهما، من طرق عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار)).

    - أحوال الرواة:
    - محمد بن علقمة بن وقاص: صدوق، له أوهام، في حفظه خفة.
    - والحديث له إسناد آخر: رواه ابن حبان من طريق سعيد بن أبي هلال، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وسعيد بن أبي هلال: صدوق، في حفظه خفة، فصار للحديث إسنادان فعدَّ صحيحًا لِغَيْرِه.

    حكمه: حجة بنوعيه يجب العمل به.




  • #2
    رد: المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية

    الحديث الحسن
    وَالحَسَنُ المَعْرُوفُ طُرْقًا وَغَدَتْ رِجَالُهُ لاَ كَالصَّحِيحِ اشْتَهَرَت

    الحسن هو:
    الذي عرفت طرقه - أي: أسانيده (إشارة إلى الاتصال) - واشتهر رجاله - أي: رواته - شهرة أقل من الصحيح، من حيث الضبطُ، وسلم من الشذوذ والعلَّة القادحة.

    مثاله: ما رواه الترمذي، قال: حدثنا عبدالقدوس بن محمد أبو بكر العطار، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا عمران القطان، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عبدالله بن أبي أوفى، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإن جار تخلى عنه، ولزمه الشيطان)).

    فالحديثُ إسناده متصل؛ حيث تحمَّل كل راو من رواته الحديث عن شيخه.

    و أما رواته فهذا بيان حالهم:
    أ - عبدالقدوس بن محمد أبو بكر العطار البصري: شيخ الترمذي، صدوق، خفيف الحفظ.
    ب - عمرو بن عاصم الكلابي: شيخ عبدالقدوس، صدوق، في حفظه شيء.
    ج - عمران بن داور أبو العوام البصري: شيخ ابن عاصم، صدوق يهم، في حفظه خفة.
    د -شيخه سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني الكوفي: ثقة.
    هـ- شيخه الصحابي عبدالله بن أبي أوفى: شهد الحديبية ت 87 هـ، آخر من مات من الصحابة بالكوفة.

    فالرواة الثلاثة الأوائل في حفظهم خفة، ومِن ثَمَّ فالإسناد حسن، الحديث انتفى عنه الشذوذ والعلة القادحة، فهو حديث حسن.

    وأخرجه ابن ماجه من طريق آخر، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عبدالله بن أبي أوفى مرفوعًا: ((إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإن جار وكله إلى نفسه)).

    أنواع الحديث الحسن:
    الحديث الحسن نوعان:
    الحَسَن لذاته: هو الذي تقدَّم الحديث عنه.

    الحسن لغَيْره: وهو الذي كان ضعيفًا ضعفًا خفيفًا، وبفضل تعدُّد أسانيده تقوَّى وارتقى إلى مرتبة الحسن لغيره، وله قيدان أساسيان:
    - خفَّة ضعْف الحديث؛ كالإرسال والجهالة بحال أحد الرواة.
    - تعدُّد الأسانيد، شرط أن يكون ضعفها خفيفًا أيضًا.

    مثاله: رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى عظيم الفرس.

    أخرجه الطبري في "تاريخ الأمم والملوك"، بإسناد مرسل، وفيه أيضًا عنعنة محمد بن إسحاق، فالإسناد ضعيف، ولكن للحديث شاهد من رواية سعيد بن المسيب مرسلاً، أخرجه القاسم بن سلام في "الأموال"، وبه يَتَقَوَّى الحديث ويرقى إلى درجة الحسن لغيره.

    حكمه:
    الحديث الحسن بنوعيه حجة يعمل به، وهذا هو الأقوى مع خلاف بين المحدثين والفقهاء. ملاحظة: لا استغناء عن كتب الألباني - رحمه الله - التي صحَّح فيها كُتُب "السنن الأربعة".

    تعليق


    • #3
      رد: المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية


      الحديث الضعيف


      وعرَّفه البَيْقوني:
      وَكُلُّ مَا عَنْ رُتْبَةِ الحُسْنِ قَصُرْ فَهْوَ الضَّعِيفُ وَهْوُ أَقْسَامًا كَثُرْ

      فالضعيف: هو ما لم يجمع صفات الصحيح أو الحسن، ويتفاوت ضعفه كصحة الصحيح[2].

      وهو ما فقد شرطًا من شروط الحديث المقبول.

      الضعيف أنواع، ليست في مرتبة واحدة بل هي متفاوتة، ويعود سبب ضعفها إما إلى:
      1 - عدم اتِّصال الإسناد: كالمبهَم، والمرسَل، والمنقطِع، والمعضَل، والمدلس.
      2 - اختلال في ضبط الراوي: كالشاذ، والمقلوب، والمعلل، والمضطرب، والمدرج.
      3 - الطعْن في عدالة الراوي: كالمنكر، والمتروك، والموضوع.

      "والعمل بالحديث الضعيف" (في فضائل الأعمال لا في سائرها)، أجرى خلافًا كبيرًا بين العلماء، وانقسموا لثلاث فرق:
      فرقة أجازت العمل بالضعيف مطلقًا، وفرقة منعت مطلقًا، وفرقة أجازت بشروط، ذَكَرَها السيوطي في "تدريب الراوي"، منها:
      -أن يكون ضعفه ضعفًا خفيفًا؛ بحيث لا يشمل إسناده مثلاً على كذاب، أو متهم بالكذب.

      -أن يندرج تحت أصل عام من أصول الشريعة، فيكون العمل في الحقيقة بذلك الأصل، أما إذا كان مخترعًا في الدِّين فلا.

      -ألاَّ يعتقد ثبوته عند العمل به.
      ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

      الحديث المرفوع
      قال محمد بن فتوح البيقوني - رحمه الله:
      وَمَا أُضِيفَ لِلنَّبِي المَرْفُوعُ ....... .... .....

      أي: ما أضيف للنبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه سمي بالمرفوع؛ لنسبته إلى صاحب المقام الرفيع سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم.

      والتعريف يحتاج إلى بيان وتفصيل؛ قال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث":
      هُوَ مَا أُضِيفَ إِلَى اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلًا أَوْ فِعْلًا عَنْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْقَطِعًا أَوْ مُرْسَلًا، وَنَفَى اَلْخَطِيبُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا؛ فَقَالَ: هُوَ مَا أَخْبَرَ فِيهِ اَلصَّحَابِيُّ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم.

      نكتة: قول الصحابي: أُمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو من السنة كذا، أو أمر بلال أن يشفع الأذان، وما أشبه - كله مرفوع، على الصحيح الذي قاله الجمهور.

      قال ابن حجر: مثالُ المَرفوعِ مِن القولِ تَصريحًا: أن يقولَ الصَّحابيُّ: سمعتُ النبيَّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يقولُ كذا، أَو: حدَّثَنا رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - بكَذا، أَو: عنْ رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - أَنَّه قالَ كذا، أو نحوَ ذلك.

      مثال المرفوع مِن الفِعْلِ تَصريحًا: أَن يقولَ الصَّحابيُّ: رأَيْتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - فعَلَ كذا، أَو كانَ رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يفعَلُ كذا.

      مثال المرفوع مِن التَّقريرِ تَصريحًا: أَنْ يقولَ الصَّحابيُّ: فعَلْتُ بحضرَةِ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - كذا، أَو فعَلَ فُلانٌ بحَضْرَةِ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - كذا، ولا يذكُرُ إِنكارَهُ لذلك.

      تفصيل:
      الحديث المرفوع: هو ما أضيف ونسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو وصف؛ سواء أضافه إليه صحابي، أم غيره من بعده، وسواء اتَّصَل إسناده أم لا.

      أمثلة لأنواعه:
      المرفوع القولي: مثاله ما أخرجه البخاري في صحيحه، عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن يُرد الله به خيرًا، يُفَقه في الدِّين)).
      المرفوع الفعلي: ما أخرجه البخاري في صحيحه، عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول: لا يفطر، و يفطر حتى نقول: لا يصوم.

      المرفوع التقريري: ما أخرجه أبو داود في السنن، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء، فتيمَّما صعيدًا طيبًا، فصليا ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: ((أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك))، وقال للذي توضأ وأعاد: ((لك الأجر مرتين)).

      المرفوع الوصفي: مثاله ما أخرجه البخاري في صحيحه، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل.

      المرفوع الوصفي: مثاله ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول - صلى الله عليه وسلم - ليس بالطويل البائن أو القصير.

      نكتة: فالحديث المرفوع إذًا إذا توفرت فيه شروط القبول فهو مقبول، وإلا فهو ضعيف مرْدُود.

      تعليق


      • #4
        رد: المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية

        الحديث المَقْطُوعُ

        قال المصنف - رحمه الله:
        ...... ...... ....... وَمَا لِتَابِعٍ هُوَ المَقْطُوعُ
        أي: ما أضيف ونسب لتابعي من قول أو فعل فهو المقطوع.

        قال ابن كثير في "الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث": هو الموقوف على التابعين قولاً وفعلاً وهو غير المنقطع.

        وقال النووي في "التقريب والتيسير": المقطوع وجمعه مقاطيع، وهو: الموقوف على التابعي، قولاً له أو فعلاً.

        والتابعي هو من لقي الصحابي، وورد في بيان فضل التابعي ما رواه الشيخان من حديث ابن مسعود مرفوعًا: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)).

        مثال المقطوع القولي: قول مجاهد التابعي الجليل: لا يتعلم العلم مستحي، ولا مستكبر؛ ذكره البخاري تعليقًا، وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"، بإسناد صحيح على شرط البخاري.

