إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صور من حياة الصحابة << متجدد .. بإذن الله >>

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صور من حياة الصحابة << متجدد .. بإذن الله >>




    سوف نعرض بإذن صور من حياة بعض الصحابي رضوان الله عليعهم ... تركوا ورائهم الكثير لنتعلمه نحن ... فنسأل الله أن يرزقنا حسن القول والعمل ... وأن ينفع بنا وبكم ... وسوف نبدأ بإذن الله مع الصحابي الجليل ....
    حبيب بن زيد الأنصاري

    في بيت تتضوع طيوب الإيمان في كل ركن من أركانه ...
    وتلوح صور التضحية والفداء علي جبين كل ساكن من سكانه ...
    نشأ حبيب بن زيد الأنصاري ودرج .
    * * *

    فأبوه هو زيد بن عاصم طليعة المسلمين في يثرب ، وأحد السبعين الذين شهدوا العقبة وشدوا علي يدي رسول الله مبايعين ، ومعه زوجته وولداه .
    وأمه هي أم عمارة نسيبة المازنية وأول امرأة حملت السلاح دفاعاً عن دين الله ، وذياداً (دفاعاً) عن محمد رسول الله .
    وأخوه عبد الله بن زيد الذي جعل نحره دون نحر النبي وصدره دون صدره يوم أحد ...
    حتي قال فيهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه : بارك الله عليكم من أهل بيت ... رحمكم الله من أهل بيت ...
    * * *

    نفذ النور الإلاهي إلي قلب حبيب بن زيد وهو غضٌ طريٌ ، فاستقر فيه وتمكن منه .
    وكتب له أن يمضي مع أمه وأبيه وخالته وأخيه إلي مكة ليسهم مع النفر السبعين من الغر الميامين في صنع تاريخ الإسلام ، حيث مد يده الصغيرة وبايع رسول الله تحت جنح الظلام بيعة العقبة .
    ومنذ ذلك اليوم غدا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أحب إليه من أمه وأبيه ...
    وأصبح الإسلام أغلي عنده من نفسه التي بين جنبيه ...

    لم يشهد حبيب بن زيد بدراً ، لأنه كان يومئذ صغيراً جداً .
    ولم يُكتب له شرف الإسهام في أحد كان ما يزال دون حمل السلاح ...
    لكنه شهد بعد ذلك المشاهد كلها مع رسول الله ، فكان له في كل منها راية عز ...
    وصحيفة مجد ...
    وموقف فداء ...
    غير أن هذه المشاهد علي عظمتها وروعتها لم تكن في حقيقتها سوي إعداد ضخم للموقف الكبير الذي سنسوق لك حديثه ، والذي سيهز ضميرك في عنف كما هز ضمائر ملايين المسلمين منذ عصر النبوة وإلي يومنا الذي نحن فيه .
    والذي ستروعك قصته كما راعتهم علي مرالعصور .
    فتعال نستمع إلي هذه القصة العنيفة من بدايتها .
    * * *

    في السنة التاسعة للهجرة كان الإسلام قد صلب عوده ، وقويت شوكته ورسخت دعائمه ، فطفقت وفود العرب تشد الرحال من أنحاء الجزيرة إلي يثرب للقاء رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، وإعلان إسلامها بين يديه ، ومبايعته علي السمع والطاعة .
    وكان في جملة هذه الوفود وفد بني حنيفة القادم من أعالي نجد .

    أناخ الوفد جماله في حواشي مدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وخلف علي رحالة رجلا منه يدعي مسيلمة بن حبيب الحنفي ، ومضي إلي النبي صلي الله عليه وسلم ، وأعلن إسلامه وإسلام قومه بين يديه ، فأكرم الرسول صلوات الله وسلامه عليه وفادتهم ، وأمر لكل منهم بعطية وأمر لصاحبهم الذي خلفوه في رحالهم بمثل ما أمر لهم به .
    * * *

    لم يكد يبلغ الوفد منازله في نجد حتي ارتد مسيلمة بن حبيب عن الإسلام ، وقام في الناس يعلن لهم : أنه نبي مرسل أرسله الله إلي بني حنيفة كما أرسل محمد بن عبد الله إلي قريش ...
    فطفق قومه يلتفون حوله مدفوعين إلي ذلك بدوافع شتي كان أهمها العصبية ، حتي إن رجلا من رجالاتهم قال : أشهد أن محمداً لصادق وأن مسيلمة لكذاب ، ولكن كذاب ربيعة أحب إلي من صادق مضر .

