إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحلة الروح المؤمنة من أول ما تخرج إلى استقرارها فى الجنة كلام مبهر للعلامة إبن القيم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رحلة الروح المؤمنة من أول ما تخرج إلى استقرارها فى الجنة كلام مبهر للعلامة إبن القيم

    منقول مما راق لى
    قال الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن القيم فى كتابه الروح

    الفرق بين فرح القلب وفرح النفس ظاهر فإن الفرح بالله ومعرفته ومحبته وكلامه من القلب قال تعالى: {
    وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ}الرعد:36، فإذا كان أهل الكتاب يفرحون بالوحي فأولياء الله وأتباع رسوله أحق بالفرح به وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }التوبة:124، وقال تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}يونس:58، قال أبو سعيد الخدري فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله وقال هلال بن يساف فضل الله ورحمته الإسلام الذي هداكم إليه والقرآن الذي علمكم هو خير من الذهب والفضة الذي تجمعون وقال ابن عباس والحسن وقتادة وجمهور المفسرين فضل الله الإسلام ورحمته القرآن فهذا فرح القلب وهو من الإيمان ويثاب عليه العبد فإن فرحه به يدل على رضاه به بل هو فوق الرضا فالفرح بذلك على قدر محبته فإن الفرح إنما يكون بالظفر بالمحبوب وعلى قدر محبته يفرح بحصوله له
    فالفرح
    بالله وأسمائه وصفاته ورسوله وسنته وكلامه محض الإيمان وصفوته ولبه وله عبودية عجيبة وأثر القلب لا يعبر عنه فابتهاج القلب وسروره وفرحه بالله وأسمائه وصفاته وكلامه ورسوله ولقائه أفضل ما يعطاه بل هو جل عطاياه والفرح في الآخرة بالله ولقائه بحسب الفرح به ومحبته في الدنيا فالفرح بالوصول إلى المحبوب يكون على حسب قوة المحبة وضعفها فهذا شأن فرح القلب وله فرح آخر وهو فرحه بما من الله به عليه علمه من معاملته والإخلاص له والتوكل عليه والثقة به وخوفه ورجائه به وكلما تمكن في ذلك قوى فرحه وابتهاجه وله فرحة أخرى عظيمة الوقع عجيبة الشأن وهي الفرحة التي تحصل له بالتوبة فإن لها فرحة عجيبة لا نسبة لفرحة المعصية إليها البتة فلو علم المعاصي إن لذة التوبة وفرحتها يزيد على لذة المعصية وفرحتها أضعافا مضاعفة لبادر إليها أعظم من مبادرته إلى لذة المعصية.
    وسر هذا الفرح إنما يعلمه من علم سر فرح الرب تعالى بتوبة عبده أشد فرح يقدر ولقد ضرب له رسول مثلا ليس في أنواع الفرح في الدنيا أعظم منه وهو فرح رجل قد خرج براحته التي عليها طعامه وشرابه في سفر ففقدها في أرض دوية مهلكة فاجتهد في طلبها فلم يجدها فيئس منه فجلس ينتظر الموت حتى إذا طلع البدر رأي في ضوئه راحلته وقد تعلق زمامها بشجر فقال من شدة فرحه اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح فالله أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته.
    فلا ينكر أن يحصل للتائب نصيب وافر من الفرح بالتوبة ولكن هاهنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أن لا يصل إلى ذلك إلا بعد ترحات! ومضض ومحن لا تثبت لها الجبال فإن صبر لها ظفر بلذة الفرح وإن ضعف عن حملها ولم يصبر لها لم يظفر بشيء وآخر أمره فوات ما آثره من فرحة المعصية ولذتها فيفوته الأمران ويحصل على ضد اللذة من الألم المركب من وجود المؤذي وفوت المحبوب
    {
    فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ }غافر:12.

    فصل
    وهاهنا فرحة أعظم من هذا كله وهي فرحته عند مفارقته الدنيا إلى الله إذا أرسل إليه الملائكة فبشروه بلقائه وقال له ملك الموت أخرجي أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب أبشري بروح وريحان ورب غير غضبان اخرجي راضية مرضيا عنك

