إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللقاء الثلاثون | تفسير سورة المجادلة (3) للدكتور أحمد عبدالمنعم | بصائر3

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللقاء الثلاثون | تفسير سورة المجادلة (3) للدكتور أحمد عبدالمنعم | بصائر3




    تكلّمنا في المرتين الماضيتين عن قضايا مُعيّنة، إحنا قُلنا مش هنستطيع إنّ إحنا نسير مع الآيات بصورة تحليليّة؛ يعني التفسير التّحليلي يحتاج إلى وقت أطول، وبفضل الله فيه تفاسير موجودة قامت بهذا الدور، إحنا وقفات، نُريد إنّ مواضيع مُعيّنة نُخرج بيها، تكلّمنا في المرّة الأولى، في الدّرس الأوّل عن: كيف أنَّ الله -عزّ وجل- مع المجموعة المُؤمنة، أهميّة المُصطلحات، تكلّمنا في الأوّل موضع وموقع سورة المُجادِلة ضِمن ترتيب سور القرآن، وفي بداية الجزء الثمانية والعشرين تكلّمنا عن مواضيع الجزء الثمانية وعشرين، تكلّمنا عن قضيّة الحدود التي وضعها الله -عزّ وجل-، وخطورة المُحادّة لله -عز وجل-، ومعنى المُحادّة، هل الذين يضعون حدودًا غير حدودِه أو الذين يقفون في الحدِّ المُقابل لشريعته -سبحانه وتعالى-.

    تكلّمنا في المرّة الماضيّة عن قضيّة العلاقات الاجتماعية، والتّناجي، والتّفسُّح في المجتمع، والصّدقة قبل الفتوى، والتّصوُّر الخاطئ عن العُقوبة الفوريّة، دي موضوعات تكلّمنا عنها في الدرس الثاني.



    اللقاء الثلاثون | تفسير سورة المجادلة (3) للدكتور أحمد عبدالمنعم | بصائر3




    تفضلوا معنا في تحميل الدرس بجميع الصيغ



    رابط الدرس على الموقع وبه جميع الجودات

    http://way2allah.com/khotab-item-136647.htm

    رابط صوت mp3

    http://way2allah.com/khotab-mirror-136647-217684.htm


    رابط الجودة hd

    http://way2allah.com/khotab-mirror-136647-217683.htm

    رابط يوتيوب



    رابط ساوند كلاود

    https://soundcloud.com/way2allahcom/tafseer-mogadala-2


    رابط تفريغ بصيغة pdf
    http://www.way2allah.com/media/pdf/136/136647.pdf


    رابط تفريغ بصيغة word
    هنا


    لمشاهدة جميع دروس الدورة وتحميلها على هذا الرابط:

    http://way2allah.com/category-585.htm


    | جدول دورة بصائر لإعداد المسلم الرباني | الجزء الثالث |


    موضوع مخصص للاستفسارات الخاصة بالدورة العلمية " بصائر3 "


    لقراءة التفريغ مكتوب
    تابعونا في المشاركة الثانية بإذن الله.
    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 05-11-2017, 10:07 PM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.


  • #2
    حياكم الله وبياكم الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات:
    يسر
    فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
    أن يقدم لكم تفريغ:تفسير سورة المجادلة 3
    مع الدكتور أحمد عبد المنعم




    السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

    بسم الله، والصّلاة والسّلام على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، نستكمل بإذن الله -عزّ وجل- سويًّا ما بدأناه من وقفات مع سورة المُجَادَلة أو المُجادِلة. هذه السورة العظيمة التي تكلّمنا في المرتين الماضيتين عن كيف أن الله -عزّ وجل- يُربّي هذه المجموعة المؤمنة التي تنشأ في مدينة النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-، ويُريد الله -عزّ وجل- لهذه المجموعة أن تنشأ على عينه، اختار الله -عزّ وجل- لها صفات تنشأ عليها، ومن أهم هذه الصّفات التي زرعَتها سورة المُجادِلة في هؤلاء المؤمنين صفة المُراقبة لله -سبحانه وتعالى-، استشعار أنَّ الله -عزّ وجل- معنا في كلّ وقت، في كلّ مكان، في كلّ حين، بعِلمه -سبحانه وتعالى- وهو مُسْتَوٍ على عرشه -سبحانه وتعالى-.

    لذلك شعار السورة الأول: "قَدْ سَمِعَ اللَّـهُ" المجادلة:١. إحنا قُلنا عايزين نطلع من السورة بشعارات قرآنيَّة، منها: "قَدْ سَمِعَ اللَّـهُ"، أيّ كلمة في هذا الوجود، أيّ صوت في هذا الوجود، أيّ همس، أي مناجاة، أي نجوى، أي سر، أي حزن، أي همّ...، يَعلمه الله -سبحانه وتعالى-.
    لذلك هذه الأخلاق حينما تستقر في قلوب المؤمنين ينشأ المؤمن يُراقب المولى -سبحانه وتعالى-، يُراقب نظره -سبحانه وتعالى-، يخاف منه، يُراعي أوامره -سبحانه وتعالى-، يبتعد عن نواهيه.



    تكلّمنا في المرتين الماضيتين عن قضايا مُعيّنة، إحنا قُلنا مش هنستطيع إنّ إحنا نسير مع الآيات بصورة تحليليّة؛ يعني التفسير التّحليلي يحتاج إلى وقت أطول، وبفضل الله فيه تفاسير موجودة قامت بهذا الدور، إحنا وقفات، نُريد إنّ مواضيع مُعيّنة نُخرج بيها، تكلّمنا في المرّة الأولى، في الدّرس الأوّل عن: كيف أنَّ الله -عزّ وجل- مع المجموعة المُؤمنة، أهميّة المُصطلحات، تكلّمنا في الأوّل موضع وموقع سورة المُجادِلة ضِمن ترتيب سور القرآن، وفي بداية الجزء الثمانية والعشرين تكلّمنا عن مواضيع الجزء الثمانية وعشرين، تكلّمنا عن قضيّة الحدود التي وضعها الله -عزّ وجل-، وخطورة المُحادّة لله -عز وجل-، ومعنى المُحادّة، هل الذين يضعون حدودًا غير حدودِه أو الذين يقفون في الحدِّ المُقابل لشريعته -سبحانه وتعالى-.