        مثال المقطوع الفعلي: ما رواه الخطيب من طريق المغيرة، قال: كان إبراهيم النخعي لا يحدث حتى يسأل؛ "الجامع لأخلاق الراوي"؛ الخطيب البغدادي.

        حكمه: الحديث المقطوع لا يُعَد حجة تثبت به الأحكام الشرعية، ولو صحَّت نسبته إلى التابعي.

        ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،،

        الحديث المُسْنَدُ

        قال محمد بن فتوح البيقوني، رحمه الله:
        وَالْمُسْنَدُ المُتَّصِلُ الإِسْنَادِ مِنْ رَاوِيهِ حَتَّى المُصْطَفَى وَلَمْ يَبِنْ


        ويقول صاحب "الموقظة" شمس الدِّين الذهبي: "هو ما اتصل سَنَدُه بذكرِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم".

        وقال الخطيب البغدادي: "ما اتَّصل سندُه إلى منتهاه، وأكثر ما يُستعمل فيما جاء عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - دونَ غيره، وقال ابن عبدالبر النُّميري القرطبي - صاحب "الاستذكار"، و"التمهيد"، و"الكافي" -: هو ما جاء عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خاصَّة، متصلاً كان أو منقطعًا، وقال الحاكم: لا يُستعمل إلاَّ في المرفوع المتصل".

        والملاحظ أنَّ المسند له قيدان:
        1) اتصال الإسناد.
        2) الرفع؛ أي: الإضافة إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

        مثاله: ما أخرجه البخاري في صحيحه قال: حدَّثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدَّثنا يزيد بن أبي عُبيدالله، عن سلمة، قال: سمعتُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن يقلْ عليَّ ما لم أقلْ، فليتبوأ مقعدَه من النار))، فهذا الحديث إسناده متصل من البخاري مخرج الحديث إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومن ثَمَّ فهو حديث مسند.

        إذًا؛ هناك تشابه بين المسند والمرفوع، فكلاهما مضافٌ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويختلفان في اتِّصال الإسناد، فالمسند لا بدَّ أن يكون متصلَ الإسناد، بخلاف المرفوع، فقد يكون غيرَ متَّصل الإسناد، بهذا يصحُّ أن يقال: كل مُسْنَد مرفوع، وليس كل مرفوع مسندًا.

        ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
        الحديث المُتَّصِلُ

        قال المصنف - رحمه الله:
        وَمَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِلْ إِسْنادُهُ لِلْمُصْطَفَى فَالْمُتَّصِلْ


        فالمتصل: هو ما اتَّصل إسنادُه بسماع كلِّ راو من رواية شيخه، حتى ينتهيَ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفي "الموقظة": "ما اتَّصَل سَنَدُه، وسَلِمَ من الانقطاع، ويَصدُق ذلك على المرفوع والموقوف".

        وقال النووي في "التقريب" و"التيسير": "ويُسمَّى بالموصول، وهو ما اتَّصل إسنادُه، مرفوعًا كان أو موقوفًا على مَن كان".

        قال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث": "ويقال له: (الموصول) أيضًا، وهو ينفي الإرسال والانقطاع، ويشمل المرفوعَ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والموقوفَ على الصحابي، أو مَن دونه".

        وقد عرَّف السيوطي في ألفيته المتَّصل تعريفًا سالِمًا من الانتقاد، حيث قال:
        مَرْفُوعًا اوْ مَوْقُوفًا اذْ يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ الْمَوْصُولُ والْمُتَّصِلُ

        مثال المتصل المرفوع: ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((والذي نفسي بيده، لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والده وولده)).

        مثال المتصل الموقوف: ما رواه الحاكم عن الإمام علي - رضي الله عنه - في قوله - تعالى -: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] قال: "علِّموا أهليكم الخيرَ"، وصحَّحه الحاكم على شرطهما، وعلَّق الألباني - رحمه الله - بقوله: صحيح موقوف.

        تعليق


        • #5
          رد: المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية

          الحديث المسَلْسَل

          قال المصنف - رحمه الله:
          مُسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى مِثْلُ أمَا وَاللهِ أَنْبَانِي الفَتَى
          كَذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائِمَا أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا

          فالتسلسُل هو ما على وصف أتى؛ أي: تتابع رجالُ إسناده على صِفة واحدة.

          يقول صاحب "الموقظة" شمس الدين الذهبي: "ما كان سَنَدُه على صِفةٍ واحدةٍ في طبقاته، كما سُلْسِلَ بـ"سَمِعتُ"، أو كما سُلْسِلَ بالأوليَّة إلى سُفْيَان، وعامَّة المسلسلاتِ واهِية، وأكثُرُها باطِلةٌ؛ لكذبِ رُواتها".

          المثال الأول: ذَكَره البيقوني في قوله: "مِثْلُ أمَا وَاللهِ أَنْبَانِي الفَتَى".
          فهذا مثال للوصف القولي، فإذا تتابع هذا الوصف في رِجال الإسناد بأنْ قاله عند رواية الحديث كلُّ راو من رواته، عُدَّ الإسناد مسلسلاً بهذا الوصف القولي، وهو هنا في هذا المثال عبارةٌ عن القَسَم.

          المثال الثاني: ذَكَره في قوله: "كَذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائِمَا".

          هذا مثال للوصف الفِعلي، فإذا تتابع هذا الوصفُ في رجال الإسناد بأنْ حدَّث كلُّ راو من رواته قَائِمًا، عُدَّ الإسناد مسلسلاً بهذا الوصف الفِعلي الذي هو القيام عند التحديث.

          المثال الثالث: ذكره في قوله: "أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا".

          هذا مثال للوصف الفِعلي أيضًا، فإذا تتابع هذا الوصفُ في رجال الإسناد بأن تَبَسَّم كلُّ راو من رواته عند التحديث، عُدَّ الإسناد مسلسلاً بهذا الوصف الفِعلي الذي هو التَبَسُّم.

          أمثلة حديثيَّة:
          - المثال الأول: حديث معاذ بن جبل- رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال له: ((يا معاذ، إنِّي أحبك، فقلْ دُبرَ كلِّ صلاة: اللهمَّ أعنِّي على ذِكْرك، وشُكرك، وحُسن عبادتك))، قال الإمام السيوطي: "تَسلْسلَ لنا بقول كلِّ راو من رُواته: وأنا أحبُّك، فقل: ...الحديث "؛ صحَّحه الألباني - رحمه الله - في سنن أبي داود".

          - المثال الثاني: حديث أبي هريرة: شبَّك بيدي أبو القاسم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: ((خَلَق الله الأرضَ يوم السبت ...)) الحديث؛ رواه الحاكم في "معرفة علوم الحديث" مسلسلاً بالتشبيك، وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى؛ وهو متروكُ الحديث - كما في "التقريب" لابن حجر - والحديث أخرجه مسلم في صحيحه غير مسلسل.

          قولهم في أبي يحيى: مجروح، متروك الحديث، كذاب، لقَّبوه بأبي حية "لسان الميزان"، للحافظ ابن حجر.

          نكتة:
          1- نبَّه العلماء على أنَّ التسلسُلَ قد لا يستمر في جميع حلقات الإسناد، وأشهر مثال لذلك حديث الرحمة المسلسل بالأوليَّة، وهو حديث عبدالله بن عمرو مرفوعًا: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يَرحمْكم مَن السَّماء))، فإنَّه مسلسل بـ"أول حديث سمعته"، وهذا مسلسل إلى سفيان بن عيينة، وينقطع بينه وبين مَن فوقه إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم؛ صححه الألباني.

          2 - نبَّه العلماء على أنَّ الإسناد المسلسل قلَّما يسلم من الضعف، قال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث": "قَلَّمَا يَصِحُّ حَدِيثٌ بِطَرِيقٍ مُسَلْسَلٍ"، ولكن قد يصحُّ من طرق أخرى؛ كحديث التشبيك.

          3- من أصلح مسلسل في المرويات: المسلسل بقراءة سورة الصف، كما ذكر الحافظ ابن حجر فيما حكاه عنه السيوطي، وقد قال الحافظ في الفتح: "وقد وقع لنا سماعُ هذه السُّورة مسلسلاً في حديث ذُكر في أوَّلِه سبب نزولها، وإسناده صحيح قلَّ أن وقع في المسلسلات مثلُه".

          ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،

          الحديث العزيز

          قال المصنف - رحمه الله:
          عَزِيزُ مَرْوِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَهْ ..... ..... .....
          ما رواه اثنان أو ثلاثة؛ أي: في جميع طبقات الإسناد، سمي بذلك إمَّا لقلَّة وجوده، وإما لكونِه عزَّ - أي: قوي - بمجيئه من طريق أخرى.
          وذكر ابن حجر في "نُزهة النظر": "ألاَّ يَرْويَه أقلُّ مِن اثْنَيْنِ عنِ اثْنَيْنِ"، فخصَّ العزيز برواية الاثنين، أما رواية الثلاثة، فتندرج في الحديث المشهور".

          وقال السيوطي في ألفيته:
          ......... وَالَّذِي لَهُ طَرِيقَانِ فَقَطْ لَهُ خُذِ
          وَسْمَ الْعَزِيزِ .......... ..............


          فالعزيز إذًا هو الذي له إسنادان، وبما أنَّ رواية اثنين عنِ اثنين فقط عزيزةُ الوجود، فإنَّ صورة العزيز تتحقَّق بألاَّ يرويَه أقلُّ من اثنين في جميع حلقات الإسناد (ابن حجر)؛ بمعنى: ألاَّ يوجد في طبقة من طبقات الإسناد أقلُّ من اثنين، وإن وُجِد في بعضها ثلاثة فأكثر فلا يضرُّ، بشرط أن تبقى ولو طبقة واحدة فيها اثنان؛ لأنَّ العبرة بأقلِّ طبقة من طبقات الإسناد.