    "
    يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) "الفجر
    فلو لم يكن بين يدي التائب إلا هذه الفرحة وحدها لكان العقل يأمر بآيثارها فكيف ومن بعدها أنواع من الفرح منها الملائكة الذين بين السماء والأرض على روحه ومنه فتح أبوب السماء لها وصلاة ملائكة السماء عليها وتشييع مقربيها لها إلى السماء الثانية فتفتح ويصلي عليها أهلها وشيعها مقربوها هكذا إلى السماء السابعة فكيف يقدر فرحها استؤذن لها على ربها ووليها وحبيبها فوقفت بين يديه وأذن لها بالسجود فسجدت ثم سمعته سبحانه يقول اكتبوا كتابه في غلبين ثم يذهب به فيرى الجنة ومقعده فيها وما أعد الله له ويلقي أصحابه وأهله فيستبشرون به ويفرحون به ويفرح بهم فرح الغائب يقدم على أهله فيجدهم على أحسن حال ويقدم عليهم بخير ما قدم به مسافر هذا كله قبل الفرج الأكبر يوم حشر الأجساد بجلوسه في ظل العرش وشربه من الحوض وأخذه كتابه بيمينه وثقل ميزانه وبياض وجهه وإعطائه النور التام والناس في الظلمة وقطعه جسر جهنم بلا تعويق وانتهائه إلى باب الجنة وقد أزلفت له في لموقف وتلقي خزنتها له بالترحيب والسلام والبشارة وقدومه على منازله وقصوره وأزواجه وسراريه.
    وبعد ذلك فرح آخر لا يقدر قدره ولا يعبر عنه تتلاشى هذه الأفراح كلها عنده وإنما يكون هذا لأهل السنة المصدقين برؤية وجه ربهم تبارك وتعالى من فوقهم وسلامه عليهم وتكليمه إياهم ومحاضرته لهم.


    وليست هذه الفرحات إلا ** لذى الترحات في دار الرزايا
    فشمر ما استطعت الساق واجهد ** لعلك أن تفوز بذي العطايا
    وصم عن لذة حشيت بلاء ** الذات خلصن من البلايا
    ودع أمنية إن لم تنلها ** تعذب أو تنل كانت منايا
    ولا تستبط وعدا من رسول ** أتى بالحق من رب البرايا
    فهذا الوعد أدنى من نعيم ** مضى بالأمس لو وفقت رايا

    يليه

    شرح ِحديث تجلى الله تعالى للمؤمنين فى عرصات القيامة
    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 13-07-2018, 09:46 PM. سبب آخر: تشكيل الآيات
    تابع كل جديد يوميا على صفحة رفعنا على ارشيف هنا
    https://archive.org/details/@rabieaa...B5%D8%AD%D9%81

  • #2
    1. ِحديث تجلى الله تعالى للمؤمنين فى عرصات القيامة
      قال العلامة ابن القيم فى كتابه مدارج السالكين
      فتأمل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .

      وقد سئل عن الورود فقال : ( نجيء نحن يوم القيامة " على تل " فوق الناس قال : فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا تبارك وتعالى بعد ذلك فيقول : من تنتظرون ؟ فيقولون ننتظر ربنا . فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : حتى ننظر إليك ، فيتجلى لهم يضحك ، قال : فينطلق بهم ويتبعونه ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله تعالى ثم يطفأ نور المنافقين ثم ينجو المؤمنون فينجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون فى حديث أخر صحيح قال هم الذين لا يسترقون ولا يكتون ولا يتطيرون (يتشائمون) وعلى ربهم يتوكلون، ثم الذين يلونهم كأضواء نجم في السماء ، ثم كذلك ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء . وذكر باقي الحديث .

      ثم قال...
      قال تعالى (
      وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا )الإسراء:72 ، ( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى . . ) مريم:76

      ومن كان مستوحشا مع الله بمعصيته إياه في هذه الدار فوحشته معه في البرزخ يوم المعاد أعظم وأشد ، ومن قرت عينه به في " هذه الحياة " الدنيا قرت عينه به يوم القيامة وعند الموت ويوم البعث فيموت العبد على ما عاش عليه ، ويبعث على ما مات عليه ، ويعود عليه عمله بعينه فينعم به ظاهرا وباطنا . فيورثه من الفرح والسرور واللذة والبهجة " وقرة العين " والنعيم وقوة القلب واستبشاره وحياته وانشراحه واغتباطه ما هو من أفضل النعيم وأجله وأطيبه وألذه ، وهل النعيم إلا طيب النفس وفرح القلب وسروره وانشراحه واستبشاره ، هذا وينشأ له من أعماله ما تشتهيه نفسه وتلذه عينه من سائر المشتهيات التي تشتهيها الأنفس وتلذها الأعين ويكون تنوع تلك المشتهيات وكمالها وبلوغها مرتبة الحسن والموافقة بحسب كمال عمله ومتابعته فيه وإخلاصه وبلوغه مرتبة الإحسان فيه ، وبحسب تنوعه ، فمن تنوعت أعماله المرضية لله المحبوبة له في هذه الدار تنوعت الأقسام التي يتلذذ بها في تلك الدار وتكثرت له بحسب تكثر أعماله هنا وكان مزيده من تنوعها والابتهاج بها والالتذاذ بنيلها هناك على حسب مزيده من الأعمال وتنوعه فيها في هذه الدار وقد جعل الله سبحانه لكل عمل من الأعمال المحبوبة له والمسخوطة أثرا وجزاء ولذة وألما يخصه لا يشبه أثر الآخر وجزاءه . ولهذا تنوعت لذات أهل الجنة وآلام أهل النار ، وتنوع ما فيهما من الطيبات والعقوبات فليست لذة من ضرب في كل مرضاة الله بسهم وأخذ منها بنصيب كلذة من أنمى سهمه ونصيبه في نوع واحد منها ولا ألم من ضرب في كل مسخوط لله بنصيب وعقوبته كألم من ضرب بسهم واحد في مساخطه .

      وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن كمال ما يستمتع به من الطيبات في الآخرة بحسب كمال ما قابله من الأعمال في الدنيا ( . . . . فرأى قنوا من حشف معلقا في المسجد للصدقة فقال إن صاحب هذا يأكل الحشف يوم القيامة ] فأخبر أن جزاءه يكون من جنس عمله فيجزى على تلك الصدقة بحشف من جنسها .

      وهذا الباب يفتح لك أبوابا عظيمة من فهم المعاد وتفاوت الناس في أحواله وما يجري فيه من الأمور المتنوعة ، فمنها : خفة حمل العبد على ظهره وثقله إذا قام من قبره فإنه بحسب خفة وزره وثقله ، إن خف خف وإن ثقل ثقل .

      ومنها : استظلاله بظل العرش أو ضحاؤه للحر والشمس إن كان له من الأعمال الصالحة الخالصة والإيمان ما يظله في هذه الدار من حر الشرك والمعاصي والظلم استظل هناك في ظل أعماله تحت عرش الرحمن . وإن كان ضاحيا هنا للمناهي والمخالفات والبدع والفجور ضحى هناك للحر الشديد .

      ومنها : طول وقوفه في الموقف ومشقته عليه وتهوينه " عليه " إن طال وقوفه في الصلاة ليلا ونهارا لله ، وتحمل لأجله المشاق في مرضاته وطاعته خف عليه " الوقوف في ذلك اليوم وسهل عليه وإن آثر الراحة " هنا والدعة البطالة والنعمة طال عليه الوقوف هناك واشتدت مشقته عليه .

      وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله : (
      إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) الإنسان، فمن سبح الله ليلا طويلا لم يكن ذلك اليوم ثقيلا عليه بل كان أخف شيء عليه .

      ومنها : أن ثقل ميزانه هناك بحسب تحمله ثقل الحق في هذه الدار لا بحسب مجرد كثرة الأعمال ، وإنما يثقل الميزان باتباع الحق والصبر عليه وبذله إذا سئل ، وأخذه إذا بذل كما قال الصديق في وصيته لعمر : ( واعلم أن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار وله حق بالنهار لا يقبله بالليل ، واعلم أنه إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق وثقل ذلك عليهم في دار الدنيا وحق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في دار الدنيا خفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا . . ) .

      ومنها : أن ورود الناس الحوض وشربهم منه يوم العطش الأكبر بحسب ورودهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشربهم منها ، فمن وردها في هذه الدار وشرب منها وتضلع ورد هناك حوضه وشرب منه وتضلع ، فله صلى الله عليه وسلم حوضان عظيمان : حوض في الدنيا وهو سنته وما جاء به ، وحوض في الآخرة ، فالشاربون من هذا الحوض في الدنيا هم الشاربون من حوضه يوم القيامة فشارب ومحروم ومستقل ومستكثر والذين يذودهم هو والملائكة عن حوضه يوم القيامة هم الذين كانوا يذودون أنفسهم وأتباعهم عن سنته ويؤثرون عليها غيرها فمن ظمأ من سنته في هذه الدنيا ولم يكن له منها شرب فهو في الآخرة أشد ظمأ وأحر كبدا وإن الرجل ليلقى الرجل فيقول : يا فلان أشربت فيقول : نعم والله فيقول : لكني والله ما شربت ، واعطشاه .