    تكلّمنا في المرّة الماضيّة عن قضيّة العلاقات الاجتماعية، والتّناجي، والتّفسُّح في المجتمع، والصّدقة قبل الفتوى، والتّصوُّر الخاطئ عن العُقوبة الفوريّة، دي موضوعات تكلّمنا عنها في الدرس الثاني.





    وقفات مع المنافقين وصفاتهم وأفعالهم
    الدرس الثالث بإذن الله عزّ وجل يبدأ مِن قَوْله -سبحانه وتعالى-، الآية ١٤، اللي متابع معانا، "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" المجادلة:١٥،١٤.
    هذه الآيات تعجيب من صِنف موجود في المجتمع لا يخفى على الله -سبحانه وتعالى-، هو يظن أنه يستطيع التّخفّي، كما أنه كان بيَتخفّى على بعض المؤمنين؛ يظُن أنه يستطيع التّخفّي، هذا الصّنف هو صنف المنافقين.

    الهزيمة النفسيَّة التي يحاولون إلحاقها بالمؤمنين

    صنف المنافقين تمّت الإشارة إليه قبل ذلك، إنّ اليهود كانوا بيَتناجوا مع المنافقين؛ وكان ذلك بيُشعر أهل الإيمان بوجود حرب أو وجود خوف أو فزع؛ فكان أهل الإيمان يَخافون لمّا كان المؤمن في بداية نشأة دولة النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة، لمّا كان يشوف اليهودي قاعد مع شخص فيه شُبهة نفاق؛ يعني ليس حريص على مجالس النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-، ليس حريص على صلاة الفجر في جماعة، ليس حريص على صلاة العشاء، ليس حريص على الجهاد؛ فكان فيه شكّ مُعيّن مع قُربه من اليهود، مع اتّصاله معهم؛ كثرة جلوسه معهم، فكان المؤمن بيَرتاب في هذا الشخص، فكان حينما يرى اليهودي يجلس مع هذا الشخص الذي يرتاب فيه كان يخاف من ترتيب مُعيّن ضد المؤمنين.
    فأخبر الله -عزّ وجل- أنَّ هذا من الشيطان؛ ليَحزُن الذين آمنوا، ودي قضيّة الهزيمة النّفسيَّة اللي بيلعب عليها دايمًا أعداء الله -سبحانه وتعالى-، وإنّ المؤمن لا بُدّ أن يكون مُتّصلًا بالله، مُتوكّلًا على الله -سبحانه وتعالى-.






    المنافقون وموالاة أعداء الله

    فيُعجِّب الله-عزّ وجل- أهل الإيمان من هؤلاء، "أَلَمْ تَرَ"، تعجيب، "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا"، صنف جوَّا المؤمنين يدّعي إن هو مؤمن، يتسمّى بأسماء أهل الإيمان، يتزيَّا بزيّ أهل الإيمان، يجلس وسط المؤمنين، وبالرّغم من ذلك يذهب إلى قومٍ آخرين يتولَّاهم، طب حينما ذهب إلى قوم آخرين تولاهم، ذهب إلى قوم مثلًا يظُنّ أنهم أقرب إلى الله، لماذا اختار هؤلاء القوم ليتولاهم؟
    العجيب إن ربّنا -سبحانه وتعالى- بيقول: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم"، سبحان الله، اختار إنه يتولّى قوم وصفهم الله -عزّ وجل- بأنّهم مغضوب عليهم، تخيّل لمّا إنسان يحبّ ناس مغضوب عليهم، القضيّة هنا قضيّة ما هي المعايير اللي على أساسها الإنسان بيَختار مَن يتولَّاه ومَن يُعاديه؟ وده آخر جزء من سورة المُجادَلة بتركِّز على قضيّة الولاء والبراء، مَن يُوالي الإنسان ومَن يُعاديه؟ من يُحب ومن يُبغض؟

    كما قال النّبي-صلّى الله عليه وسلّم-: "مَن أَحَبَّ للهِ، وأَبْغَض للهِ، وأَعْطَى للهِ، ومنع للهِ، فقد استكمل الإيمانَ" صححه الألباني. أو استكمل عرى الإيمان.
    إن الإنسان مشاعره ليست بالهوى، ليست بالمصالح الشّخصية، ليست بالمنافع الدّنيويّة، لكن مبنيّة على معايير يرضاها الله-سبحانه وتعالى-، أو بتعبير القرآن مبنيّة على الحدود التي وضعها الله -عزّ وجل-. لا نضع حدودًا غيره، تخيّل فيه واحد يختار قوم "مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ"، يعني ليسوا من المسلمين، ليسوا حتى منهم نَسَبًا، ولا عشيرةً، هو اختار هؤلاء لصفة دنيويَّة بحتة، وبالرغم من ذلك هؤلاء الناس غَضِب الله عليهم.






    أحيانًا واحد يقولَّك أنا أحب الشخص الفُلاني، بشَجّع الفريق الفُلاني، بَعمِل كذا، وهؤلاء الناس هم بتَعبير القرآن وبِوصف القرآن غَضِبَ اللهُ عليهم. شخص كافر، شخص مثلًا يُنفق أموالًا لدعم اليهود ضد المسلمين؛ يهدمون المسجد الأقصى، طب تخيَّل إنت كيف تتولّى هذا الشخص، كيف تُحبُّه، كيف تلقى الله -عزّ وجل-، كيف تعيش هنا وقلبك هناك؟ كيف تعيش بين المؤمنين وقلبك مع غير المؤمنين، مع الكافرين؟ كيف؟ كيف تلقى الله -سبحانه وتعالى- والله-عزّ وجل- يطّلع على قلبك، ثم يجد في قلبك حُبًّا لغير أهل الإيمان؟ لأنّ القضيّة هنا كيف تُحبُّ مَن غَضب الله عليه؟ ألا تخشى من هذا الغضب؟ يعني هذه الكلمة كلمة مُرْعِبَة.