    ولما قوي ساعد مسيلمة وغلظ أمره كتب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم كتاباً جاء فيه : من مسيلمة رسول الله إلي محمد رسول الله ، سلام عليك .
    أما بعد فإني قد أُشرِكتُ في الأمر معك ، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريشاً قوم يعتدون.
    وبعث الكتاب مع رجلين من رجاله فلما قُرئ الكتاب للنبي عليه الصلاة والسلام قال للرجلين : وما تقولان أنتما ؟!
    فأجابا : نقول كما قال .
    فقال لهما : أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت عنقيكما ،
    ثم كتب إلي مسيلمة رسالة جاء فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    " من محمد رسول الله إلي مسيلمة الكذاب. السلام علي من اتبع الهدي ، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " .

    وبعث الرسالة مع الرجلين .
    * * *

    ازداد شر مسيلمة الكذاب واستشري فساده ، فرأي الرسول صلوات الله عليه أن يبعث إليه برسالة يزجره فيها عن غيه وندب لحمل الرسالة بطل قصتنا حبيب بن زيد .
    وكان يومئذ شاباً ناضر الشباب مكتمل الفتاء مؤمناً من قمة رأسه إلي أخمص قدميه .

    مضي حبيب بن زيد إلي ما أمره رسول الله صلي الله عليه وسلم غير وانٍ ولا متريثٍ ترفعه النجاد وتحطه الوهاد حتي بلغ ديار
    بني حنيفة في أعالي نجد ، ودفع الرسالة إلي مسيلمة .
    فما كاد مسيلمة يقف علي ما جاء فيها حتي انتفخ صدره ضغينةً وحقداً ، وبدا الشر والغدر علي قسمات وجهه الدميم الأصفر ، وأمر بحبيب بن زيد أن يُقيَّد ، وأن يؤتي به إلي ضحي اليوم التالي
    فلما كان الغد تصدر مسيلمة مجلسه ، وجعل عن يمينه وعن شماله الطواغيت من كبار أتباعه ، وأذن للعامة بالدخول عليه ، ثم أمر بحبيب بن زيد فجيء به إليه وهو يرسف في قيوده .
    * * *

    وقف حبيب بن زيد وسط هذه الجموع الحاشدة الحاقدة مشدود القامة ، مرفوع الهامة ، شامخ الأنف ، وانتصب بينها كرمحٍ سمهريٍّ أحكم المثقِّفون تقويمه .
    فالتفت إليه مسيلمة وقال : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟
    قال : نعم أشهد أن محمداً رسول الله .
    فتميز مسيلمة غيظاً وقال : وتشهد أني رسول الله ؟
    فقال حبيب في سخريةٍ لاذعةٍ : إن في أذني صمماً عن سماع ما تقول .
    فامتُقِع وجه مسيلمة وارتجفت شفتاه حنقاً وقال لجلاده : اقطع قطعة من جسده .
    فأهوي الجلاد علي حبيب بسيفه وبتر قطعة من جسده فتدحرجت علي الأرض ...
    ثم أعاد مسيلمة عليه السؤال نفسه : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟
    قال : نعم أشهد أن محمداً رسول الله .
    قال : وتشهد أني رسول الله ؟
    قال : قلت لك : إن في أذني صمماً عن سماع ما تقول .
    فأمر بأن تقطع من جسده قطعة أخري فقطعت وتدحرجت علي الأرض حتي استوت إلي جانب أختها ، والناس شاخصون بأبصارهم إليه ، مذهولون من تصميمه وعناده .
    ومضي مسيلمة يسأل ، والجلاد يقطع ، وحبيب يقول : أشهد أن محمداً رسول الله .
    حتي صار نحوٌ من نصفه بضعاً (قطعاً) مقطعة منثورة علي الأرض .. ونصفه الآخر كتلة تتكلم ...
    ثم فاضت روحه ، وعلي شفتيه الطاهرتين اسم نبي الله الذي يبايعه ليلة العقبة ...
    اسم محمد رسول الله ...

