إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حوار الداعية مع المرأة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حوار الداعية مع المرأة


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فكان لحوار النبي صلى الله عليه وسلم مع المرأة أهداف متعددة ومتنوعة.

    أسلوب الحوار
    كان النبي صلى الله عليه وسلم يخنم حواره مع المرأة بجزالة القول، وفصاحة اللفظ، وقلة التكلف، وإيجاز العبارة مع جمالها، وحسن التعليل وإصابة الغرض، وتحريك العواطف، مما كان له الواقع الحسن في نفس المرأة.
    ومن أمثلة ذلك ختم النبي صلى الله عليه وسلم للحوار الذي دار بينه وبين المرأة التي تقدم لخطبتها بقوله: "
    يَرحمُكِ اللهُ إنَّ خيرَ نساءٍ رَكَبْنَ أَعجازَ الإبلِ صالحُ نساءِ قُريشٍ أَحْناهُ على ولدٍ في صغرٍ وأرعاهُ على بَعْلٍ بذات يدٍ" رواه أحمد في مسنده. فعن عبد الله بن عباس، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خطب امرأةً من قومِه يُقالُ لها سَودةُ وكانت مُصْبِيةً كان لها خمسةُ صِبْيةٍ أو سِتَّةٌ من بَعْلٍ لها مات فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ما يَمنعُكِ مِنِّي قالت : واللهِ يا نَبيَّ اللهِ ما يَمنَعُني منكَ أنْ لا تكونَ أَحَبَّ البَرِيَّةِ إليَّ ولكنِّي أُكْرِمُك أن يَضغوَ هؤلاءِ الصِّبْيةُ عندَ رأسِك بُكرةً وعَشِيَّةً قال : فهل منعكِ منِّي شيٌء غيرَ ذلك قالت : لا واللهِ قال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : يَرحمُكِ اللهُ إنَّ خيرَ نساءٍ رَكَبْنَ أَعجازَ الإبلِ صالحُ نساءِ قُريشٍ أَحْناهُ على ولدٍ في صغرٍ وأرعاهُ على بَعْلٍ بذات يدٍ" فختم الحوار بأوجز عبارة وأجملها.

    لقد حاور النبي صلى الله عليه وسلم تلك المرأة في شأنها الخاص وشأن أبنائها من أجل أن يتزوج منها ليتحمل معها تربية أبنائها ويقوم على شؤونهم وأمرها، فمثل هذه في الغالب لا يرغب فيها الرجال بسبب كثرة أبنائها لكنها تأبى وتبين انه أحب البرية إليها ولكنها كرهت أن تؤذي رسول الله بإزعاج الصبية، فيختم النبي صلى الله عليه وسلم حواره معها بثنائه عليها وعلى نساء عشيرتها.

    وختم النبي صلى الله عليه وسلم حواره مع المرأة التي جاءت تستشيره في أن تنتقل إلى بيت اهلها لقضاء عدتها، ويحاورها النبي صلى الله عليه وسلم ويختم حواره بأجزل عبارة، وأوجز لفظ، بقوله: "
    امكُثي في بيتكِ حتَّى يبلغَ الكتابُ أجلَه"، مما كان له أكبر الأثر في سرعة الاستجابة، وعدم الجدال، فعن زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفُرَيعَةِ بنتِ مالِكِ بنِ سِنانٍ وهي أختُ أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ أنَّها جاءَتْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تسأَلُه أنْ تَرجِعَ إلى أهلِها في بني خُدرَةَ ، وأنَّ زَوجَها خرَج في طلَبِ أعبُدٍ له أَبَقوا حتى إذا كان بطَرفِ القَدُّومِ لَحِقَهم فقتَلوه قالَتْ: فسأَلْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ أرجِعَ إلى أهلي ، فإنَّ زَوجي لم يَترُكْ لي مَسكَنًا يَملِكُه ولا نَفَقَةً ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نَعَمْ. قالَتْ: فانصرَفتُ حتى إذا كنتُ في الحُجرَةِ –أو في المسجِدِ - ناداني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم –أو أمَر بي فنودِيتُ له - فقال: كيفَ قلتِ ؟ قالَتْ: فردَّدتُ عليه القصَّةَ التي ذكَرتُ له مِن شأنِ زَوجي ، قال: امكُثي في بيتِكِ حتى يَبلُغَ الكتابُ أجلَه. قالَتْ: فاعتَدَدتُ فيه أربعةَ أشهُرٍ وعَشْرًا رواه الترمذي في سننه.

