إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من أخطر المزالق تكفير المسلمين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من أخطر المزالق تكفير المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    (((من منشورات الشيخ محمد سعد الشرقاوي)))


    من أخطر المزالق تكفير المسلمين.

    اعلم رحمني الله وإياك : أن من ثبت إسلامه بيقين لا يجوز إن نزيله عنه إلا بيقين مثله

    واعلم أن من رمى مسلما بالكفر دون بينة كالشمس رجعت عليه كلمة الكفر حيث قال صلى الله عليه وسلم :"" أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ "" البخاري ومسلم

    يقول الإمام الغزالي صاحب الإحياء :"والذي ينبغي أن يميل المحصل إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلاً.

    فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم". الاقتصاد في الاعتقاد (ص135)

    ويقول الإمام الشوكاني :"اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار ". السيل الجرار (4/578)

    وحتى يصدق على المسلم اسم الكفر لابد من أمرين :

    الأول : أن يثبت شرعا بالإجماع أن هذا القول أو هذا الفعل من الأقوال والأفعال الكفرية باتفاق أهل العلم

    الثاني : أن تقام الحجة على هذا القائل أو هذا الفاعل بحيث ينتفي عنه الجهل وتنتفي عنه الشبهة

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" إِنَّ نُصُوصَ " الْوَعِيدِ " الَّتِي فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
    وَنُصُوصَ الْأَئِمَّةِ بِالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
    لَا يُسْتَلْزَمُ ثُبُوتُ مُوجَبِهَا فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ
    .مجموع الفتاوى (10/372)


    من أين يأتي الخلل ؟

    يأتي الخلل بأمرين :

    الأول : الحكم بالتكفير بأمر غير مكفر : أي اعتقاد من رمى غيره بالكفر أن هذا القول أو هذا الفعل من قبيل الكفر الأكبر وهو ليس كذلك ، أو يكون مما وقع فيه الخلاف السائغ بين العلماء هل هو من قبيل الكفر الأكبر أم لا

    الثاني : إطلاق القول بالكفر قبل قيام الحجة على القائل أو الفاعل

    فهناك موانع تمنع من لحوق مسمى الكفر على قائل الكفر أو فاعل الكفر ، ومن أشهر هذه الموانع

    الجهل --- التأويل --- الإكراه

    يتبع إن شاء الله.
    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 10-10-2017, 07:15 PM.

    وعجلت إليك ربِّ لترضى


  • #2
    اعلم أخي الكريم أن الأسماء الشرعية مثل ( المسلم - المؤمن - الكافر - المرتد - الفاسق ،..إلى آخره ) لا تتحقق في الإنسان إلا بشروط معينة وانتفاء موانع معينة

    وكل اسم من هذه الأسماء له أحكام خاصة به ، ولا تلحق به هذه الأحكام إلا بعد ثبوت الاسم عليه

    ومن اخطر هذه الأسماء مسمى ( الكافر المرتد ) لأنه يترتب عليه أحكام خطيرة أخطرها استحلال المال والدم

    وقلنا في المنشور السابق أن الخلل في هذه القضية وهو الحكم بالكفر والردة على بعض المسلمين يقع بأمرين :

    الأول : الحكم بالتكفير بأمر غير مكفر
    الثاني : الحكم على الشخص المعين بالكفر قبل استيفاء الشروط وانتفاء الموانع


    ونتكلم الآن عن أول مانع يمنع من لحوق اسم الكافر أو المرتد على مرتكب الكفر وهو :
    ((الجهل))



    إن الإنسان المسلم قد يقول قولا أو يفعل فعلا يكون من قبيل الكفر الأكبر بإجماع العلماء إلا أنه لكونه جاهلا فإنه لا يلحقه مسمى ( الكافر أو المرتد ) إلا بعد قيام الحجة الرسالية عليه

    قاعدة هامة جدا : هناك فرق بين إطلاق العلماء كلمة الكفر أو الردة على من فعل كذا أو قال كذا أو اعتقد كذا وبين أن يكون القائل أو الفاعل أو المعتقد كافرا مرتدا.

