إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللقاء التاسع عشر | أولئك آبائي للدكتور رضا السيد | بصائر3

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللقاء التاسع عشر | أولئك آبائي للدكتور رضا السيد | بصائر3




    لا ريب في أن التربية بالقدوة طريقٌ مُعبَّدٌ لطلاب العلم في كافة فروع الشريعة وعلومها، وأردتُ أن أتحدث عن بعض هؤلاء الأعلام ترجمةً سريعةً يسيرةً حول هؤلاء.
    أبدأ بإمامهم وكبيرهم: الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم أُثَنِّي بعد ذلك بتلميذه النجيب: سيبويه، ثم بعد ذلك يأتي في الترجمة الثالثة: الكسائي -رحمه الله-، ثم أختم بابن جني، رحم الله كل علماء السلف الصالح ممن اهتموا باللغة ورفعوا شأنها فأعزَّ الله ذِكْرهم ورفع شأنهم.
    في كل ترجمةٍ لواحد من هؤلاء الأعلام أبدأ بذِكْر اسمه، والمَوْلِد، والنَّشأة، وطَلَبِهِ للعلم، وشيوخه، وطُلَّابِهِ، ثم أَذْكُر بعد ذلك ثناء أهل العلم عليه ومنزلته بينهم، ثم أذكر أشهر كتابٍ كتبه مع جملةٍ من مؤلفاته وبِمَ امتاز هذا الكتاب.




    اللقاء التاسع عشر | أولئك آبائي للدكتور رضا السيد | بصائر3



    تفضلوا معنا في تحميل الدرس الأول بجميع الصيغ



    رابط الدرس على الموقع وبه جميع الجودات

    http://way2allah.com/khotab-item-136597.htm

    رابط صوت mp3


    http://way2allah.com/khotab-mirror-136597-217572.htm



    رابط الجودة hd

    http://way2allah.com/khotab-mirror-136597-217571.htm

    رابط يوتيوب




    رابط ساوند كلاود

    https://soundcloud.com/way2allahcom/ola2ek-aba2y


    رابط تفريغ بصيغة pdf

    https://up.top4top.net/downloadf-663xsx0s2-pdf.html

    رابط تفريغ بصيغة word


    https://up.top4top.net/downloadf-663rnrji1-docx.html

    لمشاهدة جميع دروس الدورة وتحميلها على هذا الرابط:

    http://way2allah.com/category-585.htm


    | جدول دورة بصائر لإعداد المسلم الرباني | الجزء الثالث |


    موضوع مخصص للاستفسارات الخاصة بالدورة العلمية " بصائر3 "


    لقراءة التفريغ مكتوب
    تابعونا في المشاركة الثانية بإذن الله.
    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 31-10-2017, 11:56 PM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.


  • #2
    إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه مَن يَهْدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِل فلن تَجِد له وليًّا مُرْشِدًا، وبعد:
    فهذا هو اللقاء الخامس مع حضراتكم عبر هذه السلسلة المباركة بصائر عبر شبكة الطريق إلى الله، وهذا هو اللقاء الخامس بفضل الله -عز وجل- والأخير.


    أردتُ وأراد الله -عز وجل- من قبل أن يكون اللقاء معكم هذا اليوم حول "في بستان هؤلاء العلماء الذين رفعوا شأن اللغة فرفع الله شأنهم"، ولا ريب في أن التربية بالقدوة طريقٌ مُعبَّدٌ لطلاب العلم في كافة فروع الشريعة وعلومها، وأردتُ أن أتحدث عن بعض هؤلاء الأعلام ترجمةً سريعةً يسيرةً حول هؤلاء.
    أبدأ بإمامهم وكبيرهم: الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم أُثَنِّي بعد ذلك بتلميذه النجيب: سيبويه، ثم بعد ذلك يأتي في الترجمة الثالثة: الكسائي -رحمه الله-، ثم أختم بابن جني، رحم الله كل علماء السلف الصالح ممن اهتموا باللغة ورفعوا شأنها فأعزَّ الله ذِكْرهم ورفع شأنهم.
    في كل ترجمةٍ لواحد من هؤلاء الأعلام أبدأ بذِكْر اسمه، والمَوْلِد، والنَّشأة، وطَلَبِهِ للعلم، وشيوخه، وطُلَّابِهِ، ثم أَذْكُر بعد ذلك ثناء أهل العلم عليه ومنزلته بينهم، ثم أذكر أشهر كتابٍ كتبه مع جملةٍ من مؤلفاته وبِمَ امتاز هذا الكتاب.



