إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

~ تفريغ خطبة :: الذين آمنوا أشدُّ حُبًّا لله :: للدكتور/ أحمد عبد المنعم ~ // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ~ تفريغ خطبة :: الذين آمنوا أشدُّ حُبًّا لله :: للدكتور/ أحمد عبد المنعم ~ // مفهرس


    الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولد.
    "الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ" الأنعام:١.
    "الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ" الكهف:١.
    الحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله مِلء كل شيء، والحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله على ما أحصى كتابه.
    وأصلي وأسلم على سيد الخلق أجمعين، محمدٍ -صلَّى الله عليه وسلم-، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح للأمة،
    فما ترك خيرًا إلا ودلَّنا عليه، وما ترك شرًّا إلا وحذرنا منه،
    فصلاةً وسلامًا دائمين من رب العالمين على أشرف المرسلين محمد -صلَّى الله عليه وسلم-.
    "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" آل عمران:١٠٢. أما بعد أحبتي في الله:


    غاية خلق الله لبني آدم
    من رحمة الله -عز وجل- بعباده أنه لم يتركهم سُدى، ولكن بفضله وكرمه ورحمته أنزل إليهم الكتب وأرسل إليهم الرسل؛ ليكونوا على بينةٍ من أمرهم؛
    كي لا يكون للناس على الله حجة بعد مجيء الرسل، وبعد نزول الكتب "لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ" الأنفال:٤٢.

    قال ربنا -سبحانه وتعالى-: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" الذاريات:٥٦، خلقنا الله -عز وجل- لغاية، وقامت السماوات والأرض لهذه الغاية.
    قال ربنا -سبحانه وتعالى- لملائكته: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ" البقرة:٣٠.
    يارب لو أن الغرض من خلقهم هو التسبيح فنحن نُسَبِّح بحمدك ونُقَدِّس لك
    "يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ" الأنبياء:٢٠، وكأن في تسبيحهم عونًا لهم على عدم فتورهم "يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ".
    يارب "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ" لو أن الغرض من خَلْقِهم هو التسبيح فنحن نسبح،
    وسيكون منهم مَن يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، والمَلك -سبحانه وتعالى- يعلم ذلك وعَلَّمَهم ذلك، أيًّا كانت الطريقة.
    فقالت الملائكة: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ".

    قال الله -سبحانه وتعالى- لملائكته: "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" البقرة:٣٠.
    لم يَقُل الله -عز وجل- لهم: لا، لن يكون منهم مَن يسفك الدماء، ويقتل، ويسرق، لم يخبرهم بذلك،
    ولكن قال الله -عز وجل-: "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ".


    أيْ من معاني هذه الآية أعلم أنه سيكون منهم مَن يطيعني، ويعبدني، ويضحي من أجلي بدمه وماله وبأحب الأشياء إليه؛
    طمعًا في ما عندي، ورهبةً من عقابي وعذابي.

    أعلم بالرغم من وجود الدماء التي تُسْفَك، والأموال التي تُنْهَب، والشهوات المنتشرة، والأهواء التي انتشرت في كل مكان،
    بالرغم من كل هذا سيكون هناك أناسٌ يقبضون على دينهم كالقابض على الجمر، ولأجل ذلك خلقتهم.


    "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ"
    هؤلاء الذين يطيعونني بالرغم من كل هذه الظروف هؤلاء هم عِلَّة الخَلْق يُسَبِّحون الله -عز وجل-، يحمدونه، يقيمون طاعته في الأرض.
    "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"
    مَن يقيم مراد الله في الأرض بالرغم من شهواته وأهوائه
    "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ".
    هؤلاء صفوة الخلق يباهي الله بهم الملائكة في مواطن الطاعات،
    يقول الله لملائكته انظروا إلى خَلْقي كنتم تقولون عنهم يسفكون الدماء، هؤلاء جاؤوني يطلبون رضاي،
    هؤلاء صفوة الخلق، يباهي الله بهم الملائكة.

    اللهم اجعلنا منهم.


    وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ
    يقول الله -عز وجل- في كتابه الكريم: "وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ" البقرة:١٦٣.
    ثم قال الله عز وجل -وكأنه يُبين لنا الذي يشُكّ في هذه الحقيقة "وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ"-:
    "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ" البقرة:١٦٤،
    آيات منتشرة في الكون، في هذه الآيات ذكرى وعبرة وآيات لقومٍ يعقلون.


