إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التمسك بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التمسك بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح





    التمسك بمنهج السلف الصالح

    (فَبِهُداهم اقْتده)

    إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:
    لقد بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، استمرت هذه الفترة أكثر من خمس مئة سنة بعد رفع المسيح عيسى بن مريم، كان الناس خلالها في ظلام دامس، وجاهلية جهلاء، ولما كان الأمر كذلك أذن الله أن يبعث للعالم أجمع رسولاً من أنفسهم، يتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويطهرهم من دنس الوثنية والطاغوت ودنس الخطيئات، فقام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة التي أمره ربه بها، وأداها كما أمره، وتبعه أناس على ذلك في أول أمره، ثم تتابع الناس ودخلوا في دين الله أفواجاً، وحمل هذا الدين رجال صادقون مخلصون، رجال هم خير هذه الأمة، بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا رضي الله عنهم قدوات لمن بعدهم وأسوة لمن تبعهم ومهما حاول الناس في زمننا الاقتداء بغيرهم فإنما يبحثون وراء سراب يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، فقال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون من بعدهم قوم يشهدون ولا يُستشهدون، ويخونون ولا يُؤتمنون، ويُنذرون ولا يُوفون، ويَظهر فيهم السِّمَنُ))1، ولما كانوا أفضل القرون، جاء يوماً ووعظهم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))2، وقال: ((اقتدوا بالذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود))3. وهنا أحاديث كثيرة تأمر الأمة كلها بالتمسك بمنهج السابقين الأولين، من الصحابة والتابعين، وعلماء الإسلام المرضيين، عبر العصور والسنين.
    لا يمكن أن تقوم للأمة قائمة حتى تعود إلى عزتها وكرامتها ومنهج سلفها، وقد كتب الله على هذه الأمة الذل إن هي تركت دينها ومنهجها، وجرت وراء أعدائها تأخذ منهم كل ما يخالف أصول دينها وأسس عقيدتها، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يمكننا الخروج من الذل والمهانة التي نحن فيها، والتمزق المشين الذي تعانيه الأمة المحمدية اليوم إلا بالرجوع إلى ديننا، والتمسك بهدي سلفنا الصالح، حيث قال: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم))4. وقد أعلنها عمر بن الخطاب صريحة مدوية حين قال: (أنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله)5.
    فهذا هو الحل الوحيد، ومهما ابتغت الأمة الحل بدونه فإنما تعمل في سراب، وتبني ما مآله إلى الخراب..
    لقد أراد كثير من أبناء جلدتنا الاعتزاز بأمور ابتدعوها من أنفسهم، ونسوا أنهم يعيشون في بلاد إسلامية! لقد أتوا بمبادئ كفرية لا تمت إلى الإسلام بصلة، لكن سرعان ما تبخرت وذهبت أدراج الرياح! أتونا بالقومية لنتوحد على أساسها، ولم ينظروا إلى الدين والعقيدة، فتمزقنا وتفرقنا دويلات صغيرة، كل دولة تناضل عن نفسها، وتبيع أختها بيعاً رخيصاً. لمصالح شخصية تباع الأوطان، ويتفرق الإخوان!! بل وتمزقت تلك الدول في داخلها إلى شيع وأحزاب، يأكل بعضها بعضاً، ويطعن بعضها في بعض: فذاك اشتراكي، وذاك ناصري، وهذا بعثي، وهذا وطني.. إلخ، وكل يدعي وصلاً بليلى، وليلى لا تقر لهم بذاكَ.
    نعم.. لما ابتغى هؤلاء العزة بغير الإسلام أذلهم الله. وإننا بريؤون كل البراءة من كل مبدأ يخالف الإسلام، ويتجرأ عليه، ولو تسمى بمسميات إسلامية، وشعارات في ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب..
    إن أعظم ما يعيد للأمة مجدها هو رجوعها إلى الطريق المستقيم، لأنها خير أمة أخرجت للناس.. رجوعها في عقيدتها، وفي عباداتها، وفي معاملاتها، وفي أخلاقها، وفي علاقاتها بالآخرين، وفي شؤون حياتها كلها..
    وإننا نرى اليوم ما يتقطع له القلب حسرات، وما يندى له الجبين، من الاختلاط الرهيب، والتمييع العجيب الذي وصل بفئام من أمة الإسلام، حيث اختلط الحق بالباطل، والعالي بالسافل، والمؤمن بالغافل، لم يعد يميز كثير من أبناء الأمة عن غيرهم إلا مجرد كون ديانته (مسلماً) في البطاقة أو جواز سفره، أما أخلاقه وأفكاره وآماله ولباسه وزيه وهيئته فكلها غربية أو شرقية!!
    إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم اليوم هدف عظيم، طالما غفلت عنه سنوات وقرون من الدهر! ولا بد أن تسلك الطريق الحق، حتى تصل إلى ذلك الهدف.. إن الطريق إلى ذلك المبتغى هو طريق السلف الصالح الذي يذكرنا بأيامٍ عند ذكرها اليوم نتصورها ونظنها ضرباً من الخيال؛ وذلك للبعد الشاسع بين ما كانوا عليه وما نحن عليه اليوم..
    وليس المقصود برجوع الأمة إلى منهج سلفها الصالح ما يفهمه كثير من المغرر بهم والضالين عن صراط الله، ممن يستمعون إلى شبهات اليهود والنصارى والمنافقين، من أن المقصود بذلك: الجمود على الماضي، والعودة بنا إلى العصر الحجري، أو إلى ركوب الجمال والخيل والبغال والحمير! وما أشبه ذلك من الشبه الساقطة عند أول حجة!
    أيها الناس: إن العودة التي نقصدها هي أن تكون حياتنا كلها لله، وأن تتميز الأمة عن غيرها بدينها ومبادئها وأخلاقها، وأن تستفيد من الآخرين فيما لا يتعارض مع دينها، كالاستفادة في مجال الإبداع والاختراع والتطور التقني والعسكري، وما أشبه ذلك.. إن العودة إلى سابق العهد لا يتنافى مع إبداع العصر، واختراع العصر، وتقدم العصر، ومن يربط بين عودة الأمة إلى عهدها السابق وبين التخلف، فهو مغرر به جاهل، لا يفهم من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه!
    ونحن لا ننسى أن الحضارة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من الأئمة المرضيين إلى عهود ليست بالبعيدة كانت الرائدة في مجالات عديدة، مع حفاظها على مبادئها وتميزها بين الأمم في حين كانت دول الكفر في أوروبا تهيم في الجهل والبدعة والخرافة..
    إلى أن جاء هذا العصر! فتنكرت الأمة لماضيها، وافتخرت بما هي عليه من استجداء الآخرين، والأخذ منهم، والاعتماد على أعدائها في كافة أمورها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    وهذا المنهج الذي يجب أن تسير الأمة عليه ليس من صنع البشر ولا أفكارهم وأرائهم، بل هو منطلق من لا إله إلا الله كلمة التوحيد، التي هي منهج حياة شامل، على فهم سلف الأمة من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان. نسأل الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. والحمد لله رب العالمين..


