إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صدق الداعية ومطابقة فعله لقوله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صدق الداعية ومطابقة فعله لقوله





    وهذا يندرج تحت صفة أخلاقية رفيعة وهي الصدق، وقد أفردتها لأهميتها، ولأثرها العظيم في سلوك الداعية، واستجابة المدعو، وقد قال تعالى في ذم من يخالف قوله فعله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾[1]، وقال حكاية عن شعيب عليه السلام ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [2].
    وقد قال ابن حزم[3] رحمه الله: ( فُرض على الناس تعلم الخير والعمل به، فمن جمع الأمرين فقد استوفى الفضيلتين معاً، ومن علمه ولم يعمل به،
    فقد أحسن في التعليم وأساء في ترك العمل، فخلط عملا صالحا وآخر سيئاً)[4].
    وذلك بأن يلتزم الداعية الصدق في قوله -وهذا أمر معروف-، ويلتزم الصدق في عمله، فلا يكذب فعلُه قوله، ولا يخالف ظاهره باطنه، بل- من الأفضل- أن لا يأمر بشيء ما لم يكن هو أول عامل به[5]، لأنه قدوة في أعين الناس. والقدوة الملتزمة بما تقول لها أثر أقوى في الإتباع، فهو عالم بالمبدأ الذي يدعو إليه، مؤمن به، حريص على نشره بين الناس، فلا يكاد يتخلف عمله عن علمه، إذ أن ما يعلمه الإنسان يصبح كالطبيعة المغروزة فيه، فيفعل ما يفعله بتأثير ذلك العلم الذي أصبح كالوصف الراسخ فيه. والناس يدركون العلم بالبصائر، ويدركون العمل بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر من أرباب البصائر، فإذا التزم بقوله حينئذ يكون فعله تصديقاً لأقواله، ودعوته التي يدعو لها، وترسيخاً لها في نفوس أتباعه، وعلى العكس من ذلك، من خالف قوله عمله، فإن ذلك يعد تكذيباً لقوله، وتنفيرا وصدَّا عن سماع كلامه والانتفاع به[6].
    قال الإمام الشاطبي رحمه الله، في تبيين أن وقوع الفعل شاهد ومصدق وعاضد للقول: إن العالم إذا أخبر عن إيجاب عبادة ما، ثم فعلها ولم يخل بها في مقتضى ما قال فيها، قوي اعتقاد إيجابها، ونهض للعمل بها كل من سمعه يخبر عنها، ورآه يفعلها، وإذا أخبر عن تحريم فعل ما، ثم تركه فلم ير فاعلا له ولا حائما حوله، قوي عند متبعه ما أخبر به عنه، بخلاف ما إذا أخبر عن أيجابه ثم قعد عن فعله، أو أخبر عن تحريمه ثم فعله، فإن نفوس الأتباع لا تطمئن إلى ذلك القول منه، طمأنينتها إذا ائتمر وانتهى.[7].
    ويكفيه وعيدا ما رواه الإمام البخاري رحمه الله، عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (( يُجاء بالرجل يوم القيامة، فيُلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه!))[8].
    وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه أول الناس عملا بما يدعو إليه، فكان داعيا إلى الخير والهدى بلسان حاله قبل لسان مقاله[9]، فحين تنزل عليه آيات سورة النصر تأمره بالحمد والاستغفار، يسارع إلى طاعة ربه، تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن أنزل عليه إذا جاء نصر الله والفتح، إلا يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)[10]، فهو أول الملتزمين بما يأمر به الله، وهو قدوة المسلمين في ذلك.
    ومن شواهد صدقه عليه الصلاة والسلام، أنه لما عزم على إقامة الحد على المرأة التي سرقت، أخبر أنه- لو اقتضى الأمر- أول من يطبق شرائع الله وحدوده على نفسه وأهله[11]. و أعلن أن جوار المسلم مجاز، وأن المسلمين (يسعى بذمتهم أدناهم)[12]، ثم يصدق ذلك بقبول جوار أم هانئ رضي الله عنها، ولم يمنعه كونها امرأة وأنها أجارت أعداءه الألداء. ويعلم المسلمون مسارعته صلى الله عليه وسلم إلى الاستجابة لأوامر الله تعالى، حين يرونه يحثهم على العفو إتباعا لقوله تعالى ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [13]، فيقول: (( نصبر ولا نعاقب))[14]. وعند نزول قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [15]، يسبق إلى ذلك، فيعيد مفاتيح الكعبة لأصحابها وهو يقول: (( اليوم يوم بر ووفاء))[16].
    وقد أثرت القدوة العملية السامية في جيل الصحابة، فكانوا ينظرون إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيرون أفعالاً تطابق الأقوال، لا أفعالًا مجردة من التطبيق العملي، فكانوا رضي الله عنهم يتحينون الفرص لأجل الاقتداء به، وكان من أحرصهم على التحري عن أفعاله وأدومهم عليها عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما[17].
    ومما يدل على ذلك في هذه الغزوة أنه لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة ومكث فيها، ثم خرج (استبق الناس، فكان عبد الله بن عمر أول من دخل، فوجد بلالا وراء الباب قائما، فسأله: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه، قال ابن عمر: فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة)[18]. وقد قيل:
    إذا العلم لم تعمل به كان حجةً
    عليك ولم تعذر بما أنت جاهلهْ
    فإن كنت قد أوتيت علماً فإنما
    يصدق قولَ المرء ما هو فاعلهْ