      فرد أيها الظمآن والورد ممكن فإن لم ترد فاعلم بأنك هالك وإن لم يكن رضوان يسقيك شربة سيسقيكها إذ أنت ظمآن مالك وإن لم ترد في هذه الدار حوضه ستصرف عنه يوم يلقاك آنك ومنها : قسمه الأنوار في الظلمة دون الجسر ، فإن العبد يعطى من النور هناك بحسب قوة نور إيمانه ويقينه وإخلاصه ومتابعته للرسول في دار الدنيا فمنهم : من يكون نوره كالشمس ودون ذلك كالقمر ودونه كأشد كوكب في السماء إضاءة .

      ومنهم : من يكون نوره كالسراج في قوته وضعفه وما بين ذلك .
      ومنهم : من يعطى نور على إبهام قدمه يضئ مرة ويطفي أخرى بحسب ما كان معه من نور الإيمان في دار الدنيا فهو هذا النور بعينه أبرزه الله لعبده في الآخرة ظاهرا يرى عيانا بالأبصار ، ولا يستضيء به غيره ولا يمشي أحدا إلا في نور نفسه إن كان " له " نور مشى في نوره وإن لم يكن له نور أصلا لم ينفعه نور غيره .

      ولما كان المنافق في الدنيا قد حصل له نور ظاهر غير مستمر ولا متصل بباطنه ولا له مادة من الإيمان أعطي في الآخرة نورا ظاهرا لا مادة له ثم يطفأ عنه أحوج ما كان إليه . ومنها : أن مشيهم على الصراط في السرعة والبطء بحسب " سرعة " سيرهم وبطئه على صراط الله المستقيم في الدنيا فأسرعهم سيرا هنا أسرعهم هناك وأبطأهم هنا أبطأهم هناك .

      وأشدهم ثباتا على الصراط المستقيم " هنا " أثبتهم هناك ومن خطفته كلاليب الشهوات والشبهات والبدع المضلة هنا خطفته الكلاليب التي كأنها شوك السعدان هناك ويكون تأثير الكلاليب فيه هناك فيه على حسب الشهوات " والشبهات " والبدع فيه هاهنا فناج مسلم ، ومخدوش مسلم ، ومخزول أي : مقطع بالكلاليب مكردس في النار كما أثرت فيهم تلك الكلاليب في الدنيا
      (
      جَزَاءً وِفَاقًا) النبأ:26، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ )فصلت:46، .
      والمقصود أن الله تبارك وتعالى ضرب لعباده المثلين المائي والناري في سورة البقرة وفي سورة الرعد ، وفي سورة النور لما تضمن المثلان من الحياة والإضاءة . فالمؤمن حي القلب مستنيره ، والكافر والمنافق ميت القلب مظلمه قال الله تعالى : (
      أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا )الأنعام:122، الآية وقال تعالى: "وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ) فاطر الآية فجعل من اهتدى بهداه واستنار بنوره بصيرا حيا في ظل يقيه من حر الشبهات والضلال والبدع والشرك مستنيرا بنوره والآخر أعمى ميتا في حر الكفر والشرك والضلال منغمسا في الظلمات وقال تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ )الشورى:52، الآية . وقد اختلف في مفسر الضمير من قوله تعالى : ( وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا) فقيل : هو الإيمان " لكونه أقرب المذكورين . وقيل : هو الكتاب " فإنه النور الذي هدى به عباده . قال شيخنا : والصواب أنه عائد على الروح المذكور في قوله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا)الشورى:52 الآية ، أي : جعلنا ذلك الروح نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ، فسمى وحيه روحا لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح التي هي الحياة في الحقيقة ومن عدمها فهو ميت لا حي والحياة الأبدية السرمدية في دار النعيم هي ثمرة حياة القلب بهذا الروح الذي أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فمن لم يحيا به في الدنيا فهو ممن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا وأعظم الناس حياة في الدور الثلاث ، دار الدنيا ، ودار البرزخ ، ودار الجزاء ، أعظمهم نصيبا من هذه الحياة بهذه الروح .