    "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم"، كيف يتولّى قومًا غضب الله عليهم ثم يقف في الصّلاة ويقول: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ" الفاتحة:٧،٦، بيقول له يا ربّ أنا مش عايز أسلك سبيل المغضوب عليهم وهم اليهود ولا الضّالين ولا النّصارى، ثم يتولّى اليهود، ثم يحدث تطبيع مع اليهود كما هو الاتجاه العالمي الآن في أغلب الدّوَل الآن العربيّة؛ إنّ فيه تطبيع مع اليهود وكسْر الحاجز النّفسي لكلِمة بُغْض إسرائيل، بُغض كلمة إسرائيل، بُغض دولة إسرائيل اللي هي المُحتلّة، التي احتلّت أرضنا في فلسطين، تخيّل إنّ الآن يحدث تطبيع لنستسيغ العلاقات بين اليهود والمسلمين، نستسيغ هذه العلاقات والذي يسعى إلى ذلك أولًا هم المنافقون.
    "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم"، كلّما سمِعت عن علاقات تطبيع، كَسْر الحاجز النّفسي مع دولة إسرائيل، تخيّل واقرأ هذه الآيات، وعايش هذه الآيات، وإيّاك أن تكون ممن تَصْدُق عليهم هذه الآيات.
    "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ"، لكن الدّافع كان دافع دنيوي.





    المنافقون والحلف كذبًا
    ثم بعد أن يذهب إليهم، يأتي ويحْلف بالكذب، "وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ"، يقولَّك والله أنا ما عملتش غير المصلحة للدّين، أنا عمِلت عشان مصلحة النّاس، أنا ما عملتش كده لمصلحة شخصية، "وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"، يعلمون أنّهم كاذبون.

    مدى سوء فِعْل المنافقين والعقاب الشديد الذي أعدَّه الله لهم

    هؤلاء "أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا"، كما كان يفعل ذلك لمصلحة دنيوية، يُعاقَب يوم القيامة بالعذاب، والعياذ بالله.
    "أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" أسوأ شيء إنّ الإنسان يُقارِب بين المؤمنين وبين أعداء الله، أسوأ شيء يفعله الإنسان كَسر الحواجز بين المؤمنين وبين الكافرين، يعني تَسْقُط الحواجز وما عادش كلمة مؤمن وكافر، بقى التقسيمات ليست على الإيمان وعلى الكفر؛ أصبحت التّقسيمات على أشياء دنيويّة، فأسوأ شيء يفعله الإنسان كسر هذه الحواجز، هذه اللي هي الخلطبيطة، نزْع الحدود التي وضعها الله.
    احنا قُلنا كلمة الحدود مذكورة في السورة ومذكورة مرتين في الأوّل وفي الآخر، "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، في الأول وفي الآخر، هناك كُبتوا، وفي آخر السورة، كما سيأتي، "أُولَٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ" المجادلة:٢٠، ومعنى يُحادّون كما ذكر الإمام الطبري: "وضْع حدود غير التي وضعها الله"، فتخيَّل لمّا تُنزع الحدود بين اليهود وبين المؤمنين، هذا أسوأ ما يفعله الإنسان.

    كما أنَّ كما ذكر بعض المفسّرين إنّ الإنسان يُوالي في الله ويُعادي في الله هذا أعلى شيء في الإخلاص، الإخلاص ليس فقط أن تعبد الله في مكان لا يراك فيه النّاس، لكن الإخلاص أن يكون قلبك خالصًا له -سبحانه وتعالى-.
    كيف يكون القلب خالصًا لله وهو يُحبُّ أعداءه، إزّاي؟ إزاي يعني تلقى الله -عزّ وجل- وأنت تُحبُّ من يسبّون الله، وأنت تُحبُّ مَن يُحاربون شريعته، كيف تلقى الله -عزّ وجل- بذلك؟ كيف تسير في هذه الدنيا والله مُطّلعٌ على قلبك ويرى فيه حُبًّا لأعدائه؟ "إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

    ثم يقول الله -عزّ وجل- إزَّاي حافظوا على علاقتهم باليهود وفي نفس الوقت عايشين وسط المؤمنين، كانوا بيتصرَّفوا إزَّاي؟ فقال ربّنا-سبحانه وتعالى-:
    "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ" المجادلة:١٦، لإنهم كانوا يبحثون عن العِزّة عند اليهود، فكان عُوقبوا بنقيض قصدهم، "فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ"، فيه إهانة.





    من أخطر آليات الدفاع النفاقي.. القَسَم كذبًا

    "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً"، جنّة يعني حماية، وقاية، هنا ممكن مصطلح أستعيره من بعض الكُتّاب اللي كتبوا عن النّفاق في القرآن، مُصطلح صَكّه أحد الكُتّاب سمّاه "آليات الدّفاع النِّفاقي"، إنّ المنافقين بيَستعملوا آليات مُعيّنة يُدافعوا بها عن أنفسهم، منها الكذب، منها القَسَم، منها محاولة الإرضاء؛ يُرضي كلّ الأقسام، منها التّظاهر يعني هو بيَتظاهر بالجمال؛ إذا تكلَّم يُعجبُك قولُه ويُعجبُك جسده، وهو يتفانى في تَجميل الظاهر، منها الاستهزاء؛ يعني دايمًا السّخرية والاستهزاء هي هَدْم بدون مُواجهة، لذلك من أخطر الأسلحة الآن لهدم الشّريعة قضيّة الاستهزاء؛ لأن المؤمن لا يستطيع أن يستعمل هذا السّلاح لأنه غالبًا بيَنتقل لاستعمال الباطل، وفيه وقوع في الباطل، هذا السّلاح دايمًا يستعمله المنافقين في هَدْم الشّريعة إنّ هو يقولَّك أنا كنت بَهزَّر، أنا كنت بَضحك، يعني بعد ما يتكلَّم بما يُريد يقولك ده كانت مُزحَة، ده كانت دُعابة، انتوا بتاخذوا كل حاجة كده على صِدركوا ليه؟ وكلّ حاجة بتاخذوها بجدّ ليه؟ فهو بيلعب.
    هذه الأسلحة ممكن نسَمّيها آليات الدّفاع النّفاقي.

    من أخطر هذه الآليات قضيّة القَسَم، إنت طبعًا المؤمن يُعظِّم الله، فالمنافق يقولَّك والله أنا كنت بَعمل كده عشان مصلحة كذا، أنا والله عملت كده عشان مصلحة الوطن، أنا والله أنا عملت كده عشان مصلحة النّاس، أنا ما عملتش كده عشان أيّ مصالح شخصية، "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ".

