إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مقدمة في علم أصول التفسير للدكتور مساعد الطيار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقدمة في علم أصول التفسير للدكتور مساعد الطيار



    مقدمة في علم أصول التفسير للدكتور مساعد الطيار
    المصدر/ كتاب فصول في أصول التفسير للدكتور مساعد الطيار

    إن «علوم القرآن» علم مترامي الأطراف بموضوعاته المتناثرة؛ كالمكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، وعدد الآي، والقراءات ... إلخ.
    ولا يزال احتمال اكتشاف موضوعات جديدة في هذا العلم قائمًا، ومن ذلك ظهور (علم التفسير الموضوعي)، و (علم مناهج المفسرين)، وغيرها.
    ومن هذه العلوم التي ظهرت ـ ولكن لم تلق عناية متكاملة ـ (علم أصول التفسير)، وهو في الحقيقة جزء من علوم القرآن، وإن كان بعضهم يجعله مرادفاً لمصطلح علوم القرآن.

    أصول التفسير
    الأصل في اللغة: أسفل الشيء، ويطلق الأصل على مبدأ الشيء، وما يبنى عليه غيره، وعبَّر عنه بعضهم بأنه: ما يفتقر إليه غيره، ولا يفتقر هو إلى غيره، وهذا مستوحى من المعنى اللغوي.
    ويقرب من معنى الأصل: القاعدة، وهي: الأساس الذي يبنى عليه البيت.

    والتفسير في اللغة: مأخوذ من مادة (فَسَرَ)، وهي تدل على ظهور الشيء وبيانه، ومنه الكشف عن المعنى الغامض.
    وللتفسير في الاصطلاح تعاريف (1)، ومن أوضحها:
    بيان كلام الله المعجز المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.

    وأصول التفسير: هي الأسس والمقدمات العلمية التي تعين على فهم التفسير، وما يقع فيه من الاختلاف، وكيفية التعامل معه.
    ويدور محور الدراسة في هذا العلم بين أمرين:
    كيف فُسِّر القرآن؟ وكيف نفسِّر القرآن؟
    ففي الأولى يكون الرجوع إلى تفاسير السابقين ومعرفة مناهجهم وطرقهم فيها، خاصة تفاسير السلف التي تُعَدُّ العمدة في هذا العلم.
    وفي الثانية يكون الاعتماد على ما قُعِّدَ من أصول في تفاسير السابقين، لكي يُعتَمد الصحيح في التفسير، ويتجنب الخطأ فيه (2).

    ومما يجدر ذكره، أنه لا توجد دراسة متكاملة لموضوعات هذا العلم،
    الكتب التي كتبت في هذا العلم سارت على ثلاثة مناهج:
    الأول: ما غلب موضوعات علوم القرآن؛ ككتاب (الفوز الكبير في أصول التفسير)، للدهلوي.
    والثاني: ما اعتمد مسائل أصول الفقه المتعلقة بالقرآن، ودرسها من باب التفسير؛ ككتاب (دراسات في أصول تفسير القرآن) للدكتور: محسن عبد الحميد.
    والثالث: كتب قعَّدت مسائل من هذا العلم؛ ككتاب (مقدمة في أصول التفسير) لشيخ الإسلام ابن تيمية.

    وسأجتهد في أن أسير في هذا البحث على منهج التقعيد والتجديد، وأرجو أن أستطيع تغطية شيءٍ من جوانبه، وعرض جزءٍ من مسائله على هذا الجانب التقعيدي.