    الخليل بن أحمد الفراهيدي
    • اسمه ومولده
    أبدأ بالخليل بن أحمد الفراهيدي، هو الخليل بن أحمد الفراهيدي -رحمه الله- الذي وُلِد في عام مائة للهجرة، وتُوفي في عام مائةٍ وسبعين للهجرة، إذن عاش قريبًا من سبعين سنة، كان مولده في العام المُتَمِّم مائة من الهجرة في زمن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وكأن الخلفاء العادلين يُنبِت الله -عز وجل- لهم علماء أَجِلَّاء ربانيين يحمون الأمة ويدافعون عن بيضة الدين. قال ابن أبي خيثمة: "أول مَن سُمِّي في الإسلام أحمد بعد رسول الله الخليل بن أحمد".
    • صفاته
    عاش الخليل بن أحمد في البصرة -رحمه الله- مُتَقَشِّفًا مُتَعَبِّدًا، وانظر إلى صفاته فإنَّ حديث الصفات حول هؤلاء العلماء مِن شأنه أن يغرس هذه الصفات وأمثالها في قلوب طلاب العلم.
    حياته -رحمه الله- وُصِفَت أولًا بالزُّهد والتَّعَبُّد، حتى أنه كان يقول عن نفسه: "إني لأُغلق عليَّ بابي فما يجاوزه همي"، كان جُلُّ اهتمامه بإصلاح نفسه ولا يشكو ذلك لأحد وإن كان مُصَابًا بالفقر بل كان مُقْعَدًا بسبب هذا الفقر كما سيأتي معنا.
    الخليل بن أحمد مع هذا الزُّهد إلا أنه كان طُلَّابه يتكَسَّبون الذهب بالعلم الذين تعلَّموه على أيدي الخليل، وليس أدلّ على ذلك مما حكاه عنه تلميذه النضر بن شميل قال: "أقام الخليل في خُصٍّ من أخصاص البصرة.." كوخ ضيّق صغير ".. لا يقدر على فَلسين وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال". ورُوِي له في الزهد:
    وقبلك داوى الطبيبُ المريضَ فعاش المريض ومات الطبيب

    كان يتميز بالزهد، والورع، وكثرة العبادة، ومع ذلك جمع إلى كل هذا جميل الملاطفة وحُسن المفاكهة، فمِن ذلك مثلًا أن طالبًا أتاه ليتعلم على يديه العَروض، فأجهد الخليل نفسه مع هذا الطالب إلا أنَّ عقله كان بلقعًا لا يستقر فيه علم العَروض، كلما حاول تصويبه لا يُفلِح، والعلم رزق من الله -عز وجل-، فما كان من الخليل إلا أن قال له: قَطِّع هذا البيت وانسبه إلى بحره، والبيت يقول فيه:
    إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شيئًا فَدَعْهُ وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ
    فحاول الرجل أن يوضح العروض في هذا البيت، ويبين تفعيلاته، ويقطِّع البيت، وينسبه إلى بحره، إلَّا أنَّ الرجل بعد جُهْدٍ جهيد لم يُفلِح مع سهولة البحر، فهنا البحر الوافر، إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شيئًا فَدَعْهُ وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ، مُفَاعَلَتُن مُفَاعَلَتُن فعول، إلى آخره، لكن الرجل يبدو أنه كان عنده بعض الفطنة في التعامل الذكي، فَهِم أن الخليل يصرفه فانصرف بحُسن أدبٍ.

    الخليل -رحمه الله- كان مَثَلًا للعلماء المتواضعين، كان جَمّ التواضع، حَسِن الحديث، ومن ذلك مثلًا أنه مِن تواضعه ما حكاه أيوب بن المتوكل قال: "كان الخليل إذا أفاد إنسانًا شيئًا لم يُرِه أنه أفاده.."، إذا أفاد إنسانًا شيئًا في علمٍ أو مسألةٍ من مسائل العلم الكثير التي كان يُجيدها ويُحْسِنها التي ستأتي معنا، إذا أفاد إنسانًا شيئًا لم يُرِه أنه أفاده، ".. وإن استفاد من أحدٍ شيئًا أراه بأنه استفاد منه"، هذا الرجل الذي كان متواضعًا يهضم حظ النفس لا يتعالى بل يقرّ لكل صاحب فضلٍ بفضله، ومع ذلك يفيد جَمْعًا غفيرًا من الناس ولا يعترف لنفسه بأيّ فضل.
    • شيوخه
    الخليل -رحمه الله- تتلمذ على يد شيوخ كبار منهم: أيوب البصري، وعاصم الأحول البصري، والعوام بن حوشب، وغالب القطان البصري، وأبو عمرو بن العلاء من كبار شيوخ القراءات، وعثمان الأسدي، وغيرهم كثير تتلمذ الخليل على أيديهم.
    • تلاميذه
    وقد تتلمذ على يديه -رحمه الله- عددٌ جم كبير من طلبة العلم على رأسهم وفي طليعتهم ومقدمتهم: سِيبَوَيه إمام اللغة العربية، فعن تلاميذه في مقدمتهم: سِيبَوَيه، ومنهم أيضًا: الأصمعي، وحماد بن يزيد، وأيوب بن المتوكل البصري القارئ، وكثير جدًّا من علماء اللغة وعلماء النحو والصرف والعَروض وغيره تعلموا هذه العلوم على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي.
    • مؤلفاته
    من أشهر مؤلفاته وفي طليعتها وصدرها ومقدمتها: كتاب العين، وهو أول معجم وُضِع في لغة العرب، كتاب العين وما فيه من نفائس ودرر، وما فيه من طريقةٍ علميةٍ منظمةٍ مهذبة، وسيأتي معنا حديثٌ سريع حول هذا الكتاب، فكتاب العين أفضل كتب الخليل، إذا ذُكر الخليل بن أحمد ذُكر كتاب العين، وإذا ذُكر كتاب العين ذُكر الخليل بن أحمد -رحمه الله-.