    قيمة المنافق لدى اليهود في وجوده وسط بيئة الإيمان
    إيه العلاقة بين إنّ هو بعد ما يكون بينه وبين اليهود علاقة وبعدين ييجي وسط المؤمنين عايز يتعايش وسط المؤمنين؟ لإنّ قيمته عند اليهود في تواجده وسط المؤمنين؛ يعني هو لو ساب المؤمنين وخرج من وسط المؤمنين وراح لهم هو ما عادش له قيمة، هو قيمته عند اليهود إن هو يتزيّا بزيّ أهل الإيمان، يتكلّم بلِسان أهل الإيمان، إنّ هو من وسط أهل الإيمان، ودايمًا أغلب دول الإسلام بتَسقط بسبب وجود المنافقين، فهو قيمته الأساسية في وجوده وسط المؤمنين فهو عايز يُحافظ على وجوده وسط المؤمنين.
    يعني واحد يقولّك إيه؟ طب ما يروح لليهود وخلاص، ما هو لو راح لليهود خلاص هيبِيعوه مش عايزينه، لكن همّ بيدفعوا له فلوس في قيمته الأساسية في وجوده وسط الإيمان، فلازم يحافظ على وجوده، فكيف يُحافظ على وجوده بين أهل الإيمان؟ عن طريق استعمال مُصطلحات أهل الإيمان.





    القَسَم كذبًا وسيلتهم للحفاظ على وجودهم وسط بيئة الإيمان

    قال أهل الإيمان يُعظِّمون الله، خلاص أنا أُعظِّم الله، أو أتظاهر بذلك فأُقسم بالله إنّ أنا ما فعلت ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله، كما قال ربّنا -سبحانه وتعالى- أيضًا عنهم في سورة النساء:٦٢: "إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا"، إحنا كنّا عايزين نُوفّق بين الأمور، كنا بنَبحث عن الإحسان، إحنا لمّا ذهبنا نُوالي أعداء الله ما عملناش كده لمصالح شخصية ويُقسم بالله.

    كيف صدُّوا عن سبيل الله بفعلهم هذا؟

    طب إيه العلاقة بين "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً"، ف: تعقيب، "فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ"، المُفسّرين حاولوا يبحثوا عن العلاقة بينهم، الإمام الطبري أبدع وقال: "فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فيهم"، يعني إيه عَن سَبِيلِ اللَّهِ فيهم؟
    سَبِيلِ اللَّهِ يعني شريعة الله فيهم، بما أنهم ذهبوا ووالوا أعداء الله، ونزعوا ربقة الإسلام، وخرجوا من الإسلام واتّجهوا إلى موالاة أعداء الله، ووالوهم على الدّين؛ كانت الموالاة موالاة على الدّين، فكفروا بذلك، فكان سبيل الله فيهم مُعاملة الكفّار، المُرتدّ بيُقتل، فالنّبي -صلّى الله عليه وسلّم- لم يُطبّق فيهم شريعة الله، ليه؟ لأنه هو بيَتظاهر بالإسلام، فمَنع تطبيق جزء من الشريعة فيه اللي هو حدّ الرّدة، كيف منع ذلك؟ عن طريق إني هو بيُقسِم بالله، وبيَتظاهر بالدّين، ويُصلّي وسط المؤمنين، فمُنع تطبيق الشريعة فيه لأنّه استخدم القَسَم.

    - فالإمام الطبري اختار إنّ "فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ"، أيْ صدّوا عن تطبيق شرع الله فيهم.
    وقيل "فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ"، إنّ دلوقت هو وسط المؤمنين، بيُصلّي، وبيُقسِم بالله، وبيَتظاهر بأعمال أهل الإيمان، ويتظاهر بتعظيم الله، ثم يذهب ليتعامل مع اليهود، فينشأ جيل مؤمن لا يجد حَرَج في التّعامُل مع اليهود، يقول طب ما فلان ده كان بيُصلِّي مع النّبي، وبيُجاهد مع النّبي، وبيُقسم بالله -وهو من المُنافقين لكن يتظاهر بهذه الأعمال- وله علاقة مع اليهود، طب ما أنا كمان يبقى لي علاقة مع اليهود، مفيش مشكلة.
    - فيَصُدّ الأجيال الصّاعدة عن سبيل الله -سبحانه وتعالى-.

    ودي خطورة القُدوات، إن المنافق لمّا يتصدَّر ويُصبح قُدوة في المجتمع ده علامة انهيار المجتمع؛ لذلك فيه نَهْي من النبّي -صلّى الله عليه وسلّم- أن نقول للمنافق سيِّدًا، "لا تقولوا للمُنافقِ: سيِّدٌ؛ فإنَّهُ إن يكُ سيِّدَكم فقد أسخطتُمْ ربَّكم عزَّ و جلَّ" صححه الألباني، ما حدّش يقول للمنافق أنه سيّده، لإنّ اللي يذهب للمنافق ويقول له سيّده فقد استجلب عليه -والعياذ بالله- سخط الله، اللي بيُعظّم المنافق، ليه؟ لأنك إنت لمّا تُصدّر المنافقين يُصبحوا قُدوات، دي خطورة مَن نُصدّر في المجتمع، ما هي القدوات المُتصدّرة في المجتمع، أحيانًا نُصدّر قدوات تصُدُّ عن سبيل الله.

    "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ".
    - يا إمَّا فصدّوا عن سبيل الله فيهم.
    - أو فصدّوا الناس عن سبيل الله، بمُوالاة اليهود.
    - أو فصدّوا أنفسهم، فِعْل لازم مش مُتعدّي، فصدوا أنفسهم عن سبيل الله.






    المنافق لا انتماء له.. هو يبحث عن مصلحته الدنيويَّة دائمًا

    النتيجة النهائية "فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ"، هُمَّ راحوا ليه لليهود الخلاصة؟ يبحثون عن الدّنيا.
    المنافق ملهوش انتماء، يعني هو لا حتى مُنتمي لوطن، ولا مُنتمي لقبيلة، ولا مُنتمي لنَسب، ولا مُنتمي لفِكرة، ولا مُنتمي لعقيدة، هو مُنتمي لمصلحته هو فقط، مصلحته مع اليهود يبقى النهارده مع اليهود. لأنّ المنافق أصلًا عايش في النّفَق، كنا تكلّمنا بالتفصيل عن قضيّة النفاق في درس طويل شويَّة اسمه "متى يظهر المنافقون أو متى يتكلّم المنافقون"، تكلّمنا عن النّفاق معناه في اللغة، وإنّ هو عايش اللي هو نَفقاء اليربوع؛ الحيوان اللي بيعمل له نَفَق وله حُفرتين، وبيغطّي واحدة وبيطلع من واحدة، العدوّ جاله من مكان يطلع من المكان الثاني.