    [1] سورة الصف الآيتان 2- 3.

    [2] سورة هود جزء من آية 88.

    [3] هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي، صاحب التصانيف، ولد بقرطبة سنة 384هـ، ونشأ في تنعم ورفاهية، كان صاحب ذكاء مفرط وذهن سيال، مهر في الأدب والشعر والمنطق والفلسفة ثم أعرض عن ذلك وأخذ في العلم الشرعي، تفقه في الشافعية ثم أخذ في المذهب الظاهر، كان فقيها مجتهدا جريئا في النقد، وقد امتحن لذلك، توفي رحمه الله سنة 456هـ. بتصرف، سير أعلام النبلاء 18/184، ومعجم المؤلفين 7 /16.
    [4] الأخلاق والسير في مداواة النفوس ص 92.
    [5] بتصرف، هداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة ص 90، وانظر الدعوة الإسلامية، أصولها ووسائلها ص 439- 440.

    [6] بتصرف، أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية 1 /64، وانظر الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية ص 22.

    [7] بتصرف، الموافقات في أصول الشريعة 3 /315.

    [8] صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب صفة النار وأنها مخلوقة 4 /90.

    [9] للاستفادة انظر الرسالة المحمدية: السيد سلمان الندوي من ص 171- 180، مكتبة دار الفتح دمشق ط:3، 1393هـ 1973م.

    [10]صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة إذا جاء نصر الله 6 /93.

    [11] سبق تخريج الحديث ص 160.

    [12] سبق تخريجه ص 143.

    [13] سورة النحل آية 126.

    [14] سبق تخريجه ص 128 و ص 309.

    [15] سورة النساء جزء من آية 58.

    [16] سبق تخريجه ص 134.

    [17] بتصرف، أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية 1 /74، وقد قيل في ترجمة ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره وحاله، ويهتم بها حتى كان قد خيف على عقله من شدة اهتمامه بذلك، بتصرف، سير أعلام النبلاء 3 /213.

    [18]صحيح البخاري كتاب المغازي باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة 5 /93.

    [19] والأبيات لرجل اسمه سابق البربري، انظر جامع بيان العلم وفضله 2 /7. وللاستزادة انظر المرجع نفسه 2/ 4 -21، وأدب الدنيا والدين ص 84، وهداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة ص 90، ومقومات الداعية الناجح ص 316.




    التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 28-04-2015, 12:11 AM. سبب آخر: التنسيق

  • #2
    رد: صدق الداعية ومطابقة فعله لقوله

    جزاكم الله خيرا وأثابكم الفردوس

    تعليق


    • #3
      رد: صدق الداعية ومطابقة فعله لقوله

      جزاكم الله خيرًا ... ونفع الله بكم ،،،

      تعليق


      • #4
        رد: صدق الداعية ومطابقة فعله لقوله

        جزاك الله خيرا اختاه موضوعك مميز يستحق التقييم

        اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

        تعليق


        • #5
          رد: صدق الداعية ومطابقة فعله لقوله

          المشاركة الأصلية بواسطة راجية حب الرحمن مشاهدة المشاركة
          جزاك الله خيرا اختاه موضوعك مميز يستحق التقييم

          بارك الله فيكم على مروركم و تقييمكم

          تعليق


          • #6
            رد: صدق الداعية ومطابقة فعله لقوله


            جزاكم الله خيرًا وتقبل منكم

            "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
            وتولني فيمن توليت"

            "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

            تعليق


            • #7
              رد: صدق الداعية ومطابقة فعله لقوله

              المشاركة الأصلية بواسطة بذور الزهور مشاهدة المشاركة

              جزاكم الله خيرًا وتقبل منكم
              جزاكم الله خيرًا على مروركم

              تعليق

              يعمل...
              X