إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفسير القران الكريم من سورة الفاتحة إلى سورة مريم"للعلامة عبدالرحمن السعدي رحمة الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفسير القران الكريم من سورة الفاتحة إلى سورة مريم"للعلامة عبدالرحمن السعدي رحمة الله

    في البدابة حبيت تكون هذه المقدمة التعريفيه لهذا العالم التقي

    وسوف اقوم بنقل تفسير القران الكريم بكامل بهذا الموضوع

    وان شاءا لله تعم الفائده للجميع..


    الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي


    نبذة مختصرة عن السيرة الذاتية

    لفضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي

    رحمه الله تعالى


    1307هـ - 1376 هـ

    بقلم أحد تلاميذه


    هو الشيخ أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر آل سعدي من قبيلة تميم ،

    ولد في بلدة عنيزة في القصيم ، وذلك بتاريخ 12 محرم عام ألف وثلاثمائة وسبع من

    الهجرة النبوية ، وتوفيت أمه وله أربع سنين ، وتوفي والده وله سبع سنين ،

    فتربى يتيماً ولكنه نشأ نشأة حسنة ، وكان قد استرعى الأنظار منذ جداثة
    سنه بذكائه ورغبته الشديدة في العلوم ، وقد قرأ القرآن بعد وفاة والده ثم

    حفظه عن ظهر قلب ، وأتقنه وعمره أحد عشر سنة ، ثم اشتغل في التعلم

    على علماء بلده وعلى من قدم بلده من العلماء ، فاجتهد وجد حتى نال الحظ

    الأوفر من كل فن من فنون العلم ، ولما بلغ من العمر ثلاثاً وعشرين سنة جلس

    للتدريس فكان يتعلم ويعلم ، ويقضي جميع أوقاته في ذلك حتى أنه في عام ألف

    وثلاثمائة وخمسين صار التدريس ببلده راجعاً إليه ، ومعول جميع الطلبة في التعلم عليه .



    ---------------------------


    أخذ عن الشيخ إبراهيم بن حمد بن جاسر ، وهو أول من قرأ عليه

    وكان المؤلف يصف شيخه بحفظه للحديث ، ويتحدث عن روعه

    ومحبته للفقراء مع حاجته ومواساتهم ، وكثيراً ما يأتيه الفقير في اليوم

    الشاتي فيخلع أحد ثوبيه ويلبسه الفقير مع حاجته إليه ، وقلة ذات يده رحمه الله

    ، ومن مشايخ المؤلف الشيخ محمد بن عبد الكريم الشبل ، قرأ عليه في الفقه

    وعلوم العربية وغيرهما ، ومنهم الشيخ صالح بن عثمان القاضي (قاضي عنيزة)

    قرأ عليه في التوحيد والتفسير والفقه أصوله وقروعه وعلوم العربية ،

    وهو أكثر من قرأ عليه المؤلف ولازمه ملازمة تامة حتى توفي رحمه الله ،

    ومنهم الشيخ عبد الله بن عايض ، ومنهم الشيخ صعب القويجري ،

    ومنهم الشيخ على السناني ومنهم الشيخ على الناصر أبو وادي ، قرأ عليه في الحديث ،

    وأخذ عنه الأمهات الست وغيرها وأجازه في ذلك ،

    ومنهم الشيخ محمد بن الشيخ عبد العزيز المحمد المانع

    (مدير المعارف في المملكة العربية السعودية) في ذلك الوقت ، وقد قرأ عليه

    المؤلف في عنيزة ، ومن مشائخه الشيخ محمد الشنقطي

    (نزير الحجاز قديماً ثم ال***ر) لما قدم عنيزه وجلس فيها للتدريس قرأ

    عليه المؤلف في التفسير والحديث وعلوم العربية ، كالنحو والصرف ونحوهما .


    نبذة من أخلاق الشيخ


    كان على جانب كبير من الأخلاق الفاضلة ، متواضعاً للصغير

    والكبير والغني والفقير ، وكان يقضي بعض وقته في الإجتماع بمن يرغب

    حضوره فيكون مجلسهم نادياً علمياً ، حيث أنه يحرص أن يحتوي على

    البحوث العلمية والاجتماعية ويحصل لأهل المجلس فوائد عظمى من هذه

    البحوث النافعة التي يشغل وقتهم فيها ، فتنقلب مجالسهم العادية عبادة ومجالس علمية ،

    ويتكلم مع كل فرد بما يناسبه ، ويبحث معه في المواضيع النافعة له دنيا وأخرى ،

    وكثيراً ما يحل المشاكل برضاء الطرفين في الصلح العادل ، وكان ذا شفقة

    على الفقراء والمساكين والغرباء ماداً يد المساعدة لهم بحسب قدرته ويتسعطف

    لهم المحسنين ممن يعرف عنهم حب الخير في المناسبات ،

    وكان على جانب كبير من الأدب والعفة والنزاهة والحزم في كل أعماله ،

    وكان من أحسن الناس تعليماً وأبلغهم تفهيماً ، مرتباً لأوقات التعليم ،

    ويعمل المناظرات بين تلاميذه المحصلين لشخذ أفكارهم ، ويجعل الجعل

    لمن يحفظ بعض المتون ، وكل من خفظه أعطى الجعل ولا يحرم منه أحد .


    ويتشاور مع تلاميذه في اختيار الأنفع من كتب الدراسة ،

    ويرجح ما عليه رغبة أكثرهم ومع التساوي يكون هو الحكم ،

    ولا يمل التلاميذ من طول وقت الدراسة إذا طال لأنهم يتلذذون من مجالسته ،

    ولذا حصل له من التلاميذ المحصلين عدد كثير .


    مكانة الشيخ بالمعلومات

    كان ذا معرفة تامة في الفقه ، أصوله وفروعه . وفي أول أمره متمسكاً

    بالمذهب الحنبلي تبعاً لمشائخه ، وحفظ بعض المتون من ذلك ،وكان

    له مصنف في أول أمره في الفقه ، نظم رجز نحو أربعمائة بيت وشرحه

    شرحاً مختصراً ، ولكنه لم يرغب ظهوره لأنه على ما يعتقده أولاً .


    وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم ،

    وحصل له خير كثير بسببهما في علم الأصول والتوحيد والتفسير والفقه

    وغيرها من العلوم النافعة ، وبسبب استنارته بكتب الشيخين المذكورين

    صار لا يتقيد بالمذهب الحنبلي ، بل يرجح ما ترجح عنده بالدليل الشرعي .

    ولا يطعن في علماء المذاهب . وله اليد الطولى في التفسير ،

    إذ قرأ عدة تفاسير وبرع فيه ، وألف تفسيراً جليلاً في عدة مجلدات ،

    فسره بالبديهة من غير أن يكون عنده وقت التصنيف كتاب تفسير ولا غيره ،

    ودائماً يقرأ والتلاميذ في القرآن الكريم ويفسره ارتجالاً ، ويستطرد ويبين من

    معاني القرآن وفوائده ، ويستنبط منه الفوائد البديعة والمعاني الجليلة ،

    حتى أن سامعه يود أن لا يسكت لفصاحته وجزالة لفظه وتوسعه في

    سياق الأدلة والقصص ، ومن اجتمع به وقرأ عليه وبحث معه عرف

    مكانته في المعلومات ، كذلك من قرأ مصنفاته وفتاويه .


    يتبع


    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 18-12-2013, 02:47 PM. سبب آخر: تعديل اسم الموضوع من تفسير القرآن كاملًا إلى الإسم الحالي

  • #2
    من مصنفات الشيخ رحمه الله تعالى


    تفسير القرآن الكريم المسمى "تيسير الكريم المنان" في ثماني مجلدات أكمله في عام 1344 هـ.
    حاشية على افقه استدراكاً على جميع الكتب المستعمله في المذهب الحنبلي ولم تطبع .
    إرشاد أولي البصائر والألباب لمعرفة الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب ،

    رتبه على السؤال والجواب ، طبع بمطبعة الترقي

    في دمشق عام 1365 على نفقة المؤلف ووزعه مجاناً.

    الدرة المختصرة في محاسن الإسلام ، طبع في مطبعة أنصار السنة عام 1366هـ


    الخطب العصرية القيمة ، لما آل إليه أمر الخطابة في بلده اجتهد

    أن يخطب في كل عيد وجمعة بما يناسب الوقت في المواضيع المهمة التي

    يحتاج الناس إليها ، ثم جمعها وطبعها مع الدرة المختصرة في

    مطبعة أنصار السنة على نفقته ووزعها مجاناً .


    القواعد الحسان لتفسير القرآن ، طبعها في مطبعة أنصار السنة عام 1366 ، ووزع مجاناً .

    تنزيه الدين وحملته ورجاله ، مما افتراه القصيمي في أغلاله ،

    طبع في مطبعة دار إحياء الكتب العربية على نفقه وجيه الحجاز

    "الشيخ محمد افندي نصيف" عام 1366هـ .

    الحق الواضح المبين ، في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين .

    توضيح الكافية الشافية ، وهو كالشرح لنونية الشيخ ابن القيم

    وجوب التعاون بين المسلمين ، وموضوع الجهاد الديني ،

    وهذه الثلاثة الأخيرة طبعت بالقاهرة السلفية على نفقة المؤلف ووزعها مجاناً .


    القول السديد في مقاصد التوحيد ، طبع في مصر "بمطبعة الإمام" على

    نفقة عبد المحسن أبا بطين عام 1367

    مختصر في أصول الفقه

    تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن ، طبع على نفقة المؤلف

    وجماعة من المحسنين ، وزرع مجاناً ، طبع بمطبعة الإمام

    الرياض الناضرة ، وهو هذا ـ طبع بمطبعة الإمام (الطبعة الأولى)


    وله فوائد منثورة وفتاوى كثيرة في أسئلة شتى ترد إليه من بلده

    وغيره ويجيب عليها ، وله تعليقات شتى على كثير مما يمر عليه من الكتب ،

    وكانت الكتابة سهلة يسيرة عليه جداً ، حتى أنه كتب من الفتاوى وغيرها شيئاً كثيراً .


    ومما كتب نظم انب عبد القوي المشهور ، وأراد أن يشرحه شرحاً مستقلاً

    فرآه شاقاُ عليه ، فجمع بينه وبين الانصاف بخط يده ليساعد على فهمه

    فكان كالشرح له ، ولهذا لم نعده من مصنفاته .


    غايته من التصنيف :


    وكان غاية قصده من التصنيف هو نشر العلم والدعوة إلى الحق ،

    ولهذا يؤلف ويكتب ويطبع ما يقدر عليه من مؤلفاته ، لا ينال منها عرضاً زائلاً ،

    أو يستفيد منها عرض الدنيا ، بل يوزعها مجاناً ليعم النفع بها ، فجزاه الله عن

    الإسلام والمسلمين خيراً ، ووفقنا الله إلى ما فيه رضاه .


    وفاته :



    وبعد عمر مبارك دام قرابة 69 عاماً في خدمة العلم انتقل إلى جوار

    ربه في عام 1376هـ في مدينة عنيزة من بلاد القصيم رحمه الله رحمة واسعة .



    واحببت ان انقل لكم مقدمة الموضوع في تفسير القران الكريم ...