    ومن هذه الكتب التي أنشأها ودبَّجها: فائت العين، وكتاب العَروض، والشواهد، وكتاب النقط والشكل، وكتاب النغم، وكتاب في معنى الحروف، وكتاب في العوامل، العوامل المائة، وكتاب الإيقاع، وكتاب تصريف الفعل، وكتاب التفاحة في النحو، وكتاب جملة آلات الإعراب، وكتاب شرح صرف الخليل، وكتاب الجمل، وكتاب المُغْني، وغيرها كثير من الكتب ألَّفها الخليل، لكن على كل حال ومهما يكن من أمر فإن أفضل ما ألف الخليل هو كتاب ومعجم العين.

    كتاب العين لِمَ سُمي بكتاب العين؟ لأنه بدأه بحرف العين، رتب حروف المعجم على مخارج الحروف لكن سيبويه يقول: أن الهمزة قبل العين في مَخْرَجها، لكن هذا الرجل العالم ذكر سبب الاختيار، قال -رحمه الله- الخليل: "لم أبدأ بالهمزة؛ لأنها يلحقها النقص والتغيير والحذف..." أحيانًا تُنقَص من الكلمة، وأحيانًا تُغَيَّر، وأحيانًا تُحذَف وتُبَدَّل، "ولم أبدأ بالألف؛ لأنها لا تكون في ابتداء الكلام لا في اسمٍ ولا فعلٍ إلا زائدة أو مُبدلة، ولا بالهاء؛ لأنها مهموسةٌ خفيفة لا صوت لها" قال: "فنزلت إلى الحَيِّز الثاني وفيه العين والحاء فوجدت العين أنصع الحرفين فابتدأتُ به؛ ليكون أحسن في التأليف".
    • منزلته بين العلماء
    الخليل -رحمه الله- له منزلةٌ كبرى بين علماء الشريعة وعلماء اللغة قاطبةً كافة، فقد قال عنه حمزة بن الحسن الأصبهاني في كتابه التنبيه على حدوث التصحيف:
    "وبعدُ فإن دولة الإسلام لم تُخرج أبدع للعلوم التي لم تكن لها أصول عند علماء العرب من الخليل، وليس على ذلك برهانٌ أوضح من علم العَروض الذي لا عن حكيمٍ أخذه، ولا على مثالٍ تقدَّمه احتذاه، وإنما اخترعه من ممرٍّ له بالصفَّارين، من وقع مطرقة على طِست".
    الخليل بن أحمد الفراهدي روى عن نفسه في سبب تأليف علم العَروض قال: وكنت مجاورًا في مكة في الكعبة شرَّفها الله -عز وجل- وحفظ الله كل مقدسات المسلمين، قال: كُنت مجاورًا فشربت من زمزم ودعوت الله -عز وجل- أن يفتح عليَّ بعلمٍ لم يُفتح على أحدٍ به قبلي، ثم فتح الله عليَّ بعلم العَروض.
    علم العَروض: علم ضبط وأوزان الشعر، صنَّف فيه خمسة عشرة بحرًا بكل ما فيها من علل، وأخرج منها الزِحَافات، وما فيها مما يعترض علم العَروض، ولم يُزَد على تأليفه لهذه البحور إلا بحرٌ واحد زاده الأخفش وسماه: المُتَدَارَك.

    قال عنه سفيان بن عُيينة وهو من سلفنا الصالحين ومن علمائنا الكبار في علم الحديث، قال سفيان بن عيينة: "من أحب أن ينظر إلى رجلٍ خُلِق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد"، شهادة كلها تعديل لسيرته وعلمه، يقول سفيان بن عيينة: "من أحب أن ينظر إلى رجلٍ خُلق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد".

    ويُروى عن تلميذه النضر أنه قال: "كنا نُمَيِّل بين عونٍ والخليل أيهما نُقَدم في الزهد والعبادة"، ويقول: "ما رأيت رجلًا أعلم بالسنة بعد ابن عونٍ من الخليل بن أحمد"، فكأنه لم يكن عالمًا فقط في اللغة في نحوها، وصرفها، وعَروضها، وكل علومها، بل كان أيضًا من علماء السُنَّة، وكان يقول: "أُكلت الدنيا بأدب الخليل وكتبه وهو في خُصٍّ لا يُشعَر به، وكان من الزهاد العارفين" وقال الصيرفي: "كان الغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله"، وقال عنه ابن حبان في الثقات: "كان الخليل من خيار عباد الله في العبادة".

    سبحان الله هذا الرجل الذي ترك علمًا كبيرًا، وترك تراثًا عظيمًا لأمة الإسلام، فهو صاحب أول معجم في اللغة العربية: كتاب العين، وهو صاحب التشكيل الذي ما زلنا نستخدمه حتى عصرنا لم يتغير من الضمة، والفتحة، والكسرة، والشدة، وهو صاحب علم العَروض الذي قيل عنه لم تعرف البشرية علمًا مثل هذا العلم فهو من خصائص تلك اللغة، ويكفيه فخرًا أنه الأب والوالد والمربي لتلميذه النجيب: سيبويه.