          مثال:
          ما ذَكَره ابن حجر في النزهة: ((لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِن والدِهِ وولَدِهِ...)) الحديث، رَواهُ الشَّيْخانِ مِن حديث أنس، والبُخاريُّ مِن حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه.

          فهذا الحديثُ عُدَّ عزيزًا؛ لأنَّه لم يروه أقلُّ من اثنين في جميع الطبقات، ففي الطبقة الأولى رواه صحابيان، وفي باقي الطبقات رواه أكثرُ من اثنين، ومِن ثَمَّ حقيقة العزيز تنطبق عليه.

          نكتة:
          العزيز قد يكون مقبولاً أو مردودًا، بحسب توفُّره على شروط القَبول من عدمها.

          ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،

          الحديث المَشْهُورُ

          قال المصنف - رحمه الله:
          .............. مَشْهُورُ مَرْوِي فَوْقَ مَا ثَلاَثَهْ
          فالحديث المشهور: هو ما زاد رواتُه على ثلاثة، ومفهوم هذا التعريف: أنَّ ما رواه الثلاثة ليس مشهورًا، بل عزيزٌ، والتعريف المشهور للحديث المشهور هو: ما رواه ثلاثةٌ فأكثرُ في كلِّ طبقة من طبقات الإسناد.

          وعرَّفه الحافظ ابن حجر في "نزهة النظر" بقوله: "ما له طُرُقٌ مَحْصورةٌ بأكثرَ مِن اثنين، بعبارة أخرى: هو الحديث الذي له ثلاثةُ أسانيدَ فأكثر، ما لم يبلغْ حدَّ التواتر.

          مثاله:
          حديث: ((إذا وقع الذُّباب في شراب أحدِكم، فلْيَغمسْه كلَّه، ثم لينتزعه، فإنَّ في إحدى جناحيه داءً، وفي الأخرى شفاء)).
          وَرَد من حديث أبي هريرة؛ رواه البخاري، وأبو داود، وابن ماجه وأحمد.
          ووَرَد من حديث أبي سعيد الخدري؛ رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والطيالسي.
          ووَرد من حديث أنس بن مالك؛ رواه البزَّار، والطبراني.
          فهذا الحديث رواه أكثرُ من راويين في كلِّ طبقات الإسناد، ومِن ثَمَّ، فإنَّ حقيقة المشهور تنطبق عليه.

          نكتة:
          الحديث المشهور قد يكون مقبولاً أو مردودًا، بحسب توفُّره على الشروط أو عدمها.

          وهناك مشهورٌ بمعنى آخر، وهو المشهور على الألسنة؛ أي: الحديث الذي تَداولَه الناس، واشتهر على الألسنة، وقد يكون له إسنادٌ أو أكثر، وقد لا يكون له إسنادٌ أصلاً، كحديث: ((يوم صَومِكم يوم نحركم))؛ فهو حديث لا أصلَ له.

          تعليق


          • #6
            رد: المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية

            الحديث المعَنْعَن

            قال المصنف - رحمه الله:
            معَنْعَنٌ كَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ كَرَمْ ...... ...... ......
            فعرَّفه من خلال مثال، والمقصود به: الحديثُ الذي يقول راوٍ واحدٌ من إسناده، أو أكثر: عن فلان؛ أي: وقعتِ الرِّواية بصيغة "عن".
            يقول صاحب "الموقظة" شمس الدين الذهبي: "ما إسنادُه فلان عن فلان، فمِن الناس من قال: لا يَثْبُتُ حتى يَصِحَّ لقاءُ الراوي بشيخه يومًا ما".

            مثاله:
            ما رواه مسلم في صحيحه، قال: حدَّثنا ابن مهران الرَّازي، قال: حدَّثنا حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يعتكف في العَشْر الأواخر من رمضان.

            فهذا الإسناد استُعملت فيه العنعنةُ ثلاثَ مرَّات متتابعة.

            والعنعنة لفظٌ محتمِل للاتصال ولعدمه؛ ولذا اختلف العلماء في حُكم الحديث المُعنعَن: هل هو متصل أو منقطع؟ والرَّاجح أنَّه محمولٌ على الاتِّصال بشرطين:
            1 - ثبوت لِقاء المعنعِن بمَن روى عنه بالعنعنة.
            2 - سلامة المعنعِن مِن التدليس.

            وقد ذَكَرَ الشرطين إمامُ الاصطلاح أبو عمر بن الصَّلاح في قوله: "وهذا شرطٌ أن يكون الذين أُضيفت إليهم العنعنةُ قد ثبتت ملاقاةُ بعضهم بعضًا، مع براءتهم من وَصْمة التدليس".

            ومعلومٌ أنَّ الاتصال شرطٌ من شروط قَبول الحديث، فإذا توفَّرت في الحديث المعنعَن باقي شروط القَبول، كان مقبولاً وحجة، وإلاَّ فلا.
            ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،
            الحديث المؤنأَن

            وهو الحديث الذي يروى بصيغة "أن" بأن يقول الراوي - مثلاً: حدَّثنا فلان: أنَّ فلانًا قال.
            وهو مثل المعنعن محمول على الاتصال، إذا توفَّر فيه الشرطان السابقان.

            ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

            الحديث المبهم

            قال المصنف - رحمه الله:
            ..................... وَمُبْهَمٌ مَا فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمّْ
            فالحديث المبهَم إذًا: هو الذي في إسناده أو مَتنِه راوٍ لم يُسمَّ، وبهذا يظهر لنا أنَّ الإبهام يكون في المتن والإسناد، والذي يَهمُّنا هو المبهم في الإسناد؛ إذ هو الذي يؤثِّر في مرتبة الحديث.

            مثاله:
            ما أخرجه الترمذي في سُننه من طريق ثوير، عن رجل مِن أهل قُباءٍ عن أبيه - وكان من أصحاب النبي، صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: أَمَرنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن نشهدَ الجُمُعة من قُباءٍ.

            فهذا الإسناد فيه راويان لم يُسمَّيا؛ الأول: الرجل الذي روى عنه ثوير - ويبدو أنَّه تابعي.
            والثاني: أبوه - وهو من الصحابة.

            حُكمه:
            إذَا لم يُعرف المبهمُ في الإسناد عُدَّ الحديث ضعيفًا، ولو أُبهم الراوي بلفظ التعديل، قال الحافظ ابن حجر: "لا يُقبل حديثُ المبهَم ما لم يسمَّ؛ لأنَّ شرط قَبول الخبر عدالةُ رواته، ومن أُبِهم اسمُه لا يعرف عينه، فكيف عدالته؟! وكذا لا يُقبل خبرُه، ولو أبهم بلفظ التعديل، كأن يقولَ الراوي عنه: أخبرني الثقة؛ لأنَّه قد يكون ثقةً عنده، مجروحًا عند غيره"؛ "نزهة النظر"، (ص: 98)، فالحديث المبهم ضعيفٌ للجهل بعَين الراوي، ومِن ثَمَّ بحاله، وقد حَكَم الشيخ أحمد شاكر بضعْف الحديث المتقدِّم في المثال؛ أحمد شاكر، "تعليقه على سنن الترمذي" (2/375).

            طرق معرفة المبهم:
            يمكن معرفةُ المبهَم في الإسناد بوروده مسمًّى من طريق أخرى، هذه فائدة مِن فوائد جَمْع طرق الحديث.

            مثاله:
            ما ذكره البخاري تعليقًا قال: "واحتجَّ أهلُ الحجاز في المناولة بحديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث كتب لأمير السرية كتابًا، وقال: ((لا تقرأْهُ حتى تبلغ مكانَ كذا وكذا))، فلمَّا بلغ ذلك المكان قرأه على الناس، وأخبرهم بأمْرِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ (صحيح البخاري، كتاب العلم، باب: ما يُذكر في المناولة).
            ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
            الحديث العالي والحديث النازل

            قال المصنف - رحمه الله:
            وَكُلُّ ما قَلَّتْ رِجَالُهُ عَلاَ وَضِدُّهُ ذَاكَ الَّذِي قَدْ نَزَلاَ
            فالحديث العالي هو: الذي قلَّ عددُ رجال إسناده، بالمقارنة مع إسناد آخرَ يَرِد به نفسُ الحديث بعدد أكثر.
            والحديث النازل هو: الذي كَثُر عدد رجال إسناده، بالمقارنة مع إسناد آخرَ يَرِد به نفسُ الحديث بعدد أقلَّ.
            ومِن ثَمَّ فالعالي ضدُّ النازل.

            مثاله:
            ما أخرجه البخاري قال: حدَّثني أحمد بن الحسن، حدَّثنا أحمد بن حنبل بن هلال، حدَّثنا معمرُ بن سليمان، عن كهمس، عن ابنِ بُريدةَ، عن أبيه، قال: غَزَا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ستَّ عشرة غزوة.

            وأخرجه مسلم، قال: حدَّثني أحمدُ بن حنبل قال: حدَّثنا معمر بن سليمان، عن كهمس، عن ابن بُريدةَ، عن أبيه قال: غَزَا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ستَّ عشرةَ غزوة.

            فالملاحظ أنَّ عدد رجال إسناد البخاري ستة، وعدد رجال إسناد مسلم خمسة، ومِن ثَمَّ فإسناد مسلم عالٍ، وإسناد البخاري نازلٌ.

            قال ابن حجر معلِّقًا على الحديث: "وهو أحد الأحاديث الأربعة التي أخرجها مسلمٌ عن شيوخ، أخرج البخاريُّ تلك الأحاديث بعينها عن أولئك الشيوخ بواسطة، ووقع من هذا النَّمط للبخاري أكثرُ من مائتي حديث".