    فإن من نعم الله -عز وجل- ما منَّ به على والدنا الشيخ:

    عبد الرحمن بن ناصر السعدي من تأليف تفسيره المعروف

    بـ (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) فقد كتب الله لهذا التفسير القبول

    فانتفع به الجم الغفير من النّاس فطبع مراتٍ عديدة أولاها:

    طبعة المكتبة السلفية ومطبعتها لمحب الدين الخطيب -رحمه الله-

    أعقبتها طبعة المكتبة السعيدية بمراجعة وتصحيح: محمد زهري النجار،

    ولكن كثيرا من العلماء وطلبة العلم لاحظوا على هاتين الطبعتين

    -خاصة طبعة النجار- ملاحظات عديدة، جرت عليها الطبعات اللاحقة جميعها،

    وقد تبين صدق هذه الملاحظات وظهرت أضعافها عند مراجعة التفسير

    على نسختيه المخطوطتين، فبان ما في المطبوع من الأخطاء والنقص والزيادة .


    ولقد علمنا جهد د: عبد الرحمن بن معلا اللويحق -

    الأستاذ المساعد في كلية الشريعة بالرياض- من تصحيح تفسير والدنا، ومقابلته

    على النسختين الخطيتين مع إخراجه في مجلد واحد على هامش المصحف،

    فرأينا أن هذا العمل قد سلم من عوار الأعمال السابقة فتميز عنها بطباعة

    التفسير على النسخة التي بخط الوالد -رحمه الله- ومراجعته على النسخة الخطية

    التي اعتمدتها المطبعة السلفية، فصار التفسير بهذا أقرب ما يكون لما أراده مؤلفه

    -رحمه الله- فلهذه الاعتبارات فإننا نعتمد هذه الطبعة بتحقيق ومقابلة عبد الرحمن

    بن معلا اللويحق، ونعدها الطبعة التي يجب أن تكون أصلا لغيرها من

    الطبعات اللاحقة، ونأمل أن تكف المطابع ودور النشر عن إعادة طباعة

    الطبعات السابقة لما فيها من أخطاء تتبين بقراءة مقدمة هذا العمل المبارك.



    مع دعائنا الله -عز وجل- أن يغفر للوالد الشيخ:

    عبد الرحمن بن ناصر السعدي، وأن يجزل له الأجر والمثوبة

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    عن أبناء المؤلف -رحمه الله-

    مساعد العبد بن السعدي التميمي

    14/3 /1420 هـ محمد العبد الرحمن الناصر السعدي التميمي

    أحمد العبد الرحمن الناصر السعدي التميمي

    يتبع

    تعليق


    • #3
      تفسير الفاتحة
      وهي مكية


      (1 - 7) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ .


      بِسْمِ اللَّهِ أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى, لأن لفظ اسم مفرد مضاف,

      فيعم جميع الأسماء [الحسنى]. اللَّهِ هو المألوه المعبود, المستحق

      لإفراده بالعبادة, لما اتصف به من صفات الألوهية وهي صفات الكمال.

      الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة

      التي وسعت كل شيء, وعمت كل حي, وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله.

      فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة, ومن عداهم فلهم نصيب منها.


      واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها,

      الإيمان بأسماء الله وصفاته, وأحكام الصفات.



      فيؤمنون مثلا بأنه رحمن رحيم, ذو الرحمة التي اتصف بها, المتعلقة بالمرحوم.

      فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته, وهكذا في سائر الأسماء.

      يقال في العليم: إنه عليم ذو علم, يعلم [به] كل شيء, قدير,

      ذو قدرة يقدر على كل شيء.



      الْحَمْدُ لِلَّهِ [هو] الثناء على الله بصفات الكمال, وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل, فله الحمد الكامل, بجميع الوجوه.

      رَبِّ الْعَالَمِينَ الرب, هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله-

      بخلقه إياهم, وإعداده لهم الآلات, وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة, التي لو فقدوها,

      لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة, فمنه تعالى.


      وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة.



      فالعامة: هي خلقه للمخلوقين, ورزقهم,

      وهدايتهم لما فيه مصالحهم, التي فيها بقاؤهم في الدنيا.


      والخاصة: تربيته لأوليائه, فيربيهم بالإيمان, ويوفقهم له, ويكمله لهم

      , ويدفع عنهم الصوارف, والعوائق الحائلة بينهم وبينه,

      وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير, والعصمة عن كل شر.

      ولعل هذا [المعنى] هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب.

      فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.



      فدل قوله رَبِّ الْعَالَمِينَ على انفراده بالخلق والتدبير, والنعم, وكمال غناه, وتمام فقر العالمين إليه,

      بكل وجه واعتبار.



      مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ المالك: هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى,

      ويثيب ويعاقب, ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات, وأضاف

      الملك ليوم الدين, وهو يوم القيامة, يوم يدان الناس فيه بأعمالهم,

      خيرها وشرها, لأن في ذلك اليوم, يظهر للخلق تمام الظهور,

      كمال ملكه وعدله وحكمته, وانقطاع أملاك الخلائق. حتى [إنه]

      يستوي في ذلك اليوم, الملوك والرعايا والعبيد والأحرار.



      كلهم مذعنون لعظمته, خاضعون لعزته, منتظرون لمجازاته,

      راجون ثوابه, خائفون من عقابه, فلذلك خصه بالذكر,

      وإلا فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام.



      وقوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أي: نخصك وحدك بالعبادة


      والاستعانة, لأن تقديم المعمول يفيد الحصر, وهو إثبات الحكم للمذكور,

      ونفيه عما عداه. فكأنه يقول: نعبدك, ولا نعبد غيرك,

      ونستعين بك, ولا نستعين بغيرك.



      وقدم العبادة على الاستعانة, من باب تقديم العام على الخاص,

      واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده.



      و العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال,

      والأقوال الظاهرة والباطنة. و الاستعانة هي الاعتماد على الله تعالى

      في جلب المنافع, ودفع المضار, مع الثقة به في تحصيل ذلك.



      والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية, والنجاة من جميع الشرور,

      فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما. وإنما تكون العبادة عبادة,

      إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله.

      فبهذين الأمرين تكون عبادة, وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها,

      لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى.

      فإنه إن لم يعنه الله, لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر, واجتناب النواهي.



      ثم قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أي: دلنا وأرشدنا, ووفقنا للصراط المستقيم, وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله,

      وإلى جنته, وهو معرفة الحق والعمل به, فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط.

      فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام, وترك ما سواه من الأديان,

      والهداية في الصراط, تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا.

      فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان

      أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته, لضرورته إلى ذلك.



      وهذا الصراط المستقيم هو: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

      غَيْرِ صراط الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم. وغير صراط

      الضَّالِّينَ الذين تركوا الحق على جهل وضلال, كالنصارى ونحوهم.



      فهذه السورة على إيجازها, قد < 1-40 > احتوت على ما لم تحتو

      عليه سورة من سور القرآن, فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة:

      توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: رَبِّ الْعَالَمِينَ



      وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة, يؤخذ من لفظ:

      اللَّهِ ومن قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وتوحيد الأسماء والصفات,

      وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى, التي أثبتها لنفسه,

      وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه,

      وقد دل على ذلك لفظ الْحَمْدُ كما تقدم. وتضمنت إثبات النبوة في قوله:

      اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة.




      وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله:

      مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وأن الجزاء يكون بالعدل, لأن الدين معناه الجزاء بالعدل.



      وتضمنت إثبات القدر, وأن العبد فاعل حقيقة,

      خلافا للقدرية والجبرية. بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع [والضلال]

      في قوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ لأنه معرفة الحق والعمل به.


      وكل مبتدع [وضال] فهو مخالف لذلك.



      وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى,

      عبادة واستعانة في قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فالحمد لله رب العالمين.

      يتبع

      تعليق


      • #4
        تفسير سورة البقرة

        وهي مدنية


        (1 - 5 ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

        تقدم الكلام على البسملة. وأما الحروف المقطعة في أوائل السور, فالأسلم فيها, السكوت عن التعرض لمعناها [من غير مستند شرعي], مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها.

        وقوله ذَلِكَ الْكِتَابُ أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة, المشتمل على ما لم تشتمل

        عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم,


        والحق المبين. فـ لا رَيْبَ فِيهِ ولا شك بوجه من الوجوه، ونفي الريب عنه,

        يستلزم ضده, إذ ضد الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين

        المزيل للشك والريب، وهذه قاعدة مفيدة, أن النفي المقصود به المدح,

        لا بد أن يكون متضمنا لضده, وهو الكمال, لأن النفي عدم, والعدم المحض, لا مدح فيه.



        فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين

        قال: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه، وما به الهداية


        إلى سلوك الطرق النافعة، وقال هُدًى وحذف المعمول, فلم يقل هدى

        للمصلحة الفلانية, ولا للشيء الفلاني, لإرادة العموم, وأنه هدى

        لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية,

        ومبين للحق من الباطل, والصحيح من الضعيف, ومبين لهم كيف

        يسلكون الطرق النافعة لهم, في دنياهم وأخراهم.



        وقال في موضع آخر: هُدًى لِلنَّاسِ فعمم، وفي هذا الموضع وغيره

        هُدًى لِلْمُتَّقِينَ لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق.



        فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا، ولم يقبلوا هدى الله, فقامت عليهم به الحجة,

        ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر, لحصول الهداية

        , وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه, بامتثال أوامره,

        واجتناب النواهي, فاهتدوا به, وانتفعوا غاية الانتفاع.

        قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية, والآيات الكونية.ولأن الهداية نوعان: هداية البيان, وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان, وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق. وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها, ليست هداية حقيقية [تامة].

        ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة, والأعمال الظاهرة, لتضمن التقوى لذلك

        فقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ حقيقة الإيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل, المتضمن لانقياد الجوارح،

        وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس, فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر.

        إنما الشأن في الإيمان بالغيب, الذي لم نره ولم نشاهده, وإنما نؤمن به,

        لخبر الله وخبر رسوله. فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر,

        لأنه تصديق مجرد لله ورسله. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به,

        أو أخبر به رسوله, سواء شاهده, أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله,

        أو لم يهتد إليه عقله وفهمه. بخلاف الزنادقة والمكذبين بالأمور الغيبية,

        لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه

        ففسدت عقولهم, ومرجت أحلامهم. وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله.



        ويدخل في الإيمان بالغيب, [الإيمان بـ] بجميع ما أخبر الله به من الغيوب

        الماضية والمستقبلة, وأحوال الآخرة, وحقائق أوصاف الله وكيفيتها,

        [وما أخبرت به الرسل من < 1-41 > ذلك] فيؤمنون بصفات الله

        ووجودها, ويتيقنونها, وإن لم يفهموا كيفيتها.



        ثم قال: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ لم يقل: يفعلون الصلاة, أو يأتون بالصلاة, لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة.

        فإقامة الصلاة, إقامتها ظاهرا, بإتمام أركانها, وواجباتها, وشروطها.

        وإقامتها باطنا بإقامة روحها, وهو حضور القلب فيها, وتدبر ما يقوله ويفعله منها،

        فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ

        وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للإنسان من صلاته,

        إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها.



        ثم قال: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة, والنفقة على الزوجات والأقارب,

        والمماليك ونحو ذلك. والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير.

        ولم يذكر المنفق عليهم, لكثرة أسبابه وتنوع أهله, ولأن النفقة من حيث هي,

        قربة إلى الله، وأتى بـ " من "الدالة على التبعيض,

        لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم, غير ضار لهم ولا مثقل,

        بل ينتفعون هم بإنفاقه, وينتفع به إخوانهم.