    نعي الناعي حبيب بن زيد إلي أمه نسيبة المازنية فما زادت علي أن قالت : من أجل مثل هذا الموقف أعددته ...
    وعند الله احتسبته ...
    لقد بايع الرسول صلي الله عليه وسلم ليلة العقبة صغيراً ... ووفَّي له اليوم كبيراً ...
    ولئن أمكنني الله من مسيلمة لأجعلن بناته يلطمن الخدود عليه ...
    * * *

    لم يبطئ اليوم الذي تمنته نسيبة كثيرا ...
    حيث أذَّن مؤذن أبي بكر في المدينة أن حيَّ علي قتال المتنبئ الكذاب مسيلمة ...
    فمضي المسلمون يحثُّون الخطي إلي لقائه ، وكان في الجيش نسيبة المازنية وولدها عبد الله بن زيد .
    وفي يوم اليمامة الأغرِّ شوهدت نسيبة تشق الصفوف كاللبؤة (أنثي الأسد ) الثائرة وهي تنادي :
    أين عدو الله ؟
    دلوني علي عدو الله ...
    فلما انتهت إليه وجدته مجدَّلاًعلي الأرض وسيوف المسلمين تنهل من دمائه ، فطابت نفساً ... وقرت عيناً ...
    ولم لا ؟!
    ألم ينتقم الله عز وجل لفتاها البر التقي من قاتله الباغي الشقي ؟!
    بلي ....
    لقد مضي كلٌ منهما إلي ربه ولكن ...
    فريقٌ في الجنة ...
    وفريقٌ في السعير ....


    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 26-10-2017, 08:07 PM.


    ربي
    ليتك تحلـــو والحياة مريرة وليتك ترضي والأنام غضاب
    وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
    إن صح منك الود فالكل هين فكل الذي فوق التراب تراب