            يُفضِّل المحدِّثون الإسناد العالي على النازل، "قيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: بيت خالي، وإسناد عالي"؛ ابن الصلاح، "علوم الحديث"، (ص: 231).

            وقال الإمام أحمد: "طلبُ الإسناد العالي سُنَّةٌ عمَّن سَلَف"؛ الخطيب البغدادي "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1/185)، وقد بيَّن أبو عمرو بن الصلاح سُبلَ تفضيل العلو قائلاً: "العلو يُبعِد الإسنادَ من الخلل؛ لأنَّ كلَّ رجل من رجاله يحتمل أن يقع الخللُ من جهته سهوًا أو عمدًا، ففي قِلَّتهم قلَّة جهات الخلل، وفي كثرتهم كثرةُ جِهات الخلل، وهذا جليٌّ واضح، فالعلو إذًا مرغوبٌ فيه؛ لكونه أقربَ إلى الصِّحة وقلَّة الخطأ".

            أقسام العلو:
            العلو قسمان:
            العلو المطلق:
            "وهو القرْب من الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإسناد صحيح"؛ "محمود الطحان "تيسير مصطلح الحديث" (ص: 182).
            وهو أجلُّ أقسام العلو، ومن أمثلته ثُلاثيات الإمام البخاري في صحيحه.

            العلو النسبي:
            - القرْب من إمام من أئمَّة الحديث كمالك وشعبة....

            - العلو المقيَّد بالنسبة إلى كتاب من كُتب الحديث، كالكتب السِّتة، وهذا هو المنشود عند المتأخِّرين، حيث همتُهم تحقيق الاتِّصال القريب بأصحاب الكتب المصنَّفة.

            والنزول قِسمان أيضًا: النزول المطلق، النزول النسبي.

            تعليق


            • #7
              رد: المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية

              الحديث الموقوف
              قال المصنف - رحمه الله:
              وَمَا أَضَفْتَهُ إِلَى الْأَصْحَابِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ فَهْوَ مَوْقُوفٌ زُكِنْ (عُلِمْ)

              فالموقوف هو: ما أضيف ونُسب إلى الصحابي مِن قول أو فعل، سواء اتَّصل إسنادُه أم لا.
              والصحابة كلُّهم عدول بتعديل الله لهم، وقد عقد الخطيب البغدادي في "الكفاية" بابًا نفيسًا في عدالة الصحابة، وهو بابُ ما جاء في تعديل الله - تعالى - ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - للصحابة"، والصحابة هم خيرُ القرون على الإطلاق، ((خير الناس قرني....)).

              مثاله:
              الموقوف القولي: قول عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -: "تفقهوا قبل أن تسودوا"؛ ذكره البخاري تعليقًا في كتاب العِلم، باب: الاغتباط في العلم والحكمة.

              الموقوف الفعلي: كان ابن عمر وابن عبَّاس - رضي الله عنه - يَقْصُران ويُفْطران في أربعة بُرُد، وهي ستة عشر فرسخًا (77232 م)؛ علَّقه البخاري في كتاب تقصير الصلاة، باب: في كم تقصر الصلاة.

              حُكمه:
              الحديث الموقوف إذا توفَّرت فيه شروط القَبول، ولم تحتفَّ به قرائنُ تُرجِّح رفعَه، اختُلف في الاحتجاج به، وهناك مِن العلماء مَن يُقوِّي الحديثَ الضعيف ضعفًا خفيفًا بالموقوف؛ قال بهذا البيهقي.


              الحديث المرسل

              قال المصنف - رحمه الله:
              وَمُرْسَلٌ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ سَقَطْ ..... ..... .....
              فتعريف البيقوني المرسل بسقوط الصحابي من الإسناد غيرُ دقيق، كما أسلفْنا القول في كلامنا عن الحديث الصحيح، قال العِراقي في ألفيته:
              مَرْفُوعُ تَابعٍ عَلى الْمَشْهُورِ مُرْسَلٌ اوْ قَيِّدْهُ بِالْكَبِيرِ
              أَوْ سَقْطُ رَاوٍ مِنْهُ ذُو أقْوَالِ وَالْأَوَّلُ الْأَكْثَرُ في اسْتِعْمَالِ


              فصورته أن يقول التابعي: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كذا، أو فَعَل كذا، أو فُعِل بحضرته كذا، أو نحو كذا.

              وقال ابنُ الصلاح: "وصورته التي لا خلافَ فيها حديث التابعي الكبير الذي أدرك جماعةً من الصحابة، وجالسهم؛ كعبيدالله بن عدي بن الخيار، وسعيد بن المسيب، وأمثالهما، إذا قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم قال ما ذكرناه من سُقوط الاحتجاج بالمرْسل، والحُكم بضعفه هو الذي استقرَّت عليه آراءُ جماعة من حُفَّاظ الحديث... والاحتجاج به مذهبُ مالك وأبي حنيفة وأصحابهما في طائفة، والله أعلم".

              قال ابن الصلاح: "وأمَّا مرسل الصحابة كابن عبَّاس وأمثاله، ففي حُكم الموصول؛ فإنَّهم إنَّما يَروون عن الصحابة، والصحابة كلُّهم عدول، فجهالتُهم لا تضر".

              مثاله:
              حديث: ((الساكن من أربعين دارًا جار))؛ أخرجه أبو داود في "المراسيل"، عن الزهري مرسلاً مرفوعًا، فالزهري تابعي، وقد رَفَع الحديث إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن ثَمَّ فالحديث مرسل.

              ورجاله ثقات، فهو صحيحٌ عند من يحتجُّ بالمرسل.

              والمرسل إذا صحَّ إسنادُه الى التابعي عُدَّ من الضعيف المنجبر؛ أي: إنَّ ضعفه خفيفٌ، يمكن أن يرتقي إلى مرتبة الحَسن لغيره بتعدُّد الطرق، بشرط أن يكون ضعفُها خفيفًا أيضًا.


              الحديث الغريب
              قال المصنف - رحمه الله:
              ..... ..... ..... وَقُلْ غَرِيبٌ مَا رَوَى رَاوٍ فَقَطْ

              فهو تفرُّدُ راوٍ واحد بروايته، إمَّا في كل طبقة من طبقات الإسناد، أو في بعضها - ولو في طبقة واحدة.
              ولكنَّ الغالب إطلاقُ الغريب على التفرُّد الذي يقع من أحد الرواة المشهورين الذين يَكثُر تلاميذهم؛ كالإمام الزهري، ومالك، وشعبة بن الحجاج، وأضرابهم، "إذا انفرد عن الزهري وشبهه ممَّن يجمع حديثه رجلٌ بحديث سُمِّي غريبًا"؛ السيوطي "تدريب الراوي"، (2/180 - 181).

              مثاله:
              ما أخرجه البخاري في صحيحه، قال: حدَّثنا عبدالله بن محمَّد بن أسماء، حدَّثنا جويريةُ، عن مالك بن أنس، عن الزهري، عن ابن محيريز، عن أبي سعيد الخدري، قال: أَصبْنا سبيًا، فكنَّا نعزِل، فسألنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((أو إنَّكم لتفعلون؟)) قالها ثلاثًا، ((ما مِن نَسَمةٍ كائنة إلى يومِ القيامة إلاَّ وهي كائنة)).

              قال الدارقطني معلِّقًا: صحيح غريب، تفرَّد به جويرية - هو ابن أسماء الضبعي - عن مالك.

              حُكمه:
              الحديث الغريب قد يكون صحيحًا كغرائب الصحيحين، وقد يكون حسنًا، وقد يكون ضعيفًا، وهو الغالب، وقال أحمد:" لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائبَ، فإنَّها مناكيرُ، وعامتها عن الضعفاء".

              تعليق


              • #8
                رد: المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية

                الحديث المنقطع

                قال المصنف - رحمه الله:
                وَكُلُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِحَالِ إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعُ الأوْصَالِ
                فهو الذي لم يتصلْ إسنادُه على أيِّ وجه كان، سواء وقع الانقطاع في أوَّل الإسناد، أو وسطه، أو آخرَه.
                جعل المتأخِّرون من العلماء الحديثَ المنقطع قسمًا خاصًّا، وعرفوه بأنَّه ما سقط من إسناده راوٍ واحدٌ قَبلَ الصحابي في موضع واحد، أو مواضعَ متعدِّدة، بحيث لا يَزيد الساقط في كلِّ منها على واحد، أو لا يكون الساقط في أوَّل الإسناد، فهذا التعريف يتضمَّن مجموعةً من القيود تُخرِج صُورَ الانقطاع الاصطلاحيَّة الأخرى، فبِقَيْد (قبل الصحابي) خَرَج المرسل، وبقيد (موضع واحد) خَرَج المعضل، وبقيد (أول السند) خَرَج المعلَّق.

                مثال:

                ما رواه مالكٌ في الموطأ عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه: أنَّ عمر بن الخطاب ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم، فقال عبدالرحمن بن عوف: أشهد لسمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((سُنُّوا بهم سُنَّة أهل الكتاب))؛ ابن عبدالبر في "التمهيد".

                قال ابن عبدالبر في "التمهيد" معلقًا: هذا الحديث منقطعٌ؛ لأنَّ محمد بن علي لم يَلْقَ عمر بن الخطاب، ولا عبدالرحمن بن عوف.

                محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر، ولد سنة 156 هـ.
                وعمر بن الخطاب توفي سنة 23 هـ.
                وعبد الرحمن بن عوف توفي سنة 32 هـ.
                ومِن ثَمَّ لم يدركهما محمد بن علي، فالانقطاع واضحٌ من خلال التاريخ.