    ثم يقول الله -عز وجل- بعد ذلك: "وَمِنَ النَّاسِ" وكأنها وبعد كل هذه الآيات وكل هذا الوضوح "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا" البقرة:١٦٥،
    يبحثون عن قديرٍ غيره
    "فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ" الصافات:٨٧، لماذا تبحثون عن غيره؟ يَتَّخِذُ ويتكلَّف أن يبحث عن ندٍّ من دون الله ولن يَجِد.
    "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ" تخيل فيه ناس بتحب هذا مَن تَصَوَّرَه ندًّا لله، تَصَوَّرَه وهو فقير "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ" فاطر:١٥.
    الكل فقيرٌ إلى الله "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ" البقرة:١٦٥. أيْ كالحب الذي ينبغي لله، أو كحب المؤمنين لله.


    لكن يقول الله -عز وجل-: "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ". هذا ما نريد أن نتكلم عليه:

    "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ".
    انظر إلى تضحية المُضَحِّين لأجل دنياهم، انظر إلى تضحية العاشقين، انظر إلى تضحية الناس في دنياهم،
    واعلم أن هناك مَن بذل أغلى من ذلك لأجل الله.


    "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ"
    هناك أناسٌ بذلوا لمولاهم، وقفوا حتى تَفَطَّرت أقدامهم بين يدي الله، سالت الدماء منهم؛ طلبًا لرضى الله،
    قَدَّموا أموالهم؛ طلبًا لرضى الله -عز وجل-.


    "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ"
    مهما رأيت من حُبٍّ في الدنيا ومن بَذْلٍ وتضحيةٍ فاعلم أن هناك أقوامًا يبذلون أغلى وأعلى من ذلك لوجه الله سبحانه وتعالى.


    قلوب أهل الإيمان لو اطَّلعنا عليها لبُهِرْنا، تحتوي على مشاعر ومعاني وشوقٍ وحبٍّ لا يعلمه إلا الله، أسرارٌ بينهم وبين ربهم -سبحانه وتعالى-.
    "فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ" السجدة:١٧، كما أخفوا هذه الأشياء أخفى الله عز وجل لهم جزاءهم.


    قلوب أهل الإيمان لو اطَّلعنا عليها لبُهِرْنا؛ تحتوي على مشاعر وحب وشوق وتضحية وخوف وإنابة وتوَكُّل
    "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ".


    أهل الإيمان لهم علاقات خاصة بينهم وبين ربهم،
    قال ربنا -سبحانه وتعالى عنهم-: "تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ" السجدة:١٦. فيه جفوة بينهم وبين حالة الاضّجاع التام،
    تتجافى فعل مضارع متكرر، وكأنما يُلْسَعون لَسْعًا كما ورد عن بعض السلف.
    "تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا" السجدة:١٦،
    "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا" ليه؟ "يَحْذَرُ الْآخِرَةَ" هذا الهم حينما يسيطر على الإنسان "يَحْذَرُ الْآخِرَةَ" وكأنه هيسقط فيها
    "يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ" يعلم أنه لا مَنْجى له في الآخرة إلا بطلب رحمته،
    "يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ" الزمر:٩. أيْ هذه الحقائق عن الآخرة "وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ".
    هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ عظمة الآخرة ورحمة ربهم بالذين لا يعلمون هذه الأشياء ولا يفكرون فيها؟!

    ​​​​​​​
    وقفات مع علاقة الأنبياء بالله
    قال ربنا -سبحانه وتعالى- يعلمنا، يخبر نبينا -صلَّى الله عليه وسلم- ويعلمنا الله -عز وجل- في كتابه سيرة أنبيائه،
    وكيف كانوا يقطعون كل شيء يحيل بينهم وبين ربهم،
    قال ربنا -سبحانه وتعالى- في سورة ص: "اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ" ص:١٧،
    النبي -صلَّى الله عليه وسلم- في سورة ص، سورة ص فيه حركة لأهل الكفر لنشر الباطل،
    بيوصّوا بعض "امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ" ص:٦، أهل الباطل يتحركون لنشر الباطل في الأرض في سورة ص.

    النبي -صلَّى الله عليه وسلم- يتأذّى من ذلك، يـتأذّى من سماع كلماتٍ يُشرَك فيها بالله، ومن أعمالٍ يُعصى فيها الله،
    يـتأذى النبي -صلَّى الله عليه وسلم- من ذلك وهو رحيمٌ بالخلق"وأنا آخُذُ بحُجَزِكم عن النَّار. وأنتم تُفِلتونَ مِن يدي" صحيح مسلم،
    شوف المجهود النبوي -صلَّى الله عليه وسلم- ليه؟ لإبعاد الناس عن النار، الناس وكأنها تَدْفع هذه اليد الرحيمة التي امتدت إليهم "وأنتم تُفِلتونَ مِن يدي".
    فالنبي -صلَّى الله عليه وسلم- يتأذّى من ذلك، فيقول الله -عز وجل- له: "اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ".