  • #2
    رد: صور من حياة الصحابة &lt;&lt; متجدد .. بإذن الله &gt;&gt;
    أبو طلحة الأنصاري
    (زيد بن سهل)
    عرف زيد بن سهل النجَّاريُّ المُكَنَّي بأبي طلحة ، أن الرُّميصاء بنت مِلحان النجَّاريَّة المكنَّاة بأم سليم قد غدت أيِّما(أصبحت بلا زوج) بعد أن توفي زوجها ، فاستطار فرحاً لهذا الخبر .
    ولا غرو (لا عجب) فقد كانت أم سليم سيدةً حَصاناً رزاناً راجحة العقل مكتملة الصفات .
    فعزم علي أن يبادر إلي خطبتها قبل أن يسبقه إليها أحد ممن يطمحون إلي أمثالها من النساء .
    وكان أبو طلحة علي ثقة من أن أم سليم لن تؤثر عليه أحداً من طالبيها ...
    فهو رجلٌ مكتمل الرجولة مرموق المنزلة طائل الثروة ...
    وهو إلي ذلك فارس بني النجار ، وأحد رماة يثرب المعدودين .
    * * *
    مضي طلحة إلي بيت أم سليم ...
    وفيما هو في بعض طريقه تذكر أن أم سليم قد سمعت من كلام هذا الداعية المكيِّ مصعب بن عمير ، فآمنت بمحمد واتبعت دينه .
    لكنه ما لبث أن قال في نفسه : وما في ذلك ؟
    ألم يكن زوجها الذي تُوفِّي عنها مستمسكاً بدين آبائه ، نائياً
    بجانبه (معرضاً عنه) عن محمد ودعوة محمد؟!
    * * *
    بلغ أبو طلحة منزل أم سليم ،واستأذن عليها ، فأذنت له ، وكان ابنها أنسٌ حاضراً ، فعرض نفسه عليها ...
    فقالت : إن مثلك يا أبا طلحة لا يُرَدُّ ، لكني لن أتزوجك وأنت رجل كافر ...
    فظن أبو طلحة أن أم سليم تتعلل (تتصنع له العلل والحجج) عليه بذلك ، وأنها قد آثرت عليه رجلاً آخر أكثر منه مالاً أو أعزَّ نفراً
    فقال لها : و الله ما هذا الذى يمنعك منّى يا أم سليم .
    قالت : و ما الذى يمنعنى إذن ؟!
    قال : الأصفر و الأبيض ... الذّهب و الفضه ...
    قالت : الذّهب و الفضه ؟!
    قال : نعـم .
    قالت : بل إنى أشهدك يا أبا طلحه و أشهد الله ورسوله أنك إن أسلمت رضيت بك زوجاً من غير ذهبٍ ولا فضه .
    وجعلت إسلامك لى مهراً ...
    * * *
    فما إن سمع أبو طلحه كلام أم سليم حتى انصرف ذهنه إلى صنمه الذى اتخذه من نفيس الخشب وخص به نفسه كما كان يفعل الساده من قومه .
    لكن أم سليم أرادت أن تطرق الحديد وهو مازال حامياً فأتبعت تقول : ألست تعلم يا أبا طلحه أن إلهك الذى تعبده من دون الله قد نبت من الأرض ؟!
    فقال : بلى
    قالت : أفلا تشعر بالخجل وأنت تعبد جزع شجرة جعلت بعضه لك إلاهاً بينما جعل غيرك بعضه الآخر وقوداً له يصطلى بناره أو يخبز عليه عجينه ...
    إنك إن أسلمت _ يا أبا طلحه _ رضيت بك زوجاً ولا أريد منك صداقاً غير الإسلام .
    قال : ومن لى بالإسلام ؟
    قالت : أنا لك به .
    قال : و كيف ؟
    قالت : تنطق بكلمة الحق فتشهد أن لا اله الا الله وأن محمداً سول الله , ثم تمضى الى بيتك فتحطم صنمك ثم ترمى به .
    فانطلقت أسارير أبى طلحه وقال : أشهــد أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله .
    ثم تزوج من ام سليم ... فكان المسلمون يقولون : ما سمعنا بمهرٍ قطُّ كان أكرم من مهر أم سليم ... قد جعلت صداقها الإسلام ...
    * * *
    منذ ذلك اليوم انضوى (دخل) أبو طلحه تحت لواء الإسلام , ووضع طاقاته الفذَّة كلها فى خدمته ؛ فكان احد السبعين الذين بايعوا رسول الله بيعة العقبه ومعه زوجه أم سليم .
    وكان أحد النقباء(جمع نقيب وهو الرئيس والمقدم علي جماعته) الإثنى عشر الذين أمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام فى تلك الليله على مسلمى يثرب .
    ثم إنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازيه كلها , وأبلى فيها أشرف البلاء و أعزَّه .
    لكن أعظم أيام أبى طلحه مع رسول الله إنما يومُ اُحد .
    وإ ليك خبرة فى ذلك اليوم .
    * * *
    أحبَّ أبو طلحة رسول الله صلوات الله عليه حباً خالط شغاف (أعماق) قلبه ، وجري مجري الدم من عروقه ، فكان لا يشبع من النظر إليه ، ولا يرتوي من الاستماع إلي عذب حديثه .
    وكان إذا بقي معه جثا بين يديه ، وقال له : نفسي لنفسك الفداء ، ووجهي لوجهك الوقاء .
    فلما كان يوم أحدٍ انكشف المسلمون عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فنفذ إليه المشركون من كل جانب ، فكسروا رباعيته (سنه التي بين الثنية والناب) وشجوا جبينه ، وجرحوا شفته ، وأسالوا الدم علي وجهه ...