    مراجع هذا العلم:
    1 - كتب مصدرة بهذا الاسم، وهو: (أصول التفسير)
    وهذه الكتب لم تحوِ جميع مادة هذا العلم، ولكن فيها مسائل متناثرة منه، ومن أهم هذه المؤلفات:
    أـ «مقدمة في أصول التفسير»، لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ).
    وليس هذا الاسم (مقدمة في أصول التفسير) من وضع شيخ الإسلام، بل هو من وضع مفتي الحنابلة بدمشق، جميل الشطي الذي طبع الكتاب سنة 1355هـ (3).
    وقد نبه شيخ الإسلام في المقدمة على أن ما سيكتبه هو قواعد تعين على فهم القرآن وتفسيره وبيان معانيه (4).
    ب ـ «الفوز الكبير في أصول التفسير» للدهلوي (ت:1176هـ).
    جـ «أصول في التفسير» للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين.
    د ـ «أصول التفسير وقواعده» لخالد العك.
    هـ «بحوث في أصول التفسير» لمحمد لطفي الصباغ، وقد اعتمد مقدمات المفسرين وبعض الكتب؛ ككتاب شيخ الإسلام، وكتاب الدهلوي، وهو ـ في كل هذا ـ يذكر ملخصاً لمسائل هذه المقدمات، وهذه الكتب.
    وـ «دراسات في أصول التفسير» لمحسن عبد الحميد.
    ز ـ «أصول التفسير ومناهجه» للدكتور فهد الرومي.
    وقد ألف ابن القيم في هذا الباب، لكن لم توجد هذه الرسالة بعد (5).

    2 - مقدمات المفسرين التي يقدمون بها تفاسيرهم:
    تجد في بعض التفاسير مقدماتٍ مهمة تتعلق بهذا العلم، حيث يذكرون شيئاً من مباحثه، ومن أمثلة ذلك:
    • مقدمة ابن كثير، وقد استفادها من شيخ الإسلام ابن تيمية.
    • مقدمة النكت والعيون، للماوردي.
    • مقدمة ابن جزي الكلبي لتفسيره.
    • مقدمة جامع التفاسير، للراغب الأصفهاني.
    • مقدمة القاسمي لتفسيره.
    • مقدمة التحرير والتنوير.
    وغيرها من المقدمات التي تطول فصولها وتستوعب كثيراً من المباحث، فإنها لا تخلو من مباحث في هذا العلم.

    3 - كتب علوم القرآن:
    يعتبر أصول التفسير جزءاً من علوم القرآن (6) ـ وإن كان بعضهم يجعله مصطلحاً مرادفاً ـ ولذا؛ فإن الباحث في كتب علوم القرآن سيظفر بمجموعة من مسائل هذا العلم.
    ومن هذه الكتب:
    كتاب «البرهان في علوم القرآن» لبدر الدين الزركشي (ت:794هـ)، وكتاب «الإتقان في علوم القرآن» لجلال الدين السيوطي (ت:911هـ).
    وغيرها من الكتب التي تشمل جملة من علوم القرآن.

    4 - كتب التفاسير:
    استقراء كتب التفسير أهم هذه المراجع، وبه تظهر فوائد هذا العلم،والرجوع إلى التفاسير واستنباط المعلومات منها يثري البحث ويزيده قوة، ومن أهم الكتب التي يمكن استقراؤها في التفسير كتب المحققين الذين يعتمدون النقاش والترجيح بعد نقل الأقوال.
    ومن هذه الكتب على سبيل المثال:
    1 - تفسير الإمام الطبري.
    2 - تفسير ابن عطية.
    3 - تفسير الشنقيطي.
    4 - تفسير الطاهر بن عاشور.



    (1) فصَّلت في تعريف التفسير، وناقشت بعض التعريفات فيه في موضعين: الأول في كتابي «التفسير اللغوي» (ص19 - 32)، ثم في كتابي «مفهوم التفسير والتأويل والتدبر والاستنباط والمفسر» (ص53 - 88).
    (2) في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها في الصحيحين، قالت: (تَلاَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم هَذِهِ الآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذين سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُم») وجدت أنه أصل في أصول التفسير؛ لأنه يتضمن الفائدة الكبرى من أصول التفسير:
    الأولى: معرفة القول الصواب وتمييزه عن غيره.
    الثانية: معرفة القول الخطأ بأنه خطأ، وإلا لما أمكن الحذر منه.
    وغاية أصول التفسير تمييز الصواب من الخطأ، والبرهان على ذلك بالعلم الصحيح.