                حُكمه:
                المنقطع ضعيفٌ؛ لعدم اتِّصال الإسناد، ومِن ثَمَّ الجهل بحال الراوي الساقط من الإسناد.


                الحديث المعضل
                قال المصنف - رحمه الله:
                وَالْمُعْضَلُ السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ..... ..... .....

                فالمعضل سَقَط من إسناده راويانِ فأكثر على التوالي، وعرفه إمام الاصطلاح أبو عمرو بن الصلاح بقوله: وهو عبارة عمَّا سَقَط من إسناده اثنان فصاعدًا؛ أي: مع التوالي.

                مثاله:
                الحديث: ((يأتي على الناس زمان يستحلُّون الرِّبا باسم البَيع))؛ أخرجه الخطابي في "غريب الحديث" عن سويد عن ابن المبارك عن الأوزاعي مرفوعًا، قال الألباني - رحمه الله - معلقًا: "هذا إسناد معضل ضعيف، الأوزاعي ثقة إمام، ولكنَّه من أتباع التابعين، فحديثه معضل"؛ "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام" (ص: 125).

                فالحديث المعضل حديثٌ سقط من إسناده على الأقل راويانِ على التوالي، التابعي والصحابي.

                مثال آخر:
                ((دية ذِميٍّ دية مسلم))؛ رواه الإمام محمد في كتاب "الآثار" عن أبي حنيفة عن الهيثم مرفوعًا، قال الألباني - رحمه الله - معلقًا على الحديث: "وهذا معضل، فإنَّ الهيثم هذا هو ابن الحبيب الصيرفي الكوفي، وهو من أتباع التابعين"؛ سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/661).

                حُكمه:
                المعضَل من قبيل الضعيف؛ لعدم اتِّصال إسناده، ومِن ثَمَّ الجهل بحال الرواة المحذوفين، وضعْفُه شديد، وقد تقدَّم في الحديث المنقطع أنَّ السيوطي جعل المعضل شرَّ أنواع الضعيف، التي يعود سبب ضعفِها لعدم اتِّصال الإسناد.


                الحديث المدلس


                قال المصنف - رحمه الله:
                وَالمُعْضَلُ السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ وَمَا أَتَى مُدَلَّسًا نَوْعَانِ
                الأوَّلُ الإسْقُاطُ للشَّيْخِ وَأَنْ يَنْقُلَ عَمَّنْ فَوقَهُ بِعَنْ وَأَنْ


                فالتدليس إخفاء عيب في الإسناد، وتحسين لظاهره، وحسب الناظم،

                فالتَّدليس نوعان:
                الأَوَّل: تدليس الإسناد،
                وهو أنْ يسقط الرَّاوي شيخه الذي روى عنه الحديث، ويضيفه إلى شيخه، موهمًا أنَّه تحمل عنه الحديث مُباشرة، مستعملاً عبارة توهم بذلك كـ "عن وأن".

                ومثال ذلك: ما أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث من طريق علي بن خشوم قال: قال لنا ابن عيينة: عن الزهري، فقيل له: سمعته من الزهري؟ فقال: لا، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبدالرزاق عن معمر عن الزهري، فالإمام الزهري هو من شيوخ سفيان بن عيينة، ولكن في هذه الحالة لم يَرْوِه عنه مباشرة، وإنَّما بواسطة راويين، ولكنَّه أسقطهما موهمًا أنَّه روى عن الزهري مباشرة، وفعله من تدليس الإسناد.

                والنوع الثاني هو تدليس الشيوخ:
                وَالثَّانِ لا يُسْقِطُهُ لٰكِنْ يَصِفْ أوْصَافَهُ بِمَا بِهِ لاَ يَنْعَرِفْ

                فتدليس الشيوخ هو أن يصف الراوي شيخه بما لا يتعرف به؛ تعميةً لأمره؛ وذلك لمقاصد مختلفة، أفحشها كونه ضعيفًا.

                مثاله:
                رواية عطية العوفي عن الكلبي صاحب "التسيير"، وهو متروك، وكنيته أبو سعيد، فكان عطية إذا حدث عنه قال: حدثني أبو سعيد، موهمًا أنَّه أبو سعيد الخدري.

                ومن شرِّ أنواع التدليس تدليس التَّسوية، وهو أنْ يَرْوي المدلس حديثًا عن ضعيف بين ثقتين لَقِيَ أحدهما الآخر، فيسقط الضَّعيف، ويجعل بين ثقتين عبارة مُوهمة؛ ليوهم أن رجال الإسناد كلهم ثقات، وهذا معنى التسوية؛ أي: يستوي الإسناد بالثِّقات، والواقع أنَّ هناك ضعيفًا تعمد المدلس إسقاطه.

                من أشهر المدلِّسين المعروفين بالتسوية بقية بن الوليد، فقد أخرج ابن ماجه من طريق بقية بن الوليد، عن ثور بن زيد، عن خالد بن سعدان، عن أبي أسامة مرفوعًا: ((من قام ليلتي العيدين محتسبًا لله لم يَمُتْ قلبه يوم تَموت القلوب))؛ قال الشيخ الألباني - رحمه الله - معلقًا عليه: "بقية سيِّئ التدليس، فإنَّه يروي عن الكذَّابين عن الثِّقات، ثم يُسقطهم من بينه وبين الثِّقات، ويدلس عنهم، فلا يبعد أن يكونَ شيخه الذي أسقطه في هذا الحديث من أولئك الكذابين"؛ (الألباني، "سلسلة الأحاديث الضعيفة"، م 2، ص 11، رقم: 521.


                الحديث الشاذ

                قال المصنف - رحمه الله:
                وَمَا يُخَالِفْ ثِقَةٌ فِيهِ الْمَلاَ فالشَّاذُ ..... .....

                فبحسب الناظم، فالشاذ هو الذي يُخالف فيه الثِّقة الجماعةَ؛ أي: جماعة من الثِّقات، وعرفه ابن حجر في "النُّزهة": ما رواه المقبول مُخالفًا لمن هو أَوْلَى منه، المقصود بالمقبول: الثِّقة، والصَّدوق: "راوي الصحيح والحسن"، والمُخالفة: تعارُضٌ بين الرِّوايتين؛ بحيث لا يُمكن الجمع بينهما، والمقصود بمن هو أَوْلَى منه؛ أي: أرجح منه في الضبط أو كثرة العدد.

                والَّذي عليه حُفَّاظ الحديث أنَّ الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يَشِذُّ به الثقة أو غيره، فما كان من غير الثِّقة فمتروك، وما كان عن الثِّقة تُوقِّف فيه، ولا يُحْتَجُّ به، والشَّاذ إمَّا أنْ يَقَعَ في الإسناد أو في المتن.

                مثاله:
                الشَّاذ في الإسناد: ما أخرجه ابنُ ماجه في سُنَنِه، كتاب النِّكاح، باب: مَن زَوَّج ابنته وهي كارهة، قال: "حدثنا هناد بن السري، ثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن يزيد عن أبيه قال: جاءت فتاة إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: إنَّ أبي زوجني من ابن أخيه؛ ليرفع بي خسيسته، قال: فجعل الأمرُ إليها، فقالت: قد أجَزْتُ ما صنع أبي، ولكن أردت أنْ تعْلَمَ النِّساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء"؛ قال الحافظ البوصيري: هذا الإسناد صحيح، ورجاله ثِقَات.

                أمَّا كون رجاله ثقات، فنعم، وأمَّا كونه صحيحًا، فليس كذلك؛ لأنَّه معل بالشذوذ، كما سأُبيِّن:
                فهناد بن السري شيخ ابن ماجه روى الحديث عن وكيع، وجعله من مسند بريدة - رضي الله عنه - وخالفه الإمام أحمد؛ حيثُ أخرج الحديث في المسند عن وكيع عن كهمس عن عبدالله بن بريدة عن عائشة - رضي الله عنها - فجعله الإمام أحمد من مسند عائشة - رضي الله عنها - خلافًا لهناد الذي جعله من مسند بريدة، ولا شكَّ أنَّ أحمد أوثق من هناد، وقد حكم الشيخُ الألباني على رواية هناد بالشُّذوذ؛ لمخالفته لمن هو أَوْلَى منه وهو أحمد.

                مثال الشذوذ في المتن:
                أخرج البخاري ومسلم وابن ماجه من طريق النضر بن جعفر الملقب بغندر، ومسلم من طريق معاذ بن جبل، وابن حبان من طريق النضر بن شميل، كلهم عن شعبة، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة أنَّ زينب كان اسمها بَرَّة، فقيل: تُزكِّي نفسَها، فسمَّاها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم: زينب، وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" قال: حدثنا عمرو بن مرزوق، قال: حدثنا شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة عن أبي رافع عن أبي هريرة، قال: كان اسم ميمونة بَرَّة، فسمَّاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ميمونة.

                فالمُلاحَظ أنَّ عمرو بن مرزوق خَالَفَ الجماعة في مَتْنِ الحديث، ذكر ميمونة بدل زينب، كما في رواية الجماعة، ولا شكَّ أنَّ رِوَايتهم أَوْلَى بالصَّواب، ومِن ثَمَّ فروايته شاذة، وقد قال: الألباني - رحمه الله - معلِّقًا على لفظ عمرو بن مرزوق، وهو بهذا اللفظ شاذ؛ لمخالفته لرواية الجماعة"؛ سلسلة الأحاديث الصحيحة، م 1، ق 1، ص 421، رقم 211.

                حكمه:
                الشاذ من قبيل الضعيف، وإن كان راويه مقبولاً؛ لأنَّه لَمَّا خالف مَن هو أَوْلَى منه، علمنا أنه لم يضبط الحديث، ومِن ثَمَّ اختلَّ شرطٌ من شروط القبول وهو الضبط.