    فبالتَّالي كذلك المنافق عامل نَفَق ما بين اليهود والمؤمنين وعامل حفرتين:
    لما اليهود ينتصروا يطلع من حفرة اليهود ويشجّع مع اليهود ويقول أنا كُنت معاكم، "أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ" النساء:١٤١.
    المؤمنين انتصروا يقوم طالع من حفرة المؤمنين ويقول الله أكبر، ويلبس لبس أهل الإيمان وأنا كنت معاكم.
    فهو دايمًا مالوش انتماء.
    لذلك لمّا راح يتولّى، "مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ"، راح يتولّى أيّ حد،ّ لكن اللي معاهم فلوس، لذلك ربّنا قال إيه؟ "لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا" المجادلة:١٧، إنت رُحت عشان المال، هذا المال لن يغني عن اليهود ولا عنكم شيئًا، "أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" المجادلة:١٧، فيُعاقَب بنقيض قَصْده.
    يبقى إذن المنافق مالوش انتماء، المنافق لو بيتزيّا يعني بيِلبس لبس، معاه كل الأنواع ممكن يلبس لبس اليهود، ممكن المؤمنين، أيًّا كان الانتماء، هو مش مهم الانتماء، هو مع الكسبان، لذلك "إذا حَدَّثَ كذَبَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ" صحيح البخاري. هو بيْدافع عن مصلحته، أيّ شيء بيجلب المصلحة يعمله؛ ليس له انتماء.

    موقف المنافق في الآخرة واستخدام نفس آلياته للدفاع في الدنيا

    "لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا" المجادلة:١٨،١٧. القرآن فيه ميزة إنه بيَكسر الحواجز بين الدّنيا والآخرة، إنّ الإنسان فجأة عايش في الدنيا، لو المنافق بيَتلقّى هذه الآيات، يخاف، القرآن بيَفضحه في الدنيا ثم ينقِله نقلة إلى عالم الآخرة، ماذا ستفعل في الآخرة؟

    "يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا"، كلّه بيُجمع المنافق واليهودي كلّه بيُجمع، لمّا المنافق بيلاقي التجمّع ده هناك برضه، "فَيَحْلِفُونَ لَهُ" المجادلة:١٨، يحلفون لله كما كانوا يحلفون لأهل الإيمان!
    المنافق اعتاد، إنه أوّل لمّا يشوف مؤمن، يقوم يتكلّم بكلام أهل الإيمان، يقول السّلام عليكم، والله، ويُعظّم الله، يذكر كلام، "وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا" آل عمران:١١٩، مع إنّ أصلًا الطبيعي إنّ المؤمن لمّا يقابل مؤمن ما بيقولوش آمنّا، لإنّ أنا مش هشكِّ فيه، لكن يعني وكاد المريب أن يقول خذوني، المنافق أوّل ما بيروح لأهل الإيمان يقول أنا مؤمن، هو انت حدّ اتّهمك بشيء؟ فهو أوّل لمّا بيروح لأهل الإيمان، "وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ" البقرة:١٤، أيّ حد بيروح لازم يأكِّد له أنه معاه، لأنه هو أصلًا ليس له انتماء، هو مُرتاب في نفسه، هم دايمًا في ريبهم يتردّدون.




    فلمّا بيُبعث بيَستمرّ على نفس الأخلاق التي كان فيها في الدّنيا، بيَصتصحب نفس الأخلاق؛ الكذب، والغش، والخداع، ويظن أن هذه الأخلاق الفاسدة من الكذب ستَنفعه يوم القيّامة كما ظنّ أنّها نفعته في الدّنيا، ليه؟ هو ارتدّ -والعياذ بالله- في الدّنيا، وَالَى الكفّار على الدّين، ابتعد عن المؤمنين، خذل أهل الإيمان، طعن في المؤمنين، وبالرّغم من ذلك لم يُصبه شيء في دنياه، الدّنيا بتاعته كانت سليمة وزَيّ الفل، ما حدّش آذاه في دنياه، فهو قال أنا عملت دا إزّاي؟ نجحت إزاي في الدّنيا؟ بالحِلفان؟ خلاص. أوّل ما يُبعث يوم القيّامة اعتاد لِسانه على الكذب، كما قال النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- نسأل الله السّلامة:
    "وما يزالُ الرَّجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ كذَّابًا" صحيح مسلم. طب يُعلّق بعض أهل العِلم على هذا الحديث يقول: "لدرجة أنّه يُحاول أن يتكلّم بصِدْق، لا يستطيع". خلاص كُتب كذَّابًا، يعني موضوع مش محتاج إنه يكذِب لكنّه ما عادش بيِعرف يقول الصّدق، خلاص هو طُبِع على الكذب، فهكذا طُبع على النِّفاق، فيُبعث يستعمل نفس آليات الدّفاع، "فَيَحْلِفُونَ لَهُ" أيْ لله "كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْء"، يعتقد أن هذا الحَلِف سينفعه يوم القيّامة، "أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ" المجادلة:١٨، يُفضح والعياذ بالله يوم القيّامة، لمّا استتر في الدّنيا وظنّ أنّ الجُنّة بالقَسم ستنفعه في الدّنيا يُفضح يوم القيّامة، والعياذ بالله، "أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ".
    سؤال: إزّاي واحد يِحلِف لربّنا كذب؟ هو مش عارف أنَّ الله -عزّ وجل- مُطّلع على كلّ شيء.

    استحواذ الشيطان الكامل على المنافقين أعمى قلوبهم وبصائرهم

    فيقول الله-عزّ وجل-: "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ" المجادلة:١٩، خلاص هو لم يَعُد له عقل، لم يعُد له قلب، لم يعُد له اختيار، هو سلَّم لجامه للشيطان، "اسْتَحْوَذَ"، من معاني الاستحواذ؛ الركوب والسيطرة، وإنّه بيَسوق، فساقه الشيطان، ركبهم الشيطان، وساقهم الشيطان إلى حيث يُريد، الأحوذيّ، الماهر، الفذّ، اللي يستطيع يسُوق شيء وفيه صعوبة بالمعالجة، دي من معاني الأحوذيّ في اللغة، فهنا استحوذ عليهم الشيطان، إنّ الشيطان نجح في السيطرة عليهم، في ركوبهم، كما أخبرنا ربّنا -سبحانه وتعالى- في سورة الإسراء أنَّ الشيطان قال:
    "لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ" الإسراء:٦٢، الاحتناك؛ أحد المعاني التي قيلت فيه؛ وَضْع اللجام في الحنك، فيقودهم الشيطان كما يقود الإنسان دابّته، والعياذ بالله.
    فهنا الشيطان، سيطر عليهم فخلاص أصبح عبْد للشيطان، كما قال النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- فيه عبْد للدّينار، فيه عبْد للدرهم، فيه عبْد للشيطان، كما حذّرنا ربّنا -سبحانه وتعالى- كيف نتّخذ الشياطين أولياء من دون الله، كيف يعبدهم النّاس والعياذ بالله، وصاروا مقهورين لهم بإرادتهم، هو اللي سلِّم اللجام، سلَّم لجامه وقيادته للشيطان.