    (3) انظر: مقدمة عدنان زرزور لكتاب شيخ الإسلام، (ص22).
    (4) انظر: (ص33) من مقدمة في أصول التفسير (ت: عدنان زرزور).
    (5) انظر: «جلاء الأفهام» (ص159).
    (6) كتبت في هذه المسألة تفصيلاً، ينظر: «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير»، ط. دار المحدث (ص33 - 35)؛ و «المحرر في علوم القرآن» (ص53 - 55).





    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 30-12-2016, 10:42 PM.

    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36


  • #2
    رد: مقدمة في علم أصول التفسير للدكتور مساعد الطيار


    حكم التفسير وأقسامه
    حكم التفسير:
    أنزل الله كتابه ليتدبره الناس، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29]، ونعى على من لم يتدبره، فقال: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، والتدبر يكون بعد تفسير ألفاظه وفهم معانيه، ولذا فالمسلم مأمور بهذا الفهم والتفسير (1).

    وتعلُّم التفسير واجب على الأمة من حيث العموم، فلا يجوز أن تخلو الأمة من عالم بالتفسير يعلّم الأمة معاني كلام ربها.
    أما الأفراد فعلى كلٍّ منهم واجبٌ منه، وهو ما يقيمون به فرائضهم، ويعرفون به ربهم.
    ولابن عباس تقسيم للتفسير، ويمكن تقسيم الحكم على كل قسم بحسبه، ومنه معرفة ما يجب على أفراد الأمة (2) كما سيأتي:



    أقسام التفسير:
    للتفسير أقسام عدة، وكل قسم مبني على اعتبار، ويكون هذا الاعتبار بالنظر إلى جهة من جهات التفسير.
    ويمكن تقسيم هذه الاعتبارات إلى ما يلي:
    1 - باعتبار معرفة الناس له.
    2 - باعتبار طريق الوصول إليه.
    3 - باعتبار أساليبه.
    4 - باعتبار اتجاهات المفسرين فيه.
    هذه بعض الاعتبارات، وهناك اعتبارات أخرى يمكن تقسيم التفسير
    عليها، كاللفظ والمعنى ـ وسيأتي ـ والاعتبار الزماني، والمكاني وغيرها.

    أولاً: باعتبار معرفة الناس له:
    قسَّم حبر الأمة ابن عباس التفسير، وجعله أربعة أوجه (3):
    1 - وجه تعرفه العرب من كلامها.
    2 - وتفسير لا يعذر أحد بجهله.
    3 - وتفسير يعلمه العلماء.
    4 - وتفسير لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علمه فقد كذب.

    تفصيل هذه الأوجه وبناء الحكم عليها (4):
    الوجه الأول: ما تعرفه العرب من كلامها:
    يشمل هذا القسم ألفاظ القرآن، وأساليبه في الخطاب، وذلك لأنه نزل بلغتهم وعلى طرائقهم في الكلام.
    وهذه الألفاظ والأساليب معلومةٌ لديهم غير خافية، وإن كان قد يخفى على أفراد منهم شيء منها، وذلك لغرابتها على مسمعه، أو لعدم اعتياده عليها في لغة قومه، كما خفي على ابن عباس بعض معاني مفرداته؛ كلفظ «فاطر»، وغيرها.
    ولذا تجد في تفاسير السلف تفسيرهم اللغوي لمعنى الصمد، والكفؤ، والفلق، والغاسق ... إلخ.
    والأساليب لما كانت على سَنَنِهم في الكلام (5) لم يَخْفَ عليهم
    المراد بها، فيعلمون من قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]، أن هذا الخطاب خطاب امتهان وتهكم، وإن كانت ألفاظه مما يستعمل في المدح، وذلك لأن السياق يدل على معنى الامتهان (6).
    حكمه:
    وهذا الوجه من فروض الكفاية، إذ لا يجب على كل مسلم معرفة جميع المعاني اللغوية والأساليب الكلامية الواردة في القرآن.
    وقد يرتقي إلى الواجب إذا توقف عمل الواجب على هذه المعرفة.