        وفي قوله: رَزَقْنَاهُمْ إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم,

        ليست حاصلة بقوتكم وملككم, وإنما هي رزق الله الذي خولكم,

        وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده,

        فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم, وواسوا إخوانكم المعدمين.



        وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن,

        لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود, والزكاة والنفقة

        متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود,

        وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه,

        فلا إخلاص ولا إحسان.



        ثم قال: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وهو القرآن والسنة، قال تعالى: وَأَنزلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ

        وَالْحِكْمَةَ فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول, ولا يفرقون بين بعض

        ما أنزل إليه, فيؤمنون ببعضه, ولا يؤمنون ببعضه, إما بجحده أو تأويله,

        على غير مراد الله ورسوله, كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة,

        الذين يؤولون النصوص الدالة على خلاف قولهم, بما حاصله عدم التصديق بمعناها,

        وإن صدقوا بلفظها, فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا.



        وقوله: وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يشمل الإيمان بالكتب السابقة، ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل وبما اشتملت عليه,

        خصوصا التوراة والإنجيل و****ور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون

        بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم.


        ثم قال: وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ و " الآخرة "اسم لما يكون بعد الموت، وخصه [بالذكر] بعد العموم, لأن الإيمان باليوم الآخر,

        أحد أركان الإيمان؛ ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل،

        و " اليقين "هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك, الموجب للعمل.


        أُولَئِكَ أي: الموصوفون بتلك الصفات الحميدة

        عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ أي: على هدى عظيم, لأن التنكير للتعظيم،

        وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة،

        وهل الهداية [الحقيقية] إلا هدايتهم، وما سواها [مما خالفها]، فهو ضلالة.


        وأتى بـ " على "في هذا الموضع, الدالة على الاستعلاء,

        وفي الضلالة يأتي بـ " في "كما في قوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ

        لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى, مرتفع به, وصاحب الضلال منغمس فيه محتَقر.

        ثم قال: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ والفلاح [هو] الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، حصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل

        إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم, وما عدا تلك السبيل,

        فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك.


        فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا, ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم، المعاندين للرسول، فقال:

        التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 18-12-2013, 02:40 PM. سبب آخر: تعديل الخط

        تعليق


        • #5
          6 - 7 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .


          يخبر تعالى أن الذين كفروا, أي: اتصفوا بالكفر, وانصبغوا به,

          وصار وصفا لهم لازما, لا يردعهم عنه رادع, ولا ينجع فيهم وعظ،

          إنهم مستمرون على كفرهم, فسواء عليهم أأنذرتهم, أم لم تنذرهم لا يؤمنون،

          وحقيقة الكفر: هو الجحود لما جاء به الرسول, أو جحد بعضه، فهؤلاء الكفار

          لا تفيدهم < 1-42 > الدعوة إلا إقامة الحجة, وكأن في هذا قطعا لطمع

          الرسول صلى الله عليه وسلم في إيمانهم, وأنك لا تأس عليهم,

          ولا تذهب نفسك عليهم حسرات.


          ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الإيمان

          فقال: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ أي: طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان,

          ولا ينفذ فيها، فلا يعون ما ينفعهم, ولا يسمعون ما يفيدهم.



          وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ أي: غشاء وغطاء وأكنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم,

          وهذه طرق العلم والخير, قد سدت عليهم, فلا مطمع فيهم, ولا خير يرجى عندهم،

          وإنما منعوا ذلك, وسدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم

          ومعاندتهم بعد ما تبين لهم الحق,

          كما قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وهذا عقاب عاجل.

          ثم ذكر العقاب الآجل، فقال: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ وهو عذاب النار,

          وسخط الجبار المستمر الدائم.

          ثم قال تعالى في وصف المنافقين الذين ظاهرهم الإسلام وباطنهم الكفر فقال:

          (8 - 10) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ .

          واعلم أن النفاق هو: إظهار الخير وإبطان الشر، ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي,

          والنفاق العملي، كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله

          : " آية المنافق ثلات: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف,

          وإذا اؤتمن خان "وفي رواية: " وإذا خاصم فجر "


          وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام, فهو الذي وصف الله به

          المنافقين في هذه السورة وغيرها، ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول

          صلى الله عليه وسلم [من مكة] إلى المدينة, وبعد أن هاجر, فلما كانت وقعة

          " بدر " وأظهر الله المؤمنين وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم,

          فأظهر بعضهم الإسلام خوفا ومخادعة, ولتحقن دماؤهم, وتسلم أموالهم,

          فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم, وفي الحقيقة ليسوا منهم.



          فمن لطف الله بالمؤمنين, أن جلا أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها,

          لئلا يغتر بهم المؤمنون, ولينقمعوا أيضا عن كثير من فجورهم

          : يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ

          فوصفهم الله بأصل النفاق فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ

          فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فأكذبهم الله

          بقوله: وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ لأن الإيمان الحقيقي,

          ما تواطأ عليه القلب واللسان, وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين.


          والمخادعة: أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا,

          ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع، فهؤلاء المنافقون,

          سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك, فعاد خداعهم على أنفسهم، فإن هذا من العجائب؛

          لأن المخادع, إما أن ينتج خداعه ويحصل له ما يريد أو يسلم, لا له ولا عليه،

          وهؤلاء عاد خداعهم عليهم, وكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم

          وإضرارها وكيدها؛ لأن الله تعالى لا يتضرر بخداعهم [شيئا] وعباده المؤمنون,

          لا يضرهم كيدهم شيئا، فلا يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون الإيمان,

          فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دماؤهم, وصار كيدهم في نحورهم,

          وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا, والحزن المستمر بسبب

          ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة.

          ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع, بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم,

          والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك.


          وقوله: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والمراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات

          والنفاق، لأن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله:

          مرض الشبهات الباطلة, ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق

          والشكوك والبدع, كلها من مرض الشبهات، والزنا, ومحبة [الفواحش و]
          المعاصي وفعلها, من مرض الشهوات ،

          كما قال تعالى: فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وهي شهوة الزنا،

          والمعافى من عوفي من هذين المرضين, فحصل له اليقين والإيمان,

          والصبر عن كل معصية, فرفل في أثواب العافية.

          وفي قوله عن المنافقين: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا بيان

          لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين, وأنه بسبب ذنوبهم السابقة,

          يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما

          قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ

          وقال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ

          وقال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ

          فعقوبة المعصية, المعصية بعدها, كما أن من ثواب الحسنة,

          الحسنة بعدها، قال تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى .


          < 1-43 >


          (11 - 12 )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ .

          أي: إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض, وهو العمل بالكفر والمعاصي,

          ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين

          قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض,

          وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح, قلبا للحقائق, وجمعا بين فعل الباطل

          واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية, مع اعتقاد

          أنها معصية فهذا أقرب للسلامة, وأرجى لرجوعه.


          ولما كان في قولهم: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ حصر للإصلاح في جانبهم -

          وفي ضمنه أن المؤمنين ليسوا من أهل الإصلاح - قلب الله عليهم دعواهم

          بقوله: ألا إنهم هم المفسدون فإنه لا أعظم فسادا ممن كفر بآيات الله,

          وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه, ووالى المحاربين لله ورسوله,

          وزعم مع ذلك أن هذا إصلاح, فهل بعد هذا الفساد فساد؟" ولكن لا يعلمون

          علما ينفعهم, وإن كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله،

          وإنما كان العمل بالمعاصي في الأرض إفسادا, لأنه يتضمن فساد ما على

          وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار, والنبات, بما يحصل فيها من

          الآفات بسبب المعاصي، ولأن الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله

          والإيمان به, لهذا خلق الله الخلق, وأسكنهم في الأرض, وأدر لهم الأرزاق,

          ليستعينوا بها على طاعته [وعبادته]، فإذا عمل فيها بضده,

          كان سعيا فيها بالفساد فيها, وإخرابا لها عما خلقت له.


          (13) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ .

          أي: إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس,

          أي: كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإيمان بالقلب واللسان,

          قالوا بزعمهم الباطل: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ يعنون - قبحهم الله -

          الصحابة رضي الله عنهم, بزعمهم أن سفههم أوجب لهم الإيمان, وترك الأوطان,

          ومعاداة الكفار، والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك, فنسبوهم إلى السفه;

          وفي ضمنه أنهم هم العقلاء أرباب الحجى والنهى.


          فرد الله ذلك عليهم, وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة,

          لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه, وسعيه فيما يضرها,

          وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم، كما أن العقل والحجا,

          معرفة الإنسان بمصالح نفسه, والسعي فيما ينفعه, و[في] دفع ما يضره،

          وهذه الصفة منطبقة على [الصحابة و]المؤمنين وصادقة عليهم،

          فالعبرة بالأوصاف والبرهان, لا بالدعاوى المجردة, والأقوال الفارغة.

          ثم قال تعالى:

          (14 - 15 )وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ .


          هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، و[ذلك] أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين,

          أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم, فإذا خلوا إلى شياطينهم -

          أي: رؤسائهم وكبرائهم في الشر - قالوا: إنا معكم في الحقيقة,

          وإنما نحن مستهزءون بالمؤمنين بإظهارنا لهم, أنا على طريقتهم، فهذه

          حالهم الباطنة والظاهرة, ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.


          قال تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وهذا جزاء لهم,

          على استهزائهم بعباده، فمن استهزائه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء

          والحالة الخبيثة, حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين, لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم،

          ومن استهزائه بهم يوم القيامة, أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا,

          فإذا مشى المؤمنون بنورهم, طفئ نور المنافقين, وبقوا في الظلمة

          بعد النور متحيرين, فما أعظم اليأس بعد الطمع،

          يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ الآية.



          قوله: وَيَمُدُّهُمْ أي: يزيدهم فِي طُغْيَانِهِمْ أي: فجورهم وكفرهم

          ، يَعْمَهُونَ أي: حائرون مترددون, وهذا من استهزائه تعالى بهم.

          ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة أحوالهم:


          (16 )أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ .

          أولئك, أي: المنافقون الموصوفون بتلك الصفات الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى

          أي: رغبوا في الضلالة, رغبة المشتري بالسلعة, التي من رغبته فيها يبذل فيها

          الأثمان النفيسة. وهذا من أحسن الأمثلة, فإنه جعل الضلالة, التي هي غاية الشر,

          كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن، فبذلوا الهدى رغبة

          عنه بالضلالة رغبة فيها، فهذه تجارتهم, فبئس التجارة, وبئس الصفقة صفقتهم .



          < 1-44 >

          وإذا كان من بذل دينارا في مقابلة درهم خاسرا, فكيف من بذل جوهرة

          وأخذ عنها درهما؟" فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة,

          واختار الشقاء على السعادة, ورغب في سافل الأمور عن عاليها ؟"

          فما ربحت تجارته, بل خسر فيها أعظم خسارة.

          قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ .

          وقوله: وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ تحقيق لضلالهم, وأنهم لم يحصل لهم من الهداية شيء,

          فهذه أوصافهم القبيحة.



          ثم ذكر مثلهم الكاشف لها غاية الكشف، فقال:

          تعليق


          • #6
            (17 - 20 ) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .


            أي: مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا، أي: كان في ظلمة عظيمة,

            وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره, ولم تكن عنده معدة, بل هي خارجة عنه،

            فلما أضاءت النار ما حوله, ونظر المحل الذي هو فيه, وما فيه من المخاوف وأمنها,

            وانتفع بتلك النار, وقرت بها عينه, وظن أنه قادر عليها, فبينما هو كذلك, إذ ذهب الله بنوره,

            فذهب عنه النور, وذهب معه السرور, وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة,

            فذهب ما فيها من الإشراق, وبقي ما فيها من الإحراق، فبقي في ظلمات متعددة:

            ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمة المطر, والظلمة الحاصلة بعد النور,

            فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء المنافقون, استوقدوا نار الإيمان

            من المؤمنين, ولم تكن صفة لهم, فانتفعوا بها وحقنت بذلك دماؤهم, وسلمت أموالهم,

            وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت,

            فسلبهم الانتفاع بذلك النور, وحصل لهم كل هم وغم وعذاب, وحصل لهم ظلمة القبر,

            وظلمة الكفر, وظلمة النفاق, وظلم المعاصي على اختلاف أنواعها,

            وبعد ذلك ظلمة النار [وبئس القرار].


            فلهذا قال تعالى [عنهم]: صُمٌّ أي: عن سماع الخير، بُكْمٌ [أي]: عن النطق به،

            عُمْيٌ عن رؤية الحق، فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه,

            فلا يرجعون إليه، بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال, فإنه لا يعقل,

            وهو أقرب رجوعا منهم.


            ثم قال تعالى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ يعني: أو مثلهم كصيب،

            أي: كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب,

            أي: ينزل بكثرة، فِيهِ ظُلُمَاتٌ ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمات المطر،

            وَرَعْدٌ وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، وَبَرْقٌ وهو الضوء [اللامع] المشاهد مع السحاب.


            كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ البرق في تلك الظلمات مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا أي: وقفوا.


            فهكذا حال المنافقين, إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده,
            جعلوا أصابعهم في آذانهم, وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده, فيروعهم

            وعيده وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم, ويكرهونها كراهة

            صاحب الصيب الذي يسمع الرعد, ويجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت,

            فهذا تمكن له السلامة. وأما المنافقون فأنى لهم السلامة, وهو تعالى محيط بهم,

            قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه, بل يحفظ عليهم أعمالهم,

            ويجازيهم عليها أتم الجزاء.


            ولما كانوا مبتلين بالصمم, والبكم, والعمى المعنوي, ومسدودة عليهم طرق الإيمان،

            قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ أي: الحسية,

            ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية, ليحذروا, فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم،

            إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فلا يعجزه شيء، ومن قدرته أنه إذا شاء

            شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض.


            وفي هذه الآية وما أشبهها, رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير

            داخلة في قدرة الله تعالى, لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في

            قوله: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .


            < 1-45 >


            (21 - 22 ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .

            هذا أمر عام لكل الناس, بأمر عام, وهو العبادة الجامعة, لامتثال أوامر الله,

            واجتناب نواهيه, وتصديق خبره, فأمرهم تعالى بما خلقهم له،

            قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ .


            ثم استدل على وجوب عبادته وحده, بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم,

            فخلقكم بعد العدم, وخلق الذين من قبلكم, وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة,

            فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها, وتنتفعون بالأبنية, والزراعة,

            والحراثة, والسلوك من محل إلى محل, وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها،

            وجعل السماء بناء لمسكنكم, وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم

            وحاجاتكم, كالشمس, والقمر, والنجوم.


            وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً والسماء: [هو] كل ما علا فوقك فهو سماء,

            ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء هاهنا: السحاب، فأنزل منه تعالى ماء

            ، فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ كالحبوب, والثمار, من نخيل, وفواكه, [وزروع]

            وغيرها رِزْقًا لَكُمْ به ترتزقون, وتقوتون وتعيشون وتفكهون.


            فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا أي: نظراء وأشباها من المخلوقين,

            فتعبدونهم كما تعبدون الله, وتحبونهم كما تحبون الله, وهم مثلكم,

            مخلوقون, مرزوقون مدبرون, لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض،

            ولا ينفعونكم ولا يضرون، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أن الله ليس له شريك, ولا نظير,

            لا في الخلق, والرزق, والتدبير, ولا في العبادة فكيف تعبدون معه آلهة

            أخرى مع علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب, وأسفه السفه.


            وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده, والنهي عن عبادة ما سواه,

            وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته, وبطلان عبادة من سواه,

            وهو [ذكر] توحيد الربوبية, المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير،

            فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك, فكذلك فليكن إقراره

            بأن [الله] لا شريك له في العبادة, وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري،

            وبطلان الشرك.


            وقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ يحتمل أن المعنى: أنكم إذا عبدتم الله وحده,

            اتقيتم بذلك سخطه وعذابه, لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون المعنى:

            أنكم إذا عبدتم الله, صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى, وكلا المعنيين صحيح,

            وهما متلازمان، فمن أتى بالعبادة كاملة, كان من المتقين، ومن كان من المتقين,

            حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه. ثم قال تعالى:


            (23 - 24) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ .



            وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصحة ما جاء به،

            فقال: وإن كنتم معشر المعاندين للرسول, الرادين دعوته, الزاعمين كذبه في شك واشتباه,

            مما نزلنا على عبدنا, هل هو حق أو غيره ؟ فهاهنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه،

            وهو أنه بشر مثلكم, ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم,

            لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله, وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه،

            فإن كان الأمر كما تقولون, فأتوا بسورة من مثله, واستعينوا بمن تقدرون عليه من

            أعوانكم وشهدائكم, فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة,

            والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله, فهو كما زعمتم,

            وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز, ولن تأتوا بسورة من مثله،

            ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى,

            ودليل واضح [جلي] على صدقه وصدق ما جاء به, فيتعين عليكم اتباعه,

            واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [والشدة],

            أن كانت وقودها الناس والحجارة, ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد < 1-46 > بالحطب,

            وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله,

            بعد ما تبين لكم أنه رسول الله.


            وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي, وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن،

            قال تعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ

            هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا .


            وكيف يقدر المخلوق من تراب, أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟

            أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه, أن يأتي بكلام ككلام الكامل,

            الذي له الكمال المطلق, والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان,

            ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع] الكلام,

            إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء, ظهر له الفرق العظيم.







            وفي قوله: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ إلى آخره, دليل على أن الذي يرجى

            له الهداية من الضلالة: [هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال،

            فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق.


            وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه, فهذا لا يمكن رجوعه, لأنه ترك الحق بعد ما تبين له,

            لم يتركه عن جهل, فلا حيلة فيه.


            وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق, بل هو معرض غير مجتهد في طلبه,

            فهذا في الغالب أنه لا يوفق.


            وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم,

            دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم, قيامه بالعبودية,

            التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين.

            كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ

            وفي مقام الإنزال، فقال: تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ .


            وفي قوله: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ونحوها من الآيات, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة,

            أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة، وفيها أيضا, أن الموحدين

            وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار, لأنه قال:

            أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها, لم تكن

            معدة للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة.


            وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه, وهو الكفر, وأنواع المعاصي على اختلافها.

            تعليق


            • #7
              (25) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .


              لما ذكر جزاء الكافرين, ذكر جزاء المؤمنين, أهل الأعمال الصالحات,

              على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب,

              ليكون العبد راغبا راهبا, خائفا راجيا فقال:

              وَبَشِّرِ أي: [يا أيها الرسول ومن قام مقامه] الَّذِينَ آمَنُوا بقلوبهم

              وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بجوارحهم, فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة.


              ووصفت أعمال الخير بالصالحات, لأن بها تصلح أحوال العبد,

              وأمور دينه ودنياه, وحياته الدنيوية والأخروية, ويزول بها عنه فساد الأحوال,

              فيكون بذلك من الصالحين, الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته.

              فبشرهم أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ أي: بساتين جامعة من الأشجار العجيبة, والثمار الأنيقة,

              والظل المديد, [والأغصان والأفنان وبذلك] صارت جنة يجتن بها داخلها,

              وينعم فيها ساكنها.

              تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ أي: أنهار الماء, واللبن, والعسل, والخمر،

              يفجرونها كيف شاءوا, ويصرفونها أين أرادوا, وتشرب منها تلك

              الأشجار فتنبت أصناف الثمار.


              كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ

              أي: هذا من جنسه, وعلى وصفه, كلها متشابهة في الحسن واللذة،

              ليس فيها ثمرة خاصة, وليس لهم وقت خال من اللذة, فهم

              دائما متلذذون بأكلها.


              وقوله: وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا قيل: متشابها في الاسم, مختلف الطعوم وقيل:

              متشابها في اللون, مختلفا في الاسم، وقيل: يشبه بعضه بعضا,

              في الحسن, واللذة, والفكاهة, ولعل هذا الصحيح .


              ثم لما ذكر مسكنهم, وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم, ذكر أزواجهم,

              فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه, وأوضحه فقال: وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ

              فلم يقل " مطهرة من < 1-47 > العيب الفلاني "ليشمل جميع أنواع التطهير،

              فهن مطهرات الأخلاق, مطهرات الخلق, مطهرات اللسان, مطهرات الأبصار،

              فأخلاقهن, أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن, وحسن التبعل,

              والأدب القولي والفعلي, ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني,

              والبول والغائط, والمخاط والبصاق, والرائحة الكريهة، ومطهرات

              الخلق أيضا, بكمال الجمال, فليس فيهن عيب, ولا دمامة خلق,

              بل هن خيرات حسان, مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن

              على أزواجهن, وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح.


              ففي هذه الآية الكريمة, ذكر المبشِّر والمبشَّر, والمبشَّرُ به,

              والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر: هو الرسول صلى الله عليه وسلم

              ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر: هم المؤمنون العاملون الصالحات،

              والمبشَّر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك,

              هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة,

              إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة, على يد أفضل الخلق, بأفضل الأسباب.


              وفيه استحباب بشارة المؤمنين, وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها

              [وثمراتها], فإنها بذلك تخف وتسهل، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان,

              توفيقه للإيمان والعمل الصالح، فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى

              عند الموت، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم، نسأل الله أن يجعلنا منهم .


              (26 - 27) إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .


              يقول تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا أي:

              أيَّ مثل كان بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا لاشتمال الأمثال على الحكمة,

              وإيضاح الحق, والله لا يستحيي من الحق، وكأن في هذا,

              جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة، واعترض على الله في ذلك.

              فليس في ذلك محل اعتراض. بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم.

              فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر.

              ولهذا قال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ فيتفهمونها، ويتفكرون فيها.


              فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل، ازداد بذلك علمهم وإيمانهم،

              وإلا علموا أنها حق، وما اشتملت عليه حق، وإن خفي عليهم وجه الحق

              فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا، بل لحكمة بالغة، ونعمة سابغة.


              وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا فيعترضون ويتحيرون،

              فيزدادون كفرا إلى كفرهم، كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم،

              ولهذا قال: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا فهذه حال المؤمنين والكافرين

              عند نزول الآيات القرآنية. قال تعالى: وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ

              مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ

              وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ

              فلا أعظم نعمة على العباد من نزول الآيات القرآنية، ومع هذا تكون لقوم

              محنة وحيرة [وضلالة] وزيادة شر إلى شرهم، ولقوم منحة [ورحمة]

              وزيادة خير إلى خيرهم، فسبحان من فاوت بين عباده، وانفرد بالهداية والإضلال.