    وما هو غذاء صبري في هذه الأوقات؟
    "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ" ماذا كان يفعل داود؟ هل كان يُكْثِرُ من الجهاد؟
    "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ" ص:١٧،١٨. نَقْلَة عجيبة،
    واقع كله حركة وإيذاء وشرك وباطل ينتشر، ويقول الله -عز وجل- له لابد لك من غذاء في هذه الأوقات،
    غذاء التسبيح مع الملك -سبحانه وتعالى-.


    ثم قَصَّ الله -عز وجل- علينا في السورة من قصة داود -عليه السلام-، ثم سليمان، ثم أيوب، ثم ذكر مجمل الأنبياء
    "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ" ص:٤٥،
    في كل موقف مع سيدنا داود ومع سيدنا سليمان ومع سيدنا أيوب -عليهم السلام- يقول الله -عز وجل- لماذا اصطفاهم الله، لماذا قال عنهم نِعم العبد؟
    حققوا العبودية "إِنَّهُ أَوَّابٌ".


    قال الله -عز وجل-، ملمح واحد مع كل نبي منهم؛ مع سيدنا داود يقول الله -عز وجل-:
    "وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ" ص:٢٤،
    خُد بالك من كلمة "وَظَنَّ دَاوُودُ" طبعًا الظَّنْ يأتي في القرآن أحيانًا بمعنى اليقين، لكن له حكمة
    "وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ" هذا الظَّن أن تشعر أن فتنة جاءت بينك وبين ربك، أن فجوة حدثت في علاقتك بينك وبين ربك، ماذا تفعل؟
    شوف ربنا بيقول سيدنا داوود حصل له إيه،
    "وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ" بمجرد هذا الظن "فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ" سقط، خَرّ، لم تَحْمِلْه قواه، خَرَّ من السماء، لم تَعُد هناك قوة تحمله،
    "فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ" سبأ:١٤، كان مُتَّكِئًا على منسأته،
    فلما خر، سقط، مفيش قوة بتحمله، العصا اللي كانت بتحمله سقطت، الإيمان الذي كان يحمله "خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ" الحج:٣١،
    ابتعد فسقط. فيقول الله -عز وجل- عن داود:
    بمجرد أن ظن أنه وقع في فتنة واحدة بسيطة لم تستطع قواه أن تحمله، لم تستطع هذه الجوارح أن تتحرك "وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ"
    وعاد إلى مولاه.


    كيف يعيش المؤمن وبينه وبين ربه فجوة؟
    لا يستطيع المؤمن أن يتصور أن يعيش بعيدًا عن مولاه، لا يستطيع أن يتحرك في الدنيا بغير معيته.

    ​​​​​​​
    حلم المؤمن يحلم ويتمنى هذا المقام الذي قال الله -عز وجل- عنه:
    "كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها" صحيح البخاري،
    هذه أمنية المؤمن أن يعيش هكذا، فكيف يتصور المؤمن أن يعيش في الدنيا وهو في فتنةٍ تُبْعِده عن الله!


    فبمجرد أن ظن داود أنما فتناه خرَّت قواه.
    لم يقل الله -عز وجل-: فاستغفر ربه وركع وأناب، لا، قال: "فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا" ثم عاد إلى مولاه، وله زُلفى عند مولاه؛ فقَبِله الله -عز وجل-.


    وأيضًا مع سليمان كأنها تذكرة للنبي -صلَّى الله عليه وسلم- لا تجعل شيئًا يشغلك عن مولاك، فالله كافيك ولكن لا تنشغل أنت عن مولاك؛
    مع سليمان -عليه السلام- "إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ" ص:٣١، الخَيْل عُرِضَت على سيدنا سليمان فانشغل بالنَّظَر إلى الصافنات الجياد،
    الخيل هذه الخيل الجميلة انشغل بالنظر إليها عن التسبيح،
    هذا هو التسبيح الذي أمر الله -عز وجل- النبي -صلَّى الله عليه وسلم- في أول السورة أن يقتدي بداود فيه، "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ" ص:١٧.
    فقال الله -عز وجل- ما عُرِض على سيلمان عُرِض عليه بالعشي وقت التسبيح في أذكار المساء "بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ"،
    وانشغل بالخيل حتى توارت الشمس بالحجاب، حتى غربت أو غابت عنه الخيل..