    هناك فرق كبير بين النوع والعين

    مثال :
    يقال : من استغاث بالحسين كفر ( مثل : يا حسين اشفني أو أغثني )
    وبين
    أن يقال :
    فلان بن فلان استغاث بالحسين فهذا لا يكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه وانتفاء الجهل.

    سؤال مهم جدا : هل العذر بالجهل يكون في قضايا التوحيد والشرك ؟

    الجواب : نعم إلا في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة بحيث يستوى فيها علم الناس جميعا فلا تخفى على أحد ، يستوي في علمها الدكتور مع العامي مع المرأة مع العامل مع الفلاح.

    مثال : الاستهزاء بالله وبرسوله وبالقرآن وسب الله وسب رسوله من المسائل التي لا يعذر فيها الإنسان بجهله

    هناك مسائل من مسائل العقيدة إنكارها كفر لكنها تخفى على كثير من الناس فيعذر فيها المسلم بجهله.

    ضابط مهم : المسائل المعلومة من الدين بالضرورة تختلف باختلاف الزمان والمكان ، فما يكون معلوما عند الناس في زمان معين قد يخفى على الناس في زمان آخر.

    والآن السؤال المهم جدا : ما الدليل على العذر بالجهل في مسائل التوحيد ؟

    الجواب : هناك أدلة كثيرة جدا منها :

    حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ:
    إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ الله : مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ . البخاري ومسلم


    الشاهد : قول الرجل :"لئن قدر علي ربي " ، وفي رواية :"لعلي أضل الله "
    هذا الرجل شك في قدرة الله تعالى وهذا لا شك كفر ومع ذلك غفر له


    قال الطحاوي – مشكل الآثار (2/36) قَوْلَهُ: " لَعَلِّي أُضِلُّ اللهَ "
    جَهْلًا مِنْهُ بِلَطِيفِ قُدْرَةِ اللهِ مَعَ إيمَانِهِ بِهِ جَلَّ وَعَزَّ
    فَجَعَلُوهُ بِخَشْيَتِهِ عُقُوبَتَهُ مُؤْمِنًا وَبِطَمَعِهِ أَنْ يُضِلَّهُ جَاهِلًا فَكَانَ الْغُفْرَانُ مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُ بِإِيمَانِهِ،
    وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِجَهْلِهِ الَّذِي لَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ إلَى الْكُفْرِ بِهِ تَعَالَى".


    وهناك أدلة أخرى كثيرة لكن حتى لا يطول المقام أنقل لكم كلام اهل العلم في العذر بالجهل.

    الإمام الشافعي قال :""لله أسماء وصفات لا يسع أحدا قامت عليه الحجة ردها، فإن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل" العرش للذهبي (203)

    الإمام البغوي قال (الإمام البغوي في شرح السنة (5/492): " الأمر في كل من أنكر شيئا مما اجتمعت عليه الأمة من أمور الدين إذا كان علمه منتشرا ، كالصلوات الخمس ، وصيام شهر رمضان ، والاغتسال من الجنابة ، وتحريم الزنا والخمر ، ونكاح ذوات المحارم في نحوها من الأحكام ، إلا أن يكون رجل حديث عهد بالإسلام ، ولا يعرف حدوده ، فإذا أنكر شيئا منها جهالة لم يكفر ، وكان سبيله سبيل أولئك القوم.

    فأما ما كان الإجماع فيه معلوما من طريق علم الخاصة ، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها ، وأن قاتل العمد لا يرث ، وأن للجدة السدس ، وما أشبه ذلك من الأحكام ، فإن من أنكرها لا يكفر ، بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة".