    "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ"، نسي قدرة الله، نسي عظمة الله، نسي أنَّ الله على كلّ شيء قدير، نسي أن الله علاّم الغيوب، نسي أن الله يعلم ما في السّماوات والأرض، نسي كلّ ذلك، فتعامل -والعياذ بالله- كان يتعامل مع الله كما كان يتعامل مع الإيه؟ مع البشر.

    هكذا كان يفعل في الدّنيا؛ كان لا يراقب الله، السورة بتَزرع المراقبة في قلب أهل الإيمان، وتُبيّن كيف يفعل المنافق في قضيّة المراقبة، هو لا يُراقب الله، "وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ" فصلت:٢٣، كيف كان المنافقون يتعاملون مع الله -سبحانه وتعالى- على أنه لا يطّلع على سرائرهم، فتخيّل المنافق كما كان يُعامل الله في الدّنيا لا يعبأ بمراقبته، لا يعبأ بنظره ورقابته له، كذلك يفعل يوم القيامة ويظنّ أنه على شيء.

    الناس حزبان لا ثالث لهما.. فاختر مع أيهما تحب أن تكون

    "وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ" المجادلة:١٩،١٨. كلمة حِزب فيها تجمّع، ومجموعة ووجهة، ربّنا -سبحانه وتعالى- بيقول في آخر السورة، في هذا المجتمع الناشئ في مدينة النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- إنّ المجتمع سيظلّ في تصفية وتمحيص وبلاء إلى أن ينقسم المجتمع إلى قسمين لا ثالث لهما؛ حِزب الشيطان وحِزب الله، حزب الشيطان هم ليسوا فقط اليهود، أو أعداء الله -سبحانه وتعالى-، بل اليهود ومَن والاهم، يعني هنا السورة لمّا بتقول "أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ"، الخطاب أصالةً عن المنافقين، وأيضًا لليهود، فتخيّل المنافق الذي يتكلّم بلسان أهل الإسلام ويلبس لباس أهل الإسلام، ويعيش وسط أهل الإسلام، سمّاهم القرآن هنا "حِزْبَ الشَّيْطَانِ"، ثم قال إنّهم خاسرون.

    إذًا ليست القضيّة في الكافر الصّريح فقط، هؤلاء يُحاربون دين الإسلام علانيةً، لكن هناك أناس في الباطن يتّجهون لموالاة أعداء الله، فليحذر الإنسان أن يكون من حزب الشيطان وهو لا يشعر، لإنّ إمّا أن تكون في حزب الله، أو تكون في حزب الشيطان، أحيانًا يُستعمل الإنسان لهدم الدين وهو لا يشعر، يعني زَيّ ما الشيطان بيستدرج الإنسان للوقوع في المعاصي، كذلك شياطين الإنس والجن يُحاولون إيقاع المؤمنين في شراكهم وفي حِبالهم، فيكون من حِزبهم وهو لا يشعر والعياذ بالله، نسأل الله السلامة.





    "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّـهِ ۚ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ" المجادلة:١٩، استعمال الخسارة والفلاح في آخر السورة القضية قضيّة حرب، القضية قضيّة صراع مُستمر لا يتوقّف إلى يوم القيامة، من لحظة خلق آدم -عليه السّلام- وحينما رفض إبليس السجود لآدم -عليه السّلام- من هذه اللحظة بدأ الصّراع بين الحقّ والباطل، وهو مُستمر إلى يوم القيامة.
    والنّاس يمشون في طريقين، لا ثالث لهما، إمّا أن يسيروا في رِكاب حزب الله ويسيرون معهم، أو في حِزب الشيطان والعياذ بالله.

    فقال ربّنا -سبحانه وتعالى-، حسم ربنا -سبحانه وتعالى- النّتيجة وإنّ الأمر مُنتهِي، "أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ"، لماذا؟
    "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" المجادلة:٢٠، لأنّهم يبحثون عن حدودٍ غير حدوده -سبحانه وتعالى-، يقفون في الحدّ المُقابل لشريعته -سبحانه وتعالى-. إذًا هؤلاء في الأذلّين، الذي يبتعد عن شريعة الله -عز وجل- هو في الأذلّين، "كَتَبَ اللَّهُ"، الأمر مُنتهِي، "لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي" المجادلة:٢١. يا الله!





    تخيّل لمّا تكون في صف فيه معيّة الله، كلمة "لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي"، الله أكبر، لمّا تختار أن تكون في هذا الصّف، أنت من المُفلحين حقًّا، حتى لو مررت ببلاء، حتى لو مرّ أهل الإسلام ببلاء، بهزائم، بخسائر، كلّ هذه طاعات في الطّريق بيَبذلها أهل الإيمان، يبذلون من دمائهم وأموالهم؛ لنصرة دين الله -سبحانه وتعالى-، ويأتون يوم القيامة فرحين بما قدّموا، لكن النّتيجة النهائية؛ العاقبة دائمًا للمُتّقين، حتى لو لم نرَ النّصر بأعيننا.

    "كَتَبَ اللَّهُ" الأمر مُنتهِي، مفروغ منه، "لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي" التعليل، "إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" المجادلة:٢١. لا يُغالَب -سبحانه وتعالى-، فحينما تختار أن تكون في صفّ القوي، هؤلاء الذين يبحثون عن القوّة، القوّة مع صَفّ أهل الإيمان، في حِزب الله، في معيّة الله ومع رسوله، الذين يبحثون عن العزّة، العزة مع حِزب الله مع معيّة الله -سبحانه وتعالى- ومع ورسوله "إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ"، يا مَن اتّجهتم لليهود، تبحثون عن علاقات معهم، عن التّطبيع معهم، عن فتح علاقات معهم، دائما تبحثون عن القوّة، عن العزّة، عن الاقتصاد، كلّ هذا مع أهل الإيمان، ولكن المنافقين لا يعلمون، ولكن المنافقين لا يشعرون، "وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ" المنافقون:٧، لأنّهم لا يفقهون الغيب، لا يتعاملون إلا بالدّنيا وفقط.
    لفظ الفقه لماّ ذُكر في سورة المنافقون وفي سورة الحشر في هذا الجزء، ذُكِر بمعنى فقه الغيب، أنّهم لا يفقهون في الغيب "وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ"، لا يفقهون أنَّ العزَّة لله، لا يفقهون أن الخزائن بيده سبحانه وتعالى، فلذلك يتّجهون إلى اليهود، "كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ".