    سيبويــه
    • اسمه ومولده ونشأته
    فمن هو سيبويه؟ وما اسمه؟ ولم لُقِب بهذا اللقب؟ ومن شيوخه؟ وكيف لازَم الخليل؟ وما مذهبه؟
    ننتقل الآن إلى شيخ آخر من أشياخ اللغة العربية، وعَلَمٍ من أعلامها وهو: سيبويه، سيبويه شُهر بهذا اللقب وهو ليس اسمًا له بل وَصف، وكلمة سيبويه في اللغة الفارسية من مقطعين: سيب-ويه أي رائحة التفاح، هو أبو بِشر عمرو بن عثمان بن قُنبُر الملقب بسيبويه، الذي وُلد سنة مائة وأربعين للهجرة، ومات في ريعان الشباب مفاجأةً، يُقال أنه مات بعد غمٍّ أصابه وسيأتي طرفٌ حول هذا الأمر.
    أبو بِشر عمرو بن عثمان بن قُنبُر الملقب بسيبويه، المولود مائة وأربعين للهجرة، إمام النُحاة، وحُجة العرب، وأول من بسط علم النحو، وصاحب الكتاب: "حجة العربية ودستورها"، بل هو علم الأعلام إمام كل إمام، مالك أزِمَّة الأدب، وملك علوم العرب، لُقب بسيبويه وهو لقبٌ فارسي كما سلف معنا ومعناه رائحة التفاح بالعربية، وُلد سيبويه بشيراز وقدم البصرة وهو غلامٌ صغير؛ ليقترب من مراكز العلم.

    انظر إلى سيبويه لم يكن لوالدين عربيين بل وُلد في شيراز في فارس، ومع هذا كان من المقدَّمين في خدمة اللغة العربية.
    اللغة العربية أكثر مَن خدموها ليسوا عربًا، جُلُّ علماء العربية وأكابرهم لم يكونوا من العرب وخدموها، بل وجُلُّ علوم الشريعة والحديث والتفسير كانوا في جملتهم وأكثرهم لم يكونوا من العرب بل كانوا من الأعاجم، فيا له من دين، ويا لها من لغة يخدمها غير أهلها قبل أن يخدمها أهلها.
    • شيوخه
    شيوخ سيبويه على رأسهم: الخليل بن أحمد الفراهدي، ولذلك وفاءً من الطالب لأستاذه كان يذكر الخليل في طول كتابه وعرضه، ذكره أكثر من خمسمائة مرة، يذكر أستاذه، ويذكر آراءه، ويترضَّى ويترحم عليه، وممن تعلم على أيديهم سيبويه: أبو الخطاب الأخفش الكبير، وثالثهم: عيسى بن عمرو، ورابعهم: أبو زيد النحوي.

    لازَم سيبويه الخليل ملازمة الظل لصاحبه، وكان كثير الدخول عليه، وكان ملازِمًا كل الملازمة للخليل بن أحمد، فكان إذا أقبل سيبويه على الخليل يقول: "مرحبًا بزائرٍ لا يُمَل"، تزكيةٌ من أستاذه له.
    وفي هذه عبرة وعظة، فينبغي على كل مربي وكل عالم وداعية يلتمس الخير في طالبٍ من طُلابه ويأنس فيه الرشدَ، يجب أن يقرِّبه إليه، وأن يحببه، وأن يتلطف معه، وأن يعطيه من الوجاهة ما يدفعه إلى العلم والتحصيل أكثر وأكثر، كان الخليل بن أحمد يقول لتلميذه وربيبه سيبويه: "مرحبًا بزائرٍ لا يُمَلّ".

    وكان كثير المجالسة للخليل يقول راوي الخبر: ما سمعت الخليل يقولها لأحدٍ إلا لسيبويه، وكان يقول: من أصحاب الخليل أربعةٌ: سيبويه، والنضر بن شُميل، وأبو فيد مؤرج العجلي، وعلي بن نصر الجهضمي، فكان سيبويه أعلمهم باللغة، وآخَرهم كان قد تخصص في الحديث، وثالثهم في التفسير إلى آخره.
    مذهب سيبويه كمذهب أستاذه، كان على مذهب البصريين، معروفٌ أن النحو كان قد انقسمته مدرستان كبريان: مدرسة البصرة، ومدرسة الكوفة، وكان سيبويه رأسًا من رؤوس مدرسة البصرة.
    • مكانة سيبويه العلمية وثناء العلماء عليه
    وقد شهد لسيبويه القاصي والداني، حتى قال معاوية بن بكر العُليمي وقد ذُكر عنده سيبويه قال: "رأيته وكان حديث السن، وكنت أسمع في ذلك العصر أنه أثبتُ -سيبويه- مَن حَمل عن الخليل، وقد سمعته يناظر في النحو، ونظرت في كتابه فقلمه أبلغ من لسانه" قلمه كان أبلغ من لسانه.
    • كتابه
    أما عن كتاب سيبويه ومنزلته فقد تحدث العلماء عنه قديمًا وحديثًا بما لا يُجهل ولا يُنكر، قال صاعد بن أحمد الجياني: "لا أعرف كتابًا أُلف في علمٍ من العلوم..." لم يقل علوم العربية قال: "لا أعرف كتابًا أُلف في علمٍ من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب" ذكر منها كتاب سيبويه البصري النحوي، فإنه لم يشذّ عن هذا الكتاب ولا مسألةٌ من مسائل النحو.
    قال عنه الجاحظ وما أدراك من الجاحظ، عمرو بن بحر الجاحظ -رحمه الله وغفر له اعتزاله- وهو شيخ من شيوخ العربية، وقُطب من أقطابها، قال عن هذا الكتاب: "كتابٌ لم يكتب الناس مثله في النحو، وجميع كتب الناس عليه عيال" كل كتابٍ كُتب في النحو بعد الكتاب لسيبويه صار عيالًا على هذا الكتاب.