    الإمام ابو بكر بن العربي قال القاسمي :"قال القاضي أبو بكر ابن العربيّ في (شرحه) : مراده أن يبيّن أن الطاعات، كما تسمى إيمانا، كذلك المعاصي تسمى كفرا. لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد عليه الكفر المخرج عن الملة. فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة، ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركا أو كافرا، فإنه يعذر بالجهل والخطأ، حتى تتبين له الحجة، الذي يكفر تاركها، بيانا واضحا ما يلتبس على مثله. وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام مما أجمعوا عليه إجماعا جليّا قطعيا. يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل.محاسن التأويل (3/161).

    الإمام ابن حزم، ابن حزم الفصل (3/141) وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رجلا لم يعمل خيرا قط فلما حضره الموت قال لأهله إذا مت فأحرقوني ثم ذروا رمادي في يوم راح نصفه في البحر ونصفه في البر فوالله لئن قدر الله تعالى علي ليعذبني عذابا لم يعذبه أحدا من خلقه وأن الله عز جل جمع رماده فأحياه وسأله ما حملك على ذلك قال خوفك يا رب وأن الله تعالى غفر له لهذا القول قال أبو محمد فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز و جل يقدر على جمع رماده وإحيائه وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله".

    شيخ الإسلام ابن تيمية قال :"و لهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية و النفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم أنا لو وافقتكم كنت كافرا لأني أعلم أن قولكم كفر و أنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال وكان هذا خطابا لعلمائهم و قضاتهم و شيوخهم وأمرائهم و أصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح و المعقول الصريح الموافق له". الرد على البكري (2/494)

    تأمل : لم يكفر علمائهم القائلين بالكفر لأنهم عنده جهال.

    الشيخ محمد بن عبد الوهاب قال الشيخ ابن عبد الوهاب :" وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم، الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل؟: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [سورة النور آية: 16] .
    بل نكفر تلك الانواع الأربعة " الدرر السنية (1/66)

    تأمل هنا : لا يكفر من يعبد الصنم الذي على قبر البدوي لأجل جهلهم

    أخي الكريم : بعد هذا إني سائلك

    من يحكم على الجيوش العربية بالكفر والردة هكذا جملة واحدة هل يَعذر بالجهل!
    من يأمر أتباعه بقتل العاملين في الجيش والشرطة هكذا قبل إقامة الحجة هل يَعذر بالجهل!
    من يفجر نفسه في قوات الطوارئ هل يَعذر بالجهل!


    أخي الذي يريد الحق :
    إن هذا البيان وما سيتلوه من باب بيان الحق والإبراء إلى الله
    إن كنت ممن أصابك الإحباط ممن حولك فلا يدفعنك ذلك لتكفير مسلك ثبت إسلامه بيقين ثم استحلال دمه

    قال صلى الله عليه وسلم :" لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما"

    اللهم إنا نعوذ بك من أن نضل أو نضل ... اللهم آمين.

    تم النقل بتصرف دون إخلال.
    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 10-10-2017, 07:17 PM.

    وعجلت إليك ربِّ لترضى

    تعليق


    • #3

      التأويل ( الشبهة ) مانع من تكفير المسلم بضوابط.


      تكلمت فيما سبق عن أول مانع من موانع تكفير المسلم المتلبس بأمر كفري وهو الجهل وبينت كيف أن أهل السنة يعذرون بالجهل في قضايا العقيدة مع التفصيل السابق

      هذا المنشور يتكلم فيه عن مانع آخر وهو الشبهة أو التأويل

      بداية : ما معنى الشبهة والتأويل ؟

      المقصود من ذلك : أن مسلما يقع في أمر كفري إلا أنه وقعت له شبهة جعلته يعتقد أن هذا القول أو هذا الفعل أو هذا المعتقد ليس من قبيل الكفر ، وهذا له حالتان :

      الأولى : أن يعارضك أصلا في كون ذلك الشيء من قبيل الكفر لأن عنده شبهة تعارض حكمك هذا وقد تكون هذه الشبهة لأنه فهم الدليل خطأ مثلا.