    المؤمن الحقيقي لا يوالي أعداء الله أبدًا ولو كانوا أقرب الأقربين بالنَّسَب

    ثم الختام بهذه السورة المُشرقة التي يحثُّنا ربّنا -سبحانه وتعالى- في ختام هذه السورة على أن نكون معهم، "لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ" المجادلة:٢٢، مهما بحثت عن قومٍ تحقّق فيهم معنى الإيمان بالله حقيقةً ومعنى الإيمان باليوم الآخر حقيقةً، إذا تحقّقت هذه المعاني في أناس، لن تجدهم مُطلقًا يوادُّون مَن حادَّ الله، فيه تَضَادّ بين معنى الإيمان بالله والدّار الآخرة، ومُوالاة أعداء الله، لا يلتقيان في قلب مؤمنٍ أبدًا، كلّما قَوِيَ في قلب الإنسان الإيمان بالله ومعرفة الله والإيمان بالدّار الآخرة علطول الإنسان يبتعد تلقائيًّا عن أعداء الله.

    لذلك القضيّة مش قضيّة إنك تُقنع إنسان بإنه يكره أعداء الله، القضيّة على حسب الإيمان، حينما تجد إنسان يوادّ مَن حادّ الله ورسوله، لا بُدَّ أن تعلم يقينًا أنَّ منسوب الإيمان والدّار الآخرة قليل فيه، يكاد يصل إلى الانعدام، كلّما وجدت إنسان يُبغض أعداء الله، يُحبُّ أولياء الله، "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ" المائدة:٥٤، اعلم أن منسوب الإيمان بالله والدّار الآخرة مُرتفع في قلبه، لأنه عبد لله -سبحانه وتعالى- سيُحاسب يوم القيامة على هذه المعاني التي في قلبه.

    "لَّا تَجِدُ قَوْمًا"، مهما بحثت، إذا تحقّق فيهم معنى -بصيغة الاستمرار- "يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ"، لن تجدهم مُطلقًا "يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، اختار أن يكون في الحدِّ المقابل، وضع حدودًا غير حدوده، "حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ"، تخيّل إنسان يعيش في قبيلة، في العشيرة، كل العشيرة؛ وكل إخوانه، كل أولاده، وآبائه وأجداده، كل هؤلاء في صنف حزب الشيطان، "يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، وهو اختار أن يكون مع الله، حتى لو كان وحده، حتى لو ترك كل هؤلاء، اختار أن يكون مع أناس لا يعرفهم ولكنهم مؤمنين، الرابطة بينه وبينهم رابطة الإيمان، أقوى من أيّ رابطة، أقوى من رابطة الدّم؛ أقوى من رابطة النّسب والعشيرة والقبيلة، أقوى من رابطة الأرض والوطن، أقوى من أيّ رابطة، رابطة الإيمان.
    لذلك عند التّنازع تُقدَّم دائمًا رابطة الإيمان، عند التّنازع بين رابطة الدّم والقبيلة والعشيرة والوطن تُقدّم رابطة الإيمان على كلّ شيء، عند التّوافق.. هي كلّ هذه الرّوابط تُزيد الإيمان صِلة.




    فيقول ربّنا -سبحانه وتعالى-، شوف الفارق ما بين "تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ"، يعني راح لناس مافيش بينه وبينهم أيّ علاقة وراح تولاّهم ليه؟ عشان عندهم الدّنيا، "لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا" آل عمران:١٠. وصنف ترك كلّ من يُحب، كلّ أقربائه، كلّ عشيرته، كلّ أولاده، أجداده، ترك كلّ هؤلاء، لماذا؟ لأنّهم في حِزب الشيطان، حتى لو أنه بمُفرده، ترك كلّ هؤلاء، ولا يُوادّهم أبدًا ولا يُحبّهم أبدًا، لأنهم اختاروا أن يُعادوا ربّه، أن يقفوا في حزب الشيطان مع أعداء الله -سبحانه وتعالى-، "لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ"، تخيل لو كل هؤلاء اجتمعوا هو يتركهم ويذهب.

    تثبيت الله لأهل الإيمان وتأييده لهم في الدنيا وجزيل المثوبة في الآخرة

    "أُولَـٰئِكَ" أيْ هؤلاء الذين اختاروا معيّة الله، واختاروا أن يكونوا في حِزب الله مع رسول الله، "أُولَـٰئِكَ" ماذا؟ ما هو ثوابهم؟ "أُولَـٰئِكَ كَتَبَ"، أيْ كتب الله، "كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ"، حينما يُخالف الإنسان معايير المُجتمع، المجتمع له اختيارات، له معايير مُعيّنة، في المجتمعات التي تبتعد عن الإيمان بالله ولا ينتشر فيها الإيمان، المعايير معايير دُنيويّة بحتة يُقدّم هؤلاء، يُوالي هؤلاء على حسب الدّنيا، يُعادي هذا لأنه فقير لا يُؤْبَه له، يوالي هذا لأنه سيّد في قومه، لأنّه معه المال، لأنّه معه المنصب، فحينما يأتي مؤمن يترك قبيلته وعشيرته وأبناءه وإخوانه وأجداده، يترك كلّ هؤلاء، ويختار الإيمان، وأن يكون في صَفّ الإيمان ويكون الإيمان في هذه اللحظة مُستضعف ثم يختار أن يكون مع المُستضعفين، مع المؤمنين ويدخل معهم شِعْب أبي طالب ويُحاصَر، ويُبتلى ويُوضع عليه الصّخر، حينما يفعل ذلك يشعر بضغط من المجتمع، المجتمع كلُّه بيعايْره، المجتمع كلُّه بيَضغط عليه، المجتمع كلُّه يلومُه، ولا يخافون لومة لائم، المجتمع كلّه ماذا فعلت بنَفسك؟ أنت سفيه.