              ثم ذكر حكمته في إضلال من يضلهم وأن ذلك عدل منه تعالى فقال:

              وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ أي: الخارجين عن طاعة الله;

              المعاندين لرسل الله; الذين صار الفسق وصفهم; فلا يبغون به بدلا

              فاقتضت حكمته تعالى إضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى، كما اقتضت

              حكمته وفضله هداية من اتصف بالإيمان وتحلى بالأعمال الصالحة.


              والفسق نوعان: نوع مخرج من الدين، وهو الفسق المقتضي

              للخروج من الإيمان; كالمذكور في هذه الآية ونحوها، ونوع غير

              مخرج من الإيمان كما في قوله تعالى:

              يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الآية].


              ثم وصف الفاسقين فقال: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ

              وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي

              أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق;

              بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه;

              وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق.


              < 1-48 >
              وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة،

              فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به والقيام بعبوديته،

              وما بيننا وبين رسوله بالإيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه،

              وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب;

              وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها.


              فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق،

              وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون، فقطعوها، ونبذوها وراء ظهورهم;

              معتاضين عنها بالفسق والقطيعة; والعمل بالمعاصي; وهو: الإفساد في الأرض.


              فـ فَأُولَئِكَ أي: من هذه صفته هُمُ الْخَاسِرُونَ في الدنيا والآخرة،

              فحصر الخسارة فيهم; لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم;

              ليس لهم نوع من الربح؛ لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان;

              فمن لا إيمان له لا عمل له; وهذا الخسار هو خسار الكفر،

              وأما الخسار الذي قد يكون كفرا; وقد يكون معصية;

              وقد يكون تفريطا في ترك مستحب، المذكور في قوله تعالى:

              إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ فهذا عام لكل مخلوق; إلا من اتصف بالإيمان

              والعمل الصالح; والتواصي بالحق; والتواصي بالصبر;

              وحقيقة فوات الخير; الذي [كان] العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه.


              (28 ).ثم قال تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ .

              هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار،

              أي: كيف يحصل منكم الكفر بالله; الذي خلقكم من العدم;

              وأنعم عليكم بأصناف النعم; ثم يميتكم عند استكمال آجالكم;

              ويجازيكم في القبور; ثم يحييكم بعد البعث والنشور;

              ثم إليه ترجعون; فيجازيكم الجزاء الأوفى، فإذا كنتم في تصرفه;

              وتدبيره; وبره; وتحت أوامره الدينية; ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي;

              أفيليق بكم أن تكفروا به; وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه وحماقة ؟

              بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه وتخافوا عذابه; وترجوا ثوابه.


              (29)هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .

              هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا أي:

              خلق لكم, برا بكم ورحمة, جميع ما على الأرض, للانتفاع والاستمتاع والاعتبار.


              وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة,

              لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث,

              فإن [تحريمها أيضا] يؤخذ من فحوى الآية, ومعرفة المقصود منها,

              وأنه خلقها لنفعنا, فما فيه ضرر, فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته,

              منعنا من الخبائث, تنزيها لنا.


              وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .


              اسْتَوَى ترد في القرآن على ثلاثة معاني: فتارة لا تعدى بالحرف،

              فيكون معناها, الكمال والتمام, كما في قوله عن موسى:

              وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى وتارة تكون بمعنى " علا "و "

              ارتفع "وذلك إذا عديت بـ " على "كما في قوله تعالى:

              ثم استوى على العرش لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ وتارة تكون بمعنى

              " قصد "كما إذا عديت بـ " إلى "كما في هذه الآية، أي:

              لما خلق تعالى الأرض, قصد إلى خلق السماوات فسواهن

              سبع سماوات فخلقها وأحكمها, وأتقنها, وهو بكل شيء عليم

              فـ يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء

              وما يعرج فيها و يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ يعلم السر وأخفى.


              وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية,

              وكما في قوله تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ لأن خلقه للمخلوقات

              أدل دليل على علمه, وحكمته, وقدرته.


              يتابع الرجاء عدم الرد


              7


              7

              تعليق


              • #8
                30 - 34 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ .

                هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السلام أبي البشر أن الله حين أراد خلقه

                أخبر الملائكة بذلك, وأن الله مستخلفه في الأرض.


                فقالت الملائكة عليهم السلام: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا بالمعاصي

                وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [و]هذا تخصيص بعد تعميم, لبيان [شدة] مفسدة القتل،

                وهذا بحسب ظنهم أن الخليفة المجعول في الأرض سيحدث منه ذلك,

                فنزهوا الباري عن ذلك, وعظموه, وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على

                وجه خال من المفسدة فقالوا: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ أي: ننزهك التنزيه

                اللائق بحمدك وجلالك، وَنُقَدِّسُ لَكَ يحتمل أن معناها: ونقدسك,

                فتكون اللام مفيدة للتخصيص والإخلاص، ويحتمل أن يكون:

                ونقدس لك أنفسنا، أي: < 1-49 > نطهرها بالأخلاق الجميلة,

                كمحبة الله وخشيته وتعظيمه, ونطهرها من الأخلاق الرذيلة.



                قال الله تعالى للملائكة: إِنِّي أَعْلَمُ من هذا الخليفة مَا لا تَعْلَمُونَ ؛

                لأن كلامكم بحسب ما ظننتم, وأنا عالم بالظواهر والسرائر,

                وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة, أضعاف أضعاف ما في

                ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك, إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي

                منهم الأنبياء والصديقين, والشهداء والصالحين, ولتظهر آياته للخلق,

                ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة,

                كالجهاد وغيره, وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان,

                وليتبين عدوه من وليه, وحزبه من حربه, وليظهر ما كمن في نفس إبليس

                من الشر الذي انطوى عليه, واتصف به, فهذه حكم عظيمة, يكفي بعضها في ذلك.



                ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام, فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة

                الذي يجعله الله في الأرض, أراد الله تعالى, أن يبين لهم من فضل آدم,

                ما يعرفون به فضله, وكمال حكمة الله وعلمه فـ عَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا أي:

                أسماء الأشياء, وما هو مسمى بها، فعلمه الاسم والمسمى, أي:

                الألفاظ والمعاني, حتى المكبر من الأسماء كالقصعة، والمصغر كالقصيعة.


                ثُمَّ عَرَضَهُمْ أي: عرض المسميات عَلَى الْمَلائِكَةِ امتحانا لهم, هل يعرفونها أم لا؟.


                فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في قولكم وظنكم, أنكم أفضل من هذا الخليفة.


                قَالُوا سُبْحَانَكَ أي: ننزهك من الاعتراض منا عليك, ومخالفة أمرك.

                لا عِلْمَ لَنَا بوجه من الوجوه إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إياه, فضلا منك وجودا،

                إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ العليم الذي أحاط علما بكل شيء,

                فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض,

                ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.



                الحكيم: من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق, ولا يشذ عنها مأمور،

                فما خلق شيئا إلا لحكمة: ولا أمر بشيء إلا لحكمة، والحكمة:

                وضع الشيء في موضعه اللائق به، فأقروا, واعترفوا بعلم الله وحكمته,

                وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم; وتعليمه إياهم ما لا يعلمون.


                فحينئذ قال الله: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ أي: أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة;

                فعجزوا عنها، فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ تبين للملائكة فضل آدم عليهم;

                وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة،

                قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وهو ما غاب عنا;

                فلم نشاهده، فإذا كان عالما بالغيب; فالشهادة من باب أولى، وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ

                أي: تظهرون وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ .



                ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم; إكراما له وتعظيما; وعبودية لله تعالى،

                فامتثلوا أمر الله; وبادروا كلهم بالسجود، إِلا إِبْلِيسَ أَبَى امتنع عن السجود;

                واستكبر عن أمر الله وعلى آدم، قال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا

                وهذا الإباء منه والاستكبار; نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه;

                فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره.



                وفي هذه الآيات من العبر والآيات; إثبات الكلام لله تعالى;

                وأنه لم يزل متكلما; يقول ما شاء; ويتكلم بما شاء; وأنه عليم حكيم،

                وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات

                والمأمورات فالوجب عليه; التسليم; واتهام عقله; والإقرار لله بالحكمة،

                وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة; وإحسانه بهم; بتعليمهم ما جهلوا;

                وتنبيههم على ما لم يعلموه.



                وفيه فضيلة العلم من وجوه:



                منها: أن الله تعرف لملائكته; بعلمه وحكمته ، ومنها:

                أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم; وأنه أفضل صفة تكون في العبد،

                ومنها: أن الله أمرهم بالسجود لآدم; إكراما له; لما بان فضل علمه،

                ومنها: أن الامتحان للغير; إذا عجزوا عما امتحنوا به;

                ثم عرفه صاحب الفضيلة; فهو أكمل مما عرفه ابتداء، ومنها:

                الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن; وبيان فضل آدم; وأفضال الله عليه;

                وعداوة إبليس له; إلى غير ذلك من العبر.



                35 - 36 وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ .

                لما خلق الله آدم وفضله; أتم نعمته عليه; بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها;

                ويستأنس بها; وأمرهما بسكنى الجنة; والأكل منها رغدا; أي: واسعا هنيئا،

                حَيْثُ شِئْتُمَا أي: من أصناف الثمار والفواكه; وقال الله له:

                إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى .



                وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ نوع من أنواع شجر الجنة;

                الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء [أو لحكمة غير معلومة لنا]

                فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ دل على أن النهي للتحريم; لأنه رتب عليه الظلم.



                فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه;

                حتى أزلهما، أي: حملهما على الزلل بتزيينه.

                وَقَاسَمَهُمَا بالله إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فاغترا به وأطاعاه;

                فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد; وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة.


                < 1-50 >

                بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ أي: آدم وذريته; أعداء لإبليس وذريته،

                ومن المعلوم أن العدو; يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال

                الشر إليه بكل طريق; وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا,

                تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى

                إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ

                أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا .



                ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض، فقال: وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ أي:

                مسكن وقرار، وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ انقضاء آجالكم, ثم تنتقلون منها للدار

                التي خلقتم لها, وخلقت لكم، ففيها أن مدة هذه الحياة, مؤقتة عارضة,

                ليست مسكنا حقيقيا, وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار, ولا تعمر للاستقرار.



                37 فَتَلَقَّى آدَمُ .

                فَتَلَقَّى آدَمُ أي: تلقف وتلقن, وألهمه الله مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ وهي قوله:

                رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا الآية، فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته فَتَابَ

                الله عَلَيْهِ ورحمه إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ لمن تاب إليه وأناب.

                وتوبته نوعان: توفيقه أولا ثم قبوله للتوبة إذا اجتمعت شروطها ثانيا.

                الرَّحِيمِ بعباده, ومن رحمته بهم, أن وفقهم للتوبة, وعفا عنهم وصفح.


                يتابع الرجاء عدم الرد

                7

                7

                تعليق


                • #9
                  38 - 39 قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .

                  كرر الإهباط, ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى أي:

                  أيَّ وقت وزمان جاءكم مني -يا معشر الثقلين- هدى, أي:

                  رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني, ويدنيكم مني;

                  ويدنيكم من رضائي، فمن تبع هداي منكم بأن آمن برسلي

                  وكتبي, واهتدى بهم, وذلك


                  بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب, والامتثال للأمر والاجتناب للنهي،

                  فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .



                  وفي الآية الأخرى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى .


                  فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء:



                  نفي الخوف والحزن والفرق بينهما, أن المكروه إن كان قد مضى,

                  أحدث الحزن, وإن كان منتظرا, أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا,

                  حصل ضدهما, وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه

                  وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه, حصل له الأمن

                  والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه, من الخوف,

                  والحزن, والضلال, والشقاء، فحصل له المرغوب, واندفع عنه المرهوب،

                  وهذا عكس من لم يتبع هداه, فكفر به, وكذب بآياته.



                  فـ أولئك أصحاب النار أي: الملازمون لها, ملازمة الصاحب لصاحبه,

                  والغريم لغريمه، هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ لا يخرجون منها،

                  ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون.

                  وفي هذه الآيات وما أشبهها, انقسام الخلق من الجن والإنس,

                  إلى أهل السعادة, وأهل الشقاوة, وفيها صفات الفريقين والأعمال

                  الموجبة لذلك، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب, كما أنهم مثلهم,

                  في الأمر والنهي.



                  ثم شرع تعالى يذكِّر بني إسرائيل نعمه عليهم وإحسانه فقال:



                  40 - 43 يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ .


                  يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ المراد بإسرائيل: يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فرق بني إسرائيل,

                  الذين بالمدينة وما حولها, ويدخل فيهم من أتى من بعدهم, فأمرهم بأمر عام،

                  فقال: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر

                  في هذه السورة بعضها، والمراد بذكرها بالقلب اعترافا, وباللسان ثناء,

                  وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه.


                  وَأَوْفُوا بِعَهْدِي وهو ما عهده إليهم من الإيمان به, وبرسله وإقامة شرعه.


                  أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وهو المجازاة على ذلك.


                  والمراد بذلك: ما ذكره الله في قوله:
                  وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ

                  اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ [وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي]

                  إلى قوله: فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ .


                  ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده, وهو الرهبة منه تعالى,

                  وخشيته وحده, فإن مَنْ خشِيَه أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه.



                  ثم أمرهم بالأمر الخاص, الذي لا يتم إيمانهم, ولا يصح إلا به فقال:

                  وَآمِنُوا بِمَا أَنزلْتُ وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم،

                  فأمرهم بالإيمان به, واتباعه, ويستلزم ذلك, الإيمان بمن أنزل عليه،

                  وذكر الداعي لإيمانهم به، فقال: مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ أي: موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا،

                  فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب, غير مخالف لها; فلا مانع لكم من الإيمان به,

                  لأنه جاء بما جاءت به المرسلون, فأنتم أولى من آمن به وصدق به,

                  لكونكم أهل الكتب والعلم.


                  وأيضا فإن في قوله: مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به,

                  عاد ذلك عليكم, بتكذيب ما معكم, لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى

                  وعيسى وغيرهما من الأنبياء، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم.



                  وأيضا, فإن في الكتب التي بأيدكم, صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن

                  والبشارة به، فإن لم تؤمنوا به, كذبتم ببعض ما أنزل إليكم, ومن كذب

                  < 1-51 > ببعض ما أنزل إليه, فقد كذب بجميعه، كما أن من كفر برسول,

                  فقد كذب الرسل جميعهم.



                  فلما أمرهم بالإيمان به, نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به فقال:

                  وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ أي: بالرسول والقرآن.

                  وفي قوله: أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ أبلغ من قوله: ولا تكفروا به لأنهم

                  إذا كانوا أول كافر به, كان فيه مبادرتهم إلى الكفر به,

                  عكس ما ينبغي منهم, وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم.


                  ثم ذكر المانع لهم من الإيمان, وهو اختيار العرض الأدنى على السعادة الأبدية،

                  فقال: وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل,

                  التي يتوهمون انقطاعها, إن آمنوا بالله ورسوله, فاشتروها بآيات الله واستحبوها,

                  وآثروها.

                  وَإِيَّايَ أي: لا غيري فَاتَّقُونِ فإنكم إذا اتقيتم الله وحده, أوجبت لكم تقواه,

                  تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل,

                  فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم.


                  ثم قال: وَلا تَلْبِسُوا أي: تخلطوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ فنهاهم

                  عن شيئين, عن خلط الحق بالباطل, وكتمان الحق؛ لأن المقصود

                  من أهل الكتب والعلم, تمييز الحق, وإظهار الحق, ليهتدي بذلك المهتدون,

                  ويرجع الضالون, وتقوم الحجة على المعاندين؛ لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته,

                  ليميز الحق من الباطل, ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين،

                  فمن عمل بهذا من أهل العلم, فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم.



                  ومن لبس الحق بالباطل, فلم يميز هذا من هذا, مع علمه بذلك,

                  وكتم الحق الذي يعلمه, وأمر بإظهاره, فهو من دعاة جهنم,

                  لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم, فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين.



                  ثم قال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أي: ظاهرا وباطنا وَآتُوا الزَّكَاةَ مستحقيها،

                  وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أي: صلوا مع المصلين، فإنكم إذا فعلتم ذلك

                  مع الإيمان برسل الله وآيات الله, فقد جمعتم بين الأعمال الظاهرة والباطنة,

                  وبين الإخلاص للمعبود, والإحسان إلى عبيده، وبين العبادات القلبية البدنية والمالية.



                  وقوله: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أي: صلوا مع المصلين,

                  ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها، وفيه أن الركوع ركن من أركان الصلاة

                  لأنه عبّر عن الصلاة بالركوع، والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها.


                  44 أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ .

                  أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ أي: بالإيمان والخير وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال: وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ وأسمى العقل عقلا لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير, وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به, وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله, أو نهاه عن الشر فلم يتركه, دل على عدم عقله وجهله, خصوصا إذا كان عالما بذلك, قد قامت عليه الحجة.

                  وهذه الآية, وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل, فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه, وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما, لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين, والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر, فليس في رتبة الأول, وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة.

                  45 - 48 وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ .

                  أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها, والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور, ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان, وتنهى عن الفحشاء والمنكر, يستعان بها على كل أمر من الأمور وَإِنَّهَا أي: الصلاة لَكَبِيرَةٌ أي: شاقة إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع, وخشية الله, ورجاء ما عنده يوجب له فعلها, منشرحا صدره لترقبه للثواب, وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك, فإنه لا داعي له يدعوه إليها, وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه.

                  والخشوع هو: خضوع القلب وطمأنينته, وسكونه لله تعالى, وانكساره بين يديه, ذلا وافتقارا, وإيمانا به وبلقائه.

                  < 1-52 >

                  ولهذا قال: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أي: يستيقنون أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ فيجازيهم بأعمالهم وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات, ونفس عنهم الكربات, وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه, كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه.

                  ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته, وعظا لهم, وتحذيرا وحثا.

                  وخوفهم بيوم القيامة الذي لا تَجْزِي فيه، أي: لا تغني نَفْسٌ ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين عَنْ نَفْسٍ ولو كانت من العشيرة الأقربين شَيْئًا لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه.

                  وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا أي: النفس, شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له, ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة، وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ أي: فداء ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب ولا يقبل منهم ذلك وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي: يدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله: لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا هذا في تحصيل المنافع، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ هذا في دفع المضار, فهذا النفي للأمر المستقل به النافع.

                  ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض, كالعدل, أو بغيره, كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين, لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع, وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع, ويدفع المضار, فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته.


                  يتابع الرجاء عدم الرد

                  7

                  7

                  تعليق


                  • #10
                    49 - 57 وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .

                    هذا شروع في تعداد نعمه على بني إسرائيل على وجه التفصيل فقال: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أي: من فرعون وملئه وجنوده وكانوا قبل ذلك يَسُومُونَكُمْ أي: يولونهم ويستعملونهم، سُوءَ الْعَذَابِ أي: أشده بأن كانوا يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ خشية نموكم، وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ أي: فلا يقتلونهن، فأنتم بين قتيل ومذلل بالأعمال الشاقة، مستحيي على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه فهذا غاية الإهانة، فمن الله عليهم بالنجاة التامة وإغراق عدوهم وهم ينظرون لتقر أعينهم.

                    وَفِي ذَلِكم أي: الإنجاء بَلاءٌ أي: إحسان مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره.

                    ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده, أي: ذهابه.

                    وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ عالمون بظلمكم, قد قامت عليكم الحجة, فهو أعظم جرما وأكبر إثما.

                    ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الله.

                    وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً وهذا غاية الظلم والجراءة على الله وعلى رسوله، فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ إما الموت أو الغشية العظيمة، وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وقوع ذلك, كل ينظر إلى صاحبه، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .

                    ثم ذكر نعمته عليكم في التيه والبرية الخالية من الظلال وسعة الأرزاق، فقال: وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وهو اسم جامع لكل رزق حسن يحصل بلا تعب، ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز وغير ذلك.

                    وَالسَّلْوَى طائر صغير يقال له السماني، طيب اللحم، فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم < 1-53 > ويقيتهم كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ أي: رزقا لا يحصل نظيره لأهل المدن المترفهين, فلم يشكروا هذه النعمة, واستمروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب.

                    وَمَا ظَلَمُونَا يعني بتلك الأفعال المخالفة لأوامرنا لأن الله لا تضره معصية العاصين, كما لا تنفعه طاعات الطائعين، وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فيعود ضرره عليهم.


                    يتابع الرجاء عدم الرد

                    7

                    7

                    تعليق


                    • #11
                      58 - 59 وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ .

                      وهذا أيضا من نعمته عليهم بعد معصيتهم إياه, فأمرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا ومسكنا, ويحصل لهم فيها الرزق الرغد، وأن يكون دخولهم على وجه خاضعين لله فيه بالفعل, وهو دخول الباب سجدا أي: خاضعين ذليلين، وبالقول وهو أن يقولوا: حِطَّةٌ أي أن يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم إياه مغفرته.

                      نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ بسؤالكم المغفرة، وَسَنزيدُ الْمُحْسِنِينَ بأعمالهم, أي: جزاء عاجل وآجلا.

                      فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا منهم, ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فقالوا بدل حطة: حبة في حنطة، استهانة بأمر الله, واستهزاء وإذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى، ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم, ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم، قال: فَأَنزلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا منهم رِجْزًا أي: عذابا مِنَ السَّمَاءِ بسبب فسقهم وبغيهم.

                      60 وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ .

                      استسقى, أي: طلب لهم ماء يشربون منه.

                      فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ إما حجر مخصوص معلوم عنده, وإما اسم جنس، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا وقبائل بني إسرائيل اثنتا عشرة قبيلة، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ منهم مَشْرَبَهُمْ أي: محلهم الذي يشربون عليه من هذه الأعين, فلا يزاحم بعضهم بعضا, بل يشربونه متهنئين لا متكدرين, ولهذا قال: كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ أي: الذي آتاكم من غير سعي ولا تعب، وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ أي: تخربوا على وجه الإفساد.

                      61 وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ .

                      أي: واذكروا, إذ قلتم لموسى, على وجه التملل لنعم الله والاحتقار لها، لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ أي: جنس من الطعام, وإن كان كما تقدم أنواعا, لكنها لا تتغير، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا أي: نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه، وَقِثَّائِهَا وهو الخيار وَفُومِهَا أي: ثومها، والعدس والبصل معروف، قال لهم موسى أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى وهو الأطعمة المذكورة، بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وهو المن والسلوى, فهذا غير لائق بكم، فإن هذه الأطعمة التي طلبتم, أي مصر هبطتموه وجدتموها، وأما طعامكم الذي من الله به عليكم, فهو خير الأطعمة وأشرفها, فكيف تطلبون به بدلا؟

                      ولما كان الذي جرى منهم فيه أكبر دليل على قلة صبرهم واحتقارهم لأوامر الله ونعمه, جازاهم من جنس عملهم فقال: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ التي تشاهد على ظاهر أبدانهم وَالْمَسْكَنَةُ بقلوبهم، فلم تكن أنفسهم عزيزة, ولا لهم همم عالية, بل أنفسهم أنفس مهينة, وهممهم أردأ الهمم، وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أي: لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا, إلا أن رجعوا بسخطه عليهم, فبئست الغنيمة غنيمتهم, وبئست الحالة حالتهم.