    ولقد تميز منهج السلف الصالح رضي الله عنهم باتباع القرآن والسنة النبوية، والسير على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من غير ابتداع، بخلاف الفرق الأخرى التي ابتدعت في الدين بدعاً كثيرة ضلت بسببها عن طريق الله.. إن أهل السنة والجماعة تُميِّزهم عن غيرهم من أهل البدعة والخلاف ميزة هامة هي: اتباع الدليل، وترك أقاويل الناس إذا خالفت قول الله وقول الرسول.. وقد فهم السلف الصالح من خلال كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين:
    أحدهما: أن لا يعبد إلا الله، الثاني: أن لا يعبد إلا بما أمر وشرع، لا يعبده بغير ذلك من الأهواء والظنون والبدع، قال تعالى:{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: 110]، وقال: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: 12].
    وكان عمر بن الخطاب يقول: (اللهم اجعل عملي صالحا، واجعله لك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً)6.
    وقال الفضيل بن عياض في قول الله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الملك: 2]، قال: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص: أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة)7.
    ومن هذا المنطلق نقول: إن الحياة كلها عبادة بشرطين: أن تكون تلك الحياة وتصرفاتها وتقلباتها لله. وأن تكون على شرع الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    إن الناس اليوم – إلا من رحم الله- لم يعد لديهم الفهم الكامل في شمولية منهج لا إله إلا الله للحياة كلها، حيث اقتصرت العبادة عندهم على شعائر الإسلام التي تؤدى في الأيام أو المناسبات.. وهذه الشعائر أجل شعائر الإسلام وأساس الدين... لكن هل يليق بمسلم أن يكون في المسجد عابداً وفي خارجه عاصياً فاجراً.. إن هذا ما يشتكى منه من بني جنسنا اليوم.. فما هو في المساجد يخالَف في واقع الناس.. لهذا نجد الفرق الشاسع بين منهج السلف الذي نريد إحياءه اليوم والسير على خطاهم وبين أفعال الخلف، وما اعتراها من ضمور وتلف..
    لا يمكن للأمة أن تستعيد مجدها إلا بالسير على نهج سلفها الصالحين من الصحابة والتابعين، وعلماء الإسلام العاملين عبر السنين والقرون الطويلة إلى يومنا هذا..
    وهذا لا بد منه لأننا نرى كثيراً من الفرق البدعية لا تظهر فيهم هذه الخصوصية وهذا المنهج، حيث أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويؤلون بعضه، أو يحرفونه أو يتجرؤون على تركه وإهماله، والعمل وفق ما تمليه لهم أهواؤهم وقادتهم ومشايخهم، ولو خالف ذلك الحق الصريح.. ومن خلال الاستقراء وجدنا أن أئمة أهل السنة والجماعة يسلكون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ونهج الصحابة الكرام، والبراءة من أهل البدع الذين أحدثوا في الدين أموراً أنكرها عليهم أئمة السلف والخلف..
    هكذا فلتكن الحياة.. وبدون ذلك؛ فالهم والغم وفقد المطلوب في الدنيا، وعذاب شديد في الآخرة، وصدق الله القائل:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه: 123-124].. فاتقوا الله أيها الناس، وتمسكوا بهدي نبيكم، الذي يوصلكم إلى الحياة الطيبة الأبدية..{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[النحل: 97].
    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. والحمد لله رب العالمين..
    ________________________________________
    1 رواه البخاري (3450)، ومسلم (2535).
    2 رواه أحمد (17145) وأبو داود (4609)، وصححه الألباني، انظر صحيح أبي داود رقم (3851).
    3 رواه الترمذي (3805)، وصححه الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1233).
    4 رواه أحمد في مسنده برقم ( 4593 )، وأبو داود (3003) واللفظ له، عن عبد الله بن عمر، وهو صحيح كما في صحيح أبي داود للألباني رقم (2956).
    5 المستدرك (1/130).
    6 كنز العمال (5041).
    7 العبودية لابن تيمية ص (67-70) بتحقيق علي حسن الحلبي.