    الوجه الثاني؛ ما لا يعذر أحد بجهله:
    وهذا يشمل الأمر بالفرائض، والنهي عن المحارم، وأصول الأخلاق والعقائد.
    فقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 110]، وقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] لا يعذر أحد بجهل مثل هذه الخطابات وهو يقرأ القرآن.
    وكذا يدخل فيه ما جاء من أمر بالصدق والأمانة والنهي عن الكذبوالخيانة، وعن إتيان الفواحش، وغير هذه من الأوامر والنواهي المتعلقة بالأخلاق.
    ويدخل فيه ما يتعلق بالعقائد؛ كقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد: 19]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وغيرها من الأوامر والنواهي المتعلقة بالتوحيد.
    حكمه:
    هذه كلها داخلة ضمن الواجب الذي يجب على المسلم تعلمه من التفسير.

    الوجه الثالث؛ ما تعلمه العلماء:
    ومما يشمله هذا القسم، ما تشابه منه على عامة الناس، وما يستنبط منه من فوائد وأحكام.
    حكمه:
    وهذا القسم من فروض الكفاية.

    الوجه الرابع؛ ما لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علمه فقد كذب:
    ويشمل هذا حقائق المغيبات، ووقت وقوعها (7).
    فالدابة التي تخرج في آخر الزمان لا يعلم كيفها وحقيقتها إلا الله، ولا يعلم وقت خروجها إلا الله، وهكذا سائر الغيبيات.
    حكمه:
    وهذا النوع غير واجب على أحد، بل من تجشم تفسيره فقد أثمَ وافترى على الله وادعى علماً لا يعلمه إلا الله سبحانه.

    ثانيًا: باعتبار طريق الوصول إليه:
    ينقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين:
    الأول: ما يكون طريق الوصول إليه الأثر، وهو التفسير بالمأثور (8).
    الثاني: ما يكون طريق الوصول إليه الاجتهاد، وهو التفسير بالرأي (9).


    ثالثًا: باعتبار أساليبه (10):
    ينقسم بهذا الاعتبار إلى أربعة أقسام:
    1 - التفسير التحليلي.
    2 - التفسير الإجمالي.
    3 - التفسير المقارن (11).
    4 - التفسير الموضوعي.

    وإليك تفصيلاً موجزاً عن هذه الأقسام:
    1- : التفسير التحليلي:
    هذا القسم هو الغالب على التفاسير، ويعمد المفسر بهذا الأسلوب إلى
    التحليل في الآية، فيبين سبب نزولها، وبيان غريبها، وإعراب مشكلها، وبيان مجملها ... إلخ، ومن أمثلته: تفسير ابن عطية والآلوسي والشوكاني وغيرهم.

    2- : التفسير الإجمالي:
    يعمد المفسر بهذا الأسلوب إلى بيان المعنى العام للآية دون التعرض للتفاصيل؛ كالإعراب واللغة والبلاغة والفوائد وغيرها.
    ومن أمثلته: تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وتفسير المكي الناصري، وتجده كذلك في تفسير المراغي وأبي بكر الجزائري تحت عنوان «المعنى الإجمالي».

    3- : التفسير المقارن:
    يعمد المفسر بهذا الأسلوب إلى قولين في التفسير، ويقارن بينهما مع ترجيح ما يراه راجحاً (12). ومن أمثلته: تفسير ابن جرير الطبري، وغيره ممن يذكر أقوال المفسرين ويرجح بعضها على بعض.
    ومنه ما يقوم به ـ الآن ـ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري من عرضه في الإذاعة لتفسيره المسمى «تفسير التفاسير».

    4-: التفسير الموضوعي (13):
    يعتمد هذا الأسلوب على دراسة لفظة، أو جملة، أو موضوع في القرآن، وهو أقسام:
    1 - أن يكون عرض الموضوع من خلال القرآن كله؛ كموضوع (صفات عباد الرحمن في القرآن).
    2 - أن يكون عرض الموضوع من خلال سورة؛ كموضوع (الأخلاق الاجتماعية في سورة الحُجرات).
    3 - أن يستعرض المفسر لفظة أو جملة قرآنية، ويبين معانيها في القرآن؛ كلفظة (الأمة في القرآن)، وجملة {الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [المائدة: 52] في القرآن (14).