    فقال سليمان -عليه السلام-:
    "إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ" ص:٣٢،٣٣.
    هذه الصرخة التي أطلقها سليمان "رُدُّوهَا عَلَيَّ" وكأنه لا يجعل شيئًا يَحُوْل بينه وبين ربه مهما كان غاليًا "رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ"
    على قَوْلٍ من أقوال أهل العلم طفق مسحًا: أيْ قطع أعناقها وأقدامها التي شغلته عن طاعة الله،
    انظر إلى هذه الكلمة "رُدُّوهَا عَلَيَّ" يصرخ بها قلب المؤمن في كل فتنة حالت بينه وبين الله، ينادي عليها ليقطعها "رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ".
    لذلك -أحبتي في الله-
    هؤلاء لم يتركوا شيئًا يحول بينهم وبين الله، هذه قلوب اشتاقت لمولاها فتحركت القلوب فتَبِعَت الجوارحُ.


    قال ربنا -سبحانه وتعالى- في نفس السورة أيضًا عن أيوب الذي لم يشغله البلاء،
    المُلك لم يَشْغَل داود وسليمان عن الطاعة،والبلاء لم يشغل أيوب -عليه السلام- عن الطاعة.
    قال ربنا -سبحانه وتعالى-:
    "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ" ص:٤١،
    ثماني عشرة سنة في الابتلاء، مَكَث أيوب في بلائه ثمانية عشر عامًا، تخيل ١٨ سنة في الابتلاء، ويقول: "أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ".

    قال الله له: -شوف كَشْف البلاء سهل عند ربنا أوي- "ارْكُضْ بِرِجْلِكَ" ممكن يكون الحل تحت رجلك
    "هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ" ص:٤٢:٤٤.
    حتى القَسَم شوف كلمة "وَلَا تَحْنَثْ" حتى ما ترجعش في حلفانك،
    شوف لما ربنا يُنَزل بيكشف البلاء، شوف الرحمات واللطف "وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ".


    ليه يارب كل ده، والعطاءات دي؟ النتيجة بتاعت البلاء. هذه النتيجة التي تنزل بعد كل بلاء، وقد تختلف من شخصٍ لشخص.
    شوف نتيجة سيدنا أيوب "إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ" ص:٤٤.
    الإمام القشيري يقول في هذه الآية: "دخل البلاءَ بإيمانٍ وخرج بنفس الإيمان، لم يُغَيِّره البلاء".
    تخيل واحد لما يبقى مفتوح عليه وفي رخاء في الدنيا وفي حالة إيمانية وبيحمد الله ويشكر الله،
    نفس الحمد والرضا موجود في أيام البلاء، نفس الثناء نفس مستوى الثناء هو هو موجود في أيام البلاء،
    فَقَد كل شيء وتركه كل الناس إلا زوجته واثنان من أصحابه، ويثني على الله ويستمر في الطاعة والثناء،
    ويقول الله عنه وتكفيه هذه، الله عز وجل بيقول: "وَجَدْنَاهُ صَابِرًا".


    ما حالنا بعد البلاء؟
    هل نتسرع ونسيء الظن بالله أم أننا نُسْرِع ونقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؟
    سبحانك يا رب أُنَزِّهك عن كل نَقْص، أفعالك كلها حكمة ورحمة، أفعال الله -عز وجل- تكتنفها الحكمة والرحمة، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
    فقال الله -عز وجل- عن أيوب: "إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ" هذه قلوب تَعَلَّقَت بمولاها.
    "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ". لا تعيقهم العوائق ولا تَحدّهم الحدود في انطلاقهم إلى مولاهم.

    ​​​​​​​
    قلوبُ أهلِ الإيمانِ رحيمةٌ بالنَّاسِ مُشْفِقَةٌ عليهم
    أيضًا هذه القلوب -قلوب أهل الإيمان- كما أنها تحمل الشوق والحب والإنابة لمولاها أيضًا تحمل الرحمة والخير والشفقة للناس، تخاف على الناس.
    لذلك في وصف الخليل عليه السلام إبراهيم أنه أواه، أوَّاه: كثير التَّأَوُّه، وكأن هناك مشاعر تحدث للإنسان يُعَبّر عنها بالتأوه فقط،
    من شدة هذه المشاعر لا يستطيع المرء أن يصفها فيتأوَّه، تألُّم وتحسُّر داخل الإنسان،
    لا يستطيع أن يُخْرِجه في صيغة جُمَلٍ وكلمات فيتأوَّه، يُصْدِر هذه الآهات، يـتأوَّه.


    هذا الوصف "أَوَّاه" ذُكِر عن الخليل في موضعين من القرآن: في سورة التوبة، وفي سورة هود،
    وفي الموضعين كان يخاف على الناس، على قوم لوط.