      الثانية : أن يتفق معك على أن هذا القول أو الفعل أو الاعتقاد كفر إلا أنه يعتقد أن الصورة التي فعلها ليست من جنس ما تقول.

      ثانيا : هل العذر بالشبهة والتأويل عام في قضايا الاعتقاد ؟

      الجواب : كما قلنا في العذر بالجهل نقول هنا : أن المسائل المعلومة من الدين بالضرورة بحيث يعلم الجميع حرمتها فلا يعذر فيها بادعاء الشبهة لمن جحد حرمتها إلا من كان حديث عهد بإسلام
      وكذلك كل ما يصح أن يقال قد قامت بذلك الحجة على كل أحد فلا يعذر فيها الإنسان بادعاء الشبهة والتأويل

      تنبيه مهم جدا : انتفاء العذر هنا في إنكار الأصول أما في بعض الصور الخفية فيعذر فيها الإنسان.

      مثال :
      حرمة الزنى : من جحد حرمة الزنى وهو يعيش مع المسلمين فهو كافر
      لكن :
      من زنى بجارية امرأته ثم سئل فقال أنا أملكها كم أملك زوجتي فهو هنا لم ينكر حرمة الزنى وإنما أنكر أن يكون ما فعله من قبيل الزنى فهنا يعذر بالشبهة

      قال ابن الوزير اليماني في إيثار الحق على الخلق (ص376) "لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع، وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله.

      قال ابن قدامة في المغني (9/11) وَمَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ شَيْءٍ أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَظَهَرَ حُكْمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَزَالَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالزِّنَى، وَأَشْبَاهِ هَذَا، مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، كُفِّرَ.

      ثالثا : هل أهل السنة يعذرون بالشبهة والتأويل ؟

      الجواب : نعم بشرط الضابط السابق وإليك الدليل وأقوال أهل العلم :

      حدث في خلافة عمر رضي الله عنه أن الصحابي البدري الجليل قدامة بن مظعون شرب الخمر معتقدا أنها حلال .. وهذا يسمى استحلال ، واستحلال شرب الخمر كفر بلا شك
      ولكن : ماذا فعل عمر والصحابة ؟ هل كفروا قدامة بن مظعون ؟
      الجواب : أمر عمر بأن يأتوا له بقدامة بن مظعون ، ثم سأله عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟
      فَقَالَ قدامة : لَأَنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ، فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: 93]، وَأَنَا مِنْهُمْ أَيْ مِنَ الْمُهَاجِرِينِ الْأَوَّلِينَ، وَمِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَهْلِ أُحُدٍ

      هنا : وقعت شبهة لقدامة أن من شرب الخمر وكان من أهل الإيمان فليس عليه حرج ، وهو من أهل بدر

      فماذا فعل الصحابة ؟
      الجواب : أقاموا عليه الحد ولم يكفروه لاستحلاله لأن عنده شبهة
      و إليك أقوال أهل العلم في هذه الحادثة :

      ابن قدامة : قال في المغني (9/11) : "وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ شَرِبَ الْخَمْرَ مُسْتَحِلًّا لَهَا، فَأَقَامَ عُمَرُ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَلَمْ يُكَفِّرْهُ. وَكَذَلِكَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ، شَرِبُوا الْخَمْرَ بِالشَّامِ مُسْتَحِلِّينَ لَهَا، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَة. فَلَمْ يُكَفَّرُوا، وَعُرِّفُوا تَحْرِيمَهَا، فَتَابُوا، وَأُقِيمَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ. فَيُخَرَّجُ فِيمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ مِثْلُ حُكْمِهِمْ. وَكَذَلِكَ كُلُّ جَاهِلٍ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلَهُ، لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى يُعَرَّفَ ذَلِكَ، وَتَزُولَ عَنْهُ الشُّبْهَةُ، وَيَسْتَحِلَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