    حتي إن المرجفين أرجفوا (زعم الخراصون الكذابون) بأن محمداً قد قُتل ، فازداد المسلمون وهناً علي وهن وأعطوا ظهورهم لأعداء الله .
    عند ذلك لم يثبت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم غير نفرٍ قليلٍ في طليعتهم أبو طلحة .
    * * *
    انتصب أبو طلحة أمام رسول الله صلي الله عليه وسلم كالطَّود الراسخ (الجبل الثابت) بينما وقف النبي عليه الصلاة والسلام خلفه يتترس به (جعله ترساً له ووقاية من رماح الأعداء وسهامهم) ثم وَتَرَ (شدَّ) أبو طلحة قوسه التي لا تُفَلُّ (لا تهزم) وركًّب عليها سهامه التي لا تخطئ ، وجعل يذود بها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم . ويرمي جنود المشركين واحداً إثر واحدٍ .
    وكان النبي عليه الصلاة والسلام يتطاول من خلف أبي طلحة ليري مواقع سهامه فكان يردُّه خوفاً عليه ويقول : بأبي أنت وأمي ، لا تشرف عليهم فيصيبوك . إنَّ نحري دون نحرك وصدري دون صدرك .
    وجُعِلتَ فداك ...
    وكان الرجل من جند المسلمين يمر برسول الله صلي الله عليه وسلم هارباً ومعه الجعبة (كيس السهام) من السهام ، فينادي عليه النبي ويقول له : انثر سهامك بين يدي أبي طلحة ولا تمضِ بها هارباً .
    وما زال أبو طلحة ينافح (يدافع ) عن رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي كسر ثلاث أقواس ، وقتل ما شاء الله أن يقتل من جنود المشركين .
    ثم انجلت المعركة ، وسلَّم الله نَبِيَّه وصانه بصونه .
    * * *
    وكما كان أبو طلحة جواداً بنفسه في سبيل الله في ساعات
    البأس ، فقد كان أكثر جوداً بماله في مواقف البذل ...
    من ذلك أنه كان له بستانٌ من نخيلٍ وأعنابٍ لم تعرف يثرب بستاناً أعظم منه شجراً ، ولا أطيب ثمراً ، ولا أعذب ماءً .
    وفيما كان أبو طلحة يصلِّي تحت أفيائه الظليلة ، أثار انتباهه طائرٌ غردٌ أخضر اللون احمر المنقار ، مخضَّب الرِّجلين ...
    وقد جعل يتواثب علي أفنان الأشجار طرباً مغرداً متراقصاً .. فأعجبه منظره ، وسبح بفكره معه ...
    ثم ما لبث أن رجع إلي نفسه ، فإذا هو لا يذكر كم صلَّي ؟!
    ركعتين ...
    ثلاثاً ... لا يدري ...
    فما أن فرغ من صلاته حتي غدا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وشكا له نفسه التي صرفها البستان ، وشجره الوارف ، وطيره الغرد عن الصلاة ...
    ثم قال له : اشهد يا رسول الله أني جعلت هذا البستان صدقة لله تعالي ...
    فضعه حيث يحب الله ورسوله ...
    * * *
    عاش أبو طلحة صائماً مجاهداً ...
    ومات كذلك صائماً مجاهداً ...
    فقد أثر عنه أنه بقي بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم نحواً من ثلاثين عاماً صائماً لم يفطر إلا أيام الأعياد حيث يحرم
    الصيام . وأنه امتدت به الحياة حتي غدا شيخاً فانياً ، لكن شيخوخته لم تحل دونه ودون مواصلة الجهاد في سبيل الله ، والضرب في فجاج الأرض إعلاءً لكلمته ، وإعزازاً لدينه .
    من ذلك أن المسلمين عزموا علي غزوة في البحر في خلافة عثمان بن عفان .
    فاخذ أبو طلحة يعدُّ نفسه للخروج مع جيش المسلمين ، فقال له أبناؤه : يرحمك الله يا أبانا ، لقد صرت شيخاً كبيراً وقد غزوت مع رسول الله وأبي بكرٍ وعمر ، فهلَّا ركنت إلي الرَّاحة وتركتنا نغزو عنك .
    فقال : إن الله عز وجل يقول (( انفروا خفافاً وثقالاً )) فهو قد استنفرنا جميعاً ... شيوخاً وشباناً ، ولم يحدد لنا سناً .
    ثم أبي إلا الخروج ...
    * * *
    وبينما كان الشيخ المعمَّر أبو طلحة علي ظهر السفينه مع جند المسلمين في وسط البحر ، مرض مرضاً شديداً فارق علي إثره الحياه .
    فطفق المسلمون يبحثون له عن جزيرة ليدفنوه فيها فلم يعثروا علي مبتغاهم إلا بعد سبعة أيام ، وأبو طلحة مسجًّي بينهم لم يتغير فيه شئٌ كانه نائمٌ .
    وفي عرض البحر ...
    بعيداً عن الأهل والوطن ...
    نائياً عن العشير والسكن ...
    دُفِنَ أبو طلحة ...
    وماذا يضيره بعده عن الناس ما دام قريباً من الله عز وجل ... *
    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 26-10-2017, 08:14 PM.