    تسمية كتاب سيبويه .. وسبب تسميته بهذا الاسم
    لم سُمي هذا الكتاب بهذا الاسم؟ يُروى أنه توفي سيبويه في ريعان الشباب، لم يمهله القدَر لكي يُتِمَّ الكتاب، ويكمل تصنيفه، ويكتب له مقدِّمةً أو مقدَّمةً وخاتمة، فلم يضع لهذا الكتاب عنوانًا فأخرجه تلميذه أبو الحسن الأخفش دون وضع اسمٍ له فسُمِّي: "الكتاب"، وصار عَلَمًا بالغلبة على هذا الكتاب.

    كتاب سيبويه قال عنه محمد بن يزيد المُبَرِّد: "إذا أراد مريدٌ أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول له: هل ركبت البحر تعظيمًا له واستصعابًا".
    وقال ابن كثير -رحمه الله- المؤرخ: "وقد صنف سيبويه في النحو كتابًا لا يُلحَق شَأْوُه، وشرحه أئمة النُحاة بعده فانغمروا في لُجَج بحره، واستخرجوا من درره، ولم يبلغوا إلى قعره".
    وقال المازني -رحمه الله-: "من أراد أن يعمل كبيرًا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي"، يقول المازني: "من أراد أن يعمل كبيرًا" يعني أن يصنع ويصنف كتابًا كبيرًا في النحو بعد كتاب سيبويه "فليستحي".

    منهج سيبويه في الكتاب إنه منهج الفطرة، لم يرتب على أبواب النحو المعروفة التي عُرفت مؤخرًا، وقد كان يعتبر ممن افترعوا هذا العلم ومن أوائل المؤلفين فيه، لكن على الإجمال يُقال: إنه استحضر فيه منهج الفطرة.
    يمكن أن يُقال على الإجمال إنه كان في تصنيف الكتاب يتجه إلى فكرة الباب كما تتمثل له فيستحضرها، ويضع المعالم لها، ثم يعرضها جملةً أو آحادًا، وينظر فيها تصعيدًا أو تصويبًا، ومن خلال ذلك يوازن، ويقيس، ويَذكر، ويُعِدّ، ويستفتي الذوق، ثم يورد الأمثلة ويشرحها، ويطرق أبواب العربية كلها، يطرق كل أبواب العربية من الشعر،
    والنثر، والحديث، والقرآن، وكلام الأئمة لاسيما هذا الكلام الذي صنفه أستاذه الخليل بن أحمد.
    لم يُعمَل كتاب في علمٍ من العلوم مثل كتاب سيبويه؛ وذلك أن الكتب المصنفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَن فَهِمَه إلى غيره، أنت إذا قرأت في أي علمٍ من العلوم ربما تحتاج كتابًا وكتابين وثلاثة وأربعة، إلا "الكتاب" مَن أتقنه لم يحتج إلى غيره.
    • وفاته
    توفي سيبويه -رحمه الله- كما سلف معنا في ريعان الشباب، ويُذكر أن وفاته لم تكن بطريقةٍ طبيعية، فإنه حين عَلِم أنه بعد مناظرة الكسائي تحاملوا عليه وتعصبوا للكسائي خرج من بغداد وقد حمل في نفسه لِما جرى عليه، وقصد بلاد فارس ولم يُعَرِّج على البصرة وأقام هنالِك مدةً إلى أن مات كمدًا -رحمه الله-، وما أكثر العلماء الذين يموتون كمدًا بعد خلافٍ أو منافسةٍ يشعرون فيها بالضيم، ويشعرون أن خصمهم قد غلب؛ لقوة سلطانٍ وليس لقوة حجة.


    الكســائي
    • اسمه ومولده ونشأته
    من هؤلاء الأعلام أيضًا الكسائي -رحمه الله-، سُمِّي الكسائي بذلك؛ لأنه لكساءٍ كان يلتف فيه أيام تلاوته على حمزة، وُلد الكسائي -رحمه الله- في الكوفة، وتعلَّم بها، وتنقَّل في البادية، وسكن بغداد، وتوفي بالري عن سبعين عامًا.
    • مؤلفاته
    له العديد من المؤلفات -رحمه الله- منها: معاني القرآن، والمصادر، والحروف، والقراءات، وهو شيخ من شيوخ القراءات والنوادر، وله كتاب في متشابه القرآن، وما يَلحَن فيه العوام، وما اشتبه لفظه من ألفاظ القرآن، ومختصرٍ في النحو.
    • شيوخه
    تتلمذ -رحمه الله- على يد: جعفر الصادق، والأعمش، وسليمان بن أرقم، وجالَس في النحو الخليل بن أحمد الفراهيدي.
    • منزلته بين العلماء
    قال عنه الشافعي -رحمه الله-: "مَن أراد أن يتبحر في النحو فهو عيالٌ على الكسائي"، وقال ابن الأنباري: "اجتمع فيه أنه كان أعلم الناس بالنحو، وأوحدهم في الغريب، وكان أوحد في علوم القرآن"، وعن خلف قال: "كنت أحضر بين يدي الكسائي وهو يتلو ويُنَقِّطُون على قراءته مصاحفهم".
    • تلاميذه
    تتلمذ على يد الكسائي -رحمه الله- جَمٌّ غفيرٌ من طلاب العلم وطلاب القراءات والنحو واللغة، منهم: أبو عمرو الدوري العَلَم من أعلام القراءة، وأبو الحارث الليث، ونُصَير الرازي، وقتيبة الأصبهاني، وأحمد بن سُرَيج، وأحمد بن جريج الأنطاكي، ويحيى الفرَّاء، وأبو عبيد، وآخرون خَلقٌ كثير.
    • مواقف له
    الكسائي -رحمه الله- كان رجلًا أوابًا، فإذا شعر بلذة العلم آب وعاد، قال: "صلَّى خلفي هارون الرشيد فأعجبتني قراءتي، فأخطأتُ في آيةٍ لا يخطئ فيها الصبيان، فلما انتهيت سألني وقال: يا كسائي أيُّ لغةٍ هذه؟ فقلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد، فقال: أمَّا هذا فنَعم، قال: وما حملني على الخطأ إلا أنني شعرت بلذة القراءة ورأيت نفسي فأخطأت فردني الله -عز وجل-"
    حُسِد الكسائي حسدًا كثيرًا من كثيرٍ من طُلاب العلم، وما أكثر الحسد والمنافسة التي قد تُغرس في قلب طُلاب العلم لبعضهم البعض.