    وختم النبي صلى الله عليه وسلم الحوار مع أم سليم رضي الله عنها بقوله: "يا أمَّ سُليمٍ إنَّ اللهَ قد كفى وأحسَن" لما أشارت عليه بقتل الطلقاء الذين فروا من غزوة حنين وتخلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة الشدة والكرب، فعن أنس رضي الله عنه،
    4 - أنَّ أمَّ سُليمٍ اتخذت يومَ حُنينٍ خنجرًا . فكان معها . فرآها أبو طلحةَ . فقال : يا رسولَ اللهِ ! هذه أمُّ سُلَيمٍ معها خِنجرٌ . فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( ما هذا الخِنجرُ ؟ ) قالت : اتخذتُه . إن دنا مني أحدٌ من المشركين بقَرْتُ به بطنَه . فجعل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يضحك . قالت : يا رسولَ اللهِ ! اقتُلْ من بعدنا من الطلقاءِ انهزموا بك . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( يا أُمَّ سُلَيمٍ ! إنَّ اللهَ قد كفى وأحسن ) . صحيح مسلم. وفي حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع هند بنت عتبة رضي الله عنهما زوجة أبي سفيان رضي الله عنه ختمه بقوله: "خذي ما يكفيك وولدَك بالمعروفِ" رواه البخاري.


    والأمثلة كثيرة وكلها تدلل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ختم الحوار مع المرأة بجمال العبارة وحسن التعليل وإصابة الغرض، وتحريك العواطف، مما كان له الواقع الحسن في نفسها.


    إن أساليبه صلى الله عليه وسلم كانت من أهم أسباب نجاح حواره، يجدر بكل محاور ناجح أن يسلك طريقته لإنجاح حواره، وجني الثمرة المرجوة منه.
    إن قبول أفكار المحاور تكون أدعى إلى القبول إذا كان ذا أسلوب مناسب في عرض الفكرة وطرحها، فإذا عرضت بأسلوب بارع وقعت في نفس المحاور موقعها حتى وكأنها معان لأول مرة يسمعها، فتكون معان جديدة، جديرة بالاحترام والتقدير والقبول.
    وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم الأسلوب الأمثل في حواره، واستخدم أفضل الأساليب وأحسنها في الإقناع والتأثير، وراعى مقتضى حال المرأة، ورحم الله القاضي عياض حين قال: "وأما فصاحة الليان، وبلاغة القول، فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبعن وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، ونصاعة لفظ، وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلف. أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، فكان يخاطب كل أمة منها بلسانها، ويحاورها بلغتها، ويباريها في منزع بلاغتها"

    قوة الحجة
    قوة الحجة في الحوار أدعى إلى قبول المحاور للحوار، فهي تبلغ في قلب المحاور كل مبلغ، وتأسر قلبه وإحساسه، وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم قوة الحجة في حواره مع المرأة، ولقد ظهر هذا في أمثلة كثيرة. وأيضا ظهر ذلك عند تحذيره النساء من كفران نعم الله بعد أن رزقهن الله الزوج بعد طول مكث، والولد بعد طول حرمان، وقرة العين بعد طول فقدان. فعن أسماء بنت يزيد الأنصارية، قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما، وعصبة من النساء قعود، فأولى بيده إليهن بالسلام، قال: " إياكنَّ و كفرانَ المُنَعَّمِينَ ، إياكن و كفرانَ المُنَعَّمِينَ قالت إحداهنَّ : يا رسول الله، أعوذُ باللهِ يا نبيَّ اللهِ من كفرانِ نِعَمِ اللهِ ، قال : بلى إنَّ إحداكنَّ تطولُ أيمتُهَا، ويطول تعنيسها، ثم يزوجها الله البعل، ويفيدها الولد، وقرة العين، ثم تغضبُ الغضبةَ فتقسم باللهِ ما رأتُ منه ساعةً خيرًا قط ، فذلك من كفرانُ نِعَمِ اللهِ عز وجل، و ذلك من كفرانُ المُنَعَّمِينَ رواه أحمد في مسنده