    ربي
    ليتك تحلـــو والحياة مريرة وليتك ترضي والأنام غضاب
    وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
    إن صح منك الود فالكل هين فكل الذي فوق التراب تراب

    تعليق


    • #3
      رد: صور من حياة الصحابة &lt;&lt; متجدد .. بإذن الله &gt;&gt;

      رملة بنت أبي سفيان
      ==========
      ما كان يخطر ببال أبي سفيان بن حرب أن في وسع أحد من قريش أن يخرج علي سلطانه (يخالف أمره) ، أو يخالفه في أمر ذي بال (أمر ذو أهمية وشأن) . فهو سيد مكة المطاع ، وزعيمها الذي تدين له بالولاء .
      لكن ابنته رملة المكناة بأم حبيبة ، قد بددت هذا الزعم . وذلك حين كفرت بآلهة أبيها ، وآمنت هي وزوجها عبيد الله بن جحش بالله وحده لا شريك له ، وصدقت برسالة نبيه محمد بن عبد الله .
      وقد حاول أبو سفيان بكل ما أوتي من سطوة وبأس ، أن يرد ابنته وزوجها إلي دينه ودين آبائه ، فلم يفلح ، لأن الإيمان الذي رسخ في قلب رملة كان أعمق من أن تقتلعه أعاصير أبي سفيان ، وأثبت من أن يزعزعه غضبه .
      * * *
      ركب أبا سفيان الهمُّ بسبب إسلام رملة ، فكا كان يعرف بأي وجه يقابل قريشاً ، بعد أن عجز عن إخضاع ابنته لمشيئته ، والحيلولة دونها ودون اتباع محمد .
      * * *
      ولما وجدت قريش أن أبا سفيان ساخط علي رملة وزوجها اجترأت عليهما . وطفقت تضيق عليهما الخناق ، وجعلت ترهقهما أشد الإرهاق ، حتي باتا لا يطيقان الحياة في مكة .
      ولما أذن الرسول صلوات الله وسلامه عليه للمسلمين بالهجرة إلي الحبشة ، كانت رملة بنت أبي سفيان وطفلتها الصغيرة حبيبة ، وزوجها عبيد الله ابن جحش ، في طليعة المهاجرين إلي الله بدينهم ، الفارِّين إلي حمي النجاشي بإيمانهم .
      * * *
      لكن أبا سفيان بن حرب ومن معه من زعماء قريش ، عزَّ عليهم أن يفلت من أيديهم أولئك النفر من المسلمين ، وأن يذوقوا طعم الراحة في بلاد الحبشة .
      فأرسلوا رسلهم إلي النجاشي يحرضونه عليهم . ويطلبون منه أن يسلمهم إليهم ، ويذكرون له أنهم يقولون في المسيح وأمه مريم قولاً يسوؤه .
      فبعث النجاشي إلي زعماء المهاجرين ، وسألهم عن حقيقة دينهم وعمَّا يقولونه في عيسي بن مريم وأمه ، وطلب إليهم أن يسمعوه شيئاً من القرآن الذي ينزل علي قلب نبيهم .
      فلما أخبروه بحقيقة الإسلام ، وتلوا عليه بعضاً من آيات القرآن ، بكي حتي اخضلَّت لحيته وقال لهم : إن هذا الذي أُنزل علي نبيكم محمد ، والذي جاء به عيسي ابن مريم يخرجان من مشكاة واحدة .
      ثم أعلن إيمانه بالله وحده لا شريك له ، وتصديقه لنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليه ...
      كما أعلن حمايته لمن هاجر إلي أرضه من المسلمين علي الرغم من أن بطارِقَتَه أبوا أن يسلموا ، وظلوا علي نصرانيتهم .
      * * *
      حسبت أم حبيبة بعد ذلك أن الأيام صفت لها بعد طول عبوس ، وأن رحلتها الشاقة في طريق الآلام قد أفضت بها إلي واحة الأمان ...
      إذ لم تكن تعلم ما خبأته لها المقادير ...
      * * *