    رابعًا: باعتبار اتجاهات المفسرين فيه (15):
    المراد بالاتجاه: الوجهة التي قصدها المفسر في تفسيره وغلبت عليه، أو كانت بارزة في تفسيره، بحيث تميز بها عن غيره.
    والاتجاهات في التفسير لها اعتبارات،
    فمنها ما يكون بالنظر إلى المذهب العقدي للمفسر، فمثلاً:
    الاتجاه السلفي، يمثله: تفسير ابن جرير وابن كثير والشنقيطي.
    والاتجاه المعتزلي، يمثله: تفسير الزمخشري.
    والاتجاه الأشعري، يمثله: تفسير الرازي.
    ومنها ما يكون بالنظر إلى العلم الذي غلب على التفسير، ومن أمثلته:
    • كتاب «معاني القرآن» للفراء، و «مجاز القرآن» لأبي عبيدة، وتمثِّل الاتجاه اللغوي.
    • كتاب «إعراب القرآن» للنحاس، و «البحر المحيط» لأبي حيان، و «الدر المصون» للسمين الحلبي، وتمثل الاتجاه النحوي.
    • كتاب «الكشاف» للزمخشري، و «التحرير والتنوير» للطاهر بن عاشور، وتمثل الاتجاه البلاغي.
    وهكذا مما تجده مدوناً في كتب علوم القرآن، أو ما كتب في موضوع اتجاهات المفسرين (16).