                      ذَلِكَ الذي استحقوا به غضبه بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ الدالات على الحق الموضحة لهم, فلما كفروا بها عاقبهم بغضبه عليهم, وبما كانوا يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ .

                      وقوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ زيادة شناعة, وإلا فمن المعلوم أن قتل النبي لا يكون بحق, لكن لئلا يظن جهلهم وعدم علمهم.

                      ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا بأن ارتكبوا معاصي الله وَكَانُوا يَعْتَدُونَ على عباد الله, فإن المعاصي يجر بعضها بعضا، فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير, ثم ينشأ عنه الذنب الكبير, ثم ينشأ عنها أنواع البدع والكفر وغير ذلك, فنسأل الله العافية من كل بلاء.

                      واعلم أن الخطاب في هذه الآيات لأمة بني إسرائيل الذين كانوا موجودين وقت نزول القرآن, وهذه الأفعال < 1-54 > المذكورة خوطبوا بها وهي فعل أسلافهم, ونسبت لهم لفوائد عديدة، منها: أنهم كانوا يتمدحون ويزكون أنفسهم, ويزعمون فضلهم على محمد ومن آمن به، فبين الله من أحوال سلفهم التي قد تقررت عندهم, ما يبين به لكل أحد [منهم] أنهم ليسوا من أهل الصبر ومكارم الأخلاق, ومعالي الأعمال، فإذا كانت هذه حالة سلفهم، مع أن المظنة أنهم أولى وأرفع حالة ممن بعدهم فكيف الظن بالمخاطبين؟".

                      ومنها: أن نعمة الله على المتقدمين منهم, نعمة واصلة إلى المتأخرين, والنعمة على الآباء, نعمة على الأبناء، فخوطبوا بها, لأنها نعم تشملهم وتعمهم.

                      ومنها: أن الخطاب لهم بأفعال غيرهم, مما يدل على أن الأمة المجتمعة على دين تتكافل وتتساعد على مصالحها, حتى كان متقدمهم ومتأخرهم في وقت واحد, وكان الحادث من بعضهم حادثا من الجميع.

                      لأن ما يعمله بعضهم من الخير يعود بمصلحة الجميع, وما يعمله من الشر يعود بضرر الجميع.

                      ومنها: أن أفعالهم أكثرها لم ينكروها, والراضي بالمعصية شريك للعاصي، إلى غير ذلك من الحِكَم التي لا يعلمها إلا الله.


                      يتابع الرجاء عدم الرد

                      7

                      7

                      تعليق


                      • #12
                        62- ثم قال تعالى حاكما بين الفرق الكتابية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .

                        وهذا الحكم على أهل الكتاب خاصة, لأن الصابئين, الصحيح أنهم من جملة فرق النصارى، فأخبر الله أن المؤمنين من هذه الأمة, واليهود والنصارى, والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر, وصدقوا رسلهم, فإن لهم الأجر العظيم والأمن, ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأما من كفر منهم بالله ورسله واليوم الآخر, فهو بضد هذه الحال, فعليه الخوف والحزن.

                        والصحيح أن هذا الحكم بين هذه الطوائف, من حيث هم, لا بالنسبة إلى الإيمان بمحمد, فإن هذا إخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وأن هذا مضمون أحوالهم، وهذه طريقة القرآن إذا وقع في بعض النفوس عند سياق الآيات بعض الأوهام, فلا بد أن تجد ما يزيل ذلك الوهم, لأنه تنزيل مَنْ يعلم الأشياء قبل وجودها, ومَنْ رحمته وسعت كل شيء.

                        وذلك والله أعلم - أنه لما ذكر بني إسرائيل وذمهم, وذكر معاصيهم وقبائحهم, ربما وقع في بعض النفوس أنهم كلهم يشملهم الذم، فأراد الباري تعالى أن يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه، ولما كان أيضا ذكر بني إسرائيل خاصة يوهم الاختصاص بهم. ذكر تعالى حكما عاما يشمل الطوائف كلها, ليتضح الحق, ويزول التوهم والإشكال، فسبحان من أودع في كتابه ما يبهر عقول العالمين.

                        ثم عاد تبارك وتعالى يوبخ بني إسرائيل بما فعل سلفهم:

                        63-64 وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ .

                        أي: واذكروا إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وهو العهد الثقيل المؤكد بالتخويف لهم, برفع الطور فوقهم وقيل لهم: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ من التوراة بِقُوَّةٍ أي: بجد واجتهاد, وصبر على أوامر الله، وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ أي: ما في كتابكم بأن تتلوه وتتعلموه، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ عذاب الله وسخطه, أو لتكونوا من أهل التقوى.

                        فبعد هذا التأكيد البليغ تَوَلَّيْتُمْ وأعرضتم, وكان ذلك موجبا لأن يحل بكم أعظم العقوبات، ولكن لَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ .

                        65-66 وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ .

                        أي: ولقد تقرر عندكم حالة الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ وهم الذين ذكر الله قصتهم مبسوطة في سورة الأعراف في قوله: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ الآيات.

                        فأوجب لهم هذا الذنب العظيم, أن غضب الله عليهم وجعلهم قِرَدَةً خَاسِئِينَ حقيرين ذليلين.

                        وجعل الله هذه العقوبة نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا أي: لمن حضرها من الأمم, وبلغه خبرها, ممن هو في وقتهم. وَمَا خَلْفَهَا أي: من بعدهم, فتقوم على العباد حجة الله, وليرتدعوا عن معاصيه, ولكنها لا تكون موعظة نافعة إلا للمتقين، وأما من عداهم فلا ينتفعون بالآيات.

                        < 1-55 >

                        67 - 74 وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ .

                        أي: واذكروا ما جرى لكم مع موسى, حين قتلتم قتيلا وادارأتم فيه, أي: تدافعتم واختلفتم في قاتله, حتى تفاقم الأمر بينكم وكاد - لولا تبيين الله لكم - يحدث بينكم شر كبير، فقال لكم موسى في تبيين القاتل: اذبحوا بقرة، وكان من الواجب المبادرة إلى امتثال أمره, وعدم الاعتراض عليه، ولكنهم أبوا إلا الاعتراض, فقالوا: أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا فقال نبي الله: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ فإن الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه, وهو الذي يستهزئ بالناس، وأما العاقل فيرى أن من أكبر العيوب المزرية بالدين والعقل, استهزاءه بمن هو آدمي مثله، وإن كان قد فضل عليه, فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه, والرحمة لعباده. فلما قال لهم موسى ذلك, علموا أن ذلك صدق فقالوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ .

                        أي: ما سنها؟ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ أي: كبيرة وَلا بِكْرٌ أي: صغيرة عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ واتركوا التشديد والتعنت.

                        قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا أي: شديد تَسُرُّ النَّاظِرِينَ من حسنها.



                        يتابع الرجاء عدم الرد

                        7

                        7

                        تعليق


                        • #13
                          قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ .

                          قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا فلم نهتد إلى ما تريد وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ .

                          قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ أي: مذللة بالعمل، تُثِيرُ الأرْضَ بالحراثة وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ أي: ليست بساقية، مُسَلَّمَةٌ من العيوب أو من العمل لا شِيَةَ فِيهَا أي: لا لون فيها غير لونها الموصوف المتقدم.

                          قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ أي: بالبيان الواضح، وهذا من جهلهم, وإلا فقد جاءهم بالحق أول مرة، فلو أنهم اعترضوا أي: بقرة لحصل المقصود, ولكنهم شددوا بكثرة الأسئلة فشدد الله عليهم, ولو لم يقولوا " إن شاء الله "لم يهتدوا أيضا إليها، فَذَبَحُوهَا أي: البقرة التي وصفت بتلك الصفات، وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ بسبب التعنت الذي جرى منهم.

                          فلما ذبحوها, قلنا لهم اضربوا القتيل ببعضها, أي: بعضو منها, إما معين, أو أي عضو منها, فليس في تعيينه فائدة, فضربوه ببعضها فأحياه الله, وأخرج ما كانوا يكتمون, فأخبر بقاتله، وكان في إحيائه وهم يشاهدون ما يدل على إحياء الله الموتى، لعلكم تعقلون فتنزجرون عن ما يضركم.

                          ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ أي: اشتدت وغلظت, فلم تؤثر فيها الموعظة، مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ أي: من بعد ما أنعم عليكم بالنعم العظيمة وأراكم الآيات، ولم يكن ينبغي أن تقسو قلوبكم, لأن ما شاهدتم, مما يوجب رقة القلب وانقياده، ثم وصف قسوتها بأنها كَالْحِجَارَةِ التي هي أشد قسوة من الحديد، لأن الحديد والرصاص إذا أذيب في النار, ذاب بخلاف الأحجار.

                          وقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً أي: إنها لا تقصر عن قساوة الأحجار، وليست " أو "بمعنى " بل "ثم ذكر فضيلة الأحجار على قلوبهم، فقال: وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فبهذه الأمور فضلت قلوبكم. ثم توعدهم تعالى أشد الوعيد فقال: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بل هو عالم بها حافظ لصغيرها وكبيرها, وسيجازيكم على ذلك أتم الجزاء وأوفاه.

                          واعلم أن كثيرا من المفسرين رحمهم الله, قد أكثروا في حشو تفاسيرهم من قصص بني إسرائيل, ونزلوا عليها الآيات القرآنية, وجعلوها تفسيرا لكتاب الله, محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم: " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج "

                          والذي أرى أنه وإن جاز نقل أحاديثهم على وجه تكون مفردة غير مقرونة, ولا منزلة على كتاب الله, فإنه لا يجوز جعلها تفسيرا لكتاب الله قطعا إذا لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن مرتبتها كما قال صلى الله عليه وسلم: " لا تصدقوا أهل الكتاب < 1-56 > ولا تكذبوهم "فإذا كانت مرتبتها أن تكون مشكوكا فيها, وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن القرآن يجب الإيمان به والقطع بألفاظه ومعانيه، فلا يجوز أن تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة, التي يغلب على الظن كذبها أو كذب أكثرها, معاني لكتاب الله, مقطوعا بها ولا يستريب بهذا أحد، ولكن بسبب الغفلة عن هذا حصل ما حصل، والله الموفق.

                          75 - 78 أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ .

                          هذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب, أي: فلا تطمعوا في إيمانهم وحالتهم لا تقتضي الطمع فيهم, فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه, فيضعون له معاني ما أرادها الله, ليوهموا الناس أنها من عند الله, وما هي من عند الله، فإذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم يصدون به الناس عن سبيل الله, فكيف يرجى منهم إيمان لكم؟! فهذا من أبعد الأشياء.