    وحوار النبي صلى الله عليه وسلم مع المرأة التي جاءت لتسأل عن قضاء نذر نذرته أمها على نفسها لكن أتتها المنية قبل الوفاء به، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بقوة الحجة "
    نعم، حجي عنها، أرأيتِ لو كان على أمكِ دينٌ أكنتِ قاضيتِة ؟" ليكون أشد إقناعا، وأتم في الحوار البناء الإيجابي، فعن ابن عباس أنَّ امرأةً جاءت إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالت : إن أمي نذرت أن تحجَّ، فماتت قبل أن تحج، أفأحجُّ عنها ؟ قال : نعم، حجي عنها، أرأيتِ لو كان على أمكِ دينٌ أكنتِ قاضيتِة ؟ . قال: نعم، فقال: اقضوا اللهَ الذي له، فإن اللهُ أحقُّ بالوفاءِ . رواه البخاري

    وتأتي قوة الحجة في حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع تلك المرأة التي جاءت لتحاوره في نزع زوجها لولدها منها بالقوة، وكانتن قوة حجة النبي صلى الله عليه وسلم التي يقرها كل عاقل بأنها الأحق به بشرط عدم زواجها من الآخر، فعن عبد الله بن عمرو، أنَّ امرأةً قالت يا رسولَ اللهِ إنَّ ابني هذا كان بطني له وِعاءً وثديي له سقاءً وحِجري له حِواءً وإنَّ أباه طلَّقَني وأراد أن ينتزعَه منِّي فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
    أنتِ أحقُّ به ما لم تَنكِحي رواه أبو داود في سننه



    وأم حبيبة تحاورالنبي صلى الله عليه وسلم في الزواج من أختها، ويرد عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوة حجة أنها لا تحل له، فتخبره بأنه بلغها أنه سيخطب بنت أم سلمة فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بالدليل القاطع والحجة البينة التي لا تقبل الشك أنها لا تحل له، لسببين، أنها: ربيبته، أي أمها تحته، والثانية، أنه أخ أبيها في الرضاعةن فعن أم حبيبة، قالت:
    قلتُ : يا رسولَ اللهِ ، هل لك في بنت أبي سفيان ؟ قال : فأفعلُ ماذا ؟ قلتُ : تَنْكِحُ . قال : أُتُحِبِينَ . قلتُ : لستُ لك بمُخْلِيَةٍ ، وأحبُّ مَنْ شَرَكَنِي فيك أختي . قال : إنها لا تحِلُّ لي . قلتُ : بلَغَنِي أنك تَخْطِبُ . قال : ابنةُ أمِّ سَلَمَةَ . قلتُ : نعم . قال : لو لم تَكُنْ رِبيبّتِي ما حَلَّتْ لي ، أَرْضَعَتْنِي وأَباهَا ثُوَيْبَةُ ، فلا تَعْرِضْنَ عليَّ بناتِكُنَّ ولا أَخَوَاتِكُن َّ. رواه البخاري.


    وفي حواره صلى الله عليه وسلم مع من أتت لتسأل عن النفقة على زوجها ألها أجر فبين النبي صلى الله عليه وسلم في حواره معهن بقوة الحجة، أنهن لهن أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة، فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول: أليست إذا أنفقت نفقة في سبيل الله تأخذ الأجر المضاعف على تلك الصدقة، ففعلها نفقة، وأليست إذا أحسنت إلى أقرابها اخذت أجر صلة الرحم، ففعلها صلة. فعن هشام بن عروةة، عن أبيه قال: كانت زينب امرأة عبد الله بن مسعود صناع اليدين تصنع الشيء ثم تبيعهن ولم يكن لعبد الله مال ولا لولده فقالت امرأته: ستعلمون أن أتصدق، فقال عبد اللهك مأحب إن لم يكن لك أجر فيما تنفقين أن تفعلي، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصت عليه القصة، فقال: "
    أنفقي عليهم فلك أجر فيما أنفقت عليهم" رواه أحمد في مسنده. وعن زينب، امرأة عبد الله قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدقن، يا معشر النساء، ولو من حليكن" قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليدن وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنت، قال: فانطلقت، فذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة، فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: اتجزئ الصدقة عنهما، على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن، قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هما؟" فقال: امرأة من الأنصار وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الزيانب؟" قالك امرأة عبد الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة" رواه البخاري. وقوله لأم سلمة لما حاورته في النفقة على أقاربها: فلك أجر ما أنفقت عليهم، فعن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله، ألي أجر أن أنفق عل بني أبي سسلمة، إنما هم بني؟؟ فقال: "أنفقي عليهم، فلك أجر ما أنفقت عليهم" رواه البخاري.