      وسماه روحا في غير موضع من القرآن كقوله تعالى :
      (
      رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ)غافر:15 ، وقال تعالى : ( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) النحل:2.
      وسماه نورا لما يحصل به من استنارة القلوب وإضاءتها وكمال الروح بهاتين الصفتين : بالحياة والنور . ولا سبيل إليهما إلا على أيدي الرسل صلوات الله وسلامه عليهم والاهتداء بما بعثوا به وتلقي العلم النافع والعمل الصالح من مشكاتهم وإلا فالروح ميتة مظلمة ، فإن كان العبد مشارا إليه بالزهد والفقه والفضيلة والكلام والبحوث فإن الحياة والاستنارة بالروح الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وجعله نورا يهدي به من يشاء من عباده وراء ذلك كله ، فليس العلم كثرة النقل والبحث والكلام ، ولكن نور يميز به صحيح الأقوال من سقيمها ، وحقها من باطلها ، وما هو من مشكاة النبوة مما هو من آراء الرجال ويميز النقد الذي عليه سكة المدينة النبوية الذي لا يقبل الله عز وجل ثمنا لجنته سواه من النقد الذي عليه " سكة " جنكيزخان ونوابه من الفلاسفة والجهمية ، والمعتزلة وكل من اتخذ لنفسه سكة وضربا ونقدا يروجه بين العالم فهذه الأثمان كلها زيوف لا يقبل الله سبحانه وتعالى في ثمن جنته شيئا منها بل ترد على عاملها أحوج ما يكون إليها وتكون من الأعمال التي قدم الله تعالى عليها فجعلها هباء منثورا ولصاحبها نصيب وافر من قوله تعالى : (
      قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف:103، وهذا حال أرباب الأعمال التي كانت لغير الله عز وجل أو على غير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال أرباب العلوم والأنظار التي لم يتلقوها عن مشكاة النبوة ، ولكن تلقوها عن زبالة أذهان الرجال وكناسة أفكارهم فأتبعوا قواهم وأفكارهم وأذهانهم في تقرير آراء الرجال أو الانتصار لهم ، وفهم ما قالوه وبثه في المجالس والمحاضر ، وأعرضوا عما جاء به الرسول صفحا ، ومن به رمق منهم يعيره أدنى التفات طلبا للفضيلة .

      وأما تجريد اتباعه وتحكيمه واستفراغ قوى النفس في طلبه وفهمه وعرض آراء الرجال عليه " ورد ما يخالفه منها وقبول ما وافقه ولا يلتفت إلى شيء من آرائهم وأقوالهم " إلا إذا أشرقت عليها شمس الوحي وشهد لها بالصحة فهذا أمر لا تكاد ترى أحدا منهم يحدث به نفسه فضلا عن أن يكون أخيته ومطلوبه وهذا الذي لا ينجي سواه فوارحمتا لعبد شقي في طلب العلم واستفرغ فيه قواه واستنفذ فيه أوقاته وآثره على ما الناس فيه ، والطريق بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مسدود ، وقلبه عن المرسل سبحانه وتعالى وتوحيده والإنابة إليه والتوكل عليه والتنعم بحبه والسرور بقربه مطرود ومصدود ، " و " قد طاف عمره كله على أبواب المذاهب فلم يفز إلا بأخس المطالب " سبحان الله " إن هي والله إلا فتنة أعمت القلوب عن مواقع رشدها ، وحيرت العقول عن طرق قصدها ، تربى فيه الصغير ، وهرم عليه الكبير ، فظنت خفافيش الأبصار أنها الغاية التي تسابق إليها المتسابقون ، والنهاية التي تنافس فيها المتنافسون ، وهيهات أين الظلام من الضياء ، وأين الثرى من كوكب الجوزاء ، وأين الحرور من الظلال ، وأين طريقة أصحاب اليمين من طريقة أصحاب الشمال ، وأين القول الذي لم تضمن لنا عصمة قائله بدليل معلوم من النقل المصدق عن القائل المعصوم ، وأين العلم الذي سنده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن جبرائيل صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين سبحانه وتعالى إلى " الخوض " الخرص الذي سنده شيوخ [ أهل ] الضلال من الجهمية والمعتزلة وفلاسفة المشائين ، بل أين الآراء التي أعلى درجاتها أن تكون عند الضرورة سائغة الاتباع إلى النصوص النبوية الواجب على كل مسلم تحكيمها والتحاكم إليها في موارد النزاع ، وأين الآراء التي نهى قائلها عن تقليده فيها وحذر إلى النصوص التي فرض على كل عبد أن يهتدي بها ويتبصر .انتهى
    2. يا له من إمام هدى

    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 13-07-2018, 10:08 PM.
    تابع كل جديد يوميا على صفحة رفعنا على ارشيف هنا
    https://archive.org/details/@rabieaa...B5%D8%AD%D9%81

    تعليق


    • #3
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      جزاكم الله خيرًا
      ويرجى مراعاة وضع الآيات بالتشكيل عند وضع الموضوعات

      "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
      وتولني فيمن توليت"

      "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

      تعليق


      • #4
        جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم

        تعليق

        يعمل...
        X