    "فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ" هود:٧٤، لما نزلت الملائكة لإبراهيم جاءه الفزع، ليه؟
    عارف إن نزول ملائكة معناه نزول عذاب، خايف على الناس.
    فلما بشَّروه أنهم نزلوا للبشرى وليس لنزول العذاب عليه وعلى قومه "فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ" ما هو حاله؟
    الجملة الجاية بقى هتوصفلنا حال إبراهيم، انشغل بالبشرى وفرح بالولد الذي جاءه بعد طول انتظار وعلى كِبَر سنه؟ أبدًا.
    "فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ" مشغول، خايف على الناس، عرف أن العذاب مش هينزل على قومه هينزل على قوم لوط.
    "يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ" هود:٧٤،٧٥. يتأوَّه؛ حسرةً وخوفًا على الناس، حليمٌ عليهم، يخاف من نزول العذاب عليهم.


    كما وصف النبي -صلَّى الله عليه وسلم- حاله مع الناس
    "إنَّما مَثلي ومثَلُ النَّاسِ كمثلِ رجلٍ استوقد نارًا، فلمَّا أضاءت ما حوله جعل الفَراشُ وهذه الدَّوابُ الَّتي تقعُ في النَّارِ يقعن فيها،
    فجعل ينزعُهنَّ ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذٌ بحَجُزِكم عن النَّارِ، وأنتم تُقحَمون فيها"
    صحيح البخاري.
    "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" التوبة:١٢٨.


    قلوبُ أهلِ الإيمان تُشْفِقُ على الخَلْق، تُحِبُّ لهم الخير، تتأوَّه لأحوالهم، تتأثر بهم.

    لذلك في قصة الرجل -والحديث في صحيح مسلم- في قصة الرجل الذي كان بيزرع الأرض وبيُقَسِّم حصاد الأرض وخَراج الأرض إلى ثلاث أثلاث؛
    ثُلث يعيده في الأرض، وثلث يُخْرِجه للفقراء، وثلث يأخذه لأولاده، فكان فيه رجل مَرَّ في الصحراء فسَمِع صوتًا في سحابة: "اسقِ حديقة فلان".
    فتتبَّع السحابة -الحديث طويل-، تتبع السحابة وجد السحابة أفرغت الماء في حَرَّة، الحَرَّة مجموعة صخور،
    هذه الحَرَّة بيخرج منها شِرَاج زي مجرى للمَايَّة كده، سار الماء في هذه الشِّرَاج حتى وصل إلى أرض ذلك الرجل،
    هذا الفلاح البسيط الذي كان يُخْرِج المال للفقراء أو حصاد الأرض للفقراء، الراجل راح له قال له: أنا سمعت صوت في السحابة اسقِ حديقة فلان، ما اسمك؟
    فقال له اسمي الذي ذُكر في السحاب، أعطاه الله -عز وجل- سَخَّر له السحاب والماء والصخور والشِّراج حتى يصل الماء إليه.

    يقول أحد بعض أهل العلم في التعليق على هذا الحديث، لماذا قدَّر الله -عز وجل- له كل ذلك؟ يقول:
    "لأنه عامل أولاد الفقراء كأولاده".
    يقول الدكتور محمد أبو موسى في شرح لصحيح مسلم يقول: "لأنه عامل أولاد الفقراء كأولاده"
    أولاده بياخدوا الثلث يبقى أولاد الفقراء ياخدوا الثلث، وثلث يرجع الأرض عشان أولاده وأولاد الفقراء ياكلوا تاني.

    ​​​​​​​
    شوف لما بيعامل الناس "لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه.." وأخيه ده اللي هو كُلّ المسلمين، مش أخيه اللي هو صاحبه أو معاه أو عارفه
    "يحب لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه" صحيح البخاري ومسلم.
    وأيضًا يتألم كما يتألم لنفسه يتألم لأخيه، كما أنه يحب لأخيه فيتألم لأخيه "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ".


    هكذا تكون قلوب أهل الإيمان تمتلئ شوقًا وإنابةً وإقبالًا على الله، وأيضًا شفقةً ورحمةً وحُبًّا للخَلْق،
    تخاف على الناس من نزول العذاب فيبادرون بالدعوة إليهم وكأنهم يُسابقون العذاب، "إني نذيرٌ لكم بينَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ" صحيح البخاري.
    النبي -صلَّى الله عليه وسلم- أيضًا في وصف آخر -والحديث في البخاري ومسلم-: "إنِّي أنا النَّذيرُ العريانُ"
    بيصف نفسه بالنذير العريان الذي لم ينتظر حتى يصل إلى قومه فنزع اللباس وأشار قبل أن يصل، يُحَذر الناس من مجيء الجيش.
    شوف شدة الحِرْص، مش مستَنِّي لمَّا يوصل.