    وإن الطريق الذي يضمن لنا نعمة الإسلام واحد لا يتعدد، لأن الله كتب الفلاح لحزبٍ واحدٍ فقط فقال: أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون وكتب الغلبة له وحده فقال: ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون .
    ومهما بحثت أخي المسلم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فلن تجد تفريق الأمة إلى جماعاتٍ وتحزيبها في تكتلات إلا مذموماً. قال تعالى: ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون وكيف يقر ربنا عز وجل أمة على التشتت بعدما عصمها بحبله، وهو يبرئ نبيه صلى الله عليه وسلم منها فيقول: إن الذين فرقوا دينهم وكانــوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون .
    وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال: ((هذا سبيل الله. ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل، وعلى كل سبيل منها شيطان يدعـو إليه)) ثم قرأ: وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله . فدل هذا الحديث بنصه على أن الطريق واحد، وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد، وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه، ولا يصل إليه أحد إلا من هذا الطريق، ولو أتى الناس من كل طريق واستفتحوا من كل باب فالطرق عليهم مسدودة والأبـواب عليهم مغلقة إلا من هذا الطريق الواحد فإنه متصل بالله موصل إلى الله.
    إن الذي لا يختلف فيه المسلمون قديمًا وحديثًا هو أن الطريق الذي ارتضاه لنا ربنا هو طريق الكتاب والسنة. فإليه يردون ومنه يصدرون، ذلك لأن الله ضمن الاستقامة لمتبع الكتاب فقال على لسان مؤمن الجن: يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم كما ضمنها لمتبع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال له ربه: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . لكن الذي جعل الأمة الإسلامية تنحرف عن الطريق هو إغفالها ركناً ثالثاً جاء التنويه به في الوحيين جميعاً ألا وهو فهم السلف الصالح للكتاب والسنة.
    وقد اشتملت سورة الفاتحة على هذه الأركان الثلاثـة في أكمل بيان فقوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم اشتمل على ركني الكتاب والسنة، وقوله: صراط الذين أنعمت عليهم اشتمل على فهم السلف لهذا الصراط مع أنه لا يشك أحد في أن من التزم بالكتاب والسنة فقد اهتدى إلى الصراط المستقيم. إلا أنه لما كان فهم الناس للكتاب والسنة منه الصحيح ومنه السقيم اقتضى الأمر ركنًا ثالثًا لرفع الخلاف. ألا وهو تقييد فهم الأخلاف بفهم الأسلاف. وقال ابن القيم رحمه الله في تفسير هذه الآية: وتأمل سرًا بديعًا في ذكر السبب والجزاء للطوائف الثلاثة بأوجز لفظ وأخصره. فإن الإنعام عليهم يتضمن إنعامه بالهداية التي هي العلم النافع والعمل الصالح.
    وقال أيضاً: فكل من كان أعرف للحق وأتبع له كان أولى بالصراط المستقيم. ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم هم أولى بهذه الصفة من الروافض. ولهذا فسر السلف الصراط المستقيم وأهله بأبي بكر وعمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.ا.هـ. كلامه. وفي هذا تنصيص منه رحمه الله على أن أفضل من أنعم الله عليهم بالعلم والعمل هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم شهدوا التنـزيل وشاهدوا من هدي الرسول ما فهموا به التأويل. كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (من كان منكم مستنًا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة.أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة وأبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم الفضل واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم فإنهم كانوا على الصراط المستقيم).
    قال الإمام أحمد رحمه الله: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، ومن حظي برضى الله من بعدهم فللاقتداء بهديهم قال تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه .
    ألا تحبون أن تكونوا من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه .. بلى كلنا نحب ذلك فإذاً علينا اتباع الصحابة في فهمهم للكتاب والسنة ونهتــدي بهــم فيما فعلوا أو قالوا، ونترك ما تركوا، والله الهادي إلى سواء السبيل.