      شيخ الإسلام ابن تيمية : قال :" لَمْ يَحْكُمْ الصَّحَابَةُ بِكُفْرِ قدامة بْنِ مَظْعُونٍ. وَأَصْحَابِهِ لَمَّا غَلِطُوا فِيمَا غَلِطُوا فِيهِ مِنْ التَّأْوِيلِ ".مجموع الفتاوى (7/610)

      ابن الوزير اليماني :قال في العواصم والقواصم (4/174) وقد شرب الخمر مُستحلاً متأولاً قُدامة بن مظعون الصحابي البدري فجلده عمر، ولم يقتله ويجعل ذلك رِدّةً، وأقرت الصحابة عمر على ذلك ، وكان شبهته في ذلك قوله تعالى بعد آية الخمر في المائدة: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناحٌ فيما طَعِمُوا} [المائدة: 93] فدلَّ على أنَّ الشُّبهة قد تدخلُ في بعض الضروريات.

      فتقرر من ذلك أن قيام الشبهة مانع من لحوق مسمى الكفر ، وهذه أقوال أهل العلم ممن يعذر بالشبهة

      ابن أبي عاصم :
      قال ابن أبي عاصم في السنة (1559):"والقرآن كلام الله تبارك وتعالى تكلم الله به ليس بمخلوق ومن قال مخلوق ممن قامت عليه الحجة فكافر بالله العظيم ومن قال من قبل أن تقوم عليه الحجة فلا شيء عليه".

      الإمام الشافعي :
      قال الشافعي في الأم (6/222) (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : ذَهَبَ النَّاسُ مِنْ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ أَوْ مَنْ ذَهَبَ مِنْهُمْ إلَى أُمُورٍ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَتَبَايَنُوا فِيهَا تَبَايُنًا شَدِيدًا وَاسْتَحَلَّ فِيهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَا تَطُولُ حِكَايَتُهُ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مُتَقَادِمًا مِنْهُ مَا كَانَ فِي عَهْدِ السَّلَفِ وَبَعْدِهِمْ إلَى الْيَوْمِ فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُقْتَدَى بِهِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِتَأْوِيلٍ وَإِنْ خَطَّأَهُ وَضَلَّلَهُ وَرَآهُ اسْتَحَلَّ فِيهِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ وَلَا رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِشَيْءٍ مِنْ التَّأْوِيلِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ بَلَغَ فِيهِ اسْتِحْلَالَ الدَّمِ وَالْمَالِ أَوْ الْمُفَرِّطِ مِنْ الْقَوْلِ وَذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا الدِّمَاءَ أَعْظَمَ مَا يُعْصَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَا بَعْدَ الشِّرْكِ وَوَجَدْنَا مُتَأَوِّلِينَ يَسْتَحِلُّونَهَا بِوُجُوهٍ وَقَدْ رَغَّبَ لَهُمْ نُظَرَاؤُهُمْ عَنْهَا وَخَالَفُوهُمْ فِيهَا وَلَمْ يَرُدُّوا شَهَادَتَهُمْ بِمَا رَأَوْا مِنْ خِلَافِهِمْ فَكُلُّ مُسْتَحِلٍّ بِتَأْوِيلٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَشَهَادَتُهُ مَاضِيَةٌ لَا تُرَدُّ مِنْ خَطَأٍ فِي تَأْوِيلِهِ.

      الإمام البخاري
      حيث أنه روى حديث :" من قال لأخيه يا كافر فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه " ثم قال بعدها ( بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَوْ جَاهِلًا)

      الإمام ابن حزم
      قال ابن حزم في الفصل (3/139) " وَكَذَلِكَ من قَالَ أَن ربه جسم فَإِنَّهُ إِن كَانَ جَاهِلا أَو متأولا فَهُوَ مَعْذُور لَا شَيْء عَلَيْهِ وَيجب تَعْلِيمه فَإِذا قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة من الْقُرْآن وَالسّنَن فَخَالف مَا فيهمَا عناداً فَهُوَ كَافِر يحكم عَلَيْهِ بِحكم الْمُرْتَد ".