    (1) انظر: «تفسير الطبري» (1/ 36، 37)، قال الطبري: «وَفِي حَثِّ اللهُ عزّ وجل عِبَادَهُ عَلَى الاِعْتِبَارِ بِمَا فِي آيِ الْقُرْآنِ، مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالتِّبْيَانِ، بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، لِنَبِيِّهِ صلّى الله عليه وسلّم: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [ص: 29] وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ *قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: 27، 28] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ، الَّتِي أَمَرَ اللهُ عِبَادَهُ، وَحَثَّهُمْ فِيهَا، عَلَى الاِعْتِبَارِ بِأَمْثَالِ آيِ الْقُرْآنِ، وَالاِتِّعَاظِ بِمَوَاعِظِهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَةَ [ص:77] تَاوِيلِ مَا لَمْ يَحْجُبْ عَنْهُمْ تَاوِيلَهُ مِنْ آيَاتٍ، لأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ لاَ يَفْهَمْ مَا يُقَالُ لَهُ وَلاَ يَعْقِلُ تَاوِيلَهُ: اعْتَبِرْ بِمَا لاَ فَهْمَ لَكَ بِهِ، وَلاَ مَعْرِفَةَ مِنَ الْقِيلِ وَالْبَيَانِ إِلاَّ عَلَى مَعْنَى الامْرِ بِأَنْ يَفْهَمَهُ وَيَفْقَهَهُ، ثُمَّ يَتَدَبَّرَهُ وَيَعْتَبِرَ بِهِ. فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَمُسْتَحِيلٌ أَمْرُهُ بِتَدَبُّرِهِ. وَهُوَ بِمَعْنَاهُ جَاهِلٌ، كَمَا مُحَالٌ أَنْ يُقَالَ لِبَعْضِ أَصْنَافِ الامَمِ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ كَلاَمَ الْعَرَبِ وَلاَ يَفْهَمُونَهُ.
    لَوْ أُنْشِدَتْ قَصِيدَةُ شِعْرٍ مِنْ أَشْعَارِ بَعْضِ الْعَرَبِ، ذَاتُ أَمْثَالٍ وَمَوَاعِظَ وَحِكَمٍ: اعْتَبِرْ بِمَا فِيهَا مِنَ الامْثَالِ، وَادَّكَّرْ بِمَا فِيهَا مِنَ الْمَوَاعِظِ إِلاَّ بِمَعْنَى الامْرِ لَهَا بِفَهْمِ كَلاَمِ الْعَرَبِ وَمَعْرِفَتِهِ، ثُمَّ الاِعْتِبَارُ بِمَا نَبَّهَهُ عَلَيْهِ مَا فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ، فَأَمَّا وَهِيَ جَاهِلَةٌ بِمَعَانِي مَا فِيهَا مِنَ الْكَلاَمِ وَالْمَنْطِقِ؛ فَمُحَالٌ أَمْرُهَا بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مَعَانِي مَا حَوَتْهُ مِنَ الامْثَالِ وَالْعِبَرِ. بَلْ سَوَاءٌ أَمْرُهَا بِذَلِكَ وَأَمْرُ بَعْضِ الْبَهَائِمِ بِهِ، إِلاَّ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَعَانِي الْمَنْطِقِ وَالْبَيَانِ الَّذِي فِيهَا. فَكَذَلِكَ مَا فِي آيِ كِتَابِ اللهِ، مِنَ الْعِبَرِ وَالْحِكَمِ وَالامْثَالِ وَالْمَوَاعِظِ، لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: اعْتَبِرْ بِهَا، إِلاَّ == لِمَنْ كَانَ بِمَعَانِي بَيَانِهِ عَالِماً، وَبِكَلاَمِ الْعَرَبِ عَارِفاً، وَإِلاَّ بِمَعْنَى الامْرِ لِمَنْ كَانَ بِذَلِكَ مِنْهُ جَاهِلاً، أَنْ يَعْلَمَ مَعَانِي كَلاَمِ الْعَرَبِ، ثُمَّ يَتَدَبَّرُهُ بَعْدُ، وَيَتَّعِظُ بِحِكَمِهِ وَصُنُوفِ عِبَرِهِ [ص:78] فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، قَدْ أَمَرَ عِبَادَهُ بِتَدَبُّرِهِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الاِعْتِبَارِ بِأَمْثَالِهِ، كَانَ مَعْلُوماً أَنَّهُ لَمْ يَامُرْ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آيُهُ جَاهِلاً. وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَامُرَهُمُ بِذَلِكَ، إِلاَّ وَهُمْ بِمَا يَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ عَالِمُونَ = صَحَّ أَنَّهُمْ بِتَاوِيلِ مَا لَمْ يَحْجُبْ عَنْهُمْ عِلْمَهُ مِنْ آيِهِ، الَّذِي اسْتَاثَرَ اللهُ بِعِلْمِهِ مِنْهُ دُونَ خَلْقِهِ، الَّذِي قَدْ قَدَّمْنَا صِفَتَهُ آنِفاً عَارِفُونَ.
    وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ، فَسَدَ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَ تَفْسِيرَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَتَنْزِيلِهِ، مَا لَمْ يَحْجُبْ عَنْ خَلْقِهِ تَاوِيلَهُ». «تفسير الطبري»، تحقيق د. عبد الله التركي (1/ 78).
    (2) أفادني بترتيب هذه الأحكام على هذا التقسيم الأخ محمد عبد العزيز الخضيري.
    (3) «تفسير الطبري» (1/ 34)، وانظر ما قبله من كلام الطبري، و «إيضاح الوقف والابتداء» (1/ 101).
    (4) أضفت إلى هذا شرحاً، ينظر: «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير»، ط. دار المحدث (ص121 - 126).
    (5) راجع في ذلك: «تأويل مشكل القرآن» لابن قتيبة، و «الصاحبي في فقه اللغة» لابن فارس.