    هكذا حِرْص أهل الإيمان على الناس، لابد أن يكون هذا الحرص في قلوبنا لبعضنا البعض "لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه".
    أسأل الله -عز وجل- أن يملأ قلوبنا بالإيمان وبالشَّوْق وبالتَّوَكُّل عليه وبالشَّفَقَة على الخَلْق.

    ​​​​​​​
    تضحيات أهل الإيمان لأجل الله لا تضاهيها تضحيات
    أحبتي في الله: أُكَرِّر، يقول ربنا -سبحانه وتعالى-: "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ".
    فمهما رأيت من تضحيةٍ، ومن بذلٍ، ومن مجهودٍ، ومن شَوْقٍ لأهل الدنيا
    فاعلم أن هناك أُناسًا اختَصَّهم الله -عز وجل- واصطفاهم، يحبون الله -عز وجل- ويبذلون أكثر من هؤلاء "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ".

    مشاهد تضحية الصحابة، والإنسان بيشاهد هذا ضحى بماله كله،
    وهذا يتمنى أن يلقى في المعركة مَن يبقر بطنه ويجدع أنفه ويقطع أذنه ليلقى الله -عز وجل- بهذه الدماء التي سالت منه ليقول لمولاه: فيك يارب.
    شوف لما اللي بيروح لحد بيحبه بيأتي له بأغلى وأعز ما يملك، ولله المثل الأعلى، تشوف واحد تعبان وبيلف ومتبهدل تقول له: إيه اللي عمل فيك كده؟
    يقول لك: أنا عامل كده عشانك، أنا من الصبح كده عشانك.
    ولله المثل الأعلى، ما الذي فعل فيك هكذا؟ لماذا بُقِرَت بطنك وجُدِع أنفك وقُطِعت أذنك وسال الدم منك؟
    فيك يارب.

    قلوب أهل الإيمان ينبهر الناس لو قُدِّر لهم واطَّلعوا عليها، بينهم علاقات خاصة؛
    مشهد "تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا" حاجة كده خاصة بينهم وبين ربنا.
    لذلك لما أخفوا هذا العمل قال الله -عز وجل-: "فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ".

    ​​​​​​​
    ثلاثة شعارات نخرج بها من سورة ص
    تعالوا إلى هذه الشعارات الثلاثة نخرج بها من سورة ص:
    -الأول: "فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ" ص:٢٤.
    لما ظن داود أنما فتناه "وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ"
    حينما تشعر بتغَيُّر وبُعْد بينك وبين ربك لابد أن تتوقف، توقَّف، تعالَ إلى المسجد، ادعُ، قُم الليل، لابد أن يحدث تغيُّر في حياتك؛ لإعادة هذه العلاقة.
    ولله المثل الأعلى لو ليك واحد صاحبك وأصحاب وأحباب مع بعض فترة وبعدين حصل مشكلة فأنت لم تُبَالِ،
    ما قعدتش تفكر إيه سبب المشكلة وتتحل إزاي، أنت لم تبالِ، صاحبك في هذه اللحظات يوقن أنك لا تعتبره ولا تبالي به.
    ولله المثل الأعلى،
    حينما تشعر بتغير في علاقتك مع ربك لابد أن تتغير حياتك لإعادة هذه العلاقة.


    يعني شوف مشهد سيدنا داوود وفي المحراب ودخل عليه الاثنين وبيقضي بينهم ثم توقف كل هذا "وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ".
    ثم أكمل حياته "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ" ص:٢٦.
    لكن خَرَّ رَاكِعًا وَأَنَاب، لم تتحمل جوارحه أن تحمله "وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ".


    -المشهد الثاني: "رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ" ص:٣٣.

    -المشهد الثالث: "إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ" ص:٤٤.
    كم من بلاءٍ مَرَّ علينا خرجنا منه متغيرين ومُغَيرين ومُبَدّلين، نسأل الله الثبات، والثبات من عند الله "وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا" الإسراء:٧٤،
    ولولا أن ثَبَّتناك، شكرًا لهذه النعمة وحِرْصًا على تحصيلها "أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا *
    وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا"
    الإسراء:٧٨،٧٩.
    شكرًا لهذه النعمة وحرصًا على تحصيلها "وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ" الإسراء:٧٤.
    "إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا" ص:٤٤.