      فلقد شاء الله تباركت حكمته ، أن يمتحن أم حبيبة امتحاناً قاسياً تطيش فيه عقول الرجال ذوي الأحلام (أصحاب العقول) ، وتتضعضع أمامه أفهام ذوي الأفهام .
      وأن يخرجها من ذلك الابتلاء الكبير ظافرة تتربع علي قمر النجاح ...
      * * *
      ففي ذات ليلة أوت أم حبيبة إلي مضجعها ، فرأت فيما يراه النائم أن زوجها عبيد الله بن جحش يتخبط في بحر لُجِّيٍّ غشيته ظلمات بعضها فوق بعض ، وهو بأسوإ حال ....
      فهبَّت من نومها مذعورة مضطربة ...
      ولم تشأ أن تذكر له أو لأحد غيره شيئاً مما رأت ...
      لكن رؤياها ما لبثت أن تحققت ، إذ لم ينقضِ يوم تلك الليلة المشئومة حتي كان عبيد الله ابن جحش ، قد ارتدَّ عن دينه وتنصَّر ...
      ثم أكبَّ علي حانات الخمارين يعاقر أم الخبائث فلا يرتوي منها ولا يشبع .
      وقد خيَّرها بين أمرين أحلاهما مُرٌّ :
      فإما أن تُطلَّق ...
      وإما أن تتنصر...
      * * *
      وجدت أم حبيبة نفسها فجأة بين ثلاث :
      فإما أن تستجيب لزوجها الذي جعل يلحُّ في دعوتها إلي التنصر ، وبذلك ترتدُّ عن دينها _ والعياذ بالله _ وتبوء بخزي الدنيا وعذاب الآخرة .
      وهو أمر لا تفعله ولو مشط لحمها عن عظمها بأمشاط من حديد ...
      وإما أن تعود إلي بيت أبيها في مكة ، وهو ما زال قلعة للشرك ، فتعيش فيه مقهورة مغلوبة علي دينها ...
      وإما أن تبقي في بلاد الحبشة وحيدة ، شريدة ، لا أهل لها ولا وطن ولا معين .
      فآثرت ما فيه رضي الله عز وجل علي ما سواه ..
      وأزمعت (عزمت وقررت) علي البقاء في الحبشة حتي يأتي الله بفرج من عنده .
      * * *
      لم يطل انتظار أم حبيبة كثيراً .
      فما إن انقضت عدتها من زوجها الذي لم يعش بعد تنصره إلا قليلاً حتي أتاها الفرج ...
      لقد جاءها السَّعد يرفرف بأجنحته الزُّمُرُّدِيَّة الخضر فوق بيتها المحزون علي غير ميعاد ...
      ففي ذات ضُحيً مفضَّض السنا طلق المُحيَّا طُرق عليها الباب ، فلما فتحته فوجئت (( بأبرهة )) وصيفة النجاشي ملك الحبشة .
      فحيَّتها بأدب وبشر ، واستأذنت بالدخول عليها وقالت : إن الملك يحيِّيك ويقول لك : إن محمداً رسول الله قد خطبك لنفسه ...
      وإنه بعث إليه كتاباً وكله فيه بأن يعقد له عليكِ ... فوكلِّي عنك من تشائين .
      * * *
      استطارت أم حبيبة فرحاً ، وهتفت : بشَّركِ الله بالخير ... بشِّركِ الله بالخير ...
      وطفقت تخلع ما عليها من الحليِّ ، فنزعت سواريها ، وأعطتهما لأبرهة ..
      ثم ألحقتهما بخلخالها ... ثم أتبعت ذلك بقرطيها وخواتيمها ...
      ولو كانت تملك كنوز الدنيا كلها لأعطتها لها في تلك اللحظة .
      ثم قالت لها : لقد وكلت عني خالد بن سعيد بن العاص ، فهو أقرب الناس إليِّ .
      * * *
      وفي قصر النجاشي الرابض علي رابية شجراء (رابية ذات شجر) مطلة علي روضة من رياض الحبشة النضرة .
      وفي أحد أبهائه (جمع بهو وهو القاعة الواسعة) الفسيحة المزدانة بالنقوش اللزاهية ، المضاءة بالسرج (جمع سراج وهو المصباح الذي يضاء بالزبت) النحاسية الوضائة ، المفروشة بفاخر الرِّياش اجتمع وجوه الصحابة المقيمون في الحبشة ، وعلي رأسهم جعفر بن أبي طالب ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وعبد الله بن حذافة السهمي ، وغيرهم ليشهدوا عقد ام حبيبة بنت أبي سفيان علي رسول الله صلي الله عليه وسلم .