                الحديث المقلوب

                قال المصنف - رحمه الله:
                وَمَا يُخالِفْ ثِقَةٌ بِهِ الْمَلاَ فَالشَّاذُ وَالمَقْلُوبُ قِسْمَانِ تَلاَ
                إِبْدَالُ رَاوٍ مَا بِرَاوٍ قِسْمُ وَقَلْبُ إِسْنَادٍ لِمَتْنٍ قِسْمُ

                ففي الشطر الأول ذكر
                القسم الأول
                المعروف بمقلوب الإسناد، وذكر صورة من صوره، وهي إبدال راوٍ براوٍ آخر، وكان ممن يفعل ذلك قصد الإغراب على سبيل الكذب حماد بن عمرو النصيبي، وهو من المذكورين بالوضع"؛ الذهبي "ميزان الاعتدال"، ج 1، ص 598.

                مثاله:
                ما رواه حماد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا: ((إذا لقيتم المشركين، فلا تبدؤوهم بالسَّلام...))؛ فهذا الحديث مقلوب، قلبه حماد، فجعله عن الأعمش، وإنَّما هو معروف من رواية سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، كما أخرجه مسلم.

                القسم الثاني:
                مقلوب المتن، ومن صوره: قلبُ إسناد لمتن بأنْ يَجعلَ الراوي متنَ هذا الحديث على إسناد آخر، ويجعل إسناده لمتن آخر، ومن أمثلته قِصَّة البخاري مع أهل بغداد... (100حديث).

                حكمه:
                "القلب: أنْ يقعَ من الرَّاوي عمدًا أو خطأ، فإن كان خطأ، فالرِّواية ضعيفة؛ لاختلال الضبط، وهو من قبيل الضَّعيف شديد الضَّعف، وإن كان القلب عمدًا، فإن كان القصد به الإغراب، فإنَّه لا يجوز، ويقدح في عدالة الرَّاوي، ويكون الحديث حينئذ من الموضوع المختلق، ويطلق على راويه أنَّه سرق الحديث، وإن كان القصد بالقلب العمد؛ للاختبار، فيجوز، ولكن بشرط أن يبين فاعله الرِّواية الصحيحة من المقلوبة؛ حتَّى لا يُروى عنه الخطأ، والمشهور بهذا الأمر كثيرًا شُعبة بن الحجاج"؛ (ذكر ذلك ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح"، ج 2، ص 866.

                تعليق


                • #9
                  رد: المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية

                  الحديث الفرد

                  قال المصنف - رحمه الله:
                  وَالْفَرْدُ مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقَةِ أَوْ جَمْعٍ اوْ قَصْرٍ عَلَى رِوَايَةِ

                  لم يذكر المصنف تعريفًا له، وإنَّما أشار إلى قسم من أقسامه، وهو ما تفرد به راويه بأيِّ وجه من وجوه التفرد.

                  أقسامه:
                  ينقسم الحديث الفرد بحسب وجه التفرد قسمين:
                  الفرد المطلق:
                  وهو الذي يقع في أصل سنده، والمقصود بأصل السَّند الصَّحابي؛ إذ هو أوَّل مَن تلقَّى الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه سلم - فالإسناد بهذا الاعتبار أصله الذي نشأ منه هو الصحابي، فإذا تفرد الصحابي برواية الحديث عُدَّ فردًا مطلقًا، وأشهر مثال له حديث: ((إنَّما الأعمال بالنيات...))، فقد تَفَرَّد به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.

                  الفرد النسبي:
                  وهو ما وقع التفرُّد في أثناء إسناده (محمود الطحان، "تيسير مصطلح الحديث"، ص 29)، وله صور مختلفة، وقد أشار الناظم إلى هذا القسم، مع ذكر بعض صوره في قوله:
                  وَالْفَرْدُ مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقَةِ أَوْ جَمْعٍ اوْ قَصْرٍ عَلَى رِوايَةِ


                  فهنا ذكر النَّاظم ثلاثَ صور للفرد النسبي:
                  الأولى: تفرُّد ثقة برواية الحديث، وهذه الصُّورة ذكرها النَّاظم في الشطر الأول
                  مثال ذلك ما أخرجه مسلم من طريق ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِىَّ: مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ {ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1]، و{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1]؛ قال الحافظ العراقي معلِّقًا على الحديث: هذا الحديث لم يَرْوِه أحد من الثِّقات إلاَّ ضَمْرَة.

                  الثانية: تفرد أهل بلد بحديث لا يرويه غيرهم، وأشار النَّاظم إلى هذه الصُّورة في بداية الشَّطر الثاني بقوله: أو جَمْعٍ.

                  مثال ذلك: ما رواه مُسلم من حديث عبدالله بن زيد بن عاصم الأنصاري في صِفَة وضوء رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ومما جاء فيه: "ومسح برأسه بماء غير فضل يده"؛ قال أبو عبدالله الحكم، هذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر.

                  الثالثة: تفرد راوٍ مُعين عن راوٍ معين، وإن كان الحديثُ مرويًّا من وجوه أخرى عن غيره، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله: أوْ قَصْرٍ عَلَى رِوايَةِ.

                  مثال ذلك: ما رواه أبو داود من طريق سُفيان بن عيينة، عن وائل بن داود، عن ابنه بكر بن وائل، عن الزهري، عن أنس بن مالك: "أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أَوْلَمَ على صفية بسويق وتمر"، فهذا الحديث تفرَّد به سفيان عن وائل، وتفرد به وائل عن بكر.

                  التشابه بين الفرد والغريب:
                  الملاحظ أنَّ هناك تشابُهًا بين الفرد والغريب، الذي تقدَّم في النوع 17، والذي رجحه ابنُ حَجَر أنَّ الفرد والغريب مترادفان لغةً واصطلاحًا، إلاَّ أنَّ المحدثين أكثر ما يستعملون الفرد في الفرد المطلق، وأكثر ما يستعملون الغريب في الفرد النسبي.


                  الحديث المعلل

                  قال المصنف - رحمه الله:
                  وَمَا بِعِلَّةٍ غُمُوضٍ أَوْ خَفَا مُعَلَّلٌ عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا

                  فهو الحديث الذي فيه عِلَّة غامضة وخَفِيَّة تقدح في صِحَّته، مع أنَّ الظاهر السلامة من ذلك، والعِلَّة عبارة عن سبب غامض قادح، مع أنَّ الظاهر السلامة منه، ويتطرق إلى الإسناد الجامع شروط الصحة ظاهرًا، وتدرك بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له مع قرائن تنبه العارف على وهم بإرسال أو وقف، أو دخول حديث في حديث، أو غير ذلك؛ بحيثُ يغلب على ظَنِّه، فيحكم بعدم صحة الحديث، أو يتردَّد فيتوقف، والطريق إلى مَعرفته جمع طرق الحديث، والنَّظر في اختلاف رواته وضبطهم وإتقانهم، وكثرة التعليل بالإرسال بأنْ يكونَ راويه أقوى ممن وصل، وتقع العِلَّة في الإسناد خاصَّة، ويكون المتن معروفًا صحيحًا، كحديث يعلى بن عبيد الثَّوري عن عمرو بن دينار حديث: ((البيِّعانِ بالخيار))، وغلط يعلى، إنَّما هو عبدالله بن دينار.

                  وقد تُطلق العِلَّة على غير مُقتضاها الذي قدمناه، ككذب الرَّاوي وغفلته وسوء حفظه، ونحوها من أسباب ضعف الحديث.

                  حكمه:
                  الحديث المعلل من قبيل الضَّعيف، وسبب ضَعْفِه الوهم الخفي في ضبط الرَّاوي المقبول، ويُعدُّ من الضعيف شديد الضعف.
                  كتب في الباب: "علل الدارقطني"، وكتاب "العلل"، لابن المديني، وكتاب "العلل"، للخلال.



                  الحديث المضطرب

                  قال المصنف - رحمه الله:
                  وَذُو اخْتِلاَفِ سَنَدٍ أوْ مَتْنِ مُضْطَرَبٌ عِنْدَ أُهَيْلِ الفَنِّ
                  فعرفه الناظم بأنَّه عند المحدِّثين هو الذي وقع اختلافٌ في سنده أو متنه.
                  ولمزيد من البيان أقول: الحديثُ المضطرب هو الذي اختلفت رِواياته في سنده أو متنه، مع تساويها في المرتبة، فللحُكم على الحديث بالاضطراب لا بُدَّ من قيدين:
                  1 - اختلاف الرِّوايات وتعارُضها، بحيث يتعذر الجمع بينها.
                  2 - تساويها في القُوَّة، بحيث لا يترجح منها شيء.

                  مثال الاضطراب في الإسناد:
                  ما رواه ابن ماجه من طريق الليث بن أبي سليم، عن يحيى بن عباد أبي هبيرة الأنصاري، عن أبيه، عن زيد بن ثابت مرفوعًا: ((نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فبلَّغها، فرُبَّ حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)).

                  فالليث بن أبي سَلِيمٍ صدوق اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه فتُرِك؛ (ابن حجر، "التقريب"، ج 2، ص 138)، وقد اضطرب في رواية هذا الحديث، فأخرجه ابن عبدالبر؛ ("جامع بيان العلم وفضله"، ج 1، ص 177) من طريقه، فقال: عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت، وأخرجه الطبراني في الكبير من طريقه أيضًا، فقال: عن محمد بن وهب عن أبيه عن زيد.

                  فالاضطرابُ الحاصل لليث بن أبي سليم يتجلَّى في كونه رَوَى الحديث على ثلاثةِ أوجه مختلفة، عن يَحيى بن عبَّاد عن أبيه، عن محمد بن عجلان عن أبيه، عن محمد بن وهب عن أبيه.