    (6) قال الطبري: «فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ وَهُوَ يُهَانُ بِالْعَذَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ، وَيُذَلُّ بِالْعَتْلِ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ؟ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] غَيْرُ وَصَفٍ مِنْ قَائِلِ ذَلِكَ لَهُ بِالْعِزَّةِ وَالْكَرَمِ، وَلَكِنَّهُ تَقْرِيعٌ [ص:62] مِنْهُ لَهُ بِمَا كَانَ يَصِفُ بِهِ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا، وَتَوْبِيخٌ لَهُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَة، لأَنَّهُ كَانَ فِي الدُّنْيَا يَقُولُ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ، فَقِيلَ لَهُ فِي الاخِرَةِ، إِذْ عُذِّبَ بِمَا عُذِّبَ بِهِ فِي النَّارِ: ذُقْ هَذَا الْهَوَانَ الْيَوْمَ، فَإِنَّكَ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ، وَإِنَّكَ أَنْتَ الذَّلِيلُ الْمَهِينُ، فَأَيْنَ الَّذِي كُنْتَ تَقُولُ وَتَدَّعِي مِنَ الْعِزِّ وَالْكَرَمِ، هَلاَّ تَمْتَنِعُ مِنَ الْعَذَابِ بِعِزَّتِكَ». «تفسير الطبري»، تحقيق د. عبد الله التركي (21/ 61).
    (7) هذا النوع لا يدخل فيه (المعنى)؛ لأن المعنى معلوم لكل المخاطبين، إذ لا يجوز أن يُخاطب العباد بما لا يعلمون معناه، وقد سبق نقل كلام للطبري وفيه إشارة لهذا.
    وإنما يصحَّ أن يقال بأنه مما استأثر الله بعلمه في بعض الحِكَم، وفي وقت المغيبات، وفي كيفياتها، فهذه التي يصح إطلاق هذه العبارة عليها، أما المعنى فلا، ولا يُعرف عن واحد من السلف أنه ادعى أن كلمة من القرآن لا يعرف معناها جميع الناس، بل كان الواحد منهم يتوقف عما لا يعلم من المعاني، ولا يدَّعي أن غيره لا يعرفها.
    (8) و (9) سيأتي تفصيل لهذين المصطلحين فيما بعد، انظر: (ص47، 53).
    (10) ظهر لي أن هذا من باب التقسيم الفني، ولا يوجد له فائدة في نظري، وقد أشرت إلى هذا، ينظر: «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير»، ط. دار المحدث (ص239).
    (11) اشتهر استعمال مصطلح المقارن في الدراسات المعاصرة، والصحيح لفظ (الموازن)، لأن المقارن من مادة (قرن) التي تعني القرن بين الشيئين، أي الربط بينهما، وما يقوم به من يعمل ما يسمى بالمقارنة، إنما هو موازنة.
    (12) هذه التقسيمات المذكورة من تحليلي وإجمالي ومقارن تقسيمات فنية، ولا يعني هذا أن كل تفسير قد تميز بأحدها فقط، بل قد تجد في تفسير من التفاسير هذه الأقسام، ولكن الحكم للأغلب؛ فابن جرير تجد في تفسيره: التحليل والإجمال والمقارنة.
    (13) ذكرت نقداً لهذا الأسلوب من تناول آيات القرآن، ينظر: «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» (ص240 - 249)، وقد ظهر للدكتور سامر رشواني كتاب نفيس في هذا اللون، وهو بعنوان: «منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم دراسة نقدية»، دار الملتقى 2009م.
    (14) انظر في موضوع أساليب التفسير: «دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني» د. أحمد جمال العمري (ص37، 46)، «أصول التفاسير ومناهجه» للدكتور فهد الرومي، (ص57).
    (15) ألقيت محاضرات في مناهج المفسرين واتجاهاته، وهي موجودة في موقع البث الإسلامي، وقد فصّلت فيها هذا الموضوع.
    (16) انظر: «التفسير والمفسرون» لمحمد الذهبي، «اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر» د. فهد الرومي، وغيرها مما كتب في هذا الموضوع.


    ________

    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 31-12-2016, 12:09 AM.

    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

    تعليق


    • #3
      رد: مقدمة في علم أصول التفسير للدكتور مساعد الطيار

      عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      جزاكم الله خيراً ونفع بكم وبارك فيكم

      تعليق


      • #4
        رد: مقدمة في علم أصول التفسير للدكتور مساعد الطيار

        المشاركة الأصلية بواسطة مهاجر إلى الله ورسوله مشاهدة المشاركة
        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيراً ونفع بكم وبارك فيكم
        اللهم آمين وإياكم

        "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
        وتولني فيمن توليت"

        "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

        تعليق


        • #5
          للنفع

          "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
          وتولني فيمن توليت"

          "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

          تعليق


          • #6
            وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم

            تعليق

            يعمل...
            X