      فلما اكتمل الجمع ، تصدر النجاشئ المجلس وخطبهم فقال : أحمد الله القدوس المؤمن الجبار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنه هو الذي بشَّر به عيسي بن مريم .
      أما بعد :
      فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم طلب منِّي أن أزوِّجه أم حبيبة بنت أبس سفيان ، فأجبته إلي ما طلب ، وأمهرتها نيابةً عنه أربعمائة دينار ذهباً ...
      علي سنَّة الله ورسوله ...
      ثم سكب الدنانير بين يدي خالد بن سعيد بن العاص .
      وهنا قام خالدٌ فقال :
      الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأستغفره ،وأتوب إليه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بدين الهدي والحقِّ ليظهره علي الدين كله ولو كره الكافرون .
      أما بعد :فقد أجبت طلب رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وزوجته موكلتي أم حبيبة بنت أبي سفيان .
      فبارك الله لرسوله بزوجته .
      وهنيئاً لأم حبيبة بما كتب الله لها من الخير ...
      ثم حمل المال وهمَّ أن يمضي به إليها ، فقام أصحابه لقيامه وهمَّوا بالإنصراف أيضاً .
      فقال لهم النجاشي : اجلسوا فإن سنَّة الأنبياء إذا تزوجوا أن يطعموا طعاماً .
      ودعا لهم بطعام فأكل القوم ثم انفضَّوا .
      * * *
      قالت أم حبيبة :
      فلما وصل المال إليِّ أرسلت إلي (( أبرهة )) التي بشرتني خمسين مثقالاً من الذهب وقلت : إني كنت اعطيتك ما أعطيت حين بشرتني ، ولم يكن عندي يومئذٍ مالٌ ...
      فما هو إلا قليلٌ حتي جاءت أبرهة إليِّ وردَّت الذَّهب ، وأخرجت حُقاً (وعاء الطيب) فيه الحليُّ الذي كنت أعطيتها إياه ، فردَّته إليَّ أيضا وقالت :
      إن الملك قد عزم عليَّ ألا آخذ منك شيئاً .
      وقد أمر نساءه أن يبعثن لك بكل ما عندهنَّ من الطيب .
      فلمَّا كان الغد جاءتني بورسٍ (نبات أصفر يتخذ منه الزعفران) وعودٍ (ضرب من الطيب يتبخر به) وعنبر ثم قالت لي :
      إن لي عندك حاجة ...
      فقلت : وما هي ؟!
      فقالت : لقد أسلمت واتبعت دين محمد فاقرئي علي النبي منِّي السلام وأعلميه أني آمنت بالله ورسوله ولا تنسي ذلك .
      ثم جهَّزتني (أعدت لي جهازي) .
      * * *
      ثم إني حُملتُ إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم .
      فلما لقيته ، أخبرته بما كان من أمر الخِطبة ، وما فعلته مع (( أبرهة )) وأقرأته منها السلام .
      فسُرَّ بخبرها وقال : وعليها السلام ورحمة الله وبركاته * .



      ربي
      ليتك تحلـــو والحياة مريرة وليتك ترضي والأنام غضاب
      وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
      إن صح منك الود فالكل هين فكل الذي فوق التراب تراب

      تعليق


      • #4
        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا وبارك الله فيكم

        تعليق

        يعمل...
        X