                  ومن ثَمَّ، فالحديث من طريق الليث بن أبي سليم لا يصح.

                  مثال الاضطراب في المتن:
                  ما رواه أبو داود والتِّرمذي عن سمرة بن جندب عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أنَّه كان يسكت سكتتين إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءة كلِّها، واللفظ لأبي داود، هذا الحديث ضعَّفه الألباني - رحمه الله - بعِلَّتين: إحداهما: الاضطراب في متنه؛ حيث قال - بعد بيان العلة الأولى -: ثم للحديث علَّة أخرى، وهي الاضطراب في متنه، ففي هذه الرِّواية: أنَّ السكتةَ الثانية مَحلها بعد الفراغ من القراءة، وفي رواية ثانية: بعد الفراغ من قراءة الفاتحة، وفي أخرى: بعد الفراغ من الفاتحة وسورة عند الركوع؛ ("السلسلة الضعيفة"، مج 2، ص 25/26).

                  حكمه:
                  الضعف؛ لأنَّه مشعر باختلال الضبط.


                  الحديث المدرج

                  قال المصنف - رحمه الله:
                  وَالمُدْرَجَاتُ فِي الْحَدِيثِ مَا أَتَتْ مِنْ بَعْضِ أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ


                  فالمدرج عند المحدثين: ما ذكر ضمن الحديث متصلاً به من ألفاظ الرُّواة، وهو ليس منه.

                  وعرفه الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - بقوله: "الحديث المدرج: ما كانت فيه زيادة ليست منه، تلك الزيادة إمَّا أن تقع في الإسناد أو في المتن".

                  قال الحافظ الذهبي: "هي ألفاظ تقعُ من بعض الرواة، متصلةً بالمَتْن، لا يبِينُ للسامع إلا أنها من صُلْبِ الحديث، ويَدُلُّ دليلُ على أنَّها من لفظِ راوٍ، بأن يأتيَ الحديثُ من بعضِ الطرق بعبارةٍ تَفْصِلُ هذا من هذا.

                  أقسامه:
                  ينقسم المدرج قسمين:
                  1 - مدرج الإسناد، وله صور متعددة؛ ("النزهة"، ابن حجر، ص 90/91).
                  2 - مدرج المتن، وهو الذي ذكره الناظم، والإدراج في المتن تارَّة يكون في أَوَّله، وتارة في أثنائه، وتارة في آخره وهو الأكثر.

                  مثال الإدراج في المتن:
                  حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ أمَّتي يُدعون يوم القيامة غُرًّا مُحجَّلين من آثار الوضوء))، "فمن استطاع منكم أنْ يطيل غرته فليفعل"؛ قال الحافظ المنذري: وقد قيل: إنَّ قوله: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل"، إنَّما هو مدرج من كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - موقوف عليه، ذكره غير واحد من الحفاظ، وممن رجح ذلك ابن تيمية وابن القيم، وكذا الشيخ الألباني.

                  طرق معرفة الإدراج:
                  1- ورود القدر المدرج منفصلاً عن الحديث في رواية أخرى.
                  2- التنصيص على ذلك من الرَّاوي أو أحد العلماء المطلعين.
                  3- استحالة كون النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول ذلك.

                  ومن أمثلة ذلك:
                  ما رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((للعبد المملوك الصالح أجران))، "والذي نفسي بيده لولا الجهادُ في سبيل الله، والحج، وبر أمي، لأحببت أنْ أموتَ وأنا مملوك"، فقوله: "والذي نفسي بيده..." مدرج من كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - ويدل عليه من حيث المعنى قوله: "وبر أمي"، فإنَّه لم يكن من كلام النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حينئذ، ومن ثَمَّ لا يُمكن أن يكون هذا الكلام من كلامه - صلى الله عليه وسلم.

                  حكمه:
                  إذا كان الإدراج من أجل شرح غريب، جاز بشرط أنْ يبين الرَّاوي ذلك، وأمَّا إذا وقع من الراوي خطأ، فتعد روايته ضعيفة؛ لاختلالِ الضَّبط وضعفه شديد، وأمَّا تعمد ذلك، فحرام وفاعله ملحق بالكذَّابين.


                  الحديث المدبج
                  قال المصنف - رحمه الله:
                  وَمَا رَوَى كُلُّ قَرِينٍ عَنْ أخِهْ مُدَبَّجٌ فَاعْرِفْهُ حَقًّا وَانْتَخِهْ
                  أي: أنْ يَروي كلُّ واحدٍ من القرينين عن الآخر، والمقصود بالأقران عند المحدثين: المتقاربون في السن والإسناد؛ أي: الرواية.

                  مثاله:
                  ذكر إمامُ الاصطلاح أبو عمرو بن الصلاح أمثلةً للمدبج في طبقة الصَّحابة، والتابعين، وأتباع التابعين، وأتباع الأتباع، ففي الصحابة عائشة - رضي الله عنها - وأبو هريرة، وفي التابعين الزهري وعمر بن عبدالعزيز، وفي أتباع التابعين مالك والأوزاعي، وفي أتباع الأتباع أحمد وعلي بن المديني.
                  "... انْتَخِهْ: فافتخر حقًّا بمعرفته لأهميته".

                  تعليق


                  • #10
                    رد: المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية


                    الحديث المتفق والمفترق

                    قال المصنف - رحمه الله:
                    مُتَّفِقٌ لَفْظًا وخَطًّا مُتَّفِقْ وَضِدُّهُ فِيمَا ذَكَرْنَا المُفْتَرِقْ

                    فالمتفق هو أنْ تتفق أسماء الرواة وأسماء آبائهم فصاعدًا خطًّا ولفظًا، وتختلف أشخاصهم.

                    مثال فيمن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم:
                    حفص بن سليمان اثنان: الأول: الأسدي، أبو عمرو البزاز الكوفي القارئ، صاحب عاصم، وهو متروك الحديث مع إمامته في القراءة، والثاني: المنقري التميمي البصري، وهو ثقة وطبقتهما متقاربة.

                    إسماعيل بن مسلم اثنان، رويا عن الحسن البصري: الأول: إسماعيل بن مسلم العبدي، أبو محمد البصري القاضي وهو ثقة، والثاني: إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق البصري؛ "لكثرة مجاورته مكة لقِّب بالمكِّي"، وكان فقيهًا مفتيًا، وهو ضعيف الحديث.


                    الحديث المؤتلف والمختلف

                    قال المصنف - رحمه الله:
                    مُؤْتَلِفٌ مُتَّفِقُ الخَطِّ فَقَطْ وَضِدُّهُ مُخْتَلِفٌ فَاخْشَ الغَلَطْ


                    هو أنْ تتفق أسماء الرواة خطًّا، وتختلف نطقًا، سواء كان مرجع الاختلاف النقط أم الشكل.

                    مثاله من الأسماء:
                    جُعَيْل وجُعْتُل، فالأول: جعيل بن زياد الأشجعي، والصحابي جعيل بن سراقة الضَّمْري، والثاني: جعتل بن هاعان، وهو من صغار التابعين، صدوق فقيه.

                    ومن أمثلته في الأنساب:
                    البحراني والنَّجراني، فالأول: محمد بن معمر البحراني، صدوق (ت: 250هـ)، وعباس بن يزيد البحراني قاضي همدان، صدوق يُخطئ (ت: 258هـ).
                    والثاني: النَّجراني يَروي عن ابن عمر، روى عنه أبو إسحاق السبيعي، وهو مجهول.

                    فائدة معرفة هذا النوع:
                    أشار النَّاظم إلى ذلك منبهًا: فاخشَ الغلط؛ حيثُ معرفة هذا الفن تتجلى في تجنب الوقوع في الخطأ بتحريف أسماء الرُّواة؛ مما قد يترتب عنه الخطأ في الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف.


                    الحديث المنكر

                    قال المصنف - رحمه الله:
                    وَالمُنْكَرُ الفَرْدُ بِهِ رَاوٍ غَدَا تَعْدِيلُهُ لاَ يَحْمِلُ التَّفَرُّدَا


                    فالمنكر: هو الحديث الذي تفرَّد به راوٍ لم يبلغ مَرتبة من يقبل منه ما تفَرَّد به، وبعبارة أخرى: هو ما انفرد به راوٍ ضعيف، وهذا الاستعمال يوجد عند كثير من أهل الحديث، وهذا الراوي الضعيف ضعفه يعود لجهالة حاله، أو سوء حفظه، أو ما شابه ذلك من أسباب الضعف الخفيف، فمن كان كذلك إذا انفرد بالحديث عُدَّ منكرًا، وإذا توبع أخذ بالاعتبار بحديثه؛ "الاعتبارات والمتابعات"، أمَّا استعمال المتأخرين للمنكر، فهو مخالفة الضعيف لمن هو أولى منه.

                    مثاله:
                    ما أخرجه البيهقي من طريق جابر بن نوح، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله - عز وجل -: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، قال: "من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك".

                    فهذا الحديث تفرَّد به جابر بن نوح وهو ضعيف.

                    وما أخرجه أبو يعلى في مسنده، والطحاوي في "مشكل الآثار"، من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن أنس قال: مطرت السماء برَدًا، فقال أبو طلحة: ناولني من هذا البرد، فجعل يأكل وهو صائم، وذلك في رمضان، فقلت: أتأكل البرد وأنت صائم؟ فقال: إنَّما هو برد نزل من السماء نطهِّر به بطوننا، وإنَّه ليس بطعام ولا شراب، فأتيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبرته بذلك فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خُذها من عمِّك))؛ قال الألباني معلقًا: هذا سند ضعيف، وعلي بن زيد ضعيف، والثقات رووه عن أنس موقوفًا.