                          ثم ذكر حال منافقي أهل الكتاب فقال: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا فأظهروا لهم الإيمان قولا بألسنتهم, ما ليس في قلوبهم، وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فلم يكن عندهم أحد من غير أهل دينهم، قال بعضهم لبعض: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أي: أتظهرون لهم الإيمان وتخبروهم أنكم مثلهم, فيكون ذلك حجة لهم عليكم؟

                          يقولون: إنهم قد أقروا بأن ما نحن عليه حق, وما هم عليه باطل, فيحتجون عليكم بذلك عند ربكم أَفَلا تَعْقِلُونَ أي: أفلا يكون لكم عقل, فتتركون ما هو حجة عليكم؟ هذا يقوله بعضهم لبعض.



                          يتابع الرجاء عدم الرد

                          7

                          7

                          تعليق


                          • #14
                            أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ .

                            أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ فهم وإن أسروا ما يعتقدونه فيما بينهم, وزعموا أنهم بإسرارهم لا يتطرق عليهم حجة للمؤمنين, فإن هذا غلط منهم وجهل كبير, فإن الله يعلم سرهم وعلنهم, فيظهر لعباده ما أنتم عليه.

                            وَمِنْهُمْ أي: من أهل الكتاب أُمِّيُّونَ أي: عوام, ليسوا من أهل العلم، لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ أي: ليس لهم حظ من كتاب الله إلا التلاوة فقط, وليس عندهم خبر بما عند الأولين الذين يعلمون حق المعرفة حالهم, وهؤلاء إنما معهم ظنون وتقاليد لأهل العلم منهم.

                            فذكر في هذه الآيات علماءهم, وعوامهم, ومنافقيهم, ومن لم ينافق منهم, فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال، والعوام مقلدون لهم, لا بصيرة عندهم فلا مطمع لكم في الطائفتين.

                            79 فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ .

                            توعد تعالى المحرفين للكتاب, الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق, وإنما فعلوا ذلك مع علمهم لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل، فجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في أيدي الناس, فظلموهم من وجهين: من جهة تلبيس دينهم عليهم, ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق, بل بأبطل الباطل, وذلك أعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما، ولهذا توعدهم بهذين الأمرين فقال: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ أي: من التحريف والباطل وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ من الأموال، والويل: شدة العذاب والحسرة, وفي ضمنها الوعيد الشديد.

                            قال شيخ الإسلام لما ذكر هذه الآيات من قوله: أَفَتَطْمَعُونَ إلى يَكْسِبُونَ فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه, وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة, على ما أصله من البدع الباطلة.

                            وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني, وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه، ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله, لينال به دنيا وقال: إنه من عند الله, مثل أن يقول: هذا هو الشرع والدين, وهذا معنى الكتاب والسنة, وهذا معقول السلف والأئمة, وهذا هو أصول الدين, الذي يجب اعتقاده على الأعيان والكفاية، ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة, لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله.

                            < 1-57 >

                            وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة, كالرافضة, وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء.

                            80 - 82 وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .

                            ذكر أفعالهم القبيحة, ثم ذكر مع هذا أنهم يزكون أنفسهم, ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله, والفوز بثوابه, وأنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة, أي: قليلة تعد بالأصابع, فجمعوا بين الإساءة والأمن.

                            ولما كان هذا مجرد دعوى, رد الله تعالى عليهم فقال: قُلْ لهم يا أيها الرسول أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا أي بالإيمان به وبرسله وبطاعته, فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل. أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ؟ فأخبر تعالى أن صدق دعواهم متوقفة على أحد هذين الأمرين اللذين لا ثالث لهما: إما أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا, فتكون دعواهم صحيحة.

                            وإما أن يكونوا متقولين عليه فتكون كاذبة, فيكون أبلغ لخزيهم وعذابهم، وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند الله عهدا, لتكذيبهم كثيرا من الأنبياء, حتى وصلت بهم الحال إلى أن قتلوا طائفة منهم, ولنكولهم عن طاعة الله ونقضهم المواثيق، فتعين بذلك أنهم متقولون مختلقون, قائلون عليه ما لا يعلمون، والقول عليه بلا علم, من أعظم المحرمات, وأشنع القبيحات.

                            ثم ذكر تعالى حكما عاما لكل أحد, يدخل به بنو إسرائيل وغيرهم, وهو الحكم الذي لا حكم غيره, لا أمانيهم ودعاويهم بصفة الهالكين والناجين، فقال: بَلَى أي: ليس الأمر كما ذكرتم, فإنه قول لا حقيقة له، ولكن مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وهو نكرة في سياق الشرط, فيعم الشرك فما دونه، والمراد به هنا الشرك, بدليل قوله: وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ أي: أحاطت بعاملها, فلم تدع له منفذا, وهذا لا يكون إلا الشرك, فإن من معه الإيمان لا تحيط به خطيئته.

                            فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية, وهي حجة عليهم كما ترى, فإنها ظاهرة في الشرك, وهكذا كل مبطل يحتج بآية, أو حديث صحيح على قوله الباطل فلا بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه.

                            وَالَّذِينَ آمَنُوا بالله وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ولا تكون الأعمال صالحة إلا بشرطين: أن تكون خالصة لوجه الله, متبعا بها سنة رسوله.

                            فحاصل هاتين الآيتين, أن أهل النجاة والفوز, هم أهل الإيمان والعمل الصالح، والهالكون أهل النار المشركون بالله, الكافرون به.

                            83 وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ .

                            وهذه الشرائع من أصول الدين, التي أمر الله بها في كل شريعة, لاشتمالها على المصالح العامة, في كل زمان ومكان, فلا يدخلها نسخ, كأصل الدين، ولهذا أمرنا بها في قوله: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا إلى آخر الآية.

                            فقوله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هذا من قسوتهم أن كل أمر أمروا به, استعصوا؛ فلا يقبلونه إلا بالأيمان الغليظة, والعهود الموثقة لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ هذا أمر بعبادة الله وحده, ونهى عن الشرك به، وهذا أصل الدين, فلا تقبل الأعمال كلها إن لم يكن هذا أساسها, فهذا حق الله تعالى على عباده, ثم قال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أي: أحسنوا بالوالدين إحسانا، وهذا يعم كل إحسان قولي وفعلي مما هو إحسان إليهم، وفيه النهي عن الإساءة إلى الوالدين, أو عدم الإحسان والإساءة، لأن الواجب الإحسان, والأمر بالشيء نهي عن ضده.

                            وللإحسان ضدان: الإساءة, وهي أعظم جرما، وترك الإحسان بدون إساءة, وهذا محرم, لكن لا يجب أن يلحق بالأول، وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى, والمساكين، وتفاصيل الإحسان لا تنحصر بالعد, بل تكون بالحد, كما تقدم.

                            ثم أمر بالإحسان إلى الناس عموما فقال: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف, ونهيهم عن المنكر, وتعليمهم العلم, وبذل السلام, والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب.

                            ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله, أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق, وهو الإحسان بالقول, فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار, ولهذا قال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .

                            ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به < 1-58 > عباده, أن يكون الإنسان نزيها في أقواله وأفعاله, غير فاحش ولا بذيء, ولا شاتم, ولا مخاصم، بل يكون حسن الخلق, واسع الحلم, مجاملا لكل أحد, صبورا على ما يناله من أذى الخلق, امتثالا لأمر الله, ورجاء لثوابه.

                            ثم أمرهم بإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة, لما تقدم أن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود, والزكاة متضمنة للإحسان إلى العبيد.

                            ثُمَّ بعد هذا الأمر لكم بهذه الأوامر الحسنة التي إذا نظر إليها البصير العاقل, عرف أن من إحسان الله على عباده أن أمرهم بها,, وتفضل بها عليهم وأخذ المواثيق عليكم تَوَلَّيْتُمْ على وجه الإعراض، لأن المتولي قد يتولى, وله نية رجوع إلى ما تولى عنه، وهؤلاء ليس لهم رغبة ولا رجوع في هذه الأوامر، فنعوذ بالله من الخذلان.

                            وقوله: إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ هذا استثناء, لئلا يوهم أنهم تولوا كلهم، فأخبر أن قليلا منهم, عصمهم الله وثبتهم.


                            يتابع الرجاء عدم الرد

                            7


                            7

                            تعليق


                            • #15
                              84 - 86 وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ .

                              وهذا الفعل المذكور في هذه الآية, فعل للذين كانوا في زمن الوحي بالمدينة، وذلك أن الأوس والخزرج - وهم الأنصار - كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم مشركين, وكانوا يقتتلون على عادة الجاهلية، فنزلت عليهم الفرق الثلاث من فرق اليهود, بنو قريظة, وبنو النضير, وبنو قينقاع، فكل فرقة منهم حالفت فرقة من أهل المدينة.

                              فكانوا إذا اقتتلوا أعان اليهودي حليفه على مقاتليه الذين تعينهم الفرقة الأخرى من اليهود, فيقتل اليهودي اليهودي, ويخرجه من دياره إذا حصل جلاء ونهب، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها, وكان قد حصل أسارى بين الطائفتين فدى بعضهم بعضا.

                              والأمور الثلاثة كلها قد فرضت عليهم، ففرض عليهم أن لا يسفك بعضهم دم بعض, ولا يخرج بعضهم بعضا، وإذا وجدوا أسيرا منهم, وجب عليهم فداؤه، فعملوا بالأخير وتركوا الأولين, فأنكر الله عليهم ذلك فقال: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وهو فداء الأسير وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ وهو القتل والإخراج.

                              وفيها أكبر دليل على أن الإيمان يقتضي فعل الأوامر واجتناب النواهي، وأن المأمورات من الإيمان، قال تعالى: فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وقد وقع ذلك فأخزاهم الله, وسلط رسوله عليهم, فقتل من قتل, وسبى من سبى منهم, وأجلى من أجلى.

                              وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ أي: أعظمه وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ .

                              ثم أخبر تعالى عن السبب الذي أوجب لهم الكفر ببعض الكتاب, والإيمان ببعضه فقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ توهموا أنهم إن لم يعينوا حلفاءهم حصل لهم عار, فاختاروا النار على العار، فلهذا قال: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ بل هو باق على شدته, ولا يحصل لهم راحة بوقت من الأوقات، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي: يدفع عنهم مكروه.

                              87 وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ .

                              يمتن تعالى على بني إسرائيل أن أرسل لهم كليمه موسى, وآتاه التوراة, ثم تابع من بعده بالرسل الذين يحكمون بالتوراة, إلى أن ختم أنبياءهم بعيسى ابن مريم عليه السلام، وآتاه من الآيات البينات ما يؤمن على مثله البشر، وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أي: قواه الله بروح القدس.

                              قال أكثر المفسرين: إنه جبريل عليه السلام, وقيل: إنه الإيمان الذي يؤيد الله به عباده.

                              ثم مع هذه النعم التي لا يقدر قدرها, لما أتوكم بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ عن الإيمان بهم، فَفَرِيقًا منهم كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ فقدمتم الهوى على الهدى, وآثرتم الدنيا على الآخرة، وفيها من التوبيخ والتشديد ما لا يخفى.

                              88 وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ .

                              أي: اعتذروا عن الإيمان لما دعوتهم إليه, يا أيها الرسول, بأن قلوبهم غلف, أي: عليها غلاف وأغطية, فلا تفقه ما تقول، يعني فيكون لهم - بزعمهم - عذر لعدم العلم, وهذا كذب منهم، فلهذا قال تعالى: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ أي: أنهم مطرودون ملعونون, بسبب كفرهم، فقليلا المؤمن منهم, أو قليلا إيمانهم، وكفرهم هو الكثير.



                              يتابع الرجاء عم الرد


                              7

                              7

                              تعليق

                              يعمل...
                              X