    موقفٌ يرويه عن نفسه يقول: كان القاضي أبو يوسف يقع في الكسائي ويقول للخليفة الرشيد: إنما يُحسِن شيئًا واحدًا، أبو يوسف القاضي كان متبحِّرًا في علوم الشريعة إلا أنه كان ينقصه أن يستكمل آلته في علم النحو، فضمهم مجلسٌ أمام الخليفة، فقال الكسائي للقاضي أبي يوسف: ماذا تقول في رجلٍ قال لزوجته: أنتِ طالقٌ، طالقٌ، طالق كررها ثلاث مرات؟ قال: واحدة، قال: فماذا تقول إن قال لها أنتِ طالقٌ أو طالقٌ أو طالق؟ فقال: واحدة، فقال: فماذا تقول إن قال لها: أنتِ طالقٌ ثم طالقٌ ثم طالق؟ قال: واحدة، قال: فماذا تقول إن قال لها: أنتِ طالقٌ وطالقٌ وطالق؟ قال: واحدة، في الصيغ الأربعة قال له أبو يوسف إنها طلقةٌ واحدة...

    فقال الكسائي -رحمه الله-: أخطأ يا سيدي، فقد أصاب في اثنتين وأخطأ في اثنتين، كيف ذلك؟ الجمهور يرون أنه إذا كرر الطلقة في مجلسٍ واحد ثلاث مرات جمهور أهل العلم يرون أنها ثلاث تطليقات لا طلقةً واحدة، فلما قال: أنتِ طالقٌ طالقٌ طالق، قال: الأولى وقعت، والثانية والثالثة توكيد، فلما قال: أنتِ طالقٌ أو طالقٌ أو طالق فالأولى مؤكَّدة، والثانية والثالثة شك، فوقعت واحدة، أما إذا قال: أنتِ طالقٌ وطالقٌ وطالق، أو ثم طالقٌ ثم طالقٌ ثم طالق لما جاء بعطف النَّسَق فقد وقع الثلاثة، فخطَّأه بذلك فاستحيا أبو يوسف من علمه -رحمه الله-، وهذا المقام طبعًا هذا رأي الجمهور والمقام مقام تمثيل لا مقام تفصيل.

    كان عالمًا موسوعيًّا -رحمه الله عز وجل-، فقد كان عالمًا بالقراءات، عالمًا باللغة، عالمًا بالفقه، عالمًا بالتفسير، وقد تواترت الأخبار في ذلك ويُسأل عنها في مظانها وفي تراجمه.



    ابن جـــني
    نصل الآن إلى الترجمة الأخيرة، ترجمة ابن جني رحمه الله، وهذا هو العَلَم الأخير في هذه الحلقة الذي نتحدث عنه، ابن جني -رحمه الله-، والصواب أن يُقال ابن جني، وينطقها البعض ابن چني ولكن النُّطْق سماع فهو الأصوب والأفضل أن يُقال ابن جني، فمن هو ابن جني؟ مَن أبوه؟ كيف طلب العلم؟ كيف كان من أخلص تلاميذ المتنبي الشاعر المعروف أبو الطيب المتنبي، وكيف شهد له المتنبي ببراعته وفهمه لقَوْله ومكانته، وأشهر كتابٍ كتبه.
    • اسمه ومولده ونشأته وشيوخه
    ابن جني -رحمه الله- أبو الفتح عثمان ابن جني الموصلي، الذي وُلِد في عام ثلاثمائة وثلاثين للهجرة، وقد عاش قريبًا من اثنتين وستين سنة، كان من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، وصاحب التصانيف المتداوَلة في اللغة، ولم يتكلم أحدٌ -كما قال ياقوت- في التصريف أدقّ كلامٍ منه، فكان كما شهد له ياقوت الحموي بأنه كان من أدقّ أهل اللغة في نحوها وصرفها، أبوه جنيّ كان عبدًا روميًّا فلم يكن عربي الأصل، بل كان أبوه روميًّا، ولم يُعرف عنه شيء قبل مجيئه الموصل.
    ابن جني -رحمه الله- أقام بالموصل ببغداد، وظل يدرس بها العلم إلى أن توفي، زار الموصل ثم بعد ذلك بعد الموصل استقر في بغداد، وظل يدرس بها العلم إلى أن تُوفي رحمه الله، وقد صَحِب أبا علي الفارسي أربعين سنة، ولما مات شيخه أبو علي الفارسي تصدَّر ابن جني في مجلسه ببغداد.