    ​​​​​​​
    كيف نُحَصِّل هذه المقامات الثلاث؟
    هذه المقامات الثلاثة يقول الله -عز وجل- بعدها كيف نُحَصِّلها،
    يقول الله -عز وجل-: "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ"، الأمر مش متوقف على سيدنا داود وسليمان وأيوب، أبدًا،
    "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي" الطاعة "وَالْأَبْصَارِ" البصيرة والعلم "أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ" ص:٤٥،٤٦.
    في هذه الآية أكثر من معنى، منها:

    "إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم" أيْ إنا اصطفيناهم بسبب خصلَةٍ تمكنت منهم وهي كثرة تذكرهم للدار الآخرة.
    "إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم" أيْ اصطفيناهم "بِخَالِصَةٍ" أيْ بصفٍة خالصةٍ تمكنت منهم وهي "ذِكْرَى الدَّارِ" كثرة تذكرهم للدار الآخرة،
    ولا دار غيرها على الحقيقة، فحينما تُذْكَر الدار فلا دار غيرها، ولا يبقى غيرها.

    لذلك لما قال الله -عز وجل- عن قارون الذي فرح بداره، فقال الله -عز وجل-: "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ" القصص:٨١.
    قال الله -عز وجل-: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ" أيْ ليست الدار الباقية هي دار قارون، فلقد خسفناها،
    فقال بعدها: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا" القصص:٨٣،
    فلما خسف بدار قارون ذكَّر بالدَّار الباقية، وقال: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ".

    فقال الله -عز وجل-: "إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم" أي إنَّا اصطفيناهم، لماذا يارب؟ الباء باء السبب، بِخَالِصَةٍ أيْ بسبب صفةٍ خالصةٍ فيهم، ما هي يارب؟ كثرة تذكرهم للدار الآخرة،
    لا ينسى الدار الآخرة أبدًا، هي الدار الحقيقية.

    "وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ" النمل:٣، لا يوقنون بشيءٍ يقينهم بالدار الآخرة، اليقين الوحيد عنده الدار الآخرة،
    يتعامل مع الدنيا فانية سراب، فاليقين متمركز ومنحصر في الدار الآخرة.
    أحد معاني تقديم بالآخرة على يوقنون "وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ" تخيل عكس الناس، الناس توقن باللي شايفاه بعيد عن الآخرة هؤلاء بالآخرة يوقنون،
    يقينهم منحصر وتفكيرهم متمركز في الدار الآخرة.

    هكذا اصطفاهم الله -عز وجل-، أو أن الله -عز وجل- مَنَّ عليهم بذلك، الله -عز وجل- مَنَّ عليهم بكثرة تذكّرهم الدار الآخرة.

    إذًا شوف الجمع بين القولين: اصطفاهم الله -عز وجل- بنعمةٍ أنعمها عليهم فكانت هذه النعمة سببًا لترقيهم في علاقتهم بالله،
    فالله -عز وجل- هو الذي يعطي -سبحانه وتعالى-، وهو الذي يتفضل -سبحانه وتعالى- أولًا وآخرًا، هو الأول والآخر -سبحانه وتعالى-.


    "إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ" كثرة تذكرنا للدار الآخرة تجعل الإنسان يُحَقِّر عقبات كانت بينه وبين ربه يراها عظيمة،
    كثرة تذكر الدار الآخرة يجعل الإنسان يحقر كثيرًا من المشاكل فصلت بينه وبين الناس ويعلم أنها لا تساوي شيء يوم القيامة.


    "وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا" الفرقان:٦٣. يعلم أنها تزول.

    يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
    "تقيءُ الأرضُ أفلاذَ كبدِها. أمثالَ الأسطوانِ من الذهبِ والفضةِ.." الأرض بتطَلَّع الكنوز والخيرات من الذهب والفضة، قال:
    ".. فيجيء القاتلُ فيقول: في هذا قُتِلتُ. ويجيء القاطعُ فيقول: في هذا قَطعتُ رحِمي. ويجيءُ السارقُ فيقول: في هذا قُطعَتْ يدي. ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا" صحيح مسلم.
    إيه اللي يخلي الناس تعمل مشاكل مع بعض؟

    هكذا كثرة تذَكُّر الدار الآخرة تجعل كثيرًا من العقبات الوهمية تنكسر وتظهر على حقيقتها،
    وتجعل الإنسان يقتحم هذه العقبات
    "فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ" البلد:١١. وينطلق في طريقه إلى ربه.