    فقوة الحجة من الأساليب التي تجذب انتباه المحاورن وتبعد الغفلة وشرود الذهن وتهيأ المتعلمن وتكون أدعى للاستجابة.

    الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

  • #2
    نكمل بإذن الله
    الرفق واللين مع المراة

    لقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة وأعلاها في استعمال أسلوب الرفق واللين في أغلب حواراه مع المرأة، ومن ذلك لما واعد جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ساعة ولم يأته فيها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة عن السبب فأخبرته بعدم علمها، ثم ينظر النبي صلى الله عليه وسلم فيجد جرؤ كلب، فيسألها متى دخل وكيفية دخوله،
    فقالت ما أدري مع أنه في بيتها فلم يغضب رسول الله، ولم يعنفها أو يلومها على ذلك، وهذا يتضح منه استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للرفق واللين في حواره مع أم المؤمنين رضي الله عنها، فعن عائشة، أنها قالت:
    واعد رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جبريلُ عليه السلامُ ، في ساعٍة يأتيه فيها . فجاءت تلك الساعةُ ولم يأتِه .
    وفي يدِه عصا فألقاها من يدِه . وقال (
    ما يخلف اللهُ وعدَه ،
    ولا رسلَه
    ) ثم التفت فإذا جَروُ كلبٍ تحت سريرِه . فقال
    (
    يا عائشةُ ! متى دخل هذا الكلبُ ها هنا ؟ ) فقالت :
    واللهِ ! ما دَريتُ . فأمر به فأُخرِج .
    فجاء جبريلُ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ (
    واعدتَني فجلستُ لك فلم تأتِ )
    . فقال :
    منعني الكلبُ الذي كان في بيتِك . إنا لا ندخل بيتًا فيه كلبٌ ولا صورةٌ
    .
    رواه مسلم

    وفي هذا الحوار يظهر حلم النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه، ورفقه، فلم يصخب أو يسب وحاشاه،
    وإنما قبل قولها ورضي بتعليلها، فكم نحن بحاجة إلى التحلي بالرفق واللين في حوارات الأزواج؟ لتنعم الأسر بالراحة،
    وليعم الخير الوفير بين أفرادها، ولتسعد المجتمعات.
    وتتمازح زوجتا النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وسودة رضي الله عنهما، ويصل الأمر إلى أن تلطخ عائشة رضي الله عنهما وجه سودة رضي الله عنها بطعام أبت أن تأكله، فلم يغضب صلى الله عليه وسلم بل استخدم اللين والرفق، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أنه أمسك بعائشة رضي الله عنها وقال لميمونة رضي الله عنها الطخي وجهها، ففعلت وضحك الجميع، وانتهى الموقف. فعن عائشة رضي الله عنها قالت:
    أتيت النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخزيرةٍ قد طبختُها له،
    فقلت لسودةَ- والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيني وبينها- كُلي،
    فأَبَت، فقلتُ: لتأكُلنَّ أو لألطِّخَنَّ وَجهَك،
    فأبت: فوضعتُ يدي في الخزيرةِ فطَليتُ وَجهَها، فضَحِكَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم،
    فوضع بيَدِه لها، وقال لها:
    الطخي وجهَها،
    فضَحِك النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لها، فمَرَّ عُمَرُ فقال: يا عبد اللهِ يا عبد اللهِ،
    فظنَّ أنه سيدخلُ فقال:
    قوما فاغسِلا وجوهَكما، قالت عائشةُ:
    فما زِلتُ أهاب عُمَرَ لِهَيبةِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رواه أبو يعلي الموصلي.