    ابن جني كانت له علاقة كبرى بالشاعر المتنبي، فقد كان لابن جني علاقة خاصة بأبي الطيب المتنبي، صَحِبَه دهرًا طويلًا وقرأ عليه ديوانه ثم شرحه بعد ذلك، ونبَّه إلى معانيه وإعرابه، حتى قال عنه المتنبي نفسه قال: "ابن جني أعلم بشعري مني"، فقد كان حقيقةً أعلم مَن سمع أبا الطيب بشعر أبي الطيب.

    كان مذهبه في النحو مذهب أهل البصرة، أُسوةً بأستاذه وشيخه أبي علي الفارسي، فقد كان ابن جني بَصْريًّا.
    • مكانته بين العلماء
    بلغ ابن جني مكانةً مرموقةً في علوم اللغة أجمع، وقد كان عالمًا موسوعيًّا من علماء النحو والصرف، ليس هذا فحسب، ولم يقتصر على مجالس العلم والتعليم أو حتى التأليف، بل كان متملّكًا بنواصي اللغة يشحذ يديه وعقله ولسانه بكل علومها.
    حتى قال عنه الثعالبي ينعته في يتيمة الدهر يقول: "إليه انتهت الرياسة في الأدب".
    وقال الباخرزي في دمية القصر موضّحًا: "ليس لأحدٍ من أئمة الأدب في فتح المُقفلات وشرح المشكلات ما له، فقد وقع عليها من ثمرات الإعراب ولاسيّما في علم الإعراب".
    ابن جني -رحمه الله- قال عنه أيضًا الثعالبي: "كان الشعر أقل خِلاله لعِظَم قَدْره وارتفاع حاله".
    وقال الباخرزي في دمية القصر: "فوربي إنه كشَف الغطاء عن شعر المتنبي، وما كنتُ أعلم به أنه يَنظمُ القريض أو يُسيغ ذلك المتنبي، وما كُنتُ أعلم به أنه ينظمُ الشعر حتى قرأت له مرثيته في المتنبي التي أولها: غاضَ القَريضُ وأَودتْ نَضرَة الأَدَبِ ... وصَوّحتْ بَعدَ ريٍّ دَوحَةُ الكُتُبِ".
    • أول من وضع تعريفًا للغة
    ذلك الرجل العالم الكبير إذا ذُكر ابن جني يُذْكَر كتابه الخصائص، وإذا ذُكر كتاب الخصائص يُذكر أول تعريفٍ للغة على وجه الأرض، إذا كان الأوروبيون ينسبون أفضل تعاريف اللغة لـــدي سوسير العالم الفرنسي المشهور إلا أن هذا الرجل العالم المسلم سبقه بعشرات القرون وقد عرَّف اللغة تعريفًا وقد سلف معنا، فابن جنِّي حقيقةً هو أول مَن وضع تعريفًا للغة على وجه الأرض.
    • مؤلفاته ومصنفاته
    ابن جني صاحب كتاب الخصائص ذلك الكتاب الذي تُشَدُّ إليه الرحال، كتابٌ قيِّم، نظَّمه على أبواب قد بناه على اثنين وستين ومائة بابًا، مية اتنين وستين باب هذا الكتاب موضوعه لم يكن معتنيًا فيه بمسائل النحو فحسب، ولا بمسائل الصرف فقط، بل إنه قال عن نفسه، يقول:
    "وليكون هذا الكتاب ذاهبًا في جهات النظر، إذ ليس غرضنا فيه الرفع والنصب والجر والجزم.." يعني أبواب النحو ".. لأن هذا أمرٌ فُرِغ منه في أكثر الكتب المصنفة فيه، وإنما هذا الكتاب مبنيٌّ على إثارة معادن المباني وتقرير حال الأوضاع والمبادئ، وكيف سرت أحكامها في الأحناء والحواشي".
    وتلك لمحةٌ لطيفة منه رحمه الله، إذا كان الكتاب الذي يُصنَّف لن يضيف جديدًا إلى المكتبة فلماذا يُصَنَّف؟ ولماذا تضيع فيه الأوقات والجهود، يقول -رحمه الله- مرة ثانية: وليكون هذا الكتاب ذاهبًا في جهات النظر إذ ليس غرضنا فيه الرفع والنصب والجر والجزم؛ لأن هذا أمرٌ فُرغ منه، وما دام الأمر قد فُرِغ منه فلماذا الإعادة والإطالة وإضاعة الوقت وإضاعة الجهد والمال؟ فإذا صنَّف المُصَنِّف كتابًا فليضع في حسبانه وفي فكره أنه ما صنَّف أو ألَّف إلا ليضيف جديدًا أو فليُرِح نفسه من عناء البحث والتعب وليقرأ ما كتبه السابقون.