      الإمام أبو حامد الغزالي
      قال أبو حامد الغزالي: "ولم يثبت لنا أن الخطأ في التأويل موجب للتكفير، فلا بد من دليل عليه، وثبت أن العصمة مستفادة من قول: لا إله إلا الله قطعاً، فلا يدفع ذلك إلا بقاطع. وهذا القدر كاف في التنبيه على أن إسراف من بالغ في التكفير ليس عن برهان"الاقتصاد في الاعتقاد (223)

      الإمام ابن عبد البر المالكي
      قال ابن عبد البر في التمهيد (17/21) :"ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين ثم أذنب ذنبا أو تأول تأويلا فاختلفوا بعد في خروجه من الإسلام لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب حجة ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر أو سنة ثابتة لا معارض لها. وقد اتفق أهل السنة والجماعة وهم أهل الفقه والأثر على أن أحدا لا يخرجه ذنبه وإن عظم من الإسلام وخالفهم أهل البدع فالواجب في النظر أن لا يكفر إلا من اتفق الجميع على تكفيره أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أو سنة

      شيخ الإسلام ابن تيمية
      قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/231):" وَالتَّكْفِيرُ هُوَ مِنْ الْوَعِيدِ. فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ تَكْذِيبًا لِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةِ بَعِيدَةٍ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكْفُرُ بِجَحْدِ مَا يَجْحَدُهُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ. وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَا يَسْمَعُ تِلْكَ النُّصُوصَ أَوْ سَمِعَهَا وَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ عَارَضَهَا عِنْدَهُ مُعَارِضٌ آخَرُ أَوْجَبَ تَأْوِيلَهَا، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا".

      ولذا يذكر القاضي أبو بكر ابن العربي حكمة الاستتابة لمن وقع في الردة
      يقول القاضي ابن العربي في في المسالك (6/354) :"وهو أنّه يُستّأنّى به لَعَلَّهُ قد ارتدّ بشُبهَةٍ فتُبَيَّنُ له".

      الخلاصة :
      أن المتأول ومن عنده شبهة إما لدليل فهمه خطأ أو نزله على غير محله أو لأجل قول قاله عالم فوقع في أمر كفري فإنه لا يكفر حتى تقام عليه الحجة الرسالية إلا أن يكون ادعائه الشبهة في الأمور الواضحة المعلومة من الدين بالضرورة وقد قامت بها الحجة على أمثاله

      هذا والله أعلم ... أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
      التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 10-10-2017, 07:18 PM.

      وعجلت إليك ربِّ لترضى

      تعليق


      • #4
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيراً وبارك الله فيكم
        اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

        تعليق


        • #5
          وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
          جزاكم الله خيرًا، ونفع بكم

          تعليق


          • #6
            وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيرًا
            [CENTER][B][URL="https://forums.way2allah.com/forum/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85/%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8/4455003-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%8A"][COLOR=#FF0000][SIZE=36px][FONT=times new roman]مشروع تحفيظ القرآن الكريم للشباب بشبكة الطريق إلى الله[/FONT][/SIZE][/COLOR][/URL][/B][/CENTER]
            [CENTER][B][URL="https://forums.way2allah.com/forum/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85/%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8/4455003-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%8A"][COLOR=#0000CD][SIZE=36px][FONT=times new roman](القرآن حياتي)[/FONT][/SIZE][/COLOR][/URL][/B][/CENTER]

            تعليق


            • #7
              اللهم آمين وإياكم

              وعجلت إليك ربِّ لترضى

              تعليق


              • #8
                جزاكم الله خيرا موضوع طيب نفع الله بكم اختنا

                تعليق


                • #9
                  جزكم الله خيرا اختنا موضوع طيب

                  تعليق

                  يعمل...
                  X