    وتتخاصم أم المؤمنين زينب وعائشة رضي الله عنها بل يرفعان أصواتهما في وجود النبي صلى الله عليه وسلم فلم يغضبن بل يغلب جانب الرفق واللين في الحوار لعلمه بطبائع النساء. فانتصر للمظلوم في حواره برفق ولين، وقال لها دونك فانتصري، فأقر حق أحد الأطراف المتحاورة، وقبل أن ينتصر لنفسه ويأخذ حقه بلين. ويبتسم ويكتفي بختم الحوار بقوله:
    "
    أما إنها ابنة أبي بكر" فعن عروة بن الزبير، قال:
    قالَت عائشةُ ما علِمتُ حتَّى دخلتُ زينبَ علي بغيرِ إذنٍ وَهيَ غَضبى ثمَّ قالت يا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, أحسبُكَ إذا قلَّبت لَكَ بنتُ أبي بَكرٍ ذريعَتيها, ثمَّ أقبلَت عليَّ فأعرضتُ عنْها , حتى قالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ
    دونَكِ فانتصِري فأقبلتُ عليْها حتَّى رأيتُها قد يبسَ ريقُها في فمها ما ترُدُّ عليَّ شيئًا , فرأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يتَهلَّلُ وجْهُهُ رواه أحمد في مسنده. ولعل القصة تتضح أكثر من خلال رواية البخاري في الأدب الممفرد عن أم المؤمنين عائشة قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت والنبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها في مرطها، فأذن لها فدخلت، فقالتك إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في بنت أبي قحافة، قال:
    أَيْ بُنَيَّةُ ! [ أتُحِبِّينَ ما أُحِبُّ ؟ قالتْ :
    بلى ، قال :
    فَأَحِبِّي هذه .
    فقامت فخَرَجَت فقامَتْ فَخَرَجَتْ فَحَدَّثَتْهُنّم ، فقلْنَ : ما أَغْنَيْتِ عَنَّا شيئًا فَارْجِعِي إليهِ ،
    قالتْ : واللهِ لا أُكَلِّمُهُ فيها أبدًا فَأَرْسَلْنَ زينبَ زَوْجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فَاستأذنَتْ ، فَأَذِنَ لها ،
    فقالتْ لهُ ذلكَ ، ووَقَعَتْ فِيَّ زَيْنَبُ تَسُبُّنِي ، فَطَفِقْتُ أنظرُ هل يَأْذَنُ لِيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ،
    فلمْ أَزَلْ حتى عَرَفْتُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يَكْرَهُ أنْ أنتَصِرَ، فَوَقَعْتُ بِزينبَ فلمْ أنْشَبْ أنْ أَثْخَنْتُها غَلَبَةً ، فَتَبَسَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، ثُمَّ قال :
    أَما إِنَّها ابنَةُ أبي بكرٍ
    رواه البخاري.

    فعلى المحاور أن تكون حواراته برفق ولين وليحذر أن تكون مصحوبة بخشونة وغلظة، "والسر أن النفوس جبلت على الميل إلى حب الكرامة، وشبت في الغالب على الأنفة والرعونة، ونشأت على التقيد بالإلف والعادة،
    فمن أراد صرفها عن غيها إلى رشدها، وحاول الخروج بها عن مألوفها وعادتها، ولم يمزج مرارة الحق بحلاوة التلطفن ولم يسهل صعوبة التكليف بطلاوة الرفق واللين؛ كان إلى الانقطاع أقرب منه إلى الوصول، ودعوته أجدر بالرفض من القبول، وكان كمن رام أن يطهر ثوبا من الدنس فأوقد فيه نارا فأحرقته، ألا ترى قوله تعالى: (
    فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا )
    طه: 44، فإنه يفيد أن لين القول محل رجاء التذكر والاتعاظ،
    والمعد للنفوس للخوف والانزجار". ورحم الله المأمون حين وعظه عالم فأغلظ عليه في القول وعنفه، فقال يا رجل:
    ارفق، فلقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق فقال تعالى: (
    فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا )
    طه: 44.

    وليعلم المحاور بشدة وغلظة وفظاظة أنه للخير قد أغلق، وللأذى قد أوقع، وللأجر قد فوت،
    وللشيطان على إخوانه قد أعان. أما المحاور برفق كم من قلوب مغلقة قد فتحت، وكم من حقوق مضيعة قد حفظت،
    وكم من الجر قد حصل، وكم من إرغام للشيطان قد حقق، وكم من نقائص قد استكملتن وكم من أخوة قد روعيت.