    قد جاء تحديد زمن السلف الذين لا تجوز مخالفتهم بإحداث فهم لم يفهموه. في حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته)).
    ولهذا الأصل نظائر وأدله من الكتاب والسنه. منها قوله تعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونُصْله جهنم وساءت مصيراً . والشاهد هنا: في ضم مجانبة ومفارقة سبيل المؤمنين إلى مشاقة الرسول لاستحقاق هذا الوعيد الشديد مع أن مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم وحده كفيلة بذلك. كما قـال تعالى: إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم . ومنها ما رواه عبد الله بن لحي عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا. فقال: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: ((ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة)) والشاهد هنا في وصف الفرقة الناجية بالجماعة، والعدول عن إضافتها إلى الكتاب والسنة مع أنها لا يمكن أن تخرج عنهما قط، والسر في ذلك يكمن في التنبيه على الجماعة التي فهمت نصوص الوحيين وعملت بهما على مراد الله ورسوله. ولم يكن يومئذ جماعة إلا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك صحح أهل العلم اللفظ الآخر الوارد في هذا الحديث من رواية الترمذي وهو قوله صلى الله عليه وسلم في وصف الفرقة الناجية: ((ما أنا عليه وأصحابي)). إذاً الجماعة الناجية والفرقة التي في الجنة هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم، فأصحاب رسول الله هم الذين شهد الله لهم بالإيمان والصدق والفلاح وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية وأمرنا بالاقتداء بهم، فهم أفضل الخلق بعد الأنبياء، فمن سار في طريق فيها مشاقة وبعد عن طريقهم فقد اختار طريق الهلاك وسوء المصير والعياذ بالله.
    النجاة والفلاح في التمسك بالوحيين بفهم وهدى السلف الصالح – الخلفاء الراشدين وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلـوب، فقـال قائل: يا رسول الله كان هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا فقال:((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)).



    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 30-01-2015, 06:56 PM.
    رحمك الله يا أمي
    ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
    وظني بكـَ لايخيبُ

  • #2
    رد: التمسك بمنهج السلف الصالح (فَبِهُداهم اقْتده)

    جزاكم الله خيرًا ،،،

    تعليق


    • #3
      رد: التمسك بمنهج السلف الصالح (فَبِهُداهم اقْتده)

      وجزاكم مثله ونفع بكم
      رحمك الله يا أمي
      ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
      وظني بكـَ لايخيبُ

      تعليق


      • #4
        رد: التمسك بمنهج السلف الصالح (فَبِهُداهم اقْتده)

        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا ونفع بكم


        "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
        وتولني فيمن توليت"

        "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

        تعليق


        • #5
          رد: التمسك بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح

          وجزاكم مثله وبارك فيكم
          رحمك الله يا أمي
          ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
          وظني بكـَ لايخيبُ

          تعليق


          • #6
            وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيرًا ونفع بكم

            تعليق

            يعمل...
            X