    هذا الدافع والوازع حينما يسيطر على قلب الإنسان يتجه مباشرةً بتلقائية إلى الدار الآخرة
    "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا" ما الذي أقامه من فراشه؟ "يَحْذَرُ الْآخِرَةَ" خايف "يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ" الزمر:٩.
    "تَتَجَافَىٰ" هذه الجفوة التي حدثت بينهم وبين مضاجعهم "تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا" السجدة:١٦.


    كثرة تذكر الدار الآخرة يُهَوِّن على الإنسان البلاء،
    هي أيام بسيطة، إيه يعني البلاء طال، إيه اللي حصل، إيه يعني مرض ولا بلاء! أيام بسيطة وغدًا نلقى الأحبة محمدًا وصَحْبه -صلَّى الله عليه وسلم-.
    هكذا يُصَبّر الإنسان حينما تنزل المصيبة
    "إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" البقرة:١٥٦، فنرى جزاء صبرنا،
    إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فنرى حكمته ورحمته بنا،
    إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أحد الأسباب اللي تُصبّرك على أي بلاء أنك راجعٌ إليه -سبحانه وتعالى- فتطمئن أنه يعاملك بحكمة ورحمة،
    وأنه يجزيك على ذلك، على صبرك وعلى رضاك، الصابرون يوم القيامة تخيل لما واحد يُوَفَّى أجره بغير حساب، تَذَكُّر الدار الآخرة يُهَوِّن الأشياء.


    أحيانًا تلاقي واحد عنده مشكلة شايفها كبيرة جدًّا وحاسس إنه في بلاء ضخم
    بمجرد ما يتذكر الدار الآخرة ويتمنى رؤية وجه الملك -سبحانه وتعالى- ويشتاق ويدعو ويتمنى صُحْبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة
    ويتذكَّر هذه المشاهد تَهون هذه المشاكل وتَصْغُر، تكتشف أنها كانت وَهْم من الشيطان، تهاويل من الشيطان، يعلم أنها لا شيء.

    ​​​​​​​
    إذًا كثرة تذَكُّر الدار الآخرة يجعل الإنسان يسير إلى الله بقلبٍ مطمئن،
    يجعله منيب، يجعله يتأوَّه من أجل الناس، يخاف عليهم من الآخرة، لا ينشغل بهذه الدنيا.

    ​​​​​​​
    دعاء الخاتمة
    أسأل الله -عز وجل- أن نكون من الذَّاكرين له كثيرًا، أسأل الله -عز وجل- أن نُكْثر من ذِكْر الدار الآخرة وأن يملأ قلوبنا بتَذَكُّرها،
    اللهم اجعلنا من القانتين، اللهم اجعلنا من الذاكرين، اللهم اجعلنا من الطائعين، اللهم أعِنَّا على ذِكْرك وشُكْرك وحُسْن عبادتك،
    اللهم اجعلنا من الصابرين الراضين، اللهم إنا نسألك العافية يارب العالمين، اللهم إنا نسألك اليقين والعافية، اللهم هَوّن علينا مصائب الدنيا يا رب العالمين،
    اللهم اقذف في قلوبنا يقينًا تُهَوِّن به علينا مصائب الدنيا، اللهم إنا نسألك لَذَّة النَّظَر إلى وجهك والشَّوْق إلى لقائك في غير ضَرَّاء مُضِرَّة ولا فِتْنَةٍ مُضِلَّة،
    اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم يا مقلب القلوب ثَبِّت قلوبنا على الحق حتى نلقاك، اللهم ثبت قلوبنا عل طاعتك،
    اللهم ثبتنا على فعل كل ما تحب وترضى يا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن،
    اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    ​​​​​​​
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
    سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


    تفريغ: فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
    جزاهم الله خيرًا وبارك فيهم وتقبل منهم

    ​​​​​​​
    للاستماع إلى الدرس بجودات مختلفة من هنا:
    الذين آمنوا أشدُّ حُبًّا لله​​​​​​​

    ​​​​​​​
    لتحميل التفريغ من هنا:
    ملف تفريغ

    ​​​​​​​
    للمزيد من تفريغات الفريق تفضلوا هنا:
    إنجازات فريق التفريغ

    ​​​​​​​
    كما يسعدنا انضمامكم لفريق التفريغ والمساهمة في هذا الخير:
    فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا


    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  • #2
    درس قيم و معاني قيمة،
    جزاكم الله خيرا
    اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.

    الداعية مهمته الأساسية أن يربح نفسه أولا.. ويحسن إلى نفسه أولا
    بقية المقال هنا

    تعليق


    • #3
      جزاكم الله خيراً
      اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

      تعليق


      • #4
        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا ونفع بكم

        تعليق

        يعمل...
        X