    مراعاة ما يناسب حال المرأة
    كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل في حواره مع المرأة بما يناسب حالها، ويلاءم طبيعتها، ولا أدل على ذلك لما سألته إحدى النساء عن طلب الجهاد في سبيل الله، فدلها البي صلى الله عليه وسلم بما يناسبها، ويتلاءم معها،
    فبين لها ولأمثالها أفضلل الجها هو الحج المبرور، وحسن التبعل لزوجها، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها،
    أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟
    قال: "
    لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور"

    رواه البخاري. وعن ابن عباس، رضي الله عنهما،
    قال:
    جاءت امرأةٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَت : يا رسولَ اللهِ !
    إنِّي وافِدةُ النِّساءِ إليكَ ، هذا الجِهادُ كتبَه اللهُ علَى الرِّجالِ ، فإن نُصِرُوا أُجِرُوا ،
    وإن قُتِلُوا كانوا أحياءً عِندَ ربِّهم يُرزقونَ ، ونحنُ معاشِرَ النِّساءِ نقومُ عليهِم ، فما لَنا مِن ذلكَ ؟ !
    قال : فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ :
    أبلِغي من لقيتِ من النِّساءِ أنَّ طاعةَ الزوجِ واعتِرافًا بحقِّهِ يعدلُ ذلكَ ،
    وقليلٌ منكُنَّ مَن يَفعَلُه
    رواه البزار.

    وفي رواية عن أسماء بنت يزيد الأنصارية من بني عبد الأشهل، "أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابهن فقالت: بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، واعلم
    -نفسي لك فداء- أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا او لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلاهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال ضلتم علينا بالجمعة والجماعات،
    وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج،
    وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم غذا أخرج حاجا أو معتمرا ومرابطا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابا، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟
    قال: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال:
    "
    هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟" فالوا: يا رسول الله،
    ما ظننا أن امرأة تهتدي غلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها، ثم قال لها:

    انصرِفي أيَّتُها المرأةُ وأعلِمي من وراءكِ من النِّساءِ أن حُسنَ تَبعُّلِ إحداكنَّ لزوجِها وطلبَها مَرضاتَهُ واتِّباعَها موافقتهُ يعدِلُ ذلِكَ كلَّهِ قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا
    رواه البزار

    كذلك في حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في سؤالها عن استئمار البكر في الزواج، فبين إنها بطبيعها تستحي فتسكت، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان سكوتها إذنها، وهذا من مراعاة حال المرأة في الحوار والتتي دل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عليها. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
    تُستأمرُ النساءُ في أَبضاعِهِنَّ ، قالت:
    قلتُ : يا رسولَ اللهِ ! إنَّهُنَّ يَستَحْيينَ ،
    قال :
    الأَيِّمُ أَحَقُّ بنفسِها ، والبِكرُ تُستأْمرُ ،
    فسُكوتُها إِقرارُهَا
    وفي هذا دلالة على مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لطبيعة المرأة في الحوار، والإجابة بما يناسبه حالها.


    الاستهلال
    قد كان صلى اله عليه وسلم يفتتح حواره بما يقرع الأسماع، ويجذب الانتباه، ويهيئ النفوس،
    ويشد القلوب ويقودها بحسن بيانه، وروعة حديثه، مما يكون سببا في تهييج المشاعر،
    وتهيأة النفوس لقبول ما يقال.

    مصادر:
    هداية المرشدين

    إحياء علوم الدين



    الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

    تعليق


    • #3
      جزاكِ الله خيرًا أختي


      اللهم بارك لى فى اولادى وارزقنى برهم وأحسن لنا الختام وارزقنا الفردوس الأعلى

      تعليق


      • #4
        آمين وإياك
        سررت بمرورك
        زادك الله قدرا وعلما
        الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

        تعليق


        • #5
          المشاركة الأصلية بواسطة شميسة الإسلام الدرعمية مشاهدة المشاركة
          آمين وإياك
          سررت بمرورك
          زادك الله قدرا وعلما
          الله يسعدك في الدارين أختي الكريمة.

          اللهم آمين واياكِ


          اللهم بارك لى فى اولادى وارزقنى برهم وأحسن لنا الختام وارزقنا الفردوس الأعلى

          تعليق


          • #6
            وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيرًا ونفع بكم
            موضوع قيم

            "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
            وتولني فيمن توليت"

            "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة بذور الزهور مشاهدة المشاركة
              وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              جزاكم الله خيرًا ونفع بكم
              موضوع قيم
              آمين وإياكم
              زادك الله رفعة وعلما ورزقك حبه وتقبل صالح عملك


              الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

              تعليق

              يعمل...
              X