    يقول: "لأن هذا أمرٌ فُرغ منه في أكثر الكتب المصنفة فيه، وإنما هذا الكتاب مبنيٌ على إثارة معادن المعاني وتقرير حال الأوضاع والمبادئ، وكيف سرت أحكامها في الأحناء والحواشي"، هذا الكتاب له فضلٌ كبير في علوم اللغة العربية، إذ يكفيه الباب الخامس والأربعون بعد المائة في القَوْل على فوائت الكتاب لسيبويه، تخيل أن عالمًا يأتي بعد سيبويه رحمه الله ويستدرك عليه أشياء وإن كانت يسيرة فاتت عليه فاستدركها في هذا الباب.
    والباب الحادي والخمسون بعد المائة في ما يُؤَمِّنه علم العربية من الاعتقادات الدينية، وضَّح في هذا الكتاب ما يتعلق بعلوم الاعتقاد ويُفهَم بلغة العرب.
    وفي الباب الثامن والخمسين بعد المائة يتحدث عن سقطات العلماء، وليس هذا من باب التشهير والتجريح ولكن من باب التنبيه على ألا يُلَبَّس على طلاب العلم فإذا أخطأ عالم ليس في هذا حرج، فالناس ما بين مخطئ ومُصِيب ومَن زادت حسناته على زلاته كان خيرًا وفيرًا، لكن ينبغي أن يُنَبَّه على الأخطاء وعلى السقطات بيُسْرٍ حتى يتجنب الناس لا من باب التشهير.

    ابن جني -رحمه الله- خلَّف للمكتبة العربية عشرات المؤلفات على رأسها وفي مقدمتها وحامل لوائها كتاب الخصائص، ثم كتاب التمام في تفسير أشعار هذيل مما أغفله السكري، وسر الصناعة، وتفسير تصريف المازني، وشرح المقصور والممدود لابن السُكيت، وتعاقب العربية وتفسير ديوان المتنبي الكبير واللمع في العربية، ومختصر التصريف، ومختصر العروض والقوافي، إلى آخر تلك الكتب التي صنفها رحمه الله.


    الخاتمة
    أيها الحبيب، تلك لمحةٌ سريعة عن بعض علماء العربية وأعلامها، بدأتُها بالخليل واخترته لأنه شيخٌ من شيوخ العربية رائد علم المعاجم، وهو الذي اخترع وابتكر علم العروض فله فضله وسَبْقه.
    ثنَّيت بتلميذه النجيب سيبويه شيخ النحو العربي الأكبر صاحب الكتاب.
    بعد ذلك جاء في المرتبة الثالثة الكسائي صاحب المعارك الأدبية بينه وبين سيبويه، وهو شيخٌ من شيوخ القراءات الأجِلَّاء العِظَام.
    ثم بعد ذلك ختمت بابن جني شيخ علوم اللغة العربية وواضع أول تعريف، صاحب كتاب الخصائص.

    هؤلاء هم قومٌ سلفت وسارت بذكرهم الركبان وغيرهم عشرات ومئات سلف بذكرهم ووردت أذكارهم وأسماؤهم ونُقشت في سجل التاريخ بأحرف من نور، فأين نحن من هؤلاء؟ أين نحن من هؤلاء العلماء؟
    لذلك يقول الشاعر:
    إن لم تكونوا مثلهم فتشبَّهوا إنَّ التَّشَبُّه بالرجال فلاحُ
    ذكرتهم حتى نقتدي بهم، ونقوم بخدمة اللغة ولنتعاون على ذلك فلنقرأ ولنتدارس ولنتناصح؛ حتى يرفع الله شأن هذه اللغة كما كانت قديمًا مرفوعة الشأن، وأن يُعلي الله -عز وجل- ذكر هذه اللغة، تلك اللغة التي هي بمثابة ركن من أركان هُوية أمة محمد -صلَّى الله عليه وسلم-، فإن حضارة الإسلام ما بُنيت إلا على أركانٍ ثلاثة: على دينٍ حقّ، وشريعةٍ فُضلى، وعلى تاريخٍ حفل بالأماجد والأكارم من سلف هذه الأمة، وعلى لغةٍ جمعت بين الدين والتاريخ.

    أسأل الله -عز وجل- في نهاية هذه السلسلة أن ينفع بها مَن تحدَّث بها، ومَن استمعها، ومَن نشرها، وأن يبارك في تلك السلسلة المباركة بصائر، وأن يبارك في القائمين على شبكة الطريق إلى الله عز وجل، وأن لا يجعلها آخر السلاسل خدمةً للغة القرآن الكريم، إنه خير مَن سُئل وأكرم مَن أجاب.
    أقول قَوْلي هذا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



    تم بحمد الله

    شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
    https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36

    وللمزيد من تفريغات الفريق تفضلوا:
    هنـــا
    ونتشرف بانضمامكم لفريق عمل التفريغ بالموقع
    فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
    رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.


    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

    تعليق


    • #3
      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      جزاكِ الله خيرًا ونفع بكِ.


      رحمــــةُ الله عليـــكِ أمـــي الغاليــــــــــــة

      اللهــم أعني علي حُسن بِــــر أبــي


      ومَا عِندَ اللهِ خيرٌ وأَبقَىَ.

      تعليق


      • #4
        و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

        جزاكم الله خيرا على هذه الدروس الطيبة الماتعة في مادة اللغة العربية
        شكر الله لكم
        اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.

        الداعية مهمته الأساسية أن يربح نفسه أولا.. ويحسن إلى نفسه أولا
        بقية المقال هنا

        تعليق


        • #5
          جزاكم الله خيرًا كثيرًا --- رابط التفريغ Word لايعمل

          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة *أمة الرحيم* مشاهدة المشاركة
            جزاكم الله خيرًا كثيرًا --- رابط التفريغ Word لايعمل
            وخيرا جزاكم
            تم تعديل الرابط
            اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

            تعليق


            • #7
              جزاكم الله خيرًا

              تعليق

              يعمل...
              X