                    حكمه:
                    المنكر يعد من قبيل الضَّعيف، والضعف يعود إمَّا إلى ضبط أو عدالة الرَّاوي، وهذا ضعف شديد.


                    الحديث المتروك


                    قال المصنف - رحمه الله:
                    متْرُوكُهُ مَا وَاحِدٌ بِهِ انْفَرَدْ وَأجْمَعُوا لِضَعْفِهِ فَهْوَ كَرَدْ


                    فالمتروك - حسب الناظم - هو: ما انفرد به راوٍ أجمع العلماء على ضعفه، وعرفه ابن حجر قائلاً: الحديث المتروك ما انفرد بروايته راوٍ متهم بالكذب؛ ("النزهة"، ص 89)، وزاد السيوطي: ما ينفرد به مَن كَثُرَ غلطه، أو غفلته أو فسقه؛ ("التدريب"، السيوطي، ج 1، ص 241).

                    مثاله:
                    ما رواه الطبراني في "الأوسط" عن أنس بن مالك مرفوعًا: ((من كرامتي على ربِّي أنِّي ولدت مختونًا، ولم ير أحد سَوْءَتِي))؛ تفرد به سفيان بن محمد الفزاري المصيصي، وكان يسرق الحديث، ومن ثَمَّ فالحديث على أقل تقدير متروك.

                    وقد قال الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد - رحمه الله -: أحاديث ولادة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مختونًا ضعيفة لم يثبت منها شيء؛ (من كتاب التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث، ط 1، 1412هـ، ص 140).

                    وما أخرجه الطبراني في "الأوسط" عن أنس مرفوعًا: ((يأتي على الناس زمان هم ذئاب، فمن لم يكن ذئبًا أكلته الذئاب))؛ تفرد به زياد بن أبي زياد الجصاص، وهو مجمع على ضعفه، قال النسائي والدارقطني: متروك الحديث، ومن ثم فالحديث متروك، وحكم عليه الشيخ الألباني - رحمه الله - قائلاً: ضعيف جدًّا؛ أي: متروك.

                    حكمه:
                    من شر أنواع الحديث الضَّعيف، وقد سماه الحافظ الذهبي بالمطروح.


                    الحديث الموضوع

                    قال المصنف - رحمه الله:
                    وَالْكَذِبُ المُخْتَلَقُ المَصْنُوعُ عَلَى النَّبِي فَذَلِكَ المَوْضُوعُ


                    عرفه الناظم بقوله: الموضوع وهو المكذوب والمفترى على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا التعريف مطابق لتعريف إمام الاصطلاح أبي عمرو بن الصلاح، وعرَّفه الحافظ الذهبي في "الموقظة" قائلاً: "ما كان مَتْنُه مخالفًا للقواعد، وراويه كذَّابًا".

                    حكمه:
                    هو شرُّ أنواع الضعيف، وبعض العلماء يجعله قسمًا مستقلاًّ، وليس نوعًا من أنواع الضعيف؛ (تيسير مصطلح الحديث، محمد الطحان، ص 89).

                    حكم روايته:
                    أجمع العلماء على أنَّه لا تحلُّ رواية الموضوع في أيِّ مجال لمن علم أنَّه موضوع؛ إلاَّ لبيان وضعه؛ (ابن حجر في "النزهة"، ص 88)، وللحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن سمرة بن جندب، والمغيرة بن شعبة: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من حدَّث عني بحديث يرى أنَّه كذب، فهو أحد الكاذبين))، وبهذا يتبين وجوبُ التثبت قبل التحديث ووجوب التبين قبل الرواية.

                    دواعي الوضع:
                    - الزَّندقة والطعن في الإسلام.
                    - الترغيب في الخير من طرف بعض الجهلة الزهاد.
                    - التعصب المذهبي (السياسي، الفقهي...).
                    - التزلف .

                    ضوابط معرفة الموضوع:
                    وضع العُلماء ضوابط لمعرفة الوضع والكذب على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ضوابط في المروي، وضوابط في الرَّاوي، كتفرد الكذاب برواية الحديث، وكمخالفة متن الحديث للأحكام الشرعيَّة.

                    ومن الأمثلة الجامعة لهذين الضَّابطين: "كان يُمكِّن جبهته وأنفه من الأرض، ثُمَّ يقوم كأنه السهم لا يعتمد على يديه"؛ "رواه الطبراني في "الكبير" عن معاذ بن جبل، وفيه الخطيب بن جحدر وهوكذاب"؛ (الذهبي في الميزان، ج 1، ص 653)، هذا من حيث الإسنادُ، أمَّا من حيث المتن، فهو مُخالف لما ثَبَتَ عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الثانية، جلس واعتمد على الأرض ثم قام.


                    خاتمة

                    قال المصنف - رحمه الله:
                    وَقَدْ أتَتْ كَالجَوْهَرِ المَكْنُونِ سَمَّيْتُهَا مَنْظُومَةَ البَيْقُونِي
                    فوْقَ الثَّلاثِينَ بِأَربَعٍ أَتَتْ أَبْياتُهَا تَمَّتْ بِخَيْرٍ خُتِمَتْ



                    فمدح البيقوني - رحمه الله - عمله؛ حيث شبه منظومته بالجوهر المكنون؛ أي: المستور في صَدَفِه، وهذا ليس سمعة ولا رياء؛ ولكن من باب قوله - تعالى -: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]، ثم ذكر تسمية هذه الأرجوزة، فهي منظومة البيقوني نسبة لناظمها الذي لا يكاد يعرف عنه شيء سواها.

                    انتهى بحمد الله ومنته


                    قصة الفضل بن دكين ويحيى بن معين:
                    ذكر ابن عدي: أنَّ والدَ يحيى بن معين خلَّف له ثروة ضخمة: ألف ألف درهم، وخمسين ألف درهم، فأنفق ذلك كله على الحديث لما توسع في طلبه ورحلاته من أجله.

                    ومن لطائف أخبار رحلاته هذه الرِّحلة التي سافر فيها مع صديقه الإمام أحمد بن حنبل من العراق إلى اليمن للسَّماع من الإمام عبدالرزاق بن همام الصَّنعاني حافظ اليمن، وفي العودة أراد أن يدخل الكوفة؛ ليختبر الحافظ أبا نعيم الفضل بن دُكَيْن، ويَعرف حفظه وتيقظه ونباهته، وكان يرافقهما في هذه الرِّحلة أحمد بن منصور الرمادي الثِّقة.

                    وهذا نصه يروي قِصَّة هذا الاختبار:
                    قال أحمد بن منصور الرمادي: "خرجت مع أحمد ويحيى إلى عبدالرزاق أخدمهما، فلَمَّا عدنا إلى الكوفة، قال يحيى: أريد أن أختبر أبا نعيم، فقال له أحمد: لا تزيد الرَّجل إلا ثقة، فقال يحيى: لا بُدَّ لي، فأخذ ورقة وكتب فيها ثلاثين حديثًا من حديث أبي نعيم، وجعل على رأس كل عشرة منها حديثًا ليس من حديثه، ثم جاؤوا إلى أبي نعيم، فخرج، فجلس على دكان، فأخرج يحيى الطبق، فقرأ عليه عشرة، ثم قرأ الحادي عشر، فقال أبو نعيم: ليس من حديثي، اضرب عليه، ثم قرأ العشرة الثانية وأبو نعيم ساكت، فقرأ الحديث الثاني، فقال: ليس من حديثي، اضرب عليه، ثم قرأ العشرة الثالثة، وقرأ الحديث الثالث، فانقلبت عيناه، وأقبل على يحيى، فقال: أما هذا - وذراع أحمد في يده - فأَوْرَع من أنْ يعمل هذا، وأمَّا هذا - يريدني؛ أي: أحمد بن منصور - فأَقَلُّ من أن يعمل هذا، ولكن هذا مِن فِعْلك يا فاعل، ثم أخرج رجله فرفسه فرمى به، وقام فدخل داره، فقال أحمد ليحيى: ألم أقل لك: إنه ثَبْتٌ، قال: والله، لرفسته أحب إلَيَّ من سفرتي"؛ "الرحلة في طلب الحديث (168/1).



                    ــــــــــــــــــــ
                    [1] بدأ البيقوني - رحمه الله - بالحديث الصحيح؛ لتعلق أحكام الدِّين به، ولمكانته عند المحدِّثين والفقهاء، وقد صاغ - رحمه الله - الحد بعبارته الشخصية، وحفاظًا على الوجازة المرتبطة بتسلسل النظم، وإلا فالمشهور منَ الحدود عند المحدثين هو: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه، من غير شذوذ ولا علة، فهذا التعريف تضمَّن خمسة شروط: ثلاثة منها موجبة (يجب إثباتها) هي الاتصال، العدالة، والضبط، و اثنان منها سلبية، وهي: الشذوذ والعلة ينبغي نفيها.
                    [2] تعريف للإمام ابن شرف النووي في "التقريب والتيسير لمعرفة سُنن البشير النذير في أصول الحديث.

                    تعليق


                    • #11
                      رد: المجالس النورانية لحل ألفاظ البيقونية

                      عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                      ما شاء الله موضوع قيم
                      جزاكم الله خيرا وتقبل الله منكم
                      لي عودة مرة أخرى لقراءة كل نوع بتأني



                      ربِّ خذ من حياتي حتى ترضى، واجعل كل سكنة وكل حركة وكل لحظة طَرْفٍ فيك ولك!

                      تعليق


                      • #12
                        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                        جزاكم الله خيرًا ونفع بكم


                        تعليق

                        يعمل...
                        X