    يحتاج في هذه اللحظة إلى الثّبات، يحتاج في هذه اللحظة إلى ثباتٍ من الله -عز وجل-، فقال ربّنا: "كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ"، الله أكبر، ومَن يستطيع أن يمحو هذا الإيمان الذي كتبه الله، هذا الإيمان الذي ثبَّته الله في قلوبهم، ووضعه الله في قلوبهم، من يستطيع أن يمحُوَه؟ من يستطيع أن يَنزع هذا الإيمان الذي وضعه الله في قلوبهم؟ لو أنّ الأرض كلَّها اجتمعت عليه، لن يستطيعوا أبدًا أن ينزعوا ما كتبه الله في قلبه.
    "كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ"، الله أكبر، أن تستشعر هذا المعنى، حينما تُعادي من أجل الله، وتعيش واقع الغربة في الدّين لأجل دين الله -سبحانه وتعالى- اعلم في هذه اللحظة، أو استشعر هذه الآية "كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم"، تحتاج إلى مَن يُؤيّدك لأنّك خسرت النّاس اللي بتأيِّدك، خسرت عشيرتك وقبيلتك، وإخوانك، وأجدادك؛ هؤلاء من كانوا يُؤيّدونك، أنت الآن تحتاج إلى تأييد، لكن هذا التّأييد تأييد من السّماء؛ هو التّأييد الإلهي.

    "وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ"، تحتاج إلى حياة، أنت قد تفقد الحياة مع هؤلاء، أين روح الحياة حينما تترك قبيلتك، وحينما تترك إخوانك وعشيرتك؟ تأتيك الرّوح من عند الله -سبحانه وتعالى-، "وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ"، قال بعض أهل العلم: أيّدهم ببرهان، ونور. وقال بعضهم: برضا، وقال بعضهم: بالإيمان والقرآن. لأن القرآن سمّاه الله روح، الشّاهد إنه بيَشعر بإيمان مُختلف، وبحياة مُختلفة، وبحياة جديدة، وروح مُختلفة، حينما اعتزل هؤلاء، أعداء الله، واختار أهل الإيمان، حتى لو ليس بينه وبينهم نسب، وابتعد عن هؤلاء حتى لو بينه وبينهم نسب، "أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ"، هذا في الدّنيا.




    أما في الآخرة: "وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ" المجادلة:٢٢، رضي الله عنهم جاءت أولًا، ورضوا عنه، رضي الله عنهم لأنّهم تركوا كلّ هؤلاء النّاس لأجله، يا ربّ أنا تركت كلّ هؤلاء لأجلك، يا ربّ أنا ابتعدت عن هؤلاء النّاس لأجلك، يا ربّ أنا لا أتحرّك كما يتحرّك النّاس، عموم النّاس يبحثون عن دنياهم، يُوالون الأقوى، يُوالون الأغنى، أمّا أنا أوالي مَن تُحب يا رب، أسألك حبّك، وحبّ عملٍ صالحٍ يُقرّبني إلى حبّك، وأسألك حبّ من يُحبّك، يا ربّ أنا ببحث عن هؤلاء؛ عن هؤلاء المؤمنين حتى لو كانوا ضعفاء، حتى لو كانوا فقراء، أبحث عنهم.
    "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" الكهف:٢٨.

    "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"، شعروا بالرضا، حتى لو كانوا بُمفردهم، حتى لو خسروا كلّ النّاس، وكلّ الأموال، وكلّ الأبناء، لكن شعروا بالرضا لهذا الإيمان الذي كتبه الله في قلوبهم، ولهذه الروح التي وجدوها في نفوسهم من عند الله -سبحانه وتعالى- "رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ".





    احذر فالغفلة من الشيطان.. أمامك خياران لا ثالث لهما!

    إذًا هم قسمان لا ثالث لهما، اختر في أيّ قِسمٍ شئت، مع أيّ حِزبٍ ستحارب، فيه واحد بيقول لك أنا قضية الصّراع أنا أصلًا مش عايشها، ليه تقول إنّ أنا في حِزب الشيطان؟ ما هي الغفلة من الشيطان، "فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ" النساء:٧٦، ربّنا -سبحانه وتعالى- بيقول إنّ الشيطان له أولياء يدافعون عنه، معنى أنك تترك صف أهل الإيمان بحِزب الله، أن تنتقل مباشرةً وبصورة تلقائية وأنت لا تشعر إلى حِزب الشيطان، الغفلة من الشيطان، عدم نُصرة دين الله -عزّ وجل- من الشيطان.

    فاحذر أن تقترب من هذا الصّف، من هذا الحِزب؛ حِزب الشيطان. وكن مع حِزب الله، لماذا؟ هؤلاء هم المُفلحون حقًّا، "أَلَا"، أداة التنبيه، "إِنَّ" للتأكيد، "أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ" للحصر فقط، "أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" المجادلة:٢٢، تنبيهٌ، وتأكيدٌ، وحصرٌ أنَّ حِزب الله هم المُفلحون، لا غيرهم أبدًا هو اللي يُفلح.

    الخاتمة
    نسأل الله -عزّ وحل- أن نكون من حِزب الله الذين يُوالون أولياء الله، ويُعادون أعداء الله -عزّ وجل-، يفعلون ذلك؛ طلبًا لمرضاة الله -سبحانه وتعالى-، وأن يستعملنا لنُصرة دينه.
    أقول قَوْلي هذا وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم وبِحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وجزاكم الله خيرًا.

    تم بحمد الله




    شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
    https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36

    وللمزيد من تفريغات الفريق تفضلوا:
    ​​هنـــا​​
    ونتشرف بانضمامكم لفريق عمل التفريغ بالموقع
    فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
    رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.




    التعديل الأخير تم بواسطة يسرا بنت الصالحين; الساعة 05-11-2017, 10:16 PM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

    تعليق


    • #3
      جزاكم الله خيرا
      اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.

      الداعية مهمته الأساسية أن يربح نفسه أولا.. ويحسن إلى نفسه أولا
      بقية المقال هنا

      تعليق


      • #4
        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.


        رحمــــةُ الله عليـــكِ أمـــي الغاليــــــــــــة

        اللهــم أعني علي حُسن بِــــر أبــي


        ومَا عِندَ اللهِ خيرٌ وأَبقَىَ.

        تعليق

        يعمل...
        X